المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " ونحن نُعانِي الآن في هذه الأزمِنَة وبخاصّة في هذه الأوقات من تصدّر شيوخ الفجأة! والفجعة! .. "الشيخ البخاري:-حفظه الله-



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
22-Jul-2013, 02:26 AM
السّؤال:
يقول: بعضُ الإخوة السّلفيِّين -هدانا الله وإيّاهُم- يتكلّمون يقولون: بأنّ فلانا من أهل العلم طالب علم وذاك فلان عالِم، ويقع الخلاف بينَهُم إذا لم يتّفق أحد مع الآخر بالخاصّة حول إذا كان فلان يُستَفتى أم لا بِمُجرّد أنّه لا يزال طالب علم وإن كانت لديه مُؤلّفات وشروحات، ما هي الضّوابط التي يُفرّق بين طالب العِلم والعالِم في مسألة الإفتاء؟

الجواب:
لا حول ولا قوّة إلاّ بالله!

يا إخوتاه –بارك الله فيكُم-: يجبُ في مثل هذه المقامات أن نَّعرف أنّه إنّما يقع الخلاف بين الإخوة في مثل هذه المسائل لِتضييعهم الضّوابط المذكورة في كلام أهل العلم والطّرائق المنثورة في كلام أهل العلم في مَنْ يُسْتَفْتَى ومن يكون أهلاً للفُتْيَا، فليس كُلّ من تكلّم أو كما قيل في السّؤال ألَّفَ أو شَرَحَ يكون أهلاً للفُتْيَا! فالفُتْيَا أمرها عظيم، وكما قال غير واحدٍ من السّلف: (إنّ الذي يُفتِي النّاس في كُلِّ ما يسألونه لمجنون)، وذكر غير واحد كالحافظ ابن عبد البرّ وغيره: (ينبغي للمُعلِّم أن يُعلِّم طُلاّبه: لا أدري).

فالعُلَماء لهم صفات –باركَ اللهُ فيكُم-، والذينَ يتكلّمون في العِلْم ويُفتُونَ النّاس لَهُم صفات ذكرها العُلَماء، ومن ذلك كلامٌ عظيمٌ للإمام ابن القيِّم –رحمهُ اللهُ- في "إعلام المُوقِّعين"، وكلامٌ نفيسٌ أيضًا للعلاّمة الشّاطبيّ –رحمةُ اللهِ عليهِ- في "الاعتصام" وفي "المُوافقَات"، وذكر العُلَماء وأهل العِلم كلامًا كثيرًا في هذا الباب، فلا ينبغي أن يُسْتَفْتَى كُلّ أحدٍ، إنّما يُسْتَفْتَى أهلُ العِلم الرّاسخون في العِلم، قال الله جلّ وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ﴾ ، ﴿..الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ..﴾ قال الإمام الشّاطبيّ –رحمهُ اللهُ- مُبيِّنا من هُم الرّاسخون في العِلْم قال: (هُمُ الثّابِتُوا الأقدام في عِلْمِ الشّريعة)، ولهذا قال الإمام البُخارِيّ –رحمهُ الله- في كتابه الصّحيح علّق عن عقبة بن عامر: (تعلّموا قبل الظّانِّين)؛ قال –رحمهُ الله- مُبيِّنا معنى كلام عُقبة –رضي الله عنهُ- قال: (الذين يتكلّمون بالظّنّ) يعني: بغير العِلم، وتكلّم الحافظ النّوويّ –رحمهُ الله- في معنى كلام الإمام البُخاريّ في مُقدّمة المجموع وذكر جُملة من الكلمات في هذا المقام فارجعُوا إليها.

على كُلِّ حالٍ: كاتبٌ يكتُب ليس معنى أنّه عالِمٌ يُسْتَفْتَى! فكم من العُلَماء وهم أهل للفُتْيَا وما لَهُم كتاباتٌ قد كتبوها، فليس ذلك دليلٌ على أنّهم ليسوا من أهل العِلْم! ونحن نُعانِي الآن في هذه الأزمِنَة وبخاصّة في هذه الأوقات من تصدّر شيوخ الفجأة! والفجعة! –أنا أقول-؛ يَخرُجون للنّاس وبخاصّة عبر الأنترنِت هذا يُفتون النّاس ويتكلّمون في مسائل الحلال والحرام والعِلْم وغير ذلك وهُم من أبعَد النّاس عن العِلْم، ولو دقّقت وحقّقت لوجدتّهم يبتعدون كُلّ البُعد عن مسالك أهل العِلْم حتّى في فُتْيَاهُم وفي كلامهم مع النّاس، -نسأل الله العافية والسّلامة-.

فهؤُلاَء يَضُرّون ولا ينفَعُون، ونَعَم نجدُ أنّ الإخوة في الأنترنت وغير ذلك يستَمِعُون إلى أمثال هؤلاء لأنّهم هؤلاء فارغين! فارغين! وجدوا سبيلاً في هذا الأنترنت ينفُثُون سُمُومَهُم عن طريق هذا الجهاز والنّاس مساكين أشغلوا أوقاتهم وعيونهم وأذهانهم مع الأنترنت هذا، كُلّ من تكلّم صدّقوه! كُلّ من تكلّم صدّقوه! وظنّوا أنّه بِمُجرّد أنّه ذهب إلى الشّيخ الفُلانِيّ العالِم العلاّني وجاءهم وقال: ذهبت إلى الشّيخ فلان وقُلت للشّيخ فُلان والله أعلم قال أو لم يَقُل –نعم- صدّقوه! وقد كتب أبو الدّرداء –رضي اللهُ تعالى عنهُ- إلى سلمان الفارسيّ قال له: (إنِّي أدعُوكَ أن ائتِي الأرض المُقدّسة وأرض الجهاد) يعني: أرض الشّام، وهذا الأثر في المُصنّف لابن أبي شيبة، قال: (أمّا بعدُ: فإنّك قد كتبتَ إليّ أن ائتِي الأرض المُقدّسة وأرض الجهاد أَوَلاَ تعلم أنّ الأرض لا تُقدِّس أحدًا، إنّما يُقدِّس المرء عَمَله) هذا هُوَ؛ يُزكِّي المرء عَمَله –بارك الله فيكُم-.

فإيَّاكُم وهؤلاء السُّرّاق قُطّاع الطّرق يسرقون مِنكُم ثباتَكُم واستقامتَكُم، ويقطعون عليكُمُ الطّريق يقطعون طريقَ أهل العلم يقطعون الطّريق بينَكُم وبين أهل العِلم من أهل السُّنّة، فانتبهوا يا إخوتاه.

وليس كُلّ من تكلّم كما قُلت هُوَ أهلٌ للفُتيا، وليس كلّ من ظهر وخرج على هذه القوات الفضائيّات –نعم- أو على هذه الأجهزة –الأنترنت- يكُون أهلاً للفُتْيَا أو للسّؤال أو للتّعليم فضلاً عن الفُتيا فانتبهوا –بارك اللهُ فيكُم-، يجب أن تعرفوا شروط أهل العِلْم ومن هُم العُلُمَاء، ونسأل الله جلّ وعلا أن يُيسِّر لنا كلمةً حول بيان حقيقة العُلَماء أو من هُم العُلَماء الذينَ يستفتيهم النّاس، وقد تكلّمتُ في سؤالات مضت لعلّكم تراجعونها إن شاء الله تعالى.اهـ (1)

وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
12 / رمضان / 1434هـ



(للتحميل (http://ar.salafishare.com/9fL))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(1) من لِّقاءٍ مَفْتُوح مع فضيلَة الشّيخ الدّكتور: عبد الله بن عبد الرّحيم البُخاريّ -حفظَهُ الله- يوم الجمعة 26 رمضان 1432هـ، تكرّم فيه الشّيخ بالإجابة على بعض الأسئلة الواردة عبر موقع ميراث الأنبياء.

أبو ياسر إسماعيل بن علي
22-Jul-2013, 03:32 AM
أحسنت أخي أحسن الله إليك
قال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين رحمه الله :
أن الإنسان إذا سئل عما لا يعلم فلا يتكلم ويأتي بجواب لا يدري أهو صحيح أم لا ولكن لا يقول إلا ما علم به فإذا سئل عن شيء لا يعلمه فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الإنسان لما لا يعلم الله أعلم ووصف هذا رضي الله عنه بالعلم لأن الذي يقول لا أعلم وهو لا يعلم هو العالم حقيقة هو الذي علم قدر نفسه وعلم منزلته وأنه جاهل فيقول لما لا يعرف الله أعلم ثم أن الإنسان إذا قال لما لا يعلم الله أعلم ولم يفت به يثق الناس به ويعلمون أن ما أفتى به فهو عن علم وما لم يعلمه يمسك عنه
وأيضا إذا قال الإنسان لما لا يعلم الله أعلم عود نفسه الرضوخ للحق وعدم التصدر للفتوى وهذا خلافا لبعض الناس اليوم تجده يرى أن الفتوى ربح بضاعة فيفتي بعلم وبغير علم ويفتي بنصف علم ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الفتوى الحموية كانوا يقولون ما أفسد الدنيا والدين إلا أربعة نصف متكلم نصف فقيه نصف لغوي نصف طبيب أما المتكلم فإنه أفسد الأديان والعقائد لأن أهل الكلام الذين نالوا من الكلام شيئا ولم يصلوا إلى غايته اغتروا به وأما أهل الكلام الذين وصلوا إلى غايته فقد عرفوا حقيقته ورجعوا إلى الحق ونصف فقيه يفسد البلدان لأنه يقضي بغير الحق فيفسد البلدان فيعطي حق هذا لهذا وهذا لهذا ونصف نحوي لأنه يفسد اللسان لأنه يظن أنه أدرك قواعد اللغة العربية فيلحن فيفسد اللسان ونصف طبيب فيفسد الأبدان لأنه لا يعرف فربما يصف دواء يكون داء وربما لا يصف الدواء فيهلك المريض فالحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يفتي إلا حيث جازت له الفتوى وإن كان الله تعالى قد أراد أن يكون إماما للناس يفتيهم ويهديهم إلى صراط مستقيم فإنه سيكون وإن كان الله لم يرد ذلك فلن يفيده تجرأة في الفتوى
شرح رياض الصالحين - (1 / 1961)