المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "لا يلزمني". للشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي -حفظه الله-



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
13-Aug-2013, 08:28 PM
أحد الإخوة: شيخنا لو تعرّجون على هذه المسألة:"لا يلزمني".

الشّيخ:
يسأل الإخوان عن قضيّة قول القائل:(لا يلزمني) تُبيّن له ويقول:(لا يلزمني).

الجواب:
إذا كان تُبيّن له الحقّ بدليله ويقول:(لا يلزمني!) فما الذي يلزمه؟ ما الذي يلزمه؟ الله جلّ وعلا يقول:﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا﴾ ويقول:﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ويقول:﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعتُمْ وَاسْمَعُوا وأَطِيعُوا﴾ ويقول سبحانه وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾..إلى غير ذلك من الآيات؛ ويقول النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-:(من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله) فإذا بيّنتَ للمرء المسألة بدليلها من الكتاب والسُّنّة دلالةً عليها دلالةً صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا خفاء ثمّ لا يُعارضك بشيء إلاّ بقوله:(لا يلزمني!) فاعلم أنّه صاحب هوى، أمّا لو أتى بدليل قائم من كتاب الله وسنّة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- فعليك أن لا تعجل عليه أنظر في دليله فقد يكون الدّليل صحيحًا لكن الفهم غير صحيح فبيّن له فإن أبى بعد البيان له المدعّم بكلام الله من آيات أخرى فإنّ خير ما شرح القرآن القرآن ثمّ بعد ذلك الحديث وخير ما فسرّ السُّنّة السُّنّة فبعد ذلك كلام الصّحابة ثم في الجميع لغة العرب ويُطلب هذا من كلام العرب ومن أشعارهم فإن الشعر ديوان العرب كما قال عبد الله بن عباس –رضي الله تعالى عنهما-، فإذا بيّنتَ له بعد ذلك بكلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكلام أصحابه –رضي الله تعالى عنهم- وأبى فلا حيلة فيه لا حيلة فيه، وهذا الآن أصبح مركبًا يركبه كلّ من أراد أن يركب رأسه ويخالف ويفارق أهل السُّنّة (لا يلزمني!) هذه مسألة أبو الحسن نحنُ ما سمعناها إلاّ معه تُبيّن له بالحقّ والأدلّة والدّلائل المتتابعة يقول لك:(لا يلزمني!) إذًا ما الذي يلزمك؟ تريد وحيًا في قصّتك هذه بعينها؟ باسمك؟ هذا لا يمكن أن يكون؛ كتاب الله يتلوه كلّ تالي وسنّة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- يتلوها كلّ تالي بين أيدينا فنحن نحتكم إليها فإمّا أن تكون دلالة منطوق فهي أعلى الدّلالات؛ وإمّا أن تكون دلالة مفهوم فهي التي تليها ثمّ كلام أهل العلم نستعرضه من أصحاب رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- هل هو على فهمك أنت وإلاّ على فهمي أنا على أيّ الفهمين كان وجب على الثّاني الرّجوع له؛ فيه أكثر من هذا إنصافًا معشر الإخوة؟ إن كان يدل كلام السّلف في تفسيرهم لكلام الله وكلام رسوله -صلّى الله عليه وسلم- على ما ذهبت إليه فأنا معك وإن كان يدلّ على ما أنا عليه وأدعوك إليه فيجب عليك أن تتق الله وتترك هذه العبارة (لا يلزمني!) الحقّ يلزمك ويجب عليك قبوله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾.

وبهذه المناسبة هناك مقالة تنجرّ عن هذه؛ بعضهم يقول:(كلام السّلف يُستأنس به!) ما شاء الله وكلامك أنت يجب أن يُؤخذ به! كلام السّلف يقول:(يستأنس به!) فهم السلف يستأنس به وفهمك أنت! فهمنا نحن ملزم وفهم السلف لا يستأنس به مع أن فهم السّلف هذا قد ألزمنا به رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه –رضي الله عنهم- قال:(ما كان عليه اليوم أنا وأصحابي) فالذي عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فهو الدين وبعده ما كان عليه أصحابه مع الخلفاء الراشدين وبعدهم ما كان عليه بقية أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هو الدين وبعده ما كان عليه أئمة التابعين وخيار التابعين وكبار تلاميذ أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- هو الدين وبعده ما كان عليه أئمة الأثر كمالك والسفيانين والحمّادين والأوزاعي وشعبة وأحمد والشافعي ونحوهم هذا هو الدين فما لم يكن هؤلاء عليه فليس دينًا فلا نحن نعرفه ولا يمكن أن نقبله من صاحبه إذا خالف ما عليه هؤلاء الأخيار إلى أصحاب رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-.

فقوله:(لا يلزمني!) هو من باب الضّرب في صدر النّاصح والرّدّ عليه بغير ما حجة ولا دليل.

نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم حسن الاستماع والانتفاع والاتباع إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد.اهـ


للتحميل من: هنا (http://archive.org/download/hawla_kawlohom_la_yalzamoni/1.mp3)

من اللقاءات السلفية بالمدينة النبوية
فرغها أبو عبد الرحمن أسامة

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
13-Aug-2013, 08:33 PM
الفتوى رقم: ١١٥٠

الصنف: فتاوى منهجية
في حكم استعمال عبارة «لا تُلْزِمْني» و«لم أقتنع» لردِّ الحقِّ
السؤال:
نودُّ سؤالكم -شيخَنا- عمَّن يردُّ على نصيحة الناصحين من بعض الدعاة أو أتباعهم -وخاصَّةً في أثناء مناقشته في مسائل علميةٍ- بعباراتٍ مختلفةٍ مثل أن يقول: «لا تُلزمْني»، أو «لا يَلزمُني»، أو «أنا لست بمقلِّدٍ»، أو «لم أقتنع»، أو «هذه نصيحةٌ لا يراد بها وجه الله»، علمًا أنه قد تكون النصيحة في مسائل ثابتةٍ بالدليل القطعيِّ من نصٍّ أو إجماعٍ.
الجواب: (http://www.ferkous.com/site/rep/Bq149.php)
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فهذه طرقٌ ماكرةٌ وأساليبُ ملتويةٌ ما أنزل الله بها من سلطانٍ، حيث يستعملها المخالف تقصُّدًا للتخلُّص من الحقِّ الظاهر بالدليل الراجح أو الثابت دون معارضٍ وفرارًا من إقامة الحجَّة والبرهان عليه، فعند أيِّ محاصرةٍ علميةٍ يلتوي بهذا الأسلوب ليجد لنفسه مخرجًا عن الحقِّ يستمرُّ به في غَيِّه وضلاله، وهذا ما يحصل كثيرًا مع المستمسكين بالشبه المفلسين من الحجج من أصحاب المناهج العقدية الفاسدة ومن سار في فَلَكِهم من المبطلين والمتحزِّبين وأضرابهم من أصحاب المناهج الدعوية المنحرفة، حيث يتوسَّعون في استعمال هذه الألفاظ الشيطانية ليتنصَّلوا من الحقِّ عن علمٍ أو جهلٍ، فمِن عباراتهم -أيضًا-: «أحترم وجهةَ نظرك، لكن لا تُلزمْني بها»، أو عبارة: «هذا القول أَلْزِمْه طائفتَك ولا تقنعني به»، أو «هذه المسألة فيها خلافٌ والأمر فيها واسعٌ»، أو «هذا منهجكم وليس بمنهجنا»، أو «هذا مذهبٌ شاذٌّ ليس عليه أمرُ أمَّتنا»، ونحو ذلك من العبارات المتَّخذة ذريعةً -في المحاورة والمناقشة خاصَّةً- للهروب والانحراف عن سواء السبيل، ومع الأسف الشديد فقد تسرَّبت هذه الطرق الفاسدة -في دفع الحقِّ وصدِّ الناس عنه- إلى بعض السلفيين الذين يرفعون شعار «الرجوع إلى الكتاب والسنَّة وعلى فهم سلف الأمَّة» بألسنتهم، لكن يعزُّ وجوده في سلوكهم وتصرُّفاتهم وأفعالهم، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصفُّ: ٢-٣].
والمعلوم أنَّ الإلزام والاقتناع أمران يتعلَّقان بالنصوص الشرعية والأدلَّة، وليس للعبد فيما ظهر له فيه الدليل قويًّا راجحًا وأقيمت عليه الحجَّة البيِّنة أن يختار غيرَ طاعة الله فيه والإذعان إليه والانقياد له، فالعبودية لله تكمن في هذه المعاني لقوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]، ذلك لأنَّ اتِّباع الهوى والهروبَ عن الاستقامة اختيارٌ فاسدٌ مُنافٍ للعبودية الحقَّة لله تعالى والطاعة المطلقة له سبحانه ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، كما يجب إلزام المكلَّف بالإجماع والاقتناعُ به والانقياد إليه إذا ثبت بنقلٍ موثوقٍ صحيحٍ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥].
وعليه فليس للمخالف -كائنًا من كان- أن يتمسَّك باختلاف العلماء؛ لأنَّ اختلافهم ليس بحجَّةٍ، وقد نقل ابن عبد البرِّ -رحمه الله- الإجماعَ على أنَّ الاختلاف ليس بحجَّةٍ فقال: «الاختلاف ليس بحجَّةٍ عند أحدٍ علمتُه من فقهاء الأمَّة إلاَّ من لا بصر له ولا معرفةَ عنده ولا حجَّةَ في قوله»(١)، وقد علَّل ذلك بقوله: «ولا يجوز أن يراعيَ الاختلافَ عند طلب الحجَّة لأنَّ الاختلاف ليس منه شيءٌ لازمٌ دون دليلٍ، وإنما الحجَّة اللازمة الإجماعُ لا الاختلاف، لأنَّ الإجماع يجب الانقياد إليه لقول الله: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ [النساء: ١١٥] الآية، والاختلاف يجب طلبُ الدليل عنده من الكتاب والسنَّة قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] الآية، يريد: الكتاب والسنَّة»(٢).
فلا بدَّ -حالتئذٍ في كلِّ مسألةٍ خلافيةٍ- من التمسُّك بالدليل الراجح وتقديمه على المرجوح إذا تعذَّر الجمع أو النسخ كما هو مقرَّرٌ في طُرق دفع التعارض، «إذ الأَضْعَفُ لاَ يَكُونُ مَانِعًا مِنَ العَمَلِ بِالأَقْوَى، وَالمَرْجُوحُ لاَ يَدْفَعُ التَّمَسُّكَ بِالرَّاجِحِ»(٣).
وعليه، فلا يستقيم أمرُ الدين بعبادة الله بالتشهِّي والتمنِّي وتتبُّع الرُّخَص والتخيُّر بين أقوال المفتين بالرأي المجرَّد عن الدليل، وقد نقل ابن عبد البرِّ والباجيُّ -رحمهما الله- الإجماعَ على عدم جواز تتبُّع الرُّخَص والعمل في دين الله بالتشهِّي(٤) لأنه عبادةٌ للهوى ومخالَفةٌ لأحد شرطي العبادة وهي المتابعة للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠]، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهِّي والتخيُّر وموافقة الغرض فيطلبَ القولَ الذي يوافق غرضَه وغرض من يحابيه: فيعمل به ويفتي به ويحكم به، ويحكمَ على عدوِّه ويفتيَه بضدِّه، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر»(٥).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.


الجزائر في: ٠٣ من المحرَّم ١٤٣٤ﻫ

الموافـق ﻟ: ١٧ نوفمبر ٢٠١٢م
(١) (http://www.ferkous.com/site/rep/Bq149.php#_ftnref1)«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ٩٢٢).

(٢) (http://www.ferkous.com/site/rep/Bq149.php#_ftnref2)«التمهيد» لابن عبد البرِّ (١/ ١٤٣).

(٣) (http://www.ferkous.com/site/rep/Bq149.php#_ftnref3)«إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٧٢).

(٤) (http://www.ferkous.com/site/rep/Bq149.php#_ftnref4)انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٤/ ٢١١)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٤/ ٥٧٨)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (٢/ ٤٠٦).


(٥) (http://www.ferkous.com/site/rep/Bq149.php#_ftnref5)«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٤/ ٢١١).


موقع الشيخ فركوس