المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (لم يرجع الأشعري إلى مذهب أهل السنة)لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
02-May-2010, 02:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:

فكان انتهى بنا الحديث فيما سبق، عند كلام الشارح-رحمه الله تعالى-، أعني الشيخ حافظًا في كتابه (المعارج)، عند ذكر الطوائف المخالفة لأهل السنة، في كلام الله-تبارك وتعالى-وأيضًا في الصفات قد تقدم الكلام على ذلك.
وكنا وعدنا حينما جاء الكلام على الأشعري وابن كُلَّاب، وعدنا بأن نتكلم على الأشعري أبي الحسن الأشعري، وأنه-رحمه الله- لم يرجع رجوعًا كاملًا إلى مذهب السلف الصالح.
وأن من زعم أنه-رحمه الله- قد رجع رجوعًا كاملًا خالصًا صافيًا إلى مذهب السلف الصالح فقد أخطأ خطئًا بينًا، وأن هذا القول قول من لم يقف على كلام أبي الحسن الأشعري في كتبه.
وذكرنا في مواطن متعددة في لقاءاتنا متعددة مع أبنائنا الطلاب، كلام شيخ الإسلام-رحمه الله-، وهو أدرى الناس بهذه المذاهب وأصحابها، بل لا أعلم أحدًا على وجه البسيطة من بعد عصر أحمد، أدرى بمذاهب أصحاب المذاهب من شيخ الإسلام ابن تيمية إلى يومنا هذا.
وهذا الكلام إنما أقوله بناءًا على كثرة قراءتي في كتبه، -نضر الله وجهه، ورفع في الجنة درجته، وأعلى مقامه فيها-، بما ذَبَّ عن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وعن طريقة السلف الصالحين من الصحابة والتابعين، فإنه-رحمه الله-يذكر الأقوال عن أربابها منسوبة إليهم من كتبهم وينقلها بحروفها، وإن حصل اختلاف من الناقلين فإنه ينبه عليه، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
واليوم إن شاء الله تعالى، سننقل نقولًا من كلامه وشيئًا من كلام أبي الحسن الأشعري، الذي يدل على تصديق ما قاله شيخ الإسلام وهو الصادق المُصَدَّق عند أهل السنة، بل شهد له بالصدق و الدقة في نقله حتى أهل الكفر، من المستشرقين الذين كتبوا أطروحات في شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى-.
وجئت أنا ببعض الكتب، وإلَّا لو شئت أن آتي بكل ما قرأته له في هذا الجانب لاحتاج إلى عربانه أدفها إلى هذا المكان من كتبه -رحمه الله-.
فهذا من آخر ما طبع من كتبه وهو(بيان تلبيس الجهمية)، أو(نقض أساس التقديس)، فإنه قد تكلم فيه كثيرًا في عشرات المواضع، فمن ذلك في الصفحة السادسة، وأنا جئت بالكتب لأنها أوقع في النفس.
فمن ذلك ما جاء في هذا المجلد-المجلد الأول-، وكما ترون هذا المجلد الأول قرأته كله حرفًا حرفًا، وتعليقاتي عليه حرفًا حرفًا، فالشاهد في الصفحة السادسة من هذا المجلد.
يقول-رحمه الله تعالى-: (أما بعد: فإني كنت سُئِلتُ من مدة طويلة بعيدة، سنة تسعين وستمائة عن الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله، في فتيا قد قَدِمَتْ من حماة، فأحلت السائل على غيري).
ذكر مقدمة هذا ثم قال: (إذ مذهب السلف والأئمة أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به الرسول-صلى الله عليه وسلم-من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، قال نعيم بن حماد الخزاعي: من شَبَّهَ الله بخلقه فقد كفرن ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر).
ثم تكلم على المخالفين في ذلك المعارضين في هذا، فقال: (ثم رأيت أن هؤلاء المعترضين ليسوا مُستقلين بهذا الأمر، استقلال شيوخ الفلاسفة والمتكلمين، فالاكتفاء بجوابهم لا يحصل ما فيه المقصود للطالبين).
ثم قال-رحمه الله-: (واستشعر المعارضون لنا أنهم عاجزون عن المناظرة، التي هي تكون بين أهل العلم والإيمان، فعدلوا إلى طريق أهل الجهل والظلم والبهتان، وقابلوا أهل السنة بما قدروا عليه من البغي باليد عندهم واللسان، نظير ما فعلوه قديمًا من الامتحان، وإنما يعتمدون على ما يجدونه في كتب المتجهمة المتكلمين، وأجل من يعتمدون على كلامه، هو أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، إمام هؤلاء المتأخرين).
ثم تكلم على الرازي وبين أنه-رحمه الله-ليس على طريقة أبي الحسن الأشعري في هذا، وأنه على المذهب الذي تركه أبو الحسن الأشعري، واستمر الكلام في ذلك إلى أن وصل إلى الصفحة العاشرة، تجدون هذا الكلام كله منصوصًا عليه مبينًا في هذا، وتجدونه أيضًا في صفحة أربعة وسبعين من هذا الكتاب.
حيث نص على ذلك ليس فقط شيخ الإسلام، وإنما نص عليه الرازي في صفحة أربعة وسبعين من هذا المجلد أيضًا، حيث قال في ذلك، يعني: يمدح مذهب الأشاعرة الذي هو عليه، الذي رجع عنه أبو الحسن هذا الرازي، فقال: (ولم أشتغل في هذا الكتاب بإظهار وجه الجمع بين المقالات في المعنى، وإبانة أنها ترجع إلى اختلاف عبارات، وإطلاق بعضهم لعبارة منعها آخرون، من غير أن يكون فيها نقب أصل أو حل عقد يوجب التضليل والبراءة، وذلك أعظم شاهد على أنهم معصومون، وأنهم هم الطائفة التي أخبر عنهم النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه: لا تزال طائفة لا يضرهم من ناوئهم) ..إلى آخره.
قال: (فإن الكتاب يطول بذلك)ثم قال: (وفي ما أحكيه الآن قبل كل شيء من كلام شيخنا أبي الحسن-رحمه الله-)هذا الرازي(من كلام شيخنا أبي الحسن-رحمه الله-في كتاب مقالات أهل القبلة)الذي هو (مقالات الإسلاميين)، قال: (ما أدل على ما أقول وأن مذهب الشيخ الإمام الأوحد أبي محمد عبد الله بن سعيد-رحمه الله-)يعني: (ابن كُلَّاب)، (هو مذاهب مشايخ أهل الحديث)،
يعني: مذهب ابن كلَّاب عنده هو مذهب مشايخ أهل الحديث ويريد به الأشعري وأتباعه،(في الأصول والفروع المتعلقة بهم وأنه كان مؤيدًا من بين الجماعة، بمعونة خاصة من الله-تعالى-في إبانة آيات الله وحججه، وإظهار دليله وتباينه، فكان بين أيديهم مرتقًى لهم ينفي عن أهل السنة والجماعة تحريف المبتدعة)..إلى آخره.
قال: (وأما شيخنا علي بن إسماعيل الأشعري، إنما بنى على ما أسسه)، أسسه مَنْ؟ ابن كُلَّاب،(إنما بنا على ما أسسه ورتب الكلام على ما هَذَّبَه وفَرَّعَ على ما أصَّلَه غير ناقض منه أصلًا، ولا حالٍ منه عقدًا، فوفقه الله بفضله لنشر ذلك وبسطه وتكثيره وترتيبه)..إلى آخره، فهذه أيضًا شهادة الرازي.
وأيضًا في صفحة مائة وثمانية وأربعين من هذا المجلد أيضًا، حيث يقول شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى-بعد أن تكلم على ذلك، قال: (فكان هو)يعني: الأشعري وابن كُلَّاب، (فكان هو يظن أن ما زاده ونقصه يوجبه بعض أصول ابن كُلَّاب والأشعري)يعني: الرازي، (وإلا كان فيما ظهر من كلامه ما خلافه، وهذا أصل معروف لكثير من أهل الكلام والفقه).
يُصَوغون أن ينسب إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-نسبة قوليه توافق ما اعتقدوه من شريعته، حتى يضعوا أحاديثَ توافق ذلك المذهب، وينسبونها إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-.
ثم جاء إلى ابن فورك، وتكلم على ابن فورك إلى أن قال: (فهذا أصل ينبغي أن يعرف، ومن أسباب ذلك أن الأشعري ليس له كلام كثير منتشر في مسألة العرش والمباينة للمخلوقات، كما كان لابن كُلَّاب إمامه، وذلك لأنه تصدى للمسائل التي كان المعتزلة تظهر الخلاف فيها، كمسألة الكلام والرؤية وإنكار القدر والشفاعة في أهل الكبائر ونحو ذلك.
وأما العلو فلم يكونوا يظهرون الخلاف فيه إلَّا لخاصتهم، لإنكار عموم المسلمين لذلك، وإن ما كان سلف الأمة وأئمتها يعلمون ما يضمرون من ذلك بالاستدلال، فالأشعري تصدى لرد ما اشتهر من بدعهم فكان إظهار خلافهم في القرآن والرؤيا من شعار مذهبه، التي لم يتنازع فيها أصحابه، وإن كانوا قد يفسرون ذلك بما يقارب قول المعتزلة، بخلاف ما لم يكونوا يظهرون من مخالفته، فإنه كان أدخل في السنة وأعظم في الأمة وأثبت في الشرع والعقل، مما أظهروا مخالفته)..إلى أخره.
وفي صفحة مائة وخمسة وخمسين أيضًا، يقول-رحمه الله-: فصل وأما نقله للمماسة، يعني من؟ الرازي، أما نقله للمماسة فقال ابن فورك ونقل كلامه.
إلى أن قال: (وقد تبين فيما ذكرنا أن المخالفين لأهل الإسلام في مسألة العرش، وأن الله فوقه كانوا في صدر الإسلام من أقل الناس، كما ذكره ابن كُلَّاب إمام الأشعري وأصحابه)، هذا هو الشاهد أن ابن كُلَّاب إمام الأشعري وأصحابه.
وأيضًا في صفحة مائة وخمسة وخمسين نفسها قال: (وإن كان أكثر الأشعرية المتأخرين)وهذا مهم(وإن كان أكثر الأشعرية المتأخرين قد صاروا في ذلك من المعتزلة)يعني: ليسوا على طريقة أبي الحسن الأشعري،(حتى طريقته التي رجع إليها وهي طريقة ابن كُلَّاب لم يكونوا عليها، وإنما كانوا على طريقة من؟ على طريقة المعتزلة.
بل يقال أشهر الطوائف في هذا النفي الذي ذكره عنده وعند أمثاله الفلاسفة المشاءين، أتباع أرسطو ومن المتقدمين، وكالفارابي وابن سينا ونحوهم من المتأخرين، ومن أقبل الناس بمقالات أرسطو وأصحابه، ومن أكثر الناس عناية بها وقولًا بها وشرحًا لها وبيانًا لما خالفه فيها ابن سينا، وأمثاله منهم القاضي أبو الوليد ابن رشد الحكيم الفيلسوف صاحب البداية حتى انه يرد على من خالفهم، كما صنف كتابه (تهافت التهافت)الذي رد فيه على أبي حامد الغزالي ما رده على الفلاسفة، وإن لم يكن مصيبًا في خالف فيه مقتضى الكتاب والسنة، بل هو مخطئ خطئًا عظيمًا)..إلى آخره.
واستمر في الكلام على أن هؤلاء الأشعرية المتأخرين ليسوا على مذهب من؟ على مذهب أبي الحسن، ومذهب شيخه أبي عبد الله بن كُلَّاب.
وأيضًا في صفحة مائة وستة وستين نص في هذا، فقال في هذا-في مسألة الجسم-قال: (وذكر كلامًا آخر)نذكره إن شاء الله فيما بعد، عندما يذكره المؤسس يعني: الرازي-صاحب أساس التقديس-، من موافقة بعض المسلمين الفلاسفة في الجسم والنفس وغير ذلك مما يناسبه.
وأما نقل سائر أهل العلم لمذاهب أهل الأرض من المسلمين وغيرهم في هذا الأصل، فهو أعظم من أن يذكر هنا إلا بعضه، وإنما نبهنا على أن أئمة الأشعري الكبار كانوا ينقلون ذلك أيضًا، وأنه لم يخالف في أن الله فوق العالم على العرش إلا الجهمية ومن وافقهم.
وسنذكر إن شاء الله تعالى من احتجاج المثبتة للدعاء ونحوه ما فيه عبرة، وكل من صنف في بيان مذاهب سلف الأمة وأئمتها من أهل العلم في ذلك، فإنه ذكر أن ذلك قولهم جميعًا بلا نزاع.
كما قال الشيخ الحافظ أبي نصر السجزي في كتاب(الإبانة)له، قال: (وأئمتنا كسفيان الثوري ومالك بن أنس وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك)ثم استمر يتكلم في ذلك مبينًا أن الأشعري في هذا والأشعرية إنما هم على مذهب إنعام، وأنهم على ضلالهم يثبتون الجهة، الجهة الأولين منهم فهم خير من الجهمية ومن وافقهم في هذا الباب.
ثم ذكر أيضًا في مائتين وأربعة سبب قصور أبي الحسن الأشعري في معرفته بمذاهب السلف، فإنه قد نص، قال: (ومذهب السنة الذي يحكيه الأشعري في مقالاته عن أهل السنة والحديث، أخذ جملته عن زكريا بن يحيى الساجي الإمام الفقيه عالم البصرة في وقته، وهو أخذه عن أصحاب حماد بن زيد وغيرهم، فيه ألفاظ معروفة من ألفاظ حماد بن زيد كقوله:(يدنو من خلقه كما شاء)، ثم أخذ الأشعري تمام ذلك عن الإمام أحمد لمَّا قَدِمَ بغداد، وإن كان زكريا بن يحيى وطبقته هم أيضًا من أصحاب أحمدا-رحمه الله-).
وقد ذكر أبو عبد الله بن بطة في إبانته الكبرى، عن زكريا بن يحيى الساجي، جملة مقالات أهل السنة، وهي تشبه ما ذكره الأشعري في مقالاته، وكان السجي شيخ الأشعري الذي أخذ عنه الفقه والحديث والسنة وكذلك ذكر أصحابه.
فغاية ما عنده أخذه مختصرًا مجملًا عمن؟ عن زكريا بن يحيى الساجي، و زكريا بن يحيى الساجي من أئمة الحديث، لكن هذا يدلك على أنه اقتصر عليه فلم يعرف مذاهب أهل السنة مفصلةً.
وأيضًا في مائتين وخمسة نفس الكلام، نص على ذلك، وفي مذهب أيضًا أبي الحسن الأشعري في مائتين وثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين، أيضًا بين ذلك-رحمه الله-، قال: (وقد ذكر أبو الحسن الأشعري مقالته، ففي كتابه المقالات مقالة الطائفتين)يعني: في مسألة الجسم والعَرَض والجوهر، ثم قال-رحمه الله-: (فإنه كان أعلم بمقالاتهم، وما نقلوه عن مخالفيهم).
وقد ذكر أبو الحسن الأشعري في(كتاب المقالات)، مقالة الطائفتين مع أنه يحكي ذلك كما وجده في كتب المعتزلة، (فإنه كان أعلم بمقالاتهم وما نقلوه عن مخالفيهم من قول غيرهم، لأنه كان منهم وبقي على مذهبهم أربعين سنة، ثم انتقل إلى نحوٍ من مذهب ابن كلَّاب) هذا صفحة مائتين وثلاثة وعشرين ومائتين وأربعة وعشرين، (ثم انتقل إلى نحو من مذهب ابن كُلَّاب وما يقاربه من مذهب أهل السنة والحديث).
قال: (ولهذا يوجد علمه بمقالات المعتزلة علمًا مفصلًا محكمًا، وأما علمه بمقالات أهل السنة فهو علم بمجمل ذلك التي بلغته عنهم، لا علم بِمُفَصله كعلمه بمقالات المعتزلة)، ثم تكلم عليه واستمر أيضًا في هذا.
هذه بعض المواطن الذي ذكرها في هذا المجلد، والمجلدات الأخرى له فيها كلام كثير، وكذلك أيضًا في كتابه العظيم(درء تعارض العقل والنقل)الخامس.
وهنا أيضًا في هذا المجلد الخامس من منهاج السنة النبوية، يقول-رحمه الله تعالى-في مائتين وسبعة وسبعين، قال: -رحمه الله-في مقدمة ستة وسبعين، قال: (وأما معرفة ما جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم-من الكتاب والسنة وآثار الصحابة، فعلم آخر لا يعرفه أحد من هؤلاء المتكلمين)، ذلك لأنه تكلم على مذاهب المتكلمين لأن الرافضة معتزلة في هذا الباب، قال: (وقد بَسطنا الكلام على ذلك في غير مواضع من كتبنا غير هذا الموضع، من ذلك كتاب(درء تعارض العقل والنقل)وغيره.
ومن أجمع الكتب التي رأيتها في مقالات الناس المختلفين في أصول الدين، كتاب أبي الحسن الأشعري، وقد ذكر فيه المقالات وتفاصيلها ما لم يذكره غيره، وذكر فيه مذهب أهل الحديث والسنة بحسب ما فهمه عنهم، وليس في جنسه أقرب إليه منه).
فالقرب لا يقتضي أن يكون داخلًا فيه أليس كذلك؟ هو قريب منه، (ومع هذا نفس القول الذي جاء به الكتاب والسنة، وقال به الصحابة والتابعون لهم بإحسان في القرآن والرؤيا والصفات والقدر وغير ذلك من أصول الدين، ليس في كتابه).
يعني: في كتاب(المقالات)(وقد استقصى ما عرفه من كلام المتكلمين، وأما معرفة ما جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم-من الكتاب والسنة، وأيضًا معرفة آثار الصحابة فعلم آخر لا يعرفه أحد من هؤلاء المتكلمين المختلفين في أصول الدين.
ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها متفقين على ذم أهل الكلام، فإن كلامهم لا بد أن يشتمل على تصديق لباطل وتكذيب بحق، ومخالفة للكتاب والسنة، فذموه لما فيه من الكذب والخطأ والضلال، ولم يذم السلف من كان كلامه حقًا، فإنما ما كان حقًا فإنه هو الذي جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا يذمه السلف العارفون بما جاء به الرسول-صلى الله عليه وسلم-، ومع هذا فيستفاد من كلامهم نقض بعضهم على بعض)، وهذه طريقته-رحمه الله-حينما ينقل عن بعضهم المُعَظَّم عند بعض ما ينقض به كلامهم.
أنت لو أتيت له بكلام السنِّي السلفي الأثري ما يقبله، لكن تأتي له بكلام إمامه الذي(**)عليك يكون أبلغ، واستمر في ذلك إلى أن قال: (وهذا مما مدح به الأشعري).
يعني: نقض بعض كلام المعتزلة، مما مدح به الأشعري(فإنه بَيَّنَ من فضائح المعتزلة وتناقض أقوالهم وفسادها ما لم يبينه غيره، لأنه كان منهم وقد درس الكلام على أبي علي الجبائي أربعين سنة وكان ذكيًا، ثم إنه رجع عنهم وصنَّف في الرد عليهم ونصر في الصفات طريقة ابن كُلَّاب)هذا هو الشاهد، هذا صفحة كم؟ مائتين وسبعة وسبعين في السطر الثالث من المنهاج، في المجلد الخامس.
قال:(كان ذكيًا، ثم إنه رجع عنهم وصنَّف في الرد عليهم ونصر في الصفات طريقة ابن كُلَّاب، لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم)من قول من؟ من قول المعتزلة(ولم يعرف غيرها)، ما عرف إلا طريقة ابن كُلَّاب فهو عليها.
قال: (ولم يعرف غيرها فإنه لم يكن خبيرًا بالسنة والحديث وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم، وتفسير السلف للقرآن والعلم بالسنة المحضة، إنما يستفاد من هذا)يستفاد من تفسير السلف للقرآن والعلم بالسنة والحديث وأقوال الصحابة.
قال-رحمه الله-: (ولهذا يَذكر في المقالات مقالة المعتزلة مفصلة، يذكر قول كل واحد منهم، وما بينهم من النزاع في الدق والجل، كما يحكي ابن أبي زيد)يعني: القيرواني(مقالات أصحاب مالك مالك، وكما يحكي القدوري اختلاف أصحاب أبي حنيفة، ويذكر أيضًا مقالات الخوارج والروافض، لكن نقله لها من كتب أرباب المقالات، لا عن مباشرة منه للقائلين، ولا عن خبرة بكتبهم، ولكن فيها تفصيل عظيم، ويذكر مقالة ابن كُلَّاب).
هذا أيضًا مهم، هذا صفحة مائتين وثمانية وسبعين، قال: (ويذكر مقالة ابن كُلَّاب عن خبرة بها ونظر في كتبه، ويذكر اختلاف الناس في القرآن من عدة كتب، فإذا جاء إلى مقالة أهل السنة والحديث ذكر أمرًا مجملًا، يلقي أكثره عن زكريا بن يحيى الساجي، وبعضه عمن أخذ عنه من حنبلية بغداد ونحوهم، وأين العلم المفصل من العلم المجمل، وهو يشبه من بعض الوجوه علمنا بما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم-تفصيلًا، وعلمنا بما في التوراة والإنجيل مجملًا)..إلى آخره.
فهذا كلام آخر في هذا الموطن في أبي الحسن الأشعري-رحمه الله تعالى-، وأنه على هذه الطريقة، يبدأ من الصفحة التي ذكرنا وينتهي مع طول في كلامه وبسط، ينتهي بمواطن بعيدة جدًا.
ثم ذكر أيضًا هذا في المجلد الثامن من المنهاج-منهاج السنة-، في صفحة ثمانية إلى تسعة، قال: (وأما الأشعري فلا ريب عنه أنه كان تلميذًا لأبي علي الجبائي لكنه فارقه)كان تلميذًا لمن؟ لأبي علي الجبائي(لكنه فارقه ورجع عن جُمَلِ مذهبه، وإن كان قد بقي عليه أصول مذهبه)وهذا مهم جدًا، رجع عن جملة مذهب المعتزلة، لكن بقي فيه شيء من أصول المذهب، وهذا الذي تأثر وبقي في الصفات الأفعال والقدر، سيأتينا إن شاء الله، قال: (وإن كان قد بقي عليه شيء من أصول مذهبه)مذهب من؟ زوج أمه أبي علي الجبائي، وشيخه الذي تتلمذ عليه أربعين سنة.
قال: (لكنه خالفه في نفي الصفات، وسلك فيها طريقة ابن كُلَّاب، وخالفهم في القدر ومسائل الإيمان والأسماء والأحكام، وناقضهم في ذلك أكثر من مناقضة حسين النجار وضرار بن عمرو ونحوهما ممن هو متوسط في هذا الباب، فجمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث، حتى مال في ذلك إلى قول جَهْم، وخالفهم في الوعيد وقال بمذهب الجماعة).
أرأيت!! مال في قول من تقدم إلى قول جهم، وخالف في الوعيد فقال بمذهب الجماعة، (وانتسب إلى مذهب أهل الحديث والسنة، كأحمد بن حنبل وأمثاله، وبهذا اشتهر عند الناس، فالقَدر الذي يحمد من مذهبه هو ما وافق فيه أهل السنة).
أليس كذلك؟ (القدر الذي يحمد من مذهبه، هو ما وافق فيه أهل السنة والحديث كالجمل الجامعة، وأما القدر الذي يذم من مذهبه فهو ما وافق به بعض المخالفين للسنة والحديث، من المعتزلة والمرجئة والجهمية والقدرية ونحو ذلك.
وأخذ مذهب أهل الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي، وعن طائفة ببغداد من أصحاب أحمد وغيرهم، وذكر في المقالات ما اعتقده هو أنه مذهب أهل السنة والحديث، وقال: (في كل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب)، وهذا المذهب هو من أبعد المذاهب عن الجهمية والقدرية)...إلى آخره.فهذا أيضًا في هذا الموطن مبينًا في حال أبي الحسن الأشعري.
وأيضًا راجعوا المجلد الثاني وأنا ما جئت به لأن الكتب تكثر علي، المجلد الثاني أيضًا في مائتين وسبعة وعشرين، وأيضًا المجلد الخامس في مائتين وثلاثة وسبعين، وفي مائتين سبعة وسبعين التي تقدمت معنا.
فهذا جملة من المواطن التي نص فيها شيخ الإسلام وفي الفتاوى عشرات المواطن، وفي(درء تعارض العقل والنقل)كذلك، وفي بقية المجلدات من(منهاج السنة)كذلك، وأما الأصل الذي قرأنا منه وهو: (نقض أساس التقديس)أو(بيان تلبيس الجهمية) فبأكثر من العشرات، لو جمعتها لجاءت مجلدًا في هذا، والمجلد أظنه يصغر عن النص عليها.
وهنا أيضًا هذا الكتاب الذي هو(رسالة إلى أهل الصبر)وكلامه فيه، وكلامه في القرآن، وإثبات الكلام لله-تبارك وتعالى-طبعًا بعد رجوعه لكنك تجد أيضًا مصداق ما قاله شيخ الإسلام وهو الخبير.
هذا كتاب أبي الحسن الأشعري، وأنا ذكرت لأخي الشيخ عبد الصمد قلت: جيء به لأنه يخف علي في الحمل، مع هذه الكتب التي رأيتم.
فجاء في الإجماع الرابع يقول: (وأجمعوا) من هذه الرسالة-رسالة إلى أهل الصبر-، يقول: (أجمعوا على إثبات حياة الله-عز وجل-لم يزل بها حيًا، وعلمًا لم يزل به عالمًا، وقدرة لم يزل بها قادرًا، وكلامًا لم يزل به متكلمًا، وإرادة لم يزل بها مريدًا، وسمعًا وبصرًا لم يزل بهما سميعًا بصيرًا)الصفات المعروفة عند الأشعرية.
ثم قال وهذا الشاهد: (وعلى أن شيئًا من هذه الصفات لا يصح أن يكون محدثًا، إذ لو كان شيئًا محدثًا لكان قبل حدثها موصوفًا بضدها، ولو كان ذلك لخرج عن الإلهية)، وتكلم في هذا بكلام ليس هو على طريقة أهل السنة والحديث، تجدونه في هذا واضحًا مفصلًا.
ثم جاء أيضًا في الإجماع الثامن، في صفحة مائتين وسبعة وعشرين، قال: (وأجمعوا على أن الله-عز وجل-يجيء يوم القيامة، والملك صفًا صفًا، لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المذنبين ويعذب منهم من يشاء كما قال، وليس مجيئه حركة ولا زوالًا، وإنما يكون المجيء حركة وزوالًا إذا كان إلجائي جسمًا أو جوهرًا، فإذا ثبت أنه-عز وجل-ليس بجسم ولا جوهر، لم يجب أن يكون مجيئه نقلة أو حركة.
ألا ترى أنهم لا يريدون بقولهم: (جاءت زيدًا الحمى)أنها تنقلت إليه، أو تحركت من مكان كانت فيه، إذ لم تكن جسمًا ولا جوهرًا، وإنما مجيئها إليه وجودها فيه، وأنه-عز وجل-ينزل إلى السماء الدنيا كما روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم-، وليس نزوله نقلة، لأنه ليس بجسم ولا جوهر)...إلى آخره، وتكلم على هذا كلامًا باطلًا على طريقة أهل الأهواء.
ثم جاء للإجماع التاسع في مائتين وواحد وثلاثين، قال: (وأجمعوا على انه-عز وجل-يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادة لإنعام، إرادته لنعيمهم) التي يعبر عنها الأشعرية-بإرادة الإنعام-، (وأنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم)يعني: إرادة الانتقام(وأنه لا يقوم لغضبه شيء )...إلى آخره.
فالكلام في هذا في عدة مواطن، موجود في هذا الكتاب تجدون فيه تحقيق ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-، من أن هذا الرجل لم يعرف مذهب السلف إلا مجملًا، ورجوعه لم يكن إلى مذهب السلف، وإنما كان إلى مذهب أبي عبد الله ابن كُلَّاب، مع بقاء ما عنده من ميله في أصوله في الجملة إلى الاعتزال والتجهم والإرجاء والقدر.
فيُحمد ما وافق فيه أهل السنة، ويذم فيما خالف فيه أهل السنة ووافق هؤلاء، وله كتب أيضًا أخرى لأبي الحسن كلها مليئة بمثل هذا الكلام، هذا بعد رجوعه، كيف تعرف رجوعه؟ الكتب التي يذكر فيها تقرير عقيدة السلف في كلام الله، وفي القرآن أنه غير مخلوق، وفي إثبات الرؤيا كما تقدم.
هذه الكتب كلها تدل على ما؟ على أنها كانت بعد رجوعه، إذ كتبه الأولى لا ذكر لشيء فيها من هذا القبيل أو من هذه الأمور، لأنه كانت على طريقة الاعتزال، فالكتب التي يذكر فيها تقرير الكلام، وإثبات أن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق.
وإثبات أيضًا أن الله-سبحانه وتعالى-على عرشه بائن من خلقه، وإثبات أن الله-سبحانه وتعالى-يجيء ونحو ذلك، ويتكلم ونحو ذلك، هذه الكتب كلها دالة على أنه إلا انه قال أو صنفها بعد رجوعه، ولكن هذا الرجوع ليس رجوعًا إلى مذهب أهل السنة، وإنما هو إلى مذهب أبي عبد الله بن كُلَّاب.
وعلى هذا فالرسائل أو الأطروحات أو البحوث، التي تنص على أن أبي الحسن رجع إلى مذهب أهل السنة والحديث ليست صحيحة في هذا الباب بحال من الأحوال.
وقد سمعتم شهادة الخبير العارف به-رحمه الله-، ومن أراد يعرف خبرة هذا الإمام بالأشعرية خاصة فليقرأ كتابيه،(درء تعارض العقل والنقل)و(ونقض أساس التقديس)، هذين الكتابين يعرف بهما المرء، معرفة شيخ الإسلام بمذاهب الأشعرية أكثر من بعض الأشعرية، بل أكثر من رؤوس في الأشعرية، وعلماء في الأشعرية وأئمة في الأشعرية، مما يعجب له الإنسان، فرحمه الله تعالى من إمام، ولعلنا نكتفي بهذا القدر، وننتقل إلى كتابنا الذي هو (المعارج) والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
والإبانة يا شيخ؟
حتى الإبانة نفسها، نحن نقول الكتب التي صنفها ودلل فيها وأثبت فيه كذا وكذا، هذه هي التي بعد رجوعه، ومع ذلك هذا الذي عنده.
وأصح ما في هذا أن الإبانة هي آخر ما صنفه-رحمه الله-بخلاف قول الأشعرية الذين يريدون أن ينتصروا لما عليه الرازي، وينصون على أن(اللمع في الرد على أهل البدع)إنما هو آخر ما ألفه، هذا غير صحيح، لأن واقعة أبي الحسن الأشعري تكذب ذلك، واقعة أبي الحسن الأشعري التي هي: فُرقَتُه وتبريه من مذهب الاعتزال، وإثباته لهذا الأمر وهو مسألة الكلام والقول بأن القرآن كلام الله-تبارك وتعالى-، هذا هو الذي رجع إليه، لأنه إذا قلنا أنه رجع فما يكون إلا إلى هذا ، لأنه لم يكن في الأول على مذهب السنة حتى يقول فيما في اللمع، وإنما كان على ما في اللمع ثم رجع الرجوع الذي سمعتم تفصيله، فقال في مثل هذه المسائل، فالصحيح أن آخر ما صنف هو(الإبانة).
القول بالتفصيل أنه في مراحل ثلاث قول ضعيف، وليسوا بأعلم بهذا الرجل ولا بأتباعه من شيخ الإسلام ابن تيمية، فالرجل يحكي كلامه بالحرف، بل يحكي خلاف ابن كُلَّاب في النسخ التي أخذها ، بل يقول هذا الموجود في النسخة كذا والخطيب الرازي ذكر كذا وكذا، فلا أزيد هل اعتمد على نسخة أخرى، ما أدري!!.
يعني: يأتي ببعض المخالفات المبالغ في بعض الحروف، ولكن الكلام هو هو، لكن ما أراد أن يطعن لعله وقف على نسخة كذا وكذا، لكن هل نزيد؟ بين أيدينا هو كذا وكذا، ويذكر كتب الأشعري وينقل عنها حرفًا حرفًا، وإذا خالف نص على الحرف، وبعض الأحيان يقول الرازي لم ينقل من كتب الأشعري.
وإنما نقل هذا من واسطة ابن فورك، ثم يبين أن ابن فورك حرف في كلام الأشعري، ثم يأتي به ويذكر كلام ابن فورك ويذكر كلام الرازي، فيبين أن الرازي ناقل من كلام ابن فورك، ويبين أن ابن فورك محرف لكلام الأشعري، هؤلاء ما بلغوا ظفر ابن تيمية في معرفته في كلام الأشعري وما فعل، بل ما في احد على وجه الأرض جاء بعد شيخ الإسلام ابن تيمية، بل ولا أظن قبله والله أعلم، أعلم بالملل والمذاهب من هذا الإنسان، فهو كما قال بعضهم: (ليس بعالم، وإنما هو آية من آيات الله-رحمه الله-).
إذا كان الفتوى الحموية، رد الاعتراض عليها أربع مجلدات، والفتوى الحموية جزء كتبه في جلسة، رد الاعتراض على الفتوى الحموية كتبه في السجن، عن ظهر قلب ما في عند كتب، أربع مجلدات.
فنسأل الله-سبحانه وتعالى-أن يظهر هذا الكتاب فإنه كتاب نفيس، لو وجد هذا الكتاب وطبع، أنا أظنه لا يقل عن(نقض أساس التقديس) أو منهاج السنة النبوية، فرحمه الله، فابن تيمية أعرف من ملئ الأرض من غيره في هذه المذاهب.

تم بحمد الله

بتصرف يسير............

قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد

السبت الموافق: 17/ جمادى الأولى/ 1431 للهجرة النبوية الشريفة

لتحميل الملف الصوتي:
http://www.box.net/shared/bfg7rcffid



لتحميل الملف منسق:
http://www.ibnalislam.net/view.php?file=c596175382