المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في حكم الإقامة في بلد الكفر للحاجة..الشيخ محمد علي فركوس -رعاه الله-



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
17-Sep-2013, 02:16 PM
الفتوى رقم: 759
(http://ferkous.com/site/rep/Bk104.php) (http://ferkous.com/site/rep/Bk104.php) الصنف: العقيدة - الولاء والبراء (http://ferkous.com/site/rep/Bk104.php)


في حكم الإقامة في بلد الكفر للحاجة

السـؤال:
أَجْرَت أختٌ عقدَها الشرعيَّ والمدنيَّ مع أخٍ مسلمٍ وُلد في فرنسا وله جنسيةٌ فرنسية، ومن أسباب بقائه هناك تكفّله بأُمِّه المريضة، كما أنّه وَعَدَها بتغيير إقامته إلى بلد مسلم، فهل يجوز له الإقامة في بلاد الكفر والحالة كذلك؟ وهل يجوز لها مرافقته مع العزم على الرحيل متى تهيأت الظروف؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فلا يساورنا شَكٌّ في خطورة الإقامةِ والحلول في بلدان الكفر على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه، والقول بعدم جواز السفر إلى بلدان الكفر والإقامة بين ظهور المشركين لمن لا يأمن الفتنة، أو لا معرفة له بدينه، أو لا يستطيع أن يُظهر شعائرَ الدِّين ويجهر بها على وجه الكمال هو القول الأسلم لدينه والأحفظ له من انصهار شخصيته في المجتمع الكفري والهَوِيِّ به في مهالكه ومفاسده، أمّا إذا تمكَّن المسلم من إظهار دينه وشعائره، والجهر بها: من إقامة الصلوات والصيام والحجّ والجمعة والجماعات وغيرها من شعائر الإسلام وقدر على الولاء والبراء، متجنِّبًا موالاةَ الكفار ومحبتَهم، بل يبقى مُضمرًا لبغضهم ولعداوتهم وعدم الرضى بأفعالهم؛ لأنّ محبة أعداء الله تستلزم موافقتهم واتباعَهم والرضى بفعلهم، وهذا كما لا يخفى منافٍ لعقيدة الولاء والبراء، وهي أوثق عُرَى الإسلام قال تعالى: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22]، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَولَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم﴾ [المائدة:51]، وقال صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(١)، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -أيضًا- «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»(٢)، كما يكون المسلم المقيم ببلاد الكفر له معرفةٌ بأحكام دِينِه ما يكفيه للحفاظ عليه والأمن من الفتنة، والانحراف عن جادّة الطريق، وعليه فإن تحقَّقت هذه الضوابط فيباح له الإقامة بقدر حاجة أُمِّه إلى العلاج، لأنّ القائم على المريض في حكمه أي تنصرف أحكامه إليه، وخاصّة إن كان مُسْتَضْعَفًا تحول دون ترك تلك البلدان الظروف الصحية والجغرافية والسياسية.

والزوجة في حكم زوجها لأنّها تابعةٌ له، و«التَّابِعُ تَابِعٌ»، ومن حقِّها أن تشترط عليه حالَ العقد عدم السفر بها إلى هذه البلدان، فإنّ «المسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»(٣).
ثمّ ينبغي أن يُعلَمَ أنّ الإقامة السكنية غيرَ مقرونة بالضرورة الشرعية أو الحاجة الشرعية من أعظم المفاسد وأخطر المهالك على دين المسلم؛ ذلك لأنّ المساكنة تدعو إلى المشاكلة، ومشاكلة الكفار في عاداتهم وأخلاقهم وسلوكهم وطبائعهم مع ما يعلنونه من حكمٍ بغيرِ ما أنزل اللهُ وغيرِها من الشعائر الشركية، الأمر الذي قد يفضي بالمسلم إلى مماثلتهم كما صَرَّح النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بقوله: «مَنْ جَامَعَ المشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنّهُ مِثْلُهُ»(٤)، والحديث وإن كان ضعيفًا -عند بعض أهل الحديث- إلاّ أنّ معناه صحيحٌ من ناحية أنّ «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وكذلك من رضي وأحبّ.
قال ابن تيمية رحمه الله-:«وهذا الحديث أقلّ أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]»(٥).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.



الجزائر في: 26 صفر 1422ﻫ
الموافق ﻟ: 20 مايو 2001م ١- أخرجه أبو داود في «اللباس»، باب في لباس الشهرة: (4033)، وأحمد: (5232)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه العراقي في «تخريج الإحياء»: (1/359)، وحسنه ابن حجر في «فتح الباري»: (10/288)، والألباني في «الإرواء»: (1269).

٢- أخرجه البخاري في «الأدب»، باب علامة حب في الله: (6169)، ومسلم في «البر والصلة والآداب»، باب المرء مع من أحب: (6888)، وأحمد: (3790)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في «الزهد» (2385)، وأحمد: (12339)، من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي كذلك في «الزهد»: (2387)، وأحمد: (18579)، من حديث صفوان بن عسّال رضي الله عنه.

٣- أخرجه أبو داود في «الأقضية»، باب في الصلح: (3594)، والحاكم في «المستدرك»: (2309)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في «الأحكام»، (1352) من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/142) رقم: ( 1303)، وفي «السلسلة الصحيحة» رقم: (2915).

٤- أخرجه أبوداود في «الجهاد»،باب في الإقامة بأرض الشرك: (2787)، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحديث حسنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (5/434) رقم: (2330).
٥- «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (1/270).