المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذهب السلف في معرفة الشخص والثناء عليه لقبول شهادته والأخذ عنه



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
19-Sep-2013, 11:51 PM
مذهب السلف في معرفة الشخص والثناء عليه لقبول شهادته والأخذ عنه


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على سيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه وعل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
لقد كثر الخوض بين بعض إخواننا في مسألة معرفة الشخص من عدمه ، متى يكون معروفا تقبل شهادته ويؤخذ عنه وضوابط ذلك ؟ وقد استوقفني أثر أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - في رده شهادة رجل لا يعرفه وطلبه منه أن يأتيه بمن يعرفه ، كما استوقفني أثر آخر عنه أنه رد تزكية وثناء رجل يعرفه على آخر تبين بعد أن تحرى منه عمر - رضي الله عنه- أنه لا يعرفه ، فأحببت أن أقف عند هذه المسألة قليلا وأبين ما في الأثرين من فوائد وقواعد لإخواني حتى تكون معاملتنا في قبول الشهادة والثناء على الشخص والأخذ عمن ادعى شيئا على ضوء هذه الضوابط التي قعدها عمر - رضي الله عنه -.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ الْخُتُلِّيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ: " شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ: لَسْتُ أَعْرِفُكَ، وَلَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا أَعْرِفَ، إِيتِ بِمَنْ يَعْرِفُكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا أَعْرِفُهُ، قَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ، قَالَ: هُوَ جَارُكَ الْأَدْنَى الَّذِي تَعْرِفُهُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَمَدْخَلَهُ وَمَخْرَجَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَامَلَكَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ الَّذِي بِهِمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الْوَرَعِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَرَفِيقُكَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَسْتَ تَعْرِفُهُ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: إِيتِ بِمَنْ يَعْرِفُكَ " الضعفاء الكبير للعقيلي (3/454).
هذا الأثر المروي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الملهم أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بأخذ ما قعدوه في ضوء الإسلام أخرجه الآبنوسي في مشيخته (864- (249)عن المخلص به.المخلصيات وأجزاء أخرى لأبي طاهر المخلص(1/473)حققه:نبيل سعد الدين جرار،وأخرجه البيهقي في السنن الصغرى (4/134) حققه : عبد المعطي أمين قلعجي ، والخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية (1/83) .
وذكره الخطيب بطريق آخر بلفظ آخر قال فيه :
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّنَاجِيرِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، ثنا أَبُو هَمَّامٍ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا مَصَادُ بْنُ عُقْبَةَ الْبَصْرِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَلِيسٌ لِقَتَادَةَ ، قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " هَلْ صَحِبْتَهُ فِي سَفَرٍ قَطُّ؟ قَالَ: لَا ، قَالَ: هَلِ ائْتَمَنْتَهُ عَلَى أَمَانَةٍ قَطُّ؟ قَالَ: لَا ، قَالَ: هَلْ كَانَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مُدَارَاةٌ فِي حَقٍّ؟ قَالَ: لَا ، قَالَ: اسْكُتْ، فَلَا أَرَى لَكَ بِهِ عِلْمًا ، أَظُنُّكَ وَاللَّهِ رَأَيْتَهُ فِي الْمَسْجِدِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ وَيَرْفَعُهُ ..
التعليق : قوله أظنك والله رأيته في المسجد يخفض رأسه ويرفعه ..

اعتياد المسجد وإكثار الخطى إلى بيوت الله والصلاة مع الجماعة من علامات صلاح العبد ، قال صلى الله عليه وسلم :<< ..إني رايته يصلي فاستوصي به خيرا >> والحديث صحيح أنظر ((الإرواء)) (864 و 2470): ق.
ولكن ذلك لا يكفي لتزكية الشخص والثناء عليه ، وقبول شهادته إنما يكفي في الكف عنه وعدم إزهاق دمه ، فقد نُهي النبي عن قتل المصلين ونهى عن ذلك في غير ما حديث . قال عليه الصلاة والسلام إني << نهيت عن المصلين>> . صحيح الجامع (6785 )وقال : (صحيح) [طب] عن أنس. والصحيحة (2379).
أما معرفته معرفة تأهله للثناء عليه والشهادة له بالفضل والعدالة فلابد من شيء زائد على ذلك ، وهو ما قعده أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، في هذا الأثر.
نعم كان طلاب العلم من السلف وفي عهدهم لا يأخذون من الرجل حتى ينظروا إلى صلاته وهديه وسمته ، وهذا أحد معاني قول ابن سيرين : (( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )) ينظرون إلى هديه وسمته وصلاته ودينه ، هل يحسن ذلك ويأتي به على السنة أم هو مضيع له فيكون لغيره أضيع .فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على المسيء صلاته .
يقول أبو العالية: ((كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه)) المحدث الفاصل : النسخة المخطوطة بكلية دار العلوم ( ص236). لا يكفي أن يصلي بل لابد أن ينظر هل يحسن في صلاته على السنة أم يسيئها.
وقال الحسن بن صالح بن حي : (( كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه حتى يقال: أتريدون أن تزوّجوه)) الخطيب في الكفاية في علم الرواية (01/92) علم الرجال وأهميته، المعلّمي(ص 26).
وقوله : سألنا عنه .. أي يسألون عن دينه وهديه وسمته وكيف هو في السنة مما يدل على العدالة والفضل.
وهذا لاشك فيه فهو من الضوابط لمعرفة الرجل والأخذ عنه ، أما أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – فلم يكتف بذلك بل قعد قواعد لأهل السنة في معرفة الشخص بالفضل والعدالة من عدمه فبين للرجل الذي أتاه أنه لا يعرفه صراحة وأن عدم معرفته به لا تضره ، فلا تقدم ولا تأخر في أمره ، وكأنه قال له إذا أحببت أن نعرفك ونقبل شهادتك فجئنا بمن يعرفك ممن نعرفه ..
وحينها نطق رجل ممن يعرفه عمر قائلا أنا أعرفه ، فلم يسلِِّم عمر للرجل المدعي معرفته بل تثبت من السبب الذي يعرفه به قائلا بما تعرفه ؟ قال بالعدالة والفضل . وحتى يتيقن أمير المؤمنين من هذه العدالة وهذا الفضل الذي أثنى به الرجل على الذي لم يعرفه سأل عمر المزكي لذلكم الرجل عن ثلاثة أشياء إن أثبت واحدة منها كان حقا يعرفه فإن لم يثبتها فإنه لا يعرفه ، فكيف بجميعها ؟؟
وتلك الأمور المؤهلة لمعرفة الشخص هي:
1- أن يكون جاره الأدنى يعرف مدخله ومخرجه ، يعني تعرف من يدخل عليه ومن يخرج من عنده ، وليله ونهاره في عبادته ومعاملته .
2- والثانية : المعاملة بالدرهم والدينار الذي يستدل به على ورع الشخص وتقواه ، وكيف طلبه للدنيا ؟
3 - والثالثة : السفر الذي يستدل به عن أخلاق الرجال. والصحبة الطيبة الصالحة الآمنة .
وفي الرواية الأخرى التي ذكرها الخطيب : ذكر فيها عمر - رضي الله عنه –
4- الأمانة مكان المعاملة بالمال ، وليس من شك أن الأمانة أعم وأشمل للمال والعرض والأسرار ، وخيانة الأمانة من صفات المنافقين فيكف يُعدل من صفته اللازمة ضياع الأمانة ، فلذلك ركز أمير المؤمنين عليها فمن كان للأمانة مضيعا فلغيرها أضيع ..كمن كان للصلاة مضيعا فلغيرها أضيع.
5 - وجعل أمير المؤمنين بدل المجاورة القريبة المدارات في الحق بمعني أنه داراه في حق فقبله ولم يرده ولم يكابر ..
فلما أنكر المزكي هذه الأمور التي سأله عنها عمر – رضي الله عنه – والتي بها يمكن أن يكون يعرفه بالفضل والعدالة ، واستوثق منه هذه التزكية فوجدها منتفية فصل في المسألة ورد تزكيته قائلا له : إذا لم تكن على معرفة بهذه الأمور فإنه ليس لك علم بمن تثني عليه ولست تعرفه حتى تزكيه وتثني عليه .
وهذه هي الضوابط في معرفة الشخص حتى يزكى ويثني عليه ، أو يذم ويتكلم فيه ، وهي :
أولا : أن يأتي بمن يعرفه ويشهد له بذلك ممن يعرف بالعدالة والثقة ، كما قال عمر – رضي الله عنه – جئني بمن يعرفك .أي ممن نعرفه بالتوثيق والعدالة ضرورة وإلا لم يقبل .
وحتى لو أتى بمن يعرفه فإنه لا يقبل منه حتى يسأل عن تلك الأسباب التي جعلته يعرفه ، من جيرة ، ومعاملة بالدرهم ، ومرافقة في السفر ، وحفظ أمانة ومداراة في حق ، أو ملازمة أو زمالة في الطلب واستفاض واشتهر بالعدالة من اجتناب الكبائر والتنزه عن الصغائر بين أقرانه أو بلده ..
ولا يضره أن لا يعرفه البعض ، المهم أن يأتي بمن يعرفه ويشهد له ممن كان من أولئك الذين ذكرهم أمير المؤمنين عمر شريطة أن يكونوا من العدول وإلا لم يقبل منهم أيضا وهذا في الشهادة وكذلك في الرواية والعلم والسنة لأن ذلك دين وفي حفظ الدين يكون ذلك أعظم وأشد .
ثانيا : أن يكون جاره الأدنى ، يعرف مدخله ومخرجه ، ويعرف ليله ونهاره .. فليس من شك أن الجار الأدنى عنده من أخبار جاره الكثير في دينه ودنياه ..لذلك جاءت نصوص الوحي توصي بالجار والإحسان إليه والصبر عليه .وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الجيران هم شهود على جارهم فإذا اثنوا عليه كان كذلك وإذا ذموه كان كذلك .
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ أَعْلَمُ إِذَا أَحْسَنْتُ ، وَإِذَا أَسَأْتُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: قَدْ أَحْسَنْتَ ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ أَسَأْتَ ، فَقَدْ أَسَأْتَ >> السنن الكبرى (10/213)( 20396) قال الشيخ الألباني في صحيح ، انظر صحيح الجامع (610).
وفيه برقم (20397)عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَنِّي قَدْ أَحْسَنْتُ وَإِذَا أَسَأْتُ أَنِّي قَدْ أَسَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << إِذَا قَالَ لَكَ جِيرَانُكَ: قَدْ أَحْسَنْتَ , فَقَدْ أَحْسَنْتَ , وَإِذَا قَالَ لَكَ جِيرَانُكَ: قَدْ أَسَأْتَ ،>> فَقَدْ أَسَأْتَ >> إذ الجيران والمعارف هم شهود الله في أرضه على جيرانهم ومن يعرفونهم .
ثالثا: المعاملة بالدرهم والدينار بينهما حتى يتبين ورعه وتقواه وأنه لا يفتتن بالمال ، فإن الفتنة بالمال عظيمة ، فكثير من الناس من يفتتن بالدرهم والدينار إلى درجه أن يعبده ، وقد حذر الله ورسوله من ذلك لأنها من أعظم الأمور التي تظهر الناس على حقيقتهم ، وما يفسد الناس إلا المال والنساء .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: <<تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ>> البخاري (2886).
وفي لفظ عنْه قَالَ: << تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ>>البخاري (2887).
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: << إِنَّ لكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ >> أخرجه أحمد وابن أبي عاصم والطحاوي وابن حبان والطبراني والحاكم والقضاعي وهو (صحيح) أنظر صحيح الجامع (2148) [ت ك] عن كعب بن عياض. الصحيحة (592).
الرابعة : السفر لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، ويظهرهم على حقيقتهم فإن الرجل إذا كان مع آخر في غربة مسافرين قد يتخلى الواحد عن الآخر وقد يستقل بنفسه ولا يتعاون مع صاحبه وربما كان صاحبه في أمس الحاجة للمساعدة والخدمة ، وصدق من قال عند الشدائد تظهر الرجال ، وفي السفر تظهر المتاعب والشدائد فيسفر عن أخلاق الرجال فيه .
قال صلى الله عليه وسلم : <<الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل>> . حديث (حسن) أنظر صحيح الجامع (3545) [أخرجه أبو داود، والترمذي] عن أبي هريرة.ولسلسلة الصحيحة (927)،فلا يرافق إلا الرفقة الصالحة التي تعينه على دينه ودنياه .
وقال صلى الله عليه وسلم :<< سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا>>. صححه الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث رقم:( 3352) ورواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:<< سافروا تصحوا وتسلموا>>.
وهذا الحديث يبين شيئا من فوائد السفر، قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث << سافروا تصحوا وتغنموا>> : قال البيهقي: دل به على ما فيه سبب الغنى، ومما عزي للشافعي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا * وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد.
ففي السفر تظهر معادن الرجل .
الخامسة : الاتصاف بالأمانة وعدم الخيانة في العرض والمال والدين ، فمن كان أمينا في دينه كان أمينا ورعا تقيا في معاملاته أمنه الناس على أعراضهم وأموالهم ودينهم .
فإن لا إيمان لمن لا أمانة له ، فإن خيانة الأمانة نفاق كما جاء في الحديث . <<.. إذا اؤتمن خان ..>>.
السادسة المداراة في الحق ، فمن تداريه في حق عام أو خاص في دين أو دنيا ، في نصيحة ، أو تذكرة ، وقبل ذلك الحق وخضع له ولم يكابر ، بل هضم نفسه وتواضع لأخيه وكان أمينا على دينه ورعا تقيا في دنياه فهو الغاية .فكيف إذا أنضاف إلى ذلك استقامته على السنة واتباعه سبيل المؤمنين وتركه للكبائر وتنزه عن الصغائر ، وورعه عن خوارم المروءة فهذا الذي يحتاج إلى تزكية ويحتاج أن يزكي من كانت حاله كذلك .
واعلم أخي أن هذه المذكورات أغلبها في الأمور العامة ، في الشهادة والعقود وغيرهما أما في الاستقامة على المنهج الحق سبيل المؤمنين أتباع السلف الصالح وفي العلم والسنة وتزكيته بالفضل والعدالة للأخذ عنه فهذا لابد من إضافة ضوابط أخرى وهي :
أن يعرف عند بعض العلماء وطلاب العلم بالطلب والتحصيل على جادة السلف ، وأن يعرف بالملازمة لبعض الشيوخ والزمالة لطلاب العلم الثقات ، وأن تستفيض عدالته بتركه للكبائر وتنزهه عن الصغائر أو يعدله معتبر ، أو تسبر مروياته ، وما عنده من كتب ومؤلفات أو دروس ، فإذا عرف عند العامة في الأمور العامة التي ذكرناها آنفا ، وعرف في الأمور العلمية والسنة والاستقامة على منهج السلف ، وعرف بمحاربته للبدع ونبذ الحزبيات و الفِرق والتفرق وبغض أهل الأهواء ، والحرص على جماعة المسلمين ، والسمع والطاعة في المعروف ، وعدم الخوض في الفتن فهذا حري أن يزكى وأن يثنى عليه بالفضل والعدالة وأن يكون معروفا .
أما من لم يكن كذلك فهذا الذي يقال عنه أنه غير معروف ، فإذا اجتمع فيه بعض الأمور من هذه دون بعضها فكل بحسبه ، ففي الشهادة الحد الأدنى أن يكون فيه خصلة من تلك الخصال ، أما في العلم والسنة والاستقامة على منهج السلف فلا بد أن تستفيض سلفيته واستقامته أو أن يعدله معتبر ، وأن يكون من أهل هذا الشأن يعرف به ، فقد يكون صالحا يثنى عليه في صلاحه في نفسه ولكن لا يؤخذ منه العلم لأنه ليس من أهله كما قال مالك رحمه الله فيما نقله عنه الرامهرمزي في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (1/403) د. محمد عجاج الخطيب
قال حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّقْرِ السُّكَّرِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا مَعْنٌ - وَقَالَ مَرَّةً: مُحَمَّدُ بْنُ صَدَقَةَ الْفَدَكِيُّ - أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: " لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلَا مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ، وَلَا مِنْ رَجُلٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِنْ رَجُلٍ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ " قَالَ الْحِزَامِيُّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، غَيْرُ أَنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا هَذَا، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، مَشْيَخَةً لَهُمْ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَعِبَادَةٌ، يُحَدِّثُونَ، فَمَا كَتَبْتُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدِيثًا قَطُّ قُلْتُ: لِمَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَا يُحَدِّثُونَ .
عن ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً أَوْ قَرِيبًا مِنَ الْمِائَةِ مَا يُؤْخَذُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَهُمْ ثِقَاتٌ، يُقَالُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ " نفس المصدر .
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ، واسأله سبحانه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وان يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه غنه ولي ذلك والقادر عليه .


وكتب :


أبو بكر يوسف لعويسي


16/10/1434هـ


الموافق 23/08/2013م

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
20-Sep-2013, 12:00 AM
لذكرى

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
12-Nov-2013, 09:08 PM
يقول الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي -حفظه الله-
كان السلف لا يسألون عن المرء بعد ثلاث...
[...] « من ذا الَّذي يخفي عليك إذا نظرت إلى قرينه ؛ وعلى الفتى بطباعه سِمَةٌ تلوح على جبينه »

من الَّذي يخفى عليك إذا نظرت إلى من معه ؟ العوام الآن عوامٌ لا يقرؤون ولا يكتبون، إذا رأوك تمشي مع المُنتَقَد يقول لك بالكلمة الفصيحة: « ما وجدت إلا هذا تمشي معه ؟! » أليس كذلك ؟ لما ؟ مُنْكِرًا عليك أن تمشي مع من مُمَاشَاتُه إزراءٌ بك.

فهذا قد كان عند السَّلف - رحمهم الله تعالى -، والأَعْمَشْ - رحمه الله - يقول: « كانوا لا يسألون عن المرء بعد ثلاثٍ، [بعد ثلاث لا يسألون عنه ؛ إذا أبصروا منه ثلاث أشياءٍ]:
• ممشاه،
• ومدخلَه،
• وإلفَه من الناس. »
من يألف ؟ مع من يمشي ؟ مع من يذهب ؟ مع من يأتي ؟ خلاص يعرفونه .

وقَدِمَ سفيانٌ الثَّوريٌّ - رحمه الله - فيما يرويه يحيى بن سعيد القطَّان - الإمام العلم - يقول: إن سفيان الثوري رحمه الله قدم البصرة (يحيى بصري وسفيان الثوري كوفي رحمهما الله جميعا) فيحيى بن سعيد القطان يحكي يقول: « لما قَدِمَ سفيانٌ الثَّوريُّ البصرة جعل ينظر إلى أمر الرَّبيع [يعني ابن صبيح السَّعدي] وقدره عند النَّاس [مكانته عند الناسَّ]، ثم سأل: "ما مذهبه ؟" [أي: شيء مذهبه ؟]، فقالوا: "ما مذهبه إلَّا السُّنَّة"، فسأل ثانيًا قال: "من بِطَانَتُه ؟" قالوا: "أهل القدر"، قال: "هو قدريٌّ" .»

التحميل
من المرفقات (http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=28972&d=1371327458)

الاجري