المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (سلسلة 03) أجوبة المتأسي على أسئلة علي الطرابلسي. س3 : ما يجري في البلدان الإسلامية اليوم هل هو عقوبة ؟



أبو بكر يوسف لعويسي
21-Sep-2013, 03:43 PM
الحمد لله حمدا يليق بجلاله وكماله ،والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على خير نبي أرسلا بالهدى ، وعلى آله وصحبه وعلى من لسبيلهم اقتفى ووفى إلى يوم الدين .
أما بعد :
س 3: سؤال من ليبيا يقول السائل . ما يجري في البلدان الإسلامية اليوم ، يا شيخ هل هذا عذاب من الله عز وجل وما هي الأسباب المعينة للتمكين لهذه الأمة ؟
ج 3/ بالنسبة للشق الأول من السؤال وهو هل ما يجري في البلاد الإسلامية يعتبر عقوبة من الله ؟ الله أعلم . ولكن لا أشك أنه بلاء وامتحان من الله تعالى للمسلمين .
أما بالنسبة لأسباب التمكين فإليك هذا المقال الذي كنت كتبته ردا على بعض الحزبيين ودعاة التكفير ممن ينادون بالتغيير للتمكين عن طريق السياسة أو الانقلابات والخروج والثورات .
إن ما يجري على الأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض من البلاء ، يعده أهل الإيمان من الاختبار لتمحيص ضمائر الأمة ، وإخراج الخلص منها ، الطيبين الذين يحملون عبأ هذا الدين ويستشعرون حجم المسؤولية للنصر والتمكين ، وهذا نراه ونسعه يعد إرهاصات وبشائر تلوح في الأفق فكل شيء بلغ القمة لابد له من الرجوع بالسقوط أو التآكل ، وقد بلغ الباطل القمة وهاهو يتراجع ويتقهقر وهاهو الحق بدأت تخفق رايته وتظهر نسأل الله الثبات وأن يجنبنا الفتن. وإن لله تعالى سنن لا تتغير ولا تتبدل، ومن رام تغييرها وتبديلها من غير أسباب فلن يجد لذلك سبيلا ولا تحويلا. كما قال تعالى :{ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } (43) سورة فاطر .وقد وعد الله عباده المؤمنين ووعده حق، وصدق، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا }(87)النساء ،{ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا }(122).
ولكن وعده لا يتحقق إلا إذا حققوا ما أمرهم به وطالبهم أن يكونوا عليهفقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }(7). سورة محمد .فقد وعدهم إن نصروا الله أي دينه وشرعه ورسوله في أنفسهم بالغلي والنفيس وعدهم بالاستخلاف في الأرض والتمكين ، وطلب منهم أن يكونوا مؤمنين موحدين ،وللأعمال الصالحة فاعلين ، قال سبحانه :{{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }}(55) سورة النور .
فمن شرط الوفاء بالوعد للاستخلاف في الأرض بالنصرة والتمكين تحقيق الإيمان والتوحيد، فقد افتتح الآية الكريمة بقوله سبحانه:{{وعد الله الذين آمنوا..}}واختتمها بقوله :{{ يعبدونني لا يشركون بي شيئا }}وهذا يقتضي أن يحققوا معنى الإيمان الذي أراده هو، لا الذي أرادوه هم لأنفسهم مما افترقوا عليه كل بفهمه ، ذلك الفهم الذي أدخل عليهم الدخن وسبب لهم الغثائية ، فأخذوا منه جوانب ، وتركوا جوانب أخرى ، غما بتعطيل او تحريف أو تأويل مسنتين في ذلك بسنن من كان قبلهم من اليهود والنصارى، بل تجاوزوهم في الافتراق والتنازع بسبب تنافسهم على الدنيا، وتركهم ما أمرهم به من المشروع الذي فيه عزهم وكرامتهم ، وأخذهم بالممنوع، الذي فيه ذلهم وهوانهم ، ورضاهم بالزرع والضرع ،فوصل بهم الحال إلى هذه المهانة والمذلة التي يعيشونها، ولا حول ولا قوة إلا بالله .إن التوحيد والإيمان الذي أراده الله تعالى من المؤمنين هو ذلكم التوحيد الذي كان عليه الرعيل الأول من الصحابة الذين يأس الشيطان أن يُعبد بينهم وفي زمنهم، فكانوا عبيدا لسيدهم لا يفتقدهم حيث أمرهم، ولا يراهم حيث نهاهم فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، وحدوا الله تعالى توحيدا خالصا لم تشبه شائبة ،وعبدوه كأنهم يرونه يتجلى لهم في أعظم وأجمل صورة الصمدية ، والوحدانية ، فهو الأول الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، والظاهر الذي لا شيء فوقه والباطن الذي لا شيء دونه ، فهو القريب إليهم من حبل الوريد وهو المتعالي فوق السماوات على العرش استوى ، يسمع ويرى ، لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ،وهو معهم أينما كانوا يراهم كما لو أنهم يرونه قد أثبتوا له ما أثبته لنفسه ، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ،ونفوا عنه ما نفاه عن نفسه ، ونفاه عنه رسوله ، مما لا يليق بجلاله وكماله وجماله ،فهو أعلم من وصف نفسه ، وأعلم الخلق به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يخاطب العرب الفصحاء البلغاء بالألغاز بل خاطبهم بكلامهم ومعهود خطابهم يفهمون معانيه ومقاصده ،على غرار قوله : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }فوقفوا عند ذلك ، ولم يُعملوا عقولهم هنالك ، وعلموا أن لا منجى من الله إلا إليه ، ولا ينفع ويضر إلا هو ، وأنه هو مدبر شؤونهم ،ومحييهم ومميتهم وأن أرزاقهم وآجالهم ، منه وإليه ، فلم يسعهم إلا أن يسألوه سؤال العبد ليسده أن يمن عليهم ، وأن يثبت أقدامهم ،وأن يفتح لهم ، فكان لهم ما أرادوه بصدقهم وإخلاصهم ،فرضي الله عنهم وأرضاهم.
قال تعالى يصفهم : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(38)النور .
وقال تعالى :{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }(23) الأحزاب .
وقال سبحانه وتعالى :{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (18) الفتح.
واقرأ آخرها لتعرف كيف وصفهم بالشدة على الكفار والرحمة على بعضهم البعض مما استوجب لهم النصر والتمكين . وقوله تعالى في الآية:{{ وعملوا الصالحات ...}} يقتضي الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه ، ومن ذلك كل ما أمر به رسوله ونهى عنه ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:<< إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فانتهوا >>البخاري.
والعمل الصالح؛ هو كل ما يحبه الله ورسوله ويرضاه من بر، ولا يكون العمل صالحا إلا إذا كان خالصا صوابا، و تحققت فيه ثلاثة شروط، وهي: 1- الإيمان بالله...2 -الإخلاص فيه...3 - المتابعة لنبيه ..
أما الإيمان فلقوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة..} ولقوله سبحانه :{ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} . فقيد العمل الصالح بان يكون من المؤمن لن عمل الكافر لا يقبل منه في الآخرة وإن كان في الدنيا ينتفع به ويجازى عليه .عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُعْطَى عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْرًا >>أخرجه أحمد(19/266)( 12237) ومسلم (2808).
أما الإخلاص، فلقوله تعالى: { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}، ولقوله : { .. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له}والآيات في هذا كثيرة وكذلك الأحاديث ومنها على وجه الخصوص في موضوعنا. ولقول رسوله:<< إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفيها ؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم>> رواه النسائي (3178)، وأخرجه البخاري في " صحيحه " (2896) في الجهاد: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب . دون ذكر الإخلاص . وصحيح الترغيب والترهيب [حديث رقم 5] .
وفيه أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ؛ ماله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< لا شيء له >> فأعادها ثلاث مرارا ويقول الرسول :<< لا شيء له >> ثم قال: << إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه >> صحيح النسائي (3140)حسن صحيح أحكام الجنائز (63) ، الصحيحة (52) ، صحيح الترغيب والترهيب (1 / 6 / 6).
وأما المتابعة فلقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..} ولقوله: { قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }.
وهذه الآية يسميها بعض السلف آية الامتحان، أو الفاضحة .ولقوله صلى الله عليه وسلم:<< خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة>>رواه مسلم.
ولقوله: << من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد >> فأي عمل مهما كان حجمه وحسنه، فهو مردود على صاحبه إن لم يكن عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم.فإذا أحسن العباد ذلك وتركوا ما هنالك من سبيل كل هالك ، واعتزوا بدينهم الذي ارتضاه لهم وتمسكوا به ونصروه جاءهم الاستخلاف ، وحل بهم مكان الخوف الأمن والائتلاف .
قال تعالى : { ليستحلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم .. } وهذا : { وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون }فلم التأخر إذا؟ ولم التقهقر ؟ ولماذا لا نحقق له من أنفسنا الوفاء بالقيام بما طلب منا لأنه وعدنا أن يفي لنا بوعده ، وهو لا يخلف الميعاد .فاربئوا بأنفسكم ، أيها المسلمون ؛ وقوموا بما عليكم ، فهو معكم ولن يتخلى عنكم {فهو مع الذين آمنوا والذين هم محسنون}.أم ظننتم أن يحيف الله عليكم؟فآمنوا وأحسنوا{ عسى ربكم أن يهلك عدوكم وستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}.فإن توليتم { فهو الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء..} وهذا وعيد وتهديد { ولا تضرونه شيئا } ذلك وعد غير مكذوب .
ولكن خلف من بعد أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وجاهدوا من أجله ودفعوا أغلى ما يملكونه - أموالهم وأرواحهم – وأعمارهم - في سبيله {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا ..} خلفٌ ورثوا الكتاب من بعدهم فضيعوه، وتنافسوا على العُرض الزائل من الدنيا كما تنافس عليه أولئك القوم الذين ضيعوا الكتب التي أنزلت عليهم ممن كان قبلنا ، وتمنوا على الله أن ينصرهم؛ وأن يمكن لهم بعدها، ويغفر لهم ؛وهذا مخالف لسنن الله في ربط الأسباب بمسبباتها .
لأن التمكين له أسبابه من أعظمها بعد الإيمان إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك من نصرة الدين ، بينها سبحانه بقوله: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } إلى أن يقول:{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.وقد يقول قائل : هاهي الصلاة تقام ، وها هي الزكاة تؤدى فلم لم ينصر الله المسلمين ؟ قيل له صحيح أن الصلاة تقام وأن الزكاة ولكن على غير الوجه المشروع ، ومع تضييعنا للوجه المشروع حدثت البدع والأهواء وضيعنا فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعظم من هذا وذاك أن التوحيد الذي أمر الله به غير متحقق في الأمة الموعودة بالنصر وإلا فإن كلام الله حق وأن الله لا يخلف الميعاد .
فهذه أسباب التمكين في أمتنا في هذه العصور المتأخرة ضيعت، والتي لم تضيّع منها لا تقام ولا تؤتى على الوجه المشروع، ولا على الصفة والكيفية التي كان عليها النبي وصحابته- الطائفة المرضية المنصورة، والفرقة المرحومة الناجية- إلا من رحم الله وقليل ما هم.
وقد توعد الله على ذلك فقال: { فخلف من بعدهم خَلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } فكيف ينصر الله من توعده بالغي في جنهم؟ وكيف ينصر الله من ورث الكتاب وضيعه ؟؟وكيف ينصر الله من ضيع الصلاة الركن الأعظم في الإسلام ؟؟بل كيف ينصر الله من يستغيث بغير الله ويطوف بالقبور ويذبح لها وعندها ؟؟وكيف ينصر الله من ماتت فيهم الغيرة على الدين والعرض ، فيرون ويسمعون حدود الله تنتهك ، ونساءهم وبناتهم في سفور وتبرج لم تعرفه البشرية من قبل؟
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذاك شيء كان، ولم يصبح من خصال أهل هذا الزمان، إلا في القليل منهم وقليل ما هم من أهل العلم والإيمان.وقد لعن الله سبحانه الذين كفروا من بني إسرائيل، فقال عز من قائل: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون }.
ألا ترون أن ما وقع فيه هؤلاء القوم واقعناه وزدنا عليه، وقد كنا خير أمة أخرجت للناس، ولم تتميز هذه الأمة بهذه الخصلة إلا بسبب أنها تأتمر بالمعروف وتأمر به، وتنتهي عن المنكر، وتنهى عنه.قال تعالى {فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله } فهل إلى رجعة من سبيل؟ وهل من استفاقة للإتباع والأخذ بالدليل ؟ لعل الله أن يستجيب لنا فينصرنا على أنفسنا وأعدائنا، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك هذه الخصلة من موانع الدعاء فقال:<< << والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم>> صحيح الجامع( 7070 - 2399 ) وقال (حسن) [حم ت] عن حذيفة. المشكاة (5140).
ومن شروط النصر التي ضعفت فينا أو كادت أن تزول عند الكثير ، الإخلاص في التوكل على الله، والاستغاثة به، والصدق معه، والتغيير من الحال التي نحن عليها إلى الحال التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، والصبر على ما يصيبنا في ذات الله، واليقين بأن الله ناصر عباده الذين اتصفوا بهذه الصفات ، وعدم التنازع ، والإلحاح في الدعاء. وغيرها .
أما التوكل فقال الله فيه : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون }فلا نخشى ولا نخاف إلا الله ، حتى لو اجتمع علينا من بأقطارها.
قال تعالى : { إن الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فانظروا يا من تتطلعون إلى النصر إلى جزاء التوكل عليه سبحانه .
وقال : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم }فيا للنصر من نعمة عظيمة وفوق ذلك فضل الله العظيم .أما الاستغاثة حين تصدق النوايا وتخلص القلوب ويظهر ذلك على الجوارح فيأتي الجواب في الحين، فقد بينها المولى عز وجل بقوله: {إذا تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين }وقد رأوها وهم في الميدان..
وهكذا الصدق فالمؤمنون: { ينصرون الله ورسوله وأولئك هم الصادقون}كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:<<لو صدق الله لصدقه>> وقال :<< أفلح إن صدق >>البخاري (46 – 1891-2698) ومسلم (11).وأما الصبر مع الصدق فأمره عظيم ومن ثمرته التقوى قال تعالى : { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}والصبر قد ذكره الله تعالى في أكثر من تسعين موضعا في كتابه، وهذا لأهميته ولأن من صبر واحتسب لا يضره كيد الأعداء ، وأن النصر مع الصبر قال تعالى : { إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}.
ومن شروط النصر والتمكين ، وربط الأسباب بمسبباتها نصرة دين الله في النفس والأهل والأرض ، قال تعالى: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامك}.فقد جعل الله حقا على نفسه نصرة من نصره، قال مبينا ذلك: { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } فإذا نصرهم مكن لهم ، مكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم فتعلموه وعملوا به .فإلى نصرة الله تعالى بتعلم دينه ، وأهم شيء فيه هو تحقيق توحيده وإفراده بالعبادة التي من أجلها خلقنا..وهذا لا يتأتى إلا بالتعلم والتفقه في دين الله على جادة السلف الذين مكن الله لهم لأنهم أخذوه وتعلموه صافيا نقيا لا غبار فيه ولا كدر .
ومن أسباب التمكين والنصر اعتقاد أن النصر من عند الله وحده : { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} فليس لنا إلا الأسباب { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(17)سورة الأنفال . فلا تعجب بكثرة ، وعدة ولا عدد فغن عن كانت خاوية من الإيمان او ضعيفة لا تغني شيئا :{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ }(25)سورة التوبة .
ومنها الاتحاد والتوادد وعدم التنازع والاختلاف: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيل الله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وقال {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}والريح هنا هي النصر.
فإذا كنا كما أراد الله لنا أن نكون وحققنا هذه الشروط وتركنا أسباب الذل والهوان جاءنا النصر والتمكين ، وفتح علينا كما فتح على أسلافنا السابقين الأولين، الذين كانوا في غربة شديدة، وبلاء عظيم، جاهدوا في الله حق جهاده، وصادقوا ما عاهدوا الله عليه فنصرهم الله ومكن لهم، حتى ملكوا الدنيا في ربع قرن من الزمان .روى مسلم في صحيحه (146): قال صلى الله عليه وسلم :<< بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء>>وابن ماجة (3986).
نعم بدأ الإسلام غريبا بمحمد وثلة من السابقين الأولين ،من المهاجرين والأنصار وانتصر يوم بدر ومكن الله لتلك الطائفة المؤمنة. وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم : << بأنهم شعرة بيضاء في جلد ثور أسود >> فالمسلمون غرباء حقا بالنسبة لملل الكفر الأخرى في ذلك الحين ورغم ذلك انتصروا ، غلب نور تلك الشعرة البيضاء القوي بالإخلاص والصدق والتوكل ، والاستغاثة بالله وحده ، ونبذ أمور الجاهلية وسرعة الاستجابة بالامتثال لله ورسوله ، غلب نور الإيمان على ظلام الشرك والكفر المتمثل في ذلك الشعر الكثيف على ظهر جلد الثور الأسود الذي تحمله أمم الكفر .
كوكبة من المؤمنين الخلص الصادقين يقفون في وجه طوفان الكفر ، يستغيثون ربهم أن يمدهم بالعون من عنده ، لأنهم علموا يقينا وهم يقرءون قوله تعالى: { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم }وقوله : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده .. }وقوله تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وكان قائدهم الأعظم يتضرع إلى ربه أن ينجز له وعده :<< «اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ فَلَنْ تُعْبَدَ فى الأَرْضِ >> المعجم الكبير للطبراني:( 18/206-207) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد: (1/228).
فاستجاب الله له ولهم في قولهم ، وثبت الأقدام إن لاقينا.. فربط الله على قلوبهم ، وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين .وبتلك الانتصارات مكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم ، وبلغ الإسلام ذروة المجد والعزة والكرامة والمنعة والقوة حتى خافه أعداء الله تعالى وأصبحوا يحسبون له ألف حساب .وهكذا انتشر الإسلام في ربع قرن من الزمان واشتهر، وارتفعت عنه الغربة ، وبقي يمتد بالفتوحات شرقا وغربا إلى أن وصل حيث أذن الله تعالى له أن يصل ثم بدأ في التراجع القهقري ، فكان يقوم حينا ، ويضعف أحيانا أخرى بأسباب تنبأ بها محمد صلى الله عليه وسلم ، سنذكر بعضا منها فيما بعد – إن شاء الله-وقوله : وسيعود غريبا ،يعني بذلك غربة جهل أهله به ، وغربة أهل الحق المتمسكين به بين أهله .أما غربة جهله به : فلقوله صلى الله عليه وسلم :<< إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم ، وينزل الجهل ، ويكثر فيها الهرج والهرج القتل >>رواه البخاري [7062-7063 ] .في رواية :<< إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا >>[ح80).
وكذلك قوله : << إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا >>البخاري [ح100).وأما غربة: أهل الحق من المؤمنين أتباع السلف الصالح، فهم الذين تمسكوا بمنهج النبوة، لما رأوا تفرق الأمة - شذر مدر – أو - أيدي سبأ - وقد أخذت ذات اليمين وذات الشمال مستنة بسنن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ،في تفرقهم واختلافهم ، << افترقت النصارى على واحد وسبعين فرقة وافترقت اليهود على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة >> رواه أهل السنن ، وهي من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ،كما جاء مصرحا به في الحديث ، ولا شك أن الفرقة الواحدة بين ثلاث وسبعين فرقة تكون غريبة أشد ما تكون ، ومع ذلك فهي باقية ببقاء الحق ، لأن الحق ينام ولا يموت .وقد قال صلى الله عليه وسلم:<< لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين...>> ، وهذه الطائفة فيها أهل الإيمان من أهل السنة؛ وغربتهم على مراتب، بحسب قوة تمسكهم بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وضعف ذلك.وعليه فالمسلمون غرباء في ملل الكفر، والمؤمنون غرباء في أهل الإسلام بين ثلاث وسبعين فرقة وأهل السنة غرباء في المؤمنين بحسب قوة إيمانهم، وقربهم من السنة وبعدهم عنها، وأهل السنة المتمسكين بها، الناشرين لها، المدافعين عنها غرباء في أهل السنة، وكلما مَكَّن الرجل الدين من نفسه، واعتلى سفينة السنة ناشرا لها مدافعا عنها كلما ازدادت غربته، فطوبى لكم أيها الغرباء..والتفريق بين المسلمين والمؤمنين نجده في قوله تعالى : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } قال ابن كثير رحمه : احتج بهذه الآية من ذهب إلى رأي المعتزلة ، ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام ؛ لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين ، وهذا الاستدلال ضعيف ؛ لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين ، وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس [أي ليس كل مسلم مؤمن ]فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية الحال ، ولا يلزم ذلك في كل حال .
قلت : ويؤكد ذلك قوله تعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ..}.وذلك أن الأعراب أول ما دخلوا الإسلام ادعوا لأنفسهم الإيمان ولم يتمكن من قلوبهم بعد ، فأنكر الله عليهم ذلك .
وقد فرق النبي بين المسلم والمؤمن فقد أخرج البخاري ومسلم وأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا ، فقال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا وهو مؤمن ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :<< أو مسلم >> حتى أعادها سعد ثلاثا والنبي يقول : << أو مسلم >> ثم قال :<<إني لأعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم فلا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا على وجوههم في النار>>.
أما غربة أهل السنة في المؤمنين فهي بحسب مراتبهم في الإيمان، والعمل الصالح، ومتابعتهم للسنة، وهذا لا إشكال فيه فليس كل المؤمنين في مرتبة واحدة من الإيمان والعمل الصالح والسنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :<<.. المتمسك يؤمئذ بدينه كالقابض على الجمر>> السلسلة الصحيحة (957).
أما غربة أهل السنة وسط أهل السنة فهي لمن أحيا السنة ودعا إليها، وذب عنها من العلماء وطلبة العلم الربانيين، فقد قال صلى الله عليه وسلم:<< من أحيا سنتي عند فاسد أمتي له أجر خمسين رجلا>> قالوا منا أو منهم ؟ قال :<< منكم >> .
أولئك هم النزاع من القبائل ، يجمعهم اسم الطائفة المنصورة ، يأتي عليهم زمان يجتمعون وينتصر الإسلام بهم ، وبهم فقط ، لأنهم هم وحدهم في غربتهم من يحملون فهم الصحابة لنصوص الكتاب والسنة ، ذلكم الفهم الذي رضي الله تعالى به عليهم ونصرهم على عدوهم ، ومكن لهم الدين الذي ارتضاه لهم ، لذلك إذا أردنا أن يصلح حالنا أو تعود لنا العزة والمنعة والكرامة فما علينا إلا أن نحقق ذلك الفهم في حياتي فنحيا على ما كانت حياتهم لينصرنا الله كما نصرهم .
وصدق إمام دار الهجرة حين قال : ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.وعليه أقول أن النصر والتمكين لا يكون إلا إذا توفرت في الأمة هذه الشروط والأسباب وعادت الأمة إلى دينها وتركت الغثائية والذل والهوان التي تعيشه ، وتركت التعامل بالربا والركون إلى الدنيا ، ولعل هذا يتحقق على يد الطائفة المنصورة ، اسأل الله تعالى ان يجعلنا وإياكم منهم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
كتبه : أبو بكر يوسف لعويسي

الجزائر : 14/11/ 1434هـ الموافق 20/09/2013م

الجزائر : 14/11/ 1434هـ الموافق 20/09/2013م

أبو الوليد خالد الصبحي
25-Aug-2023, 01:53 PM
جزاك الله خيرا