المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهج السلف مع التائبين ، وحكم تعيير المسلم بذنب تاب منه أبد الآبدين (( دفاع عن العلماء والمشايخ السلفيين )) الشيخ أبي بكر يوسف لعويسي



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
24-Sep-2013, 01:17 AM
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، أسأله سبحانه وهو الحكيم الخبير ، نسْأَل بمنه وفضله أَن ينفعنا بِالْعلمِ وَأَن يجعلنا من أَهله وَأَن يوفقنا للْعَمَل بِمَا علمنَا إنه على كل شيء قدير ، سبحانه وتعالى وبالإجابة لمن سأله جدير .

ونسأله بمنه وفضله أن يفوقنا إلى َتعلم مَا جهلنا وَإِلَيْهِ نرغب فِي أَن يعيذنا من إتبَاع الْهوى وركوب مَالا يرتضى ، وَأَن نشرع فِي دينه مالم يشرع أَو أَن نقُول عَلَيْهِ مالم يَصح أَو يسمع ، وَأَن يعصمنا فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال من تَزْيِين الشَّيْطَان لنا سوء الْأَعْمَال ، وَأَن يَقِينا زلَّة الْعَالم وَأَن يُبصرنَا بعيوبنا فَمَا خلق من الْعَيْب بسالم ، وَأَن يرشدنا لقبُول نصح الناصح وسلوك الطَّرِيق والواضح ، فرقابنا للحق تنقاد وتخضع دون تردد ولا شح ، فَمَا أسعد من ذُكر فَتذكر وبصر بعيوبه فتبصر ؛ وَصلى الله على من بَعثه بِالدّينِ القويم والصراط الْمُسْتَقيم فأكمل بِهِ الدّين وأوضح بِهِ الْحق المستبين مُحَمَّد بن عبد الله أبي الْقَاسِم الْمُصْطَفى الْأمين صَلَاة الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ .
ورضي الله عَن الأئمة التَّابِعين وَالْعُلَمَاء من بعدهمْ العاملين الَّذين بلغُوا إلينا سنته وشرحوا لنا هَدِيَّة وطريقته ، وأصلوا لنا أصولا نرجع إِلَيْهَا فيمَ أشكل علينا ونستضيء بهَا مَا استبهم علينا وميزوا مَا نقلوا إِلَيْنَا عَنهُ من بَين مَا يجب الرُّجُوع إليه من ذَلِك ، رضي الله عنهم وأرضاهم .
أما بعد :
لا يخفى على كل ذي عقل واستقامة أن كل بني آدم خطاء ، وخير الخطاءين التوابون ، هذا مما عليه الاتفاق والوفاق .
وليس العيب أن يخطئ المسلم ولكن العيب أن يذكر فلا يتذكر وأن ينصح فلا ينتصح وأن يظهر له الحق فيصر ويعاند ويركب رأسه في ابتاع الباطل .
وليس من شك أن الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل ، وأن الرجوع للحق فضيلة ومزية ترفع من شأن الراجع وتشرفه عند أهل الإسلام بعامة والسلفيين بخاصة.
ولقد حصل على مر التاريخ من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى يوم الناس هذا قصص كثيرة للعلماء وطلاب العلم وغيرهم من أهل الفضل أنهم أخطئوا في تقدير أمور فزلت بهم أقدامهم ، أو أقلامهم ، أو أفهامهم فيما اجتهدوا فيه ولكن ما لاح لهم نور الحق حتى تبصروا فإذا مبصرون راجعون وعند الحق وقافون ..
وقد أثنى الله تعالى في كتابه على التوابين الأوابين إلى الحق ، وأخبر أنه يحبهم ، وكذلكم النبي صلى الله عليه وسلم في سنته وليس من شك أن صلى الله عليه وسلم يحب ما يحبه ربه سبحانه ، وكذلك ينبغي لأهل محبة الله ورسوله أن يحبوا ما يحبه الله ورسوله ، يحبون التائب لأن التائب حبيب الله ، وأنه خرج من ذنوبه فأصبح كمن لا ذنب له كما جاء في الحديث وسيأتي – إن شاء الله -.
ولكن ظهرت ناشئة حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ، لا يحبون ما يحب الله ورسوله ولا يعظمون ما يعظمه الله ورسوله ، ولا يعرفون لتائب حقا ولا قدرا ، ولا يوقرون كبيرا ولا يرحمون صغيرا ، ولا يسلكون مسلك الأسلاف في أدبهم ومعاملتهم للتائبين أي كانوا ..مع أنهم ينتسبون إلى السنة وبعضهم ينتب للعلم وللأسف الشديد.
وأني أتعجب كل العجب - والله - من أناس يزعمون الانتساب إلى الكتاب والسنة بفهم صالح سلف الأمة كيف يتجرءون ودون أدب ولا احترام ولا توقير وينسبون العلماء الكبار سنا وعلما إلى أشياء هم منها براء ، براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، أو ربما كانت منهم اجتهادا أو زلة لسان أو نبوة قلم في غابر أزمانهم ثم رجعوا عنها وبينوها غاية البيان ، وأصلحوا ما كان منهم ومن ذلكم من يرمي الشيخ المحدث المجدد العلامة الألباني بالإرجاء ، أو التجهم ، وهو بريء من ذلك ، أو يرمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه خارجي ، وهو بريء من ذلك ، أو يرمي الشيخ مقبل بأنه يطعن في دولة التوحيد وعلمائها ، وكذلك من يرمي الشيخ العلامة ربيعا بأنه كان إخواني والشيخ العلامة عبيد الجابري في أشياء هكذا ... والقائمة طويلة ...
ظهرت هذه الطائفة على حين غرة من العلماء تشنع وتشمت وتعاير العلماء والمشايخ وطلبة العلم بما صدر من أحدهم عن اجتهاد أو عن خطأ رجع منه ، وهم يعلمون أنه رجع منه ، وترك ما كان عليه وبينه ، ومع ذلك لم يراعوا له حرمة كبر سنه ولا علمه الذي كانوا حين من الدهر يثنون عليه به ، ويستفيدون منه .
ولبيان وتجلية موقف المسلم السني السلفي والعدل المتبع والمقتفي آثار السلف وسبيل المؤمنين ، كتبت هذه الرسالة أذكر بها هؤلاء وأولئك بهذه الفعلة الشنيعة التي تصيبهم يوما من دهرهم طال الزمن أو قصر والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ، ومن عير أخاه بذنب أو خصلة لم يمت حتى يركبه أو يصيبه .
ففي الترمذي (2505) عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ(1) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ>> . قَالَ أَحْمَدُ: قَالُوا: مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَرُوِيَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّهُ أَدْرَكَ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ رَوَى عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ عَنْ مُعَاذٍ غَيْرَ حَدِيثٍ.
وقال الصنعاني في سبل السلام (2/682) (لَا يُعَيِّرُ الْمُسْلِم أخاه] الحديث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ) كَأَنَّهُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ فَلَا يَضُرُّهُ انْقِطَاعُهُ. وَكَأَنَّ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ أَيْ عَابَهُ مِنْ الْعَارِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ بِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ يُجَازَى بِسَلْبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا عَيَّرَ أَخَاهُ بِهِ وَذَاكَ إذَا صَحِبَهُ إعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ بِسَلَامَتِهِ مِمَّا عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ.
وهذا الحديث قد حكم عليه الشيخ الألباني في الضعيفة ( 178) بأنه موضوع.
ولكن هذا ، لا يعني ضعْف الحديث أو وضعه جواز التعيير لمن وقع في الذنب ، والذي يقع منه الذنب أقسام : منهم من يتوب ويرجع إلى ربه تعالى أو يقام عليه الحد ، فهذا لا يحل تعييره بحال لأنه طهَّر نفسه بالتوبة أو بالحد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم << التائب من الذنب كمن لا ذنب له >> وسيأتي تخريجه .
وقَالَ أَعْرَابِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: << عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِنِ امْرُؤٌ عَيَّرَكَ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِشَيْءٍ تَعْلَمُهُ فِيهِ يَكُنْ وَبَالُهُ عَلَيْهِ وَأَجْرُهُ لَكَ>> (2). وفي صحيح الجامع (98)<< وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر ليس هو فيك فلا تعيره بأمر هو فيه ودعه يكون وباله عليه وأجره لك ولا تسبن أحدا>> . سبحان الله !!! لأي خلق هذا لا تقابل السيئة بالسيئة ، و لا السيئة بالوصف المعيب الي هو فيه إن عايرك بما ليس فيك . لأنه ليس من خلق المسلم ذلك ،فكيف بالسلفي الذي هو أسعد الناس بالوقوف عند السنة .
وبوب النووي في رياض الصالحين باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم .
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} .
ثم ساق بسنده عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك >> (3)
وفي الباب في هذا المعنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه : <<كل المسلم على المسلم حرام ... >>الحديث.
قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين –رجمه الله - [الشَّرْحُ]
هذان بابان ذكرهما المؤلف - رحمه الله - في كتابه (رياض الصالحين) الأول في الشماتة، والثاني في الطعن في النسب.
أما الشماتة فهي: التعيير بالذنب أو بالعمل أو حادثة تقع على الإنسان أو ما أشبه ذلك، فيشيعها الإنسان ويبينها ويظهرها، وهذا محرم لأنه ينافي قول الله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فإن الأخ لا يحب أن تظهر الشماتة في أخيه، وكذلك ينافي قوله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} .
ثم ذكر المؤلف حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك يعني أن الإنسان إذا عير أخاه في شيء ربما يرحم الله هذا المعير ويشفى من هذا الشيء ويزول عنه ثم يبتلى به هذا الذي عيره، وهذا يقع كثيرا، ولهذا جاء في حديث آخر، في صحته نظر لكنه موافق لهذا الحديث: من عير أخاه بذنب لن يمت حتى يعمله فإياك وتعيير المسلمين والشماتة فيهم فربما يرتفع عنهم ما شمتهم به ويحل فيك.
وفي مدارج السالكين (1 /177، 178) قال ابن القيم –رحمه الله - وقوله : (( وكل معصية عيَّرت بها أخاك فهي إليك)).
سطر في شرحها كلاما جميلا جدا فقال :
يحتمل أن يريد به: أنها صائرة إليك ولا بد أن تعملها وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم << من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله >> قال الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث: ((من ذنب قد تاب منه)).
وأيضًا: ففي التعيير ضرب خفي من الشماتة بالمعيِّر، وفي الترمذي أيضًا مرفوعًا: (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك).
ويحتمل أن يريد: أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا من ذنبه وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعلَّ كَسْرَتَه بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب، أنفع له وخير من صولة طاعتك، وتَكَثُّرك بها، والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِل من مقت الله، فذنب تذلُّ به لديه أحب إليه من طاعة تُدْل بها عليه، وإنك أن تبيت نائمًا وتصبح نادمًا خير من أن تبيت قائمًا وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مُدْلٍ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدْلِين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلًا هو فيك ولا تشعر.
فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو، ولا يطالعها إلا أهل البصائر، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر، ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا زنت أمة أحدكم فليقم عليها الحد ولا يُثَّرِبْ)، أي: لا يُعَيِّر، من قول يوسف -عليه السلام- لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [سورة يوسف:92].
فإن الميزان بيد الله والحكم لله، فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب، ولا يأمن كرَّات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة: 12:33 {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً}[الإسراء: 74]، وقال يوسف الصديق: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[يوسف: 32].
وكانت عامة يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا وَمُقَلِّبِ القُلُوب)، وقال: (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل-، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه)، ثم قال: (اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرِّف قلبي على طاعتك).
إن أصحاب هذا المنحى الخطير ينبغي أن يلزموا بأن يعيروا الصحابة الكرام –رضوان الله عليهم وأرضاهم – أنهم كانوا مشركين ... وهو من أقبح الذنوب وأعظمها فهل يجرأ أحدهم أن يتبنى هذه القاعدة ؟
ماذا يقال في عمر بن الخطاب وحمزة وخالد بن الوليد، وغيرهم من سائر سادات الصحابة – رضي الله عنهم -؟ هل يبقى وصف الشرك وصفا لازما لهم إلا قيام الساعة ، هل يبقى المسلم الذي تب مما كان عليه واخطا فيه وصمة عار في جبينه أبد الابدين ، على قول ومذهب هؤلاء الذين يرمون الناس بما تابوا منه؟ أم يقولون أن الإسلام يجب ما قبله وأن التوبة تجب ما قبلها وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ؟ وماذا يقال في قصة آدم وموسى عليهما السلام، وأن آدم حج موسى؟.
يؤكد ذلك حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه؛ قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات. قال: فتناول القوم الذرية بعدما قتلوا المقاتلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد عليه، ثم قال: ((ما بال أقوام يتناولون الذرية؟)) . فقال رجل: يا رسول الله! أليسوا أبناء مشركين؟ فقال: ((إن خياركم أبناء المشركين، ....)) (4).
هؤلاء خيار الصحابة كانوا أبناء مشركين ؛ بل كان بعضهم مشركين ولما دخلوا في الإسلام وآمنوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يعرف عنهم أنهم كانوا يعيبون على من كان مشركا ثم تأخرت توبته ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من يعيب أحدا من المسلمين بأمر طبيعي ليس له فيه يد جعل ذلك من أخلاق الجاهلية التي ينبغي أن تترك وتهجر وأن يبتعد عنها المؤمن مع أخيه المؤمن؛ فهذا أبو ذر عاير رجلا من الصحابة بأمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :<< إنَّك امرؤٌ فيكَ جاهلية >>(5).
وإن تعيير المسلم بالذنب المستقبح الذي هو منه بريء ؛ أو أنه واقعه ثم تاب منه يعد من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، فكيف إذا كان هذا المؤمن عالما من ورثة الأنبياء بشهادة كبار علماء عصره .فكيف إذا سخر لسانه وقلمه في بيان الفرق والمناهج المنحرفة عن الحق ، منهج السلف الصالح؟؟
قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } النور (19).
قال الشيخ السعدي في تفسيره لها : قوله {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ " وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.
فلا ينبغي أن يعير التائب من الذنب بل ينبغي أن يقال له خيرا وأن يذكر بخير ففي صحيح البخاري (3983 - 6259 بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ مَنْ يُحْذَرُ عَلَى المُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ وتحت رقم 6939 بَابُ مَا جَاءَ فِي المُتَأَوِّلِينَ) في قصة حاطب بن أبي بلتعة لما أرسل كتابا إلى قريش يخبرهم بخروج رسول الله وفيها :<< فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ>> قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << صَدَقَ وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا>> .
نعم لا يقال لمن صدق وتاب وأناب إلا خيرا . بل ينبغي أن يبشر بالخير ، وأن يبشر بأن ذلك اليوم الذي تاب فيه هو خير له من اليوم الذي ولد فيه ، ويهنأ بالتوبة .
وفي الجامع لمعمر بن راشد(20421 ) (منشور لمعمر بن راشد المطبوع كملحق بمصنف عبد الرزاق) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي . عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: << لَا تَقُولُوا لِحَسَّانَ إِلَّا خَيْرًا، فَإِنَّهُ كَانَ يُهَاجِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَهْجُو الْمُشْرِكِينَ >> ، قَالَ: وَكَانَ حَسَّانُ إِذَا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أَلْقَتْ لَهُ وَسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا.
بل أكثر من ذلك ، فقد كان الصحابة يهنئون التائب بالتوبة ويبشرونه قال الله تعالى :{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) }.
وفي قصة كعب بن مالك َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: << أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ>>. فَقُمْتُ وَبَادَرَنِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزت أَلَّا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعْتَذَرَ بِهِ الْمُتَخَلِّفُونَ فَقَدْ كَانَ كَافِيكَ [مِنْ ذَنْبِكَ] اسْتِغْفَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ. قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فأُكذِّب نَفْسِي: قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، [لَقِيَهُ مَعَكَ] رَجُلَانِ، قَالَا مَا قلتَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ. قُلْتُ: فَمَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارة بْنُ الرَّبِيعِ الْعَامِرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ. إلى أن قال ...
ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَّا: قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَارِخًا أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْع يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، فَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَل صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رجُل فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ وَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ.
فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، فَنَزَعْتُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ أَؤُمُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَلْقَانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِيَهْنك تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
وفيها قَالَ كَعْبٌ رضي الله عنه : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: << أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ>> .(6).
هكذا كان حال السلف الصالح يهنئون الرجل بالتوبة ولا يشمتون به ولا يعيبونه بعدها لأن التائب من الذنب من أحباب الله تعالى الذين يحبهم كما قال سبحانه : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } ولأن من تاب توبة صادقة ، تاب الله عليه وأخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكأنه لا ذنب له فقد قال صلى الله عليه وسلم :<< التائب من الذنب كمن لا ذنب له>> (7).
وهذا معنى قوله تعالى : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }(70)سورة الفرقان .
فَاسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى التَّائِبَ مِمَّا أَوْعَدَ، وَفوق ذلك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ. فكيف يعاب من تاب وأناب ، ورجع إلى الملك الوهاب ، قد يسبقك بها إلى الجنة قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ يُبَدَّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] .
وَمَنْ بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ علامة على قبول توبته وأنه قَبِلَهَا مِنْهُ، وَالْحَسَنَاتُ إِذَا قُبِلَتْ ضُوعِفَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا هذا فيمن تاب بينه وبين الله وبينه وبين خلقه ورد المظالم فكيف بمن تاب وبين وأصلح ما أفسد ، وأظهر جهاده فظهر واضحا لكل منصف فسخر لسانه وقلمه ووقته لمجاهدة أهل الأهواء والبدع وحذر المسلمين من ذلك ؟ بل أوقف حياته وشابت لحيته في الدفاع عن منهج السلف وبيان ضلال الإخوان المفلسين بجميع أجنحتهم وأصنافهم وأطيافهم ، فهذا من أعظم المجاهدين في سبيل الله .
هل يعقل أن يعاب المجاهد في سبيل الله والدفاع عن دين الله وسنة نبيه ومنهج السلف ، ويثرب عليه؟؟
لقد بين الشيخ ربيع حفظه الله وأحسن لنا وله الخاتمة أنه ما دخل مع الإخوان المسلمين إلا ليصلحهم واشتراط عليهم شروطا في ذلك فلما أخلوا بها تخلى عنهم وبين ذلك بكل وضوح ، فهذا لا يعيبه إلا مفلس منتكس قد لعب شيطان بعقله .
أما أهل السنة المحبين لما يحبه الله ورسوله فإنهم يحبونه ويشكرون له ويثنون عليه خيرا ويقولون له خيرا كما علمتهم السنة .
فليس من منهج الإسلام ولا من منهج السلف الصالح أن يذكروا العبد المسلم التائب بالذنب الذي كان منه ورجع عنه وأناب إلى ربه فليس من الدين ولا من فهمهم أن يبقى ذلك وصمة عار عليه إلى يوم القيامة يشمت به ويذكر به تنقيصا من قدره وطعنا فيه بل هذا من صفات المنافقين والأشرار الذين لا يعرفون قيمة التوبة ؛ وقيمة أن الله يحب التائبين . نسأل العفو والعافية .
ففي صحيح مسلم (1696) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا»، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟».وأبو دواد4440
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: << مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ >>، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ . مسلم (1695) وأبو داود
فخالد رضي الله عنه سبها بسبب أن دم الخطيئة أصاب وجهه ، فلم يسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم بل بين له حقيقة ما يجهله من أنها تابت توبة عظيمة .
قال بعض أهل العلم : (( يَعْنِي تَابَتْ تَوْبَةً تَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَةً وَرَحْمَةً تَسْتَوْعِبَانِ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ))(7).
أو لو تابها صاحب مكس لقبلت منه فلا يليق بمن حاله كذلك أن يشتم أو يعاير ، بل ينبغي أن يذكر بخير بتلك التوبة التي لو قسمت على هذا العدد الكبير من أهل المدينة لوسعتهم مغفرة .
قال ابن عبد البر في التمهيد( 24/128) قَالَ عَلِيٌّ فَعُيِّرَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا بِهَا فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ تِلْكَ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا عَرِيفٌ أَوْ صَاحِبُ عُشُورٍ لَقُبِلَتْ مِنْهُ .
نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ألسنتنا وأقلامنا عن أعراض العلماء الربانيين أهل السنة والجماعة رموز المنهج السلفي بخاصة وعن جميع أهل الحق بعامة ، ونسأله أن يسخرها في الدفاع عنهم وأن يسلك بنا سبيلهم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والحمد لله أولا وآخرا
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر 17/11/1434هـ الموافق ل 23/09/2013م
-----------------
الهوامش :
1-4855 - (وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ) : بِفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ عَيْنٍ فَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيَّ الْكُلَاعِيَّ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ. قَالَ: لَقِيتُ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ، مَاتَ بِالطَّرَطُوسِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (عَنْ مُعَاذٍ) ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ ابْنُ جَبَلٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَيَّرَ) : بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: وَبَّخَ وَلَامَ (أَخَاهُ) أَيِ: الْمُسْلِمَ (بِذَنْبٍ) أَيْ: صَدَرَ مِنْهُ سَابِقًا أَوْ عَلَى طَرِيقِ الشَّمَاتَةِ (لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ) أَيْ: مِثْلَ ذَنْبِهِ (يَعْنِي) أَيْ: يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّعْيِيرَ (مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ) . قَالَ :وهَذَا التَّفْسِيرُ مَنْقُولٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ ; لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) . قُلْتُ: وَكَانَ مُعَاذًا لَيْسَ مِنَ السَّبْعِينَ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ، وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَإِلَّا فَالْمُعَاصَرَةُ تَكْفِي فِي صِحَّةِ الِاتِّصَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَاعْتِبَارُ اللُّقِيِّ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.
قال الطبراني (7244): لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ .
2- قَالَ الْعِرَاقِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ الْهَجِيمِيِّ، قِيلَ: اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ سَلِيمٍ، قِيلَ: سَلِيمُ بْنُ جَابِرٍ. الكتاب: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ)
وأخرجه أبو داود رقم (4084) في الأدب، باب ما جاء في إسبال الإزار << وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه >>. صحيح ـ ((الصحيحة)) (1352).وفي صحيح الجامع (98)<< وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر ليس هو فيك فلا تعيره بأمر هو فيه ودعه يكون وباله عليه وأجره لك ولا تسبن أحدا>> .
3 - الْحَدِيثَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (1577 )
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) : وَفِي الْإِحْيَاءِ بِلَفْظِ: " فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ " قَالَ الْعِرَاقِيُّ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: " فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ ".وهو ضعيف، المشكاة (4856 ) التحقيق الثاني) ضعيف الجامع الصغير (6245).
4- صحيح.- رواه: أحمد، والنسائي في الكبرى ، والدارمي، والطبراني، وابن جرير، والحاكم، وابن حبان ، والبيهقي، وغيرهم؛ بألفاظ متقاربة.
انظر صَحِيح الْجَامِع:(5571 ) والصَّحِيحَة:( 402 )الإرواء (1220) ((السلسلة الصحيحة)) (1/688) .
5- رواهُ البخاريُّ (30) و (2545) و (6050)، ومسلم (1661).
6 - متفق عليه المسند (3/456 - 459) وصحيح البخاري برقم (889) وبرقم (2757) وصحيح مسلم برقم (2769) .
7- حديث (حسن) أنظر صحيح الجامع (3008) الألباني [هـ] عن ابن مسعود [الحكيم] عن أبي سعيد. والضعيفة (615، 616) .
8 - قال الشيخ ابن عثيمين فيشرح رياض الصالحين (1:167) فقال: ((لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم)) يعيني: توبة واسعة لو قسمت علي سبعين كلهم مذنب لوسعتهم ونفعتهم، ((وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل)) أي: هل وجدت أفضل من هذه الحال، امرأة جاءت فجادت بنفسها؛ يعني: سلمت نفسها من أجل التقرب إلي الله - عز وجل- والخلوص من إثم الزنى. ما هناك أفضل من هذا؟!

أبو الوليد خالد الصبحي
24-Sep-2013, 03:43 AM
جزاك الله خيرا

أبو هنيدة ياسين الطارفي
24-Sep-2013, 12:52 PM
جزاك الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتكم ...

((...ومن ذلكم من يرمي الشيخ المحدث المجدد العلامة الألباني بالإرجاء ، أو التجهم ، وهو بريء من ذلك ، أو يرمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه خارجي ، وهو بريء من ذلك ، أو يرمي الشيخ مقبل بأنه يطعن في دولة التوحيد وعلمائها ، وكذلك من يرمي الشيخ العلامة ربيعا بأنه كان إخواني والشيخ العلامة عبيد الجابري في أشياء هكذا ... والقائمة طويلة
ظهرت هذه الطائفة على حين غرة من العلماء تشنع وتشمت وتعاير العلماء والمشايخ وطلبة العلم بما صدر من أحدهم عن اجتهاد أو عن خطأ رجع منه ، وهم يعلمون أنه رجع منه ، وترك ما كان عليه وبينه ، ومع ذلك لم يراعوا له حرمة كبر سنه ولا علمه الذي كانوا حين من الدهر يثنون عليه به ، ويستفيدون منه...)) .

ونسأل الله تعالى العفوا و العافية .....

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
26-Sep-2013, 01:20 PM
اللهم امين وايكم

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
31-May-2014, 11:38 PM
قال ابن القيم رحمه الله

وقوله [وكل معصية عيّرت بها أخاك فهي إليك]
يحتمل أن يريد به: أنها صائرة إليك، ولا بد أن تعملها، وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه - عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم – (من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله) .
قال الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث "من ذنب قد تاب منه"
وأيضا ففي التعيير ضرب خفيٌ من الشماتة بالمعيَّر، وفي الترمذي أيضا مرفوعا (لا تُظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك).

ويحتمل أن يريد: أن تعييرك لأخيك بذنبه، أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به ،ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله، ناكسَ الرأس، خاشعَ الطرف، منكسرَ القلب، أنفعُ له، وخيرٌ من صولة طاعتك، وتكثرك بها، و الإعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المدل من مقت الله، فذنب تَذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدل بها عليه.
وإنك أن تبيت نائما، وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل.
وإنك أن تضحك وأنت معترف، خير من أن تبكي وأنت مُدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدلين.
ولعلّ الله أسقاه بهذا الذنب دواءً استخرج به داءً قاتلاً هو فيك ولا تشعر.
فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار، لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر، ووراء ذلك ما لا يطلع عليه الكرام الكاتبون.
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم ( إذا زنت أمة أحدكم، فليقم عليها الحد ولا يُثّرب) أي لا يُعيّر، من قول يوسف عليه السلام لإخوته ( لا تثريب عليكم اليوم) فإن الميزان بيد الله، والحكم لله، فالسوط الذي ضُرب به هذا العاصي، بيد مقلب القلوب، والقصدُ إقامة الحد لا التعيير والتثريب.
ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) وقال يوسف الصديق ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين).
وكانت عامة يمين رسول الله (لا ومقلب القلوب) ، وقال (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز و جل، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه) ثم قال ( اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).

من [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين]ص(1/17)

أبو الوليد خالد الصبحي
02-Jun-2014, 05:43 AM
جزاك الله خيرا

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Sep-2014, 01:24 AM
للفائدة

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
26-Oct-2014, 07:05 PM
وكل معصية عيّرت بها أخاك فهي إليك

أبوصهيب طارق بن حسين
26-Oct-2014, 10:43 PM
بارك الله فيك وفي الشيخ أبوبكر

سلمان بن جعفر الصادق الهندي
27-Oct-2014, 04:08 PM
بارك الله فيك وفي الشيخ أبوبكر

​جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم و في الشيخ أبي بكر حفظه الله

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
02-Jan-2016, 12:50 PM
للفائدة