المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحاديث لم تصح، حكم العمل بالحديث الضعيف، وفوائد أخرى- للشيخ مقبل رحمه الله



أم ريان السلفية
05-May-2010, 03:02 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


قال الشيخ مقبل رحمه الله تعالى:



والعلم قيض الله له علماء حفظوا لنا هذا الدين، حفظوا كتاب الله، وتلقاه الآخر عن الأول، وحفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونفوا عنها الكذب والأباطيل، نفوا ووقفوافيوجوه الكذّابين، ونخلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلاً، لأنّهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.

يقول الإمام الشافعي: (من روى عن البياضي بيّض الله عيونه). يدعو على من روى عن البياضي لأن البياضي مجروح. ويقول: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (الرواية عن حرام بن عثمان حرام). فهذا قول الإمام الشافعي في هذين المحدثين.

ولقد كان العلماء رحمهم الله تعالى ينخلون السنة نخلاً، حتى إنه قدّم زنديق لتضرب عنقه في عصر الرشيد فقال: كيف تقتلونني وقد وضعتفيدينكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّ فيها الحرام. فقال له الرشيد: يا خبيث، إن أبا إسحاق الفزاري وعبدالله ابن المبارك سينخلانها نخلاً.
وكانت لديهم غيرة على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إن يحيى بن معين رحمه الله تعالى عند أن حدّث سويد بن سعيد: ((من عشق فعفّ فمات مات شهيدًا)). قال يحيى بن معين: لو أنّ لي فرسًا ورمحًا لغزوت سويدًا، لأنه تجرأ في رواية الأحاديث الضعيفة.

ورئي شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى ذات يوم متقنعًا في نصف النهار، فقيل له: إلى أين يا أبا بسطام؟ قال: أريد أن أعتدي على جعفر بن الزبير, فإنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن لم يكن من المحدثين فلا بد أن يتخبط في عبادته، وفيوعظه، وفي معاملته، وفي جميع شئونه. لأنّه لا يؤمن أن يحدث بحديث ضعيف. وأنا آتيكم بمثال أو بأمثلة:

من الأمثلة على هذا حديث قد شاع وذاع: ((حبّ الوطن من الإيمان)) هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن الأمثلة على هذا أيضًا حديث: ((اختلاف أمّتي رحمة)) حديث لا يوجد له سند، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن الأمثلة على هذا أيضًا حديث: ((الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني))، هذا حديث معناه صحيح. لكنه بهذا اللفظ ضعيف، لأنه من طريق أبي بكر بن أبي مريم، وقد اختلط بسبب حليّ سرقت عليه.

ومن الأمثلة: قصة يحدّث بها في الحرمين ويحدّث بها في الإذاعات، قصة ثعلبة، التي فيها أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يسأل الله أن يرزقه مالاً، وأنه قيل له: ((يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه))، وذكرت في "الجلالين"، وقلّ أن تجد تفسيرًا إلاّ وقد ذكرت فيه.
هذه القصة استفدنا تضعيفها في أول الأمر من أبي محمد بن حزم رحمه الله تعالى، قال: إن في سندها معان بن رفاعة، وعلي بن يزيد الألهاني، والقاسم بن عبدالرحمن، وثلاثتهم ضعفاء. ثم روجع "مجمع الزوائد" فإذا هو يقول: في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو متروك. ثم روجع "تخريج الكشاف" للحافظ ابن حجر فإذا هو يقول: في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واه، ثم روجع "تخريج الإحياء" فإذا الحافظ العراقي يقول: إن في سندها ضعفًا. وناهيك بالسيوطي تساهلاً فإنه ذكرها في "لباب النقول من أسباب النّزول".

هذه القصة كان بعض علماء الحرم يحدث بها فقيل له: يا شيخ إنّها ضعيفة. قال: نريد أن نرقّق بها قلوب العامة.

يا سبحان الله!! أما في كتاب الله، ولا في صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يرقق قلوب العامّة!! {فبأيّ حديث بعد الله وءاياته يؤمنون}.

ومن الأمثلة على هذا حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لما جئت به)) وما أكثر ما قد حدثْنا بهذا الحديث! يقول الحافظ ابن رجب في كتابه "جامع العلوم والحكم": إنه من طريق نعيم بن حماد، وهو ضعيف. هذه علة.
والعلة الثانية: أنه اختلف على نعيم في شيخه. والعلة الثالثة: أنه لا يدرى أسمع عقبة بن أوس من عبدالله بن عمرو أم لم يسمع؟

ومن الأمثلة على هذا: ((من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم)) هذا الحديث بحث عنه الباحثون فلم يجدوا له أصلاً، وإن كان معناه صحيحًا، لكن لا يجوز لنا أن نضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن الأمثلة على هذا: أنكم تجدون بعض الأئمة عند تسوية الصفوف يقول: ((استووا فإنّ الله لا ينظر إلى الصّفّ الأعوج))، وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويكفي أن تقول: استووا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم)).

من الأمثلة على هذا -أي على الأحاديث الموضوعة- أنّهم رووا حديثًا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من قال حين يسمع المؤذّن يقول: أشهد أنّ محمدًا رسول الله، ثمّ ينفث في ظفري إبْهاميه ويمسح بهما عينيه ثمّ يقول: مرحبًا بحبيبي وقرّة عيني. قال: فمن قالها فإنّه لا يرمد)) الحديث ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة".

ومن الأمثلة على هذا حديث: ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن يرد المدينة فليأت الباب)). فيه عبدالسلام بن صالح أبوالصلت الهروي وهو متروك.

والصحيح كاف. يكفي ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكفي كتاب الله، فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار)). هذا مرويّ عن علي بن أبي طالب، وعن المغيرة بن شعبة، وعن الزبير بن العوام وعن قدر ستين صحابيًا.

ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من حدّث عنّي حديثًا وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين)).

قد يقول قائل: إن من أهل العلم من أجاز أن يحدث بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال!
نعم، أجازه عبدالرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، والإمام البيهقي، وجمع من العلماء لكنهم يعنون الحسن، بدليل أنّهم مثلوا بمحمد بن عمرو بن علقمة وأمثاله, وجعلوا حديثه ضعيفًا، والمتأخرون يحسنون حديثه. فهم يريدون الحسن.

ومن أجاز التحديث بالحديث الضعيف, فإنما يجيزه بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن لا يشتد ضعفه.
الشرط الثاني: أن يكون مندرجًا تحت أصل من الأصول.
الشرط الثالث: أن لا يشتهر العمل به، وأن لا يعتقد ثبوته.

أما الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فإنه يقول في كتابه "الفوائد المجموعة": وهو شرع ومن ادعى التفصيل فعليه البرهان.

قد يقول قائل أو يظن ظانّ أن المشتغل بتصحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشغله عن الدعوة، لا، بل يقويك على الدعوة، وتصبح حاكمًا، تستطيع أن تحكم على الخطيب، وعلى الصحفي، وعلى المؤلف, فكم من حديث ضعيف يختلف الناس فيه، وهو حديث ضعيف. منهم من يقول به، ومنهم من لا يقول به.

ومن الأمثلة على هذا: حديث أن جماعةً من الصحابة ضحكوا في الصلاة، ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعيدوا الصلاة، وأن يعيدوا الوضوء.

هذا حديث من طريق أبي العالية الرياحي، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: حديث أبي العالية رياح. يعني لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن الأمثلة على هذا أي على الأحاديث الضعيفة والموضوعة: ما جاء في "فيض القدير" وفي "المجموع" المنسوب لزيد بن علي: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلاً يعبث بلحيته، وهو في الصلاة، فقال: ((لو خشع قلب هذا لسكنتْ جوارحه)). هذا الحديث يحدث به كثير من الناس، مع أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومن الأمثلة على هذا: ((صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحتْ أمّتي وإذا فسدا فسدتْ أمّتي: العلماء والأمراء)). الحديث معناه صحيح، لكن لا يجوز لك أن تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, لأنّه ما كلّ ما يصحّ معناه يجوز لك أن تضيفه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فالأحاديث الضعيفة كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" سبب من أسباب الفرقة، تجد الرجل قد استدل بحديث، فيأتي آخر ويضعفه، وليس معنى هذا أنه لا سبيل إلى أن تعرف الحقيقة.

ومن أهل الخير، ومن الناس الطيبين من يحب علم الحديث، ويحب أهل الحديث, لكنه يرى أن الأئمة قد اختلفوا في التجريح والتعديل، واختلفوا في التصحيح والتضعيف، فيظن أنه لا سبيل إلى ذلك، لأن الأئمة رضوان الله عليهم وضعوا قواعد، فأنت إذا قال لك رجل: فلان ثقة. وقال لك آخر: أنا سمعته يعكف على آلات اللهو والطرب أو رأيته على آلات اللهو والطرب. فبأي القولين تأخذ؟ ويقول لك رجل: فلان ثقة يصلي معنا، وحسن المعاملة. وآخر يقول: أنا رأيته عاكفًا على آلات اللهو والطرب. فبأي القولين تأخذ؟ الجرح المفسّر مقدّم على التعديل، والجارح اطلع على مالم يطلع عليه المعدل.

والعلماء يتفاوتون في هذا المضمار من أجل هذا يحصل الاختلاف. وقد ذكر ابن أبي حاتم في كتابه "مناقب الشافعي" والبيهقي أيضًا في كتابه "مناقب الشافعي" أنه اختلف الشافعي ومحمد ابن الحسن أي العالمين أعلم، مالك أم أبوحنيفة؟ وكان الشافعي يحب مالكًا، والشافعي تلميذ مالك. ومحمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة. فقال الإمام الشافعي لمحمد بن الحسن: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم -يعني مالكًا-. قال: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم -يعني مالكًا-. قال: فلم يبق إلا القياس فالذي ليس لديه أصول فعلى أي شيء يقيس. هذه القصة ذكرها ابن أبي حاتم والبيهقي بسند صحيح.


المرجع :( مقدمة كتاب المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح)