المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنبيه لما بين طاغوت المجاز و بدعة قاعدة حمل المجمل على المفصل في كلام البشر من الاشتراك والتشابه



أبو أنس بشير بن سلة الأثري
18-Oct-2013, 05:45 PM
التنبيه لما بين طاغوت المجاز و بدعة قاعدة حمل المجمل على المفصل في كلام البشر من الاشتراك والتشابه




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فإن من نعم الله تعالى على هذه الأمة المحمدية إن سخر فيها رجالا أمناء أتقياء نزهاء جحاجحة ، تحملوا أعباء ومشاق الدعوة إلى الله تعالى وصابروا ورابطوا على ذلك ، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فما بدلوا ولا غيروا ما كان عليه سلف الأمة الصالح من العلم والعمل ، ومن أولئك الكرام العمالقة الأتقياء النزهاء الإمام القدوة ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ ، فقد عرف هذا العلم بجهاده ونضاله في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ، وتطهير ما دخل في هذه الأمة المحمدية وتراثها من البدع الضالة والآراء الباطلة ، ومن ذلك ما أظهره وبينه من بطلان قاعدة (حمل المجمل على المفصل في كلام البشر) التي اخترعها واصطنعها عبد الله عزام ([1] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn1)) ، وناصره وأيده عليها بعده بكل قوة وحرقة وعناد المأربي المبدع الهالك لحماية البدع وأهلها ، وأضحى كل من خرج عن منهاج النبوة ، وأنغمس في مستنقعات البدع والضلالات وفتنة الشبهات والشهوات يؤز إليها للدفاع عن نفسه و فساده وعصابته .
فإن المتأمل والمتفكر في هذه القاعدة المحدثة ، وما تؤول إليه من الفساد والإفساد لشرع الله تعالى المطهر، وتسليط البدع وأهلها عليه بتخريب وتغيير لأصوله ، يجدها أنها لا تخرج عن جنس ما أحدثه الجهمية ، من طاغوت المجاز ، الذي " الْتَجَأَ إِلَيْهِ الْمُعَطِّلُونَ، وَجَعَلُوهُ جَنَّةً يُتَرِّسُونَ بِهَا مِنْ سِهَامِ الرَّاشِقِينَ وَيَصْدُرُونَ عَنْ حَقَائِقِ الْوَحْيِ الْمُبِينِ"([2] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn2)) ، وأرادوا به أن يحرفوا آيات الصفات وأحاديثها عما أراد الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا أصحاب هذه القاعدة المبتدعة المحدثة ما أرادوا بها إلا تعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد المخالفات العلمية والعملية التي أحدثت ، وبيان فساد أهلها ، بل بقاعدتهم الخبيثة هذه يتوصل إلى الدفاع عن الشيطان وفرعون وعن اليهود والنصارى والمشركين والزنادقة والخوارج والرافضة والقدرية والجهمية والصوفية وجميع النحل الباطلة ، و بها يخرب ويهدم كل ما بينه القرآن والسنة من أحوال وصفات أولئك الأشرار ، وما ألفه أئمة الحديث والسنة في بيان عقائدهم ومناهجهم وأصولهم المحدثة ، بل بقاعدتهم هذه يكون القرآن والسنة وحملتهما ظلمة لأولئك القوم ومناهجهم ، إذ لم يعذروهم ويراعوا ما عندهم من الحسنات ، وما عندهم من الحق ، ولم يحملوا مجمل كلامهم على مفصله المصطنع ، فآل الأمر هذه القاعدة إلى جعل أهل الكفر والضلال طريقا لأغراضهم ، ولحماية مناهجهم وأصولهم المخترعة .
و الأمر كما قلت أن هذه القاعدة ما هي إلا من جنس طاغوت المجاز ، لما بينهما من التشابه و الإتحاد في المقصد والغرض ، ولما بينهما من الجوامع ، والتي منها :
الجامع الأول : إن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هُوَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ كَمَالِكِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ بَلْ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ.([3] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn3))
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (( إِذَا عُلِمَ أَنَّ تَقْسِيمَ الْأَلْفَاظِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ لَيْسَ تَقْسِيمًا شَرْعِيًّا وَلَا عَقْلِيًّا وَلَا لُغَوِيًّا فَهُوَ اصْطِلَاحٌ مَحْضٌ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ حَدَثَ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ بِالنَّصِّ، وَكَانَ مَنْشَؤُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ.))([4] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn4))
وكذا حمل مجمل كلام الناس على مفصله لإعذارهم في أخطائهم ومخالفاتهم لم يعرف في القرون الثلاثة ولا من بعدهم ، إنما ظهوره وانتشاره إنما عرف إلا في هذا القرن المتأخر ، والعهد القريب أحدثه ممن يتباكى وينافح عن سيد قطب ، وأصوله الضالة .
قال الإمام ربيع المدخلي في مقاله (وقفات مع القائلين بأصل حمل المجمل على المفصل) : (( الوقفة الأولى: أن الذي يدرس كتب العقائد وكتب الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاص مثل كتاب "الضعفاء" للبخاري، وكتاب "الضعفاء والمتروكين" للنسائي، وكتاب "المجروحين" لابن حبان، وكتاب أو كتب الضعفاء للدارقطني، وكتاب "الضعفاء" للحاكم وغيرها، لا يجد فيها ذكراً لحمل المجمل على المفصل، ولا يجد في كلامهم على الرجال أي تطبيق لهذا الأصل، ولو كان هذا أمراً مشروعاً على وجه الوجوب أو الاستحباب لوجدته قد امتلأت به كتبهم لعدلهم وإنصافهم وحرصهم على تطبيق شريعة الإسلام. ))
الثاني : إن أصحاب المجاز المعطلة صرفوا النصوص عن ظاهرها ، إلى معانٍ اخترعوها و عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطرابا كثيرا، وسموا ذلك تأويلا، وهو في الحقيقة تحريف.([5] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn5))
كذا أصحاب قاعدة ( حمل المجمل على المفصل ) صرفوا كلام الخلق عن ظاهره وحرفوا معناه ، وادعوا له تأويل على غير ما يتبادر إليه ظاهره وحقيقته ، وهذا على خلاف ما جاءت به الشريعة من الحكم على أقوال الناس وأفعالهم بما ظهر منها .
قال العلامة ربيع المدخلي في مقاله(وقفات مع القائلين بأصل حمل المجمل على المفصل ) : (( ... والذي يثبت عن عمر -رضي الله عنه- إنما هو كلامه الموافق للشريعة الإسلامية، ألا وهو قوله : " إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الْوَحْيَ قد انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لنا من أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا من سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ الله يُحَاسِبُهُ في سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لنا سُوءًا لم نَأْمَنْهُ ولم نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قال: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ"، أخرجه البخاري في "الشهادات" حديث (2641).
فهذا القول يتفق مع الأصل الإسلامي، وهو الأخذ بالظاهر من كلام الله وكلام رسوله وكلام الناس، فمن أظهر من الناس سوءاً أخذ بظاهر حاله ومقاله، سواء كان كلامه مجملاً أو مفصلاً.
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلي وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِيَ له على نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ منه فَمَنْ قَطَعْتُ له من حَقِّ أَخِيهِ شيئا فلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له بِهِ قِطْعَةً من النَّارِ". أخرجه البخاري في كتاب "المظالم" حديث (2458)، ومسلم في كتاب "الأقضية" حديث (1713) ، فهذا الحديث من أقوى الأدلة على الأخذ بالظاهر. )) ا.هـ
وقال الإمام الألباني رحمه الله في( فتاوى جدة)(ش 33 / د 37) : (( إياك وما يعتذر منه : " لا تتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " .دائما الناس يقولون :
والله أنا قصدت كذا ، يا أخي قصدك في قلبك لا يعرفه إلا ربك ، ولكن أحسن التعبير عن قصدك بلفظك ، ألم تسمع إنكار الرسول عليه السلام الشديد على ذلك الصحابي الذي سمع موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم فقام ليظهر خضوعه وإتباعه وإطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أجعلتني لله ندا ! قل ما شاء الله وحده " .
أترون بأن هذا الصحابي قصد بقوله مخاطبا لنبيه " ما شاء الله وشئت " أن يجعله شريكا مع الله ؟ ما أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يقينا إلا فرارا من الشرك ، إذاً لماذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنكار عليه بهذه العبارة الشديدة " أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده " ؟
إذاً لا ينبغي أن تسوغوا أخطائكم اللفظية بصوابكم القلبي ، هذا لا يسوغ ذاك ، فعلينا إذا تكلمنا بالكلام أن يكون كلامنا مطابقا لحسن قصدنا وأن لا يكون كلامنا سيئا وقصدنا حسنا بل يجب أن يطابق اللفظ ما في القلب . )) ا.هـ
الثالث : يقول الإمام ابن القيم في حقيقة المجاز : ((الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْأَلْفَاظِ عَنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَسْتَلْزِمُ مَدْلُولَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.)) ([6] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn6))
وكذا حقيقة قاعدة حمل المجمل على المفصل التي أصطنعها أهل البدع للدفاع عن بدعهم .
الرابع : قال ابن القيم : ((الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ تَقْسِيمَ الْأَلْفَاظِ إِلَى أَلْفَاظٍ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ، وَأَلْفَاظٍ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ الشَّيْءِ وَنَفْيَهُ، فَإِنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى هُوَ تَخْصِيصُهُ بِهِ بِحَيْثُ إِذَا اسْتُعْمِلَ فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَا يُعْرَفُ لِلْوَضْعِ مَعْنًى غَيْرُ ذَلِكَ، فَفَهْمُ الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ أَوْ سَمَّيْتُمُ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَيْهِ أَوِ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى حَسْبِ اصْطِلَاحِكُمْ مَجَازًا مَعَ نَفْيِ الْوَضْعِ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا غَيْرَ مَوْضِعٍ. ))([7] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn7))
أقول
إن استعمال قاعدة ( حمل المجمل على المفصل في كلام البشر) يتضمن إثبات الشيء ونفيه ، وقد تجلت هذه الحقيقة في نفي الألفاظ المبتدعة والأعمال الضالة التي تلبس بها أصحابها ، إذ أدعوا أنها لا يقصدونها وليست بسيرتهم التي يخاصمون ويقرون عليها ، فبهذه الطريقة نفوا الوضع المستعمل لتلك الألفاظ ومعانيها التي أحدثوها ، وبرروا صنيعهم ، وضمنوا لهم النجاة مع ما هم فيه من الضلال والفساد
الخامس : قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (( الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ هَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ لَا يَنْضَبِطُ بِضَابِطٍ صَحِيحٍ، وَلِهَذَا عَامَّةُ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُكُمْ مَجَازًا يُسَمِّيهِ غَيْرُهُ حَقِيقَةً، وَهَذَا يَدَّعِي أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ، وَذَلِكَ يَدَّعِي أَنَّ هَذَا مَوْضُوعُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَرْقٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْفَرْقَ إِمَّا فِي نَفْسِ اللَّفْظِ وَإِمَّا فِي الْمَعْنَى، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ قَطْعًا، أَمَّا انْتِفَاءُ الْفَرْقِ فِي اللَّفْظِ فَظَاهِرٌ، فَإِنَّ اللَّفْظَ بِمَا سَمَّيْتُمُوهُ حَقِيقَةً وَمَا سَمَّيْتُمُوهُ مَجَازًا وَاحِدٌ، وَأَمَّا الْفَرْقُ الْمَعْنَوِيُّ فَمُنْتَفٍ أَيْضًا، إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ مِنَ الْفَرْقِ .... وَلِهَذَا لَمَّا تَفَطَّنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِنَصِّ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ ))([8] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn8))
أقول
إن استعمال هذه القاعدة وتطبيقها على السني دون المبتدع ، وإعذار الناس مما وقعوا فيه من المخالفات بها ، لم يقر عليه أهل السنة ، وإن صححها أهل البدع وأقروا عليها ، وأيضا أهل السنة اعتبروا ظاهر ألفاظ أصحابها وأفعالهم ، وخاصموهم وحكموا عليهم بناء على ذلك ، بخلاف مخترعي هذه القاعدة فادعوا لهم حال على غير حالهم الظاهرة ، وإلا فالمرجع في هذا فهو لأئمة الجرح والتعديل والخبراء بمقالات الرجال وأحوالهم ، ومنهم الإمام الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ، وهذا بشهادة الأئمة له بذلك ، وهذه الشهادة والراية لم تكسر وتسقط إلى يومنا هذا ، ثبته الله على الشريعة المطهرة ، وقد سئل الإمام صالح بن محمد اللحيدان ـ حفظه الله ـ عن الشيخ ربيع
وكلامه في الحجوري ، في هذه الفترة الأخيرة ، فنصح بأخذ بكلام الشيخ ربيع في الحجوري ، وقال : (( إذا كان يَذم هذا الشخص ما أعتقد أن الشيخ ربيعا يكتب على ذم أحد لا يعرفه
بمجرد أنه لا يعرفه إلا لأنه يعرفه.))([9] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn9))
السادس : قال ابن القيم : ((الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: وَهُوَ أَنَّ الْخَائِضِينَ فِي الْمَجَازِ تَارَةً يَخُوضُونَ فِيهِ إِخْبَارًا وَحَمْلًا لِكَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ، وَتَارَةً يَخُوضُونَ فِيهِ اسْتِعْمَالًا فِي الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَالنَّظْمِ وَالنَّثْرِ، فَيَنْقُلُونَ أَلْفَاظًا لَهَا مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ إِلَى مَعَانٍ أُخَرَ تُشَابِهُهَا، وَيَقُولُونَ: اسْتَعَرْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي، لَا يَخْرُجُ كَلَامُهُمْ فِي الْمَجَازِ عَنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْبَتَّةَ، فَيَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَمْلِ وَالِاسْتِعْمَالِ، فَإِذَا قَالُوا: نَحْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَجَازِهِ، إِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ فِي أَصْلِ التَّخَاطُبِ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا خَبَرٌ، وَهُوَ إِمَّا صِدْقٌ إِنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ، وَإِمَّا كَذِبٌ إِنْ لَمْ يُطَابِقْ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَعْنَاهُ الْمَفْهُومَ مِنْهُ عِنْدَ الْخِطَابِ.
وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِالْحَمْلِ أَنَّا نُنْشِئُ لَهُ مِنْ عِنْدِنَا وَضْعًا لِمَعْنَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ ثُمَّ نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، كَانَ هَذَا خَطَأً مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنْشَاءُ وَضْعٍ جَدِيدٍ لِذَلِكَ اللَّفْظِ وَالثَّانِي: اعْتِقَادُ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَتَنْزِيلُ كَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَضْع ....
وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ وَيُدَّعَى أَنَّهُ مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَحْمَلِ، إِذْ حَقِيقَتُهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، فَدَعْوَى الْمَجَازِ بَاطِلَةٌ وَإِنِ ادُّعِيَ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، فَبَطَلَتْ دَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَمَفْهُومَهُ وَحَقِيقَتَهُ لَا يَكُونُ مَجَازًا الْبَتَّةَ، وَهَؤُلَاءِ تَارَةً يَجْعَلُونَهُ مَجَازًا فِيمَا لَا ظَاهِرَ لَهُ غَيْرُ مَعْنَاهُ، فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي اللَّفْظِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ مَجَازًا فِي خِلَافِ ظَاهِرِهِ وَالْمَفْهُومِ مِنْهُ وَيَعُدُّونَ أَنَّهُ الْمُرَادُ، فَيَكُونُونَ مُخْطِئِينَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. ))([10] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn10))
أقول
حقيقة حمل مجمل البشر على مفصله ، وتحريف ألفاظهم وأعمالهم على غير ظاهرها المتبادر لا يخرج على ما بيته الإمام ابن القيم هنا .
السابع : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : ((الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْلَمَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ - الصَّارِفُ - عَنْ مُعَارِضٍ؛ وَإِلَّا فَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ قُرْآنِيٌّ أَوْ إيمَانِيٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُرَادَةٌ امْتَنَعَ تَرْكُهَا ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى نَقِيضِهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ.)) ([11] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn11))
كذا أيضا نقول لمخترعي هذه القاعدة التي أرادوا بها الاعتذار عن المخطئين والمبتدعة والأشرار ، لا نسلم لكم هذا الاعتذار والصارف مادامت الأدلة قائمة على فساد سيرة ومنهجية من تعتذرون وتدافعون عنه ، وخاصة أن عباراتهم وسياق كلامهم دال دلالة واضحة قاطعة على فساد مقاصدهم.
الثامن : قال الإمام ابن تيمية : (( الرَّابِعُ: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامِ وَأَرَادَ بِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَضِدَّ حَقِيقَتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْأُمَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَتَهُ وَأَنَّهُ أَرَادَ مَجَازَهُ سَوَاءٌ عَيَّنَهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَا سِيَّمَا فِي الْخِطَابِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي أُرِيدَ مِنْهُمْ فِيهِ الِاعْتِقَادُ وَالْعِلْمُ؛ دُونَ عَمَلِ الْجَوَارِحِ ..
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَهُمْ عَلَى دَلِيلٍ خَفِيٍّ لَا يَسْتَنْبِطُهُ إلَّا أَفْرَادُ النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ سَمْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِالْكَلَامِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى وَأَعَادَهُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً؛ وَخَاطَبَ بِهِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ وَفِيهِمْ الذَّكِيُّ وَالْبَلِيدُ وَالْفَقِيهُ وَغَيْرُ الْفَقِيهِ وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَدَبَّرُوا ذَلِكَ الْخِطَابَ وَيَعْقِلُوهُ وَيَتَفَكَّرُوا فِيهِ وَيَعْتَقِدُوا مُوجَبَهُ ثُمَّ أَوْجَبَ أَنْ لَا يَعْتَقِدُوا بِهَذَا الْخِطَابِ شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ دَلِيلًا خَفِيًّا يَسْتَنْبِطُهُ أَفْرَادُ النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ظَاهِرَهُ كَانَ هَذَا تَدْلِيسًا وَتَلْبِيسًا وَكَانَ نَقِيضَ الْبَيَانِ وَضِدَّ الْهُدَى وَهُوَ بِالْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِيِّ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْهُدَى وَالْبَيَانِ. فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ دَلَالَةُ ذَلِكَ الْخِطَابِ عَلَى ظَاهِرِهِ أَقْوَى بِدَرَجَاتِ كَثِيرَةٍ مِنْ دَلَالَةِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْخَفِيِّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ أَمْ كَيْفَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْخَفِيُّ شُبْهَةً لَيْسَ لَهَا حَقِيقَةٌ؟ .)) ([12] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn12))
أقول
إن ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية من بطلان ما ذهب إليه مخترعي المجاز ، ينصب أيضا على دعاة قاعدة حمل مجمل كلام البشر على مفصله ، ويشملهم بيانه ، إذ أن شيوخهم ومعظميهم الذين يدافعون عنهم ، ويعتذرون لهم بتلك الأعذار الباردة الواهية فيما خالفوا فيه نصوص الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، بهذه القاعدة المحدثة لا يتأتى على ما يريده ويقرره الذي يعتذرون له ، ومن ذلك سيد قطب مثلا ، فهو ما تكلم بتلك الضلالات وقررها وأصل لها إلا ويريد من الأمة عامة أن تعتقد ظاهرها وتعمل بها ، ومن مستنكر ومستغرب وجناية عليه أن يعتقد في خطاباته وكتاباته ، التي يوجهها إلى الأمة ، أنه يريد بها أن لا يفهمها إلا أفراد الناس ، وأَنْ لا يعتقدوا بهذه الخطابات شيئا من ظاهرها ، وأن لا يعملوا بها ، وأن منهجه على غير ما أظهره بتلك الضلالات، لِأَنَّ هُنَاكَ دَلِيلًا خَفِيًّا يَسْتَنْبِطُهُ هؤلاء أَفْرَادُ النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ظَاهِرَهُ ، فإذا كان مراده هذا ، فكان هذا منه تدليسا وتلبيسا ، وكان نقيض ما كتبه وقرره وأراد الأمة أن تعمل به ، وهو بالألغاز والأحاجي أشبه ، وبالباطنية أقرب .
وإلا فدلالة ما قرره سيد قطب ، وغيره من أهل الضلال في كتاباتهم ومؤلفاتهم هي على ظاهرها أظهر وأقوى بدرجات كثيرة وكبيرة على ما تدل عليه من الضلال ، من دلالة من أراد أن يحرف ظاهرها ويعكس مراد صاحبها إلى ما لا يطابق مع منهجه وواقعه وظاهر خطاباته وكتاباته وتقريراته الباطلة .
وفي هذا يحكي لنا الإمام الألباني قصة بعض المتعنتين في تصوب مقالات ابن عربي ، وصرف حقيقة ظاهرها إلى ما لا يتفق مع عقيدة ابن عربي ، مع إنها ظاهرة البطلان .
قال ـ رحمه الله ـ في (فتاوى جدة)(ش34 / د 37): (( إن في التصوف أمورًا منكرة جدًا ، أخطرها ما يدندن حوله كبيرهم المعروف بابن عربي ، الذي دفن في دمشق ، فإنه رافع راية
القول: بوحدة الوجود ، والمقصود بوحدة الوجود هو أنه ليس هناك خالق والمخلوق ، إنما هي الطبيعة ، كما يقول الشيوعيون ، والدهريون ، الذين لا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقًا ، تبارك وتعالى عما يقول هؤلاء الظالمون علوا كبيرا ، ابن عربي باتفاق كل من ينتمي إلى التصوف ، ما وجدنا واحدًا منهم يتبرأ منه ، وهو الذي يدندن دائما وأبدًا حول هذه الضلالة الكبرى ، ألا وهي وحدة الوجود ، هو يقول مثلًا في بعض كتبه : " وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة " ، ويقول: " كل ما تراه بعينك فهو الله " ويقول من يجري على نسقه وعلى مبدأه : " لما عبد المجوس النار ، ما عبدوا إلا الواحد القهار ".
هذا هو إمام الصوفية ، ما نجد أحدًا من هؤلاء الصوفية الذين يتأولون التصوف بأنه عبارة عن سلوك في حدود الشرع ، والتمسك بالأخلاق المحمدية ، ما نجد واحدًا من هؤلاء يتبرأ من ابن عربي، ونحن التقينا مع كثير من هؤلاء المتصوفة ، وناقشناهم في عبارات ابن عربي الكافرة ، وقد ذكرت لكم أنفا أمثلة منها ، فما وجدنا منهم تجاوبًا معنا على إنكارها ، بل قال لي أحدهم : أنا إذا قرأت كتاب" الفتوحات المكية " مثلًا لابن عربي ، وأشكلت عليّ عبارة – هكذا يقول – أضعها على الرف مؤقتًا وكلما مررت بمثلها من العبارات المشكلة ، أيضًا وضعته على الرف ، حتى يتوفر لدي عبارات كثيرة من عبارات ابن عربي ، يقول بعد ذلك : أخلو في خلوة ... قال لي : فإذا تجمعت عندي بعض المشكلات عملت خلوة ، وانفردت عن الناس ، وأذكر الله وأعبد الله ، يقول : الله يفتح علي ويفهم تلك العبارات على الوجه الصحيح ، فقلنا له : هب أن هذه العبارات يمكن أن يستخرج بعض منها معاني صحيحة ، ولكن أين أنتم مما أدبنا النبي صلى الله عليه وسلم بمثل قوله كما ذكرت لكم في بعض الجلسات السابقة : " لا يتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " ، يقول لذلك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، " أجعلتني لله ندًا ! قل ما شاء الله وحده " ، أين قول هذا الصحابي : " ما شاء الله وشئت " ، من قول ابن عربي : " كل ما تراه بعينك فهو الله" ، فهذا كفر صريح ، فلو فرضنا المستحيل أن لمثل هذه العبارات معاني صحيحة ، لكن لا يجوز التلفظ بها لأنها خلاف تأديب الرسول عليه السلام لأمته )) ا.هـ
التاسع : قال الإمام ابن تيمية : (( وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا يُفِيدُ الْمَعْنَى مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ، وَالْمَجَازَ مَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ، أَوْ قَالَ: " الْحَقِيقَةُ ": مَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. وَ " الْمَجَازُ ": مَا لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ. أَوْ قَالَ: " الْحَقِيقَةُ " هِيَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. " وَالْمَجَازُ " مَا لَا يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ. أَوْ قَالَ: " الْمَجَازُ "
مَا صَحَّ نَفْيُهُ وَ " الْحَقِيقَةُ " مَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهَ )) ([13] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn13))
أقول
شبيه هذا التفريق والصنيع ذهب إليه أصحاب قاعدة ( حمل المجمل على المفصل في كلام البشر)
إذ أدعوا أن ما أخطأ فيه ممن يدافعون عنه ، فهو من مجمل كلامه يستطيع نفيه وحمله على مفصله ، وكذبوا وغالطوا أن السيرة والقرائن التي عليها الرجل تنفي ظاهر ما تكلم به من المجمل ـ زعموا ـ. وقالوا أن مفصله ـ الذي اصطنعوه ـ هو سيرته ومنهجه الذي يتبادر ويسبق إلى الذهن عند الإطلاق ، أما مجمله ما لا يسبق إلى الذهن مع أن ، إن سلمنا جدلا فمفصله ومجمله كله ضلال وفساد وإفساد والله المستعان .
العاشر : قال الإمام ابن القيم : (( الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ هَذَا النَّفْيَ الَّذِي جَعَلْتُمْ صِحَّتَهُ عِيَارًا عَلَى الْمَجَازِ، وَفَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ، هُوَ الصِّحَّةُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ أَوْ عِنْدَ أَهْلِ الْإِصْلَاحِ عَلَى التَّقْسِيمِ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، أَوْ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ، فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ يُسْتَدَلُّ بِصِحَّةِ نَفْيِهِمْ، وَيُجْعَلُ عِيَارًا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، بَلْ كَلَامِ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ؟ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ نَفْيَ أَهْلِ اللِّسَانِ، طُولِبْتُمْ بِصِحَّةِ النَّقْلِ عَنْهُمْ بِأَنَّ هَذَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَلَنْ تَجِدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.
وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ نَفْيَ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، لِأَنَّهُمُ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ هَذَا مَجَازٌ، فَيَصِحُّ لَهُمْ نَفْيُهُ، وَهَذَا حَقِيقَةٌ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ نَفْيُهُ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَهَلِ اسْتَفَدْنَا بِذَلِكَ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِصِحَّةِ نَفْيِ أَهْلِ الْعُرْفِ فَنَفْيُهُمْ تَابِعٌ لِعُرْفِهِمْ وَفَهْمِهِمْ، فَلَا يَكُونُ عِيَارًا عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ.))([14] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=140478#_ftn14))
أقول
على هذا النسق نقول للذين نفوا المخالفات التي وقع فيها ممن يدافعون عنهم بصفتها أنها مجملة مخالفة للمفصل ما هم عليه ، وجعلوا إجمالها ـ زعموا ـ معيارا لنفيها ونفي أحكام علماء الجرح والتعديل في أولئك المخالفين ، من سلفكم على هذا النفي والتقسيم لكلام الناس إلى مجمله ومفصله ؟
ومن وافقكم عليه من أهل الشأن والصنعة ممن يرجع إليهم في مثل هذه التقاسيم والأحكام والقضايا الذين هم عمدة في معرفة مقالات الرجال وأحوال المناهج من العهد الأول إلى يومنا هذا ؟
فإن قلتم الحلبي ومن كان على شاكلته وبضاعته ممن خرج عن أهل السنة والجماعة ، ونابذ أصولهم السلفية ، فلا عبرة بموافقتهم لكم ، لما عرف عنهم من الخروج عن السنة وعداوتهم ومنازعتهم لأئمتها ، ولما عرف أن هذه البدعة مما تخدم بدعهم المحدثة ، وأنها طريق لأغراضهم ، فكلامنا موجه إلى من عرف بالإمامة والرسوخ والنقاء والصفاء والنصح للأمة من الأئمة الكبار من أمثال : الألباني وابن باز وابن عثيمين وحماد الأنصاري وحمود التويجري والفوزان والنجمي وصالح اللحيدان وربيع المدخلي ومقبل بن هادي الوادعي وعبدالمحسن العباد وزيد بن هادي المدخلي وعبيدالجابري وغيرهم من أئمتنا العظام
وفي الخاتم ـ ختم الله لنا ولكم بالحسنة ـ ، فهذه بعض النقاط المبينة لما هناك من التشارك والاجتماع بين طاغوت المجاز وبين بدعة حمل المجمل على المفصل في كلام البشر ، وهما ما أحدثا إلا لهدم الشرع وتعطيل أصوله ونواهيه وأوامره ، وتسليط أهل البدع عليه بالتخريب والإفساد ، فنسأل الله تعالى أن يبصر الأمة الإسلامية بفسادهما وفساد أهلهما ويكفينا شرهم ، والحمد لله رب العالمين



كتبه : بشير بن سلة الجزائري
الجمعة 13 ذو الحجة 1434 هـ / 18 أكتوبر 2013 م







([1]) قال الإمام ربيع المدخلي في مقاله (وقفات مع القائلين بأصل حمل المجمل على المفصل) : ((الوقفة الثانية: بيان منشأ هذا الأصل الباطل.
هو رد عبد الله عزام على تصريح العلامة الألباني –رحمه الله- بأن سيد قطب يقول بوحدة الوجود عند ذلك هبَّ عبد الله عزام يدافع عن سيد قطب، ويرد على الشيخ الألباني.
وخلال هذا الدفاع والرد اخترع وجوب حمل كلام الرجل المجمل على المفصل، وأن عامه يحمل على خاصه، ومطلقه يحمل على مقيده ، فهذا أول ظهور هذا الأصل الباطل بهذا اللفظ.)) ( شبكة سحاب السلفية)

([2]) (مختصر الصواعق المرسلة)(ص: 285)

([3]) (مجموع الفتاوى)(7/ 88) لشيخ الإسلام ابن تيمية

([4]) (مختصر الصواعق المرسلة)(ص: 287)

([5]) انظر إلى (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(3/ 301)

([6]) (مختصر الصواعق المرسلة)(ص: 289)

([7]) نفس المصدر(291)

([8]) نفس المصدر(291)

([9]) نزل المادة الصوتية في شبكة سحاب السلفية الأخ الكريم أبوالبراء سمير المغربي وفرغها الشيخ الفاضل أبو مالك أحمد بن علي بن المثنى القُفيلي الرياشي. / في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ذي الحجه سنة 1434

([10]) (مختصر الصواعق المرسلة)(ص: 333)

([11]) (مجموع الفتاوى)(6/ 360)

([12]) نفس المصدر (6/ 361 ـ 362)

([13]) (مجموع الفتاوى)(7/ 100)

([14]) (مختصر الصواعق المرسلة)(ص: 295)

أبو ريحانة عصام الليبي
20-Oct-2013, 07:19 PM
نصحت وأفدت أخي أبا أنس فجزاك الله خيرا .

أبو أنس بشير بن سلة الأثري
20-Oct-2013, 10:36 PM
جزاك الله خيرا أخي على مرورك

أبو أنس بشير بن سلة الأثري
30-Nov-2013, 09:57 PM
قال الشيخ المفضال محمد رسلان ـ حفظه الله ورعاه ـ : (( .... يفرقون بين الخطأ العارضي والخطأ المنهجي ، ويعرفون زلة العالم إذ زل فيفرقون بين زلة العالم وبدعة المبتدع ، وأنت تجعلهما سواء ...
وأهل السنة يعرفون إطلاقات العلماء وهو ما تسميه أنت بالمجمل ويراعون تلك الإطلاقات بشروطها وقواعدها ، ولا يمنعون من جمع كلام العالم الذي فيه الاحتمال والإشكال إلى كلامه الأخر ليتبين بكلامه الأخر هل القائل يسير فيهما على وتيرة واحدة أم أن كلامه الأخر مناقض للأول ، فهذا الجمع بين أقوال العالم الواحد المقصود منه أن يتبين هل هو ممن مشى مع الحق والأدلة في الموضعين ، فتعرف نزاهته ، أو يتبين ميله في أحدهما فيدان بذلك الميل
أم حمل المطلق على المقيد وحمل المجمل على المبين وحمل العام على الخاص فلا يكون إلا في كلام الله تعالى أو كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم لأن كلام الله وكلام رسوله لا يتحول ولا يتغير إلا بالنسخ في زمان نزول الوحي ))
http://ar.salafishare.com/VTV (http://ar.salafishare.com/VTV)


قلت ( بشير) : هذه كلمة عظيمة قيمة من الشيخ المفضال رسلان ـ حفظه الله ورعاه ـ تنسف لملمة فهير الأنصاري التي أقامها وفرح بها لتقرير وتثبيت بدعة حمل المجمل على المفصل في كلام البشر التي ما عرفها السلف الصالح ولا الأئمة الذين جمع كلامهم وتشبث به ، وهم لا يقصدون بتلك الإطلاقات تقرير بدعة المأربي والإعتذار عن أخطاء المخطئين ولا يخطر ببالهم هذا ، حاشاهم من ذلك ، وكلا ألف كلا .
وإلا فمنهجهم ينضح ببيان أخطاء المخالفين ومناقشة الأخطاء ولو وقعت من أقرب الناس إليهم وأحبهم إليهم وهم في ذلك لا يعتذرون لهم فيها ، وإلا ما ناقشوهم فيها وردوا عليهم ، وهذا واضح كل وضوح في منهجهم العملي ، ومؤلفاتهم تشهد بذلك .
ولك يا أيها القارئ أن تعرض عليهم مخالفات المأربي والحلبي ، بل بعض المخالفات التي يقع فيها أهل السنة ، فسترى كيف يكون الرد منهم عليها مفصلا مبينا بدون الالتفات إلى حسنات الرجل ومراعاة لسيرته .
وكلمة الشيخ رسلان تذكرنا وترجعنا إلى ما عليه أهل الحديث قديما وحديثا من سبر مرويات الراوي وجمع ما جاء عنه في الباب والنظر فيها وفيه من حيث الموافقة والمخالفة للأثبات ثم الحكم عليه وعلى أقواله بعد هذا الفحص والتفتيش الدقيق لا الإعتذار له .
ولكن أهل البدع بمعزل عن هذا العلم الشريف وأصوله النقية التي كان عليها أهل الحديث ، فشأن أهل البدع والأهواء مع كلام أئمتنا ما قاله الإمام الألباني في ( النصيحة)(ص 17) في رده على ابن عبدالمنان : (( وأما خامس طاماته فإنه يتبنى بعض الأقوال التي يظن هو أنها قاعدة أو يتظاهر بذلك لأنها تساعده في مخالفة سبيل المؤمنين ))
ولنا في هذا المقام أن نذكر بكلمة ونصيحة الإمام الألباني التي تنسف ضلال بدعة حمل المجمل على المفصل في كلام البشر
قال رحمه الله في( فتاوى جدة)(ش 33 / د 37)
(( إياك وما يعتذر منه : " لا تتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " .دائما الناس يقولون :
والله أنا قصدت كذا ، يا أخي قصدك في قلبك لا يعرفه إلا ربك ، ولكن أحسن التعبير عن قصدك بلفظك ، ألم تسمع إنكار الرسول عليه السلام الشديد على ذلك الصحابي الذي سمع موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم فقام ليظهر خضوعه وإتباعه وإطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أجعلتني لله ندا ! قل ما شاء الله وحده " .
أترون بأن هذا الصحابي قصد بقوله مخاطبا لنبيه " ما شاء الله وشئت " أن يجعله شريكا مع الله ؟ ما أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يقينا إلا فرارا من الشرك ، إذاً لماذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنكار عليه بهذه العبارة الشديدة " أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده " ؟
إذاً لا ينبغي أن تسوغوا أخطائكم اللفظية بصوابكم القلبي ، هذا لا يسوغ ذاك ، فعلينا إذا تكلمنا بالكلام أن يكون كلامنا مطابقا لحسن قصدنا وأن لا يكون كلامنا سيئا وقصدنا حسنا بل يجب أن يطابق اللفظ ما في القلب . )) ا.هـ