المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم رفع الخطيب يديه للدعاء بعد الفراغ من خطبة الجمعة



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
05-May-2010, 11:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وعلى آله وصحبه ومن والآه وبعد .
لقد اختلف الناس في حكم رفع الخطيب يديه للدعاء بعد الفراغ من خطبة الجمعة ، ولما لم يكن هذا الفعل من هديه صلى الله عليه وسلم استشكل بعض المجيزين على المانعين قول بعض أهل العلم فرأيت عرضها على وجه يظهر فيه المعنى الراجح للنصوص النبويه وكلام أهل الفضل بكلام منارات أهل العلم .
قالوا : روى البخاري في صحيحه (2 / 15) ( 33 - باب رفع اليدين في الخطبة ) ( 932 ) عن أنس قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا فمد يديه ودعا.
علاقة الحديث في الترجمة والتبويب .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( (2 / 413) ( أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه وهو مطابق للترجمة وفيه إشارة إلى أن حديث عمارة بن رؤيبة الذي أخرجه مسلم في إنكار ذلك ليس على إطلاقه لكن قيد مالك الجواز بدعاء الاستستقاء كما في هذا الحديث ) .
ومعنى كلامه رحمه الله أن الحديث مطابق للترجمة من حيث أن رفع اليدين في الاستسقاء والدعاء جائز مشروع وهو على نفس الصفة بخلاف صفة رفع اليدين في الدعاء في الصلاة وخارجها قال بدر الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (10 / 172) :
( مطابقته للترجمة في قوله فرفع يديه لأنه إنما رفعهما لكونه استسقى فببركته وبركة دعائه أنزل الله المطر حتى سال الوادي قناة شهرا ) .
فظهر المعنى أن الترجمة مطابقة للحديث من حيث صفة الرفع في خطبة الجمعة للاستسقاء .
فإن قيل بل الظاهر من الترجمة جواز مطلق الرفع في الدعاء في خطبة الجمعة ومن ذلك بعد الفراغ منها:
قلت : هذا غلط ويظهر غلطه من أوجه :
الأول : ليس في الحديث أي دلالة على هذا المعنى بل نص الحديث قال : ( قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال ... ) وهذا كان في أثنائها وليس بعده الفراغ منها .
مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه لعارض أثناء خطبة الجمعة بين فيه مشروعية رفع اليدين أثناء الخطبة بسببه وهو صلاة الاستسقاء .
ثانيا : فقه الإمام البخاري يدل على الذي تقدم لما قال : ( في خطبة الجمعة ) ولم يقل بعد الفراغ أو الانتهاء من خطبة الجمع ، وهذا ليوافق تبيوبه الحديث .
ثالثا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه كان يدعو بعد الفراغ من خطبة الجمعة كما يفعل أكثر الناس ، بل كان يخطب ويأمر بإقامة الصلاة ، وعليه لم يكن هناك رفع أصلا بعد الفراغ من الخطبة .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى : ( ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أصح الوجهين أصحابنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر ) .
وقال البهوتي في كشف القناع : ( يكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة .
قال المجد : هو بدعة وفقا للمالكية والشافعية وغيرهم ... )
قال الإمام البغوي في شرح السنة ( 4 / 257 ) ( رفع اليدين في الخطبة غير مشروع وفي الاستسقاء سنة ، فإن استسقى في خطبة الجمعة يرفع يديه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ) .
رابعا : لما كان هذا هو الحال نص أهل العلم على بدعة رفع اليدين في الدعاء بعد الخطبة قال ابن بطال في شرحه صحيح البخارى (2 / 517) ( وقد أنكر بعض الناس ذلك ، فروى الأعمش ، عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال : رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر ، فرفع الناس أيديهم ، فقال مسروق : ما لهم قطع الله أيديهم .
وقال الزهرى : رفع الأيدى يوم الجمعة محدث .
وقال ابن سيرين : أول من رفع يديه يوم الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن معمر
وكان مالك لا يرى رفع اليدين إلا فى خطبة الاستسقاء ، وسيأتى هذا المعنى مستقصى فى كتاب الاستسقاء ، إن شاء الله تعالى) .
قال أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث ( 87 ) : ( وأما رفع الناس أيديهم عند الدعاء _ في خطبة الجمعة _ فبدعة قديمة قال أحمد بن حنبل حدثنا شريح بن النعمان حدثنا بقية عن أبي بكر بن عبد الله حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث التمالي قال بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال : يا أبا اسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين .
قال فقلت ما هما ؟؟ .
قال : رفع الأيدي على المنابر والقصص بعد الصبح والعصر ... .
قال السيوطي في الأمر بالاتباع ( بدع الخطب : ( ورفع اليدين عند الدعاء فبدعة قديمة ) .
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار : ( الحديثان المذكوران يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة ) .
فإن قيل لم بوب الإمام الإمام البخاري بابين متصلين متتابعين فقال : ( باب رفع اليدين في الخطبة ) و ( باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة ) .
قلت : إن التبويب لم يكن من أجل بيان رفع اليدين في مطلق الدعاء في الخطبة بل هي مقيدة بما ذكره من الحديث تحت الباب كما سبق البيان ولهذا قال ابن حجر في الفتح (2 / 413) ( أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه وهو مطابق للترجمة ) .
وهذا يدل على أن الرفع استثناء ولسبب مخصوص .
كما ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه على المنبر في خطبة الجمعة في الاستسقاء مع أنه يخطب في الناس كل جمعة ، وهو مما يتوفر في مثله داعي النقل .
الثاني : لقد نص الحافظ ابن حجر في الفتح على أن من المراد في تتابع التبويب بيان المعنى الزائد في صفة الرفع في الاستسقاء فقال في الفتح : (2 / 413) : ( قوله : ( فمد يديه ودعا ) في الحديث الذي بعده ( فرفع يديه ) كلفظ الترجمة .
وكأنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المد لا كالرفع الذي في الصلاة .
وسيأتي في كتاب الدعوات صفة رفع اليدين في الدعاء فإن في رفعهما في دعاء الاستسقاء صفة زائدة على رفعهما في غيره ، وعلى ذلك يحمل حديث أنس : ( لم يكن يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء ) وأنه أراد الصفة الخاصة بالاستسقاء ويأتي شيء من ذلك في الاستسقاء أيضا إن شاء الله تعالى ) .
روى مسلم في صحيحه بالإسناد إلى عمارة بن رؤيبة قال : رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة.
في هذا الحديث بيان عدم مشروعية الرفع في حال الخطبة بدون سبب مشروع كما في حديث الاستقاء
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (6 / 162) ( هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم .
وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى .
وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ) .
وقد قال العيني معنى كلام الإمام النووي المتقدم فقال في شرح سنن أبي داود (4 / 445) : ( وفيه من السنة أن لا ترفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك والشافعي، وغيرهما، وحكي عن بعض المالكية وبعض السلف إباحته؛ لأن النبي- عليه السلام- رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ).
يريد أن رفع اليدين في مطلق الدعاء جائز وأن الخطيب إذا أراد الدعاء في غير الاستسقاء لا يرفع إلا أصبعه ويدل على هذا قوله ( وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ) .
وقد استشكل بعض الناس كلام الحافظ ابن حجر لما قال في الفتح (11 / 142)
( وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة براء وموحدة مصغر أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة ، فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال : السنة أن الداعي يشير بأصبع واحدة ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها ).
قلت : إن الأخبار الواردة في مشروعية الرفع في عموم الدعاء لا بعد الانتهاء من الخطبة وإنكار الصحابي على مروان كان لأمرين الأول : سبب الرفع ، وأنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم في عموم الدعاء وعارضه في غير الاستسقاء أن يرفع يديه .
وهذا المعنى قاله الكشميري في فيض الباري شرح البخاري (3 / 147) ( باب ُ رَفعِ اليَدَينِ في الخُطْبَة .
واعلم أنه ثبت كراهةُ رَفْع الأيدي في الخطبة. وحَمَله العامة على أن هذا الرَّفْع كان للتفهيم، كما شاع الآن في الخطباء والواعظين، أنهم يحرِّكُون أيديهم للتفهيم. فلعلَّه فَعَله بِشْرٌ وكرهه الناس. وقالوا: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يزيد على الإشارة بالأصابع.
قلتُ: والأرجح عندي أن تلك الإشارة كانت للدعاء للمؤمنين، فإنه مسلوكٌ في الخُطبة فأنكروا عليه، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يَرْفَعُ له إلا أصبُعُه المباركة. هكذا شَرحه البيهقي ، ونقله شارح الإحياء في (الإتحاف )) .
الثاني : هيئة رفع الدعاء وقد بين كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .
إذ قد روى مسلم في صحيحه عن أنس أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- : كان لا يرفع يديه في شىء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه. غير أن عبد الأعلى قال يرى بياض إبطه أو بياض إبطيه.
قلت : ويدل على هذا المعنى ما ذكره الإمام النووي على أن الرفع في عموم الدعاء مشروع لا على باب التعين بعد الفراغ من خطبة الجمعة قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (3 / 299) : ( هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء ، وليس الأمر كذلك ، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء ، وهي أكثر من أن تحصر ، وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما ، وذكرتهما في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب .
ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء ، أو أن المراد لم أره رفع ، وقد رآه غيره رفع ، فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك ، ولا بد من تأويله لما ذكرناه . والله أعلم ) .
وكتب : الدكتور شاكر بن توفيق العاروري –حفظه الله تعالى- .
من صبيحة يوم الاثنين الموافق :18جمادى الأولى 1413 ه .
3 / 5 / 2010 م .