المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان وهاء قولهم : " إن المنهج الذي يسير عليه الشيخ ربيع المدخلي وتلامذته منهج غلو وشدة وغلب عليه طابع الجرح و التجريح بخلاف ما كان عليه أئمة الدعوة السلفية( ابن باز ، والألباني ، وابن عثيمين رحمهم الله) من اللين والاتزان في الدعوة إلى الله "



أبو أنس بشير بن سلة الأثري
31-Dec-2013, 11:03 PM
بيان وهاء قولهم : " إن المنهج الذي يسير عليه الشيخ ربيع المدخلي وتلامذته منهج غلو وشدة وغلب عليه طابع الجرح و التجريح بخلاف ما كان عليه أئمة الدعوة السلفية( ابن باز ، والألباني ، وابن عثيمين رحمهم الله) من اللين والاتزان في الدعوة إلى الله "


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فهذه مقالة هي ضمن مما كتبته سابقا من بيان الشبه التي رجف بها المميعة والحدادية على أهل السنة والجماعة وخاصة على شيخنا العلم الهمام المحدث ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ ، فأعدت فيها النظر فحررتها وجمعتها في كتاب جامع لها ، نسأل الله تعالى إتمامه والإصابة والسداد، وأن يكون لوجهه خالصا .
فمما جاء في هذا الكتاب من بيان الشبه والطعون التي رمي بها الشيخ ربيع بن هادي المدخلي .
قولهم : " إن المنهج الذي يسير عليه الشيخ ربيع المدخلي وتلامذته منهج غلو وشدة وغلب عليه طابع الجرح و التجريح بخلاف ما كان عليه أئمة الدعوة السلفية( ابن باز ، والألباني ، وابن عثيمين رحمهم الله) من اللين والاتزان في الدعوة إلى الله " ، فهذه الشبهة الواهية والطعنة الخبيثة طالما رجف بها المميعة على أهل السنة في كل مقالة يكتبونها أو كلمة يتفوهون بها ، فقد ملؤوا بها الدنيا ، واغتر بها من اغتر ، فلخطورتها على شباب الأمة استحسنت أن أخصص لها صفحة مستقلة في منتديات السلفية لعل ينتفع بها ممن اغتر بها وصدقها وهو لم يتأمل مآل فسادها وما يترتب عليها من الظلم للشريعة وأحكامها ولأهلها الأتقياء النزهاء .
فقلت :
التوضيح الأول : إن من أبرز حيل أهل الباطل لترويج باطلهم هو إلباس باطلهم لباس الحق وتلطيخ الحق بألفاظ باطلة للتنفير منه ومن أهله ، فمن أجل هذا حذر العلماء من زينة الضلالات والأهواء ، قال سفيان الثوري :"ما من ضلالة إلا عليها زينة ، فلا تعرض دينك لمن يبغضه إليك "
إذا كان الأمر كذلك فالواجب إذاً الكشف عن الحقائق والنظر فيما وراء تلك الألفاظ وكشف الغطاء عن الزينة التي وضعت على الضلالات وألبستها لباس الحق بهتانا وزورا ([1] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn1)) .
ومن هذا الباب معرفة حقيقة لفظة ( الغلو) التي أطلقها أهل الضلال على أهل الحق ورموهم بها للتنفير منهم ومن دعوتهم ، فبمعرفة كنه هذه اللفظة وإطلاقات الشارع لها نقف على غلو القوم في استعمالهم لها في غير موطنها وتحريف حقيقتها التي وضعت من أجلها .
فالغلو في اللغة : مجاوزة الحد والقدر ، والغين واللام والحرف المعتل أصل يدل على ارتفاع ومجاوزة قدر .
واصطلاحا : مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك .
بهذا عرفه شيخ الإسلام في( اقتضاء الصراط المستقيم )(1/289) .
وعرفه الشاطبي في (الاعتصام)(3/304) ، وابن حجر في (الفتح)(13/278) بأنه : المبالغة في الشيء والتشديد فيه حتى يتجاوز الحد .([2] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn2))
قال الله تعالى:{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ }[النساء: 171]
قال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ عند تفسيره لهذه الآية الكريمة : " قَالَ الْحَسَنُ: ( يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا غَلَوْا فِي أَمْرِ عيسى، فاليهود بالتقصير، والنصارى مجاوزة بالحدّ) .
وَأَصْلُ الْغُلُوِّ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَهُوَ فِي الدِّينِ حَرَامٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} ، لَا تُشَدِّدُوا فِي دِينِكُمْ فَتَفْتَرُوا على الله الكذب ،{ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} "([3] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn3))
وقال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره لهذه الآية الكريمة : "يَنْهَى تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا حَدَّ التَّصْدِيقِ بِعِيسَى، حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْقَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَنَقَلُوهُ مِنْ حَيِّزِ النُّبُوَّةِ إِلَى أَنِ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُ كَمَا يَعْبُدُونَهُ، بَلْ قَدْ غَلَوْا فِي أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ، مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ، فادَّعوْا فِيهِمُ الْعِصْمَةَ وَاتَّبَعُوهُمْ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًا أَوْ بَاطِلًا أَوْ ضَلَالًا أَوْ رَشَادًا، أَوْ صَحِيحًا أَوْ كَذِبًا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التَّوْبَةِ: 31] . "([4] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn4))
فيتحصل من كلام الأئمة ومنهم الإمام الحسن ـ رحمه الله ـ أن الغلو قد يكون بالتقصير كما يكون بالمجاوزة ، فمن تأمل منشأ رمي الحزبية المميعة أهل الحق بهذه اللفظة الشنيعة وجد أصله هو غلوهم في وأد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على المخالف الذي أمر بها الشارع ، وتقصيرهم في القيام بذلك ، فمن تقصيرهم وقصور نظرهم ظنوا أن كل من نهض بهذه الشعيرة ورد الأخطاء والمخالفات التي وقع فيها الجماعات والأفراد ومنهم من يكون معظما عند القوم ، وبينها للأمة لتحذرها ، ألصقوا به وسمة الغلو ، ونسوا وتناسوا أن بعملهم هذا قد أدعوا بمقال حالهم في شيوخهم العصمة الذين لا يجوز انتقادهم ونقد أقوالهم وهو عين الغلو الذي نبه عليه الإمام ابن كثير .
وهذا الغلو والنظر الأعوج والتفكير الأعرج أوقعهم أيضا في أن يفتروا على الله تعالى وعلى عباده وأوليائه ، إذْ نسبوهم لما هم قائمون به من الدفاع عن الشريعة وبيان حقيقة ما دخلها من التحريفات والبدع والموضوعات والمنكرات إلى الغلو الذي ما أرادوا به إلا تعطيل هذه الشعيرة التي لا بقاء وقوام للإسلام إلا بها ، وهذا هو عين الغلو الذي نبه عليه الإمام البغوي في قوله : " { لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} ، لَا تُشَدِّدُوا فِي دِينِكُمْ فَتَفْتَرُوا على الله الكذب،{ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} " .
أما أهل الحق وعلى رأسهم الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ما قيامهم ونهوضهم برد المخالفات وتفنيد شبه أهلها ما هو إلا الوسطية والخيرية التي شهد الله تعالى بها لهذه الأمة المحمدية وأثنى على أهلها بها إذا قاموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال الله تعالى :{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: 110]
قال الإمام السعدي :" يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس "([5] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn5))
وقال الإمام ابن كثير : " فَمَنِ اتَّصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي هَذَا الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالْمَدْحِ لَهُمْ.. وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ أَشْبَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الْمَائِدَةِ:79] } وَلِهَذَا لَمَّا مَدح اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ شَرَعَ فِي ذَمِّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَأْنِيبِهِمْ " ([6] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn6))
وقال الله تعالى :{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }[البقرة: 143]
قال الإمام السعدي :" .. ووهبهم الله من العلم والحلم، والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا {أُمَّةً وَسَطًا} [كاملين] ليكونوا {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان، ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول، فهو مقبول، وما شهدت له بالرد، فهو مردود.
فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم، والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟
قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين، لوجود التهمة فأما إذا انتفت التهمة، وحصلت العدالة التامة، كما في هذه الأمة، فإنما المقصود، الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك، العلم والعدل، وهما موجودان في هذه الأمة، فقبل قولها. "([7] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn7))
فبهذا البيان والتوضيح يتبين لنا يا أيها القارئ أن من قام بالدفاع عن السنة والذب عن أهلها وتنقيتها مما دخلها من البدع والمنكرات والواهيات والموضوعات فهو من أهل الخير والوسطية والاتزان والعدل الذين أثنى الله تعالى عليهم وضمن لهم التمكين في الدنيا والفلاح والفوز في الآخرة ، ومن كان على غير ذلك فهو من أهل التقصير والغلو الذين ذمهم الله تعالى في كتابه العزيز على قدر تفريطهم وإضاعتهم لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبهذا تنهار شبهة القوم ويتبين أنهم هم أهل الغلو والتقصير لا الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وتلامذته الذي يسيرون على منهجه ويتسمون بأخلاقه .
الثاني : إن الواقع الذي عليه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي من الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة يكذب هذه الفرية وينسف بطلانها ، فالشيخ قد شُهد له بالعلم والحلم والصبر والنصح والكرم والجود والبذل ـ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا ـ
فالشيخ ربيع المدخلي ، قد ثبت وتواترت الأخبار عنه أنه لا يرد على أحد ويظهر رده فيه إلا بعد نصحه له وصبره عليه سنوات متعددة ، وهو في هذه الفترة ينصح ويراسل في صاحب الخطأ وينتظر منه التجاوب والبيان والرجوع عن مخالفته ، وهو في ذلك لا يسمح لأحد أن يتكلم فيه ويسئ إليه، وهذا شيء قد ذاع واشتهر عنه ، و شهد له بذلك العلماء ومشايخ السنة الكبار .
ومما ثبت عنه في هذا الباب على سبيل المثال : نصحه للشيخ بكر أبي زيد ـ رحمه الله ـ ومراسلته له وانتظار رده ، قال في مقدمة كتاب (الحد الفاصل بين الحق والباطل)( ص 4 ) مبينا عذره في إظهار رده عليه بعد الانتظار الطويل :" وأخيراً وجدت نفسي مضطراً إلى الإذن بطبع هذا الكتاب الحد الفاصل بياناً للحق ونصراً له ودمغاً لباطل سيد قطب الذي ينشر باسم الإسلام وردعاً لبغي أوليائه المناصرين للباطل والذابين عن أهله.
وكان هذا مني بعد طول انتظار لموقف منصف من بكر أبو زيد يعلن فيه إدانة من يقوم بنشر أوراقه وباسم النصيحة الذهبية ويتبجح بها فلم يفعل فاضطررت لنشر ردي بعد أن أعذرت إلى بكر أبو زيد وإلى كل من قد يعتب. " ا.هـ
ومن ذلك أيضا صبره على عبدالرحمن عبدالخالق ، قال في مقدمة كتاب (جماعة واحدة لا جماعات)( 3 ـ 6 ) مبينا مراحل صبره ونصحه له قبل رده عليه : "... فكتبت له نصيحتين خلال سنتين أو ثلاث سنين متوالية ، ثم إن هذا الاتجاه السياسي دفعني إلى قراءة كتابه الشورى فرأيت فيه أخطاء حمَّلها القرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
فجمعت هذه الأخطاء وجمعت الأدلة للرد عليها نصيحة له وللمسلمين ثم أحجمت عن ذلك وفضلت أن يكون ذلك في نصيحة أخوية فيما بيني وبينه .
وكان كلما زار المدينة وحصل بيني وبينه لقاء لا آلو جهداً في النصيحة له فيما آخذه عليه فرأيته في لقائين أو ثلاثة على خلاف ما كنت أعتقد فيه ؛ رأيته يدافع عن جماعة التبليغ والإخوان المسلمين بالباطل ، وهذا المنحى الجديد لا يتمشى مع المنهج السلفي ولا مع مواقف علماء المنهج السلفي وأئمته .
فأريته في مرة من المرات ، بطاقات جمعتها للرد على كتابه الشورى في الإسلام فأبدى شيئاً من التفهم .
وقلت له : إنني أستأني بك ظناً مني أنك سترجع إلى الحق وأتشاغل عنك بالرد على الغزالي وأبي غدة وأمثالهما فأظن أن ذلك أعجبه .
ثم أريته كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر فيه أن التحذير من أهل البدع واجب باتفاق المسلمين ، فلما وقف عليه قال صحيح إن التحذير من أهل البدع واجب ، فأعطاني كلامه هذا أملاً في التزام منهج السلف في هذا الباب ، وقلت له في بيت أخيه في القبلتين بالمدينة : إنني أحذر من كتابك هذا ـ أعني مشروعية العمل الجماعي ـ فقال: لماذا ؟ فقلت لأنه على خلاف منهج السلف .
واستمررت متوقفاً عن الرد عليه سنوات حرصاً على جمع الكلمة ومراعاة للأخوة في الكويت من المنتمين إلى المنهج السلفي وخاصة من أعرفهم من طلبة الجامعة الإسلامية .
وكنت أتصور أن هذه المواقف الأخوية أنفع وأجدى من كتابة الردود مع أن بعض الشباب السلفي كان يرى أنه يتعين الرد على عبدالرحمن فأبدي لهم وجهة نظري في إحجامي عن الرد عليه، فمنهم من يقتنع ومنهم من لا يقتنع .... فقمت بتسجيل ما وقفت عليه من أخطاء عبدالرحمن ومناقشته فيه بأسلوب دون ما يستحقه بعد أن أعذرنا إلى اللَّـه ثم إليه وإلى كل من يعطف عليه أو يتعاطف معه ، وباب النقد مفتوح وكل عاقل يرى ذلك ومنهم عبدالرحمن عبدالخالق. " ا.هـ
وأيضا صبره على أبي الحسن المأربي ، قال في مقدمة كتاب ( التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل)( ص11): "أم أبو الحسن المصري المأربي الذي بدأ بالحرب والفتن من سنين وأنا أناصحه مشافهة وكتابة وكم سعيت في إطفاء فتنته فتأتيني الكتابات عن انحرافاته فأرفض قبولها .
وتأتيني الأسئلة عنه وهو يتحرك بفتنته فأصرفهم وأنصحهم بعدم الكلام فيه وتأتيني الأسئلة عن زلاته فأنصح السائلين بالعدول عنها وبكف ألسنتهم عن القيل والقال لعله يتذكر أو يخشى ويكف فتنته وأذاه عن الدعوة السلفية في اليمن وغيرها ولكنه قد بيت الفتنة والثورة على المنهج السلفي وعلمائه وطلابه فلذا لا يسمع نصيحة ناصح بل يبطش بكل من نصحه أو قال فيه كلمة حق .
ولقد اضطررت بعد مناقشته الطويلة أن أطلع على مسائل فرغت من أشرطته جلسة في مأرب وعلى أشرطته السبعة التي سماها القول الأمين وشريطه في الحدادية ثم استخرج من هذه السبعة أصوله الباطلة التي ينطلق منها لحرب المنهج السلفي وأهله وظننت أن ذلك كاف لبيان حاله وقطع دابر فتنته . " ا.هـ
وإن الذي سلكه مع هؤلاء من النصح والصبر ، قد سلكه أيضا مع غيرهم ممن اظهروا العداوة للسنة وأهلها كما هو شأن فالح والحلبي .
قال فضيلة الشيخ محمد بازمول :" يقول السؤال : هل يشترط في التبديع من وقع في البدعة أو البدع أن تقام عليه الحجة لكي يبدع أو لا يشترط ؟
الجواب : في قضية الرد عليه ووصفه بالبدعة هذا المقام نسميه أحنا مقام الرد لا يشترط فيه ذلك ، حتى والله كنا أحيانا نلوم الشيخ ربيع على تأخير الرد وسكوته على الرد وعدم إظهاره الرد ـ والله العظيم ـ يعني أنا أتذكر الشيخ ربيع صبر سبع سنوات وثمانية سنوات في الرد على أبي الحسن وصبر على الشيخ فالح مدة وصبر على علي حسن عبدالحميد وأنا شاهد على هذا مدة ، كنا نلومه ، ليش ؟
لأن نرى في الرد بيان ، ولكن الشيخ إيش كان يقول ؟
كان يؤمل في هؤلاء الخير ، ويصبر ويتحمل ، وفي بعض الأوقات نسب الشيخ إلى الإرجاء ، تدرون عن هذا ؟ أنتم ما تدرون ، أنا أدري بسبب سكوته ، نسب الشيخ من بعض الجهلة ، نسب الشيخ إلى الإرجاء وصبر الشيخ وتحمل .
وإلا لا يلزمه في مقام الرد أن .. لأن هناك إيش ؟
هناك نصيحة لعامة المسلمين ، هذا الرجل نشر كلامه في عامة المسلمين .
فتدرون الرسالة اسمها ( مجمل اعتقاد أهل السنة ) شتوها الذي نشرها مركز الشيخ الألباني ، حط اسم الشيخ ربيع فيها ، صح .
الشيخ علي حسن عبدالحميد جاءنا ..الكتاب ، فالشيخ ربيع طلب مني إني أقرأ ، قال : أنا أقرأ يا ولدي وأنت أقرأ ، وهات ملاحظتك نقدمها للشيخ علي ، طلب منا الشيخ علي الملاحظات .
فالشيخ كتب ملاحظات وأنا كتبت ملاحظات .
فقلنا يا شيخ علي غير هذه الأشياء ، وإن شاء الله فيه خير ما فيه مشكل .
يقوم الشيخ علي ينشر ( مجمل الاعتقاد) الذي نشره مركز الشيخ الألباني ، ينشر بدون تغيير الملاحظات وحط اسم الشيخ ربيع من ضمن الذين يوافقهم ، وصبر الشيخ ، من يصدق هذا الكلام ؟ ما أحد يصدق .
لكن هذا أنا أشهد أمام الله عز وجل أنه حصل ، وصبر الشيخ ..." ([8] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn8) )
فهذه بعض المواقف الحميدة كافية ووافية وشاهدة بحلم الشيخ وحبه الخير للمنصوح وتمنيه الرجوع إلى الحق ، التي لا تنبثق إلا من منّ الله تعالى عليه بالعلم والرفق واللين والرأفة والرحمة والصبر والنصح والعدل والورع ، وهذه الأخلاق الفاضلة والشيم النبيلة أنى يجتمع معها الغلو الذي رموا به الشيخ ، الذي لا يصدر إلا من أهل الجهل والظلم والعجلة والطيش والنفوس الخبيثة وأصحاب الأغراض الدنيئة ، وحاشا الشيخ ربيعا المدخلي من هذه النفوس الخبيثة وأعمالها الدنيئة ، فدعوته وأعماله الجليلة تضاد هذه النفوس وأعمالها التخريبية ، ـ جزاه الله خيرا ـ
الثالث : إن إطلاقهم هذه اللفظة على الشيخ ربيع المدخلي ([9] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn9)) ، وعلى كل من سلك مسلكه وأقتفى أثاره ، ما سببها إلا لما هو قائم به من جهاد أهل البدع والانحراف وتصده لكشف مخالفاتهم الضالة ، وفضح أصولهم الباطلة التي تغير الدين الإسلامي وتفسد أهله .
فلما كانت ردود الشيخ كالشهب المحرقة لضلالهم والمدمرة لعروشهم ، تألموا منها وأحسوا بحرارتها وأوجعتهم ، فما وجدوا إلا الصراخ أنها شديدة ، وهذا الصراخ منهم ما هو إلا من جنس النياح المحرم الذي لا يزيد به صاحبه إلا إثما ووزرا ، لأنه في مقابل رد الحق ، وتسخطا على أهله الذين بينوا عوارهم وكشفوا ضررهم ، وكان أليق بهم في هذا المقام أن يستسلموا للحق وينقادوا له ويعترفوا بخطئهم وخطيئتهم لا أن يملئوا الدنيا ضجيجا وصراخا ، ومن كان كذلك فلا عبرة لصراخه وضجيجه ، وجزى الله خيرا من أحرق ضلالهم وحطم حصون دولتهم المبتدعة وهتك أستارها بشهب السنن النبوية والآثار السلفية ، فهذا يعد من أعظم الجهاد الذي أمر الله تعالى به المؤمنين وأثنى على من قام به ، وأصل هذا قول الله تعالى : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[التوبة: 73]
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (زاد المعاد)(3/ 5) عند هذه الآية الكريمة :" فَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ أَصْعَبُ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ جِهَادُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ وَوَرَثَةِ الرُّسُلِ، وَالْقَائِمُونَ بِهِ أَفْرَادٌ فِي الْعَالَمِ، وَ الْمُشَارِكُونَ فِيهِ وَالْمُعَاوِنُونَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْأَقَلِّينَ عَدَدًا فَهُمُ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا."ا.هـ
وقال في (مفتاح دار السعادة)(1/ 270 ـ 272) : " الْوَجْه الْخَمْسُونَ : مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ : قَالَ رَسُول الله :( من خرج فِي طلب الْعلم فَهُوَ فِي سَبِيل الله حَتَّى يرجع ) ([10] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn10)) ، قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب رَوَاهُ بَعضهم فَلم يرفعهُ .
وَإِنَّمَا جعل طلب الْعلم من سَبِيل الله لأن بِهِ قوام الإسلام كَمَا أن قوامه بِالْجِهَادِ فقوام الدّين بِالْعلمِ وَالْجهَاد وَلِهَذَا كَانَ الْجِهَاد نَوْعَيْنِ جِهَاد بِالْيَدِ والسنان وَهَذَا المشارك فِيهِ كثير ، وَالثَّانِي الْجِهَاد بِالْحجَّةِ وَالْبَيَان وَهَذَا جِهَاد الْخَاصَّة من اتِّبَاع الرُّسُل وَهُوَ جِهَاد الأئمة وَهُوَ أفضل الجهادين لعظم منفعَته وَشدَّة مُؤْنَته وَكَثْرَة أعدائه ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْفرْقَان [51 ـ 52] ، وَهِي مَكِّيَّة :{وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيرا فلا تطع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا } ، فَهَذَا جِهَاد لَهُم بِالْقُرْآنِ وَهُوَ أكبر الجهادين وَهُوَ جِهَاد الْمُنَافِقين .
أيضا فَإِن الْمُنَافِقين لم يَكُونُوا يُقَاتلُون الْمُسلمين بل كانوا معهم فِي الظَّاهِر وَرُبمَا كَانُوا يُقَاتلُون عدوهم مَعَهم وَمَعَ هَذَا فقد قَالَ تَعَالَى :{ يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم }[التوبة : 73] وَمَعْلُوم أن جِهَاد الْمُنَافِقين بِالْحجَّةِ وَالْقُرْآن وَالْمَقْصُود أن سَبِيل الله هِيَ الْجِهَاد وَطلب الْعلم ودعوة الْخلق بِهِ إلى الله .." ا.هـ
وبهذا يتبين لك يا أيها القارئ الكريم أن الشدة على أهل البدع والانحراف منقبة ومأمورا بها في الشرع ، إذ أنه لا قوام لدين الإسلام وبقاء قوته وهيمنته إلا باستعمال الحديد والشدة لمن تعرض له ولأهله بالتخريب والإفساد ، ومن هذا الباب كان السلف الصالح من أهل الحديث والأثر يرفعون من شأن من عُرف بصلابته في السنة وشدته على أهل البدعة والأهواء ويعدون هذا من مناقبه وفضائله التي يحمد ويثنى عليها ، ومن ذلك ما جاء في (السير)( 8 /539) من ترجمة الحافظ المجاهد أبي إسحاق الفزاري ـ رحمه الله ـ ، أن الحافظ الذهبي قال : "قال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سنة، صالحا، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلمهم السنة، وكان يأمر وينهى.
وإذا دخل الثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه." ا.هـ
ونقل عن الحافظ ابن حبان أنه قال في عمر بن هارون بن يزيد الإمام عالم خراسان ـ رحمه الله ـ :" كان صاحب سنة وفضل وسخاء، وكان أهل بلده يبغضونه لتعصبه في السنة وذبه عنها" ا.هـ ([11] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn11))
وقال عن أبي محمد عبد الله بن عمر بن الرماح رحمه الله : " وكان صاحب سنة، وصدع بالحق ، وثقه الذهلي ، وامتنع من القول بخلق القرآن، وكفر الجهمية " ا.هـ ([12] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn12))
وعليه ، فوسمهم للشيخ ربيع المدخلي ومن نحى نحوه بالشدة في مقابل ما هو قائم به من بيان أصولهم الضالة وقواعدهم الخطيرة وتجليت حقيقتها للأمة لتعرفها فتحذرها ، فهذه منقبة له وفضيلة شهدوا له بها بألسنتهم من حيث يظنون أنهم يذمونه بها ، فهنيئا له بها .
وهذه الشدة التي منّ الله تعالى بها على أهل الإيمان ـ التي يحمى بها دينه الحنيف وسنة نبيه الشريف ويرد بها عدوان وبغي أهل الإفساد والإجرام ـ ، لا تعارض ما وصوفوا به من الرحمة والشفقة والرأفة ، فهي من المكملات هذه الأخلاق الشريفة التي شرفهم الله تعالى بها وكملهم باجتماعها فيهم .
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في(الوابل الصيب من الكلم الطيب)(ص 52 ـ 53) عند قول الله تعالى: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}[النور: 35] :
" وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر، وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه وهي مثل القلب، وشبه بالزجاجة لأنها جمعت أوصافاً هي في قلب المؤمن وهي الصفاء والرقة، فيرى الحق والهدى بصفائه، وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته، ويجاهد أعداء الله تعالى ويغلظ عليهم ويشتد في الحق ويصلب فيه بصلابته، ولا تبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها، بل تساعدها وتعاضدها، {أشداء على الكفار رحماء بينهم} ، وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} ، وقال تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وفي اثر القلوب آنية الله تعالى في أرضه، فأحبها إليه وأرقها وأصلبها وأصفاها وبازاء هذا القلب قلبان مذمومان في طرفي نقيض:
أحدهما: قلب حجري قاس لا رحمة فيه ولا إحسان ولا بر، ولا له صفاء يرى به الحق، بل هو جبار جاهل لا علم له بالحق، ولا رحمة للخلق.
وبإزائه قلب ضعيف مائي لا قوة فيه ولا استمساك، بل يقبل كل صورة، وليس له قوة حفظ تلك الصور ولا قوة التأثير في غيره، وكل ما خالطه أثر فيه من قوي وضعيف، وطيب خبيث. " ا.هـ
والذي يبين هذه المسألة .
التوضيح الرابع : لا تساس أمور الناس وتقوم مصالح دنياهم إلا بوجود اللين والشدة وإلا لتعطلت مصالح الدين والدنيا وخرب العالم وهذا يعترف ويقر به كل عقلاء العالم .
وما أجمل كلمة كاتب الوحي معاوية ـ رضي الله عنه ـ لبعض عماله :" إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَسُوْسَ النَّاسَ سِيَاسَةً وَاحِدَةً؛ أَنْ نَلِيْنَ جَمِيْعاً فَيَمْرَحُ النَّاسُ فِي المَعْصِيَةِ، وَلاَ نَشْتَدَّ جَمِيْعاً، فَنَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى المَهَالِكِ، وَلَكِنْ تَكُوْنُ لِلشِدَّةِ وَالفَظَاظَةِ، وَأَكُوْنُ أَنَا لِلِّيْنِ وَالأُلْفَةِ " ([13] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn13))
وأحق بهذين الأسلوبين هي الدعوة إلى الله تعالى ، فهي أليق بأن يستعمل فيها اللين والشدة على حسب ما يقتضيه المقام والحال والمقال ، فلكل منهما ميدان خاص به ، وإن كان الأصل في الدعوة إلى الله هو اللين والرفق وهذا لا نزاع فيه ، ولكن قد يقتضي حال المدعو إلى أن يستعمل معه الشدة على قدر جرمه ومخالفته وعناده في تماديه في باطله وعدم قبوله الحق .
سئل العلامة ربيع بن هادي المدخلي : هل تلزم الشدة في الرد أو اللين؟
فأجاب : على حسب المقام، إن كان إنسان فيه مروءة وشرف وينفع فيه اللِّين فاستخدم اللِّين والرِّفق والحكمة، وهذا هو الأصل في الدعوة إلى الله مع المسلم والكافر، وإن كان مستكبرًا معاندًا
لم يجدِ فيه الرِّفق واللِّين وتنفع معه الشدة فتستخدم الشّدة ولكل مقام مقال.
والله تعالى يقول في الزّناة:{وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ} [النور: 2 ] يعني: الجلد، حضر الناس عليهم واجمعهم واجلدهم ولا تأخذك أي رأفة، هذا من القوة في الدين، الكافر المعاند المحارب تسُلُّ عليه سيفك وتسلُّ عليه القلم على حسب ما يتيسّر لك.
الإسلام فيه شدّة وفيه لين {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29 ] رحمة على المؤمنين، المؤمنين الصادقين الخالصين وليس أهل البدع.
أهل البدع يأخذون نصيبهم من الشدة على الكفار، يعني أخذوا منهم جانبًا من الكفر ومن الجاهلية، والواجب عند عنادهم أن نأطرهم على الحق أطرًا بكل ما نستطيع فإن كان عندنا سلطان، عندنا القلم، يمكن يردعهم، القلم يزلزلهم أكثر من السيف." ا.هـ
وسئل أيضا : متى نستعمل اللين ومتى نستعمل الشدة في الدعوة إلى الله وفي المعاملات مع الناس ؟
فأجاب : " الأصل في الدعوة اللين ،والرفق والحكمة ، هذا الأصل فيها ، فإذا ـ بارك الله فيك ـ وجدت من يعاند ولا يقبل الحق وتقيم عليه الحجة ويرفض حينئذٍ تستخدم الرد ، وإن كنت سلطانا وهذا داعية فتأدبه بالسيف ، وقد يؤدي إلى القتل إذا كان يصر على نشر الفساد.
فهناك من العلماء من شتى المذاهب يرون أن هذا أشد فسادا من قطاع الطرق ، فهذا يُنصح ثم تقام عليه الحجة ، فإن أبى فحينئذٍ يلجأ الحاكم الشرعي إلى عقوبته ، قد يكون بالسجن ،قد يكون بالنفي قد يكون بالقتل ، وقد حكموا على الجهم بن صفوان وعلى غيره وعلى بشر المريسي وعلى غيرهم بالقتل ، منهم الجعد بن درهم ، وهذا حكم العلماء على من يعاند ويصر على نشر بدعته ، وإذا نفعه الله وتراجع فهذا هو المطلوب ." ا.هـ
وقال ـ حفظه الله ورعاه ـ : " وأما الأسلوب في معالجة هذه الأخطار والانحرافات والفرق ، فإن لكل مقام مقالا ولكل ميدان رجالا ، وكل له مسلك خاص يتلاءم مع ما يدرك مداركه ومشاعره وما شاكل ذلك ، وأنا أرى أنه لابد من استخدام الأسلوبين ، أنت لين كما كان أبوبكر يغلب عليه اللين في أيام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهناك إلى جانبه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ
الذي يسل سيفه أحيانا ، وأحيانا يواجه الإنسان بما فيه إن كان منافقا يقول : منافق ، على كل حال الأسلوبان قد يتطلبهما واقع هذه الفرق ، فللين رجاله ، وللقوة والصراحة رجالها .
وعلى المسلم سواء كان لينا أو قويا أن يتحرى الأنفع بحسب الأشخاص والجماعات ، فبعضهم لا ينفع فيه اللين وتردعه الشدة بهذا الأسلوب أو بالتعزير أو بغيره من الأساليب التي لا يرجع كثير من الناس إلا بها ، وهناك أناس قد يقعون في الخطأ والانحراف عن حسن نية ، ولو دل على الحق ووضح له بالحكمة والموعظة الحسنة قد يكون هذا أنفع لهم .
وهناك أناس آخرون وقعوا في العناد والمكابرة ويصرون على رمي وقذف الناس إلى الهوة التي سقطوا فيها ، فإن هؤلاء قد يستخدم معهم شيء من الوضوح وشيء من الصراحة في البيان ، فإن بعض الناس قد تنفع فيه القوة إن لم تنفعه في نفسه نفعت الآخرين ، حينما يبين فلان قال في الكتاب الفلاني كذا وكذا ، سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعل كذا ، عطل الصفات ، وبينت بالحجة والبرهان ما عنده من أخطاء قد يكون هذا أنفع للناس ، ويصدهم عن الشر ويحميهم من الوقوع فيه .
بخلاف هذا الأسلوب الذي يغلب على كثير من الناس ، فإن هذا قد لا يحول بين الناس وبين الوقوع في الشر الذي له دعاته ولهم دعاياتهم وشائعاتهم وأساليبهم الماكرة ، فقد لا ينفع الأسلوب الضعيف وينفع الأسلوب الواضح القوي الناصح ، هذا شيء معروف ، ولذلك تجد السلف في مواجهة أهل البدع تجد فيها قوة وتجد فيها الوضوح ، وذلك مما يحجز الناس عن الوقوع في الشر الذي وقعت فيه تلك الفرق الضالة .
وعلى كل حال نقول : لكل شخص أسلوبه ، ولكل شخص أيضا طريقته في معالجة هذه الأشياء ، بشرط الإخلاص والنصح والاجتهاد في معرفة الأنفع من الأساليب .
ونرجو الله تبارك وتعالى أن ينفع هؤلاء وأولئك بهذا الأسلوب أو ذاك ، ولا يستطيع أحد أن يحدد أساليب الناس ، فأساليب الصحابة تختلف وأساليب الدعاة تختلف ولكل أسلوبه .
وعلى كل حال سواء الذي أراد أن يواجه الباطل بقوة أو بلطف عليه أن يقدم الحجة والبرهان التي تبين أنه على حق وأن من ينتقده على خطأ وضلال وانحراف .
فنسأل الله أن يهيئ للدعوة السلفية رجالا أقوياء ورجالا حكماء في نفس الوقت ، فالحكمة أحيانا تقتضي اللين ، ولكل مقام مقال كما أسلفنا ." ا.هـ ([14] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn14))
وجاء عن الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في بعض مجالسه الحوارية مع بعض المناقشين في مسألة رمي السلفيين بالتشدد في الدعوة إلى الله .
قال السائل: سؤال في الدعوة يا شيخ، الرفق والسماحة ولين الجانب من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلّم
الشيخ: وهو كذلك
السائل:هل توفر الرفق واستعماله واجب في الدعوة، أم هو مستحب؟
الشيخ: هو واجب "
ثم قال السائل : السلفيون بشتى أصنافهم مشهور عنهم - وقد يكون صحيح - الشدة وقلة الرفق في نشر الدعوة، فإن كنت ترى هذا صحيحا وهذا ما أراه، فما هو تعليقك على مثل ذلك؟
الشيخ : هل أنت متأكد من هذا الذي يُقال أن السلفيين لا لين عندهم وإنما الشدة هي نبراسهم، وهي منهاجهم، هل أنت متأكد من هذا؟ وأنت فتحت لي باب هذا السؤال لأنك قلت - وقد يكون صحيحاً –
السائل:أنا قلت معذرة من قولي
الشيخ:إذن نسمع الكلام الصحيح، ما هو؟
السائل: ـ هنا كرر السائل كلامه السابق ثم قال ـ : السلفيين مشهور عنهم – فيما أراه أنا - الشدة وقلة الرفق في الدعوة، هذا رأيي أنا.
الشيخ: لا يصح لك ولا لغيرك أن تصف أولا نخرج بالنتيجة التالية: لا يجوز لك ولا لغيرك أن تصف طائفة من الناس بصفة تعممها على كلهم جميعا.
وثانيا:لا يجوز لك أن تطلق هذه الصفة على فرد من أفراد المسلمين سواء كان سلفيا أو خلفيا في حدود تعبيرنا إلا في جزئية معيّنة مادام اتفقنا أن اللين ليس هو المشروع دائما وأبدا. فنحن نجد الرسول عليه السلام قد استعمل الشدة التي لو فعلها سلفيّ اليوم لكان الناس ينكرون عليه أشد الإنكار ، مثلا:لعلك تعرف قصة أبي السنابل، تذكر هذه القصة ؟
السائل:لا لا.
الشيخ:امرأة مات زوجها وهي حامل فوضعت فكان بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضعها لولدها فيقول الحديث وهو في صحيح البخاري: أنها بعد أن وضعت تشوّفت للخطاب وتجمّلت وتكحّلت فرآها أبو السنابل وكان خطبها لنفسه فأبت عليه فقال لها:لا يحل لكِ إلا بعد أن تنقضي عدة الوفاة - كقاعدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام - وهي فيما يبدو أنها امرأة تهتم بدينها فما كان منها إلا أنها تجلببت وسارعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال لها أبو السنابل فقال عليه السلام:" كذب أبو السنابل ".
هذه شدة أم لين ؟
السائل:نعم شدة.
الشيخ:ممن ؟ من أبي اللين { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }.
إذن ليس مبدأ اللين بقاعدة مطردة كما اتفقنا آنفا وإنما ينبغي على المسلم أن يضع اللين في محله والشدة في محلها.
كذلك مثلا:كما جاء في مسند الإمام أحمد لمّا خطب عليه الصلاة والسلام خطبة قام رجل من الصحابة وقال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله قال :" أجعلتني لله ندا؟!
قل ما شاء الله وحده " ، شدة أم لين ؟
السائل:أسلوب قول النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ:يعني هذه أنا أُسمّيها حيدة، لأنك ما أجبتني كما أجبتني من قبل، لمّا قلتُ لك أبو السنابل قال في حقه:" كذب أبو السنابل " شدة أم لين ؟ هذه شدة.
السائل:هذه شدة، نعم.
الشيخ:وهذه الثانية؟
السائل:فقط بيّنَ له قال:" أجعلتني لله ندا ".
الشيخ:هذه حيدة - بارك الله فيك - أنا ما أسألك بيّنَ أم لم يُبيّن، أنا أسألك شدة أم لين؟
لماذا الآن اختلف منهجك في الجواب ؟ من قبل ما قلتَ بيّن له قال له:" كذب أبو السنابل " هو بيّن لكن هذا البيان كان بأسلوب هيّن ليّن كما اتفقنا أنه القاعدة أم كان فيه شدة؟ قلتَ بكل صراحة كان فيه شدة، والآن ما عدى عمّا بدى في السؤال الثاني؟
السائل:السؤال الثاني لم يَقُل له كاذبا قال:" أجعلتني لله ندا ".
الشيخ:الله أكبر هذا أبلغ في الإنكار - بارك الله فيك -.
قال أحد الحضور:يا شيخنا قال:" بئس الخطيب ‍أنت " في رواية مسلم.
الشيخ:نعم في قضية أخرى، تذكر هذا الحديث ؟
من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما فقد غوى قال:" بئس الخطيب أنت" شدة أم لين ؟
السائل:شدة نعم.
الشيخ:المهم - بارك الله فيك - في هناك أسلوب لين وفي هناك أسلوب شدة.
الآن بعد أن اتفقنا أنه ليس هناك قاعدة مطردة، مطردة على طول لين لين لين على طول، شدة شدة على طول
السائل:نعم.
الشيخ:إذن تارة هكذا، وتارة هكذا.
الآن حينما يُتهم السلفيون بعامة إنهم متشددون أَلا تَرى أن السلفيين بالنسبة لبقيّة الطوائف والجماعات والأحزاب هم يهتمّون بمعرفة الأحكام الشرعية وبدعوة الناس إليها أكثر من الآخرين ؟
السائل:لا شك.
الشيخ:لا شك - بارك الله فيك - إذن بسبب هذا الاهتمام الذي فاق اهتمام الآخرين من هذه الحيثية، الآخرون يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان مقرونا باللين هذا شدة بل بعضهم يقول هذا ليس زمانه اليوم بل بعضهم غلا وطغى وقال البحث في التوحيد يفرق الصفوف اليوم. فإذن - بارك الله فيك - الذي أريد أن أصل معك هو أن القضية نسبيّة يعني إنسان ليس متحمس للدعوة وخاصة للدخول في الفروع التي يسمّونها بالقشور أو أمور ثانوية فهو يعتبر البحث ولو كان مقرونا بالأسلوب الحسن يعتبره شدة في غير محلها.
لا ينبغي وأنت سلفي مثلنا أن تشيع بين الناس ولو هؤلاء الناس القليلين الآن، وتذكر أن السلفيين متشددون لأننا اتفقنا بعضهم متشدد وهذا لا يخلو حتى الصحابة فيهم اللين وفيهم المتشدد.
ولعلك تعرف قصة الأعرابي الذي همّ بأن يبول في المسجد فماذا همّ به الصحابة ؟ همّوا بضربه هذا لين أم شدة ؟
السائل:شدة.
الشيخ:شدة، لكن ماذا قال لهم الرسول ؟:" دعوه ".
فإذن قد لا يستطيع أن ينجو من الشدة إلا القليل من الناس، لكن الحق هو أن الأصل في الدعوة:أن تكون على الحكمة والموعظة الحسنة، ومن الحكمة أن تضع اللين في محله، والشدة في محلها. فأن نصف إذن خير الطوائف الإسلامية التي امتازت على كل الطوائف بحرصها على اتباع الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح بالشدة هكذا على الإطلاق ما أظن هذا من الإنصاف في شيء بل ومن الشرع في شيء أما أن يقال فيهم فمن الذي يستطيع ينكر، فما دام الصحابة فيهم من كان متشددا في غير محل الشدة فأولى وأولى في الخلف من أمثالنا - خلف بالمعنى اللغوي - أن يوجد فينا متشدد. ثم الآن نتكلم عن شخص بعينه هب إنه هيّن ليّن هل ينجو عن استعمال الشدة في غير محلها ؟
السائل:لا أبدا.
الشيخ:فإذن - بارك الله فيك - القضية مفروغ منها، وإن الأمر كذلك فما علينا غير أن نتناصح إذا رأينا إنسانا وعظ ونصح وذكّر بالشدة في غير محلها ذكّرناه فقد يكون له وجهة نظر فإن تذكر فجزاه الله خيرا، وإن كان له وجهة نظر سمعناها منه وينتهي الأمر. "
إلى أن قال أحد الحضور:يا شيخ في أحكام الجنائز قول ابن مسعود لما قال رجل:استغفروا لأخيكم. قال:لا غفر الله له.
الشيخ:مع هذه أمثلة كثيرة جدا، يذكرنا الأخ أبو عبد الله بأثر، أن رجلا من الصحابة لعله عبد الله بن مسعود أو عبد الله بن عمر.
أحد الحضور:عمر نفسه.
الشيخ:عمر نفسه ؟
أحد الحضور:عمر نفسه لمّا قال رجل:استغفروا لأخيكم. قال:لا غفر الله له.
الشيخ:ما رأيك بهذا ؟
لا شك أنك أنت أول واحد لو رأيتني أنا أقول هذه الكلمة، تقول الشيخ متشدد، لكن هنا يقوم في نفس المُنكِر الغَيرة على الشريعة فتحمله أن يقسوا في العبارة، الآخر الذي يتفرج ليس في موضع هذه الغَيرة التي ثارت في نفس هذا الإنسان فيخرج منه هذا الكلام، وهنا يقولون عندنا في سوريا:" شو هذه الشدة يا رسول الله "، هذه لهجة سوريا خطأ، لكن يخاطبوا الرسول يعني كأن هذه الشدة طالعة من الرسول وهم يعنون هذا الإنسان.
فسبحان الله يعني المسألة ينبغي أن تراعى جوانبها من كل النواحي حتى الإنسان يكون حُكمه عدلا. ثم أيضا مما يبدو لي الآن من أسباب إشاعة هذه التهمة إذا صح أنها تهمة عن السلفيين، تعرف أنت أن من كثر كلامه كثر خطؤه، فالذين يتكلمون في المسائل الشرعية هم السلفيون، ولذلك فلا بد أن يخطئوا لكثرة ما يتكلمون فيتجلى خطؤهم، ومن هذا الخطأ الشدة عند الآخرين الذين هم لا يجولون ولا يخوضون في هذه القضايا بينما لو نُظِرت هذه الشدة في عموم ما يصدر منهم من نصح على العدل وعلى الإنصاف واللين لوجدنا من مثل بعض الأمثلة التي ذكرناها عن بعض السلف وأمام الرسول عليه السلام فيها شدة، ولكن هذه الشدة لا تسوغ لنا أن ننسب هؤلاء الصحابة الذين وقعوا في هذه الشدة في جزئية معيّنة أنهم كانوا متشددين، وإنما قد يقع كما قلنا أنا وأنت وغيرك في شيء من الشدة ." ([15] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn15))
تلاحظ يا أيها القارئ الكريم من كلام الإمامين الألباني وربيع المدخلي أن إطلاق لفظة التشدد على السلفيين لا يجوز شرعا ولا يقبله العقل، وهو من الظلم لهم الذي يتنافى مع الإنصاف والتقويم الصحيح السليم من الإجحاف ، وخاصة أهل العلم منهم وفرسانه الذين عرفوا بالنصح والشفقة على المسلمين والغيرة على الدين من أمثال الشيخ ربيع المدخلي ومن كان في مقامه ومنزلته ، ممن نحسبهم أن كلامهم في الرجال لا يخرج إلا حسبة ، وذلك لما عرفوا به من الإنصاف وكثرة الصواب وندرة الخطأ بخلاف غيرهم من أهل الأهواء والجهل والظلم فهم أليق بالغلو والتشدد ، وذلك لما اتصفوا به من صفات الهوى والجهل والظلم التي ما ينشأ منها إلا الغلو والتشدد والبغي والخروج عن السنة والابتداع في الدين مما يتنزه ويتبرأ منه أهل السنة والحديث ويتنافى مع أصول دعوتهم التي تدعو إلى التمسك بأخلاق نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وإتباع هديه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (مجموع الفتاوى)(4/ 53) ناقلا كلمة الإمام ابن قتيبة :" أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ هُمْ أَهْلُ الْحَقِّ وَالْهُدَى وَأَنَّ غَيْرَهُمْ أَوْلَى بِالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ وَالْحَشْوِ وَالْبَاطِلِ."
ثم قال : " وَأَيْضًا الْمُخَالِفُونَ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ هُمْ مَظِنَّةُ فَسَادِ الْأَعْمَالِ: إمَّا عَنْ سَوْءِ عَقِيدَةٍ وَنِفَاقٍ ، وَإِمَّا عَنْ مَرَضٍ فِي الْقَلْبِ وَضَعْفِ إيمَانٍ.
فَفِيهِمْ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَاعْتِدَاءِ الْحُدُودِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْحُقُوقِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَامَّةُ شُيُوخِهِمْ يُرْمَوْنَ بِالْعَظَائِمِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِزُهْدِ وَعِبَادَةٍ فَفِي زُهْدِ بَعْضِ الْعَامَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعِبَادَتِهِ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِمَّا هُوَ فِيهِ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِلْمَ أَصْلُ الْعَمَلِ وَصِحَّةُ الْأُصُولِ تُوجِبُ صِحَّةَ الْفُرُوعِ وَالرَّجُلُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ فَسَادُ الْعَمَلِ إلَّا لِشَيْئَيْنِ: إمَّا الْحَاجَةُ؛ وَإِمَّا الْجَهْلُ " ا.هـ
وقال أيضا في (مجموع الفتاوى)(4/ 92 ـ 95) : " وَمِنْ الْمُسْتَقَرِّ فِي أَذْهَانِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ وَرَثَةَ الرُّسُلِ وَخُلَفَاءَ الْأَنْبِيَاءِ هُمْ الَّذِينَ قَامُوا بِالدِّينِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَدَعْوَةً إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَهَؤُلَاءِ أَتْبَاعُ الرَّسُولِ حَقًّا وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الطَّائِفَةِ الطَّيِّبَةِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي زَكَتْ فَقَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ فَزَكَتْ فِي نَفْسِهَا وزكى النَّاسُ بِهَا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْبَصِيرَةِ فِي الدِّينِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الدَّعْوَةِ وَلِذَلِكَ كَانُوا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} فَالْأَيْدِي الْقُوَّةُ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْأَبْصَارُ الْبَصَائِرُ فِي دِينِ اللَّهِ فَبِالْبَصَائِرِ يُدْرَكُ الْحَقُّ وَيُعْرَفُ وَبِالْقُوَّةِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَبْلِيغِهِ وَتَنْفِيذِهِ وَالدَّعْوَةِ إلَيْهِ. فَهَذِهِ الطَّبَقَةُ كَانَ لَهَا قُوَّةُ الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْبَصَرِ وَالتَّأْوِيلِ؛ فَفَجَّرَتْ مِنْ النُّصُوصِ أَنْهَارَ الْعُلُومِ وَاسْتَنْبَطَتْ مِنْهَا كُنُوزَهَا وَرُزِقَتْ فِيهَا فَهْمًا خَاصًّا ... وَهَكَذَا وَرَثَتُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ: اعْتَمَدُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اسْتِنْبَاطِ النُّصُوصِ لَا عَلَى خَيَالٍ فَلْسَفِيٍّ وَلَا رَأْيٍ قِيَاسِيٍّ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآرَاءِ الْمُبْتَدَعَاتِ. لَا جَرَمَ كَانَتْ الدَّائِرَةُ وَالثَّنَاءُ الصِّدْقُ وَالْجَزَاءُ الْعَاجِلُ وَالْآجِلُ: لِوَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ التَّابِعِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَإِنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} .
وَبِكُلِّ حَالٍ: فَهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ وَسِيرَتِهِ وَمَقَاصِدِهِ وَأَحْوَالِهِ. " ا.هـ
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ في (السير)(9/ 129) : " وَنَحْنُ لاَ نَدَّعِي العِصْمَةَ فِي أَئِمَّةِ الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ لَكِنْ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً وَأَنْدَرُهُمْ خَطَأً وَأَشَدُّهُم إِنصَافاً وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ التَّحَامُلِ. "
فبهذا النقل والتقرير ننزه أهل السنة وخاصة منهم أئمة الحديث والجرح والتعديل من ذلك التحامل الجائر الذي ألصق بهم ، فهم أبعد وأنزه من الغلو والتشدد الذي ينافي أصل دعوتهم والميراث النبوي الذي هم عليه ، كما نبه على ذلك الإمام الألباني في قوله التالي :" الآن حينما يُتهم السلفيون بعامة إنهم متشددون أَلا تَرى أن السلفيين بالنسبة لبقيّة الطوائف والجماعات والأحزاب هم يهتمّون بمعرفة الأحكام الشرعية وبدعوة الناس إليها أكثر من الآخرين ؟".
فالغلو لا يصدر إلا من لم يحم حول العلم الموروث وابتعد عن السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(4/ 129) : " فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ فَهُوَ ظَالِمٌ بِحَسَبِ ذَلِكَ. وَالْمُبْتَدِعُ ظَالِمٌ بِقَدْرِ مَا خَالَفَ مِنْ سُنَّتِهِ " ا.هـ
قال العلامة ربيع المدخلي : " نحن عندنا البيان يصفون من يقوم بهذا البيان بالشدة ، كما وصفوا أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن عبدالوهاب وصفوهم بالشدة لأنهم ما عندهم أسلحة يفقدون الأسلحة في مواجهة أهل السنة فيقولون شديدين أين الشدة ؟
الشدة فيهم هم ، الشدة للباطل ومن أجل الباطل وفي حرب أهل السنة ، الشدة فهم هم ، اقرأ كتبهم واسمع أشرطتهم وخذ مواقفهم وسترى كيف يشتدون من أجل باطلهم ، وكيف يسبون وكيف يكذبون وكيف يفترون وكيف يكيدون وكيف .. وكيف .. إلخ ، فرمتني بدائها وانسلت .
كان أهل البدع يسبون ويشتمون بالباطل أهل السنة والجماعة فما ارتفعت الأصوات بوصفهم بالشدة ، كتب الغزالي والمودودي وأمثالهم مليئة بالسب والشتم والسخرية والاستهزاء والتشدد والتنطع وما أحد يقول هؤلاء عندهم شدة !
فلما انبرى بعض أهل السنة يدافع عن الحق ، قالوا شديدين ، والآن يصانع هؤلاء ، لأنهم ما وجدوا شيئا يقاومون به أهل الحق فيرجعون إلى مثل هذه الأساليب ." ا.هـ
الخامس : إن تقسيم وتصنيف الدعاة والرواة إلى متساهل ومعتدل ومتشدد هذا من شأن أئمة الجرح والتعديل الذين شهد لهم أهل العلم زمانهم بالرسوخ والتقوى والإتقان لهذه الصنعة التي تحتاج من أهلها الورع التام والخبرة الكاملة بالرجال وأقوالهم والبراءة من الهوى والميل
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ في (الموقظة)(ص82) : " والكلامُ في الرُّواة يَحتاجُ إلى وَرَعٍ تامّ، وبَراءةٍ مِن الهوى والمَيْل، وخِبرةٍ كاملةٍ بالحديثِ، وعِلَلِه، ورجالِه."ا.هـ
وقال في (ميزان الاعتدال)(3/ 46) : "والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع"
وقال الإمام مقبل الوادعي في (غارة الأشرطة)(2/271) :" فلابد أن تتوفر في من يريد أن يتكلم في العلماء المعاصرين ، أن تتوفر فيه الشروط التي توفرت في العلماء المتقدمين : أن يكون لديه خوف ومراقبة لله عز وجل ، وأن يعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، وأنه مسئول عن كلامه ، ثم ينزل الناس منازلهم ، فلا يجرح الشخص بما لا يستحقه ولكن بحسب ما يستحقه من الجرح "ا.هـ
وعليه فإن الذين صنفوا الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ومن نهض بنهوضه من علماء السنة في الدفاع عن الشريعة وكشف خطط أعدائها إلى التشدد ، ليسوا أهلا لتقسيم وتصنيف علماء الأمة إلى ما يشاءون ويهوون ، لما هم عليه من الهوى والحزبية والجهل بالشريعة ، بل إن عامة من يخوض في هذه المسألة الكبيرة والوظيفة الخطيرة ويطعن في علماء الأمة من أمثال العلامة محمد أمان الجامي وأحمد بن يحيى النجمي ومقبل الوادعي ـ رحمهم الله ـ وربيع المدخلي وعبيدالجابري ومحمد بن هادي المدخلي ـ حفظهم الله ـ هم الأحداث والأصاغر الذين هم منشأ الفتنة والابتداع في الدين .
قال العلامة الشاطبي في (الاعتصام)(1/ 192) : " أَنَّ كُلَّ رَاسِخٍ لَا يَبْتَدِعُ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِابْتِدَاعُ مِمَّنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي ابْتَدَعَ فِيهِ ... فَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاسُ مِنْ قِبَلِ جُهَّالِهِمُ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَاجْتِهَادُ مَنِ اجْتَهَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِذْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْعُمُومِيَّةِ "ا.هـ
ومن كان كذلك فلا عبرة بكلامه وتقسيمه ، وللشيخ المفضال الدكتور عبدالله البخاري ـ حفظه الله ورعاه ـ كلمة قيمة قوية يكشف بها بطلان هذا التقسيم المبتدع ويذب فيها عن علماء الأمة .
قال ـ حفظه الله ـ : " يا أخوتاه، الله جل وعلا يقول في كتاب: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، والإنسان يجب أن يتقي الله جل وعلا فيما يتلفظ به .
لفظ (متشدد) ، هذه المسألة وهذه الكلمة وهذه الفرية، قد أجبت عنها في أحد الدروس في درسنا على (النخبة) من سبعة أوجه، وبينت انحراف هذه الكلمة عن السنة والجادة.
هذه الكلمة -بارك الله فيكم- ما المراد منها؟
الذي يقول هذه الكلمة ماذا أراد؟
هل أراد نصرة الحق بها؟ لو قلت لهذا الشخص: هل أنت تريد نصرة الحق؟
لو قال لك: نعم، تضرب بين عينيه تقول له: كذبت! ما هكذا ينصر الحق أصلا؛ لأن هذه الكلمة لها مدلول .
أولاً: من أين لك هذا التقسيم؟ هذا متشدد ، والآخرون ماذا؟
إما أن نقول: متساهلون، أو أن نقول كما يقول بعضهم: متعقلون أو معتدلون في ظنهم، وهذه قسمة ضيزى؛ فعلى أي أساس حكمت بأن فلانا متشدد وفلانا غير متشدد .
وهذا السؤال الثاني: من أنبأك هذا؟
لا تقل لي: السلف كان عند أهل الجرح والتعديل أن العلماء منهم متشدد، ومنهم المعتدل، ومنهم المتساهل، فلست أنت على طريقة أهل الحديث في هذا التقسيم أصلا؛ لأن هذه الكلمة -كما قلت- لها مدلول عند أهل الحديث، هل عندما يقولون: فلان متشدد يريدون تنفير الناس منه وتحذيرهم عنهم؟
هل يريدون هذا لما قالوا في شعبة أمير المؤمنين: هذا متشدد، هل أرادوا التنفير عنه وعدم حكاية قوله وعدم الأخذ عنه والتلقي عنه؟
ما أرادوا هذا ! بل إذا وثق رجلا عض عليه بناجذيك، وما زال العلماء يحملون عنه ويطلبون العلم عنده، لكن هؤلاء عندما يطلقون هذه اللفظة ماذا يريدون؟
التنفير والتحذير، بل يجعلون الطلبة المساكين يتعاملون مع هؤلاء الأشياخ -كما يقال- بالفصل الشعوري، يجلس عند الشيخ ليأخذ ويتعلم ويدرس، وفي المقابل هو في نفسه حاجز لا يقبل منه ما يتعلق بمسائل غير الدرس، فصلوه شعوريا حزبية جديدة مغلفة .
قالوا قديما في مشايخ أهل السنة: عملاء، فما استجابت الناس .
قالوا: مداهنين، يداهنون الحكام، فما استجابت الناس .
قالوا: جواسيس، قالوا...، قالوا...، قالوا...، ما مشت، وما زال أهل السنة وطلاب الحق يتواردون على أهل العلم، فجاءت هذه الفرية الجديدة المغلفة بغلاف أهل الحديث و والله لم تدخل من نافذة أهل الحديث فضلا عن بابهم، وقائلها لا يعرف أصول أهل الحديث؛ لأن هذا القول -التقسيم الثلاثي- كله يدور تحت دائرة (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)، أما هؤلاء يعطلون الناس عن الأخذ وعن التلقي، وهي سبة مغلفة لهؤلاء الأشياخ .
ولو سألت: على أي أساس حكمت بأن فلانا متشدد؟ ما استطاع أن يجيب .
ولو قلت: في أي باب تشدد؟ في الكلام على الناس؟
طيب تعال: كلامه على الناس قائم بعلم وعدل أم بجهل وهوى؟
إن كان بعلم وعدل فهل أصاب أو لم يصب؟
فإن أصاب فأين التشدد؟
وإن أخطأ فكم الذين أخطأ فيهم؟
إذا قلنا: تكلم في عشرين، وأصاب في خمسة عشر، واختلف معه في اثنين، وأخطأ في ثلاثة، هل يكون متشددا؟ من أين هذه المقاييس؟
ولذلك إذا جئت إلى قائل هذا القول بالقلم والورق وقلت: سمّ لنا وجه التشدد، ومن الذين تشدد فيهم، ما استطاع أن يجيبك أبدا .
فيا أخوتاه، احترزوا ممن يقسم هذا التقسيم، ويضرب من طرف خفي بحجة الحفاظ على ساحة الدعوة، الدعوة مصانة ومحفوظة بحفظ الله جل وعز لها {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، والسنة محفوظة، فمن اعتصم بالكتاب والسنة وفهم السلف فهو مهدي، قال الله جل وعلا:{ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، وقال جل وعلا: {وإن تطيعوه تهتدوا} .
فاحذروا يا أخوتاه من مثل هذه الكلمات، فالحفاظ على الدعوة مطلوب لكنها محفوظة، ودخلوا من مثل هذه الألفاظ، قالوا: متشدد ، فلما سقط في أيديهم قالوا: عنده غلو .
الغلو في الطرفين؛ فكما أن هناك من الغلو ، غلوا في باب الإفراط، فهناك غلو في باب التفريط .
1 ـ قد مرت فرق تنتسب إلى السنة في وقت مضى من الغلاة، وهم -كما يقال- فرقة قديمة حديثة، وقديمة متجددة، صارت تنحل نحلة الغلو -والعياذ بالله-، وتخرج عن السنة بجميع المقاييس مقاييس علماء أهل السنة؛ يتركون الصلاة على جنائز المسلمين الموتى بحجة أننا لا ندري الذي مات على السنة من الذي مات على البدعة، إلى غير ذلك من الأصول الفاسدة التي بنوا عليها مسلكهم وفرقتهم الفاسدة، فهذا غلو في جانب الإفراط .
2 ـ وجاءتنا فرقة أخرى عندها غلو في جانب التفريطـ، إذابة لثوابت أهل السنة في معاملة أهل الأهواء والبدع وغير ذلك، وارتماء لأحضان المخالفين وخروج عن السنة .
وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، أسعد الناس بالحق أهل السنة والجماعة بحق وصدق، من التزم هدي السلف ولزمه بعلم وعدل. ومن الأشياء العجيبة في هذا أن كثيرا ممن يتكلم في هذا الباب لا يحسن معرفة الصحيح من السقيم من ذلك، وأورد الناس الموارد، وشوش عليهم ولبس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله حسيبه. )) ا.هـ ([16] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn16))
السادس : قبل أن أطوي صفحة وهاء هذه الشبهة الكاسدة والثرثرة الفاسدة ، نعترف بشيء طالما اعترف به أئمتنا النبلاء ، ونحن أحق بالاعتراف منهم بهذه الحقيقة لما قدموه ما لم نطق عليه وعجزنا على القيام به ، وألا وهي أننا مقصرون في نشر السنة والدفاع عنها وعن أئمتها ومواجهة خصومها من أهل البدع وغيرهم ، فكيف يليق والحالة هذه أن يطلق علينا المتشددون ، ونحن لم نخرج من دائرة التساهل والتقصير والله المستعان !!!
سئل العلامة مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ : يقال عن الشيخ ناصر أنه متساهل وعن الشيخ مقبل أنه متشدد ما مدى صحة القولين ؟
فكان من جوابه : " أما أنا فلا أوصف بالتشدد ولا بالتساهل ومن أنا ؟
ولقد أحسن من قال :
يقولون هذا عندنا غير جائز ... فمن أنتمو حتى يكون لكم عند " ا.هـ ([17] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn17))
وسئل ـ رحمه الله ـ : البعض يتهم أهل السنة بالتشدد فبماذا ترد عليهم ؟
فأجاب : الواقع أننا أعرف بأنفسنا من غيرنا ، وأن الذي يتهمنا بأننا مقصرون متساهلون أشهد الله أنه هو الصادق ، وإلا نحن نحب أن نكون وسطا لا مقصرين ولا متشددين ، وأنا أنصح الأخ أن يقرأ كتاب ( قراع الأسنة في نفي الغلو والتطرف والشذوذ عن أهل السنة ) حتى يعرف ، فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأين الإيثار عندنا ، وأين الحرص على التعليم ؟
فنحن مقصرون ، فنسأل الله أن يغفر لنا وأن يتوب علينا .
لكن المبتدعة متناقضون في شأن أهل السنة ، فتارة يقولون : متشددون ، وتارة يقولون : جالسون في مسجدهم ، حدثنا ، وأخبرنا ، وتاركون الدعوة إلى الله وتاركون الجهاد في سبيل الله ، فالمبتدعة متناقضون في شأن أهل السنة "([18] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn18))
وسئل ـ رحمه الله ـ : بماذا تردون على الذين يقولون : إن الشيخ وطلبته متشددون ، وأنهم مقلدون له ، علما بأنه ينكر على الحزبية فقد جعل لنفسه بدون شعور حزبا يتكلمون بقوله في كل صغيرة وكبيرة ؟
فأجاب : أما هذا الكلام فأظنه صادر عن أصحاب جمعية الحكمة ، فالإخوان الذين هم طلبة علم
ها هنا وأنا واحد منهم ، يا ليتنا نكون وسطا .
فالذي يقول : نحن متشددون فهو ما عرف الإسلام ، فأي حرام أحللناه ، وأي حلال حرمناه ، وأي مندوب رفعناه إلى حد الوجوب ، بل الواقع أننا متساهلون ، ولسنا بمتشددين ، يا ليتنا نكون وسطا وللأخ عبدالعزيز البرعي ـ حفظه الله تعالى ـ رسالة بعنوان (قراع الأسنة في نفي التطرف والغلو والشذوذ عن أهل السنة) مطبوعة ننصح بقراءتها .
فنحن إذا قلنا : إن حلق اللحية محرم مستدلين بحديث : ( احفوا الشوارب واعفوا اللحى )
وإذا قلنا : إننا نكره القات كراهية شديدة
وإذا قلنا : إننا نكره الدخان كراهية شديدة
وإذا قلنا : نكره التمثيليات كراهة شديدة
وإذا قلنا : إننا نرى أن التصوير محرم
وإذا قلنا : إننا نرى هذه الحزبيات فرقت وشتت شمل المسلمين ، أيكون هذا تشددا ؟
أم لا يكون تشددا ؟
أما كون الإخوان ينقلون عني أنني قلت : فلان حزبي ، فهذا أمر سبقهم إليه العلماء ، فيحيى بن معين له تلاميذ ينقلون عنه بأنه ضعيف فلانا ووثق فلانا .
ويحيى بن سعيد القطان له تلاميذ ينقلون عنه أنه وثق فلانا وضعف فلانا .
وعلي بن المديني له تلاميذ ينقلون عنه بأنه وثق فلانا وضعف فلانا ، والبخاري له تلاميذ ، وأبوحاتم ، وأبوزرعة ، وهكذا غيرهم ، حتى إنها ما بقيت كتب وآراء إلا الذين لهم تلاميذ ينشرون ما عندهم من الخير ، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم :{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }.
قد ضيقتم علينا أنتم والإخوان المفلسون في الأشرطة وضيق علينا من ضيق في شأن الكتب فلم يبق إلا التلاميذ جزاهم الله خيرا ، نشروا السنة ونشروا الخير الكثير ...
أما التقليد فلا يوجد عندنا وهذه فرية بلا مرية "ا.هـ ([19] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn19))
وقال العلامة ربيع المدخلي :" إذا رجعنا إلى أحمد بن حنبل وإخوانه نجد الفرق الكبير بيننا وبينهم ، نحن نضعف عن تطبيق المنهج الذي كانوا يسيرون عليه ـ رضي الله عنهم ورحمهم ـ لكن نحن في زمان اشتد فيه الضعف والانحطاط ومحاربة هذه الأحكام ولو كانت صوابا .
وكم أبطلوا من الأحكام على المستحقين أن يحكم عليهم بالبدع والضلال المبتدعين الذين عندهم كفريات لا بدع ، إذا قلت فيه : مبتدع قامت الدنيا وقعت ، وهذا دليل على غربة الإسلام وغربة سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام "([20] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=141716#_ftn20))
وفي الأخير نسأل الله تعالى التوفيق والإعانة على تطبيق السنة ونشرها والذب عنها وعن أهلها والحمد لله رب العالمين

كتبه : بشير بن عبدالقادر بن سلة


([1]) ( الصوارف عن الحق)(ص 76)

([2]) (دعائم منهاج النبوة)(ص354) للشيخ الفاضل أبي عبدالله رسلان

([3]) (معالم التنزيل في تفسير القرآن)(1/ 724)

([4]) (تفسير القرآن العظيم)(2/ 477)

([5]) ( تيسير الكريم الرحمن)(ص143)

([6]) (تفسير القرآن العظيم)(2/ 103)

([7]) (تيسير الكريم الرحمن)(ص70)

([8]) كلمة بعنوان( نماذج من صبر الشيخ ربيع على علي الحلبي بشهادة الشيخ محمد بازمول ) الناشر : أنصار الدعوة السلفية بمدينة تبسة الأثرية

([9]) بل هذه اللفظة قد استعملها و أطلقها أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والملاحدة والزنادقة والعلمانيين على المسلمين وطعنوا بها في أحكام الإسلام الحكيمة العادلة التي وصفها الله تعالى بقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}[الأنعام: 115]، وأنها رحمة للعالمين لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107] .
واستعملها أهل البدع في أطعنهم في أئمة السنة وأهلها .
سئل العلامة الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ : شاع في المجتمع الآن أن من يأمر بالالتزام بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كتوفير اللحى وترك الإسبال أن هذا متنطع ومتزمت كما يزعمون ، فهل من كلمة حول هذا الموضوع ، أثابكم الله ؟
فأجاب : " بسم الله الرحمن الرحيم ، على كل حال ، الأمور الشرعية والضوابط ليس مرجعها إلى اختلاف الناس وذوق الناس وإنما مرجعها إلى الكتاب والسنة ، فالغلو والتشدد والتطرف كما يقولون هذه يُرجع إلى ضوابطها في الكتاب والسنة ، الكتاب والسنة فيهما أن الغلو والتشدد والتزمت هو الزيادة عن المشروع ،
أما الالتزام بالمشروع وتطبيق السنة هذا ليس تشدداً بل هذا اعتدال ، فترك الإسبال وإكرام اللحية وإرسالها وعدم حلقها هذا عمل بالسنة هذا اعتدال وليس تشدداً ، أما حلقها والإسبال هذا ترك للسنة هذا تفريط ، ونحن قلنا إن الدين بين الإفراط والتفريط ، فترك الأوامر هذا تفريط والزيادة على الأوامر هذا إفراط ، فمثلاً التزمت والتشدد والغلو والتطرف هذا هو الزيادة عن المشروع والزيادة على الأوامر ، كما أن ترك الأوامر هذا تفريط وإهمال وفسوق أو كفر أحياناً ، أما الالتزام بأوامر الله وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتطبيق السنة فهذا هو الاعتدال والحمد لله .نعم ." ( الموقع الرسمي لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان )
وسئل العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي: هنالك من يتهم الدعوة السلفية في زماننا هذا بالشدة ، وأنه ينبغي على الدعاة اللين مع أهل البدع ، فهل هذا الكلام صحيح ، وكيف يكون الرد عليهم ؟
علماً بأن الزمان غير الزمان والرجال غير الرجال ، جزاك الله خير .
فأجاب : هذا الأسلوب – رمي السلفيين بالشدة – ما هو بالأمر الجديد ، إنما هو قديم ، فمن زمان أحمد بن حنبل ومن قبله ومن بعده إلى يومنا هذا ، لا يستطيع أهل الباطل أن يقاوموا أهل الحق ، إلا بالتشويه ، والتشويهات كثيرة ، ليست الشدة فقط ، التشويهات كثيرة ، وما رميهم بالشدة إلا من خواطر كثيرة .
طبعاً سيرمونهم بأنهم خوارج ، ويرمونهم بأنهم مجسمة ، وأنهم مشبهة ، وكل فريق يرميهم بما يناقض عقيدته الفاسدة ، فالجهمية يسمونهم مشبهه ومجسمه لأنهم يثبتون صفات الله تعالى الواردة في كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم - يثبتونها على الوجه اللائق لله تبارك وتعالى ، والخوارج والمعتزلة يرمونهم بأنهم مرجئة ، والروافض يرمونهم بأنهم نواصب لأنهم ما يغلون غلوهم في آل البيت ، وهكذا .
يعنى يا أخي الحبيب يرمونهم بالشدة وبالعمالة ، وبالجاسوسية ، وبأنهم علماء حيض ونفاس ، إلى آخر الخبائث الخبيثة التي يوجهها دعاة الشر ودعاة الباطل والضلال ، فما على السلفيين إلا أن يمضوا في تبيين دعوتهم إلى الله على بصيرة ، وفي نفس الوقت عليهم أن يتحلوا بالأخلاق العالية من الصبر والحلم والحكمة ، وسائر الصفات الطيبة النبيلة التي تتواءم مع هذه الدعوة العظيمة ، ومع ذلك فليوطنوا أنفسهم على الصبر على ما يقال فيهم وليجعلوا من الأنبياء ومن سلفهم من أئمة العلم والهدى أن يجعلوا منهم أُسوة .
والقرآن ذكر لنا عن أعداء الأنبياء ، أنهم رموهم بالكذب ، ورموهم بالسحر ، ورموهم بالكهانة ، ورموهم بالجنون ، رموهم بأشياء كثيرة ، فعلى الداعي إلى الله المخلص لله عز وجل أن يجعل لنفسه من هؤلاء الأنبياء ومن سلك نهجهم من أئمة الإسلام يجعل منهم أُسوة ، إذا كان أولئك على علو منازلهم ومكانتهم العظيمة ، لم يسلموا من هذه الاتهامات وهذه الطعون ، فكيف نسلم نحن الضعفاء المساكين ؟!!
والأجر على قدر النصب ، ( وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) ، ( وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم ) ، { وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} بدون سبب ، بيده سبحانه وتعالى ، ولكن أراد أن يبتلي الناس بعضهم ببعض ، فمن نجح بهذا الابتلاء وهذا الامتحان رفع الله درجته وأكرمه الله في الدنيا والآخرة .
وقد يفشل كثيرٌ من الناس ، وتخور قواهم ، فيستسلم ، إما أن يسكن فيخلد إلى الأرض ، وإما أن ينحرف كما يحصل لكثير من الناس ، فهؤلاء فاشلون تجاه هذا الابتلاء ، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجنبنا وإياكم أسباب الفشل وأسباب الهزيمة ، فإنها والله معركة بين الحق والباطل ، أشد واللــه من المعارك العسكرية ، فالحرب النفسية التي تشن في هذا العصر على دعاة السلفية لا نظير لها .
لأنه تعددت وسائل الإعلام ، واتسعت دائرتها في مشارق الأرض ومغاربها ، ووجد من شياطين الإنس في هذا العصر ، ما أظن أن يوجد نظيرهم في وضع الخطط في محاربة المنهج السلفي وأهله ، ما أظن سبق مثله - يعني - إلى قرونٍ موغلة في القدم - كما يقال - لأن هناك تفنن الآن في المكايد وفي الخطط والكذب والإشاعات وفيما يقال بما يسمى الإعلام الخبيث ." (شبكة الإمام الآجري السلفية)

([10]) ضعيف ، انظر إلى (السلسلة الضعيفة)(5/ 55)

([11]) (السير)( 9 / 267)

([12]) (السير)( 11 / 12)

([13]) انظر إلى (سير أعلام النبلاء )(3/ 154) ، و(تاريخ دمشق )(59/ 187 ـ 188)

([14]) ( فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي)(1/ 236 ـ 240)

([15]) ( سلسلة الهدى والنور )( الشريط رقم: 595 ) باختصار في المادة

([16]) ( منتديات البيضاء العلمية) بتصرف يسير

([17]) (إجابة السائل على أهم المسائل)(567)

([18]) (قمع المعاند)(ص 326 ـ 327)

([19]) (قمع المعاند)(ص 344 ـ 346)

([20]) (فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي)(1 / 174)

أبو هنيدة ياسين الطارفي
01-Jan-2014, 12:05 PM
بارك الله فيك وأعانك أخي الفاضل أبوأنس بشير وجعلــها في ميزان حسناتك ...اللهم آمين .

عبدالله بن العيد عدونة
01-Jan-2014, 05:19 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل

وأعانك الله على فضح هؤلاء المميعة المخذلة ـ أخزاهم الله ـ .

أبو أنس بشير بن سلة الأثري
05-Jan-2014, 08:54 PM
بارك الله في الأخوين الكريمين
ياسين
وعبدالله بن العيد