المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب الطمأنينة في الصلاة / للعلامة عبد الله البسام رحمه الله



أم عمير السنية السلفية
12-Mar-2014, 07:52 PM
بَابُ وجُوب الطّمَأنينة
في الركوع والسجود

العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمه الله تعالى
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام



عَنْ أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " ارْجع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ".
فَرَجَعَ فَصَلى كَمَا صَلَّى، ثُم جَاءَ فَسَلمَ عَلى النَبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" ارْجعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَل" ثلاثاً.
فقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيره فَعَلِّمْني.
فقال: "إِذا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ، فَكَبِّرْ، ثم اقْرأ مَا تَيَسَّر مَعَكَ مِنَ الْقرْآنِ ثم اركعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثمَّ ارفَعْ حَتَى تَعْتدِلَ قَائِماً، ثمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجداً، ثم ارْفعْ حَتَى تَطْمَئِنَّ جَالِساً. وَافْعَلْ ذلِكَ في صَلاتِكَ كُلِّهَاَ.

المعنى الإجمالي:

هذا حديث جليل يسميه العلماء "حديث المسيء في صلاته" وهو عمدتهم فيما يجب في الصلاة وما لا يجب، حيث جاء من النبي صلى الله عليه وسلم موضع الاستقصاء في التعليم والتبييِن لأعمال الصلاة، التي يجب الإتيان بها ويعتبر ما ترك في هذا الحديث من فعلها غير واجب كما سنوضحه فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
ومجمل هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل من الصحابة، اسمه ( خَلاّد بن رافع)، فصلى صلاة غير تامة الأفعال والأقوال.
فلما فرغ من صلاته، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم عليه فرد عليه السلام[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1) ثم قال له: ارجع فَصَلِّ، فإنك لم تصل.
فرجع وعمل في صلاته الثانية كما عمل في صلاته الأولى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تصل ثلاث مرات.
فأقسم الرجل بقوله: و الذي بعثك بالحق، ما أحسن غير ما فعلت فعَلِّمني
فعندما اشتاق إلى العلم، وتاقت نفسه إليه، وتهيأ لقبوله بعد طول الترديد قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه.
إذا قمت إلى الصلاة فكبر تكبيرة الإحرام، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، بعد قراءة سورة الفاتحة[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2) ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع من الركوع حتى تعتدل قائما، وتطمئن في اعتدالك[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3) ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع من السجود واجلس حتى تطمئن جالساً.
وافعل هذه الأفعال والأقوال في صلاتك كلها، ماعدا تكبيرة الإحرام، فإنها في الركعة الأولى دون غيرها من الركعات.

في الحديث ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: في خلاف العلماء.
فقد ذهبت الحنفية إلى صحة الصلاة بقراءة أي شيء من القرآن، حتى من قادر على الفاتحة مستدلين بقوله تعالى: (فَاقرأوا مَا تَيَسَّر مِنْهُ) وبإحدى روايات هذا الحديث "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن".
وذهب الجمهور إلى عدم صحة الصلاة بدون الفاتحة لمن يحسن قراءتها. مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاَةَ لِمَنْ لَم يَقرأْ بِفاِتحَة الكِتَاب" متفق عليه. فالتقدير: لا صلاة توجد، وعدم وجودها شرعا هو عدم صحتها وهذا هو الأصل في مثل هذا النفي.
وأدلة عدم صحة الصلاة بدونها كثيرة.
وأجابوا عن الآية بأنها جاءت لبيان القرآن في قيام الليل، يعني: اقرأوا ما تيسر من القرآن بعد قراءة الفاتحة بلا مشقة عليكم.
وأجابوا عن الحديث، بأن هذه الرواية مجملة تفسرها الروايات الأخرى عند أبي داود وابن حبان "ثم اقرَأ بِأم القُرآن وبِمَا شَاءَ الله". وقد سكت عنه أبو داود. وما سكت عنه فإنه لا قدح فيه.
ولابن حبان في حديثه "واقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت". قال ابن الهمام:" الأولى الحكم بأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته ذلك كله.
ثم إن بعض العلماء يرى وجوب الفاتحة في الركعة الأولى دون غيرها
والجمهور يرى وجوبها في كل ركعة، ويدل له قوله: "ثم افْعَلْ ذلِكَ في صَلاَتِكَ كُلهَا". قال الحافظ ابن حجر: وحديث أبي قتادة في البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة مع قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" دليل الوجوب.
ثم اختلفوا في وجوب الطمأنينة في الاعتدال من الركوع والسجود.
فذهب الحنفية إلى علم وجوبها.
وذهب الجمهور إلى وجوبها، وحجتهم هذا الحديث الصحيح الصريح، وحديث البراء بن عازب أنه "رَمَقَ صَلاةَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ قيامَهُ، فَرَكعَتَهُ، فَاعتِدَالَهُ بَعدَ رُكُوعِهِ، فسجدتهُ، فَجَلْسَتهُ مَا بينَ التسلِيم وَالانْصِرَافِ، قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ " متفق عليه.
وتقدم الكلام عليه- وثبت أنه يقف في اعتداله بعد الركوع حتى يظن أنه قد نَسِىَ لإطالته- والأدلة على ذلك كثرة.
وليس لدى الحنفية، دليل على ما ذهبوا إليه، و لا جواب صحيح على أدلة الجمهور الصحيحة الصريحة.

المبحث الثاني: في كيفية الاستدلال بهذا الحديث على الواجبات في الصلاة وغير الواجبات.
قال في سبل السلام: واعلم أن هذا حديث جليل، تكرر من العلماء الاستدلال به على وجوب كل ما ذكر فيه، وعدم وجوب كل ما لم يذكر فيه.
أما الاستدلال على أن كل ما ذكر فيه واجب، فلأنه ساقه صلى الله عليه وسلم بلفظ الأمر بعد قوله: "لن تتم الصلاة إلا بما ذكر فيه". فيقوى مرتبة الحصر أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من عمل هذا المصلى، وما لم تتعلق به إساءته من واجبات الصلاة. وهذا يدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت فيه الإساءة فقط ولم يحدد موضع الإساءة من صلاة هذا الرجل. ولكنه عند أبي داود و الترمذي والنسائي "أنه أخف صلاته" وأئمة الحديث يجعلون هذا الحديث في باب وجوب الطمأنينة فلعل الإساءة راجعة إلى أن هذا الرجل نقر الصلاة فأخف أعمالها وأقوالها.
وأما الاستدلال على أن كل ما لم يذكر فيه لا يجب، فلأن المقام مقام تعليم الواجبات في الصلاة.
فلو ترك ذكر بعض ما يجب لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز بالإجماع، فإذا أحصيت ألفاظ الحديث الصحيح، أخذ منها بالزائد.
ثم إن عارض الوجوب الدالة عليه ألفاظ هذا الحديث أو عدم الوجوب دليل أقوى منه عمل به. فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكورا في هذا الحديث فإننا نتمسك بوجوبه. وكل موضع اختلفوا في وجوبه ولم يكن مذكوراً في هذا الحديث فإنا نتمسك بعدم وجوبه، استنادا إلى هذا الحديث لأنه موضع تعليم.
وإن جاءت صيغة أمر بشيء لم يذكر في هذا الحديث، احتمل أن يكون هذا الحديث قرينة على حمل الصيغة على الندب، واحتمل البقاء على الظاهر، فيحتاج إلى مرجح، للعمل به.

المبحث الثالث: في الأحكام المأخوذة من هذا الحديث.
1- الأعمال المذكورة في هذا الحديث هي أركان الصلاة، التي لا تسقط سهواً ولا جهلاً.
وهي تكبيرة الإحرام في المرة الأولى فقط، ثم قراءة الفاتحة في كل ركعة، ثم الركوع والاعتدال منه، ثم السجود والاعتدال منه، والطمأنينة في كل هذه الأفعال حتى في الرفع من الركوع والسجود، خلافا لمن لم يوجبوها في هذين الركنين مع استحبابهما عندهم.
وبقي شيء من الأركان، كالتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليم
قال النووي: إنها معلومة لدى السائل
2- أن يفعل ذلك في كل ركعة، ماعدا تكبيرة الإحرام، ففي الأولى دون غيرها.
3- دل هذا الحدث على عدم وجوب ما لم يذكر فيه من أعمال الصلاة. لكن بعد الاطلاع على طرقه، والإحاطة بجميع ألفاظه، ليعلم المذكور كله فيؤخذ به.
4- وفيه دليل على وجوب الترتيب بين هذه الأعمال، لأنه ورد بلفظ " ثم " ولأنه مقام تعليم جاهل بالأحكام.
5- أن هذه الأركان للصلاة، لا تسقط لا سهواً ولا جهلاً، بدليل أمر المصلى بالإعادة، ولم يكتف النبي عليه الصلاة والسلام بتعليمه.
6- يدل هذا الحديث على عدم صحة صلاة المسيء، فلولا ذلك لم يؤمر بإعادتها.
7- يدل على أن الجاهل تجزىء منه الصلاة الناقصة، أما العالم فلا.
8- فيه دليل على مشروعية حسن التعليم والأمر بالمعروف، وأن يكون ذلك بطريق سهلة، لا عنف فيها، وأن الأحسن للمعلم أن يستعمل طريق التشويق في العلم، ليكون أبلغ في التعليم، وأبقى في الذهن.
9- وأنه يستحب للمسئول أن يزيد في الجراب إذا اقتضت المصلحة ذلك كأن تكون قرينة الحال تدل على جهل السائل ببعض الأحكام التي يحتاجها.
10- أن الاستفتاح، والتعوذ، ورفع اليدين، وجعلهما على الصدر، وهيئات الركوع والسجود والجلوس وغير ذلك كلها مستحبة.
11- وفيه أن المعلم يبدأ في تعليمه بالأهم فالأهم، وتقدم الفروض على المستحبات.
12- قال الصنعاني: واعلم أن حديث المسيء في صلاته قد اتسع فيه نطاق الكلام، وتجاذبت معانيه الأفهام، و قد كنا حققنا أنه لايتم حمل النفي فيه على نفي الكمال، لما تقرر في علم النحو وعلم الأصول، أن كلمات النفي موضوعة لنفي الحقيقة، فقولك "لا رجل في الدار" نفي لحقيقة الرجل فيها، وهذا مما لا نزاع فيه، وأنه لا يحمل على خلافه من الكمال وغيره إلا لدليل. اهـ.


[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1) جاء في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ، رد عليه السلام.
[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2) كما جاء في روية أبي داود (( ثم اقر بأم القرن وبما شاء الله)) وروية ابن حبان "بما شئت ".
[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3) كما جاء في ذكر الاطمئنان في هذا الحديث عند الإمام أحمد، ء جاد بقوله: حتى تطمئن قائماْ ولفظ أحمد: فأقم صلبك حتى ترجع العظام

أم إبراهيم
14-Mar-2014, 04:43 PM
جزاك الله خيرا
ان شاء الله جاري القراءة

أم عمير السنية السلفية
14-Mar-2014, 07:53 PM
وإياك أخية
وفقنا الله للعلم النافع والعمل الصالح