المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الغالب في جمهور عوام المسلمين السلفية أم غير ذلك ؟؟؟



أبو بكر يوسف لعويسي
26-Mar-2014, 02:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين على آلائه وهو أهل الحمد والنعم ، ذي الملك والملكوت الواحد الصمد البر المهيمن مبدي الخلق من عدم ، من علم الناس ما لا يعلمون وبالبيان أنطقهم والخط بالقلم ، ثم الصلاة على المختار أكرم مبعوث بخير هدى في أفضل الأمم والآل والصحب والتباع قاطبة والتابعين بإحسان لنهجهم .
أما بعد :
فأصل هذا الموضوع هو موضوع أنزله الأخ بلال يونسي أحد أعضاء شبكة سحاب السلفية في سؤال للنقاش وقد أجاب على سؤال نحوه أو قريب منه الشيخ البخاري أنزله الأخ أبو عبد الرحمن العكرمي أحد الأعضاء وأثراه الأخ أبو أنس بشير بن سلة بنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر ، وقد شاركت في النقاش بهذا المقال فأرجو من الله تعالى أن يتقبله مني وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والسؤال يقول : ((حكم جمهور عامة المسلمين هل الغالب فيهم السلفية أم غير ذلك ؟؟))
الجواب عليه :اعلم أخي الكريم – رحمني الله وإياك – أن البحث في هذا الموضوع أو الجواب على السؤال فيه متوقف على معرفة معنى الفرقة الناجية في حديث الافتراق ، ومعنى الطائفة المنصورة في حديث الطائفة المنصورة ، ومعنى الجماعة في الأحاديث التي تحث وتأمر بلزوم الجماعة ومعنى السواد الأعظم في بعض الآثار كما في بعض رواية حديث الافتراق لتتفق جميع تلك المعاني مع قوله صلى الله عليه وسلم :<< ما أنا عليه وأصحابي >> .
فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: << افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة>> قيل: من هي يا رسول الله؟قال: << من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي>> وفي بعض الروايات: << هي الجماعة>> رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: (هو حديث صحيح مشهور) وصححه محدث عصره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.وفي رواية معاوية بن أبي سفيان (هي الجماعة) قال عنها مجدد عصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (هذا حديث محفوظ) ، وقال عنه الشيخ الألباني: صحيح، في السلسلة الصحيحة.
قال في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1:275) قلت: وهو معنى ما جاء في حديث أبي أمامة عند الطبراني: ((كلهم في النار إلا السواد الأعظم)) . وأصرح من ذلك ما رواه الطبراني أيضاً عن أبي الدرداء، وواثلة، وأنس بلفظ: ((كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم. قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السواد الأعظم؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي)) . فالمراد "بالجماعة" و"السواد الأعظم" و"ما أنا عليه وأصحابي" شيء واحد، ولا شك أنهم أهل السنة والجماعة.
وتحديد الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، هم أهل الحديث والعلم كما فسره جماعة من السلف منهم ابن المبارك وأحمد والبخاري ، وغيرهم ..وليس من شك أنهم هم الجماعة من باب أولى ، وهم السواد الأعظم عند طائفة من العلماء .
أما الجماعة والسواد الأعظم ومن يدخل فيها من جمهور عامة المسلمين حتى يوصفوا بأنهم من أهل السنة والجماعة أو من أتباع السلف الصالح فلا بد من الرجوع إلى العلماء في تفسيراتهم لتلك الأحاديث التي اختلفوا في تفسيرها، ومن أحسن ما يمكن أن يذكر في هذا الباب ما ذكره ابن بطال في شرح البخاري (10/33-35) عن ابن جرير الطبري أن جماعة المسلمين التي أمر الشارع بلزومها هي على أربعة أقوال للعلماء وكذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (10/36-37) وقد ذكر الإمام الشاطبي في كتاب الاعتصام خمسة أقوال، عزاها إلى قائليها، إلا قولاً واحداً لم يعزُه وهي:
قال الشاطبي (3/209)فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى الْجَمَاعَةِ الْمُرَادَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى خَمْسَةِ أقوال:
أَحَدُهَا: (أَنَّهَا) السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ (الَّذِي) يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَبِي غَالِبٍ: إِنَّ السَّوَادَ الْأَعْظَمَ (هُمُ) النَّاجُونَ مِنَ الْفِرَقِ، فَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، سَوَاءٌ خَالَفَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ أَوْ فِي إِمَامِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ. وَمِمَّنْ قَالَ بهذا أبو مسعود الأنصاري وعبد الله بن مَسْعُودٍ، فَرَوَى أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ سُئل أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ الْفِتْنَةِ، فَقَالَ : (( عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ، واصبر حتى (يستريح برٌّ)،أو يستراح من فاجر)). أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (19461)، والحاكم (8545)، وبنحوه في السنة لابن أبي عاصم (85)، وقال الألباني: إسناده جيد موقوف، رجاله رجال الشيخين، والحديث رواه الطبراني في الكبير (17 239 ـ 240)، من طريقين أحدهما رجاله ثقات، كما في المجمع (5 219).وَقَالَ رضي الله عنه: (( إِيَّاكَ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ هِيَ الضَّلَالَةُ)). أخرجه الطبراني في الكبير (17 239).وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ((عليكم بالسمع والطاعة (والجماعة) فَإِنَّهَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ قَبَضَ يَدَهُ وَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ فِي الجماعة خير من الذي تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ )). أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (19184)، والطبراني في الكبير (8973)، والحاكم في المستدرك (8663) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي! والأثر من طريق ثابت بن قطبة عن ابن مسعود، وثابت بن قطبة لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، وأخرجه مختصراً ابن جرير في تفسيره (7579 -7581)، والآجري في الشريعة (17)، واللالكائي (158 و159).
وَعَنِ الْحُسَيْنِ قِيلَ لَهُ: أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم؟ فقال: إي و (الله) الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ.فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ مُجْتَهِدُوا الْأُمَّةِ وَعُلَمَاؤُهَا وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ (الْعَامِلُونَ) بِهَا، وَمَنْ سِوَاهُمْ دَاخِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، لِأَنَّهُمْ تَابِعُونَ لَهُمْ وَمُقْتَدُونَ بِهِمْ، (فَكُلُّ) مَنْ خَرَجَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فَهُمُ الَّذِينَ شذُّوا وَهُمْ (نُهْبَةُ) الشَّيْطَانِ، وَيَدْخُلُ فِي هَؤُلَاءِ جَمِيعُ أَهْلِ الْبِدَعِ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَّةِ، لَمْ يَدْخُلُوا فِي سَوَادِهِمْ بِحَالٍ.
والثاني: أَنَّهَا جَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَمَنْ خَرَجَ (عمّا) عليه (جماعة) علماء الأمة مات ميتة جاهلية، (لأن الله تعالى، جعلهم حُجَّةً عَلَى الْعَالَمِينَ) ، وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ اللَّهَ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ" ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَامَّةَ عَنْهَا تَأْخُذُ دينها، وإليها تفزع (في) النَّوَازِلِ، وَهِيَ تَبَعٌ لَهَا، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: << لَنْ تجتمع أمتي (على ضلالة) >> : لَنْ يَجْتَمِعَ عُلَمَاءُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ.(وَمِمَّنْ) قَالَ بِهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ رَأْيُ الأصوليين، فقيل لعبد اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: مَنِ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ـ فَلَمْ يَزَلْ (يَحْسِبُ) حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ (وَالْحُسَيْنِ) بْنِ وَاقِدٍ ـ (فَقِيلَ): هَؤُلَاءِ مَاتُوا، فَمَنِ الْأَحْيَاءُ؟ قَالَ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ. والأثر أخرجه الترمذي (4/ 404)، وقال: وأبو حمزة هو محمد بن ميمون، وكان شيخاً صالحاً، وإنما قال هذا في حياته عندنا، وأخرجه بنحوه اللالكائي برقم (2326).
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا مَدْخَلَ فِي (هذا) (السواد) لِمَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ مُجْتَهِدٍ، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي أَهْلِ التَّقْلِيدِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِمَا يُخَالِفُهُمْ فهو صاحب الميتة الجاهلية، ولا يدخل (فيهم) (أَيْضًا) أَحَدٌ مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ، لِأَنَّ الْعَالِمَ أَوَّلًا لَا يَبْتَدِعُ، وَإِنَّمَا يَبْتَدِعُ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ الْعِلْمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ نَمَطِ مَنْ يُعْتَدُّ بِأَقْوَالِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ في الإجماع، وإن قيل بالاعتداد بهم فيه ففي غير المسألة الَّتِي ابْتَدَعَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي نَفْسِ الْبِدْعَةِ مخالفون للإجماع: فعلى كل تقدير لا يدخلون في السواد الأعظم (أصلاً).
والثالث: إن الجماعة هي (جماعة) لصَّحَابَةُ عَلَى الْخُصُوصِ، فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ أَقَامُوا عِمَادَ الدِّينِ وَأَرْسَوْا أَوْتَادَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَصْلًا، وَقَدْ يُمْكِنُ فِيمَنْ سِوَاهُمْ ذلك، ألا ترى قوله صلّى الله عليه وسلّم: << لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ ؛ اللَّهُ>> أخرجه مسلم (148) وأحمد (3 162) والترمذي (2207).وقَوْلَهُ: << لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شَرَارِ الناس>> أخرجه مسلم (2949) وأحمد (1 394 و435)، و (3/499)، وابن ماجه (4039).
فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أَنَّ مِنَ الْأَزْمَانِ أَزْمَانًا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ.قَالُوا: وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا، الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتِكْمَالٌ (لِطَاعَةِ) اللَّهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها، مَنِ اهْتَدَى بِهَا مُهْتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ، وَمَنْ خَالَفَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ (مَصِيرًا) ، فَقَالَ مَالِكٌ: فَأَعْجَبَنِي عَزْمُ عُمَرَ عَلَى ذلك. أخرجه عبد الله في السنة (766)، والآجري برقم (92 و139)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2326).
فعلى هذا القول (لفظ) الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله صلّى الله عليه وسلّم: << مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي>>، فَكَأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى (أن) مَا قَالُوهُ وَمَا سَنُّوهُ، وَمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ حجة على الإطلاق، (لشهادة) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِذَلِكَ خُصُوصًا فِي قَوْلِهِ: << فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلفاء الراشدين>>.أخرجه أبو داود (4607)؛ والترمذي (2676)؛ وابن ماجه (42 ـ 44)، وأحمد (4 126 و127).
ولأنهم (المتلقون) لكلام النبوة، (المهتدون بالشريعة) ، الذين فهموا (مراد) اللَّهِ بِالتَّلَقِّي مِنْ نَبِيِّهِ مُشَافَهَةً، عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ بِمَوَاطِنِ التَّشْرِيعِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَإِذًا كُلُّ مَا سنُّوه فَهُوَ سُنَّةٌ مِنْ غير (نظرٍ) (فِيهِ) بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِ لِأَهْلِ الِاجْتِهَادِ مجالاً للنظر رداً أو قبولاً، فَأَهْلُ الْبِدَعِ إِذًا غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْجَمَاعَةِ قطعاً على هذا القول.
والرابع: أَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَوَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ اتِّبَاعُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ ضَمِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ لَا يَجْمَعَهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ فَوَاجِبٌ تَعَرُّفُ الصَّوَابِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَمَاعَةُ لَا تَكُونُ فِيهَا غَفْلَةٌ عَنْ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْغَفْلَةُ فِي الْفُرْقَةِ.وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ راجع إِلَى الثَّانِي وَهُوَ يَقْتَضِي أَيْضًا مَا يَقْتَضِيهِ، أَوْ يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَفِيهِ مِنَ الْمَعْنَى مَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ أنه لا بد مِنْ كَوْنِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِمْ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَعَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِدْعَةٌ أصلاً، فهم ـ إذاً ـ الفرقة الناجية.
والخامس: مَا اخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير فأمر صلّى الله عليه وسلّم بِلُزُومِهِ وَنَهَى عَنْ فِرَاقِ الْأُمَّةِ فِيمَا اجْتَمَعُوا عليه من تقديمه عليهم لأن فراقهم (إياه) لَا يَعْدُو إِحْدَى (حَالَتَيْنِ) .1 - إِمَّا (لِلنَّكِيرِ) عَلَيْهِمْ فِي طَاعَةِ أَمِيرِهِمْ وَالطَّعْنِ عَلَيْهِ فِي سِيرَتِهِ المَرْضِيَّة لِغَيْرِ مُوجِبٍ، بَلْ (بِالتَّأْوِيلِ) فِي إِحْدَاثِ بِدْعَةٍ فِي الدِّينِ، كَالْحَرُورِيَّةِ الَّتِي أُمِرَتِ الْأُمَّةُ بِقِتَالِهَا وَسَمَّاهَا (النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَارِقَةً مِنَ الدِّينِ.2- وَإِمَّا (لِطَلَبِ) إِمَارَةٍ مِنِ بعد انْعِقَادِ الْبَيْعَةِ لِأَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ نَكْثُ عَهْدٍ ونقض (عقد) بَعْدَ وُجُوبِهِ ؛ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: <<مَنْ جَاءَ إِلَى أُمَّتِي لِيُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ>>. رواه مسلم .
قَالَ الطَّبَرِيُّ فَهَذَا مَعْنَى الْأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ.قَالَ: وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الَّتِي إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى الرِّضَا بِتَقْدِيمِ أَمِيرٍ كَانَ الْمُفَارِقُ لَهَا (مَيِّتًا مِيتَةً) جَاهِلِيَّةً، فَهِيَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي وَصَفَهَا أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه (وغيره) (وَهُمْ) مُعْظَمُ النَّاسِ وَكَافَّتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ.قَالَ: وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَجْمَعَهُمْ عَلَى إِضْلَالِ الْحَقِّ فِيمَا (نَابَهُمْ) مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ حَتَّى يَضِلَّ جَمِيعُهُمْ (عَنِ) الْعِلْمِ وَيُخْطِئُوهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْأُمَّةِ.هَذَا تَمَامُ كَلَامِهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالْمَعْنَى وَتَحَرٍّ (فِي) أَكْثَرِ اللَّفْظِ.وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى غَيْرِ سُنَّةٍ خارج عن معنى الجماعة المذكورة فِي الْأَحَادِيثِ (الْمَذْكُورَةِ) كَالْخَوَارِجِ وَمَنْ جَرَى مُجْرَاهُمْ.فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ دَائِرَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ أَهْلِ السنة والاتباع، وأنهم المرادون بالأحاديث، فلنأخذ ذلك أصلاً ونبني عَلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ اتَّفَقُوا عَلَى اعْتِبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ سَوَاءٌ ضَمُّوا إِلَيْهِمُ الْعَوَامَّ أَمْ لا، فإن لم يضموا إليهم (العوام) فَلَا إِشْكَالَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ إِنَّمَا هُوَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِ اجْتِهَادُهُمْ، فَمَنْ شَذَّ عَنْهُمْ فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَإِنْ ضَمُّوا إِلَيْهِمُ الْعَوَامَّ فَبِحُكْمِ التَّبَعِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ عَارِفِينَ بِالشَّرِيعَةِ، فلا بد مِنْ رُجُوعِهِمْ فِي دِينِهِمْ إِلَى الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ تَمَالَئُوا عَلَى مُخَالَفَةِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا حَدُّوا لَهُمْ لَكَانُوا هُمُ الْغَالِبَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، لِقِلَّةِ الْعُلَمَاءِ وَكَثْرَةِ الْجُهَّالِ، فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّ اتِّبَاعَ جَمَاعَةِ الْعَوَامِّ هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الْمُفَارِقُونَ لِلْجَمَاعَةِ وَالْمَذْمُومُونَ فِي الْحَدِيثِ. بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَإِنْ قَلُّوا، وَالْعَوَامُّ هُمُ الْمُفَارِقُونَ لِلْجَمَاعَةِ إِنْ خَالَفُوا، فَإِنْ وَافَقُوا فَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ هُنَا لَمَّا سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ـ قَالَ ـ فَلَمْ (يَزَلْ يَحْسِبُ) حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قِيلَ: فَهَؤُلَاءِ مَاتُوا، فَمَنِ الْأَحْيَاءُ؟ قَالَ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ.فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعَوَامُّ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي بِإِطْلَاقٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ فَرَضْنَا خُلُوَّ الزَّمَانِ (عَنْ) مُجْتَهِدٍ لم يمكن اتِّبَاعُ الْعَوَامِّ لِأَمْثَالِهِمْ، وَلَا عَدُّ سَوَادِهِمْ أَنَّهُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَنْ خَالَفَهُ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، بَلْ يَتَنَزَّلُ النَّقْلُ عَنِ الْمُجْتَهِدِينَ مَنْزِلَةَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَالَّذِي يَلْزَمُ (الْعَوَامُّ) مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِينَ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ أهل الزمان المفروض الخالي عن (المجتهدين).
وَأَيْضًا فَاتِّبَاعُ نَظَرِ مَنْ لَا نَظَرَ (لَهُ) وَاجْتِهَادِ مَنْ لَا اجْتِهَادَ (لَهُ) مَحْضُ ضَلَالَةٍ، وَرَمْيٌ فِي عَمَايَةٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: << إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). وهو مخرج في الصحيحين .انتهى كلام الشاطبي بشيء من الاختصار وقليل جدا من التصرف وما بين القوسين فهو مما اختلفت فيه النسخ .
وزاد (أَبُو نُعَيْمٍ) ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ: لَوْ سَأَلْتَ الْجُهَّالَ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ لَقَالُوا: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ عَالِمٌ مُتَمَسِّكٌ بِأَثَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقِهِ، فَمَنْ كَانَ مَعَهُ وَتَبِعَهُ فَهُوَ الْجَمَاعَةُ. فَانْظُرْ فِي (حِكَايَتِهِ تَتَبَيَّنْ) غَلَطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ جَمَاعَةُ النَّاسِ وإن لم يكن فيهم عالم، وهو (فهم) العوام، لا فهم العلماء (الأعلام) فَلْيَثْبُتِ الْمُوَفَّقُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ قَدَمَهُ لِئَلَّا يَضِلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَا تَوْفِيقَ إِلَّا بالله.
قال أبو القاسم اللالكائي (1/26)[مَكَانَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَصِفَاتُهُمْ]وَاغْتَاظَ بِهِمُ الْجَاحِدُونَ، فَإِنَّهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ، وَالْجُمْهُورُ الْأَضْخَمُ، فِيهِمُ الْعِلْمُ وَالْحُكْمُ، وَالْعَقْلُ وَالْحِلْمُ، وَالْخِلَافَةُ وَالسِّيَادَةُ، وَالْمُلْكُ وَالسِّيَاسَةُ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْجُمُعَاتِ وَالْمَشَاهِدِ، وَالْجَمَاعَاتِ وَالْمَسَاجِدِ، وَالْمَنَاسِكِ وَالْأَعْيَادِ، وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَبَاذِلُو الْمَعْرُوفِ لِلصَّادِرِ وَالْوَارِدِ، وَحُمَاةُ الثُّغُورِ وَالْقَنَاطِرِ، الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ، الَّذِينَ أَذْكَارُهُمْ فِي الزُّهْدِ مَشْهُورَةٌ، وَأَنْفَاسُهُمْ عَلَى الْأَوْقَاتِ مَحْفُوظَةٌ، وَآثَارُهُمْ عَلَى الزَّمَانِ مَتْبُوعَةٌ، وَمَوَاعِظُهُمْ لِلْخَلْقِ زَاجِرَةٌ، وَإِلَى طُرُقِ الْآخِرَةِ دَاعِيَةٌ، فَحَيَاتُهُمْ لِلْخَلْقِ مَنْبَهَةٌ، وَمَسِيرُهُمْ إِلَى مَصِيرِهِمْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ عِبْرَةٌ، وَقُبُورُهُمْ مُزَارَةٌ، وَرُسُومُهُمْ عَلَى الدَّهْرِ غَيْرُ دَارِسَةٍ، وَعَلَى تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ غَيْرُ نَاسِيَةٍ، يُعَرِّفُ اللَّهُ إِلَى الْقُلُوبِ مَحَبَّتَهُمْ، وَيَبْعَثُهُمْ عَلَى حِفْظِ مَوَدَّتِهِمْ، يُزَارُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي بُيُوتِهِمْ، لِيَنْشُرَ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمُ الْأَعْلَامَ حَتَّى لَا تَنْدَرِسَ أَذْكَارُهُمْ عَلَى الْأَعْوَامِ، وَلَا تَبْلَى أَسَامِيهِمْ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ. فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرِضْوَانُهُ، وَجَمَعَنَا وَإِيَّاهُمْ فِي دَارِ السَّلَامِ.
قلت : فمن كان من العوام صحيح المعتقد في الجملة سليم المنهج قد اتصف ببعض صفات هؤلاء مع حبهم والثناء عليهم وتقديرهم والرجوع إليهم فهو منهم .
وقال ابن حزم في الفصل (ج2: ص113) : وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين، ثم أصحاب الحديث، ومن تبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها -انتهى.
فهذا ابن حزم جعل عوام المسلمين ممن اقتدى بأهل الحديث واقتفى أثرهم وسلك سبيلهم منهم ولكن بشرط الاقتداء في معتقدهم ومنهجهم أما من خالف غما جهلا أو عنادا فلا .
وقول الشاطبي آنف الذكر : وَمِنْ هُنَا لَمَّا سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ .قَالَ : فَلَمْ (يَزَلْ يَحْسِبُ) حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قِيلَ: فَهَؤُلَاءِ مَاتُوا، فَمَنِ الْأَحْيَاءُ؟ قَالَ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ.قلت : وأما اليوم فيقال : الجماعة الشيخ محمد آمان الجامي والشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمهم الله- ، فإن قال قائل هؤلاء قد ماتوا فمن من الأحياء فالجواب : أبو محمد ربيع بن هادي - حفظه الله -.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/507) [7532] وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ . وبعد أن ذكر منسابة الآية للترجمة وذكر أنواع التبليغ قال : ... وَاسْتَدَلَّ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيُّ بِآيَاتِ الْبَابِ وَأَحَادِيثِهِ عَلَى فَسَادِ طَرِيقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي تَقْسِيمِ الْأَشْيَاءِ إِلَى جِسْمٍ وَجَوْهَرٍ وَعَرَضٍ قَالُوا فَالْجِسْمُ مَا اجْتَمَعَ مِنَ الِافْتِرَاقِ والجوهر مَا حمل الْعرض وَالْعرض مَالا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَجَعَلُوا الرُّوحَ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَرَدُّوا الْأَخْبَارَ فِي خَلْقِ الرُّوحِ قَبْلَ الْجَسَدِ وَالْعَقْلِ قَبْلَ الْخَلْقِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى حَدْسِهِمْ وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ نَظَرُهُمْ ثُمَّ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ النُّصُوصَ فَمَا وَافَقَهُ قَبِلُوهُ وَمَا خَالَفَهُ رَدُّوهُ ثُمَّ سَاقَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَظَائِرَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ قَالَ وَكَانَ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ التَّوْحِيدُ بَلْ هُوَ أَصْلُ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ وَشَرَائِعِهِ إِلَّا بَلَّغَهُ ثُمَّ لَمْ يَدَعْ إِلَّا الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنَ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَلَا يُوجَدُ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا خِلَافَ مَذْهَبِهِمْ وَسَلَكُوا غَيْرَ سَبِيلِهِمْ بِطَرِيقٍ مُحْدَثٍ مُخْتَرَعٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَلْزَمُ مِنْ سُلُوكِهِ الْعَوْدُ عَلَى السَّلَفِ بِالطَّعْنِ وَالْقَدْحِ وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَاشْتِبَاهِ الطُّرُقِ فَالْحَذَرِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامِهِمْ وَالِاكْتِرَاثِ بِمَقَالَاتِهِمْ فَإِنَّهَا سَرِيعَةُ التَّهَافُتِ كَثِيرَةُ التَّنَاقُضِ وَمَا مِنْ كَلَامٍ تَسْمَعُهُ لِفِرْقَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا وَتَجِدُ لِخُصُومِهِمْ عَلَيْهِ كَلَامًا يُوَازِنُهُ أَوْ يُقَارِبُهُ فَكُلٌّ بِكُلٍّ مُقَابَلٌ وَبَعْضٌ بِبَعْضٍ مُعَارَضٌ وَحَسْبُكَ مِنْ قَبِيحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ أَنَّا إِذَا جَرَيْنَا عَلَى مَا قَالُوهُ وَأَلْزَمْنَا النَّاسَ بِمَا ذَكَرُوهُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَكْفِيرُ الْعَوَامِّ جَمِيعًا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الِاتِّبَاعَ الْمُجَرَّد وَلَوْ عُرِضَ عَلَيْهِمْ هَذَا الطَّرِيقُ مَا فَهِمَهُ أَكْثَرُهُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَصِيرَ مِنْهُمْ صَاحِبَ نَظَرٍ وَإِنَّمَا غَايَةُ تَوْحِيدِهِمُ الْتِزَامُ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ أَئِمَّتَهُمْ فِي عَقَائِدِ الدِّينِ وَالْعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَمُلَازَمَةُ الْأَذْكَارِ بِقُلُوبٍ سَلِيمَةً طَاهِرَةٌ عَنِ الشُّبَهِ وَالشُّكُوكِ فَتَرَاهُمْ لَا يَحِيدُونَ عَمَّا اعْتَقَدُوهُ وَلَوْ قُطِّعُوا إِرْبًا إِرْبًا فَهَنِيئًا لَهُمْ هَذَا الْيَقِينُ وَطُوبَى لَهُمْ هَذِهِ السَّلَامَةُ فَإِذَا كَفَرَ هَؤُلَاءِ وَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ فَمَا هَذَا إِلَّا طَيُّ بِسَاطِ الْإِسْلَامِ وَهَدْمُ مَنَارِ الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/70)وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصرى قال: "السنة، والذى لا إله إلا هو بين الغالى والجافى، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقى: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا".
وكان محمد بن أسلم الطوسى، الإمام المتفق على إمامته، مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه، حتى قال: "ما بلغني سنة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا عملت بها، ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا، فما مكنت من ذلك"، فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث: "إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فَعَلَيكُمْ بِالسَّوَادِ الأعْظَمِ". فقال: "محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم" وصدق والله، فإن العصر إذا كان فيه إمام عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة، وهو الإجماع، وهو السواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم، وساءت مصيرا.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/308) وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَالْحُجَّةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ هُوَ الْعَالِمُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ: صَحِبْت مُعَاذًا بِالْيَمَنِ، فَمَا فَارَقْته حَتَّى وَارَيْته فِي التُّرَابِ بِالشَّامِ، ثُمَّ صَحِبْت مِنْ بَعْدِهِ أَفْقَهَ النَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَمِعْته يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ سَمِعْته يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَقُولُ: سَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ وُلَاةٌ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا؛ فَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَصَلُّوا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَةٌ، قَالَ: قُلْت يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مَا أَدْرِي مَا تُحَدِّثُونَ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت: تَأْمُرُنِي بِالْجَمَاعَةِ وَتَحُضُّنِي عَلَيْهَا ثُمَّ تَقُولُ لِي: صَلِّ الصَّلَاةَ وَحْدَك وَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَصَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ نَافِلَةٌ قَالَ: يَا عَمْرُو بْنَ مَيْمُونٍ قَدْ كُنْت أَظُنُّك مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، أَتَدْرِي مَا الْجَمَاعَةُ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: إنَّ جُمْهُورَ الْجَمَاعَةِ هُمْ الَّذِينَ فَارَقُوا الْجَمَاعَةَ، الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَإِنْ كُنْت وَحْدَك، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِي وَقَالَ: وَيْحَك، إنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ فَارَقُوا الْجَمَاعَةَ، وَإِنَّ الْجَمَاعَةَ مَا وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى.وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: إذَا فَسَدَتْ الْجَمَاعَةُ فَعَلَيْك بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ قَبْلَ أَنْ تَفْسُدَ، وَإِنْ كُنْت وَحْدَك، فَإِنَّك أَنْتَ الْجَمَاعَةُ حِينَئِذٍ، ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ؟ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ وَأَصْحَابُهُ. فَمُسِخَ الْمُخْتَلِفُونَ الَّذِينَ جُعِلُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ وَالْحُجَّةَ وَالْجَمَاعَةُ هُمْ الْجُمْهُورُ وَجَعَلُوهُمْ عِيَارًا عَلَى السُّنَّةِ، وَجَعَلُوا السُّنَّةَ بِدْعَةً، وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا لِقِلَّةِ أَهْلِهِ وَتَفَرُّدِهِمْ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَقَالُوا: مَنْ شَذَّ شَذَّ اللَّهُ بِهِ فِي النَّارِ، وَمَا عَرَفَ الْمُخْتَلِفُونَ أَنَّ الشَّاذَّ مَا خَالَفَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ فَهُمْ الشَّاذُّونَ.وَقَدْ شَذَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ زَمَنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إلَّا نَفَرًا يَسِيرًا؛ فَكَانُوا هُمْ الْجَمَاعَةُ، وَكَانَتْ الْقُضَاةُ حِينَئِذٍ وَالْمُفْتُونَ وَالْخَلِيفَةُ وَأَتْبَاعُهُ كُلُّهُمْ هُمْ الشَّاذُّونَ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَحْدَهُ هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَلَمَّا لَمْ يَتَحَمَّلْ هَذَا عُقُولُ النَّاسِ قَالُوا لِلْخَلِيفَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَكُونُ أَنْتَ وَقُضَاتُك وَوُلَاتُك وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُفْتُونَ كُلُّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَحْمَدُ وَحْدَهُ هُوَ عَلَى الْحَقِّ؟ فَلَمْ يَتَّسِعْ عِلْمُهُ لِذَلِكَ؛ فَأَخَذَهُ بِالسِّيَاطِ وَالْعُقُوبَةِ بَعْدَ الْحَبْسِ الطَّوِيلِ؛ فَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ، وَهِيَ السَّبِيلُ الْمَهْيَعُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ حَتَّى يَلْقَوْا رَبَّهُمْ،مَضَى عَلَيْهَا سَلَفُهُمْ، وَيَنْتَظِرُهَا خَلَفُهُمْ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} [الأحزاب: 23] وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قال الشوكاني في نيل الأوطار عند حديث 1306 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَهُوَ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ " إلَّا فَصْلَ الصَّوْمِ ") .وَقِيلَ: فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّهُ إخْبَارٌ بِأَنَّ النَّاسَ يَتَحَزَّبُونَ أَحْزَابًا وَيُخَالِفُونَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ، فَطَائِفَةٌ تَعْمَلُ بِالْحِسَابِ وَعَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ، وَطَائِفَةٌ يُقَدِّمُونَ الصَّوْمَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ شِعَارًا وَهُمْ الْبَاطِنِيَّةُ، وَبَقِيَ الْهَدْيُ النَّبَوِيُّ الْفِرْقَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ، فَهِيَ الْمُرَادَةُ بِلَفْظِ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْعَدَدِ.انتهى كلامه .
وقد علمت أن العلماء فسروا الطائفة المنصورة بأنهم أهل الحديث ،وأهل العلم .وفي الكلام الذي ذكره الحافظ ابن حجر عن المظفر السمعاني ما يوحي بأن عوام المسلمين ليسوا من أهل السنة والجماعة إلا إذا كانوا على هذه الحال التي ذكرها هو وغيره ، وهو الحق ؛ لأن العوام همج رعاع إلا من رحم الله وقليل ما هم كما في وصية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لكميل بن زياد ؛ ممن صحت عقيدتهم وصفت نفوسهم فاستقاموا على منهج أهل السنة والجماعة وتمسكوا بغرز العلماء الذين وصفت أنهم الجماعة. ولأن حال العوام تختلف من زمان عن آخر ومن مكان إلى آخر فلا يمكن أن نعمم الحكم عليهم جميعا كما لا يمكن أن نعمم الحكم على كل الأماكن والأزمان وونجعلهم من أهل السنة والجماعة أو نخرجهم من ذلك فعوام وقت الخيرية وجيل السلف الصالح ليسوا كعوام وقت الإمام أحمد الذي لم يثبت في فتنة خلق القرآن إلا هو فكان هو الجماعة وكان هو الحجة على خلق الله كما سيأتي في كلام العلماء ؛ وهكذا في كل زمان ومكان ؛فحيث كانت السنة مشهورة ومنتشرة في مكان دون آخر وزمان دون غيره وكانت محببة لنفوسهم وكانوا على عقيدة صحيحة ومنهج سليم ، وكانوا يتعبون أئمتهم العلماء ويوقرونهم ويرجعون إليهم ولا ينزعون يدا من طاعة ولا يثرون على ولاتهم ولا يحرضون على المظاهرات والاعتصامات والخروج على الولاة وإلى الطرقات ولا يشاركون في ذلك ويصبرون عند المصائب والمدلهمات ، وكان أهل العلم فيهم ممن ينتهج منهج الفرقة الناجية والطائفة الرضية المنصورة وينتهج سبيل أهل الحديث حتى ولو لم يكونوا هم السواد الأعظم فحينئذ يقال كل تابع لهم من العوام يكون من أتباع السلف الصالح وينسب إلى أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية .أما إن لم يكونوا كذلك ،؛ بل كانوا جهالا وعلى عقائد فاسدة وخرافات وبدع وضلالات الطرقيين والأباء والأجداد وتقليدهم المطلق وتعصبهم لهم ممن يتبعونهم ويتمسكون بهم ويسمعون لهم بل يدافعون عنهم كما هو الواقع في كثير من بلاد الإسلام ؛ ويخوضون في دين الله بالجهل والعمى والقول على الله بغير علم ويبتدعون في دين الله بدعا ويتمسكون بها ؛ فكثير منهم اخترع له طريقا يعبد الله به ، ويستنكرون السنة كما يستنكرون على من يحيها ويدعو إليها ، ويتجلدون في الدفاع عن أهل الأهواء والبدع ويخرجون للشوارع للمظاهرات والثورات وغيرها ويسمعون لمن يبيحها ويدافعون عنهم كمن يدافع عن عائض القرني ومحمد حسان والحويني ومحمد يعقوب والعريفي ونبيل العوضي وغيرهم كثير .. من التكفيريين من قطبيين وحدادية والمميعين كانوا متحزبين أو لم يكونوا ممن يظهرون في هذه القنوات الفاسدة المفسدة وقد أخذوا بلب العوام بما يبثون فيهم من سموم وشبه حتى أصبح غالبية العوام ينتصرون لهم ويدافعون عنهم ويستميتون الدفاع والخصومة فيهم فهؤلاء يبين لهم فإن تركوا وتابوا ورجعوا فذاك المبتغى والحمد لله وهم إخواننا في الله على السنة والجماعة وإلا يلحقون بهم ولا كرامة فلا يعدون من أهل السنة والجماعة ولا من السلفيين .
هذا ما تيسر لي جمعه في هذا الموضوع فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان ، وأسأله سبحانه أن يغفر لي تقصيري في ذلك ويجاوز عما وقع مني هنالك إنه سميع مجيب وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
27/جمادي الأولى 1435هـ الموافق 26/03/2014م

أبو بكر يوسف لعويسي
26-Mar-2014, 02:40 PM
تتمة للموضوع :وهذا جواب الشيخ البخاري على سؤال قريب من هذا السؤال .
انتشرت الشبهات في بلدي حول المنهج، فأطلبُ منكم كشف هذه الشبهات؛ وجزاكم الله خيرًا.
الشبهة الأولى: ما هو الأصل في المسلم الجهل أم أنه سلفي؟الجواب:الشُبهة يعني من زمان قُضيَ عليها الحمد لله، نقول أصابتها سهام السنة كلها هذه الشبهات - بارك الله فيكم - لكن لاشك أنَّ أهل الأهواء لا يفترونعن تشكيك الناس، والتشويش عليهم في المسائل المتعلقة بلزوم السُّنة، والمنهج السلفي، لكن الذي يجب ما هو كشف الشبهة الآن، نجيب عنها ما في إشكال، أو نُحيل إلى إجابة، لكن إلى متى يبقى هكذا؟الواجبُ عليكَ سواءً أنتَ السائل أو غيركَ من السائلين؛ أن يجتهد في طلب العلم السُّني الصحيح، وأن يتزوَّد منه فإنَّه خيرُ الزَّاد، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله -: "وإن سألت عن الزاد - زاد السفر - فزادُهُ هو العلمُ الموروث عن خاتم الأنبياءِ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - فلا زادَ لكَ سِواهُ، ومن لم يتزوَّد بهذا الزَّاد فليقعد مع الخالفين، فرُفقاء التَّخلف البطَّالون كُثُر، ولا ينفعهُ التأسِّي بهم".إذًا يجب أن تكون على علمٍ سُنِّيٍّ صحيح وراسخ؛ لتدفع هذه الشُّبه، بل لا تستحقُّ بعض الشُّبه أن تُحكى، فَضْلًا أن يُرَد عليها - بارك الله فيكم -.هل الأصل في المسلم الجهل أو أنه سلفي؟هذه قد تكلَّمنا عليها، وقلنا باختصار؛ ليس الأصل في المسلم أنه سلفي، نقول: الأصل في المسلم أنه مسلم، مَن ثَبَتَ إسلامه بيقين لا يَزول عَنْهُ إلَّا بيقين، وَصْفُ أَنَّه سلفي وصفٌ زائدٌ على الإسلام، كما تقول: فلانٌ عدلٌ؛ لا يمكن أن يكون عدلًا وهو غير مسلم، فلابُدَّ أن يكونَ مُسلمًا لأَنْ تكون بَعَدَ ذلك أمور فتقول عنه أنَّه عدل، إذًا العدالة وصفٌ زائدٌ على الإسلام، وهذه تحتاجإلى معرفة والى خبرة بحالة ليوصف بأنه عدل، كذلك الوصف بأنَّه سلفي تحتاج إلى معرفة وإلى خبرة، وإلى تزكية ونحو ذلك ليُقال فيه أنه سلفي، هذا باختصار؛ لكن لمَّا نقول أنه مسلم هل يرفع عنه حيّز الجهالة؟ لا، هو مسلم، لكنه مجهول الحال غير معروف فهنا الكلام فيه لا لطعن فيه لكن لعدم تحقق العدالة فيه أو وصف السلفية فيه.كثيرٌ منهم يدندن حول هذا؛ الأصل في المسلمون أنهم أهل سنة الأصل في المسلمون أنهم عدول، هكذا يؤصلون في المسلمون أصول لا خطام لها ولا زمام، وعند التحقيق لا تكون كذلك العلماء، لماذا أخذوا الإمام ابن حبان - رحمه الله -؟ ووصفوه بأنَّه متساهل في باب التعديل؟ لأن القاعدة عنده أنَّ الأصل في المسلم العدل، الذي لم يثبت فيه جرح؛ أنه عدل، ولهذا يقولون ابن حبان متساهل، وتساهله معروف، هذه قاعدة مستقرة.

أبو يوسف عبدالله الصبحي
07-Apr-2014, 12:55 AM
جزاكم الله خيرا

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
22-Jun-2014, 10:55 AM
جزاكم الله خيرا

أبو الوليد خالد الصبحي
01-Jul-2014, 01:31 AM
جزاك الله خيرا

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
24-Jul-2014, 01:42 PM
للفائدة