المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من خصائص المنهج السلفي (التأصيل والتحذير)



أبو ياسر إسماعيل بن علي
27-Apr-2014, 08:18 PM
من خصائص المنهج السلفي
(التأصيل والتحذير).

كتبه: د. خالد بن قاسم الردادي.

مما تميز به السلفيون عن غيرهم أنهم يجمعون بين (التأصيل والتحذير)، فأهل السنة المحضة يعتنون بتأصيل العلم وبيان قواعده وضوابطه وفق فهم أسلافهم رضوان الله عليهم، فقلَّ بل قُلْ نَدُرَ أن تجد سلفياً نشأ وترعرع في هذه المدرسة الأثرية إلا ويذكر المسألة مقرونة بدليلها وبيان فهم السلف لها مع الاشتغال بالعلم والدعوة إلى الله على بصيرة.
وهم في الوقت نفسه يحذرون من المخالفين والمناوئين للدعوة السلفية؛ فيبينون عوارهم ويهتكون ستارهم حتى لا يغتر بهم مغتر ولا ينخدع بهم مخدوع!!
لكن نبتت نابتة من أهل السنة نكبت عن الصراط القويم فأخذ أربابها يزهدون في التحذير من أهل البدع والكلام في نقد مقالاتهم وفضحهم ، ويقولون: حسبنا التأصيل ...
نبين ولا نجادل ...نصحح ولا نجرح و... وهكذا !!
ويعنون بهذا السكوت عن المخالفين وعدم الانشغال بالرد عليهم ويكتفون بالتأصيل-زعموا- وأما من رام الرد فيجب عليه عندهم عدم تعيين المردود عليه ويبتعد عن ذمه
و غيرها كثير من أمور التمييع والتخذيل؛ حتى غدى كثير منهم يجالس المبتدعة ويساكنهم ويوادعهم ويحضر ملتقياتهم ويشارك في منتدياتهم وله حضور في وسائلهم الإعلامية !!
أو ما علم هؤلاء أنَّ (الرَّدَّ على المخالفِ) يُعدُّ واجباً مِنْ واجباتِ الإسلامِ الكِبارِ على أهلِ العلمِ المتأهلينَ فيه ، وَبه يُحفظُ الدِّينُ منْ عَادياتِ التبديلِ فيهِ ، وغَوائلِ التحريفِ عليهِ ، و لَهُ في ميزانِ الشريعةِ الغرَّاءِ شأنٌ عظيمٌ ، وقدْرٌ كبيرٌ ؛ وفي ذلكَ يقولُ الإمامُ ابنُ قيم الجوزية -رحمه اللهُ- في "التبيان لأقسام القرآن"(ص210) :
" القلمُ الثَّاني عشر : القلمُ الجامعُ ، وهو قلمُ الرَّدِّ على المبطلينَ ، ورفعِ سُنَّةِ المحِقَّينَ ، وكشفِ أباطيلِ المبطلينَ -على اختلافِ أنواعِها وأجناسِها- ، وبيانِ تناقضِهم ، وتهافتِهم ، وخُروجِهم عنِ الحقِّ ، ودُخولهم في الباطلِ .
وهَذَا القلمُ -في الأقلامِ- نظيرُ الملوكِ في الأنامِ .
وأصحابُهُ أهلُ الحُجَّةِ الناصرونُ لما جاءتْ بهِ الرُّسلُ ، المحاربونَ لأعدائِهم .
وهُم الدَّاعونَ إلى اللهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ، المجادلونَ لمنْ خَرجَ عنْ سبيلِه بأنواعِ الجدالِ .
وَأَصحابُ هذا القلمِ حَرْبٌ لكُلِّ مُبطلٍ ، وعَدُوٌّ لكُلِّ مُخالفٍ للرُّسلِ ؛ فَهم في شأنٍ وغيرهم منْ أصحابِ الأقلامِ في شأنٍ ".
ومثل هذه الدعوة الخطيرة وهي ترك التحذير من المبتدعة والعزوف عن الخوض فيهم انتشرت اليوم بين فئام من أهل السنة فما أن تتكلم في المخالفين وتبين عوارهم
وتحذر من مناهجهم الفاسدة إلا وترى وجوهاً تمعرت واكفهرت وصدوراً ضاقت بمثل هذا ، فما كان منهم إلا الإعراض والجفاء وتبعه التصنيف بالباطل والجور والرمي بالشدة و... وغيرها من التهم التي لا تبعد عن تهم أهل التحزب وأربابه للسلفيين وأهل السنة المحضة، فإلى الله الشكوى!
إن من مظاهر رحمة أهل السنة بالخلق أمر يحسبه من قصر نظره وقل علمه جناية وظلماً وغلظة، وهو عنده عن الرحمة بمعزل، لكنه عند أهل العلم والفقه والفهم والبصيرة من أبرز مظاهر الرحمة بعباد الله ذلك الأمر هو جهاد أهل العلم من أهل السنة ببيان خطأ المخطئين، وردهم على أقوال المخالفين المنحرفين،
وهذه العبادة -أعني الرد على المخالف- من أعظم ما يتقرب به المؤمن المخلص الصادق لربه تعالى.
قال الإمامُ ابنُ قيم الجوزية-رحمه اللهُ-في "إعلام الموقعين"(3/428-430):
" ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله-صلى الله عليه وسلم-، وبما كان عليه هو وأصحابه، رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس ديناً والله المستعان، وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس،
كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء، الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟
وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل, وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة، بحسب وسعه، وهؤلاء ـ مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم ـ قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون، وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل، وقد ذكر الإمام أحمد وغيره أثراً: أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة: أن اخسف بقرية كذا وكذا. فقال: يا رب كيف وفيهم فلان العابد؟ فقال: به فابدأ؛ فإنه لم يتمعر وجهه فيَّ يوماً قط .
وذكر أبو عمر في كتاب«التمهيد»: أن الله سبحانه أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن قل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت به الراحة، وأما انقطاعك إليَّ فقد تكسبت به العز، ولكن ماذا عملت فيما لي عليك؟ فقال: يا رب وأي شيء لك عليَّ؟ قال: هل واليت فيَّ ولياً أو عاديت فيَّ عدواً ؟؟ ".
إن التحذير والرد على المخالف رحمة بعموم الخلق، حتى يحذروا المنحرف عن الصواب ويجتنبوا الوقوع فيما يدعو إليه.
بل هو رحمة بالمردود عليه نفسه حتى لا يكثر أتباعه، فتكثر خطاياه وأوزاره.
عن عاصم الأحول قال: جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد، فوقع فيه فقلت: يا أبا الخطاب، ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض؟ قال: «يا أحول، أوَلا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تعلم؟». فجئت من عند قتادة، وأنا مغتم لقوله في عمرو بن عبيد، وما رأيت من نسك عمرو بن عبيد، وهَدْيه، فوضعت رأسي بنصف النهار فإذا أنا بعمرو بن عبيد في النوم والمصحف في حجره وهو يحك آية من كتاب الله، قلت: سبحان الله! تحك آية من كتاب الله؟ قال: إني سأعيدها. فتركه حتى حكها، فقلت له: أعدها، فقال: إني لا أستطيع.[أخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(4/814)].
قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- بعد إيراده لهذا الأثر:" فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم والتشريد بهم؛ لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم إذا كان سبب ترك التعيين الخوفَ من التفرق والعداوة، ولاشك أن التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم إذا أقيم عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم، وإذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة إتلافها أسهل من إتلاف النفس، وهذا شأن الشرع أبداً، أن يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل ". ["الاعتصام"(3/230-231) ].
وآثار السلف في الباب أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، فقلب ما شئت من كتب سنن الاعتقاد المسندة وغيرها لترى من ذلك ما يكفي ويشفي !
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-في "الفرق بين النصيحة والتعيير"(ص 8):
"ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين من تقبل روايته منهم ومن لا تقبل، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسك بما لا يتمسك به ليُحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً.
ولهذا نجد في كتبهم المصنفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير وشروح الحديث والفقه واختلاف العلماء وغير ذلك ممتلئة بالمناظرات وردِّ أقوال من تُضَعَّفُ أقواله من أئمة السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
ولم يترك ذلك أحد من أهل العلم ولا ادعى فيه طعناً على من ردَّ عليه قولَه ولا ذمَّاً ولا نقصاً اللهم إلا أن يكون المصنِّف ممن يُفحش في الكلام ويُسيءُ الأدب في العبارة فيُنكَر عليه فحاشته وإساءته دون أصل ردِّه ومخالفته، إقامةً للحجج الشرعية والأدلة المعتبرة ".
" والمقصود أن هذه الأمة ولله الحمد لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده وهم لما هداهم الله به يتوافقون في قبول الحق ورد الباطل رأياً ورواية من غير تشاعر ولا تواطؤ " كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-(9/233).
ومما سيواجه حراس الشريعة وعساكر السنة، بل لعله أسوأ ما يواجهونه نفثات المخذلين المقصرين من المنتسبين إلى السنة فترى المثخن منهم بجراح التقصير الكاتم للحق البخيل ببذل العلم إذا قام إخوانه من أهل السنة السلفيين بنصر دين الله وتبيين السنة للناس والرد على أهل البدع تجده يضيف إلى تقصيره في نفسه تخذيل من قام بالواجب من إخوانه مظهراً أنه على الحق وهو على الباطل المحض، ويقال لأمثال هؤلاء: إذا أظهر المبطلون أهواءهم، ونشر المفسدون ضلالاتهم، وأعلن أهل البدع بدعهم، بينما أهل الحق والسنة في ذلك الحين ما بين ساكت أو مرجف أو مخذل، فبالله عليكم متى يتبين الحق؟. [ ينظر:"الرد على المخالف"(صـ 14-17) بتصرف ].
لقد حمى الله أهل السنة السلفيين من الوقوع في تلك المستنقعات النتنة الموبوءة، فساروا في دعوتهم على خطى الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-،وأصحابه، والتابعين، وكان شعارهم نشر السنة والأمر بلزومها والتحذير من البدع والمحدثات والرد على أهلها و التشنيع عليهم ونبزهم وذمهم ، وصبروا على غربتهم راجين ثواب ربهم، فحصل لهم التمييز والعلو والرفعة والتمكين.
قال الفضيل بن عياض:" عليك بطريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين،وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين ".[ "الاعتصام (1/135) ].
وقال سفيان بن عيينة:" اسلكوا سبيل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهله ".[ أخرجه ابن عبد البر في التمهيد(17/429)].
وقال الإمام أبي عثمان الصابوني:" ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع، ووفور عددهم فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم -قال: إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل، والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمل بها واستقام عليها، ودعا بالسنة إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة ". [ "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"(ص 316) ].
واللهَ أَسألُ أنْ يَهدينا وإخواننا المسلمينَ إلى المسلكِ الحقِّ المبين، وأنْ يُعيذنا منْ مسلك المميعين والمخذلين ؛ إنه جوادٌ كريمٌ ، وهو نعمَ المولى ونعمَ النَّصيرُ .

المصدر (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=136041&hl=)