المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلم يقدم أهل العلم : ويرفع أهله في كل مجتمع ؟ كلام قيم للعلامة ابن باز رحمه الله تعالى.



أبوبكر بن يوسف الشريف
08-Jul-2014, 04:00 PM
العلامة ابن باز رحمه الله تعالى.


العلم يقدم أهل العلم، ويرفع أهله في كل مجتمع
من أكبر المشكﻼت التي يعاني منها طالب العلم، مشكلة انصراف المجتمع عنه، وعن
علمه، فهو ﻻ يشعر بمكانه المناسب له في المجتمع؛ ﻷن المجتمع المادي في هذا
العصر ﻻ يقيس اﻷشخاص إﻻ بمقدار الكسب المادي الحاصل من أي عمل، فما هو
العﻼج في نظر فضيلتكم؟

وكيف يعمل طالب العلم؟ هل يكون في مجتمع خاص يستطيع أن يتعلم ويعيش فيه؟ أم
ماذا يصنع؟

أرجو أن تقدموا لنا النصيحة التي استفدتموها من شيوخكم، واستفادها شيوخكم عن
شيوخهم .

هذا الذي قاله السائل ليس بصحيح، ولكن الصحيح أن العلم يقدم أهل العلم، ويرفع أهله
في كل مجتمع؛ فلو ذهب إلى أمريكا أو إنجلترا أو فرنسا أو أي مكان لرفعه علمه بين
اﻷقليات اﻹسﻼمية، وبين من يدعوهم إلى الله على بصيرة من نفس المشركين؛ ﻷنهم
سينقادون إلى الحق إذا عرفوه بأدلته الواضحة، وبأخﻼق أهله الكريمة .
فاﻹسﻼم هو دين الفطرة، وهو دين العدالة واﻷخﻼق، ودين القوة، ودين النشاط، ودين
المواساة، ودين كل فضيلة .
فطالب العلم الذي يسير على بصيرة يعرف اﻷدلة الشرعية، ويعرف أحكام اﻹسﻼم،
ويعمل بها، مرفوع الرأس أينما كان، ومحترم أينما حل، وﻻسيما بين جماعته وأهل بلده،
إذا عرفوا منه العلم والنصح، والصدق وعدم العجلة التي ليس لها ما يبررها، بل يكون
طبيباً حكيماً، يدعو إلى الله بالحكمة والرفق .
فهذا مرفوع الرأس، ومحترم أينما كان؛ في قرية أو قبيلة، أو غير ذلك، إذا كان متخلقاً
بالعلم قوﻻً وعمﻼً، مبتعداً عن أخﻼق الفساق والمجرمين .
فإن هذا وأمثاله محبوب عند الله، وعند عباده الصالحين، ما دام يعلم ويعمل، وينصح
إخوانه، ويعطف عليهم، ويحرص على نفعهم بعلمه، وأخﻼقه، وماله، وجاهه؛ كما فعل
اﻷنبياء والصالحون .
والقول بأن طالب العلم ﻻ محل له في المجتمع، وﻻ يلتفت إليه، قول في عمومه باطل،
غير موافق للواقع كما بينّا .
فطالب العلم البصير بدينه، الناصح لله ولعباده، مرفوع الرأس، ومحترم أينما كان؛ في
الطائرة وفي القطار، وفي البر والبحر، وفي أي مكان، إذا أخلص لله، وأظهر العلم
والدعوة إلى الله، وأحسن إلى الناس بالرفق والكﻼم الطيب، فله البشرى والعاقبة
الحميدة، والثناء الحسن من المجتمع، واﻷجر العظيم من الله عز وجل كما قال تعالى :
قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ
فَإِنَّ اللّهَ ﻻَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [1] ، وكما قال سبحانه : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [2] ، وقال جل وعﻼ يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه
وسلم : فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [3] ، واﻵيات في هذا المعنى كثيرة .
ثم لو قدر أن بعض الدعاة إلى الله لم يحصل مطلوبه، بل أوذي وامتحن، أليس له قدوة
في الرسل الذين أوذوا وامتحنوا، وأهانهم الناس، بل قتلوا بعضهم؟ فلطالب العلم أسوة
فيهم عليهم الصﻼة والسﻼم وفي تحملهم وصبرهم .
ولو فرضنا أن طالب العلم ما وجد اﻻحترام بين الناس، فإن ذلك ﻻ يضره؛ ﻷنه لم يطلب
العلم لهذا، وإنما طلب العلم؛ ﻹنقاذ نفسه من الجهالة، وﻹخراج الناس من الظلمات إلى
النور، فإن قبلوا منه، ورفعوا مكانته؛ فالحمد لله، وإﻻ فهو على خير، ولو قتلوه أو
أهانوه، فله أسوة بالرسل عليهم الصﻼة والسﻼم وبخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم
فقد أوذي وأخرج من بﻼده مكة إلى المدينة .
فالداعي إلى الله سبحانه الصادق المخلص له البشرى بالخير والعزة والكرامة، وحسن
العاقبة، إذا سلك الطريق السوي، وكان على خلق عظيم، وهدى وسيرة حميدة، من غير
عنف وﻻ شدة، وﻻ دخول فيما ﻻ يعنيه، فإنه على خير عظيم، كما حصل لﻸنبياء والرسل
عليهم الصﻼة والسﻼم ولخاتمهم وأفضلهم، وإمام الدعاة والمجاهدين نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم ثم ما حصل للتابعين لهم بإحسان، والله ولي التوفيق .
[1] سورة يوسف، اﻵية .90
[2] سورة العنكبوت، اﻵية .69
[3] سورة هود، اﻵية .49
مجموع فتاوى ومقاﻻت متنوعة المجلد الثالث والعشرون
رابط الصفحة من هنا
http://www.binbaz.org.sa/mat/3316