المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناقشة عبدالحميد الجهني في أفكاره المليبارية وأصوله الخلفية ( الحلقة الأولى)



أبو أنس بشير بن سلة الأثري
16-Jul-2014, 06:04 AM
مناقشة عبدالحميد الجهني في أفكاره المليبارية

وأصوله الخلفية ( الحلقة الأولى)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الكرام
أما بعد :
فإن من أعظم الكوارث والبلايا التي نزلت بالأمة الإسلامية ، وهي سبب في إرهاق قوتها وتمزيق صف أهلها وفشو الجهل والبدع بين أهلها ، أن يتصدى لدعوة وتربية شبابها أناس جهلة أصاغر علما وسنا ، يتبنوا أفكارا خاطئة ، نشأت وتولدت إما عن سوء فهم ، أو سوء قصد ، أو سوء تغذية ، ينشأون عليها ويتربون في أحضانها، وهم في نشأتهم عليها يمرون بمراحل عدة :
المرحلة الأولى : تكون عبارة عن فكرة علمية يتصورها صاحبها .
المرحلة الثانية : تتطور عنده حتى يحشرها في ديوان المسائل العلمية الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء .
المرحلة الثالثة : يظهر النصرة لهذه الفكرة ، وذلك بتتبع وتشبث بكل قول يخدمها ، وفي هذه المرحلة يبدأ يخطئ أهل القول الثاني الذين يخالفون فكرته، مع إظهاره الاحترام للطرف الثاني .
المرحلة الرابعة : في هذه المرحلة يبادر أهل العلم إلى نصيحته ، وقد يظهرون الرد عليه ، وبيان موطن الضعف فيما ذهب إليه ، وسوء اتجاهه الذي سلكه ، فما يكون منه إلا أن يواجههم بالرد وتخطئتهم وتجهيلهم وتنقص فهمهم وعلمهم ومكانتهم ، وتبدأ تظهر منه معالم التعالم والعجب ، ونصر مقالته بكل وسيلة ومبدأ تعضد فكرته ، مهما كانت قذارتها .
المرحلة الخامسة : ينصب العداوة والتبديع لكل من خالف فكرته ، ويعقد الولاء والبراء عليها ، ويحزب الأمة من أجلها .
فهذا أصل منشأ المصائب والبلايا هذا الصنف المتطفل المتعالم المتمجهد ، أن تكون بدعتهم عبارة عن فكرة صغيرة لا يوالي عليها ولا يعادي ، إلى أن تتطور وتنمو حتى تصبح نحلة يعقد عليها الولاء والبراء والحروب والاقتتال ، وتفريق الأمة ، وتضليل الأئمة .
وصدق الإمام البربهاري ـ رحمه الله ـ إذ يقول في " شرح السنة" (ص 37 ـ 39)
(( واحذر صغار المحدثات من الأمور؛ فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان به فخالف الصراط المستقيم، فخرج من الإسلام ..
واعلم أن الخروج من الطريق على وجهين؛ أما أحدهما: فرجل زل عن الطريق، وهو لا يريد إلا الخير، فلا يُقتدى بزلته، فإنه هالك، وآخر عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين، فهو ضال مضل، شيطان مريد في هذه الأمة، حقيق على من يعرفه أن يحذر الناس منه، ويبين لهم قصته؛ لئلا يقع أحد في بدعته فيهلك.))
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(19/ 48 ـ 49)
(( وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ فِي الْبِدَعِ اجْتِهَادًا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا لِأَنَّهَا تُخْرِجُهُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ؛ سَبِيلِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ إلَى بَعْضِ سَبِيلِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ.))
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في " السير"(14 / 273) في ترجمة الغزالي :(( وقال عن بعضهم : إِذَا رَأَيْتَهُ فِي البِدَايَة، قُلْتَ: صديقاً، وَإِذَا رَأَيْتهُ فِي النِّهَايَة، قُلْتَ: زِنْدِيقاً ))

ولك يا أيها القارئ الكريم أن تتأمل في أصل منشأ فتن المتحزبة المعاصرين من رؤوس السرورية والقطبية والحدادية والمميعة والمليبارية ما تجدها إلا ما نبه عليها هؤلاء الأئمة العظام ، وأشرت إليه ، وقد أشار العلامة القدوة عبيد الجابري ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى هذه الحقيقة في خاتمة مقاله (تنبيه الفطن الكيّس إلى كشف تعقبات أخينا الشيخ عبد العزيز الريس) إذ قال : (( الأمر الثاني: أحذّر طلاب العلم في كل مكان رجال ينشئون لهم أقولاً ويؤسسون لهم قواعد من تلقاء أنفسهم وحسب فهمهم فإن أولئك وإن انتسبوا إلى العلم والسنة ظاهراً فإنهم متعالمون ودعاة سوء وصرف للخاصة والعامة عن علماء العصر الذين عرفوا بجلالة القدر والسابقة في الفضل والسير في نصح الأمة ودعوتها على مسلك الأئمة قبلهم.))
فمن هؤلاء المتمجهدة المتعالمة الذين تبنوا أفكارا خاطئة وتطوروا في إظهارها وإنعاشها على ما نبهت عليه ، عبدالحميد الجهني ، فهذا المتمجهد حديث العهد بإظهار عداوته لأهل السنة وأئمتها بلباس محاربة الإرجاء ، وتحقيق مسائل الإيمان .
فلا يخفى على أهل السنة فتنته ، ورميه جماهير أهل السنة الذين لا يكفرون تارك الصلاة تهاونا وكسلا بالإرجاء ، ونسفه أقوال الأئمة الذين لا يكفرون تاركها ، وطعنه في الإمام ربيع
بن هادي المدخلي ، وحربه المقذعة على أهل سحاب السلفية .
فهذه الجرائم التي صدرت منه تأسفت منه ، إذ أنها تصدر من رجل يدعي السنة ونصرة أهلها والدفاع عن أئمتها والتنسك والورع والتمسك بالآداب السلفية ، فحملني هذا التأسف على أن أتأمل وأتفكر في منشأ مخالفته والنظر في البواعث والعوامل التي أوصلته إلى الوقوع في هذه الجرائم ، وذلك بالرجوع إلى أشرطته وسبر مقالاته ، فوجدت من الطامات والمخالفات ما يندى له الجبين والتي من أهمها :
1 ـ تبنيه أصول المليباري في تفريقه بين منهج المتقدمين والمتأخرين في تعليل الأحاديث
2 ـ اختراع الاستدراكات والانتقادات على أئمة الحديث والسنة لم تعهد من أهل الحديث
3 ـ تلونه واضطرابه في مسألة العذر بالجهل
4 ـ طعنه في أئمة السنة والحديث السابقين واللاحقين الذين لا يكفرون تارك الصلاة ورميهم بالإرجاء
5 ـ لا يرفع رأسا بردود أهل العلم على المخالف ، وزعمه أنها من باب الانتصار لنفس كما أدعى ذلك في ردود الإمام ربيع المدخلي على المخالف ، لهذا تجده لا يتحاشى في دروسه أن يذكر أهل البدع ويثني عليهم ويشيخهم بدون التنبيه على مخالفاتهم وتحذير الأمة منهم .
6 ـ تبنيه أصولا تدعو إلى الشدة مما كانت سببا في خروجه عن الاعتدال والاتزان إلى الغلو .
فهذا مجمل ما ثبت عن الرجل من المخالفات التي سجلت عنه في أشرطته ومقالاته ، مما لا تستدعي ريبا ولا شكا في أن الرجل على خلاف منهج أهل السنة والجماعة في تقرير عقيدة أهل السنة ، وأنه يركض وراء قواعد المليباري والتكفيريين والمميعة لتخريب أصول أهل السنة والطعن في أئمتها السابقين واللاحقين .
أما تفصيل بيان مخالفاته فيكون على الوقفات التالية .

الوقفة الأولى : تبنيه أصول وقواعد المليباري في التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في تعليل الأحاديث .

قال فضيلة الشيخ الدكتور محمد بازمول ـ حفظه الله ـ في (مصطلح منهج المتقدمين و المتأخرين مناقشات و ردود)(ص 6 ـ 7) : (( إن قضية منهج المتقدمين والمتأخرين في علوم الحديث من القضايا التي أثيرت في وقتنا، ولم يسبق لها أن تثار بهذه الطريقة حيث رتب عليها أمور خطيرة، وصار لها دعاة، ينافحون عنها، ويصنفون فيها، ويدرِّسون بها؛ مما أوجب النظر فيها، والوقوف عندها؛ لكشف اللبس الحاصل فيها؛ إذ فيها كلام هو حق، ولكن بعض الناس يريد بهذا الحق غيره؛خاصة وأن بعضهم قد هاجم هجوماً عنيفاً كتاب ابن الصلاح المشهور بـ "مقدمة ابن الصلاح"، إذ هو إمام المتأخرين، فوصفه بأنه "كتاب مدرسي"، "سطحي"، "غير مرتب"، يفرق أجزاء النظرية الواحدة في علم الحديث.
وشن آخر هجوماً شديداً على ابن حجر العسقلاني في كتابه "نزهة النظر"، ووصفه بأنه يغير معاني المصطلحات عمّا كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً، وأقذع فيه، حتى قال: "لـ (النزهة) - في مواضع منها - منهجاً غير سديد في فهم المصطلح، قائماً على (فكرة تطوير المصطلحات) التي كررنا التأكيد على خطرها، وأثرها المدمر على علوم الحديث"ا.هـ.
وقال: "رأيت لـ (نزهة النظر) في بعض مباحثه منهجاً غريباً على علوم السنة، وغاية أغرب في تفسير مصطلحاتها. وأحسب هذا المنهج والغاية خطيرين على السنة النبوية وعلومها، فلم أر الأمر يسعني بالسكوت عن ذلك"ا.هـ. ))
قلت ( بشير) : لا يخفى على طلبة العلم وأهل الحديث أن قضية التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في علوم الحديث قد ابتكرها واخترعها حمزة المليباري ونادى بها ونصره عليها اتباعه للطعن في علماء الحديث الذين خدموا علومه وحملوا لواء الدفاع عنه وعن أئمته السابقين واللاحقين، فما كان من أهل الحديث إلا أن يتصدوا لفتنه فأزهقوا أباطله وكشفوا أكاذيبه ، حتى أصبحت نحلته من أفضح النحل المبتدعة ، ظاهرة علامتها في الطعن في أئمة السنة المتأخرين والمعاصرين ( ابن الصلاح وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن حجر وأحمد شاكر والألباني وربيع المدخلي ) ، التي هي نفس بلية الحدادية ([1] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn1)) التي تسعى إلى إسقاط هؤلاء الأئمة العظام ، إذ تقرر عندهم إن بإسقاط هؤلاء الأئمة يسقط ما خدموه من السنة وعلومها ، فيسهل لهم عبور الجسر للطعن في المتقدمين وأصولهم السلفية الأثرية .
فلما انكشفت نحلتهم وبانت جرائمهم المتمثلة في الطعن في أئمة السنة ، استدركوا ضعفهم بدس جنودا لهم في صفوف أهل الحديث ، يتظاهرون باحترام أئمة السنة المتأخرين وذر الرماد في الدفاع والثناء عليهم ، لكن لا يتنازلون عن تقرير أصول أسيادهم الحدادية والمليبارية التي تحملهم على تخطئة أئمة السنة والحديث واحتقار أعمالهم ونسف جهودهم وغمزهم متى سنحت لهم الفرص على مبدأ ( فم يسبح ويد تذبح )
وهذا ظاهر من تصرفات وأفاعيل عبدالحميد الجهني ، ولك الحق يا أيها القارئ الكريم بهذه المناسبة أن تطالبني بدليل على ما ألصقته بالجهني وأثبته عنه ؟
أقول :
هو قد أظهر هذا المنهج الخبيث وقرره في عدة من شروحاته ، منها في شرحه لكتاب
( الباعث الحثيث ) ، وفي تعليقه على كتاب ( عدة الصابرين) .
قال في شرحه الباعث الحثيث عند قول المؤلف : " وحكي عن لبخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة. "
قال العلامة أحمد شاكر معلقا :" وهو الحق الذي لا مرية فيه "
قال الجهني معلقا على كلام العلامة أحمد شاكر ( ش 18د22 ) : (( لا والله فيه أكبر مرية .. الشيخ أحمد شاكر رحمه الله .. في بعض المسائل يخطئ فيها وهو رحمه الله معروف عنه بالتساهل في التصحيح وفي التوثيق ، ومن نظر في أحكامه في حاشية المسند يعلم ذلك يقينا ، وكذلك حتى في أحكامه في حاشية الترمذي .. يعلم أن الشيخ أحمد رحمه الله كان متساهلا وربما رجح بعض المسائل وبعض القواعد وهي مرجوحة ضعيفة وهو رحمه الله يعتمد توثيق ابن حبان ويعتمد كذلك توثيق المجاهيل وهذا الذي أودى به ، أفضى به إلى أن يصحح أحاديث كثيرة ضعيفة ، فهو متساهل من جهة التوثيق لرواة ضعفاء ، ومتساهل من جهة تصحيح أيضا لأحاديث ضعيفة ، وربما تجاسر رحمه الله على مخالفة الحفاظ الأولين ، وأحيانا لا يبالي هناك شبه الاتفاق يكون بين الأقدمين يأتي هو يخرقه لبعض القواعد الضعيفة ، فهنا الشيخ رحمه الله يتبنى رأيا ضعيفا وهو أن الزيادة من الثقة مقبولة مطلقا ، يقول الشيخ هنا " الحق الذي لا مرية فيه " ، هذه المجاسرة ، لو أن الشيخ أحمد عبر بغير هذا التعبير ، لو قال : هذا هو الراجح ، أما الاندفاع هذا " الحق الذي لا مرية فيه " هذا ليس بسليم لا في التعبير وليس بسليم حتى في المسألة ، ما هو صحيح ، بل فيه أكبر مرية كما ذكرت ))
قال في ( ش 20 د16) : (( .. ينفرد بالحديث يعني ما يحتمل التفرد هذا النوع الثاني يطلقون عليه المنكر ، يقولون : هذا منكر ... مع ذلك يغلط كثير من المتأخرين يأتون إلى مثل هذا ويقولون ما حكم هذا الراوي ؟ قالوا : صدوق ، طيب صدوق حديثه حسن ، فيحسنون الحديث ولا ينتبهون إلى قضية التفرد هذه التي يعل بها الحديث ..
فنحن يا إخواننا إذا رأينا الحديث يرويه الصدوق ، ورأينا العلماء الأولين أنكروه عليه ، وأعلوه بالتفرد ، فنحن ما ينبغي أن نخالفهم في ذلك ، هم أعلم ، كما أننا استفدنا من أحكامهم في الجرح والتعديل ، ينبغي علينا أن نستفيد من أحكامهم في تعليل الأحاديث ،
أما أن نأخذ أحكامهم في الجرح والتعديل ونترك أحكامهم في التعليل ، لا ما هو مقبول ... يأتي حديث ينهلون عليه كلهم ويرمونه عن قوس واحد . حديث ضعيف .. فإذا بعالم معاصر أو باحث معاصر يقول : لا أبدا هذا حديث صحيح ، ما شاء الله ، وأحيانا من صغار طلبة العلم ))
وقال في (ش 21 د3) : (( ينفرد الثقة بحديث لا يرويه غيره هو وحده فقط يرويه فهذا أحيانا العلماء يردونه ويسمونه منكرا ، ينكرونه على راويه ، وهنا تأتي الخلافات ، فيأتي الحفاظ المتقدمون مثلا أو كثير منهم ويقول : هذا حديث منكر ..وقد يأتي بعض المتأخرين فيقول : انفرد به الثقة والثقة حديثه صحيح ، فإذا هذا حديثه صحيح ))
وقال في نفس الشريط ( د 12) : (( إذاً الحديث المنكر عند العلماء يطلق على أنواع .
النوع الأول : ينفرد الثقة بحديث ما يقبله العلماء مع أن الراوي صدوق ، أوجيد ، أو ثقة يقبل ، ولكن العلماء يقولون هذا الحديث فيه شيء ، يكون الراوي ثقة لكن هذا الحديث يردونه ، يضعفونه كالحديث ليحيى بن أبي سليمان في الشفعة ، وهو ثقة ، العرزمي ، لكن شعبة أنكره ثم تلاميذه القطان ومهدي أنكروه ثم تلاميذهم يحيى بن معين وأحمد بن حنبل كانوا قد أنكروه ، مع أن الراوي ثقة ، لكن هذا الحديث ..
هو عراقي رواه عن الحجازيين ، فجاء المتأخرون فقالوا : صحيح ، طيب لماذا ؟
قالوا : الرجل ثقة .. طيب الآن تأملوا شعبة تلميذه أنكره عليه ، وقال لو جاء بحديث أخر مثل هذا لطرحت حديثه ، وكذلك تلاميذ شعبة كيحيى بن سعيد القطان أنكره ثم أحمد بن حنبل أنكره ثم ابن معين أنكره يعني خمسة تقريبا من الحفاظ أنكروا الحديث ، فمع الأسف أنه ـ يعني ـ يأتي مثلا كالحافظ عبدالهادي رحمه الله في كتابه التنقيح ويصحح الحديث ويقول : أن شعبة لم يكن فقيها ...))
قال في ( ش 22 د 14) : (( قلنا إن من الأغلاط التي تقع عند كثير من الباحثين
بل من المحدثين المتأخرين أنهم لا يرفعون رأسا لكلام الأولين ولا سيما في تعليلهم للحديث ، وأيضا يأخذون بأقوالهم في الجرح والتعديل ويتركون أقوالهم في التعليل وهذا ليس بجيد ))
وقال في نفس الشريط ( د 15 ) : (( يقول هنا السائل : بناء على الكلام المتقدم رأي الشيخ الألباني في تحسين الحديث الصدوق هل هو مخالف لهذه القاعدة ، أنه يجب علينا الأخذ بجرح القدماء وتعديلهم وحكمهم على الحديث إلى أخر السؤال؟
الجواب : الأخ هنا كأنه ولشيء في ذهنه ظن أن هذا الكلام يشابه كلام بعض المغرضين اليوم الذين يردون إسقاط الشيخ الألباني أو غيره من أهل السنة .
لا يا أخي ، هذا الكلام ليس ككلام هؤلاء ، وإن شابه كلامهم في بعض النواحي ، وهؤلاء الذين يتكلمون كالمليباري وغيره ، يعني كلامه ليس كله باطلا ومردودا عندهم جوانب يتكئون فيها على كلام الأولين ، ولكن طبعا كما قيل لهوى النفوس ، سريرة لا تعلم ، نعوذ بالله أن نتكلم بالهوى ، أو يكون في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، أن يكون في قلوبنا غلا لأهل العلم ، نعوذ بالله من ذلك ، ونحن نبرأ إلى الله من هذا ونجل العلماء المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين نجلهم ونحترمهم ، لكن يا أخي كما قال عبدالله بن المبارك : إذا ذكر العلم لم يذكر الأسماء أو الشيوخ ، يعني عند تقرير القواعد ، وعند تقرير العلم لا تقول : فلان وفلان
أنا ليس في ذهني وأنا أتكلم بهذا الكلام ليس في ذهني لا الشيخ الألباني ولا غيره ))
إلى أن قال في ( د 24) : (( هذا الذي نقوله : حديث معلول ، الآن إذا نظرت في كلام أحمد شاكر مثلا في سنن الترمذي ، الشيخ أحمد ـ عفا الله عنه ـ يرد على الترمذي ويصحح الحديث ، هذا يعني المشكل ، كذلك في بلوغ المرام مثلا : الحافظ ابن حجر رحمه الله لما ذكر هذا الحديث قال : وهو حديث معلول ، والحافظ في هذا يسير على منهج الأئمة الأولين .. فإذا بالمحقق ـ عفا الله عنه ـ يقول : صحيح ويخالف ، ويقول : ليس كل علة تقدح في الحديث !! ، أرأيت ؟ يعني هذا الذي نحن ننبه عليه ، شوف الحديث اتفاق الحفاظ من السلف على أنه معلول ، وعلى أنه غلط ، بل أفتى أحمد بن صالح المصري المعروف بالطبري أفتى بأنه ما تحل روايته إلا إذا بينت علته ، مع ذلك يأتي المتأخرون ويصححونه هكذا سلاما سلاما ، وكما من حديث فعلوا فيه هكذا ، هذا الذي يعني نحن ننبه عليه بغض النظر عن الشيخ الألباني ، أوالشيخ أحمد شاكر ، أو الحافظ ابن حجر أو البيهقي ... أنا في الحقيقة أنبه إخواني طلاب العلم ، إذا كانت مناقشة علمية لا تذكر الأسماء ، لا تقول : فلان وفلان ، هذا إحراج يا أخي ))
وقال في تعليقه على كتاب عدة الصابرين ( ش 18د11) : (( هذه المسألة الآن غريبة في العصر الحاضر ، الحديث يكون له طرق يضعفه الأئمة الأولون كأحمد أو كابن معين أو كالنسائي وغيرهم من الأئمة ويطعنون فيه ويردونه فيأتي المعاصرون ، يقولون : لا حديث حسن ، لماذا حسن يا إخواننا ؟
قالوا : له طرق يقوي بعضها بعضا .
هل خفي هذا على النسائي وأحمد بن حنبل والبخاري ، إن كان أحمد يقول هذا الحديث له خمسة الطرق ، فإذا هو حسن .
لكن لا ، هذه ما عندهم ، ينظرون إلى الأسانيد هذه الواهية أو الضعيفة أو التي فيها كلام ، ثم يتأملون أيضا في المتن ولهم ذوق رفيع جدا ، ما هو عندنا الآن ، ولا عند قبلنا حتى .
فالحديث إذا ضعفه الأولون ، ما نصححه ولا نحسنه إلا بحجة قوية .))
فبعد عرض لكلام المتمجهد المتعالم الجهني وذلك ليتأمل القارئ معنا في أصول المنهج الذي يقرره ، نوجز للرد عليه على الأوجه التالية :
الأول : قد ملأ شرحه كتاب " الباعث الحثيث " ، مصطلح منهج المتقدمين والمتأخرين ، ونصب غضبه على المتأخرين بالانتقاد والانتقاص ، سالكا منهج المليباري المقرر في كتابه " الموازنة" ، وهذا لم نعده من مشايخنا الفضلاء شراح كتاب " الباعث الحثيث " وكتب " مصطلح الحديث" : مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ ، ربيع المدخلي ، وصي الله عباس ، عبدالله البخاري ـ حفظهم الله ـ ، فمشايخنا مادتهم عرض قواعد الحديث ومذاهب أئمته مع ضرب الأمثلة في تقريرها وإيضاحها ، بدون الخوض أو التشكيكات التي رجف بها الجهني في تفريقه بين منهج أئمة الحديث المتقدمين والمتأخرين في تعليل الأحاديث ، وكأن هؤلاء المتأخرون أصطنعوا منهجا مبتدعا لا يمت بصلة بمنهج السلف الصالح في تعليل الأحاديث والتقعيد.
قال فضيلة الشيخ محمد بازمول في (مصطلح منهج المتقدمين و المتأخرين مناقشات و ردود)(ص 15) : ((مصطلح "منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين" مصطلح حادث، أكثر استعماله بعض الناس، على معنى يريدونه.))
ثم ، والله يا أخوتاه أنا أسمع إلى شرح الجهني ونفسي تتشوق وتتطلع أن تسمع منه ضرب الأمثلة وتنتظر الاستدلال بالآثار لتقريب مادة كتاب (الباعث الحثيث) ، وتوضح قواعد أهله وتقاسيمهم لطلاب العلم ، ولكن يا لغربتها وبعدها عند هذا الصنف المتمجهد المتشبع بما لم يعط ، لعجزهم في تقريرها وجهلهم بها ، فهم ينشطون للإفساد أما البناء فله رجاله
الثاني : قد أزبد وأرغد الجهني بانتقاص المتأخرين والاعتراض عليهم ، وأكثر من إلصاق مخالفتهم للمتقدمين ، ولكن لم يبين لنا ما هي مواطن مخالفتهم لهم ، وذلك بضرب الأمثلة والإحالة على مواطن المخالفة، لينظر القارئ صحة ما أدعاه عليهم .
الثالث : لا يُجنى من تشغيبات الجهني والمليباري على علماء الحديث المتأخرين إلا نبذ ما قرروه جملة وتفصيلا من العلوم وعدم الاستفادة منهم ونسف جهودهم المتمثلة في خدمة السنة ، وإلا فهذه المباحث من التفرد ، وزيادة الثقة ، وتقوية الأحاديث الضعيفة بالمتابعات ، التي شغب بها الجهنى على أئمة الحديث المتأخرين وقبله المليباري ، ما هي إلا معتمدة من عمل وقول المتقدمين ، ولله در فضيلة الشيخ الدكتور محمد بازمول ، فقد أوضح في كتابه الفذ (مصطلح منهج المتقدمين و المتأخرين مناقشات و ردود) هذه المسألة أيما إيضاح مما لا تجده عند غيره ، ومما زاده بهاء وجمالا تعليقات فضيلة الشيخ العلامة ربيع المدخلي عليه
قال الشيخ محمد في(ص34 ـ 35) مبينا فساد حقيقة دعوة التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في التقعيد وتعليل الأحاديث التي شغب بها المليبارية على أهل الحديث وعلى نسقهم يرجف الجهني : ((ظاهر هذا الكلام الدعوة إلى نبذ ما قرره المتأخرون جملة وتفصيلاً، وعدم الاستفادة منه، و لا البناء عليه، وهذا باطل من وجوه ليس هذا محل ذكرها ...
والرجوع إلى كلام العلماء المتقدمين والمتأخرين والاستفادة منه، وذم التقليد للقادر على البحث والنظر ؛ أصل مقرر، لا كلام فيه، لكن الإلزام بالرجوع إلى كلام المتقدمين واطراح كلام المتأخرين جملة وتفصيلاً هو الحيف والظلم والتناقض الذي لا نريده.
ثم هناك فرق بين اتباع الدليل وبين اتباع كلام العلماء، فكلام العلماء يحتاج إلى الدليل، لا العكس، وأنت في مسائل المصطلح تدعو إلى أن نتعامل مع كلام المتقدمين كتعاملنا مع الدليل، وتصف من اتبع كلام المتأخرين وأخذ به بأنه كالمقلدة ، وهذا تفريق بين متماثلين؛ يوضحه أننا إنما نتبع خبر المتأخرين عن قواعد علم الحديث التي سار عليها المتقدمون كما نتبع خبر المتقدمين فيما ينقلوه لنا عن الأسانيد وأوصافها!
فكما أن الأخذ بكلام المتقدمين ليس من باب التقليد فكذا اتباع كلام المتأخرين.([2] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn2))
ولا يقال: إن المتقدمين أعلم وأتقى وأبعد عن قوالب العلوم الدخيلة، فهذا لا محل له هنا
وكما أن كلام المتأخرين خبر يشوبه اجتهاد كذا كلام المتقدمين خبر يشوبه اجتهاد ليس بخبر محض، ومن جهة الاجتهاد الذي يشوب خبرهم يدخل النظر والبحث؛ فافهم واتئد!
فإذا تبينت أن المتأخرين ساروا على أساس الاستفادة من كلام المتقدمين واعتماده في التقعيد لهذا العلم، فلماذا تستكثر عليهم وتلومهم وتعتبر أن هذا خطأ خطير مبنياً على مناقضة أهل الاصطلاح في اصطلاحهم؟
وإذا تذكرت أنه لا يوجد لدى المتقدمين اصطلاح (دقيق محدد)، إنما كانت توجد اصطلاحات خاصة لكل إمام منهم، فهم متفقون في المعنى و لكن لكل اصطلاحه
في التعبير عنه، مما يستوجب النظر في دلالة ألفاظهم وعباراتهم كما ذكر المتأخرون ،
و لا أظنك تخالف في هذا ))
وقال في ( ص 40) : ((لم يدخل المتأخرون شيئاً في علوم الحديث وهو خارج عنه ))
وقال ـ حفظه الله ـ مبينا حقيقة وهاء قولهم " تساهل المتأخرين في تطبيق قواعد علم الحديث، فتراهم يقوون الأحاديث الضعيفة، بطرق ما جرى عليها المتقدمون، بل هم يقوون الأحاديث بتعدد الطرق، وهذا شيء لا يوجد عند المتقدمين، فإن المنكر منكر أبداً كما قال أحمد بن حنبل رحمه الله .
بل هم يتساهلون في علل الحديث فبعض ما كان علة عند المتقدمين ليس بعلة عند المتأخرين، كالتفرد، و الزيادة من الثقة التي يطلقون القبول بقبولها. "
الذي هو عين ما رجف به الجهني ـ كما هو في كلماته المنقولة عنه ـ، والتي من أجلها صب غضبه على العلامة المحدث أحمد شاكر ورماه بكل نقيصة فلنفاسته أنقله بلفظه إذ أنه أستوعب جميع المباحث التي شغب حولها الجهني فهي رد قوي عليه:
قال الشيخ محمد ـ حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية ـ :
((أن من المقرر حصول تساهل لدى بعض العلماء في تطبيق مسائل الحديث، وخاصة
في باب تقوية الحديث الضعيف، وفي باب العلل الحديثية.
وهذا التساهل يلاحظ فيه ما يلي:
1 : أنه أمر نسبي، فما كان تساهلاً بالنسبة إلى فلان مثلاً، قد يكون تشدداً بالنسبة إلى فلان. وقد يكون القول تساهلاً من جهة ومن جهة أخرى فيه تشدداً.
2 : أن التساهل لم ينج من الوصف به حتى بعض الأئمة من المتقدمين، سواء منهم من كان في القرون الثلاثة، أم من جاء بعدهم كابن خزيمة وابن حبان والحاكم رحمهم الله.
و لا ينفع القول: إن المراد بالمتقدمين من عرف بالتشدد أو الاعتدال في لزوم المنهج؛ لأن هذا الوصف أمر نسبي، فالإمام الواحد الموصوف بالاعتدال وعدم التساهل والتشدد، قد يقع وصفه في قضية بالتساهل وفي أخرى بالتشدد، فالأمر نسبي.
ووقوع التساهل قضية لم يمنع الأئمة من الوقوع فيها في ذلك العصر اعتمادهم على الأسانيد في تصانيفهم، و درايتهم بالطرق والأحاديث، وأحوال الرواة، بما لا مجال للقياس والمقارنة فيه بالمتأخرين عنهم زماناً .
أقول : فإذا كان الحال كذلك ووقع التساهل، ففي عصرنا وزماننا أولى و أوكد، فالمدار إذا على الحجج والبراهين لمن استطاعها، وملك من آلتها ما يؤهله للنظر والبحث، مع مراعاة حق المتقدمين والتسليم لهم في المواضع التي ينبغي فيها ذلك.
3 : قضية التساهل في تطبيق مسائل المصطلح هي كقضية التساهل الموجود عند بعض الأئمة في الجرح والتعديل، فكما أن هؤلاء الأئمة – رغم تساهلهم – لم يطرح قولهم، وإنما يستفاد منه، ويعتمد في مواطن، كذا هنا.
4 : التساهل في التطبيق له حالتان :
الأولى : التساهل بحيث يجعل الحديث الصحيح ضعيفاً، والضعيف صحيحاً.
والثانية : التساهل الذي لا يترتب عليه إلا تغيير في مسمى الحديث.
والحالة الأولى هي الخطيرة، ولكن وجودها ليس كثيراً فيما نسب إليه المتأخرون من تساهل، والله اعلم.
ولعل مسألة تقوية الحديث الضعيف بتعدد الطرق تصلح مثالاً، فإن بعض الناس يقول: إن المتقدمين لا يقوون الحديث الضعيف بتعدد الطرق التي بمثله أو دونه.
وبعضهم ينسب تقوية الحديث الضعيف شديد الضعف التي جرى عليها بعض المتأخرين إلى التساهل والخروج عن ما عليه أهل الحديث ، وكثر التشنيع على المتأخرين بهذا؛ فإليك عرض المسألة:
أولاً : تقرير أن تقوية الحديث الضعيف بالضعيف مما جرى عليه عمل الأئمة:
للتقوية بالمتابعات أصل من تصرفات الأئمة ألا تراهم بها يكشفون عن مدى ضبط الراوي، فهم يعتبرون حديثه بأحاديث غيره من الثقات فإن كثرت موافقته لهم حكموا له بالضبط، وإن كثرت مخالفته لهم حكموا عليه بعدم الضبط، وما بين ذلك حكموا عليه بحسب حاله، وأنزلوه المرتبة المناسبة له؛ فالاعتبار إعمال من الأئمة للتقوية بالمتابعات، وكما أن الاعتبار يكشف عن حال الراوي فقد يقويه وقد يضعفه وكذا تعدد طرق الحديث قد يقوّي الحديث، وقد يكشف عن علة فيه، وموضوع هذا الفصل المتابعات التي يحصل منها تقوية للحديث الضعيف([3] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn3)).
وقد كان أئمة الحديث يكتبون حديث الراوي الثقة وغيره، ويخرجوها في كتبهم، ولهم في ذلك أغراض.
قال سفيان الثوري (ت161هـ) رحمه الله : "إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه :
أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينا .
وأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه [اعتبر به].
وأسمع من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته"اهـ([4] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn4)).
وكان أئمة الحديث يميزون حديث الرواة الضعفاء؛ فمنه ما يكتبونه لمعرفته دون روايته، كما قال يحي بن معين (ت232هـ) رحمه الله: "كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا خبزاً
نضيجاً"([5] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn5)).
ومنه ما يكتبونه ويحدثون به، للحاجة إليه، كما قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله لما سئل : يحدث الرجل عن الضعفاء مثل : عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حَكَّام ومحمد بن معاوية وعلي بن الجعد وإسحاق بن أبي إسرائيل؟ فقال: لا يعجبني أن يحدث عن بعضهم"([6] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn6)).
ولما سئل عن كتابة أحاديث الضعفاء قال: "قد يحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتابة عنهم باساً"([7] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn7)).
وقال الحاكم أبو عبدالله (ت405هـ) رحمه الله: "ولعل قائلاً يقول: وما الغرض في تخريج ما لا يصح سنده و لا يعدل رواته؟ والجواب عن ذلك من أوجه:
منها : أن الجرح والتعديل مختلف فيه، وربما عدّل إمام وجرح غيره، وكذلك الإرسال مختلف فيه؛ فمن الأئمة من رأى الحجة بها، ومنهم من أبطلها، والأصل فيه الإقتداء بالأئمة الماضين رضي الله عنهم أجمعين.
كانوا يحدثون عن الثقات وغيرهم، فإذا سئلوا عنهم بينوا أحوالهم ... لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين (يعني: الحجازيين والكوفيين) عن مطعون فيه من المحدثين، وللأئمة رضي الله عنهم في ذلك غرض ظاهر، وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه والمنفرد به عدل أو مجروح"اهـ([8] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn8)).
فإن قيل: كيف يقبل حديث الراوي الضعيف، وهو ضعيف مردود الرواية؟!
فالجواب : أننا حينما نقوي الحديث ونقول هو في حيز القبول، لا نستدل و لا نقبل رواية الضعيف بمجردها، و لا نقبل طريقاً على إفراده، إنما نقبله بمجموع الطرق، وهو ما يسمى بالهيئة المجموعة، ومعلوم أن الهيئة المجموعة غير الطريق الضعيف، كما نثبت العلم بنقل الكافة، وهو الهيئة المجموعة في الحديث المتواتر، حتى ولو كان أفرادها غير ضابطين([9] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn9)).
قال السخاوي (ت902هـ) رحمه الله: "وأيضاً فالحكم على الطريق الأول بالضعف إنما هو لأجل الاحتمال المستوي الطرفين في سيء الحفظ مثلاً هل ضبط أم لا؟ فبالرواية الأخرى غلب على الظن أنه ضبط"اهـ([10] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn10)).
وقال أيضاً في معرض تعليله اشتراط تعدد الطرق في تقوية الحديث الضعيف على حد الحسن عند الترمذي : "ليترجح به أحد الاحتمالين، لأن سيء الحفظ مثلاً حيث يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي، ويحتمل أن لا يكون ضبطه، فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجه آخر غلب على الظن أنه ضبط، وكلما كثر المتابع قوي الظن، كما في أفراد المتواتر فإن أولها من رواية الأفراد ثم لا تزال تكثر إلى أن يقطع بصدق المروي، و لا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه"اهـ([11] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn11)). ))
إلى أن قال حفظه الله : (( وهذا الإمام الشافعي (ت204هـ) رحمه الله من أئمة المتقدمين الجامعين بين الإمامة في الفقه والحديث، قرر تقوية الحديث المرسل وهو من نوع الضعيف بتعدد الطرق، فقال فيما نقله من حوار دار بينه وبين محاوره: "فقال: فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على من علمه وهل يختلف المنقطع أو هو وغيره سواء؟
قال الشافعي : فقلت له : المنقطع مختلف؛ فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي اعتبر عليه بأمور:
منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه. وأن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما يفرد به من ذلك.
ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوي به مرسله وهي أضعف من الأولى.
وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله.
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي.
قال الشافعي : ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم [يسم] مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه.
ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
ومتى ما خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا منهم قبول مرسله.
قال : وإذا وجدت الدلائل بصحة حديث بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله.
ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل.
وذلك أن معنى المنقطع مغيب، يحتمل أن يكون حمل عن من يرغب عن الرواية عنه إذا سُمِّى، وأن بعض المنقطعات ـ وإن وافقه مرسل مثله ـ فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا، من حيث لو سُمِّى لم يقبل، وأن قول بعض أصحاب النبي ـ إذا قال برأيه لو وافقه ـ يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء . ...."اهـ([12] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn12)).
فهذا كلام الشافعي فيه ما يفيد التقوية بتعدد الطرق.
وعن أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله : "ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار و الاستدلال، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشدّه لا أنه حجة إذا انفرد"([13] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn13)).
وقال رحمه الله: "ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب اعتبر به، ويقوِّي بعضه بعضاً"اهـ([14] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn14)).
وقال أيضاً رحمه الله، لما ذكر له الفوائد: "الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبداً منكر"اهـ([15] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn15)).
وفي رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري: "قيل له (يعني: لأحمد بن حنبل) فهذه الفوائد التي فيها المناكير، ترى أن يكتب الحديث المنكر؟
قال: المنكر أبداً منكر.
قيل له: فالضعفاء؟
قال: قد يحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتاب عنهم باساً"اهـ([16] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn16)).
عن أحمد بن أبي يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول: "أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي أحاديث يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها"([17] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn17)).
بل نص الترمذي رحمه الله على تسمية حديث من لا يتهم إذا روي من غير وجه ولم يكن شاذا بأنه حديث حسن عنده.
قال الترمذي (ت279هـ) رحمه الله: "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا: كل حديث يروى:
لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب.
ولا يكون الحديث شاذا .
ويروى من غير وجه نحو ذلك.
فهو عندنا حديث حسن"اهـ([18] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn18)).
ومن ذلك ما تراه من وصف بعض الأئمة حديثاً بالحسن مع تصريحه بأن الحديث منقطع، وذلك لأن للحديث شواهد، كما يصنعه الترمذي في مواطن من سننه([19] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn19)).
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "ورأيت لأبي عبدالرحمن النسائي نحو ذلك، فإنه روى حديثاً من رواية أبي عبيدة عن أبيه ثم قال: أبوعبيدة لم يسمع من أبيه إلا أن هذا الحديث جيد.
وكذا قال في حديث رواه من رواية عبدالجبار بن وائل بن حجر: عبدالجبار لم يسمع من أبيه لكن الحديث في نفسه جيد"اهـ([20] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn20)).
وبهذا التقرير تعلم صواب ما ذكره الزركشي رحمه الله من شذوذ ابن حزم رحمه الله في ما ذهب إليه من منع التقوية بتعدد طرق الحديث مطلقاً.
ثانياً : ما ذكره ابن حزم رحمه الله من حفظ الله للذكر؛ حق.
وهو يشير إلى قوله تعالى:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر:9)، وهذا الاستدلال حق، إذ من حفظ الذكر الذي هو القرآن حفظ السنة التي هي مبينة للقرآن العظيم، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل:44)، وكما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (النحل:64).
قال المعلمي (ت 1386هـ) رحمه الله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن بعض أصحابه ما شاء الله من القرآن ثم يلقن بعضهم بعضاً، فكان القرآن محفوظاً جملة في صدورهم ومحفوظاً بالكتابــة في قطع مفرقة عندهم. والمقصود أنه اقتصر من كتابة القرآن على ذاك القدر إذ كان أكثر منه شاقاً عليهم، وتكفل الله عز وجل بحفظه في صدورهم وفي تلك القطع، فلم يتلف منها شيء، حتى جمعت في عهد أبي بكر، ثم لم يتلف منها شيء حتى كتبت عنها المصاحف في عهد عثمان، وقد قال الله تعالى : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر:9)، وتكفله سبحانه بحفظ لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا – بتوفيقه لهم – في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان. فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمداً خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة:19)، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت"اهـ([21] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn21)).
لكن ما بناه على هذا الحق من أنه "من الممتنع أن يجوز أن لا ترد شريعة حق إلا من هذه الطريق"، فيه نظر؛ إذ الله عز وجل تعهد بحفظ الذكر ومن ذلك حفظ ما يبينه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس في هذا أن لا يحفظه إلا بطريق متصلة برواية الثقات المعروفين، وهذا الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات:6).
وفي هذه الآية [أنه متى اقترن بخبر الفاسق دليل آخر يدل على صدقه فقد استبان الأمر، وزال الأمر بالتثبت]([22] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn22)).
[وإنما أمر بالتثبيت عند خبر الفاسق الواحد ولم يأمر به عند خبر الفاسقين فإن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد مالا يوجبه خبر الواحد]([23] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn23)).
وفي الاختيارات الفقهية بعد إيراده للآية السابقة قال: "فعلينا التبين والتثبت إذا جاءنا خبر الواحد، ولم نؤمر به عند خبر الفاسقين، وذلك أن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجبه خبر الواحد، أمّا إذا علم أنهما لم يتواطآ فهذا قد يحصل به العلم"اهـ([24] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn24)).
فهذا مسلك من مسالك العلم غير ما جاء عن طريق الأثبات الثقات، ومن ذلك أن الله عزوجل جعل شهادة المرأة الواحدة على النصف من شهادة الرجل، كما تقدم.
فليس هناك دليل يحتم أن لا يستفاد العلم إلا عن طريق خبر الثقة عن مثله، بل من مسالك العلم بالأخبار أن يحتف الخبر الضعيف سنداً بقرائن تدل على ثبوته، فيجب العمل به، وقد يوجب العلم.
وكل ما يحتاج إليه المسلمون من أمور الدين فإن الله تعالى نصب الأدلة على بيان ما فيه من صحيح وغيره([25] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn25)).
ثالثاً : حفظ الله لهذا الدين لا يلزم منه أن لا يثبت إلا برواية العدل الضابط عن مثله، إذ لا دليل على هذا في الشرع، بل حتى العقل يقضي بأن يثبت بخبر الضعيف إذا احتفت به قرائن ما يثبت بخبر العدل الضابط عن مثله؛ وذلك أننا إنما رددنا خبر الضعيف عند انفراده ولم نرده إذا عضده غيره، إذ بهذه الهيئة المجموعة (من خبر الضعيف وما احتف به من القرائن ومنها المتابعات) يكتسب الخبر قوة قد لا يحصلها خبر الثقة المنفرد.
رابعاً : ما تجده في كتب العلل والتخريج من عدم تقوية بعض الأئمة لأحاديث رغم تعدد طرقها، ليس هذا منهم طرحاً لتقوية الحديث بتعدد الطرق، ولكنه منهم بياناً أن ليس كل حديث تعددت طرقه يتقوى بذلك، فقد تتعدد طرق الحديث و لا يتقوى لمانع قام يمنع من ذلك، وقد تتعدد طرق الحديث وتتقوى لعدم قيام المانع، وقد يكون قام ما يوجب حصول هذه القوة ويوجبها.
خامساً : لا يقولن قائل: عدم تقوية الحديث الضعيف بتعدد الطرق، أحوط للسنة من أن يدخل فيها ما ليس منها؛ لأننا نقول : اتخاذ جانب الحيطة ينبغي أن يكون من جهتين : أن لا يدخل في السنة ما ليس منها، وأن لا يخرج منها ما هو فيها، فليست الحيطة بإدخال ما ليس من السنة فيها، بأهم من الحيطة بعدم إخراج ما هو من السنة منها، فلابد من الاحتياط على الجهتين، واتخاذ الحيطة في جانب واحد للسنة لا يكفي؛ بل هو ضياع لبعض ما هو منها!
ثالثاً : صور تقوية الحديث الضعيف :
تقوية الحديث الضعيف مطلق تقوية، لها صور :
أ : تقوية طريق الحديث الضعيف بطريق آخر ثابت، فالضعيف من وجه يتقوى إذا جاء من طريق آخر ثابت.
ب : تقوية الطريق الضعيف يسير الضعف بطريق ضعيف أعلى درجة منه.
ت : تقوية الطريق الضعيف يسير الضعف بطريق ضعيف مثله.
ث : تقوية الطريق الضعيف يسير الضعف بطريق ضعيف يسير الضعف دونه.
ج : تقوية الحديث الضعيف يسير الضعف بطريق ضعيف شديد الضعف.
ح : تقوية الطريق الضعيف شديد الضعف بطريق ضعيف يسير الضعف.
خ : تقوية الحديث الضعيف شديد الضعف بطريق شديد الضعف.
فالحديث الضعيف يتقوى في هذه الصورة تارة يتقوى بحيث يخرج من حيز الرد إلى القبول، كما الصورة (أ، ب، ت، ث).
وتارة يتقوى بحيث يخرج من حيز النكارة إلى حيز الضعيف غير المنكر أو يسير الضعف، كما في الصور (ج، ح، خ).
قال ابن تيمية رحمه الله: "إن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول لكن هذا ينتفع به كثيرا في علم أحوال الناقلين، وفى مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيىء الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك؛ ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره.
قال احمد : قد أكتب حديث الرجل لاعتبره.
ومثّل هذا بعبد الله بن لهيعة قاضى مصر فإنه كان من أكثر الناس حديثا، ومن خيار الناس، لكن بسبب احتراق كتبه وقع في حديثه المتأخر غلط فصار يعتبر بذلك، ويستشهد به، وكثيرا ما يقترن هو والليث بن سعد، والليث حجه ثبت إمام.
وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ؛ فإنهم أيضا يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور يستدلون بها ويسمون هذا علم علل الحديث؛ وهو من أشرف علومهم بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط، وغلط فيه، وغلطه فيه عرف؛
إما بسبب ظاهر كما عرفوا أن النبي تزوج ميمونة وهو حلال وأنه صلى في البيت ركعتين وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها حراما([26] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn26))، ولكونه لم يصل([27] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn27)) مما وقع فيه الغلط.
وكذلك أنه اعتمر أربع عمر، وعلموا أن قول ابن عمر أنه اعتمر في رجب([28] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn28)) مما وقع فيه الغلط.
وعلموا أنه تمتع وهو آمن في حجة الوداع، وأن قول عثمان لعلي: "كنا يومئذ خائفين"([29] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn29))، مما وقع فيه الغلط.
وأن ما وقع في بعض طرق البخاري: "أن النار لا تمتليء حتى ينشىء الله لها خلقا آخر"([30] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn30)) مما وقع فيه الغلط وهذا كثير.
والناس في هذا الباب طرفان طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة مقطوعا بها عند أهل العلم به.
وطرف ممن يدعى اتباع الحديث والعمل به، كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة أو رأى حديثا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا له في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط([31] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn31)).
وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق وقد يقطع بذلك، فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب ويقطع بذلك ... ."اهـ([32] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn32)).
وقال رحمه الله: "وقد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه ويكون حديثه إذا الغالب عليه الصحة لأجل الاعتبار به والإعتضاد به فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوى بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط"اهـ([33] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn33)).
وقرر رحمه الله أن من دلالات قول الله عز وجل :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات:6)، مايلي:
[أنه متى اقترن بخبر الفاسق دليل آخر يدل على صدقه فقد استبان الأمر، وزال الأمر بالتثبت]([34] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn34)).
[وإنما أمر بالتثبيت عند خبر الفاسق الواحد ولم بأمر به عند خبر الفاسقين فإن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد مالا يوجبه خبر الواحد]([35] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn35)).
وفي الاختيارات الفقهية([36] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn36))بعد إيراده للآية السابقة قال: "فعلينا التبين والتثبت إذا جاءنا خبر الواحد، ولم نؤمر به عند خبر الفاسقين، وذلك أن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجبه خبر الواحد، أمّا إذا علم أنهما لم يتواطآ فهذا قد يحصل به العلم"اهـ
فهذا يفيد أن الحديث الضعيف يتقوى بتعدد الطرق، بالشروط المذكورة، سواء كان ضعفه شديداً أو يسيراً .
ولما ذكر أبو رية أن تعدد طرق الحديث لا يقويها، تعقبه المعلمي رحمه الله بقوله: "أما إطلاق أبي رية في العنوان ؛ فباطل قطعاً كما سترى.
وأمّا إشارة القرآن؛ فيمكن إثباتها باشتراط القرآن العدد في الشهود، وقوله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ (يّـس:14)، ومن السنة حديث ذي اليدين.
والمعقول واضح.
نعم قوله: "وغير مطردة" حق لا ريب فيه، بل أزيد على ذلك أن بعض الأخبار يزيده تعدد الطرق وهناً، كأن يكون الخبر في فضل رجل وفي كل طريق من طرقه كذاب أو متهم ممن يتعصب له، أو مغفل أو مجهول.
ثم قال: أما الباطل يقيناً فلا يفيده التعدد شيئاً بل يبعد جداً أن تتعدد طرقه تعدداً يفيده قوة قوية!
نعم قد يختلف المتن في الجملة ويكون الحكم بالبطلان إنما هو بالنظر إلى ما وقع في بعض الطرق، وقد يكون ذلك الخطأ وقع فيه.
وقد يفهم الناظر معنى يحكم ببطلانه، وللخبر معنى آخر مستقيم.
وكثيراً ما يقع الخلل في الحكم بالبطلان!"اهـ([37] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn37)).
رابعاً : ومن عباراتهم في أن الحديث الضعيف شديد الضعف يتقوى مطلق تقوية بتعدد الطرق بحيث يخرج من حيز النكارة إلى الضعيف يسير الضعف:([38] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn38))
قول البيهقي (ت458هـ) رحمه الله عند كلامه على حديث: "أنتوضأ بما أفضلت الحمر. قال: نعم ومما أفضلت السباع كلها"، قال: "فإذا ضممنا هذه الأسانيد بعضها إلى بعض أخذت قوة [و] في معناه حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح والاعتماد عليه"اهـ([39] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn39)).
يلاحظ قوله: "أخذت قوة" أي مطلق قوة، فهي قوة لا ترقيه إلى مرتبة الحسن لغيره، ولذلك قال: "في معناه حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح والاعتماد عليه".
وقوله أيضاٌ عند كلامه على حديث : "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار : إذا ظهر فيهم التلاعن ولبس الحرير واتخذوا القيان وشربوا الخمور واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء"، ساقه البيهقي عن أنس من طريقين ثم قال عقب الطريق الثاني: "وإسناده وإسناد ما قبله غير قوي، غير أنه إذا ضم بعضه إلى بعض أخذ قوة والله اعلم"اهـ([40] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn40)).
قال ابن عساكر علي بن حسن بن هبة الله (ت571هـ) رحمه الله عن طرق حديث "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً..."، بأنها وردت : " بأسانيد فيها كلها مقال ليس فيها ولا في ما تقدمها للتصحيح مجال ولكن الأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة لا سيما ما ليس فيه إثبات فرض"اهـ([41] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn41)).
ومن ذلك لمّا أشار الحافظ السلفي رحمه الله إلى صحة حديث "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً" .
قال المنذري (ت656هـ) رحمه الله : "لعل السلفي كان يرى أن مطلق الأحاديث الضعيفة إذا انضم بعضها إلى بعض أخذت قوّة"([42] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn42)).
وتعقبه ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله بقوله: "لكن تلك القوة لا تخرج الحديث عن مرتبة الضعف.
فالضعف يتفاوت؛ فإذا كثرت طرق حديث رجح على حديث فرد، فيكون الضعيف الذي ضعفه ناشيء عن سوء حفظ رواته إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن، والذي ضعفه ناشيء عن تهمة أو جهالة إذا كثرت طرقه ارتقى عن مرتبة المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في فضائل الأعمال.
وعلى ذلك يحمل قول النووي ـ رحمه الله ـ في خطبة الأربعين له: "وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وقال بعد أن ذكر هذا الحديث: اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه"اهـ([43] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn43)).
وقال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله عن حديث ورد بأسانيد ضعيفة فيها متهم أو مغفل : "أنه قد تعددت طرقه وكثرت مخارجه وهذا مما يشد بعضه بعضا ويغلب على الظن أن له أصلا"اهـ([44] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn44)).
وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، عن حديث في مسند أحمد بن حنبل رحمه الله، أورده ابن الجوزي (ت597هـ) في الموضوعات : "له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع [بـ]ـوقوع هذه القصة؛ لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارج أكثرها، والله اعلم"اهـ([45] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn45)).
وقال السيوطي (ت911هـ) رحمه الله: "وأمّا الضعيف لفسق الراوي أو كذبه فلا يؤثر فيه [متابعة ولا] موافقة غيره له، إذا كان الآخر مثله لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر.
نعم يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكراً أو لا أصل له، صرّح به شيخ الإسلام (يعني: ابن حجر)، قال: ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور السيء الحفظ بحيث إنه إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن (يعني: الحسن لغيره)"اهـ([46] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn46)).
أقول: وهذا الكلام يفيد أن تعدد طرق الحديث الضعيف يقويه مطلقاً، سواء كانت درجة الضعيف في محل الاعتبار أم لا.
وأن التقوية الناشئة من تعدد طرق الحديث الضعيف الذي ليس في مرتبة الاعتبار ترقيه من مرتبة المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى درجة الضعيف الذي يجوز العمل به في بعض الأحوال.
وأن التقوية الناشئة من تعدد طرق الحديث الذي في درجة الاعتبار ترقيه إلى درجة الحسن لغيره.
قال ابن حجر (852هـ) رحمه الله : "كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوة"اهـ([47] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn47)).
مسائل وتتمات :
1: استشكل بعض الناس على التقرير السابق في كلام ابن حجر والسيوطي ما جاء عن الإمام أحمد من أن "المنكر أبداً منكر"([48] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn48))، و لا إشكال إذ مراد الإمام أحمد رحمه الله أن الحديث المنكر هو الذي يبقى فرداً لا يتابع راويه، فإذا وجدت متابعة زالت نكارته، لأن النكارة لا تزول عند يحي القطان والإمام أحمد والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة وكذلك الشذوذ كما حكاه الحاكم([49] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn49)).
وقد قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "أحمد (يعني: ابن حنبل) وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة"اهـ([50] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn50)).
ويؤكد هذا ما جاء عن أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله : "ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار و الاستدلال، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشدّه لا أنه حجة إذا انفرد"([51] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn51)).
بل سياق المقام الذي جاءت فيه عبارة الإمام أحمد يفسر مراده.
في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري: "قيل له (يعني: لأحمد بن حنبل) فهذه الفوائد التي فيها المناكير، ترى أن يكتب الحديث المنكر؟
قال: المنكر أبداً منكر.
قيل له: فالضعفاء؟
قال: قد يحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتاب عنهم باساً"اهـ([52] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn52)).
والكلام هنا عن حديث ضعيف توبع، فخرج بذلك عن حيز النكارة التي أرادها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في قوله : "المنكر أبداً منكر".
2: تقوية الحديث هنا لا يستفاد منها في الأحكام إلا في الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه إذا توبع بمثله أو أعلى منه، أما الشديد الضعف فتقويته تجعله في مرتبة أعلى مما كانت فيه لكن لا تخرجه عن حيز الضعف إلا إذا كانت المتابعات قوية وتعددت وصح معناها، أمّا بدون ذلك فهي في حيز الضعيف وهو على مراتب، والعمل بالضعيف هنا في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب بمعنى أن النفس ترجو ما فيه من الوعد، وتحذر ما فيه من الوعيد ليس إلا؛ على ما هو مقرر عند العلماء في العمل بالضعيف.
وقد قال البيهقي (ت458هـ) رحمه الله: "قد تساهل أهل الحديث في قبول ما ورد من الدعوات وفضائل الأعمال، متى ما لم تكن من رواية من يعرف بوضع الحديث أو الكذبة في الرواية"اهـ([53] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn53)).
3: نبه ابن تيمية رحمه الله إلى انه يشترط في تقوية شديد الضعف أن تتعدد مخارجه بحيث يبعد عادة تواطؤ الرواة على الكذب، وتتحد القصة، فيثبت بذلك أصل الحديث، وأن التقوية بمثل هذا لا تضبط به الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه الطريق([54] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn54)) .
4: تقوية الحديث الضعيف يسير الضعف بمثله أو أعلى منه، لا يستطيعها أي أحد، فلا يقوم بها إلا الأفذاذ الذين جمعوا بين العلم بطرق الحديث واختلاف المخارج مع الدراية بمعاني الفقه وأصول الشرع.
قال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "لكل حديث ذوق ، ويختص بنظر ليس للآخر"اهـ([55] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn55)).
وقال الذهبي (ت748هـ) رحمه الله: "وإن لم يكن للإنسان ذوق النقاد وبصر الحفاظ وإلا فإنه يضعف الحديث القوي ويصحح الحديث الواهي، مع أن أئمة هذا الشأن تختلف اجتهاداتهم وتتقارب معارفهم وأذواقهم لكن يقل ذلك وفيهم يندر والله الهادي"اهـ([56] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn56)).
5: تقوية الحديث على هاتين الحالتين تصحح المعنى و تثبت النسبة. ولكن يقوى الجزم بها ويضعف بحسب نوع الضعف، وقوة المتابع.
6 : تقوية الحديث الضعيف يسير الضعف بما هو دونه، وتقوية الحديث شديد الضعف بمثله، يستفاد منها في إثبات السير والقصص وأسباب ورود الأحاديث، و لا يستفاد منها في إثبات ألفاظ الأحاديث وخاصة ما يتوقف على لفظه حكم شرعي، كما نبه على ذلك ابن تيمية رحمه الله، واستعمال هذا المسلك في غير محله يوقع في خطأ قبول ما ليس بمقبول، فلينتبه لذلك.
7: إذا تنبهت لهذا عرفت معنى وصفهم للراوي بأنه (علامة إخباري) (إمام في السير والمغازي)، مع تنصيصهم على ضعفه، وسوء حفظه، وذلك – والله اعلم - ليستفاد من روايته على هذه الحال.
8: يعترض بعض من لم يتنبه لهذا المسلك على الأئمة بتقويتهم للحديث مع الضعف الشديد في طرقه، والواقع أنهم إنما أرادوا إثبات أصله، وقصته لا ذات ألفاظه.
ثالثاً : شروط تقوية الحديث الضعيف يسير الضعف تقوية تخرجه عن حيز الرد إلى حيز القبول: يتقوى الحديث الضعيف يسير الضعف بتعدد الطرق، بالشروط التالية:
الأول : أن يكون الضعف يسيراً، فلا يكون في السند متهماً بالكذب و لا من هو في درجته و لا من هو أسوأ من باب أولى.
الثاني : أن يكون المتابع مساوياً للضعيف في درجته أو أعلى منه.
الثالث : أن تتعدد الطرق تعدداً حقيقياً في محل الضعف، بحيث ينتفي عنه التواطؤ والخطأ.
قال أبو عيسى الترمذي (ت279هـ) رحمه الله، حينما عرّف الحديث الحسن عنده، وهو الحديث الحسن لغيره عند المتأخرين، قال : "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا: كل حديث يروى:لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب.
ولا يكون الحديث شاذا .
ويروى من غير وجه نحو ذلك.
فهو عندنا حديث حسن"اهـ([57] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn57)).
فجعل رواية الحديث من غير وجه مع الأوصاف التي ذكرها مثبتة للحديث، ومعطية له وصف (الحسن) عنده، وهذا هو الحديث الحسن لغيره عند المتأخرين، وهذا القيد عنده يشمل ما روي بأكثر من طريق، وهي المتابعات، وما روي معناه من وجوه متعددة.
قال ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله: "الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته([58] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn58))، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث - أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق - ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً منكراً، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنـزل.
القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا ـ مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً ومنكرا ـ سلامته من أن يكون معللاً.
وعلى القسم الثاني يتنـزل كلام الخطابي([59] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn59)).
فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك، وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصراً كل واحد منهما على ما رأى أنه يُشكل، معرضاً عما رأى أنه لا يشكل. أو أنه غفل عن البعض وذهل، والله أعلم."اهـ([60] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn60)).
وقال عليه من الله الرحمة والرضوان : " لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: "الأذنان من الرأس" ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك عضد بعضاً، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً.
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت:
فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة([61] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn61)). فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر([62] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn62)).
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته. وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً. وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة. والله أعلم"اهـ([63] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn63)).
قال أبو الفتح اليعمري (ت734هـ) رحمه الله: "إمّا أن يساوي المتابع الراوي الأول في ضعفه، أو يكون منحطاً عنه؛ فأما الانحطاط فلا يفيد المتابعة شيئاً ألبتة.
وأمّا مع المساواة فقد يقوي، لكنها قوة لا تخرجه عن مرتبة الضعيف، بل الضعف متفاوت، فيكون الضعيف الفرد موضوعاً في مرتبة تنحط عن مرتبة الضعيف الموجود من غير طريق، و لا يتوجه الاحتجاج بواحد منهما، وإنما يظهر أثر ذلك في الترجيح.
وأمّا إن كان المتابع أقوى من الراوي الأول أو أفادت متابعته ما رفع شبهة الضعف عن الطريق الأول، فلا مانع من القول بأنه يصير حسناً" ([64] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn64)).
قال الزركشي (794هـ) رحمه الله بعد نقله لكلام ابن سيد الناس هذا: "وهو تفصيل حسن، ولا يخفى أن هذا كله فيما إذا كان الحديث في الأحكام؛ فإن كان من الفضائل فالمتابعة فيه تقوم على كل تقدير لأنه عند انفراده مفيد"اهـ([65] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn65)).
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "متى توبع السيء الحفظ بمعتبر، كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه([66] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn66)) ، وكذا المختلط الذي لم يتميز والمستور والإسناد المرسل وكذا المدلس - إذا لم يعرف المحذوف منه - صار حديثهم حسناً لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع؛ لأن كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صواباً أو غير صواب على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين ودلّ ذلك على أن الحديث محفوظ، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول، ومع ارتقائه إلى درجة القبول فهو منحط عن رتبة الحسن لذاته وربما توقف بعضهم عن إطلاق اسم الحسن عليه"اهـ([67] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn67)).
قال السخاوي (ت902هـ) رحمه الله في معرض تعليله اشتراط تعدد الطرق في تقوية الحديث الضعيف على حد الحسن عند الترمذي : "ليترجح به أحد الاحتمالين، لأن سيء الحفظ مثلاً حيث يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي، ويحتمل أن لا يكون ضبطه، فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجه آخر غلب على الظن أنه ضبط، وكلما كثر المتابع قوي الظن، كما في أفراد المتواتر فإن أولها من رواية الأفراد ثم لا تزال تكثر إلى أن يقطع بصدق المروي، و لا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه"اهـ([68] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn68)).
وقال أيضاً رحمه الله: "وأمّا مطلق الحسن فهو الذي اتصل سنده بالصدوق الضابط المتقن غير تامهما، أو بالضعيف بما عدا الكذب إذا اعتضد مع خلوهما عن الشذوذ والعلة"اهـ([69] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn69)).
خامساً : من عبارات الأئمة في تقوية الحديث يسير الضعف بتعدد الطرق:
قول ابن رجب (ت795هـ) رحمه الله عن حديث: "لا ضرر و لا ضرار"، بعد أن ذكر طرقه، وأنه لم يسند من وجه صحيح: "فهذا ما حضرنا من ذكر طرق أحاديث هذا الباب، وقد ذكر الشيخ رحمه أن بعض طرقه تقوى ببعض، وهو كما قال. وقد قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبدالله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قوتها. وقال الشافعي في المرسل: إنه إذا استند من وجه آخر، أو أرسله من يأخذ العلم عن غير من يأخذ عنه المرسل الأول فإنه يُقبل.
وقال الجوزجاني : إذا كان الحديث المسند من رجل غير مقنع (يعني: لا يقنع بروايته) وشد أركانه المراسيل بالطرق المقبولة عند ذوي الاختيار؛ استعمل واكتفي به، وهذا إذا لم يعارض بالمسند الذي هو أقوي منه.
وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وقال: قال النبي r : "لا ضرر ولا ضرار".
وقال أبو عمرو بن الصلاح : هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه ومجموعها يقوّي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم، واحتجوا به، وقول أبي داود: "إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها" يشعر بكونه غير ضعيف والله أعلم"اهـ([70] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn70)) .
مسائل وتتمات:
أولاً : القاعدة في تقوية الحديث الضعيف يسير الضعف بالمتابعات هي هذه، ثم لكل حديث نظر خاص به يختلف عن الآخر. وهو ما ذكره ابن الصلاح من أنه ليس كل ضعيف يزول بمجيئه من جهة أخرى، وقرره ابن سيد الناس والزركشي وابن حجر، وهو متفق مع تصرفات الأئمة رحم الله الجميع.
وهذا حديث التسمية في الوضوء ورد من طريق أبي هريرة، ومن حديث سعيد بن زيد، ومن حديث أبي سعيد، ومن حديث سهل بن سعد، ومن حديث أبي سبرة، ومع ذلك قال أحمد فيه لما سئل عنه: "أحسن ما فيها حديث كثير بن زيد، و لا أعلم فيها حديثاً ثابتاً، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛ لأنه ليس فيه حديث أحكم به" اهـ([71] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn71)).
هنا أحمد بن حنبل رحمه الله لم يقو الحديث مع تعدد طرقه، فهل يقال: إن القاعدة في تقوية الحديث باطلة، وأن ما قرره المتأخرون هو على خلاف ما قرره المتقدمون؛
الجواب : لا، بل هذا الكلام من الإمام هو كلام خاص بهذا الحديث بعينه، لخصوصية النظر في هذا الحديث بعينه. بدليل ما جاء عن الإمام أحمد نفسه من تقوية الحديث الضعيف بتعدد الطرق؛
عن أحمد بن أبي يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول: "أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي أحاديث يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها"([72] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn72)).
وهذا يقرر أننا إذا وجدنا للمتقدمين كلاماً على بعض الأحاديث لا ينسجم في ظاهره مع بعض القواعد التي قررت عند المتأخرين في علوم الحديث فمخرج كلام الإمام أنه خاص بهذا الحديث لخصوصية النظر المتعلقة به، إذ لكل حديث نظر خاص به.
قال ابن رجب (ت795هـ) رحمه الله: "وأمّا أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه إنه لا يتابع عليه. ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون تفردات الثقات الكبار أيضاً. ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه"اهـ([73] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn73)).
ويمكن أن يجاب بجواب آخر: أن مراد الإمام أحمد رحمه الله، نفي الصحة لا الحسن، لأنه رحمه الله كان يقسم الحديث إلى صحيح وضعيف، وكان الحسن يدخل في الضعيف عنده، فنفي الصحة لا يمنع أن يكون الحديث حسناً، بل جاء في كلامه على هذا الحديث ما يدل على أنه يحسنه.
وجواب آخر: أن نفي الصحة عن الحديث إنما بأفراد طرقه، وهذا لا ينفي صحة الحديث بمجموع الطرق.
وجواب آخر: أن الإمام أحمد رحمه الله ضعف الحديث لما وقف على شيء من أسانيده، فلما تبين له أن الحديث له طرق كثيرة اعتمده.
وهذه الأجوبة جميعها مستفادة من كلام ابن تيمية وابن حجر عليهما من الله الرحمة والرضوان.
قال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين:
أما إنها لا تثبت عنده أولا لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب. ... وهكذا تجئ عنه كثيرا الإشارة إلى انه لم يثبت عنده أحاديث ثم تثبت عنده فيعمل بها، و لا ينعكس هذا، بأن يقال: ثبت عنده ثم زال ثبوتها؛ فان النفي سابق على الإثبات.
وإما أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين؛ فإن الأحاديث تنقسم إلى صحيح وحسن وضعيف، وأشار إلى انه ليس بثابت أي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله، وذلك لا ينفي أن يكون حسنا، وهو حجة.
ومن تأمل الحافظ الإمام علم انه لم يوهن الحديث، وإنما بين مرتبته في الجملة: أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة. وكذلك قال في موضع آخر: أحسنها حديث أبي سعيد؛ ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها: "أحسنها"([74] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn74)).
وهذا معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف، وقوله: "ربما أخذنا بالحديث الضعيف"، وغير ذلك من كلامه يعني به الحسن"اهـ ([75] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn75)).
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله معلقاً على ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله من نفيه العلم بثبوت حديث في التسمية على الوضوء: "لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف، لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة، فلا ينتفي الحسن ، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع"اهـ([76] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn76)) .
ثانياً : قضية انتفاء الشذوذ عن الحديث الضعيف يسير الضعف إذا أريد تقويته بتعدد الطرق تتعلق بهذا النظر الذي يختص به كل حديث عن الآخر، ولذا يشترط في المتابعة أن لا يظهر أنها خطأ.
وقد قال الشافعي (ت204هـ) رحمه الله: "نحن لا نثبت المنقطع على الإنفراد، ووجه نراه – والله أعلم – خطأ"اهـ([77] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn77)).
وقد قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله : "الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، المنكر دائماً منكر"اهـ([78] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn78)).
وقال البيهقي (ت458هـ) رحمه الله: "المنقطع إذا انضم إليه غيره أو انضم إليه قول الصحابة أو تتأكد به المراسيل، ولم يعارضه ما هو أقوى منه، فإنا نقول به"اهـ([79] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn79)).
ثالثاً : وهل المطلوب هنا لنفي الشذوذ : العلم بانتفاء الشذوذ والنكارة، أو يكفي مجرد عدم المخالفة؟ يبدو أن الأمر يختلف بحسب موضوع الحديث فإن كان الحديث الضعيف الذي تعددت طرقه في باب الفضائل والترغيب والترهيب يكفي فيه عدم المخالفة لأحاديث الثقات، وإذا كان موضوعه الأحكام لم يكف فيه عدم المخالفة بل لابد من تعدد طرقه أو أن يعضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن، كما قاله ابن القطان وقرره ابن حجر رحمهم الله.
قال ابن القطان (ت628هـ) رحمه الله: "هذا القسم (يعني: الحسن لغيره) لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن".
قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله بعد نقله هذا عن ابن القطان: "وهذا حسن رايق ما أظن منصفاً يأباه، والله الموفق"اهـ([80] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn80)).
رابعاً : تقوية الحديث على هذه الحال هي المشهورة، وشروطها معروفة، لكن يلاحظ الناظر في كتب التخريج التي عملها المتأخرون توسعاً في تطبيق هذا المسلك في مواضع، يخالفون به الشروط والأوصاف التي سبقت لتقوية الحديث، وهذا التوسع غير مرضي.
خامساً : تساهل بعض المتأخرين في تطبيق هذه الحال لا يعني ضعف المسلك و لا رده، فإن المتأخرين لم يخرجوا في تقرير هذا المسلك عن كلام المتقدمين، ووقوع التساهل في تطبيقه من بعضهم لا يبرر اتهامهم بأن منهجهم في علوم الحديث خلاف ما قرره المتقدمون بل الحال كما ترى خطأ في التطبيق لا خطأ في التأصيل، إذ المنهج عند المتقدمين والمتأخرين واحد.
ومن صور التساهل في تطبيق هذا المسلك:

أن يقوى الحديث بجميع ألفاظه بتعدد الطرق دون ملاحظة أن التقوية إنما تكون للفظ المشترك في هذه الطرق دون ما انفرد به طريق ضعيف منها دون متابع.
أن يقوى الحديث إلى درجة الحسن لغيره، مع أن أسانيده ضعيفة جدا، فلا يترقى منها إلى حيز القبول، غايته أن يخرج عن شدة الضعف إلى حيز الضعيف القابل للمتابعة، بحيث يتقوى إلى الحسن لو جاءت متابعة صالحة له.
أن يقوى الحديث بتعدد الطرق إلى درجة الحسن لغيره مع أن بعض طرقه هي من قبيل الخطأ والشذوذ التي لا يحصل بها التقوي.
أن يقوى الحديث بتعدد الطرق مع أن الحديث لم تتعدد طرقه تعدداً حقيقياً.


سادساً : مما يساعدك على فهم تصرفات المتأخرين أن تلاحظ مواقع استعمالهم لهذين المسلكين في تقوية الحديث الضعيف؛ فقد يظن من لا يدري أن هذا خلل لدى المتأخرين في المنهج خالفوا فيه المتقدِّمين، وليس الحال كذلك!
سابعاً : متابعة الضعيف يسير الضعف تأتي على صور :
1- أن يتابعه ضعيف دونه في المرتبة.
2- أن يتابعه ضعيف مثله في المرتبة.
3- أن يتابعه ضعيف أعلى منه في المرتبة.
4- أن يتابعه مقبول هو من شرط الحسن لذاته.
5- أن يتابعه مقبول هو من شرط الصحيح لذاته.
وسبق أنه يشترط في تقوية الحديث بهذا المسلك أن يكون المتابع مثله أو أعلى منه، وهذا يشمل الصور الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، فهذه المتابعات تقوي الحديث الضعيف ويكون حديثاً حسناً على مراتب، بحسب مراتب هذه الصور؛ فكما أن الضعيف على مراتب كذا الحسن (لغيره) على مراتب.
ومن فوائد معرفة هذه المراتب: أن عبارتك تكون دقيقة مطابقة للواقع عند التعبير عن حصول هذه المتابعة، فتجعل الأعلى يتابع الأدنى ولا تعكس.
وإذا لاحظت ما ذكرته لك هنا، فإن وجود إسنادين ضعيفين أحدهما أشد ضعفا من الآخر، وأردت أن تقوي أحدهما بالآخر فإنك تجعل الإسناد الأعلى يقوي الأدنى، وبالتالي فإن سبب عدم دخول الصورة الأولى مما سبق في هذا المسلك هو أنك تريد أن تقوي الأعلى بالأدنى، فإن عكست حصلت التقوية، ولكن ليس على الحال الثالثة، إنما على الحال الأولى أو الثانية مما سبق بيانه، وبالله التوفيق.
والخلاصة: أن تقوية الحديث بالمتابعات تارة يحصل منها تقوية أصل الحديث وقصته دون ألفاظه ودقائقه، وهذا ما ينتج عن تقوية الحديث شديد الضعف بحديث يسير الضعف، أو عن تقوية الحديث شديد الضعف بطريق آخر شديد الضعف.
ومنها ما يحصل منه تقوية ألفاظ الحديث ودقائقه، وهذا ما ينتج عن سائر صور تقوية الحديث الضعيف.
وأن للعلماء رحمهم الله شروطاً وقيوداً لابد من ملاحظتها عند تقوية الحديث الضعيف، يؤدي ترك مراعاتها إلى الخلط والخطأ في تقوية الحديث الضعيف بالمتابعات.
وأن المتأخرين يسيرون في ذلك على ما اختطه المتقدمون، و لا يخالفونهم في شيء، غاية ما في الأمر أنه قد يقع التساهل من بعضهم في التطبيق، و هذا لا يبرر نسبتهم إلى مخالفة ما عليه المتقدمون، إذ إن الخطأ في التطبيق لا يعني الخطأ في التأصيل.
وأن ترك ملاحظة حالات تقوية الحديث بالمتابعات توقع في اللبس في فهم تصرفات أهل العلم .
وأمّا مسألة علل الحديث، فلأنبه على ما يلي:
أولاً : إن التساهل في تطبيق قواعد علم الحديث ينبغي أن تتناول على أساس أنها قضايا فردية لبعض العلماء أو حتى في بعض الكتب للعالم دون جميع كتبه، مع ملاحظة أن قضية التساهل قضية لم يسلم منها حتى بعض المتقدمين كابن حبان والحاكم رحمهما الله.
ثانياً : أخطر أنواع التساهل في تطبيق كلام الأئمة هو ما يترتب عليه تصحيح ما هو ضعيف أو تضعيف ما هو صحيح، كأن يعل أهل الحديث رواية الحديث عن صحابي بعينه، إعلالاً يلزم منه ضعف الحديث عنه، فيأتي من يحسن الحديث عن هذا الصحابي لأن لمتنه شواهد عن صحابي آخر، فهذا التحسين لم يلاحظ فيه تصريح أهل الحديث بعدم صحة الحديث عن هذا الصحابي بعينه، مما يقتضي صحة المتن دون صحة نسبته إلى هذا الصحابي الذي أعل الحديث أهل الحديث من طريقه([81] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn81)).
وتصحيح النسبة هو المقصد الأصلي للمحدث، فالعلل التي يلزم منها الخلط في تصحيح النسبة، هي أخطر ما يكون، أمّا العلل التي لا يلزم منها ذلك فالخطب فيها أخف ووقعها أسهل، والله اعلم. )) انتهى النقل
الرابع : قد سعى المليباري في انتقاص أئمة الحديث والعلل المتأخرين وإنزالهم إلى مرتبة أصحاب الرسائل الجامعية من طلبة قسم الحديث ضاربا عرض الحائط ما يمتازون به من الكفاءة والأهلية والخبرة وطول التمرس والمخالطة لهذا العلم الجليل ورجاله ، ومن ذلك قوله : (( فإن كثيراً من المتأخرين - وبينهم المعاصرين من تصدوا لمهمة التصحيح والتضعيف - يسلكون فيها مسلكاً سهلاً ، وهو النظر في أحوال الرواة العامة ،والحكم على الحديث حسب مراتبهم في الجرح والتعديل ، فمثلاً ؛ يقولون : " هذا إسناد رجاله ثقات والحديث صحيح " ، و " فلان ثقة فحديثه صحيح " ،و " فلان صدوق فحديثه حسن ، وقد توبع فارتقى إلى الصحيح " ، و" فلان ضعيف فحديثه ضعيف ، لكنه توبع فارتقى إلى الحسن " ، و " هذا متروك فحديثه متروك " ، و " هذا كذاب فحديثه موضوع " .
وكل هذا ( كما ترى ) عمل أشبه ما يكون بالقواعد الرياضية ، لا يحتاج فيه الباحث إلى حفظ ولا معرفة ولا فهم ولا ممارسة ، بل غاية جهده أن ينظر في كتاب ( التقريب ) للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ثم يحكم على الحديث حسب مراتب الرواة المبينة فيه . وقد أسفر هذا التباين المنهجي عن تفشي ظاهرة الاعتراض على نقاد الحديث ، في كثير من البحوث الحديثية المعاصرة؛ فيصحح أحد المتأخرين حديثاً ما وقد أعله النقاد ، أو يضعفه وقد صححوه .
ومن تتبع كتاب " الأحاديث المختارة " للإمام المقدسي ، أو تخريجات الإمام السيوطي ، أو تحقيق الشيخ أحمد شاكر لسنن الترمذي أو تحقيقه لمسند الإمام أحمد ، أو كتب الشيخ ناصر الدين الألباني ، أو الرسائل الجامعية المقدمة من طلبة قسم الحديث ، على سبيل المثال ، ثم قارن ما صححه أحدهم في كتابه مع كتاب العلل للإمام الدارقطني ، أو علل الإمام أبي حاتم ، أو سنن الترمذي ، أو كتب النقاد عموماً مقارنة علمية ؛ يتجلى له هذا التباين المنهجي )) ([82] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn82))
وعلى هذا المسلك سار عبدالحميد الجهني في معاملته أئمة الحديث والعلل المعاصرين
كما أثبت ذلك فيما نقلته عنه .
قد يقول قائل : لكن ما تفعل بثنائه على الشيخين أحمد شاكر والألباني في ثنايا شرحه ؟
نقول : لا تغتر بذلك يا أخي ، فصنيعه هذا ما هو إلا عبارة عن صرف التهمة عن نفسه ، وإبعاد مواطن القدح فيه ، وهذا المسلك أصبح رائجا منتشرا في صفوف الحزبية ومن ينازع أهل السنة ممن يتظاهر بالانتساب إلى أهلها ، وقد استعمله عبدالرحمن عبدالخالق والمأربي والحلبي ، فتجد أحدهم يمطر ويصب غضبه على إمام من أئمة السنة بشتى عبارات وأوصاف التنقص والاستحقار ، إذا به يستدرك هذه الفضيحة ويخفيها بشيء من الثناء والدفاع عن ذلك الإمام ، مطبقا مبدأ ( فم يسبح ويد تذبح ) ليغالط ويموه على اتباعه ، وإلا فبالله عليكم إذا سمعتم رجلا يصف أحد العلماء المتأخرين ومنهجه :
بأنه متساهل
وأن قواعده ضعيفة
وأنه يتجاسر على المتقدمين وأحكامهم وقواعدهم
لا يرفع رأسا بأحكام وقواعد وكلام المتقدمين
مسائله غريبة
فماذا بقي له من الإمامة والاطمئنان لمنهجه وأحكامه ؟ !!
من يُوصف بهذه الصفات القبيحة المغلظة يسقط على أم رأسه ولا كرامة له ، وهذا الذي تسعى المليبارية والحدادية إلى أنه تصنعه بأئمة الحديث المتأخرين وبالسنة ودواوينها ، وما أسهل ذلك على الجهني .
فما هذه الطريقة التي يستعملها مع علماء السنة إلا طريقة المليباري
قال العلامة ربيع المدخلي في (عقيدة المليباري ومنهجيته الخطيرة في دراسة السنة وعلومها ) : ((أنَّه استقرَّ في نفسي أنَّ هذا الرَّجل يسير في مواجهة السنَّة على طريقة محمد الغزالي وأحمد أمين المصري ومدرستهما ولكن بأسلوب ماكر غير أسلوب هذا الصنف الذي يواجه السنة بصراحة وهذه طريقة تفضح سالكها , فلابد من سلوك طريق أخرى ألا وهي طريقة حمزة المليباري ألا وهو الهدم تحت ستار المدح فهو يطري الإمام مسلما ويصف منهجه -الذي اخترعه المليباري- بأنَّه منهج فذٌّ وفريد وو..
ثمَّ يدمر صحيحه بهذا المنهج المفتعل المغطى بالمبالغات والمدح الذي يخدع به مرضى النفوس والأغبياء وأهل الأهواء , ولا ينطلي على الصادقين في حبهم للسنة من الأذكياء النبهاء ))
الخامس : قد صاح أئمة الحديث ومنهم العلامة ربيع المدخلي على المليباري وبينوا أباطيله وفساده وبعده عن منهج أهل الحديث فهما وتقعيدا وتطبيقا
قال العلامة ربيع المدخلي في ( المليباري يَهدِم مِصْراً ويُعوِّضُ النَّاسَ بَعْراً): ((فما أكثر هدم هذا الرجل على أساس الجهل والبغي والعدوان ومن المناسب لهذا المقال أن أذكر ثلاثة أنواع من أنواع هدمه :
الأول : هدمه لباب كامل من صحيح مسلم قائم على عشر طرق صحيحة في غاية من الصحة يتعلق بموضوع عظيم ألا وهو بيان فضل مسجد رسول الله ( مهبط الوحي ومنطلق الفتوحات الإسلامية التي أطاحت بعروش الجبابرة من الأكاسرة والقياصرة وغيرها .
فهل في هدم هذا الباب من صحيح مسلم الذي يتبوأ أعلى مكانة في الصحة بعد كتاب الله تعالى وصحيح البخاري ،فهل هذا العمل تقرُّبٌ إلى جهات خفية يُشفي غليلها مثل هذا الهدم لا سيما وهو يقوم على تأصيل يهدم معظم أبواب صحيح مسلم .
الثاني : هدمه لعلوم الحديث باسم التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين وتحت ستار الغيرة لمنهج المتقدمين مع الحطِّ الشديد على جهود المتأخرين من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجري والتشويه لهذه الجهود العظيمة .
ويسعى جاداً لإحياء منهج المتقدمين -كما يزعم- ويُلوِّحُ بهذه الأعمال إلى التجديد ويُوهم الناس أنه حامل لواء التجديد ! وما أدراك ما هذا التجديد : إنَّه الهدم بكل تأكيد ! .
الثالث : هدمه لجهود المعاصرين في خدمة السنة النبوية بطريقة بهلوانية ومجازفات غوغائية لا ترى لها نظيراً في المجازفات والأكاذيب .
إنَّه هدمٌ لجهود الباحثين والمؤسسات والجامعات التي تُعنى بالسنة النبوية وعلومها وهذا عمل يُزعِجُ المستشرقين وأعداء الإسلام ولا سيما مثل جهود الفحول من أمثال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني والمحدث أحمد محمد شاكر -رحمهما الله- رَائدَيْ النشاط القوي والاتجاه العظيم إلى خدمة السنة النبوية واللَّذان يعتبران بأعمالهما المجيدة من مجددي الإسلام عقيدة وشريعة في هذا العصر .
وبهذا العرض لهدم هذا الرجل تتبين لك أهدافه ومراميه ويمكنك أن تدرك أن وراءه ما وراءه ونوعية مَن وراءه بأدنى قدر من الفهم والإدراك. ))
فهذه هي حقيقة المليباري وأسلحة هدمه وأهدافه الخبيثة ، التي تحمل كل من وقف عليها وسمع بها على أن يحكم عليه بالبدعة والفساد والبعد عن منهج أهل الحديث وأخلاق أهله ، لكن المتباكي عبدالحميد الجهني يرى بعضها حقا ، إذ يقول لما سئل : بناء على الكلام المتقدم رأي الشيخ الألباني في تحسين الحديث الصدوق هل هو مخالف لهذه القاعدة ، أنه يجب علينا الأخذ بجرح القدماء وتعديلهم وحكمهم على الحديث إلى أخر السؤال؟
الجواب : الأخ هنا كأنه ولشيء في ذهنه ظن أن هذا الكلام يشابه كلام بعض المغرضين اليوم الذين يريدون إسقاط الشيخ الألباني أو غيره من أهل السنة .
لا يا أخي ، هذا الكلام ليس ككلام هؤلاء ، وإن شابه كلامهم في بعض النواحي ، وهؤلاء الذين يتكلمون كالمليباري وغيره ، يعني كلامه ليس كله باطلا ومردودا عندهم جوانب يتكئون فيها على كلام الأولين )) ([83] (http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=145407#_ftn83))
أقول
ما شاء الله على هذه الوسطية والنقد المتزن الذي يتباكى عليه المميعة للتقريب بين أهل السنة والبدعة .
فعبدالحميد الجهني يرى أن المليباري قد أخطأ في بعض ما ذهب إليه ، كما أنه أصب في بقيته ، وهكذا حال أئمة الحديث المتأخرين ومنهم أحمد شاكر والألباني قد يصبون ، ولكن لهم من الأخطاء ما ينتقد عليهم بكلام وحجج المليباري !!!
ثانيا : قد حكم الجهني على نفسه بأنه شابه المليباري في بعض منهجه والذي منه تفريقه بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في تعليل الأحاديث ، وهو عين ما انتقد على المليباري ، فهنئا لك بركوب هذا المنهج المليباري .
ثالثا : لو كان الجهني يغار على الصحاح ومنهج المتقدمين ويحترم العلماء المتأخرين ، لأبتهل الفرصة عند هذا السؤال ، وبين أصول المليباري وفساد بدعته ، ولكن لمشابهة ومجانسة له في بدعته سكت عنه وغض الطرف وصب غضبه على المتأخرين كما هو حال شيخه المليباري .

فهذا ما تيسر من بيانه من أصول الجهني التي خالف فيها أهل الحق فترقبوا الحلقة الثانية يسر الله ذلك






كتبه : بشير بن سلة الجزائري
18 رمضان 1435 هـ





([1]) هذا الاتفاق والتزاوج ما يكون وراءه إلا أناسا يغذونه ويمدونه من الطاقات المعنوية والحسية ما يبقي قوته وتأثيره .

([2]) هل ترى يفقه الجهني وأسياده المليبارية هذا الكلام ويأخذوا به حتى لا يقعوا في ظلم أئمة الحديث المتأخرين وهدم ما خدموه من السنة ؟

([3]) وفي ألفاظ الجرح والتعديل المستعملة في أصحاب هذه المرتبة والتي تليها دلالة على هذا المعنى، فهم يقولون : فلان يعتبر به، يكتب حديثه، ينظر فيه، لا يتابع على حديثه، تعرف وتنكر، ونحو ذلك من الألفاظ.

([4]) الضعفاء الكبير للعقيلي (1/15)، وما بين معقوفتين من الجامع لأخلاق الراوي والسامع (2/193). وانظر شرح العلل لابن رجب/العتر/ (1/87)، مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ص19.

([5]) المدخل إلى كتاب الإكليل ص32، تاريخ بغداد (14/184)، شرح علل الترمذي/لابن رجب/العتر/ (1/89).

([6]) مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (2/238).

([7]) مسائل أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (2/167). وقارن بشرح علل الترمذي لابن رجب/ العتر/ (1/91).

([8]) المدخل إلى كتاب الإكليل ص31.

([9]) فتح المغيث (1/83).

([10]) فتح المغيث (1/83).

([11]) فتح المغيث (1/75).

([12]) الرسالة ص461-465.

([13]) نقله عنه من رواية ابن القاسم في شرح العلل لابن رجب/العتر/ (1/91).

([14]) الجامع لأخلاق الراوي وأدب السامع (2/193، تحت رقم 1583).

([15]) العلل ومعرفة الرجال عن أحمد بن حنبل رحمه الله (رواية المروذي وغيره) ص163.

([16]) مسائل أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (2/167). وقارن بشرح علل الترمذي لابن رجب/ العتر/ (1/91).

([17]) الكامل في ضعفاء الرجال (/266). والسنن الكبرى للبيهقي (4/264).

([18]) العلل الصغير المطبوع آخر السنن له. وانظر شرح العلل الصغير لابن رجب /العتر/ (1/340).

([19]) انظر النكت على كتاب ابن الصلاح (1/296-398)، فقد أورد الأمثلة على ذلك عند الترمذي رحمه الله.

([20]) النكت على كتاب ابن الصلاح (1/298-399).

([21]) الأنوار الكاشفة ص32-33.

([22]) مجموع الفتاوى (15/307).

([23]) مجموع الفتاوى (15/353).

([24]) ص358، وقارن بمجموع الفتاوى (15/353، 18/26).

([25]) انظر مجموع الفتاوى (13/344-346).

([26]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب تزويج المحرم، تحت رقم (1837)، ومسلم في كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته، حديث رقم (1410).

([27]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب قول الله تعالى: ]واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى[ا، حديث رقم (398)، ومسلم في كتاب الحج باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة، حديث رقم (1331).

([28]) أخرجه البخاري في كتاب الحج باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1777)، ومسلم في كتاب الحج باب بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1255).

([29]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب جواز التمتع، حديث رقم (1223)، واصل القصة في البخاري في كتاب الحج باب التمتع والقران والإفراد، حديث رقم (1563).

([30]) أخرجه البخـاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى:{إن رحمة الله قريب من المحسنين}، حديث رقم (7449).

([31]) قال ابن رجب رحمه الله في بيان فضل علم السلف على علم الخلف ص69، : "في زماننا (قلت: وفي زماننا أوكد) يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد. وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة، وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهو أشد مخالفة لها لشذوذه عن الأئمة، وانفراده عنهم بفهم يفهمه، أو يأخذ ما لم يأخذ به الأئمة من قبله"اهـ

([32]) مجموع الفتاوى (13/347-354) باختصار.

([33]) مجموع الفتاوى (18/26).

([34]) مجموع الفتاوى (15/307).

([35]) مجموع الفتاوى (15/353).

([36]) ص358، وقارن بمجموع الفتاوى (15/353، 18/26).

([37]) الأنوار الكاشفة ص255، 256.

([38]) قلت ( بشير) : فويل لهذه القاعدة وأهلها عند الجهني

([39]) معرفة السنن والآثار، كتاب الطهارة، باب سؤر ما لا يؤكل لحمه، (1/315).

([40]) الجامع لشعب الإيمان (10/93).

([41]) أربعون حديثاً لأربعين شيخا من أربعين بلدة لابن عساكر ص25.

([42]) كذا قال الحافظ المنذري رحمه الله، والذي يظهر لي أن الحافظ السلفي إنما قوى الحديث بتداوله لدى العلماء واشتهاره عندهم وتصريح بعضهم بثبوته، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ نقل كلام السلفي الذي يشعر بذلك، وعلى كل حال فإن المقصود هنا ما أفاده كلام المنذري وما سيعقب عليه به ابن حجر مما يفيد في هذا الباب تقوية الحديث الضعيف مطلقاً بتعدد الطرق.

([43]) الأربعين المتباينة السماع لابن حجر ص90.

([44]) شرح العمدة (كتاب الطهارة) (1/171).

([45]) القول المسدد ص39.

([46]) تدريب الراوي (1/177).

([47]) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد ص38.

([48]) العلل ومعرفة الرجال عن أحمد بن حنبل (رواية المروذي وغيره) ص163.

([49]) شرح العلل لابن رجب / همام/ (2/659).

([50]) هدي الساري ص392.

([51]) نقله عنه من رواية ابن القاسم في شرح العلل لابن رجب/العتر/ (1/91).

([52]) مسائل أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (2/167). وقارن بشرح علل الترمذي لابن رجب/ العتر/ (1/91).

([53]) الجامع لشعب الإيمان (5/45).

([54]) مجموع الفتاوى (13/347).

([55]) علم الحديث لابن تيمية ص39.

([56]) مقدمة ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين، للذهبي/حماد الأنصاري/ ص15.

([57]) العلل الصغير المطبوع آخر السنن له، وهو الذي عليه شرح ابن رجب. وانظر شرح العلل الصغير لابن رجب /العتر/ (1/340).

([58]) قال ابن رجب في شرح العلل/ العتر/ (1/387)، متعقباً قول ابن الصلاح هذا: "وهذا لا يدل عليه كلام الترمذي؛ لأنه إنما اعتبر أن لا يكون راويه متهماً فقط، لكن قد يؤخذ مما ذكره الترمذي قبل هذا: أن من كان مغفلاً كثير الخطأ، لا يحتج بحديثه، و لا يشتغل بالرواية عنه عند الأكثرين"اهـ قلت: يعني عند الانفراد، أما عند المتابعة فلا، وعليه فتفسير ابن الصلاح لقول الترمذي بـ "أن لا يكون من رواية مغفل كثير الخطأ"، غير مسلم، وقد قال ابن حجر رحمه الله في النكت (1/387)، في كلامه عن الحسن عند الترمذي: "ليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصوراً على رواية المستور بل يشترك معه الضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالغلط والخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي: أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب، و لا يكون الإسناد شاذاً، وأن يروى مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعداً. وليس كلها في المرتبة على حد سواء بل بعضها أقوى من بعض"اهـ.

([59]) يشير إلى تعريف الخطابي رحمه الله للحديث الحسن الذي ذكره ابن الصلاح قبل ذلك بقليل حيث قال الخطابي رحمه الله: "الحسن: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله. قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء"اهـ وهي كلمته في مقدمة معالم السنن (1/1).

([60]) معرفة أنواع علوم الحديث (المقدمة ابن الصلاح)/ العتر/ ص27-28.

([61]) علق ابن سيد الناس في الأجوبة (2/111) على هذا المقطع من كلام ابن الصلاح بقوله: "إذا توبع بما يرفع الشبهة عن سوء حفظه فهذا هو الحسن باتفاق. وأما قبل المتابعة فيدخل في قسم الحسن أيضاً على رسم الترمذي؛ لأنه عرّف الحسن بأنه "الذي لا يتهم راويه بالكذب"، والفرض أن راوي هذا من أهل الصدق والديانة، وضعف الحفظ نقله على هذا من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن"اهـ

([62]) علق على هذا الموضع ابن سيد الناس بقوله في أجوبته (2/111-112): "وأمّا قوله في المضعف من حيث الإرسال : بأن يرسل الخبر إمام حافظ، قال: "فإن ذلك الضعف يزول بروايته من وجه آخر" فنقول: لم يشترط في الوجه الآخر أن يكون عن ثقة، و لا أقل منه، في مقاومة إرسال الإمام الحافظ، كما ذكرتم، إذا كان كذلك فأرسل الخبر حافظ وأسنده ثقة، فإنه يزعم أن الحكم للإسناد؛ فإن ادعى ذلك لأن الإسناد زيادة، وقد جاءت عن ثقة فسبيلها أن تقبل، فلذلك وجه من النظر. وإن زعم أن هذا مصطلح أهل الشأن؛ فليس كذلك على الإطلاق. وأمّا خبر لا علة له، إلا أن إماماً حافظاً أرسله، وقد تبين من وجه آخر إسناده، وقد لزمه في الوجه الآخر أن يكون عن ثقة و لا بد فهذا ينبغي أن يكون صحيحاً على مذهبه في أن المسند الثقة مقدم على المرسل و لا علة في هذا الإرسال وقد انتفت"اهـ

([63]) معرفة أنواع علوم الحديث (المقدمة ابن الصلاح)/ العتر/ ص 34.

([64]) أجوبة ابن سيد الناس (2/110-111).

([65]) النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (1/320).

([66]) كذا اشترط في المتابع – وفي حكمه الشاهد – أن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وقد تقدم كلام ابن سيد الناس بمعناه، لكن قال العلائي في جامع التحصيل ص41: "إن المسند قد يكون في درجة الحسن، وبانضمام المرسل يقوى كل منهما بالآخر، ويرتقي الحديث بهما إلى درجة الصحة، وهذا أمر جليل أيضاً و لا ينكره إلا من لا مذاق له في هذا الشأن"اهـ، وكلام العلائي منسجم مع كلام ابن الصلاح الذي ذكرته قبل قليل في الصلب وعبارته: " ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة. فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر".
قلت: الحديث الثابت يزداد قوة بتعدد الطرق وإن كانت دونه في الدرجة، أمّا الحديث الضعيف فإنه يزداد مطلق قوة بما هو دونه، و قد يخرج عن درجته إلى ما هو أرقى بذلك، وهذا واضح في التقوية على الحال الأولى والثانية، والله اعلم. واختار صاحب كتاب مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ص92، أن الحديث الثابت يتقوى بما هو أدنى منه، أمّا الحديث الضعيف فلا يتقوى بما هو أضعف إنما يتقوى بمثله أو أقوى منه. قلت: وهذا قد يستقيم على التقوية بتعدد الطرق في الحال الثالثة، أما في الحال الأولى والثانية فلا، والله اعلم.

([67]) نزهة النظر / العتر/ ص103.

([68]) فتح المغيث (1/75).

([69]) فتح المغيث (1/79). وجاء في نسخة: " أو بالضعيف بما عدا المفسق كالكذب وإن لم يفحش خطأ سيء الحفظ، إذا اعتضد..." نبه عليه محقق فتح المغيث في الهامش.

([70]) جامع العلوم والحكم (2/210-211).

([71]) نصب الراية (1/4).

([72]) الكامل في ضعفاء الرجال (/266).

([73]) شرح العلل لابن رجب/ همام/ (2/582).

([74]) لا يستدرك على كلام ابن تيمية رحمه الله؛ بأن المتقرر أن قول المحدث: "أصح شيء في الباب" لا يعني أن الحديث صحيح، إنما مراده بيان أقوى ما في الباب ولو كان ضعيفاً فهذا أصحه، أي أقواه وأحسنه، لا أنه صحيح في نفس الأمر، أقول: لا يستدرك على ابن تيمية بهذا، إذ المقام هنا في قول الإمام عن طرق حديث بعينه: "أحسنها طريق كذا أو حديث كذا"، ففرق بين المقامين، والله اعلم .

([75]) شرح العمدة (كتاب الطهارة)/ تحقيق د.سعود بن صالح العطيشان/ مكتبة العبيكان/ الطبعة الأولى 1412هـ (1/170-171)، باختصار.

([76]) تحفة الأبرار بنكت الأذكار للسيوطي ص35.

([77]) معرفة السنن والآثار (3/82).

([78]) العلل ومعرفة الرجال عن أحمد بن حنبل (رواية المروذي وغيره) ص163.

([79]) معرفة السنن والآثار (1/229).

([80]) النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/402).

([81]) هذه المسألة أشرت إليها في هذه الدراسة المختصرة، وقد ذكرت نماذج لها في بحث آخر وهو "تعليل الحديث إذا خالفه راويه"، عند الكلام على حديث المسح على الخفين.

([82]) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين (ص: 4)

([83]) شرح الباعث الحثيث (ش22 د 15 )

عبدالله بن العيد عدونة
18-Jul-2014, 03:41 AM
بارك الله فيك أخي بشير
وفقك الله

أبو أنس بشير بن سلة الأثري
24-Jul-2014, 04:48 PM
بارك الله في الأخ عبدالله

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
25-Jul-2014, 02:08 AM
أحسن الله اليك اخي