المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تخير الأصحاب - كلمة لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله



أم عمير السنية السلفية
29-Sep-2014, 04:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تَخَيُّرُ الْأَصْحَابِ
كلمة لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله
كلمة ألقيت في المدينة النبوية بتاريخ/ 12-08-1435 هـ

http://al-badr.net/download/esound/kalimah/takhoyyur-ashhab.mp3

الحمدُ لله رب العالمين ، والعاقبةُ للمتقين ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ؛ وليُّ الصَّالحين ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ؛ خير عباد الله أجمعين ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أما بعد :

قول الله عز وجل : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:27-29]

هذه الآية الكريمة العظيمة تُعَدُّ أصلًا مهمًّا للغاية في وجوب تخيُّر الرفقاء وانتقاء الأصحاب ، وأن المسلم ليس له أن يجلس مع من شاء ويصاحِب من شاء ؛ لأن الصاحب مؤثرٌ في صاحبه ولابد ، وكما يقال « الصاحب ساحب» ، ولهذا كان من أوجب ما يكون على المرء الناصح لنفسه أن يتخير من الأصحاب والرفقاء من يعينونه على الخير ويشدون من أزره في الطاعة ، وأن يحذر في الوقت نفسه أشد الحذر من قرناء السوء وخلطاء الفساد ، وقد ضرب لنا نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الباب مثلًا عظيما حيث قال : ((مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ؛ فَحَامِلُ المِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)) . فهذا مثل عظيم جدًا لبيان الفرق بين القرين الصالح والقرين السوء وأنَّ كل منهما مؤثرٌ في جليسه ولا بد ، فالجليس الصالح يؤثر في جليسه خيرًا وصلاحا ، والجليس السوء يؤثر في جليسه شرًا وفسادا .

ولهذا جاء عن نبينا عليه اللصلاة والسلام التأكيد على التفقه في الرفقاء قبل مخالطتهم كما في الحديث الذي خرَّجه أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) والحديث يتكون من جملتين: الأولى خبرية ، والثانية طلبية :

· الأولى : ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ)) ؛ أي أن من يخاللهم ويجالسهم هو على طريقتهم ، لماذا ؟ لأن المجالسة مؤثرة في الجليس ولابد
عن المرء لا تسَلْ وسَلْ عن قرينه إنَّ القرين بالمقارن يقتدي
هذا أمر معروفٌ من حال الإنسان ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ )) ، فإذا كان يجالس أهل الصلاح فهو على دينهم وطريقتهم ، وإذا كان يجالس أهل الشر والفساد فهو على دينهم وطريقتهم ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ )) .

· ((فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) وهذه جملة طلبية ؛ ((فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)) : يعني لا تجالس كل أحد ، ولا تخالط كل من هبَّ ودب ، ولكن تفقه فيمن ستجالس ، ولهذا قال بعض السلف : «مِن فِقه الرجل مأكله ومشربه وممشاه» ؛ أي يتفقه في أكله قبل أن يأكله ، وشرابه قبل أن يشربه ، وجليسه قبل أن يجالسه ، هذا من فقه الرجل ، دليل على فقه الرجل أنه يتفقه في هذه الأشياء ، حتى يعرف ما فيه المصلحة مما فيه المضرة ، ما فيه الخير مما فيه الشر ، ما فيه النفع مما فيه الضر . ولهذا أيضا قال بعض السلف : « ليس للمؤمن أن يجلس مع من شاء» لماذا ؟ لأنه إن جلس مع كل أحد دون أن يميز بين الصالح والطالح ، والحسن والسيء ، فإن هذا سيجلب له رفقة الأشرار ومجالسة الأشرار التي يترتب عليها تأثره بهم ، ومن ثمة ندامته على مجالسته لهم .

وماذا يفيده إذا ندم ؟ وماذا يفيده إذا عض على يديه أصابع الندم {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } أي فائدة يستفيدها عندما يندم في ذلك اليوم العظيم على مجالسة فلان وعلان وغيرهم من أصحاب الشر وخلطاء الفساد ؟! والصداقة التي بين الأشرار مهما قويت فإنها ستنقطع ، مهما قويت المحبة بينهم فإنها ستنقطع وتتحول إلى عداوة {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67] ؛ إلا من خلَّتهم في التقوى تقوى الله فهذه باقية « ما كان لله دام واتصلا ، وما كان لغيره انقطع وانفصلا » .

وإذا كان الصاحب مؤثرًا في جليسه هذا التأثير فإن زماننا هذا قد استجدَّ فيه نوع من الجلساء وصنفٌ من الخلطاء لم يكن لهم وجود في الزمان الأول وأثَّروا في جلسائهم تأثيرًا خطيرًا جدا وأضرُّوا بهم إضرارًا عظيما ؛ إنه مجالسة ومصاحبة القنوات الفضائية ومواقع الانترنت ، فهذا نوع من الجلساء استجدَّ الآن في هذا الزمان لم يكن له وجود، فتجد الشخص يجلس وحده في غرفته ويفتح هذه القنوات أو يفتح المواقع في الانترنت ويجلس بالساعات مع أهل الشر يسمعهم ويراهم ويشاهدهم ويرى أعمالهم وأفعالهم وتصرفاتهم ، ويجذبونه بتفننهم وطرائقهم الماكرة ويستهوونه ويستدرجونه ، ويتنقل هذا المسكين من نظرٍ إلى نظر وسماعٍ إلى سماع ثم يترتب على هذه المجالسة فساد القلب والعياذ بالله ومرضه إما بالشبهة أو الشهوة أو كلاهما . وهذا الجليس لم يكن موجودًا في الزمان الأول وإنما هو جليس استجد في هذا الزمان .

وإذا كان أشخاصٌ أو خلقٌ سيندمون يوم القيامة على مجالسة أصحاب الشر {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } ؛ فإنه سيندم يوم القيامة خلق ندمًا عظيمًا على مجالسة هذه القنوات ومصاحبة هذه المواقع ؛ نعم ويعضون أصابع الندم ولكن لا يفيد . والعاقل الناصح لنفسه يربأ بها عن هذا الضياع وهذا الشر وهذا الفساد .
قد هيَّئوك لأمرٍ لو فطنتَ له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

الناصح لنفسه لا تستهويه مناظر الشر ، ولا صور الفساد ، ولا تفنن أهل الشر باستهواء المرء واستدراجه ، بل إنه يستعذ بالله منهم ومن شرورهم وينأى بنفسه عن مشاهدتهم وسماع كلامهم ، ويحذر أشد الحذر فإن لم يفعل ندم على ذلك ندامةً شديدة .

ومما يعينه على هذا التوقي والسلامة : أن يتذكر قول الله عز وجل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36] ، وأن يتذكر اطلاع الله عليه ورؤيته له وعلمه به وأنه لا تخفى عليه سبحانه وتعالى خافية في الأرض ولا في السماء .
وإذا خلَوْتَ الدَّهر يومًا فلا تقُل خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيب

أسأل الله عز وجل أن يحفظنا في أنفسا وذرياتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطنا ، وأن يحفظنا في أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وشر كل دابةٍ هو آخذٌ بناصيتها . اللهم إنَّا نعود بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا وشر الشيطان وشركه وأن نقترف على أنفسنا سوءً أو أن نجرَّه إلى مسلم ، اللهم أصلح لنا شأننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيما . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه.


موقع الشيخ (http://al-badr.net/detail/nvU58z3Imhbj)