المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحبك في الله .. آلله ، أنظر ما تقول .. فإن ثمنه باهظ



أبو بكر يوسف لعويسي
13-Oct-2014, 03:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ذي الجلال والمال والإكرام والصلاة والسلام على أفضل الأنام وعلى آله وصبحه الكرام وعلى من تبعهم بإحسان على الدوام .
أما بعد :
لقد اعتاد كثير من الأخوة أن يقولوا لبعضهم البعض أو لبعض طلبة العلم أو لبعض المشايخ نحبكم في الله ، ولكنهم لا يقدرون عظيم المعنى الذي تحمله هذه الجملة ، وعظم حقها وثمنها حتى إذا خالفوهم أخوهم أو سمعوا عن أخيهم أو شيخهم شيئا - ولو كان باطلا - وحتى وهم يعلمون أنه باطل لا دليل عليه إلا مجرد قيل وقال وإشاعات ، تلاشى ذلك الحب المزعوم وجف غرسه وانقطع ماء الوصل عنه ، ولست تدري أكانوا يمزحون أو أنهم يجاملون ، أو أنهم جادون ولكن لثمن الحب في الله جاهلون لا يعرفونه ولا يقدرون ، ولم يعلموا أن من ثمنه التواصي بالحق وأهمه النصيحة وخاصة في حالة ثبوت المخالفة في حق أخيه الذي يحبه في الله ومنها أن يصبر عليه وعلى أذيته إن لحقه من أخيه أذية له فإن لم يفعل ولم يصبر فذلك علامة على أنه حب زائف وادعاء كاذب فعليه أن يراجع نفسه ولينظر ما يقول قبل أن يخبر أخاه بهذه الكلمة العظيمة الطيبة (( أحبك في الله )) .
ففي الموطأ(3507/ 763 ) عن مالك عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ. فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا. وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ، أَسْنَدُوا إِلَيْهِ. وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ. فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، هَجَّرْتُ. فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ. وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي. قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ. ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ للهِ.فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ، فَقُلْتُ: آللَّهِ. فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ.قَالَ: فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ. وَقَالَ: أَبْشِرْ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: << قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ. وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ. وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ. وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ >>.صحيح الترغيب والترهيب(2581 - 3018 ) وقال (صحيح)وصحيح الجامع(4331) وقال(صحيح) [حم طب ك هب] عن معاذ. والمشكاة (5011).
وهو في صحيح الجامع (4321 ) من حديث عبادة بن الصامت ولكن بلفظ << قال الله تعالى: حقت محبتي(1) للمتحابين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتناصحين في وحقت محبتي للمتزأورين في وحقت محبتي للمتباذلين في المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء>>.وقال (صحيح) [حم طب ك] عن عبادة بن الصامت. والترغيب (4/47)وصحيح الترغيب 3019 – وقال (صحيح).
فقول معاذ رضي الله عنه لبي إدريس الخولاني لما قال له : وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ للهِ.فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ، فَقُلْتُ: آللَّهِ. فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ..
يعني انظر ما تقول ، فإن ثمنه عظيم وجزاءه أعظم ، وعدم الوفاء به خسارة كبيرة وعظيمة ولعلك لا تقدر عليه فلما تأكد منه أخبره بما سمع في جزائه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أكده له عبادة بن الصامت .
لذلك أنصح نفسي وأحبتي أن ينظروا ما يقولون عن الإخبار بالحب في الله لمن يخبرونه فإن ثمن هذا الحب عظيم ( إنه في ذات الله ) وربما لا يقدر على الوفاء به إلا من كانت له قدم راسخة في الدين والعلم ..
سئل العلامة المحدث الألباني عن الحب في فقال إنه ثمنه باهظ غال قل من يدفعه ، وصدق والله فكثير من الأخوة يدعي الحب في الله لغيره ولكنه إذا جاء لدفع الثمن استغلاه ونكص على عهده وعقبه .سائل: الذي يحب في الله يجب أن يقول له أحبك في الله ؟الشيخ : نعم ، ولكن الحب في الله له ثمن باهظ ، قَـلّ من يدفعه ، أتدرون ما هو ثمن الحب في الله ؟ هل أحد منكم يعرف الثمن ؟ من يعرف يعطينا الجواب...وبعد سماع الشيخ لأجوبة بعض الأخوة قال أحد الحضور : قال تعالى : {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
قال الشيخ : أحسنت ، هذا هو الجواب ، وشرح هذا إذا كنتُ أنا أحبك في الله فعلاً تابعتك بالنصيحة، كذلك أنت تقابلني بالمثل ، ولذلك فهذه المتابعة في النصيحة قليلة جداً بين المدعين الحب في الله ، الحب هذا قد يكون فيه شيء من الإخلاص ، ولكن ما هو كامل ، وذلك لأن كل واحد منا يراعي الآخر ، بيخاف يزعل ، بيخاف يشرد ....إلى آخره .
ومن هنا الحب في الله ثمنه أن يخلص كل منا للآخر وذلك بالمناصحة ، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر دائماً وأبداً فهو له في نصحه أتبع له من ظله ، ولذلك صح أنه كان من دأب الصحابة حينما يتفرقون أن يقرأ أحدهما على الآخر { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }المصدر: الحاوي من فتاوى الألباني . ( ص165-166).
وفي السلسلة الصحيحة (2648 )<< كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر: (والعصر إن الإنسان لفي خسر) ثم يسلم أحدهما على الآخر >>. وبعد تخريجه والحكم عليه بالصحة قال : وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا - رضي الله عنهم جميعا-:
إحداهما: التسليم عند الافتراق، وقد جاء النص بذلك صريحا من قوله صلى الله عليه وسلم: << إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، وإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة >>.
قلت (يوسف ) : وهذا مما يوطد علاقة الحب في الله .
قال الشيخ : وهو حديث صحيح مخرج في المجلد الأول من هذه " السلسلة " برقم (183) وهو في " صحيح الأدب المفرد " برقم (773 / 986) وقد صدر حديثا وفي " صحيح زوائد ابن حبان " ( ... / 1931) وهو تحت الطبع.
وفي معناه الأحاديث الآمرة بإفشاء السلام، وقد تقدم بعضها برقم (184و569 و 1493).
والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله، إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، ولم لا وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء، فقال: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} .
وقال ابن مسعود والحسن البصري: " من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم " .انتهى كلامه .
فهذا من فقه الدقيق - رحمه الله – أنه استنبط ثمن الحب في من هذه السورة القصيرة العظيمة ، وأن ثمنه باهظ وقليل من يدفعه ، ومن أهم وأعظم ثمنه التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
وقال الشوكاني - رحمه الله - كما في الفتح الرباني (3/1318)
وقد كان لهذه السورة شأن عظيم عند السلف- رضي الله عنهم- وبعد أن ذكر الحديث المتقدم قال : قلت: ولعل الحامل لهم على ذلك ما اشتملت عليه من الموعظة الحسنة من التواصي بالحق والتواصي بالصبر بعد الحكم على هذا النوع الإنساني حكما مؤكدا بأنه في خسر، فإن ذلك مما ترجف له القلوب، وتقشعر عنده الجلود، وتقف لديه الشعور، وكأن كل واحد من المتلاقين يقول لصاحبه: أنا وأنت وسائر أبناء جنسنا وأهل جلدتنا خاسر لا محالة إلا أن يتخلص عن هذه الرزية، وينجو بنفسه عن هذه البلية بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق وبالصبر، فيحمله الخوف الممزوج بالرجاء على فتح أسباب النجاء، وقرع أبواب الالتجاء..

فإن قلت: كيف وقع منهم تخصيص هذه السورة هذه المزية دون غيرها من السور المختصرة؟ قلت: وجه ذلك ما قدمنا من اشتمالها على ما اشتملت عليه ترهيبا وترغيبا، وتحذيرا وتبصيرا، وإنذارا وإعذارا، بخلاف غيرها من السور، فإنك تجدها غير مشتملة على ما اشتملت عليه هذه. انظر إلى السورة التي قبلها فإنها خاصة بالتهديد والتشديد على من ألهاهم التكاثر، وانظر إلى السورة التي بعدها فإنها مختصة بالوعيد العظيم، والترهيب الأليم للهمزة واللمزة ، وهكذا سائر هذه الصور المختصرة مع قيام كل واحدة في بابها مقاما يعجز عنه البشر، غير أنها لم تكن كهذه السورة في ذلك الحكم العام بذلك الأمر الشديد المشتمل على أبلغ تهديد، مع أكمل توكيد، ثم تعليق النجاة منه بذلك الأمر الذي هو لب اللباب، وغاية طلبات أولي الألباب.
وبالجملة فهو حكم بالهلاك على كل فرد من أفراد النوع إلا إذا لاحظه التوفيق بسلوك تلك الطريق، وسلم من آفات التعويق. وسيأتيك- إن شاء الله- من البيان لهذا الشأن ما هو أعظم برهان.
فإن قلت: هل يحسن منا عند الالتقاء الإقتداء بذلك السلف الصالح؟ قلت نعم وإن لم يدل عليه دليل يخصه من المرفوع، لكن قد ورد في عمومات الكتاب والسنة ما يدل على أنه ينبغي لكل فرد من المسلمين أن يدعو أخاه إلى أسباب الهداية، ويزجره عن ذرائع الغواية، ويعظه مواعظ الله- سبحانه-، فإن ذلك من النصيحة التي يقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيها: << الدين النصيحة >> وقد تواترت الأدلة المرشدة إلى المناصحة ، وأيضا ذلك يندرج تحت عمادي هذا الدين اللذين تبنى عليهما قناطره، وترجع إليهما أوائله وأواخره، وهما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
إذا وجدنا لذلك موضعا، ورأينا له قبولا. ولا أقول أنه يتعين على الأمر الناهي تلاوة هذه السورة، بل أقول أنها من أتم ما يحصل به هذا الغرض، ويتأذى عنده هذا المطلب، وأنت تعلم أن الله - سبحانه- إنما أنزل هذه السورة على عباده ليعملوا بها، ويقوموا مما اشتملت عليه من التواصي بالحق والصبر، وفي تلاوتها. عند تلاقيهم أعظم موعظة، وأتم موقظة. انتهى .
أقول : ويؤكد هذا ما قاله الشافعي رحمه الله في هذه السورة : (( لو ما أنزل الله على الخلق إلا لهذه السورة لكفتهم )).
وقال الشوكاني - رحمه الله - (3/1353) وقوله :{وتواصوا بالحق}. يقال: أوصاه ووصاه بوصية عهد إليه. ومعنى التواصي أنه أوصى به أولهم آخرهم، وهذا ذاك، وذاك هذا. هذا هو المعنى اللغوي. والصيغة تدل على الاشتراك في أصل الفعل كما هو مقرر في علوم اللغة العربية. والحق في الشرع واللغة ضد الباطل، وأصله الثبوت من حق الشيء إذا ثبت، والمحق من المبطل..
والمراد هنا أنه وصى بعضهم بعضا مما يحق القيام به، فيدخل التواصي بالإيمان وبالقيام بأركان الإسلام دخولا أوليا. ومن أهم أنواع التواصي بالحق أن يتواصوا بالأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، ومن أهمها أيضًا أن يتواصوا ببيان ما يعرف بعضهم من بعض أنه مرتكب له واقع فيه من المعاصي والمكروهات، وما يخالف ما يرضاه الله- سبحانه- ويحبه من الأخلاق الصالحة والشمائل المرضية فيما بينهم وبين ربهم، وفيما بينهم وبين أنفسهم. ومن أعظم ما ينبغي التواصي به حفظ اللسان من الغيبة والنميمة والسخرية والتنابز بالألقاب، فإن هذه أمور منهي عنها في الكتاب العزيز {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ ميتا فكرهتموه } إلى آخر الآية ، وقوله {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} وقوله {لا يسخر قوم من قوم } وقوله {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ومن لم يتب فأولئك هم الفاسقون}وقوله {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}.
ومن التواصي أن نعلم أن لكل مقام مقالا، فينبغي للإنسان عند ملاقاة من له اشتغال بعمل من الأعمال أن يأخذ في توصيته، مما ينتفع به فيما هو بصدده لمن كان مشتغلا مثلا بالعلم، أن يوصيه بحسن النية أولا، ثم بالاشتغال مما يعود نفعه عليه من الكتاب والسنة، وما يتوصل به إليهما، ويستعن على فهمهما، وكيفية العمل بهما .
ثانيا: ثم الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب .
ثالثا، ثم الإرشاد إلى الرد إلى كتاب الله- سبحانه- وسنة رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عند الاختلاف .
رابعا. ثم هكذا يأخذ مع أهل كل صناعة بتوصيتهم مما ينتفعون به في صناعتهم،وتخصصاتهم ويحفظون به دينهم في مباشرتهم لها. فلا نطيل الكلام في تعداد أهل الحِرف، وأنواع أهل الأعمال، فإنه لا يخفى على الذكي الممارس للباس العارف بقواعد الشرع ما يتعلق به النفع أو الضر لكل طائفة من هذه الطوائف، فيأخذ مع كل طائفة فيما يهمها ويخشى منه ضررها، ويرجو فيه نفعها.
ومن التواصي قوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وما ورد في هذا المعنى من الآيات والأحاديث، وهو الكثير الطيب.
وقد ثبت في الصحيح عنه- صدى الله عديه وآله وسلم- أنه قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يدبره لأخيه ما يحب لنفسه " فمن فهم هذا الحديث حق الفهم، وتدبره كلية التدبر عرف ما يجب على أهل الأخوة الدينية لبعضهم بعضا، فمعلوم لكل عاقل أن الإنسان يحب لنفسه أن يكون في أعلى منازل الدين، وأرفع منازل الدنيا التي لم تشب مما يكدرها من الإثم وسوء التبعة، وخطر العاقبة، فإن وجد نفسه أنه يحب لكل فرد من أفراد من جمعته وإياه الأخوة الدينية أن يكون هكذا، فليفرج روعه، ولتقر عينه، ويطمئن قلبه، وينثلج صدره، وإن لم يجد من نفسه محبة ذلك لأخيه فليعلم أنه مفرط في الأخوة الدينية، مفرط في إيمانه الذي لا يتم إلا بذلك، بل لا يثبت من الأصل إلا به، كما تدل عليه تلك العبارة التي تكلم ها الصادق المصدوق- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.انتهى كلامه .
فهذا ثمن الحب في الله الباهظ ، ورأسه وعموده التواصي بالحق والتفاعل في ذلك من الجانبين أمرا بالمعروف على المعروف ونهيا عن المنكر بالمنكر فإن كنت عاجزا عن الوفاء به وغير قادر عن دفعه فلا تلزم نفسك به ،وانظر على في حقيقة ما تقول قبل الإخبار به ، فإذا قلت ذلك فجاهد نفسك عليه واصبر على ما تلاقي فيه فإن العاقبة حميدة والغنيمة به جيدة مفيدة .
وعلموا رحمني الله وإياكم أن القلوب تراب ، والحب في الله غرسها، والوصل ماؤها ، فإذا انقطع عن التراب الماء جف الغرس ، وحصل القحط ، وحل الدرن، فلا نحب أن يجف الغرس بين المتحابين في الله المتناصرين والمتناصحين والمتزاورين فيه سبحانه واعلموا - بارك الله فيكم - ماء الوصل يطهر الدرن ، وينبت الود، و يشرح الصدور ، ويدخل السرور والحبور .. فإلى من أحببتهم أجدد عهدي بهم وإخباري لهم أحبكم في الله ، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لدفع هذا الثمن والوفاء به والقيام عليه ، وأن يغفر لكم ولهم وأن يجمعني بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر على منابر من نور عن يمين الرحمن وقد وجبت أو حقت لنا محبته . اللهم آمين .
----------------
الهامش .1 – في سماع أبي إدريس الخولاني من معاذ ، وفي الفرق بين وجبت محبتي ، وحقت .
قال الطحاوي شرح مشكل الآثار عند حديث رقم (3895)وهو الحديث الذي مرنا معنا في وجوب محبة الله للمتحابين فيه : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي إِسْنَادِهِ، فَوَجَدْنَا فِيهِ ذِكْرَ لِقَاءِ أَبِي إِدْرِيسَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَسَمَاعَهُ مِنْهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ مَا قَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ أَبُو إِدْرِيسَ لَقِيَ مُعَاذًا وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: " أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَعَدَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاتَنِي مُعَاذٌ، فَأَخْبَرْتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا إِلَّا قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ " وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ مَا تَوَهَّمَ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مَا حَكَيْنَا مِنْ دَفْعِهِ لِقَاءَ أَبِي إِدْرِيسَ مُعَاذًا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ مَا تَوَهَّمَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِخْبَارُ أَبِي إِدْرِيسَ بِلِقَائِهِ عُبَادَةَ وَوَعْيِهِ عَنْهُ، وَلِقَائِهِ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَوَعْيِهِ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفَاتَنِي مُعَاذٌ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَاتَنِي، أَيْ: فَاتَنِي أَنْ أَعِيَ كَمَا وَعَيْتُ عَنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَبْلَهُ، لَا أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ بِهِ مَعَ عَدْلِهِ رَحِمَهُ اللهُ فِي نَفْسِهِ، وَمَعَ ضَبْطِهِ فِي رِوَايَتِهِ، وَمَعَ جَلَالَةِ مَنْ حَدَّثَ بِذَلِكِ عَنْهُ، وَهُمْ أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخُرَاسَانِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا أَئِمَّةٌ مَقْبُولَةٌ رِوَايَتُهُمْ غَيْرُ مَدْفُوعِينَ عَنِ الْعَدْلِ فِيهَا، وَالضَّبْطِ لَهَا، وَالثَّبْتِ فِيهَا، وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَ رِوَايَةَ مَنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ عَلَى مَا يَنْفِي عَنْهَا التَّضَادَّ، مَا وَجَدْنَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا .ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَوَجَدْنَاهُ مِمَّا قَدْ جَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي " وَالْآخَرُ: " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " فَأَمَّا " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي " فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْوُجُوبَ، وَهُنَاكَ وُجُوبٌ آخَرُ مِنَ الْمَحَبَّةِ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَفِي مَرْتَبَةٍ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: أَنَا أُحِبُّ فُلَانًا لِرَجُلٍ يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَا أُحِبُّ فُلَانًا لِرَجُلٍ غَيْرِهِ مَحَبَّةً فَوْقَ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي " لِلَّذِينَ ذَكَرَهُمْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهُ تَجِبُ لِغَيْرِهِمْ وُجُوبًا فَوْقَ ذَلِكَ الْوُجُوبِ، وَفِي مَرْتَبَةٍ أَعْلَى مِنْ مَرْتَبَتِهِ وَأَمَّا " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " فَعَلَى فَوْقِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِأَبِي إِدْرِيسَ لِمَا حَدَّثَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ [ص:40] جَبَلٍ بِمَا حَدَّثَهُ بِهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي "، بِقَوْلِهِ لَهُ: سَمِعْتُ مِنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ يَأْثُرُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ حَدَّثَهُ عُبَادَةُ مِمَّا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَبُو إِدْرِيسَ عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الرَّجُلَ يَقُولُ: فُلَانٌ عَالِمٌ، فَيُوجِبُ لَهُ الْعِلْمَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْعُلَمَاءِ مَنْ مَرْتَبَتُهُ فِيهِ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ فِيهِ، وَيَقُولُ: فُلَانٌ عَالِمٌ حَقًّا، فَيَرْفَعُهُ بِذَلِكَ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الْعِلْمِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ: " حَقَّتْ مَحَبَّتِي " عَلَى الرِّفْعَةِ لِمَنْ حَقَّتْ لَهُ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ مَحَبَّتِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ لِأَهْلِ نَجْرَانَ لَمَّا سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ رَجُلًا أَمِينًا، فَقَالَ: " لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا، حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ " فَبَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَكَانَ ذَلِكَ إِخْبَارًا مِنْهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَدْ بَعَثَ مَعَهُمْ مَنْ هُوَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ وَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ أَيْضًا بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.

أبو بكر يوسف لعويسي
15-Oct-2014, 02:14 PM
قال الخراز في مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ ( 1/ 384) الحب في الله أوثق عرى الإيمان، والمتحابون في الله لهم منابر من نورٍ يوم القيامة يغبطهم النبيون والشهداء، والحب في الله فضيلته أنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، والحياة لها طعم حين نعيشها لله، ولها طعمان حين نعيشها مع أُناسِ نُحِبُّهم في الله ويحبوننا، وكلمة (أحبك) محببة للنفس، وعندما تقال لله يكون لها وقع في النفوس، فالحب في الله مساحة كبيرة، وأرض فسيحة نباتها الصدق والإخلاص وماؤها التواصي بالحق والصبر، ونسيمها حسن الخلق، فما أشجَى الأسماع مثل كلمة أُحِبُّك في الله.عن المقداد بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: <<إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه>>. أخرجه أحمد (4/ 130) وغيره، وصححه الألباني ينظر "صحيح الجامع" (279).
فما أعظم أن يربي العبد نفسه وولده وأهله وإخوانه على هذا الخلق العظيم فإنه يجني ثمرة عظيمة وعاقبة حميدة سعيدة ، وهذا ما تلهف إليه النفوس ، وتسعى إليه القلوب ابتغاء مرضاة الله في ظل عرشه على منابر من نور يا لها من فضيلة ويا لبردها على القلوب المحبة والمحبوبة .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
15-Oct-2022, 10:44 PM
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل