المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (مشاهد يوم القيامة) خطبة جمعة للشيخ العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله



أم عمير السنية السلفية
17-Oct-2014, 03:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


خطبة جمعة للشيخ العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى

بعنوان مشاهد يوم القيامة



الحمد لله الملك القهار العزيز الجبار خلق السماوات والأرض وما بينهما من غير تعب ولا اضطرار وأنزل على عبده في الكتاب والفرقان ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شئ قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أقوم الناس طاعة لربه بفعل المأمور وترك المحظور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر والنشور وسلم تسليما …
أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى وفكروا في دنياكم وأخرتكم في حياتكم وموتكم في حاضركم ومستقبلكم فكروا في هذه الدنيا فيمن مضى من السابقين الأولين من هذه الأمة والآخرين ففيهم عبرة لمن اعتبر فكروا فيمن مضى فعمر الدنيا أكثر مما عمرتموها وكانوا أكثر منا أموالاً وأولاداً وأشد منا قوة وتعميرا فذهبت بهم الأيام كأن لم يكونوا وأصبحوا خبراً من الأخبار وأنتم على ما صاروا إليه عليه سائرون وإلى ما صاروا إليه صائرون سوف تنتقلون عن هذه الدنيا إلى القبور بعد القصور وسوف تنفردون بها بعد الإجتماع بالأهل والسرور سوف تنفردون بأعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر إلى يوم البعث والنشور

وحين ذلك حين ذلك ينفخ في الصور فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة بلا نعال وهراة بلا ثياب وغراً بلا ختان كما بدأنا أول خلق يعيده حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فقالت عائشة يا رسول الله الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأمر والله أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض إن الأمر أشد من أن ينظر الرجال إلى النساء أو النساء إلى الرجال إنه أعظم من أن تسأل الأم عن ولدها والابن عن أبيه (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون:101) يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج:1-2) هنالك قلوب واجفة وأبصارهم خاشعة هنالك تنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال فيأخذ المؤمن كتابه بيمينه ويأخذ الكافر كتابه بشماله من وراء ظهره (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ) فيقول فرحاً وسرورا (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ) (الحاقة:19) ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ) حزناً وغما ( يا ليتني لم أوتي كتابيه ) ويدعو ثبوراً وهناك توضع الموازين فتوزن فيها أعمال العباد من خير وشر فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرى ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرى قال الله عز وجل (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء:47)

في ذلك اليوم يموت الناس بعضهم في بعض ويلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون فيقول الناس ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيأتون آدم أبا البشر ثم نوحاً أول رسولاً أرسله الله إلى هل الأرض ثم إبراهيم خليل الرحمن ثم موسى أفضل أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام وكلهم يقدم عذراً ثم يأتون إلى عيسى آخر الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول ( لست لها ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر )

فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول فيقول مفتخراً بنعمة الله أنا لها فيستأذن من الله عز وجل ويخر له ساجداً ويفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبله فيدعه الله تعالى ما شاء الله أن يدعه ثم يقول ( يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطى )

وفي ذلك اليوم ينزل الله للقضاء بين عباده وحسابهم فيخلو بعبده المؤمن وحده ويضع عليه سترة ويكلمه ليس بينه وبينه ترجمان فيخبره الله بما عمل من ذنوبه حتى يقر ويعترف فيظهر الله عليه فضله فيقول له جل وعلا ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) في ذلك اليوم الحوض المورود لمحمد صلى الله عليه وسلم ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك طوله شهر وعرضه شهر وآنيته كنجوم السماء كثرة وإضاءة لا يرد عليه إلا المؤمنون به المتبعون لسنته من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا أول الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين وأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن يرده ويشرب منه في ذلك اليوم ختمت الشمس من الخلق حتى تكون قدر ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق يعرقون فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حصويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ويظل الله من شاء في ظله يوم لا ظل إلا ظله وفي ذلك اليوم يقول الله تعالى ( يا آدم ) فيقول لبيك وسعديك والخير كله في يديك فيقول الله له ( أخرج بعث النار ) يعني من ذريتك قال يا ربي وما بعد النار قال ( من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ) من كل ألف من بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم من أهل النار وواحد من الألف من أهل الجنة فعند ذلك يشيب الصغير وفي ذلك اليوم يوضع السراط على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف وترسل الأمانة والرحل فيقومان جنبتي السراط يميناً وشمالا فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم تجري بهم أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر وكالبرق ومنهم من يزحف ومنهم ما بين ذلك ونبيكم صلوات الله وسلامه عليه قائم على السراط يقول ( يا ربي سلم يا ربي سلم ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فأكون أول من يجول ) أي أول من يعفو من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ ( اللهم سلم سلم ) وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة في حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمحفوف الناس ومكرة في النار وفي ذلك اليوم يتفرق الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير قد يكون الأب من أهل الجنة والابن من أهل النار وقد يكون الابن من أهل الجنة والأب من أهل النار كل يتصرف إلى مصيره لا محالة ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون )

فاتقوا الله عباد الله وكلوا لهذا اليوم عدته فإنه مصيركم لا محالة ومعوعودكم لا ريب فيه وإنه على عظمه وهوله وشدته ليكون يسيراً على المؤمنين المتقين لأن الله تعالى يقول ( وكان يوماً على الكافرين عسيرا ) ويقول سبحانه ( على الكافرين غير يسير ) وما ومفهوم هاتين الآيتين أنه يسير على المؤمنين اللهم إنا نسألك أن تجعلنا منهم فأمنوا بالله واتقوه واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فحذروه اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة نسألك بأن نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم خفف عنا أهوال ذلك اليوم واجعلنا فيه من السعداء والحقنا بالصالحين يا رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يتبع إن شاء الله