المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أديموا مراقبة الله سبحانه وتعالى فإنه رقيب عليكم / لفضيلة الشيخ عبد الله الظفيري وفقه الله



أم عمير السنية السلفية
29-Oct-2014, 06:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

من خطبة جمعة : أهمية مراقبة الله في حياة المسلم
لفضيلة الشيخ عبد الله بن صلفيق الظفيري وفقه الله


الحمد لله، الحمد لله الذي وسع كل شيء علما، وقهر كل مخلوق عزة وحكمة، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وكفى بالله حسيبا ورقيبا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته إلى يوم القيامة وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

فيا أيها الناس اتقوا الله فإنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى البر لا يبلى والذنب لا يُنسى والديان لا يموت عباد الله عقيدة عظيمة رسخها الله تعالى في كتابه ورسخها محمد صلى الله عليه وسلم في سنته وعلمها أصحابه مما يثمر في التمسك بها سعادة في الدنيا والآخرة ألا وهي عقيدة مراقبة الله تعالى فيا عباد الله راقبوا الله حق مراقبته فإن اله تعالى رقيب عليكم ومطلع على أعمالكم وسيتولى جزائكم ففي الحديث أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ومقتضى هذا الحديث أن يكون العبد دائما على هذه الصفة وهي استحضار قربه سبحانه منه وأن العبد بين يديه سبحانه يراه في جميع أحواله وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم من الله تعالى كما يدل هذا الحديث على وجوب الإخلاص في العبادة وتحسينها وإتمامها وإكمالها وإنما يكون ذلك بأمرين بمراقبة الله وحده والإخلاص له وبمتابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه بهذه الوصية قال أبو ذر رضي الله عنه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أخشى الله كأني أراه فإن لم أكن أراه فإنه يراني). وقال ابن عمر رضي الله عنهما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: (أعبد الله كأنك تراه) وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: حدثني بحديث واجعله موجزا فقال صلى الله عليه وسلم: (صل صلاة مودع فإنك إن كنت لا تراه فإنه يراك) ووصى صلى الله عليه وسلم رجلا فقال : (استحي من الله استحيائك من رجلين من صالح عشيرتك لا يفارقانك).

عباد الله وقد دل القرآن على هذا المعنى في مواضع متعددة كقوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) [الحديد:4] وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة:186] وقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7] وقوله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) [يونس:61] وقوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:19].
فمن حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه وحسُن منقلبه ومآبه ومن أهمل الحساب في الدنيا كثرت عثراته ودامت حسراته قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على قوم جازفوا الأمور فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذر).

أيها المسلمون أديموا مراقبة الله سبحانه وتعالى فإنه رقيب عليكم قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] ومراقبة الله هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الله تعالى على ظاهره وباطنه وأنه ناظر إليه سامع لقوله ومع ذلك قد وكل بعباده ملائكة يكتبون أقوالهم وأعمالهم (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18] أي من الملائكة وقال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (أي من الملائكة) * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الإنفطار:10-12] وفي يوم القيامة سيقرأ العبد كل ما كتبته الحفظة من أقواله وأعماله ويحاسب على ذلك قال تعالى (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران:30] وقال تعالى: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:13-14] ومع ذلك كله أيضا تشهد على العبد أعضاءه وجنوده وجوارحه (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس:65] وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [فصلت:19-20] بل إن الأرض تشهد يوم القيامة على العبد بما عمله على ظهرها من خير أو شر (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) [الزلزلة:1-4] أي تخبر بما حصل عليها من أفعال العباد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا فالله تعالى يا عباد الله يُشهد على العباد الحفظة من الملائكة والأنبياء والأمكنة التي عملوا عليها الخير والشر والجلود التي عصوه بها فيا عباد الله أسسوا وأصلوا هذه العقيدة الراسخة في قلوبكم لتسعدوا وتفلحوا في هذه الدنيا إن مراقبة الله تحجز الإنسان عن المعاصي ...

أسأل الله الهدى والسداد لنا ولكم إنه قريب مجيب