المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [بحث] من المعلوم أن التحزب ليس كله مذموم



أبو بكر يوسف لعويسي
11-Nov-2014, 01:38 AM
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل المؤمنين حزبه ، وجعلهم الغالبون والمفلحون وجعل أعداءه حزب الشيطان وهم المنهزمون الخاسرون،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعل آله وصحبه أجمعين وعلى من كان من حزبهم وابتاع سبيلهم بإحسان على يوم الدين .

أما بعد : لقد تفرقت الأمة اليوم إلى فرق كثيرة وتحزبت كل فرقة منهم فجعلت لها رئيسا ومتبوعا وتنظيما وتجمعا وجماعة تحب وتبغض فيه وتوالي وتعادي فيه ولقد انخدع طوائف من الشباب بأولئك الذين يلقون عليهم الشبه ويوقعونهم في الفتن لذلك أحببت أن ألقي الضوء على هذه الآفة التي أصيبت بها الأمة وخاصة المنتسبون للفرقة الناجية المتمسكون بالسنة وهدي السلف الصالح المغرر بهم من أناس تلبسوا لباس السنة وهم يهدمون السنة يحذرون من التحزب ومهم واقعون فيه حتى النخاع نسأل الله تعالى أن يبصرنا وإياهم جميعا بالحق وأن يردنا إليه ردا جميلا .

التحزب هو : التجمع على شيء معين، يقال للجماعة من النّاس حزبٌ ،قال تعالى :{كل حزب بما لديهم فرحون }( المؤمنون :53). وَقَدِيمًا كَانَ التَّحَزُّبُ مُسَبِّبًا لِسُقُوطِ الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ ، وَهُوَ مِنْ دَعْوَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي يُلْبِسُ فِيهَا الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ.

وَالْحِزْبُ : الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ عَلَى أَمْرٍ مِنَ اعْتِقَادٍ أَوْ عَمَلٍ، أَوِ المتفقون عَلَيْهِ.قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير .

والتحزب في القديم هو أن يستوي جماعة في الجهل والضلال والظلم والاعتداء فيخرجون على إمام أو سلطان أو حاكم ولا يرضون برئيس فيتكتلوا حول جماعتهم ورئيسهم ممن نصبوه وارتضوه علهم ، وقد يكونوا قطاع طرق ، وقد يكونوا خرجوا على رئيس قبيلة يطلبون الانتقام والثأر ، فقَدِيمًا كَانَ التَّحَزُّبُ مُسَبِّبًا لِسُقُوطِ الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ ومفرقا للمجتمعات المجتمعة على إمام ورئيس وسببه المكر والخداع الذي يبيته أهل الشر :{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ } (48)النمل .

واليوم أصبح التحزب له نظام وقوانين وتراخيص تحت نظام دولي عام فكل الدول والحكومات إلا من رحم ربك وقليل ما هم ، فهو حكومة داخل حكومة ودولة داخل دولة ، وتنظيم داخل تنظيم ، وهذا التحزب لا نتلكم عليه فهو مذموم ، وما جاء للمسلمين إلا بالشر ، وهو من صنع أعداء الإسلام الذين جاءوا به لتفريق المسلمين فهو من باب(( فرق تسد وتسيطر)) كما فعل فرعون تماما كما أخبرنا تعالى عنه :{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)القصص .

وقوله شيعا أي أحزابا وطوائف متناحرة حتى لا تقوى على الخروج عليه وإزالة ملكه ، ومع ذلك فهو يستضعف طائفة منهم يذبح من شاء ويبقي من شاء ..

وإنما أتكلم على التحزب بين المسلمين أنفسهم واختلافهم وتفرقهم وتشيعهم على طوائف وأحزاب وفرق متناحرة مع أن دينهم واحد وملتهم واحدة وشريعتهم واحدة وقد ذكر الله تعالى التحزب وما أدى إليه من تفرق واختلاف وتشيع ومدح وذم سواء في الأمم السالفة أو في هذه الأمة في أكثر من عشرين موضعا من كتابه ذمه أو حذر منه في أكثرها ومدحه في مواضع منها قليلة جدا في موضعين أو ثلاثة مواضع حيث جعل أهله المتحزبون على الحق وأهل الحق وهم المفلحون والغالبون وجعل الباقي من عمل الشيطان وأتباعه وهم المنهزمون الخاسرون . وهي كالتالي :

1 - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)المائدة

2- وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) هود .

3- والَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ 36الرعد.

4 - فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)المؤمنون.

5 - منَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم.

6 - فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)مريم.

7 - يحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)الأحزاب.

8- وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) الأحزاب .

9 - جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)ص.

10 - وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) ص.

11 -وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)غافر.

12 - فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)الزخرف.

13- اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة .

14 - لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) المجادلة .

15 - قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)الأنعام .

16- إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الأنعام .

17 - إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)القصص.

18 - وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم.

19 - إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)الأنبياء .

20 - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)آل عمران .

21 - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)النساء .

22 -فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) النساء .

23 -فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)الحج .

24- وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)آل عمران .

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)الشورى .

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } هود . أي فرقا وأحزابا .

والخلاصة أن التحزب قد يكون محمودا ،وقد يكون مذموما، حسب أسبابه ومتعلقاته

فالمحمود : ما كان لجماعة المسلمين ، الذين انتظم جمعهم بإمام ظاهر ، فسمعوا وأطاعوا في غير معصية الله واجتمعوا عليه ولم ينزعوا يدا من طاعة ، فهؤلاء حزب الله الذين قال الله فيهم :{ أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون }(المجادلة :22).

قال الإمام أبو محمد سهل بن عبد الله التستري ( المتوفى سنة283هـ): هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة : اثنتان وسبعون هالكة ، كلهم يبغض السلطان ،والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان . ذكره أبو طالب المكي في قوت القلوب (2/242).

أما التحزب المذموم فهو :الخروج عن جماعة المسلمين إلى تجمعات أخرى ، تلتقي على مفارقة الجماعة ، واتباع الهوى ، والشذود عن ولاية السلطان وولي الأمر الذي استتب له الأمر ولو عن طريق الغلبة ،فهؤلاء من حزب الشيطان ، لأنهم فارقوا حزب الله تعالى :{فماذا بعد الحق إلا الضلال }، قال تعالى : { أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون }(المجادلة :19).

وأختار هنا آية واحده تذم التحزب ذما شديدا وهي قوله تعالى فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }(53) المؤمنون .ثم أعقبها بكلام بعض أهل العلم فيها .

قال الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير (18/73)في قوله تعالى :{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }(53) المؤمنون .

وَجُمْلَةُ كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ التَّقَطُّعَ يَقْتَضِي التَّحَزُّبَ فَذُيِّلَ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فَرِحٌ بِدِينِهِ، فَفِي الْكَلَامِ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ لِ حِزْبٍ، أَيْ كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ، بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ.

وَالْفَرَحُ: شِدَّةُ الْمَسَرَّةِ، أَيْ رَاضُونَ جَذِلُونَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا طَرِيقَتَهُمْ فِي الدِّينِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ فَرِحُونَ بِدِينِهِمْ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا تَبَصُّرٍ بَلْ لِمُجَرَّدِ الْعُكُوفِ عَلَى الْمُعْتَاد.

وَذَلِكَ يومئ إِلَيْهِ لَدَيْهِمْ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مُتَقَرِّرٌ بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلُ، أَيْ بِالدِّينِ الَّذِي هُوَ لَدَيْهِمْ فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَيُعَادُونَهُ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّفْرِيقِ وَالتَّخَاذُلِ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْوَاحِدَةِ وَهُوَ خِلَافُ مُرَادِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِهِ قَوْلُهُ {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ..}[الْمُؤْمِنُونَ:52] .

وَقَدِيمًا كَانَ التَّحَزُّبُ مُسَبِّبًا لِسُقُوطِ الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ وَهُوَ مِنْ دَعْوَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي يُلْبِسُ فِيهَا الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ.

وَالْحِزْبُ: الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ عَلَى أَمْرٍ مِنَ اعْتِقَادٍ أَوْ عَمَلٍ، أَوِ المتفقون عَلَيْهِ.

قال الشنقيطي في الأضواء(4/245) في قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ }.

وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ هُنَا: الشَّرِيعَةُ وَالْمِلَّةُ، وَالْمَعْنَى: وَأَنَّ هَذِهِ شَرِيعَتُكُمْ شَرِيعَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ تَوْحِيدُ اللَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ بِإِخْلَاصٍ فِي ذَلِكَ، عَلَى حَسَبِ مَا شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ{ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }[21 \ 92] أَيْ: وَحْدِي، وَالْمَعْنَى دِينُكُمْ وَاحِدٌ وَرَبُّكُمْ وَاحِدٌ، فَلِمَ تَخْتَلِفُونَ {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ }[21 \ 93] أَيْ: تَفَرَّقُوا فِي الدِّينِ وَكَانُوا شِيَعًا؛ فَمِنْهُمْ يَهُودِيٌّ، وَمِنْهُمْ نَصْرَانِيٌّ، وَمِنْهُمْ عَابِدُ وَثَنٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفِرَقِ الْمُخْتَلِفَةِ.

أقول وبالله تعالى التوفيق : وليست هذه الأمة بمنآى عن تلك الأمم بل هي متتبعة سبلهم مقتفية أثرهم وقد أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوي ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سُننَ مَنْ قبلكُمْ شبْرًا بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» . مُتَّفق عَلَيْهِ.

وقوله في حديث أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:<< افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فرقة>> التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (6214)وقال حسن صحيح .والسلسلة الصحيحة (203)(1492).

فهذا خبر ومن علامات نبوته ولكنه خرج مخرج الطلب بمعنى النهي عن التفرق ولكن السنن فقد ترفقت الأمة كما أخبر وتحزبت وتنادى المتحزبون بالجاهلية الأولى إلا فرقة واحدة نبذت التحزب والتفرق وتمسكت بالجماعة السواد الأعظم وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولكن في الآونة الأخيرة ظهر فيها التفرق الشديد وتعصبت كل جماعة إلى نفسها وذمت الأخرى وكلهم ينادي وبالكتاب والسنة بفهم صالح سلف الأمة ، وفي الحقيقة ان المندسين لم يجدوا رواجا لتجارتهم إلا وسط شباب السنة المملئ سماحا وحبا فيضا للسنة ونهج النبوة فدخلوا من هذا الباب يلبسون ويدلسون ويؤولن ويحرفون الأدلة إلى ما يخدم جماعتهم ومصالحهم الضيقة ، ويقعدون في ذلك القواعد والتأصيلات التي تخدم الحزبية وأهل الأهواء أكثر مما تخدم منهج السلف الصالح ، وليس عند أحدهم استعداد أن يتنازل عن حظوظ؟

فظهر بذلك التفرق والتمزق والاختلاف ، وكل فرقة وشيعة بفرقتهم وشيعتهم فرحون بما عندهم من العلم المخالف لمنهج النبوة والفرقة الناجية وما أكثرهم – لا كثرهم الله - حتى بلغت عدواهم بعض من ينتسب إلى منهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة - زعم – وخاصة من الشباب ، وذلك ما نراه في واقع الأمة حتى وصل الأمر إلى بعض المنتديات التي تدعي الانتساب لمنهج السلف ، ولو كان حقا ينتهج أصحابها منهج السلف الصالح المتمثل في الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الرضية المرضية لما اختلف وتحزب وتجمع وتكتل وركب سفينة أهل الأهواء ، ولسلم زمام انقياده إلى ولاة الأمر ، وفي مقدمتهم العلماء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويفضحون أهل الخديعة والمكر ، ويأخذون على أيدي أولئك المعتدين المفسدين الذين يسعون لقلب السفينة ليغرق الجميع في بحر الضلال والكفر والشرك والبدعة وغير ذلك من الانحراف على منهج شريعة الله التي جاء بها رسول الله وكان عليها محمد وأصحابه والتابعون لهم بإحسان .

ففي صحيح الجامع (1918) «مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذونا فقالوا: لوأنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» .(صحيح) [حم خ ت] عن النعمان بن بشير. الصحيحة(69)

وفي هذا الزمن الذي وقعت فيه الفتن وتلاطمت أمواج بحارها يتبع آخرها أولها كلما انكشفت واحدة جاءت الأخيرة أكبر من أختها حتى جعلت الحليم حيرانا من كثرة التقلب والتنقل يصبح أحدهم مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدهم دينه ومنهجه الذي عرفه من الحق بثمن بخس وشبهة خاطفة خطافة سرعان ما تنكشف بشبهة أخرى أقبح منها ولكنها في نظره هي الحق الأبلج وما سواها هو الباطل لما غطت على عقله من التلبيس وما زينه عليه وموه به أصحاب تلك الشبه من التدليس واتباع إبليس ."

نعم {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] يعني: كل جماعة وطائفة تتعصب لرأيها وتفرح به، وتوالي وتعادي عليه وتحب وتبغض فيه وكأنها على الحق وما عنده هو الحق وغيرها على الباطل، يريدون أن تكون لهم سلطة زمنية بين الناس، وراية طائفية قومية أو جهوية أو فركية عقدية أو منهجية تكفيرية أو دولة خارجية ، ويُصوِّرون لأتباعهم أنهم أتوْا بما لم يأت به أحد من العلماء قبلهم، وتنبّهوا إلى ما غفل عنه الآخرون من الهدى والاقتدى بسنة سيد المرسلين .

لذلك قال جل في علاه {بِمَا لَدَيْهِمْ. .} [المؤمنون: 53] أي بالرأي الذي يريدونه، والهوى الذي يتبعونه لا بالحكم الذي يرتضيه الحق سبحانه وتعالى، وجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلف الصالح .

قال الشيخ الأمين الشنقيطي متمما لتفسير آية المؤمنين السابقة :

مَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ: مِنْ أَنَّ الدِّينَ وَاحِدٌ، وَالرَّبَّ وَاحِدٌ فَلَا دَاعِيَ لِلِاخْتِلَافِ. وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا أَوْ صَارُوا فِرَقًا أَوْضَحَهُ فِي سُورَةِ «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» وَزَادَ أَنَّ كُلَّ حِزْبٍ مِنَ الْأَحْزَابِ الْمُخْتَلِفَةِ فَرِحُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ [23 \ 51 - 54]

وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: زُبُرًا أَيْ: قِطَعًا كَزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ أَيْ: قِطَعِهَا. وَقَوْلُهُ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أَيْ: كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ الضَّالِّينَ الْمُخْتَلِفِينَ الْمُتَقَطِّعِينَ دِينَهُمْ قِطَعًا فَرِحُونَ بِبَاطِلِهِمْ، مُطْمَئِنُّونَ إِلَيْهِ، مُعْتَقِدُونَ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ.

وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَنَّ مَا فَرِحُوا بِهِ وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ بَاطِلٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْمُؤْمِنِ» : فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [40 \ 83 - 84] وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [6 \ 159] .

قال الشيخ السعدي – رحمه الله - قال تعالى للرسل: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمَّةً} أي: جماعتكم -يا معشر الرسل- جماعة {وَاحِدَةً} متفقة على دين واحد، وربكم واحد.

{فَاتَّقُونِ} بامتثال أوامري، واجتناب زواجري. وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، لأنهم بهم يقتدون، وخلفهم يسلكون، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فالواجب من كل المنتسبين إلى الأنبياء وغيرهم، أن يمتثلوا هذا، ويعملوا به، ولكن أبى الظالمون المفترقون إلا عصيانا، ولهذا قال: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} أي: تقطع المنتسبون إلى اتباع الأنبياء {أَمْرُهُمْ} أي: دينهم {بَيْنَهُمْ زُبُرًا} أي: قطعا {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ} أي: بما عندهم من العلم والدين {فَرِحُونَ} يزعمون أنهم المحقون، وغيرهم على غير الحق، مع أن المحق منهم، من كان على طريق الرسل، من أكل الطيبات، والعمل الصالح، وما عداهم فإنهم مبطلون.

والعجب كل العجب ممن يدعي الانتساب للسنة ومنهج السلف أن يتحزب ويناصر الحزبيين وأهل الأهواء والبدع ، وهو يقرأ كل هذه الآيات والنصوص التي تذمه وتحذر منه ، وبعضهم لم يكتف بذلك حتى نسب التحزب للصحابة - رضوان الله عليهم -، مع أن الصحابة لم يكن منهم تعصب ولا تحزب ولا تنظيم ولا هيكل ولا بيعة ولا تناصر بالباطل والبدع والأهواء والاستمرار على ذلك والدفاع عنه ، ولم يحصل منهم خروج على إمامهم وقدوتهم بل كانوا معه ينقادون لأوامره وتوجيهاته وينتهون عما ينهاهم عنه حتى مدحهم الله بذلك وليس فوق مدح الله من مدح بل وصفهم ربنا سبحانه بأنهم حزب الله الغالبون ، والمفلحون وهذه في الأنصار والمهاجرين بالدرجة الأولى مجتمعين فأين التحزب منهم على الباطل ؟؟

وما وقع منهم في حادثة واحدة كان بسب شابين فردين متحمسين لعواطفهما، لم يجد أحدهما من ينتصر له ويتغلب على صاحبه ، لذلك استصرخ قومه فلما رأى صاحبه أن قومه استجابوا استصرخ هو الآخر وبرز كل منهما للآخر يريد إغاثة المغيث ، ولما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أسرع إليهم وفض النزاع ووعظهم وحذرهم من عمل أهل الجاهلية فاستجابوا وانصاعوا وخضعوا وانقادوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم – فأين التحزب بالباطل والعناد في مخالفة أدلة الكتاب والسنة ؟؟

فهم – رضي الله عنهم - على خلاف أهل البدع والأهواء من المتحزبين على مر التاريخ وخاصة اليوم مع أهل زماننا تأتيه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم الربانيين وفتواهم على بطلان الحزبية والطائفية ؛ فلا يقبله ويتعصب لطائفته وحزبه وصدق علامة الشام مجدد عصره الشيخ الألباني – رحمه الله - حيث قال السلفي السني يكفيه دليل واحد وأهل البدع والأهواء لا يكفيه ألف دليل .

ولو لم يكن الأمر كذلك فلماذا – يرحمكم الله - هذا التمزق والتشرذم وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ، فليس من شك أن هذا سببه ضعف الإيمان والجهل بطريقة القوم المرضية من الرعيل الأول رضي الله عنهم وأرضاهم .

ولعل منهم من يقول أن من يشتغل بالجرح والتعديل –هذا العلم المهم – الذي هو صمام هذا الدين ليبقى نقيا صافيا هو من يفرق أهل السنة السلفيين ، والجواب أن يقال رمتني بدائها وانسلت ،

والعجب منهم أنهم ينتسبون إلى السنة ومنهج السلف والغالب أن تراهم يُفَرِّقون مِن حيث يُنادُون بعدم التفرّق، ويتحزبون مِن حيث يَدْعون إلى عدم التحزب؛ شاءوا أم أبوا ، ويشتغلون بالجرح دون التعديل الذي يستنكرونه على إخوانهم أكثر منهم والواقع أكبر شاهد ، وإلا لو كانوا صادقين فأين تلك النصوص التي تحذر من التحزب والتعصب والاختلاف والتفرق وتأمر بالاعتصام بحبل الله والتقوى وإصلاح ذات بين إذا وجد شيء من ذلك ، أليس قوي الإيمان الذي يبتغي مرضاة الرحمن ويتبع منهج سيد ولد عدنان أسعد الناس بالتمسك بها فما لنا اختلفنا إذا وركبنا سبل أهل الأهواء ، وانحرف الكثير منا عن الصراط المستقيم بعدما جاءه العلم ولكن السبب أنه طغى بذلك ، وطغيان العلم أشد من طغيان أهل الباطل بالملك والرياسة فكان سببا لبغيهم واعتدائهم على إخوانهم وشيوخهم كما فعل أهل الكتاب تماما وقد أخبرنا الله بذلك عنهم بقوله : {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }( 213 البقرة ).

وقال تعالى :{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}(19 آل عمران ).

وهذه سنّة الله في هذه المناهج، والفرق والتشيع والتعصب ، كما ذكرت سابقا ، والتاريخ شاهدٌ، وما أشبه الليلة بالبارحة ولكن العاقبة للمتقين ؛ فأين المعتبِرِون!

وأخيرا أشنف سمعك أخي الكريم بهذه القصيدة لعلم من أعلام المغرب العربي وهي صيحة مشفق وهو العلامة تقي الدين الهلالي المغربي في كتابه الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق (1/135). قال :

الله سماهم بنص كتابه ... حنفاء رغم الفاجر المرتاب

ما عابهم إلا المعطل والكفو ... ر ومن غوي بعبادة الأرباب

ودعا لهم خير الورى بنضارة ... ضمنت لهم نصراً مدى الأحقاب

هم حزب رب العالمين وجنده ... والله يرزقهم بغير حساب

وينيلهم نصراً على أعدائهم ... فهو المهيمن هازم الأحزاب

إن عابهم نذل لئيم فاجر ... فإليه يرجع كل ذاك العاب

ما ضارهم عيب العدو وهل يضيـ ... ـر البدر في العلياء نبح الكلاب

يا سالكاً نهج النبي وصحبه ... أبشر بمغفرة وحسن مآب

وهزيمة لعدوك الخب اللئيـ ... ـم وإن يكن في العد مثل تراب

يا معشر الإسلام أوبوا للهدى ... واقفوا سبيل المصطفى الأواب

أحيوا شريعته التي سادت بها الأ ... سلاف فهي شفاء كل مصاب

ودعوا التحزب والتفرق والهوى ... وعقائداً جاءت من الأذناب

فيمينها لا يمن فيه ترونه ... ويسارها يأتيكم بتباب

إن الهدى في قفو شرعة أحمد ... وخلافها ردا على الأعقاب

جربتم طرق الضلال فلم تروا ... لصداكم إلا بريق سراب

والله لو جربتم نهج الهدى ... سنة لفقتم جملة الأتراب

ولهابكم أعداؤكم وتوقعوا ... منكم إعادة سائر الأسلاب

أما إذا دمتم على تقليدهم ... فتوقعوا منهم مزيد عذاب

وتوقعوا من ربكم خسراً على ... خسر وسوء مذلة وعقاب

هذي نصيحة مشفق متعتب ... هل عندكم يا قوم من إعتاب

والحمد لله أولا وأخرا، وصل اللهم وسلم على عبد ونبيك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

وكتب:

أبو بكر يوسف لعويسي .

أبو يوسف عبدالله الصبحي
11-Nov-2014, 09:01 PM
جزاك الله خيراً