المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلامة عبد المحسن العباد البدر /الاحتفال بالمولد النبوي لم يأت في السنة ولم يفعله أهل القرون المفضلة



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
02-Jan-2015, 05:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم (http://al-abbaad.com/index.php/articles/132-1436-03-11)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فإن أعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين الجن والإنس في آخر الزمان أن بعث فيهم رسوله الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لهدايتهم إلى الصراط المستقيم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فدل أمته على كل خير وحذرهم من كل شر، وقد اتصفت شريعته صلى الله عليه وسلم بثلاث صفات: الشمول والبقاء والكمال، فهي عامة للثقلين الجن والإنس، وباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكاملة لا نقص فيها، قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وقد ترك عليه الصلاة والسلام أمته على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، قال الإمام مالك رحمه الله كما في الاعتصام للشاطبي (1/28): «مَن ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }، فما لَم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً»، ولا يُقال: إنَّ في الإسلام بدعة حسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة كان عليه وزرُها ووِزرُ من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم (1017)؛ لأنَّ المرادَ به السَّبق إلى فعل الخير والاقتداء بذلك السابق كما هو واضح من سبب الحديث المذكور في صحيح مسلم قبل إيراد هذا الحديث، وحاصله أنَّ جماعة من مُضَر قدِموا المدينة، يظهر عليهم الفقر والفاقة، فحثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّة كادت يده تعجز عن حملها، فتتابع الناس بعده على الصدقة، فعند ذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة» الحديث. وقد أُحدث في القرن الرابع الهجري الاحتفال بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبموالد أخرى أحدثها الرافضة العبيديون الذين يقال لهم: الفاطميين، وبدأ حكمهم لمصر في القرن الرابع، فقد ذكر تقيُّ الدِّين أحمد بن علي المقريزي في كتابه: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/490) أنَّه كان للفاطميِّين في طول السَّنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرةٌ جدًّا، ومنها مولدُ الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد عليٍّ وفاطمة والحسن والحُسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ)، وهي السنةُ التي انتهت فيها دولتُهم بموتِ آخرهم العاضد، قال: «ظهرتْ في دولتِهم البدعُ والمنكرات، وكثُرَ أهلُ الفساد، وقلَّ عندهم الصالِحون من العلماء والعُبَّاد ...»، وذكر ابن كثير قبل ذلك بقليل أن صلاح الدين قطع الأذان بحيَّ على خير العمل من مصر كلها. ومَحَبَة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلبِ كلِّ مسلم أعظمَ من محبَّتِه لوالديه وولده والناسِ أجمعين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناس أجمعين»، رواه البخاري (15) ومسلم (169). بل يجبُ أن تكون أعظمَ من مَحبَّتِه لنفسِه، كما ثبت ذلك في حديث عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري (6632)، وإنَّما وجب أن تكون مَحبَّتُه صلى الله عليه وسلم أعظمَ مِن مَحبَّة النفسِ والوالِدِ والولَدِ والناس أجمعين؛ فلأنَّ النِّعمةَ التي ساقها اللهُ للمسلمين على يديه صلى الله عليه وسلم ـ وهي نعمةُ الهدايةِ للصراطِ المستقيم، نعمةُ الخروج من الظلمات إلى النُّورِ ـ هي أَجَلُّ النِّعم وأعظَمُها، لا يُساويها نعمةٌ ولا يُماثلُها نعمة. والعلامةُ الواضحةُ الجليَّةُ لِمَحبَّتِه صلى الله عليه وسلم اتِّباعُ ما كان عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه الكرام رضي الله عنهم، وذلك بتصديقِ الأخبار، وامتثالِ الأوامرِ، واجتنابِ النَّواهي، وأن تكون العبادةُ لله مُطابقةً لِما جاء في الكتاب والسُّنَّة. وفي القرآن الكريم آية تسمى آية الامتحان تدل على أن من يحب الله ورسوله عليه أن يقيم البينة على ذلك وهي اتباع الكتاب والسنة والسير على ما كان عليه سلف الأمة، وهي قول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قال ابن كثير في تفسيره: «هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ»، ولهذا قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأنُ أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}». وبدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أحدثها الرافضة العبديون، والقدوة في ذلك النصارى الضالون الذين يحتفلون بميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام، ويدل لكونها من البدع المحدثة ما يلي: 1- أنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بمولده، ولا عن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، بل مضت ثلاث مائة سنة لم يحصل فيها احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، بل ولا ذِكر فيها للموالد، ولو كان ذلك سائغاً لجاءت به السنة ولفعله أصحاب القرون المفضلة وهم السابقون إلى كل خير، وليس من المعقول ولا المقبول أن يحجب حق عن أهل القرون الثلاثة المفضلة فلا يظفرون به ويظفر به من جاءوا في القرن الرابع وما بعده. 2- أنه داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري (2697) ومسلم (4492)، وفي لفظ لمسلم (4493): «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ»، وقوله صلى الله عليه وسلم في آخر حديث العرباض بن سارية: «إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» رواه أبو داود (4607) ـ واللفظ له ـ والترمذي (2676) وقال : «هذا حديث حسن صحيح»، ونقل الشيخ الألباني في الإرواء (2455) تصحيحه عن جمع من العلماء، وفي صحيح مسلم (867) عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة قال: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». ولا يُعتذر لمن يحتفلون بالمولد النبوي بأن قصدهم طيب؛ لأنه لابد مع حسن القصد أن يكون العمل مطابقاً للسنة كما في حديث الصحابي الذي ذبح أضحيته قبل صلاة العيد ليؤكل لحمها بعد الصلاة، وكان قصده حسناً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شاتك شاة لحم» يعني أنها ليست أضحية؛ لأنها ذُبحت قبل الوقت، والحديث رواه البخاري (955) ومسلم (1961)، قال الحافظ في شرح الحديث في الفتح (10/17) : «قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وافق الشرع»، ويدلُّ لذلك أيضاً ما في سنن الدارمي (210) بإسناد صحيح أنَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى أناس متحلِّقين في المسجد، وبأيديهم حصى، وفيهم رجلٌ يقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة يعدُّون بالحصى، ويقول: هلِّلوا مائة، سبِّحوا مائة كذلك، فوقف عليهم فقال: «ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ، قال: فعُدوا سيِّئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يَضيعَ من حسناتكم شيءٌ، وَيْحَكم يا أمّة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابُه لَم تَبْلَ، وآنيتُه لَم تُكسر، والذي نفسي بيده إنَّكم لَعلَى مِلَّةٍ هي أهدى من مِلَّة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلَّا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه ...»، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (2005). وروى مسلم في صحيحه (2747) في حديث طويل عن أبي قتادة رضي الله عنه وفيه: «وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال: ذلك يومٌ وُلدت فيه، ويومٌ بُعثت أو أُنزل علي فيه»، ولا تعلق به للمحتفلين بمولده صلى الله عليه وسلم لأنه يدل على استحباب صوم يوم الإثنين، وهو مستحب في السنة كلها، وهذا بخالف حالهم من الأكل في احتفالاتهم، وقد قال الشيخ عمر بن علي الفاكهاني المالكي في المورد في عمل المولد كما في الحاوي للفتاوى للسيوطي (1/294): «لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولم يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون».
وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين في كل مكان لاتباع السنة والسير على ما كان عليه سلف الأمة، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.