المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوائد من قوله تعالى ((يوصييكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين))



محبة السلف أم البنين
04-Jan-2015, 12:04 AM
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ
فقوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) أي : يأمركم بالعدل فيهم ، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث ، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث ، وفاوت بين الصنفين ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين; وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشم المشقة ، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى .
وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم ، فعلم أنه أرحم بهم منهم ، كما جاء في الحديث الصحيح .
وقد رأى امرأة من السبي تدور على ولدها ، فلما وجدته أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : " فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها
وقال البخاري هاهنا : حدثنا محمد بن يوسف ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث ، وجعل للزوجة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض ، للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا : تعطى المرأة الربع أو الثمن وتعطى البنت النصف . ويعطى الغلام الصغير . وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة . . اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغير ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، نعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ونعطي الصبي الميراث وليس يغني شيئا . . وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا . " .

قال الشيخ العثيمين في تفسيره
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} } الوصية: هي العهد بأمر هام عهد به إليك، وتكون بعد الموت، وأما ما قبل الموت فهي وكالة، وينبغي أن يُعلم أن المتصرف في غير ماله له أوصاف بحسب الوظيفة التي هو قائم بها، فتارة نسميه «وكيلاً»، وتارة نسميه «ولياً»، وتارة نسميه «ناظراً»، وتارة نسميه «وصياً»، فإذا كان يتولى مال الغير بغير إذن منه، بل بإذن من الشرع؛ فإنه يسمى «ولياً» كولي اليتيم، وإذا كان يتولى مال الغير بعد موته؛ فإنه يسمى «وصياً»، وإذا كان يتولى الوقف؛ فإنه يسمى «ناظراً»، وإذا كان يتولى لحي؛ فإنه يسمى «وكيلاً».
وقوله: { {فِي أَوْلاَدِكُمْ} } متعلق بقوله: { {يُوصِيكُمُ} }؛ أي: أن الوصية في الأولاد أنفسهم، والأولاد: جمع ولد، ويشمل الذكور والإناث، بدليل قوله: { {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} }، فإذا اجتمع في الأولاد ذكور وإناث، فإننا نعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وتأمل كيف قال: { {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} } دون أن يقول: للأنثى نصف الذكر؛ لأن الحظ والنصيب فضل وزيادة، والنصف نقص، فلهذا قال: { {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} }، ولم يقل: للأنثى نصف ما للذكر؛ لما في كلمة «نصف» من النقص، بخلاف حظ الأنثيين؛ فإن فيه زيادة، فهو أحسن تعبيراً مما لو قال: للأنثى نصف ما للذكر.
من فوائد الآية الكريمة:
1 ـ أن الله أرحم بالإنسان من والديه، لقوله: { {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} }، فالذي يوصيك بالشيء هو أرحم به منك، وأشد عناية به منك، ولهذا إذا وصى الإنسان أحداً على أولاده فهو أرحم بأولاده من هذا الوصي.
2 ـ الحكمة في توزيع الميراث، فإنه يشمل جميع الأولاد، ولا يقتصر على الصغار فقط، أو على ذوي الحاجة، أو على من كان لا يكتب، وما أشبه ذلك، وهذا من الحكمة، من أجل أن لا يحصل ما يسمى في العرف الاصطلاحي «بتبديد الثروة» أي: توزيع الثروة، حتى لا تنحسر، فإن هذا المال الذي هو ملايين كان يملكه واحد، والآن يملكه عدد كثير، ثم هذا العدد إذا ماتوا سينتقل إلى عدد آخرين، وهذا لا شك أنه من الحكمة.
3 ـ وهناك حكمة أخرى في توزيع الميراث، حيث جعل للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وفي ذلك حكم:
منها: اعتبار ما يكون على الذكر من مسؤوليات مالية أكثر من الأنثى، فإن عليه الإنفاق، وعليه المهر، وعليه الجهاد، وعليه حقوق مالية أكثر، فَرُوعِي ذلك في قسمة المواريث، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومنها: بيان شرف الرجل على المرأة، وأنه أحق بالتكريم منها، خلافاً للمتفرنجين الآن الذين يقدمون الإناث على الذكور، وخلافاً لأهل الجاهلية الذين لا يورثون الإناث شيئاً، يقولون: لا نورث إلا من يحمي الذمار، ويركب الخيل، ويذود عن الحمى، أما امرأة قابعة في البيت فليس لها ميراث، لكن الإسلام أعطاها الميراث، إلا أنها ليست مثل الذكر.
4 ـ أنه ينبغي للإنسان أن يختار من الألفاظ الأحسن والأمثل، وإن كان المؤدى واحداً، فإن الله قال: { {مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} } ولم يقل: يوصيكم الله في أولادكم للأنثى نصف ما للذكر، فحسن التعبير له أثر.
ومعلومة قصة الملك الذي رأى في المنام أن أسنانه قد سقطت، فدعى بعابر يعبر الرؤيا، فقال: أيها العابر عبر لي هذه الرؤيا، فقال: أيها الملك! تموت حاشيتك وأهلك، فارتاع الملك، فأمر به فضرب وجلد؛ لأنه روع الملك، ثم قال: ائتوا بعابر آخر، فأتوا بعابر آخر فسأله، فقال: يكون الملك أطول حاشيته عمراً، ففرح الملك، وأمر له بجائزة، مع أن المعنى واحد؛ لأنهم إذا ماتوا قبله يكون هو الآخر، لكن هذا فيه أن حسن التعبير له أثر، فينبغي للإنسان إذا أراد أن يعبر أن يختار أجزل العبارات وأسهلها وأحبها إلى النفوس.

مسألة في العطية:
السؤال:من الموقع الرسمي للشيخ فركوس ـ حفظه الله و رعاه ـ
نرجو من شيخِنا أبي عبدِ المعزِّ -حفظه اللهُ ونفع به- أن يتفضَّلَ بالإجابةِ على السؤالِ الآتي: اتَّفق شخصٌ (وهو على قيدِ الحياةِ) مع أولادِه ذكورًا وإناثًا على السواءِ على قسمةِ أرضٍ يملكها، فهل تتمُّ هذه القسمةُ على أساسِ الميراثِ، أم على أساسِ التساوي في العطيَّةِ؟
أفيدونا مما أفادكم اللهُ، وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ التسويةَ في العطيَّةِ المطلوبةَ شرعًا بين الذكورِ والإناثِ التي يتحقَّق بها العدلُ هي أن يُعْطَى الذكرُ ضعْفَ قدرِ ما يُعْطَى للأنثى على حَسَبِ قسمةِ المواريثِ، وبهذا قال عطاءٌ وشريحٌ وإسحاقُ بنُ محمَّدٍ ومحمدُ بن الحسنِ الشيبانيُّ، وهو مذهبُ الحنابلةِ، وبه قال ابنُ تيميةَ رحمهم اللهُ، وخالف في ذلك مالكٌ والشافعيُّ وابنُ المباركِ وأبو يوسفَ وأهلُ الظاهرِ وغيرُهم فجعلوا التسويةَ في مقدارِ العطيَّةِ أن يُعْطَى للأنثى بقدر ما يُعْطَى للذكرِ، لأنها عطيَّةٌ في الحياةِ فاستوى فيها الذكرُ والأنثى كالنفقةِ والكسوةِ، كما استدلُّوا بظاهرِ الأمرِ بالتسويةِ الواردِ في حديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما حيث قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم لبشيرِ بن سعدٍ: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟»، قَالَ: «بَلَى»، قَالَ: «فَلاَ إِذًا»(1)، والبنتُ كالابنِ في استحقاقِ برِّها فكذلك في عطيَّتِها، وبحديثِ ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ»(2)، ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم لم يستفصلْ في أولادِ بشيرِ بنِ سعدٍ: أكلُّهم ذكورٌ أم فيهم أنثى؟ و«تَرْكُ الاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ» كما هو مقرَّرٌ في القواعد.
والجوابُ: أنَّ المولى عزَّ وجلَّ قسمَ المواريثَ بين الذكورِ والإناثِ للذكر مثلُ حظِّ الأنثيين، فأمَّا تفضيلُ الذكرِ في قسمةِ المواريثِ فلزيادةِ حاجتِه، إذ المهرُ والنفقةُ على الزوجةِ والأولادِ إنما هما على الذكرِ. والأنثى لها ذلك كلُّه، وهذا المعنى موجودٌ في العطيَّةِ سواءً باعتبارِ الحالِ أو المآلِ وغيرُ موجودٍ في الكسوةِ والنفقةِ، وعطيَّةُ الوالدِ لولدِه إذا كانتْ في الحياةِ فهي إحدى حالتَيِ العطيَّةِ، فينبغي أن لا تختلفَ عنِ الأخرى وهي حالةُ الموتِ، والأَوْلَى قسمةُ العطيَّةِ على قسمةِ اللهِ، وردُّهم إلى فرائضِهم وسهامِهم. أمَّا حديثُ النعمانِ فلم يَرِدْ ما يدلُّ على حالِ أولادِه ولعلَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم علم أنه ليس له إلاَّ الذكورُ، وعلى تقديرِ العمومِ في تركِه للاستفصالِ فإنَّ الاحتجاجَ به على التسويةِ في نفسِ العطيَّةِ لا يصلح لاحتمالِ أنَّ المرادَ بالتسويةِ في أصلِ العطاءِ لا في صفتِه، لذلك تُحْمَلُ التسويةُ الواردةُ في حديثِ النعمانِ على القسمةِ على كتابِ اللهِ تعالى وهي صفةُ العطاءِ، أمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فلا يتمُّ الاحتجاجُ بالشطرِ الثاني منه لكونِه ضعيفًا وهو محلُّ الشاهدِ؛ لأنَّ في إسنادِه سعيدَ بنَ يوسفَ متَّفَقٌ على تضعيفِه، وذكر ابنُ عدِيٍّ في «الكامل» أنه لم يُرَ له أنكرُ مِنْ هذا الحديثِ. هذا، وإن كان الحافظُ حسَّن إسنادَه إلاَّ أنه ضعَّف ابنَ يوسفَ هذا في «تقريبِه»، لذلك قال الألبانيُّ معقِّبًا عليه: «ومنه تعلم أنَّ قولَ ابنِ حجرٍ في «الفتح»: «إسنادُه حسنٌ» غيرُ حَسَنٍ»، وأضاف قائلاً: «ثمَّ وجدتُ الحديثَ قد رواه أبو محمَّدٍ الجوهريُّ في «الفوائد المنتقاة»، وعند ابنِ عساكرٍ مِنْ طريقِ الأوزاعيِّ قال: حدَّثني يحيى بنُ أبي كثيرٍ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم فذكره، وهذا إسنادٌ معضلٌ، وهذا هو أصلُ الحديثِ، فإنَّ الأوزاعيَّ ثقةٌ ثبتٌ، فمخالفةُ سعيدِ بنِ يوسفَ إيَّاه إنما هو مِنَ الأدلَّةِ على وهنِه وضعفِه»(3).
وعليه، فالواجبُ العدلُ في عطيَّةِ الأولادِ على حَسَبِ ميراثِهم، وهو ما كان عليه الأمرُ في العهودِ المفضَّلةِ، قال عطاءٌ: «ما كانوا يَقْسمون إلا على كتابِ اللهِ تعالى»، وهذا خبرٌ عن جميعِهم، وفي هذا حجَّةٌ على أنهم كانوا يُعْطون الذكرَ مِثْلَ حظِّ الأنثيين، وجاء عن شُريحٍ أنه قال لرجلٍ قَسَمَ مالَه بين أولادِه: «رُدُّوهم إلى سهامِ اللهِ تعالى وفرائضِه»، واللهُ أعلمُ.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في 15 ذو الحجة 1417ه
الموافق ل: 22 أفريل 1997م



(1) (http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1#_ftnref_1_1)رواه مسلم، كتاب «الهبات» باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة.
(2) (http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1#_ftnref_1_2)أخرجه البيهقي (12357)، وابن عديٍّ في «الكامل» (178/ 2)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (11/ 108)، وضعَّفه الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (1/ 347) و«إرواء الغليل» (6/ 67).
(3) (http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1#_ftnref_1_3)«سلسلة الأحاديث الضعيفة» (1/ 347) و«إرواء الغليل» (6/ 67).