أبو بكر يوسف لعويسي
07-Jan-2015, 10:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فهذا سؤال من بعض إخواننا يقول فيه :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحسن الله إليكم وبارك .
الســـؤال : عبارة تكاد تكون قاعدة عند بعض الشباب بأن من عرفوا بالردود والجرح والتعديل هم الشيخ ربيع المدخلي والشيخ عبيد الجابري والشيخ محمد المدخلي والشيخ عبد الله البخاري ...
وهؤلاء يؤخذ منهم العلم ويستفاد بلا ريب ؛ ولكن لا يؤخذ منهم الجرح فيمن توقف فيهم المشايخ الآخرين أو أثنوا عليهم ..ونحن جميعا أهل سنة . نود بيان هذه الشبهة وجزاكم الله خيرا .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الجواب :
أولا : ليس من شك أن هؤلاء علماء أفاضل المذكورين في السؤال أثنى عليهم العلماء ، واعترفوا لهم بالفضل فلا ينتقصهم إلا جاهل أو بغيض صاحب هوى ..
ثانيا : جزاكم الله خيرا ، فهذا اعتراف منكم بأن هؤلاء العلماء الأفاضل – حفظهم الله ونفع الأمة بعلمهم – قد اشتهروا بعلم الجرح والتعديل ، وهم حقا كذلك ، فهم فرسانه في هذا الزمان ، وهم المرابطون على ثغر من ثغور السنة ، وهم الذين يكشفون انحرافات المنحرفين وضلال الزائغين ، وتلبيس المدلسين ، فهم إذا على ثغرة كبيرة من ثغور الإسلام يرابطون في سبيل حفظ حدود هذا الدين من الدخيل ، والدفاع عن معالم منهج السلف الصالح ، والتوجيه والإرشاد لطلبة العلم والشباب السني والتعريف لهم بسبيل المؤمنين من سبل المجرمين ، الذين يجب علينا وعليكم جميعا سلوكه ، وإذا كان الأمر كذلك فكان الواجب علينا وعليكم نحوهم أن نشكر لهم صنيعهم وسعيهم ، وأن نثني عليهم لما قدموه لنا من معروف ، وحذرونا من مغبة الانزلاق في مزالق الأهواء والضلال فنلزم غرزهم و نأخذ بمن جرحوه ..وبينوا حاله لأن المسألة مسألة دين وليس بيننا وبينهم قرابة أو مصالح دنيوية كما ليس بينهم وبين من جرحوهم ذلك ..
ثالثا : هل أنتم تؤمنون بالاختصاص في علوم الشريعة ؟؟ فالاختصاص في علم من العلوم ليس وليد الساعة ، فقد ثبت في السنة ذلك فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:<< أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وأشدّهُم فِي اللَّهِ عُمَرُ وأصدقُهُم حياءً عثمان وأقرأُهم لِكِتَابِ اللَّهِ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ وأفرضُهُمُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعاذ بْنُ جَبَلٍ أَلَا وَإِنَّ لِكل أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح>> التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (7087)قال الشيخ الألباني صحيح لغيره - ((المشكاة)) (6111) , ((الصحيحة)) (1224).وقال في صحيح الجامع (895 – 440)صحيح .فهذا اختصاصهم بشهادة الكبار وبشهادتكم ، وهم يتكلمون فيه ، و يتبعون القواعد والضوابط التي قعدها علماء الحديث فلم يأتوا بهذا العلم من عند أنفسهم ، ولم يأتوا فيه بجديد كما نسمع من بعض المغرضين الذين جمعوا بين النقيضين الغلو والتمييع ، فهؤلاء العلماء لا يتكلمون بالجهل والظلم والهوى وليس لهم غرض إلا نصرة الحق والنصح لدين الله ، بل كل من تكلموا فيه إنما تكلموا بحق بما علموا بالحجة والعدل والورع .. نصحا لله ولدينه ولأولئك المتكلم فيهم ..
رابعا : ويقال لهم الحمد لله أن وجد بيننا وفي زمننا من تخصصوا في هذا العلم العظيم ((علم الجرح والتعديل ))الذي هو صمام الشريعة والحصن الحصين لحدودها من الدخلاء وأهل الأهواء والزيغ والضلال والبدع ، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي الرجوع إليهم من باب قول ابن الأعرابي :
يا باري القوس بريا ليس يحكمه-- لا تظلم القوس اعط القوس باريها.
فصانع القوس أدرى بأسراره، وأعلم بإمكاناته ومكمن القوة فيه ومكمن الخلل ، وهو الذي يستطيع أن يصلح عيوبه.فَوَجَبَ قَبُولُ قوله فِيهِ وَالرُّجُوعُ إِلَيه فهو أعلْم بما صنع .
والقاعدة تقول :((من علم حجَّة على من لم يعلم والمثبت مقدم على النافي) ذكرها شيخ الإسلام في ( الرد على الأخنائي ص195) .
فمن أثبت شيئًا كان حجة على من نفاه ، وهذا كثير بل يكاد أهل العلم يتفقون على هذه القاعدة .
وهي توافق تماما القاعدة التي قعدها علماء الجرح والتعديل : الجرح المفسر مقدم على التعديل لأن الجارح معه زيادة علم ، ومن علم حجة على من لم يعلم .
قال ابن الوزير في الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم (2/487) الوجه الثّاني: أنّ مدّعي الإجماع ادّعى العلم, ومن ردّ ذلك لم ينقل خلافاً في ذلك وإنّما استبعد أن يعلم ذلك غيره مع أنّه لا يعلمه, ومن علم حجّة على من جهل, وقد يختلف النّاس في معرفة أخبار السّلف وأحوالهم, ويحصل لبعض العلماء بشدّة البحث للأخبار والتّواريخ علم بأمور كثيرة لا يشاركه فيها غيره.انتهى كلامه .
ومن باب قول الحافظ ابن حجر في الفتح : ((من تكلم في غير فنه أتى بالغرائب والعجائب ))، فهؤلاء العلماء يتكلمون في فنهم الذي تخصصوا فيه بخلاف غيرهم ممن ليسوا من أهل هذا الشأن ، وأقحموا أنفسهم فيه ومع ذلك أنتم تأخذون بقولهم وهم ليس من أهل هذا الشأن؛ بل بعض قولهم عندكم قرآن لا يراجع ولا ينتقض ثم ترمون بذلك غيركم من باب رمتني بدائها وانسلت ..
فالمفروض علينا وعليكم الرجوع إليهم دون سواهم ممن ليسوا من أهل هذا الشأن أو قصروا عن مراتبه وضبط قواعده .. فيأتون بالغرائب والعجائب كما قال الحافظ ، وفوق ذلك يعتذرون للمجروحين وأهل الأهواء والبدع وذلك يخالف منهج وقواعد هذا العلم العظيم..
خامسا : لو كنتم أهل سنة حقا -كما تدعون - لسلمتم لهم باعترافكم أنهم أهل علم وفضل ، وأنهم عرفوا بالردود وعلم الجرح والتعديل ، فعجبا لكم تعرفون الحق وتحيدون عنه ، عرفتم أهل الاختصاص وهونتم من شأنهم ، وهذه الشبهة هي مثل تلك الشبهة اللعينة التي جاء بها أهل الأهواء أعداء الإمام المجدد الألباني وهي أنه محدث وليس بفقيه ، إذا فلا يؤخذ منه الفقه ، وليس الفقه إلا الحديث ؟؟ وهل كان رسول إلا فقيها محدثا ؟؟ فلا فقه بدون حديث ولا حديث بدون فقه ، ومن يرد الله به خيرا يفقه في الدين ..هؤلاء العلماء باعترافكم وثناء بعضكم عليهم اشتهروا وعرفوا بهذا العلم ثم لا يؤخذ عنهم ما تخصصوا فيه إذن عمن تأخذون هذا العلم ؟؟؟ومن قواعد أهل السنة التسليم لأهل العلم الثقات والأخذ عنهم وخاصة فيما كان من اختصاصهم ،وطاعتهم في ذلك هي طاعة الله وخاصة وهم يقومون بذلك من أجل نصرة الحق الذي ننشده جميعا ..يا أهل السنة.
سادسا : لو كنتم حقا من أهل السنة لتركتم التشغيب عليهم والطعن فيهم والتنقيص من قدرهم وأنصفتموهم وأعملتم قواعد" الجرح والتعديل " التي قعدها علماء السلف الأوائل كما يفعل هؤلاء العلماء المذكورين في السؤال :ومنها : " أن من علم حجة على من لم يعلم " وأن الجارح لمّا جرح معه زيادة علم على المعدل إلا إذا اطلع المعدل على جرح المُجرح ورده بالحجة والبرهان ، وقال الأمر ليس كذلك ، بل الأمر كذا .. والحجة كذا .. والبرهان كذا..كما يفعل تماما علماء هذا الشأن ....
سابعا : رد العالم للجرح لا ينبغي أن يرده بحجة العاطفة الإسلامية إذا جاءه المجروح يشتكيه فِعل الجارح معه...فالحق فوق الجميع .. ولا يرد الجرح للطائفية ولا الجهوية ، وإنما يرده بالحق الذي اطلع عليه وعرف من حال المجروح وأن الأمر على خلاف قول الجارح والدليل على ذلك كيت ... وكيت نصحا لدين الله ونصحا للمجروح .
ولا يرده أيضا بالتساهل والتمييع وأن هذا العلم قد ولى وانقضى ، أو أنه خاص بالرواية ، مما يدفع الراد إلى الغلو في الطعن فيمن جرح ويصفه بشتى الأوصاف التي لا يحب هو أن يوصف بها وأقلها أنه غال ومتشدد والعكس صحيح ..
ولا يرده أيضا لكون الجارح من الخصوم المخالفين وأن المجروح من المؤالفين والمناصرين وغير ذلك ...كما يفعله أهل الأهواء .
ثامنا :تعلمون أن غير هؤلاء العلماء يتكلم في أهل البدع ويجرح أهل الأهواء فلماذا تأخذون بقولهم فيمن جرحوه ولا تأخذون بقول هؤلاء وأنتم تعترفون لهم بأنهم أهل لهذا الشأن ، بحجة أن غيرهم سكت أو لم يوافق أو عدَّل فكل هذه الأعذار غير علمية ، وإنما العلم أن يُرد الجرح بالعلم والحجة والبيان وينقض نقضا واضحا حتى يُسلم الجارح للمعدل إن بلغه ..
تاسعا : لماذا إذا جرح الشيخ الفوزان والشيخ صالح اللحيدان واللجنة الدائمة والشيخ العباد وغيرهم ...هرولتم فرحين إلى الأخذ بجرحهم وإذا جرح هؤلاء وهم أهل الاختصاص بشهادة العلماء الكبار وبشهادتكم أنتم أحجمتم لا لشيء إلا أنهم أصابوا بعضكم في عواطفهم أو بعضكم في مقاتلهم..
والعجيب منكم أنكم تأخذون بقول هؤلاء معنا في مخالفيكم ممن ترونهم أهل بدع ، ولكن إذا تكلموا في مشايخكم ومحبيكم صحتم بهم وضقتم بهم ذرعا ، وبكيتم وتباكيتم ورددتم حججهم بالبطل والعواطف العواصف ...
عاشرا وأخيرا: نحن لم ندع العصمة يوما لهؤلاء المشايخ العلماء ، ولا نعتقد أنهم لم يخطئوا قط بل الخطأ وارد في حقهم وغيرهم وكل بني آدم خطاء وهم يعترفون بذلك ، فإذا وجدتم لهم خطأ فردوه وبينوه بالدليل والحجة ، بالعدل والإنصاف والورع ، وأنا على يقين أنهم سيشكرون لكم .. ويدعون لكم ، وهذا هو المسلك الصحيح وليس ببث الشبه بين الشباب وضعاف العلم والتعصب لمشايخكم وعدم التأدب مع العلماء ممن عرفوا بالعلم والفضل حتى عندكم . هذا ما فتح الله به فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأرجو ممن اطلع على خطئي أن يقومني وله جزيل الشكر .
وبارك الله فيه وجزاه خيرا ، وله دعوة خاصة بظهر الغيب ، ولا يفوتني أن أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال السلفيين وأن يجمع شملهم ويؤلف بين قلوبهم إنه سميع مجيب .والحمد لله وصل اللهم وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
16/3/1436هـ
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فهذا سؤال من بعض إخواننا يقول فيه :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحسن الله إليكم وبارك .
الســـؤال : عبارة تكاد تكون قاعدة عند بعض الشباب بأن من عرفوا بالردود والجرح والتعديل هم الشيخ ربيع المدخلي والشيخ عبيد الجابري والشيخ محمد المدخلي والشيخ عبد الله البخاري ...
وهؤلاء يؤخذ منهم العلم ويستفاد بلا ريب ؛ ولكن لا يؤخذ منهم الجرح فيمن توقف فيهم المشايخ الآخرين أو أثنوا عليهم ..ونحن جميعا أهل سنة . نود بيان هذه الشبهة وجزاكم الله خيرا .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الجواب :
أولا : ليس من شك أن هؤلاء علماء أفاضل المذكورين في السؤال أثنى عليهم العلماء ، واعترفوا لهم بالفضل فلا ينتقصهم إلا جاهل أو بغيض صاحب هوى ..
ثانيا : جزاكم الله خيرا ، فهذا اعتراف منكم بأن هؤلاء العلماء الأفاضل – حفظهم الله ونفع الأمة بعلمهم – قد اشتهروا بعلم الجرح والتعديل ، وهم حقا كذلك ، فهم فرسانه في هذا الزمان ، وهم المرابطون على ثغر من ثغور السنة ، وهم الذين يكشفون انحرافات المنحرفين وضلال الزائغين ، وتلبيس المدلسين ، فهم إذا على ثغرة كبيرة من ثغور الإسلام يرابطون في سبيل حفظ حدود هذا الدين من الدخيل ، والدفاع عن معالم منهج السلف الصالح ، والتوجيه والإرشاد لطلبة العلم والشباب السني والتعريف لهم بسبيل المؤمنين من سبل المجرمين ، الذين يجب علينا وعليكم جميعا سلوكه ، وإذا كان الأمر كذلك فكان الواجب علينا وعليكم نحوهم أن نشكر لهم صنيعهم وسعيهم ، وأن نثني عليهم لما قدموه لنا من معروف ، وحذرونا من مغبة الانزلاق في مزالق الأهواء والضلال فنلزم غرزهم و نأخذ بمن جرحوه ..وبينوا حاله لأن المسألة مسألة دين وليس بيننا وبينهم قرابة أو مصالح دنيوية كما ليس بينهم وبين من جرحوهم ذلك ..
ثالثا : هل أنتم تؤمنون بالاختصاص في علوم الشريعة ؟؟ فالاختصاص في علم من العلوم ليس وليد الساعة ، فقد ثبت في السنة ذلك فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:<< أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وأشدّهُم فِي اللَّهِ عُمَرُ وأصدقُهُم حياءً عثمان وأقرأُهم لِكِتَابِ اللَّهِ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ وأفرضُهُمُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعاذ بْنُ جَبَلٍ أَلَا وَإِنَّ لِكل أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح>> التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (7087)قال الشيخ الألباني صحيح لغيره - ((المشكاة)) (6111) , ((الصحيحة)) (1224).وقال في صحيح الجامع (895 – 440)صحيح .فهذا اختصاصهم بشهادة الكبار وبشهادتكم ، وهم يتكلمون فيه ، و يتبعون القواعد والضوابط التي قعدها علماء الحديث فلم يأتوا بهذا العلم من عند أنفسهم ، ولم يأتوا فيه بجديد كما نسمع من بعض المغرضين الذين جمعوا بين النقيضين الغلو والتمييع ، فهؤلاء العلماء لا يتكلمون بالجهل والظلم والهوى وليس لهم غرض إلا نصرة الحق والنصح لدين الله ، بل كل من تكلموا فيه إنما تكلموا بحق بما علموا بالحجة والعدل والورع .. نصحا لله ولدينه ولأولئك المتكلم فيهم ..
رابعا : ويقال لهم الحمد لله أن وجد بيننا وفي زمننا من تخصصوا في هذا العلم العظيم ((علم الجرح والتعديل ))الذي هو صمام الشريعة والحصن الحصين لحدودها من الدخلاء وأهل الأهواء والزيغ والضلال والبدع ، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي الرجوع إليهم من باب قول ابن الأعرابي :
يا باري القوس بريا ليس يحكمه-- لا تظلم القوس اعط القوس باريها.
فصانع القوس أدرى بأسراره، وأعلم بإمكاناته ومكمن القوة فيه ومكمن الخلل ، وهو الذي يستطيع أن يصلح عيوبه.فَوَجَبَ قَبُولُ قوله فِيهِ وَالرُّجُوعُ إِلَيه فهو أعلْم بما صنع .
والقاعدة تقول :((من علم حجَّة على من لم يعلم والمثبت مقدم على النافي) ذكرها شيخ الإسلام في ( الرد على الأخنائي ص195) .
فمن أثبت شيئًا كان حجة على من نفاه ، وهذا كثير بل يكاد أهل العلم يتفقون على هذه القاعدة .
وهي توافق تماما القاعدة التي قعدها علماء الجرح والتعديل : الجرح المفسر مقدم على التعديل لأن الجارح معه زيادة علم ، ومن علم حجة على من لم يعلم .
قال ابن الوزير في الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم (2/487) الوجه الثّاني: أنّ مدّعي الإجماع ادّعى العلم, ومن ردّ ذلك لم ينقل خلافاً في ذلك وإنّما استبعد أن يعلم ذلك غيره مع أنّه لا يعلمه, ومن علم حجّة على من جهل, وقد يختلف النّاس في معرفة أخبار السّلف وأحوالهم, ويحصل لبعض العلماء بشدّة البحث للأخبار والتّواريخ علم بأمور كثيرة لا يشاركه فيها غيره.انتهى كلامه .
ومن باب قول الحافظ ابن حجر في الفتح : ((من تكلم في غير فنه أتى بالغرائب والعجائب ))، فهؤلاء العلماء يتكلمون في فنهم الذي تخصصوا فيه بخلاف غيرهم ممن ليسوا من أهل هذا الشأن ، وأقحموا أنفسهم فيه ومع ذلك أنتم تأخذون بقولهم وهم ليس من أهل هذا الشأن؛ بل بعض قولهم عندكم قرآن لا يراجع ولا ينتقض ثم ترمون بذلك غيركم من باب رمتني بدائها وانسلت ..
فالمفروض علينا وعليكم الرجوع إليهم دون سواهم ممن ليسوا من أهل هذا الشأن أو قصروا عن مراتبه وضبط قواعده .. فيأتون بالغرائب والعجائب كما قال الحافظ ، وفوق ذلك يعتذرون للمجروحين وأهل الأهواء والبدع وذلك يخالف منهج وقواعد هذا العلم العظيم..
خامسا : لو كنتم أهل سنة حقا -كما تدعون - لسلمتم لهم باعترافكم أنهم أهل علم وفضل ، وأنهم عرفوا بالردود وعلم الجرح والتعديل ، فعجبا لكم تعرفون الحق وتحيدون عنه ، عرفتم أهل الاختصاص وهونتم من شأنهم ، وهذه الشبهة هي مثل تلك الشبهة اللعينة التي جاء بها أهل الأهواء أعداء الإمام المجدد الألباني وهي أنه محدث وليس بفقيه ، إذا فلا يؤخذ منه الفقه ، وليس الفقه إلا الحديث ؟؟ وهل كان رسول إلا فقيها محدثا ؟؟ فلا فقه بدون حديث ولا حديث بدون فقه ، ومن يرد الله به خيرا يفقه في الدين ..هؤلاء العلماء باعترافكم وثناء بعضكم عليهم اشتهروا وعرفوا بهذا العلم ثم لا يؤخذ عنهم ما تخصصوا فيه إذن عمن تأخذون هذا العلم ؟؟؟ومن قواعد أهل السنة التسليم لأهل العلم الثقات والأخذ عنهم وخاصة فيما كان من اختصاصهم ،وطاعتهم في ذلك هي طاعة الله وخاصة وهم يقومون بذلك من أجل نصرة الحق الذي ننشده جميعا ..يا أهل السنة.
سادسا : لو كنتم حقا من أهل السنة لتركتم التشغيب عليهم والطعن فيهم والتنقيص من قدرهم وأنصفتموهم وأعملتم قواعد" الجرح والتعديل " التي قعدها علماء السلف الأوائل كما يفعل هؤلاء العلماء المذكورين في السؤال :ومنها : " أن من علم حجة على من لم يعلم " وأن الجارح لمّا جرح معه زيادة علم على المعدل إلا إذا اطلع المعدل على جرح المُجرح ورده بالحجة والبرهان ، وقال الأمر ليس كذلك ، بل الأمر كذا .. والحجة كذا .. والبرهان كذا..كما يفعل تماما علماء هذا الشأن ....
سابعا : رد العالم للجرح لا ينبغي أن يرده بحجة العاطفة الإسلامية إذا جاءه المجروح يشتكيه فِعل الجارح معه...فالحق فوق الجميع .. ولا يرد الجرح للطائفية ولا الجهوية ، وإنما يرده بالحق الذي اطلع عليه وعرف من حال المجروح وأن الأمر على خلاف قول الجارح والدليل على ذلك كيت ... وكيت نصحا لدين الله ونصحا للمجروح .
ولا يرده أيضا بالتساهل والتمييع وأن هذا العلم قد ولى وانقضى ، أو أنه خاص بالرواية ، مما يدفع الراد إلى الغلو في الطعن فيمن جرح ويصفه بشتى الأوصاف التي لا يحب هو أن يوصف بها وأقلها أنه غال ومتشدد والعكس صحيح ..
ولا يرده أيضا لكون الجارح من الخصوم المخالفين وأن المجروح من المؤالفين والمناصرين وغير ذلك ...كما يفعله أهل الأهواء .
ثامنا :تعلمون أن غير هؤلاء العلماء يتكلم في أهل البدع ويجرح أهل الأهواء فلماذا تأخذون بقولهم فيمن جرحوه ولا تأخذون بقول هؤلاء وأنتم تعترفون لهم بأنهم أهل لهذا الشأن ، بحجة أن غيرهم سكت أو لم يوافق أو عدَّل فكل هذه الأعذار غير علمية ، وإنما العلم أن يُرد الجرح بالعلم والحجة والبيان وينقض نقضا واضحا حتى يُسلم الجارح للمعدل إن بلغه ..
تاسعا : لماذا إذا جرح الشيخ الفوزان والشيخ صالح اللحيدان واللجنة الدائمة والشيخ العباد وغيرهم ...هرولتم فرحين إلى الأخذ بجرحهم وإذا جرح هؤلاء وهم أهل الاختصاص بشهادة العلماء الكبار وبشهادتكم أنتم أحجمتم لا لشيء إلا أنهم أصابوا بعضكم في عواطفهم أو بعضكم في مقاتلهم..
والعجيب منكم أنكم تأخذون بقول هؤلاء معنا في مخالفيكم ممن ترونهم أهل بدع ، ولكن إذا تكلموا في مشايخكم ومحبيكم صحتم بهم وضقتم بهم ذرعا ، وبكيتم وتباكيتم ورددتم حججهم بالبطل والعواطف العواصف ...
عاشرا وأخيرا: نحن لم ندع العصمة يوما لهؤلاء المشايخ العلماء ، ولا نعتقد أنهم لم يخطئوا قط بل الخطأ وارد في حقهم وغيرهم وكل بني آدم خطاء وهم يعترفون بذلك ، فإذا وجدتم لهم خطأ فردوه وبينوه بالدليل والحجة ، بالعدل والإنصاف والورع ، وأنا على يقين أنهم سيشكرون لكم .. ويدعون لكم ، وهذا هو المسلك الصحيح وليس ببث الشبه بين الشباب وضعاف العلم والتعصب لمشايخكم وعدم التأدب مع العلماء ممن عرفوا بالعلم والفضل حتى عندكم . هذا ما فتح الله به فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأرجو ممن اطلع على خطئي أن يقومني وله جزيل الشكر .
وبارك الله فيه وجزاه خيرا ، وله دعوة خاصة بظهر الغيب ، ولا يفوتني أن أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال السلفيين وأن يجمع شملهم ويؤلف بين قلوبهم إنه سميع مجيب .والحمد لله وصل اللهم وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
16/3/1436هـ