أبو بكر يوسف لعويسي
10-Jan-2015, 11:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله وكماله ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي ما ترك خيرا قط إلا دلنا عليه ولا شرا قط إلا حذرنا منه ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
لقد تخوف المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته تخوفا شديدا من فتن المسلمين بعضهم ببعض ، وذلك بسبب باسهم بينهم ، بل وجعل خوفه من ذلك أعظم من تخوفه من فتنة المسيح الدجال لأنه مكتوب بين عينيه كافر ، مع أن فتنة المسيح الدجال ؛ مسيح الضلالة أعظم فتنة منذ خلق الله الخلق بل كل فتنة وجدت إلا تتّضع لفتنته .
ففي صحيح ابن حبان (6769)عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:<< لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِتْنَةٍ - منذ كانت الدنيا- صَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ إِلَّا تَتَّضِعُ لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ فمَنْ نَجَا مِنْ فِتْنَةِ مَا قَبْلَهَا نَجَا مِنْهَا وَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ مُسلماً مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ مُهَجَّاةً كَ فَ ر>> .
قال الشيخ الألباني- رحمه الله - في التعليقات الحسان (9/445)حسن صحيح ـ ((الصحيحة)) (3082).
هكذا تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته تخوفا شديدا أشد من تخوفه على أمته من فتنة مسيح الضلالة .
ففي صحيح مسلم ( 2937)عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: << مَا شَأْنُكُمْ؟>> قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: <<غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ...)) وابن ماجة (4075) والآجري في الشريعة (884) وابن منده في كتاب الإيمان (1027) وقال الشيخ الألباني صحيح ، تخريج فضائل الشام (25) ، الصحيحة (1780).
قال النووي في شرح مسلم (18/64) قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ ...
إلى أن قال : وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَتَقْدِيرُهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مُخُوفَاتِي عَلَيْكُمْ ؛ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَى الْيَاءِ ،وَمِنْهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ .
وَالثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ أَخْوَفُ مِنْ أَخَافَ بِمَعْنَى خَوْفٍ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَشَدُّ مُوجِبَاتِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ..
وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمَعَانِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ شِعْرُ شَاعِرٍ وَخَوْفُ فُلَانٍ أَخْوَفُ مِنْ خَوْفِكَ وَتَقْدِيرُهُ خَوْفُ غَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ..
قال الشيخ ربيع - حفظه الله ونفع الأمة بعلمه – في شرح أصول السنة ، وبالمناسبة على ذكر الدجال ، فقد ذكروا أن الرسول ذكره فخص فيه ورفع فتحدث الناس في هذا وانهمكوا فيه ثم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إنك تكلمت عن الدجال وخضت فيه ورفعت وذكرت من أمره كذا ..وكذا .. فقال : << غير الدجال أخوفني عليكم >> رواه مسلم :[ح2937].
لأن الدجال مكتوب على جبهته كافر يقرؤه المؤمن الذي يكتب والذي لا يكتب آية واضحة ، بخلاف الذي يلبس لباسا إسلاميا وباسم الإسلام ، ويحمل شعارا إسلاميا وهو يهدم الإسلام هذا أضر على الدين أكثر من الدجال ، هؤلاء الملبسون الدجالون ، الكذابون هم كثير حذرنا منهم- r- والله المستعان .انتهى كلامه .
منهم الذين تخوف النبي صلى الله عليه وسلم منهم على أمته أشد من خوفه عليها من المسيح الدجال ؟؟
1 – الأئمة المضلين ..لقد جاء بيانهم في أحاديث متفرقة ففي الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير (8060) قال - r- : ((غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتي مِنَ الدَّجَّالِ الأئمَّةُ المُضلُّونَ)) (حم) عَن أبي ذَر.السلسلة الصحيحة (1989) وفيها (1582) << أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون>> ورد من حديث عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشداد بن أوس وعلي ابن أبي طالب.
1 - أما حديث عمر فيرويه صفوان بن عمرو عن أبي المخارق زهير بن سالم عن كعب عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.. قال كعب:فقلت والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم. أخرجه أبو نعيم في الحلية ( (6 /46) وقال: " غريب من حديث كعب، تفرد به صفوان ".
قلت( الشيخ الألباني ): وهو ثقة احتج به مسلم. وزهير بن سالم قال الحافظ: ( صدوق فيه لين ).
قلت ( الشيخ الألباني ): فالسند حسن- إن شاء الله تعالى- وهو صحيح قطعا بما بعده وأخرجه أحمد (1/42) : حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا صفوان حدثني أبو المخارق زهير بن سالم أن عمير بن سعد الأنصاري كان ولاه عمر (حمص) فذكر الحديث. قال عمر - يعني لكعب -: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئا أعلمه،قال: ما أخوف شيء تخافه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال:(( أئمة مضلين ))، قال عمر: صدقت، قد أسر ذلك إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما أكثر أئمة الضلالة اليوم عن علم وجهل ، الذين يلبسون لباس الدين وهم يهدمونه ، ويلبسون لباس السنة وهم يحاربونها ، ويدعون السير على منهج السلف وقد تشبعوا بمذاهب الخلف الذين كانوا سببا في ضلال الكثير من الناس وشوهوا حقيقة الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلهم أعظم السبب للآلاف الذين يتبعون المسيح الدجال إن خرج فيهم ..
إن المسيح الدجال ضلاله أوصافه واضحة ، وفتنته مفضوحة ، وعلاماته لا تخفى على من فتح الله عليه وأراد الله له النجاة والخير، فتأمل ما جاء فيه من الأحاديث التي تبين صفاته وتحذر منه ، فلزم الدعاء وسأل الله الثبات وأخذ بأسباب النجاة منه التي جاءت في السنة .
ولكن هؤلاء أئمة الضلالة المتربصين بأهل السنة ، على رأس السُّبل المنحرفة عن الصراط المستقيم ، وأولئك الضلال من أهل الأهواء والبدع المندسين وسط أهل الإسلام بعامة وأهل السنة بخاصة ممن يحرفون الكلم عن مواضعه ويدسون السم في العسل ويكذبون على الله ورسوله وينسبون للسلف الصالح أشياء هم منها براء ويتلبسون بالسنة ويتدثرون بشعارها ويخوضون في الفتن بل هم أسباب الفتن والمحن للأمة هم في الحقيقة أخطر على أهل الإسلام والسنة من المسيح الدجال لأنهم غير معروفين ولا واضحين وضوح المسيح الدجال، فهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكنهم يهدون بغير هدي نبينا ،فظهورهم إلينا وقلبهم إلى غيرنا ، فلا يستطيع كثير من الناس أن يحذروهم ، لذلك كان خطرهم أعظم ممن كان أمره واضحا فيحذره من يعرفه ويراه بأوصافه وأحواله ولسانه ، ويتخذ في ذلك الحصن المانع والوقاية اللازمة التي تقي من ضرره وفتنته .أما هؤلاء أئمة الضلالة فلا يعصم من خطرهم إلا العلم بمنهج الكتاب والسنة بفهم الأسلاف الذين قضوا فلا يُخشى عليهم من فتنة الدجال ولا من فتنة هؤلاء ، فهذا هو الذي يعصم منهم كما عصم أسلافنا ..
وعليه فالدجاجلة كثيرون ينبغي الحذر منهم كما يحذر السني المسيح الدجال ؛ بل أكثر لأن المسيح الدجال قد لا يدركه زمانه فهو غيبي وإن كان وقت خروجه قد قرب بمبعثه صلى الله عليه وسلم كما صرح هو بنفسه ، أما أهل البدع والأهواء وأئمة الضلالة فهم بيننا وما أكثرهم في زمننا - لا كثرهم الله - فليحذر الحذر الشديد منهم .
ففي صحيح ابن حبان عَنْ ثَوْبَانَ , أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:<<...وَلَكِنْ أَلْبسُهمْ شِيَعاً وَلَوِ اجْتُمِعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بعضاً وبعض يُفْنِي بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا وَإِنَّهُ سيرجعُ قَبَائِلُ مِنْ أُمتي إِلَى التُّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّ مِنْ أَخْوَفِ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ المُضلِّين وَإِنَّهُمْ إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِيهِمْ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ ـ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ ـ وَإِنِّي خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا تزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصورةً حتى يأتي أمْرُ الله)قال الشيخ الألباني في التعليقات الحسان (9/389) صحيح ـ ((الصحيحة)) (4/ 252 و 1957)، ((الروض النضير)) (61 و 1170): م إلى قوله: ((بعضاً)) مع فقرة الطائفة.
2- ومن هؤلاء أئمة الضلالة والأهواء الذين تخوف منهم نبينا عليه الصلاة والسلام منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ويتبع متشابهه ممن في قلوبهم زيغ كما أخبر عنهم ربنا في سورة آل عمران وحذرناه نبينا عليه الصلاة والسلام في قوله : << أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ..>> أحمد والطبراني والبيهقي ، ولكن بلفظ << ...كل منافق عليم اللسان >> قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : (239) في صحيح الجامع وهو في السلسلة الصحيحة برقم( 1013).
3 - ومن أهل الأهواء الذين تخوف منهم على أمته الخوارج الذين استظهروا القرآن ظاهرا حتى إذا رئيت بهجته عليهم وكانوا ظاهرا ردءا للإسلام ، انسلخوا منه ونبذوه وراء ظهورهم وانقلبوا على الأمة بالسيف والرمي بالكفر والشرك .ففي الصحيحة (3201)قال صلى الله عليه وسلم : <<إن أخوف ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن، حتّى إذا رُئيتْ بهجتُه عليه، وكان رِدْءاً للإسلام؛ انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك. قلت: يا نبيَّ الله! أيُّهما أولى بالشرك، الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي>> .
4- الرياء والعجب والتسميع ..وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: << أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟>> فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: << الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ فَيُصَلِّيَ فَيَزِيدَ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رجلٍ>> . رَوَاهُ ابْن مَاجَه (5333 )وقال الشيخ الألباني (حسن).وفي السلسلة الصحيحة : (951 )قال صلى الله عليه وسلم :<< إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال الرياء، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! >>.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين ((6/611) غير الدجال أخوفني عليكم يعني أخاف عليكم شيئا أشد من الدجال ومن ذلك الرياء حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال الرياء أن الإنسان يرائي في عباداته يصلي لأجل الناس يتصدق لأجل الناس يحسن الخلق لأجل الناس..
فهذا رياء والعياذ بالله والمرائي حابط عمله والرياء من صفات المنافقين كما قال الله تبارك وتعالى {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} واعلم أيها المرائي أن الله سيفضحك عن قرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من راءى راءى الله به يعني أظهر مراءاته وعيوبه عند الناس ومن سمع سمع الله به . أسأل الله تعالى أن يقينا شر أنفسنا ، وأن يعصمنا من فتنة الدجال ، ومن فتنة أهل الأهواء من خوارج ، وروافض ، وقدرية ، ومرجئة وغيرهم من القدماء وممن ظهروا في هذا العصر من أفراخهم ، وأن يثبتنا وإخواننا على السنة ويختم لنا عليها إنه سيمع مجيب .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
19/03/1436هـ
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله وكماله ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي ما ترك خيرا قط إلا دلنا عليه ولا شرا قط إلا حذرنا منه ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
لقد تخوف المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته تخوفا شديدا من فتن المسلمين بعضهم ببعض ، وذلك بسبب باسهم بينهم ، بل وجعل خوفه من ذلك أعظم من تخوفه من فتنة المسيح الدجال لأنه مكتوب بين عينيه كافر ، مع أن فتنة المسيح الدجال ؛ مسيح الضلالة أعظم فتنة منذ خلق الله الخلق بل كل فتنة وجدت إلا تتّضع لفتنته .
ففي صحيح ابن حبان (6769)عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:<< لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِتْنَةٍ - منذ كانت الدنيا- صَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ إِلَّا تَتَّضِعُ لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ فمَنْ نَجَا مِنْ فِتْنَةِ مَا قَبْلَهَا نَجَا مِنْهَا وَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ مُسلماً مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ مُهَجَّاةً كَ فَ ر>> .
قال الشيخ الألباني- رحمه الله - في التعليقات الحسان (9/445)حسن صحيح ـ ((الصحيحة)) (3082).
هكذا تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته تخوفا شديدا أشد من تخوفه على أمته من فتنة مسيح الضلالة .
ففي صحيح مسلم ( 2937)عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: << مَا شَأْنُكُمْ؟>> قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: <<غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ...)) وابن ماجة (4075) والآجري في الشريعة (884) وابن منده في كتاب الإيمان (1027) وقال الشيخ الألباني صحيح ، تخريج فضائل الشام (25) ، الصحيحة (1780).
قال النووي في شرح مسلم (18/64) قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ ...
إلى أن قال : وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَتَقْدِيرُهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مُخُوفَاتِي عَلَيْكُمْ ؛ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَى الْيَاءِ ،وَمِنْهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ .
وَالثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ أَخْوَفُ مِنْ أَخَافَ بِمَعْنَى خَوْفٍ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَشَدُّ مُوجِبَاتِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ..
وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمَعَانِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ شِعْرُ شَاعِرٍ وَخَوْفُ فُلَانٍ أَخْوَفُ مِنْ خَوْفِكَ وَتَقْدِيرُهُ خَوْفُ غَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ..
قال الشيخ ربيع - حفظه الله ونفع الأمة بعلمه – في شرح أصول السنة ، وبالمناسبة على ذكر الدجال ، فقد ذكروا أن الرسول ذكره فخص فيه ورفع فتحدث الناس في هذا وانهمكوا فيه ثم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إنك تكلمت عن الدجال وخضت فيه ورفعت وذكرت من أمره كذا ..وكذا .. فقال : << غير الدجال أخوفني عليكم >> رواه مسلم :[ح2937].
لأن الدجال مكتوب على جبهته كافر يقرؤه المؤمن الذي يكتب والذي لا يكتب آية واضحة ، بخلاف الذي يلبس لباسا إسلاميا وباسم الإسلام ، ويحمل شعارا إسلاميا وهو يهدم الإسلام هذا أضر على الدين أكثر من الدجال ، هؤلاء الملبسون الدجالون ، الكذابون هم كثير حذرنا منهم- r- والله المستعان .انتهى كلامه .
منهم الذين تخوف النبي صلى الله عليه وسلم منهم على أمته أشد من خوفه عليها من المسيح الدجال ؟؟
1 – الأئمة المضلين ..لقد جاء بيانهم في أحاديث متفرقة ففي الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير (8060) قال - r- : ((غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتي مِنَ الدَّجَّالِ الأئمَّةُ المُضلُّونَ)) (حم) عَن أبي ذَر.السلسلة الصحيحة (1989) وفيها (1582) << أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون>> ورد من حديث عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشداد بن أوس وعلي ابن أبي طالب.
1 - أما حديث عمر فيرويه صفوان بن عمرو عن أبي المخارق زهير بن سالم عن كعب عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.. قال كعب:فقلت والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم. أخرجه أبو نعيم في الحلية ( (6 /46) وقال: " غريب من حديث كعب، تفرد به صفوان ".
قلت( الشيخ الألباني ): وهو ثقة احتج به مسلم. وزهير بن سالم قال الحافظ: ( صدوق فيه لين ).
قلت ( الشيخ الألباني ): فالسند حسن- إن شاء الله تعالى- وهو صحيح قطعا بما بعده وأخرجه أحمد (1/42) : حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا صفوان حدثني أبو المخارق زهير بن سالم أن عمير بن سعد الأنصاري كان ولاه عمر (حمص) فذكر الحديث. قال عمر - يعني لكعب -: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئا أعلمه،قال: ما أخوف شيء تخافه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال:(( أئمة مضلين ))، قال عمر: صدقت، قد أسر ذلك إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما أكثر أئمة الضلالة اليوم عن علم وجهل ، الذين يلبسون لباس الدين وهم يهدمونه ، ويلبسون لباس السنة وهم يحاربونها ، ويدعون السير على منهج السلف وقد تشبعوا بمذاهب الخلف الذين كانوا سببا في ضلال الكثير من الناس وشوهوا حقيقة الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلهم أعظم السبب للآلاف الذين يتبعون المسيح الدجال إن خرج فيهم ..
إن المسيح الدجال ضلاله أوصافه واضحة ، وفتنته مفضوحة ، وعلاماته لا تخفى على من فتح الله عليه وأراد الله له النجاة والخير، فتأمل ما جاء فيه من الأحاديث التي تبين صفاته وتحذر منه ، فلزم الدعاء وسأل الله الثبات وأخذ بأسباب النجاة منه التي جاءت في السنة .
ولكن هؤلاء أئمة الضلالة المتربصين بأهل السنة ، على رأس السُّبل المنحرفة عن الصراط المستقيم ، وأولئك الضلال من أهل الأهواء والبدع المندسين وسط أهل الإسلام بعامة وأهل السنة بخاصة ممن يحرفون الكلم عن مواضعه ويدسون السم في العسل ويكذبون على الله ورسوله وينسبون للسلف الصالح أشياء هم منها براء ويتلبسون بالسنة ويتدثرون بشعارها ويخوضون في الفتن بل هم أسباب الفتن والمحن للأمة هم في الحقيقة أخطر على أهل الإسلام والسنة من المسيح الدجال لأنهم غير معروفين ولا واضحين وضوح المسيح الدجال، فهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكنهم يهدون بغير هدي نبينا ،فظهورهم إلينا وقلبهم إلى غيرنا ، فلا يستطيع كثير من الناس أن يحذروهم ، لذلك كان خطرهم أعظم ممن كان أمره واضحا فيحذره من يعرفه ويراه بأوصافه وأحواله ولسانه ، ويتخذ في ذلك الحصن المانع والوقاية اللازمة التي تقي من ضرره وفتنته .أما هؤلاء أئمة الضلالة فلا يعصم من خطرهم إلا العلم بمنهج الكتاب والسنة بفهم الأسلاف الذين قضوا فلا يُخشى عليهم من فتنة الدجال ولا من فتنة هؤلاء ، فهذا هو الذي يعصم منهم كما عصم أسلافنا ..
وعليه فالدجاجلة كثيرون ينبغي الحذر منهم كما يحذر السني المسيح الدجال ؛ بل أكثر لأن المسيح الدجال قد لا يدركه زمانه فهو غيبي وإن كان وقت خروجه قد قرب بمبعثه صلى الله عليه وسلم كما صرح هو بنفسه ، أما أهل البدع والأهواء وأئمة الضلالة فهم بيننا وما أكثرهم في زمننا - لا كثرهم الله - فليحذر الحذر الشديد منهم .
ففي صحيح ابن حبان عَنْ ثَوْبَانَ , أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:<<...وَلَكِنْ أَلْبسُهمْ شِيَعاً وَلَوِ اجْتُمِعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بعضاً وبعض يُفْنِي بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا وَإِنَّهُ سيرجعُ قَبَائِلُ مِنْ أُمتي إِلَى التُّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّ مِنْ أَخْوَفِ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ المُضلِّين وَإِنَّهُمْ إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِيهِمْ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ ـ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ ـ وَإِنِّي خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا تزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصورةً حتى يأتي أمْرُ الله)قال الشيخ الألباني في التعليقات الحسان (9/389) صحيح ـ ((الصحيحة)) (4/ 252 و 1957)، ((الروض النضير)) (61 و 1170): م إلى قوله: ((بعضاً)) مع فقرة الطائفة.
2- ومن هؤلاء أئمة الضلالة والأهواء الذين تخوف منهم نبينا عليه الصلاة والسلام منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ويتبع متشابهه ممن في قلوبهم زيغ كما أخبر عنهم ربنا في سورة آل عمران وحذرناه نبينا عليه الصلاة والسلام في قوله : << أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ..>> أحمد والطبراني والبيهقي ، ولكن بلفظ << ...كل منافق عليم اللسان >> قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : (239) في صحيح الجامع وهو في السلسلة الصحيحة برقم( 1013).
3 - ومن أهل الأهواء الذين تخوف منهم على أمته الخوارج الذين استظهروا القرآن ظاهرا حتى إذا رئيت بهجته عليهم وكانوا ظاهرا ردءا للإسلام ، انسلخوا منه ونبذوه وراء ظهورهم وانقلبوا على الأمة بالسيف والرمي بالكفر والشرك .ففي الصحيحة (3201)قال صلى الله عليه وسلم : <<إن أخوف ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن، حتّى إذا رُئيتْ بهجتُه عليه، وكان رِدْءاً للإسلام؛ انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك. قلت: يا نبيَّ الله! أيُّهما أولى بالشرك، الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي>> .
4- الرياء والعجب والتسميع ..وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: << أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟>> فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: << الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ فَيُصَلِّيَ فَيَزِيدَ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رجلٍ>> . رَوَاهُ ابْن مَاجَه (5333 )وقال الشيخ الألباني (حسن).وفي السلسلة الصحيحة : (951 )قال صلى الله عليه وسلم :<< إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال الرياء، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! >>.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين ((6/611) غير الدجال أخوفني عليكم يعني أخاف عليكم شيئا أشد من الدجال ومن ذلك الرياء حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال الرياء أن الإنسان يرائي في عباداته يصلي لأجل الناس يتصدق لأجل الناس يحسن الخلق لأجل الناس..
فهذا رياء والعياذ بالله والمرائي حابط عمله والرياء من صفات المنافقين كما قال الله تبارك وتعالى {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} واعلم أيها المرائي أن الله سيفضحك عن قرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من راءى راءى الله به يعني أظهر مراءاته وعيوبه عند الناس ومن سمع سمع الله به . أسأل الله تعالى أن يقينا شر أنفسنا ، وأن يعصمنا من فتنة الدجال ، ومن فتنة أهل الأهواء من خوارج ، وروافض ، وقدرية ، ومرجئة وغيرهم من القدماء وممن ظهروا في هذا العصر من أفراخهم ، وأن يثبتنا وإخواننا على السنة ويختم لنا عليها إنه سيمع مجيب .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
19/03/1436هـ