المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الردَّ على المخالف من أصل هذا الدين /شيخنا عبيد الجابري حفظه الله تعالى



أبو يوسف عبدالله الصبحي
26-May-2010, 03:38 PM
الردَّ على المخالف من أصل هذا الدين ومن قواعد الدعوة إلى الله على بصيرة


قال : فضيلة الشيخ عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري حفظه الله تعالى
إن لم يكن مئات فعشراتٌ من الناس يُهَوِّنُون هذا الجانب، ويَرَوْنَهُ عاملَ تَفْرقة للأمة؛ لأنَ الأمة ـ كما زعموا ـ محتاجة إلى الاجتماع ورأْبِ الصدْع ولَمِّ الشمل إلى آخر ما يُردِّدُونه .
فنقول :
أولا : هذا الاجتماع الذي تؤسسون له بما تؤسسون، وتُقَعِّدُون له بما تقعدون، وتدعون إليه بشتَّى العبارات أهو في ذات الله أم في ذات الأشخاص ؟!؛ ذات الأشخاص لا علاقة لنا بهم ، لكن هم بزعمهم يريدونه في ذات الله؛ فما كان من أجل الله وفي ذاته من أين تُسْتَمدُّ أصولُه وقواعُده ؟؛ من نص الكتاب والسنة، ومن إجماع السلف الصالح . وكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل الحق والهدى من أئمة هذه الملة على : أنه لا يجتمعُ الناس إلا على ما رَضِيَه اللهُ سبحانه وتعالى من دينِ الحقِّ الذي أساسُه الدعوةُ إلى التوحيد والنهي عن الشرك، ثم بعد ذلك سائرُ فرائض الدين العملية .
إذن قاعدة ما رضيه الله عز وجل للعباد والبلاد ولم يرض غيره تنحصر في أمرين:
الأمر الأول : إخلاص الدين لله؛ وأساسه : توحيد الله سبحانه وتعالى، ثم فرائض الدين العملية .
والأمر الثاني : التحذير من كل مَغَاضِب الله سبحانه وتعالى ومَسِاخطه، وأعظم ما يُعصى الله به وأعظم مغاضبه : الشرك بالله، ثم بعد ذلك التحذير من كبائر الذنوب والمعاصي، والبدع، والخرافات؛ لأنها تكدر صفوَ الإيمان وتُنْقِصُه .
وثانيا : أنتم تريدون أن لا يفترق المسلمون ؟، فإذا قالوا : نعم، نسألهم : تريدونهم أن يجتمعوا عل ماذا ؟، على منهجٍ معين ؟، فالجواب : نعم . نقول : اسمعوا ما جاء به عبد الله ورسوله ومصطفاه وخليلُه محمد صلى الله عليه وسلم : ((وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة
كُلُّها في النار إلا واحدة))، قالوا : مَن هي ؟، قال : ((الجماعة)) ـ وقد قدمت شيئا من الكلام على هذا الحديث ـ . هذا ما رضيه الله سبحانه وتعالى .
فإذًا : الجماعة الجماعة وهي السلفية، والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية : مَنْ كانوا على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، يأبى الله أن يجتمع الناسُ على غير ذلك .
وثالثا : ألا ترون يا هؤلاء الفرقانَ بين الحق والباطل ؟، فإن قالوا : لا، لَمْ يُقِرَّهم أحد، لا بدَّ من فرقان بين الحق والباطل، سواء في العبادات، أو في المعاملات، أو في السلوك الشخصي في كلِّ شيء، لا بُدَّ من فرقان .
وإن قالوا : نعم، قلنا : لقد فرّق الله سبحانه وتعالى وفرَّق رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع أئمة الدين والمِلَّة على نَبْذ كل ما خالف منهج الله الذي جاءت النبيون والمرسلون؛ واسمعوا : قال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد)) ـ مُخَرَّجٌ في الصحيحين ـ، وفي رواية لمسلم : ((من عمل عملا ليس عليه أمرُنا فهو رَد)) . والردُّ معناه المردود، وما كان مردودا فكأنه غير موجود؛ قال أهل العلم : والردُّ إذا أضيف إلى العبادة فإنه يقتضي فسادها وعدم الاعتداد بها، وإذا أضيف إلى المعاملة فإنه يقتضي إلغائها وعدم نفوذها. ثم اسمعوا ثانيا : ((سيكون أقوامٌ يُحدِّثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم))، ثم اسمعوا ثالثـًا ـ وهو بعض من حديث العِرْبَاض بن سَارِية الصحيح المشهور ـ قال : وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وَجِلَت منها القلوب وذَرَفَت منها العيون، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا ـ وفي رواية : فبما تعهد إلينا ـ قال : ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تَأَمَّرَ عليكم عبدٌ حَبَشي، وإياكم ومحدَثَات الأمور؛ فإنه من يَعِش منكم فسيرى اختلافـًا كبيرا، فعليكم بسنَّتِي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين مِن بعدي، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ)) . هذا بعض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مجتمعةٌ على القضاء بأنه لا يصلح للناس ويجمع شَتَاتَهم إلا اتباعُ النبي صلى الله عليه وسلم .
ويزيد هذا وضوحـًا : ما رواه أحمد ومسلم عن عبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما : أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إنه لم يكن نبيٌّ قَبْلي قَط إلاَّ كان حقا عليه أن يَدُلَّ أُمَّتَه على خيرِ ما يَعْلَمُه لهم، وأن يُنذرَهم شَرَّ ما يعلمُه لهم؛ وإن أُمَّتَكُم هذه جُعل عافيتُها في أوَّلِها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تُنكرونها)) وهذا الحديث يا بَنِي مصداقٌ لِمَا رواه أبو عُمر بن عبد البر في ((تمهيده)) بسنده إلى الإمام مالك ـ رحمه الله ـ قال : (كان وهبُ بن كيسان يقعدُ إلينا ولا يقوم حتى يقول لنا : اعلموا أنه لن يُصْلِحَ آخر هذا الأمر إلا ما أصلح أوله) .[ انتهى الوجه الأول ؛ والنص الآتي من الوجه الثاني من الشريط ] .
… أو يريد التقوى .
وقد تواتر النقلُ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ردِّ المخالفة وإن لم تكن بدعيّة؛ وأنا ذاكرٌ بعضَ ما صحَّ عنهم رضي الله عنهم :
فهذا الفاروق رضي الله عنه يقول : (إياكم وأهل الرأي فإنهم أَعْيَتْهُم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفظوها فقالوا بالرأيِ فضلوا وأضلوا) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : (والله ما أظنُّ أنَّ أحدًا أحبَّ إلى الشيطان هلاكا مني اليوم)، فقيل : وكيف ؟ قال : (تَحْدُثُ البدعة في المشرق أو المغرب فيحملُها الرجل إليَّ فإذا حملها إليَّ قَمَعْتُها بالسنة فَتُرَدُّ عليه) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : (اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتُم) .
وقال الشعبي رحمه الله : (إياكم والمُقَايَسَة) يعني الرأي (فو الذي نفسي بيده لإن أخذتم بالقياس لتُحِلُّنَ الحرام ولَتُحَرِّمُنَّ الحلال؛ فما بلغكم عمَّن حفظ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذوه) أو قال : (فخذوا به) .
وقال الأوزاعي رحمه الله : (اصبر نفسك على السنة، وقلُ ما قالوا، وكُفَّ عما كَفَّ القوم عنه، واسْلُك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يَسَعُك ما وسعهم) أو كما قال .
فبانَ بهذا أنَّ أصحاب نبيكم صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهم مُتَّفِقُون على ردِّ كل ما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُسْوتهم في ذلك نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ فقد رد المخالَفات رَدَّا قويـًّا وزجرًا شديدًا يجعل مَن سمعَه وكان له قلب وكان ذا بصيرة يَنْزَجِر عن مخالفته .
لَمَّا خرج إلى ثَقِيف وهَوازِن بعد الفتح مَرَّ صلى الله عليه وسلم بسدرة يَعْكِف المشركون عندها ويَنُوطون أسلحتهم يقال لها : ذات أنواط، فقال الحدثاء : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ـ اجعل لنا مثلهم ـ، فقال صلى الله عليه وسلم : ((الله أكبر !!، إنها السنن، قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ] اجعل لنا إلها كما لهم آله [ . إذا نظرنا إلى محتوى المقولة وزمانها يظهر العجب العجاب، ويشتدُّ ساعد الداعية إلى الله على بصيرة فيمضي إلى ما يدعو إليه من الحق :
فأولا : مِن حيث لفظها : هي مختلفة فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
قالوا : يا رسول الله وأصحاب موسى قالوا : يا موسى؛ أليس الفئتان مختلفتان باللفظ ؟، أصحاب محمد نادوه باسم الرسالة ـ غاية في التوقير والتأدب معه ـ، وأصحاب موسى باسمه ـ فيه غاية الجلافة وسوء الأدب ـ، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : اجعل لنا ذات أنواط، ما قالوا اجعل لنا إلها ؟، أما أصحاب موسى صرَّحوا وقالوا : اجعل لنا إلها كما لهم آلهه؛ ومع هذا لم يُفَرِّق نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بين المقولتين؛ لأن النتيجة واحدة وهي عبادة غير الله تعالى .
أما من حيث الزمان : فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة، وقائلوا هذه المقولة يشكِّلون نحو ألفين أو أكثر من المعسكر، فلم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول مقولته الزاجرة فيهم؛ لأنهم لو كانت منه صلى الله عليه وسلم مجاملة ـ وحاشاه صلى الله عليه وسلم ـ لكن على سبيل الافتراض ما ارتدعوا عن مقولتهم، ولذهبوا مع الغزو وهم في نفوسهم شئ من الشرك، لو ذهبوا وهم يعتقدون ذلك دون ما يقلعه من قلوبهم؛ فإن انتصروا لم يكن انتصارهم انتصار إسلام ـ أعني بالنسبة لهذا العدد، القائلين هذه المقالة لا أعني كلَّ من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ ولو مات أحدٌ من أصحاب هذه المقالة مات على الكفر؛ فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الزجر الذي سمعتم زجرًا اقتلع راسبة الشرك واجْتَثَّها من قلوبهم فلم يقل هذا، ولم يقل نحن في غزو وفي حرب مع عدو، وهؤلاء يُشَكِّلُون سُدُس المعسكر تقريبا، لا، لا بُدَّ من التربية والتصفية، لا بُدَّ من سياسة، سياسةالتوحيد لابد من قلع جذور الشرك من قلوبهم واجتثاثه منها حتى لا تبقى له راسبة .والنقل عنه عليه الصلاة والسلام كثير، وكثيرٌ جدا، لكن مقصودنا :
البيان بأن الردَّ على المخالف من أصل هذا الدين ومن قواعد الدعوة إلى الله على بصيرة .انتهى كلامه من سلسلة أصول و قواعد في المنهج السلفي لقاءات مع :فضيلة الشيخ عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري . الجزء الأول 26/ربيع الأول/1421هـ