المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكتوبُ جوابٍ نادرٌ بخطِّ الشيخ النَّادرة: عبد الرحمن بن عوف كوني (حفظه الله تعالى)



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
20-Feb-2015, 10:03 PM
مكتوبُ جوابٍ نادرٌ بخطِّ الشيخ النَّادرة: عبد الرحمن بن عوف كوني (حفظه الله تعالى)



http://www.ilmmasabih.com/cache/com_zoo/images/wahtheqa2_bcb2eff5c2e0e4c10d2653a320b6ce72.jpg (http://www.ilmmasabih.com/index.php/maktouthat/item/%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D9%8F-%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%8D-%D9%86%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D9%8C-%D8%A8%D8%AE%D8%B7%D9%90%D9%91-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8E%D9%91%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D 8%A9-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D9%88%D9%81-%D9%83%D9%88%D9%86%D9%8A-%D8%AD%D9%81%D8%B8%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89)

هذا مكتوبُ جوابٍ نادرٌ, احتفظتُ بِهِ عندي سنينَ عَدَدًا, جَاوَزَت العشر!, اسْتَلَمْتُهُ مِنْ يَدِ الشيخِ النَّادِرَة النَّابِغَة, اللُّغويّ: عبد الرحمن بن عوف كوني(حفظه الله تعالى, وأبقاه لخدمة العلم وطلبته), وقد حضرتُ له عِدَّةَ مجالس في بَيْتِهِ العامر, بَعْدَ صلاةِ الظهر, في (حي الدويمة) على مقْرُبَةٍ من (مسجد قباء) بالمدينة النبوية


( يتراءى لكَ المسجدُ من الحيّ المذكور؛ الذي تَرَى حِيَالَهُ مِنْ جانب الطريق: أشجارَ النَّخيل مجتمعةً تُشكِّلُ واحةً).
ولعلَّ آخرَ مجلسٍ رأيتُ فيه الشيخَ, ولقيتُهُ فيه عندَ باب منزله, هو يوم الأربعاء:(20/ذي القعدة/1419هـ), وقد سألْتُهُ في المجلس الذي قبلهُ عن أبياتٍ للشيخ: (محمد سالم ولد عَدُّودْ)(الشنقيطي)(المشهور)[وقد تُوُفِّيَ قريبًا؛ رحمهُ اللهُ تعالى], من نظمه الطويل الذي نظم فيه مسائل العقيدة, بين يَدَيْ نظمِهِ الكبير لـ"مختصر خليل", [وقد اقتنيتُ (مطبوعةً) صغيرةً(في حجمها) لهذه المقدمة المنظومة في العقيدة], وَقرأتُ عليه الأبيات المشكلة(!) في نظم (الشيخ محمد سالم), وقد حصل بسببها خلافٌ ونزاعٌ! بين بعض الإخوة عندنا في(وهران) قبل سفري هذا, وكان جدالٌ!!..., فاغتنمتُ الفرصة في مجلس الشيخ وقرأتُ عليه الأبيات, وطرحتُ الإشكال(!) الذي وقع حولها أو فيها!, وكأني بالشيخ لم يَتَبَيَّن موضعَ السؤال ومحلَّ الاستشكال(!) في بادئ الأمر, فتناول مِنْ يَدي المنظومة, وقد عَلَّمْتُ على الأَبيات بِجَرَّةِ القَلَم!, وقرأَهَا وأعاد قراءتها, ثم طلب الشيخُ إبقاءَهَا عندهُ لينظُرَ فيها, ويَسْتَبِينَ معانيها(جزاه الله تعالى كلّ خيرٍ, على تواضعه ودماثة خلقه), فلما كُنَّا مِنَ الموعد الموالي(يوم الأربعاء المذكور)(وأظنُّ أنه لم يَعْقِدْ لَنَا دَرْسًا!), واستقبلني عند باب بيتهِ, ناولني ورقةً كان قد أعدَّها, جوابًا على مسألتي, وتِبْيَانًا للإشكال! الذي كان, أو ما اسْتَبَان!, وكان مكتوبًا بخطِّ يَدِهِ, مؤرخًا بتاريخ ذلك اليوم أو يومٍ قبله(الشكُّ مِنِّي), ولا زِلْتُ أحتفظُ بتلكم الورقة المخطوطة عندي, وأَعُدُّها مِنْ مِنَنِ اللهِ تعالى عَلَيَّ, وقد حَوَتْ علمًا غزيرًا, وأَبَانتْ عن فضلٍ للشيخ كبير, وتواضعٍ جمٍّ, وتحقيقٍ وتدقيقٍ , مع التَّحَلِّي بالإنصاف, ومعرفةِ الفضلِ لأهل الفضل, وقدْ فَهِمْتُ من الشيخ أَوَّلاً أنه لم يكن يعرفُ الشيخَ الناظمَ؛ صاحب الأبيات!من ذي قبل.


وها هي صورةٌ عن الجوابِ المكتوبِ بخطِّ الشيخِ عن النسخة التي استلَمْتُهَا مِنْ يَدِهِ, أنشرُها اليومَ على الإخوة-بعدَ أنْ طالَ حبْسُها- ليستفيدُوا منها, ويَكْتَحِلُوا بما فيها من عِلْمٍ وتحقيقٍ فيهِ:

http://www.ilmmasabih.com/images/img0454.jpg

http://www.ilmmasabih.com/images/watheqa.jpg


ـ ولتمامِ الفائدة, هاتان ترجمتان للشيخ أنقلُهما من (بعض) (المواقع):

أ ـ [هذه ترجمة موجزة لعبد الرحمن بن عوف كوني ... كتبها عن نَفْسِهِ صاحبُ الترجمة وقد طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ:
أنا (ابن عوف عمر كوني)، اسم والدي عمر، ولقب القبيلة كوني، ولذا تجد الاسم كاملاً في الأوراق الرسمية كذلك. واشتهرت من بعد بعبد الرحمن بن عوف كوني، وبيانه أن الوالد رحمه الله تعالى سمَّاني بابن عوف ليكون نصاً في قصد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف الزهري العربي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، فهو علم مركبٌ تركيبَ إضافة، على حد قول ابن مالك في الخلاصة:
وشاع في الأعلام ذو الإضافة •• كعبد شمس وأبي قحافة
والمركب الإضافي - كابن عباس وابن عمر - إنما يكون علماً بالغلبة عند النحاة، لا بالنقل والارتجال كما ذكره الدماميني، وذهب بعضهم إلى أنه غير علم، وإنما أجري مجراه، وهو اختيار ابن عصفور.
بوركينايِِيُّ الأب، ماليُّ الأم.
بدأت طلب العلم في بوركينا - فاسو (فُلتا العليا سابقاً) في مدرسة أهلية بـ(بوبو) وأنا في السادس من عمري، فجودت القرآن قراءةً وتعلمت مبادئ العلوم فيها، ثم انتقلت إلى مالي بلد أخوالي فقرأت على أحد العلماء واسمه (أبوبكر دَنْبَ واقِي)، وكان بصيراً بالفقه المالكي، ذا مشاركة جيدة في غيره من العلوم المعروفة هناك، أخذ العلم عن شيخه الذي كان مفتي مالي وشرق موريتانيا في وقته، وقد توفيا جميعاً؛ أما شيخي فتوفي في مالي( )، وأما شيخه ففي الجزائر عند عودته من الحج عام 1366هـ( )، وقد نزل بالجزائر لملاقاة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكانت بينهما مراسلات قبل حجه، فوافته المنية هنالك وقد رثاه تلميذه شيخنا (دَنْبَ) مشيرا إلى ذلك منها:
فإن تذكرتُ نأيَ الشيخ أحزنني •• وفوزُه بالمنى في الله أفرحني
وموتُ غربته إن كان أقلقني •• ففي الشهادة إيمان يسكنني
من بعد ما فاز بالبيت العتيق له ••عتقاً مبيناً وتطهيراً من الدرن
فقرأت على هذا الشيخ عدة كتب منها:
1- منظومة أحمد بن أبي قفّة. في أدلة مذهب مالك مع شرحه لمحمد يحيى الولاتي الشنقيطي.
2- والمجاز الواضح إلى قواعد المذهب الراجح. وشرحه الدليل الماهر الناصح على المجاز الواضح.
3- وتحفة الحكام في نكت العقود والأحكام( )، لأبي بكر الغرناطي الأندلسي المالكي.
4- دليل القائد لكشف أسرار صفات الواحد.
وبقيت عنده حتى جاءتنا فتوى من المدينة المنورة للشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي صاحب أضواء البيان - رحمه الله تعالى - في جواز الصلاة في الطائرة على مذهب مالك( )، وكثير من متأخري فقهاء المالكية لا يرون صحتها فيها لعدم اتصالها بالأرض كما قال خليل : "والصلاة على الأرض أو متصل بها". ولما وقف شيخنا على الفتوى قال لنا: "هذه الفتوى غاية في موضوعها، والذي أفتى بها أهلٌ لأن يؤخذ عنه العلم". قال هذا ولم ير الأمين.
فتعلق حب الالتحاق - بقلبي – بالشيخ الأمين لأقرأ عليه؛ فيسر الله ذلك عن طريق الجامعة الإسلامية، ولم تكن رغبتي فيها ابتداءً، إلا أنها حققت لي أمنية كان من الصعب أن أظفر بها في إبَّانها لولا الله ثم هي، لأني أتيت بمنحتها الدراسية النظامية( ). فبعد وصولي ذهبت فوراً إلى الأمين في باب الكومة، وتعرفت عليه وكانت معي نسخة من هذه الفتوى اصطحبتها من البلاد، استوضحت منه أشياء فيها؛ كمسألة السبر والتقسيم في أصول الفقه التي بنى عليها الفتوى فسر بذلك، وكان مما قال لي – رحمه الله – اجتهد يا بني فإن في بلادكم الفقر، فقر العلم والكتب.
وكنت قبل المجيء إلى المدينة أرسل يدي في الصلاة قائماً، فلما رأيت الأمين يقبض يده قبضت، فسألته عن الصحيح في المذهب في هذه المسألة؛ فقال لي: "يا ابني اقبض، الصحيح هو وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة في مذهب مالك، إلا أن المتأخرين عملوا برواية ابن القاسم فيها" وذكر لي أشياء في المسألة اطمأننت بها قابضاً. وكنت قد أتيت برسالتين في الموضوع لشيخي في مالي، إحداهما: معيار العدل بأدلة القبض في الصلاة والسدل، وثانيتهما: تكملة معيار العدل بعلل أحاديث القبض لدى أهل النقل؛ فعرضت على الأمين أن يقرأهما ويبدي لي رأيه فيهما ، فرفض قائلاً لا وقت عندي لذلك وما قلته لك يكفي وأنا أعرِف ما ذا سيقول في رسالتيه !، فذهبت إلى الشيخ حماد الأنصاري في حي البساطيّة – رحمه الله – فعرفته بنفسي وبلدي فاستأنس بذلك وانشرح، ثم عرضت عليه ما كنت عرضته على الأمين من قراءة الرسالتين وإبداء الرأي فقبل مني ذلك، وبعد قراءتها قال لي: "احرقهما"! وما زاد على ذلك، فكان وقع هذه الكلمة علي منه في إبَّانها كاللذعة بالميسم!. ثم انصرفت عنه على مضض. وبعد عشر سنوات من قول الشيخ حماد هذا اطلعت بنفسي على سرّ ومنشأ هذا القول وذلك بحصولي على رسالة في الموضوع لأحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي الغماري أسماها: "المثنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من الأحاديث والأثار"، يرد بها على رسالة لمحمد الخضر بن مايأبى الجكني الشنقيطي بعنوان: "إبرام النقض في أرجحية السدل على القبض" تأكدت من أن شيخنا في مالي قد اعتمد على رسالة الخضر هذه بعد قراءتها، إذ الغماري يورد عبارات الشنقيطي فقرة فقرة ثم يرد عليها إلى آخرها.
فلما كان جل قصدي في الإتيان إلى المدينة هو طلب العلم على الأمين فقد جعلت داره طيّتي بعد وصولي وتعرفي عليه، أرتادها كلما سنحت لي فرصة مع الانتظام في دراسة الجامعة – جزى الله القائمين عليها خيراً – فحضرت دروسه في التفسير في المسجد النبوي( )، ودروساً خاصة في مراقي السعود في البيت، وسألته عن مسائل كثيرة في الفقه، والنحو، والصرف، والمنطق، والبلاغة، والعقيدة، كما استفدت من أجوبته الكثيرة لطلبةٍ في فنون غير هذه قد دونت بعضها على أوراق. حتى توفي عام 1393هـ .
ثم لازمت بعده محمد المختار بن أحمد مزيد الجكني الشنقيطي عشر سنين، حضرت دروسه الجفلى في المسجد النبوي في كتب السنة، وقرأت عليه بعضاً من مختصر خليل، وقرأت عليه كتاب "طلعة الأنوار" في مصطلح الحديث، والسيرة النبوية في "البداية والنهاية" لابن كثير، وبعضاً من شرح الأشموني على الخلاصة. وحضرت دروسه في "سنن أبي داود" التي كان يلقيها في مسجد قباء مساء الخميس، وقد سكنت في رباط – أي: وقف – للشيخ المحسن عبد الحميد عباس بجنب مسجد قباء آنذاك( )، طلبه لي المختار. وبقيت على ملازمته حتى توفي عام 1405هـ رحمه الله تعالى. وكان شهماً ظريفاً عزيز النفس شديد الفراسة إذا داخلته لا تجد أحسن منه خلقاً تهابه دون مداخلةٍ وقد سمعته يقول: ما صافحت أميراً قط.
وبعده في عام 1407هـ بدأت ملازمة الشيخ الحافظ الكبير المتبحر في علوم العربية بل وفي جل علوم الشرع مع زهدٍ وتقشفٍ وفراغٍ من الدنيا إلا العلم فهو ابن بجدته والقادح بزناد ناره إذا كبت الأزند = شيخنا أحمد محمد حامد الحسني الشنقيطي – حفظه الله - .
وصادف بدء ملازمتي له وقت مزايلتي لدراسة الجامعة النظامية عام 1407هـ، وكان مرابطاً متفرغاً لنشر العلم على الطريقة التي جاء بها من بلاد شنقيط لم يتقيد بوظيفة حكومية بل كان أبعد الناس عنها، بخلاف الشيخين قبله: المختار والأمين – رحمهما الله وحفظه - .
فلازمته من ذلك التاريخ المومى إليه أعلاه إلى الآن، قرأت عليه "طرة لامية الأفعال" للحسن بن زين القونانيّ الشنقيطي، و"الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة" وهو المشهور بـ"طرة الاحمرار" للمختار ابن بونه الجكني الشنقيطي، وهو في ألفي بيت في النحو والصرف. و"الإعلام بمثلث الكلام" لابن مالك، و"المقصور والممدود" له.
واستمعت إلى إقرائه لكتاب"ضياء التأويل لمعاني التنزيل" لابن فودي في التفسير إلاّ قليلاً فاتني، و"مختصر خليل" في الفقه المالكي ولا زلت أقرأ فيه ولكونه آية وأعجوبة في الفقه فقد قيدت عنه عند قراءة الكتابين - "الاحمرار" و"مختصر خليل" - أنظاماً كثيرة جداً في مسائل الفنين والفنون الأخرى التي لها صلة بهما.
فهؤلاء هم شيوخ الملازمة، أما غيرهم من أهل العلم الذين حضرت بعض دروسهم:
فالشيخ الألباني، أدركته في العام الذي فارق فيه الجامعة، وحضرت بعض مجالسه العامة.
والشيخ عبد العزيز بن باز، حضرت بعض دروسه في "كتاب التوحيد".
والشيخ حماد الأنصاري في بعض دروس "سنن الترمذي".
والشيخ عبد القادر شيبة الحمد في دروس التفسير.
والشيخ عطية محمد سالم في دروس "الموطأ".
والشيخ الدكتور محمد أمين المصري( ) في تفسير سورة الأنفال.
أما الكتب التي يقرؤها عليّ إخواني طلبة العلم فقسمان:
قسم تتكرر قراءته، وقسم ليس كذلك؛ فهذا الأخير لا نتعرض لذكره لعدم انحصاره بما يتناسب والمقام.
أما القسم الأول فهي هذه الكتب:
متن الآجرومية، ونظماه للعمريطي والشنقيطي ، ومتممة الآجرومية للحطاب، وملحة الإعراب للحريري، وقطر الندى وبل الصدى، وشذور الذهب لابن هشام، وشرحا الألفية لابني عقيل وهشام، ولامية الأفعال مع طرة الحسن، ومذكرة أصول الفقه شرح شيخنا على روضة الناظر، وميزان الذهب في صناعة شعر العرب، والتحفة السنية شرح الآجرومية.
والإخوان الذين يقرؤون على قسمين: قسم يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره يريد العلم، وقسم نظاميٌّ يقرأ المقرر فقط من بعض الكتب المذكورة للنجاح في الاختبارات، وتوجد من النظاميين قلة تقرأ كتاباً مختصراً في مبادئ العربية من أوله إلى آخره للتقوي في الفن. كما يوجد من مدرسي المدارس النظامية من يقرأ متناً كالقطر أو الألفية حباً للعلم والتقوي.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

كتبه فقير عفو ربه ولطفه:
عبد الرحمن بن عوف كوني
صبيحة يوم السبت ثلاثين محرم سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وألف، بباب العوالي – المدينة المنورة.]انتهى النقلُ الأوَّل,

ب ـ [ترجَمةٌ مُختَصرةٌ للشَّيخ اللغوي عبدالرحمن بن عوف كوني - حفظه الله-ِ
هو الشيخ اللغوي النحوي الفاضل، من بقايا علماء اللسان، صاحب الأخلاق الدمثة، والأريحية الأبويَّة، الفقيه المالكي، عَلَم الحجاز المرفوع، والمدرِّس المسدَّد، مخرِّج الأجيال، نزيل مدينة رسول الله(صلى الله عليه وسلم).

اسمه: ابن عوف كوني . واشتهر بالمشرق باسم عبد الرحمن بن عوف لأنه تمام اسمه المركب؛ لتيمُّن أبيه باسم الصحابي الجليل(عبد الرحمن بن عوف الزُّهري) حينما سمَّاه.

مولده : ولد -حفظه الله- في سنة 1371للهجرة ، في بلد :( بوركينا فاسو) الإفريقية .

وذلك في قرية اسمها : (هُـنْدِي).

قبيلته: ينتمي -حفظه الله- إلى قبيلة :(كــُوِن)-بالكاف المعقودة المضمومة ثم الواو المكسورة- وهي تستوطن محلة :(بَنْفُــورَا)، هذه قبيلة أبيه رحمه الله.

أما أخواله فمن بلد :(مالـي ) الأفريقية من قرية اسمها : (فَنْسُـكُـو)، من ضواحي مدينة (سيقو).

نشأته وبداية تحصيله العلمي: لقد كان أبوه تاجراً مشتغلاً بتربية المواشي -خاصة الأبقار-معدوداً من ذوي اليسار والسعة، انتقل بابنه إلى :(بـوبـو) وأقام فيها ؛ ولمحبة أبيه للعلم وأهله وكثرة مجالسته لهم قام بتوجيه ابنه (الشيخ ابن عوف) إلى الكتَّاب منذ الصغر.

لقد أرسل الأب ذو الديانة ابنَهُ إلى مدرسة أحد مشاهير أئمة المساجد الجوامع في وقته بتلك الناحية، وهو الإمام (بـَامُـيْ).

وكان له من العمر حينها ستُّ سنوات، إلا أنه لم يلبث فيها طويلاً حتى انتقل إلى مدرسة أخرى :(مدرسة السـلام)؛ لقربها من دار سكناه، وكانت المدرسة تُدار من قبل الحاج (محمود يوسف سانقو)-رحمه الله-وعنه تلقى الكثير من بداياته المعرفية.

مكث في هذه المدرسة مدَّةً طويلة، قرأ فيها مبادئ العلوم الشرعية الشهيرة بتلك الديار من المتون اللغوية أو الفقهية وما شاكلها على يد ذلك المدير:
- متن الأخضري الفقهي.
- متن العشماوية .
- المقدمة العزيـَّة .
- الرسالة لابن أبي زيد القيرواني.
- مقامات الحريري ونحوها من المتون.

ويتخلَّل الدراسة قصُّ مشاهدات المدير (سانقو) لطلابه ما رآهُ أثناء رحلته العلمية إلى دولة (مالي)، وخاصةً أخبار أكبر شخصية علمية عُرفت هناك، تُملأ منها العينُ ديانةً ومكانة.

وهو فضيلة الشيخ (أبوبكر دِنْـبا واقِي)-رحمه الله -من قبيلة :(مـَرَكَ)، كان أحسنَ طلبة العلامة الشيخ (محمد المُـرُجـِيِّ)الذي تلقَّى العلم عن الشيخ(محمد يحى الولاتي الحوضي الشنقيطي)، فأثار ذلك شوقاً في نفس (الشيخ ابن عوف) إلى الرحلة في الطلب مما كان له الأثر البالغ في حياته المستقبلية .

رحلاته العلمية: وعند إشرافه على إنهاء مرحلة الدراسة المدرسية، رغب في السفر لطلب العلم قاصداً الشيخ (دنـْبا) في دولة (مالي) .
فطلب الإذن من والده في الذهاب، على أن يلتحق ببلد أخواله هناك ليطلب العلم الشرعي عند الشيخ، فلم يبدِ أبوه ممانعةً من ذلك، واستجاب له بتزويده ببُلغة من المال.

ولما بلغ الشيخَ قرأ عليه عدة كتب، منها:
-دليل القائد.
-نظم أصول مذهب مالك لابن أبي كف المحجوبي.
-شرحه إيصال السالك للولاتي.
-بعضاً من تحفة الحكَّام لابن عاصم.
-الدليل الماهر الناصح للولاتي.

ولما رأى الشيخ جدَّه وحرصه أحلَّه محلَّ الولد، وذلك من إحسان (الشيخ دنبا) واحتفائه بتلميذه، فلم يضيع (الشيخ ابن عوف) الفرصة فاسنتسخ لنفسه من فتاواه في فقه مذهب مالك شيئاً كثيراً.

كـ(فتح الصمد بما في ساعة اليد) و(معيار العدل بأدلة القبض في الصلاة والسدل).

وفي أحيان أُخر كان ينسخ للشيخ بأمرٍ منه ما يفتي به من نوازل، وقد اختصه بهذه الوظيفة ثقةً منه، عليه من الله الرحمة.

وفي المقابل كان (الشيخ ابن عوف) يصفه :"بأنه أنبلُ مَنْ أخذ عنه في تلك البلاد"، وكان لا يقدِّم عليه أحداً.

وأقام على ذلك حتى بلغت ديارهم فتوىً للشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد المختار اليعقوبي الجكني الشنقيطي(صاحب أضواء البيان) من الحجاز، فحدَّثته نفسُهُ بالرحلة إليه.

واتفق أن باب التسجيل كان مفتوحاً للالتحاق بالجامعة الإسلامية فسجَّل فيها، وتم قبوله سنة1390 للهجرة.

ولازم دروس التفسير للشيخ الأمين بالمسجد النبوي، وشيئاً من دروس مراقي السعود ببيته إلى أن توفاه الله تعالى، وقد استفاد منه لمدة ثلاث سنوات، عليه رحمة الله.

ولازم بعده فضيلة الشيخ محمد المختار بن أحمد مزيد الجكني الشنقيطي -رحمه الله-لمدة عشر سنين، قرأ عليه كتباً عدة :
- جامع الترمذي (كاملاً).
- موطأ الإمام مالك .
- أجزاء من البخاري.
- أجزاء من مسلم .
- بعضاً من ابن ماجه.
- وبعضاً من الترغيب والترهيب للمنذري.
- وطلعة الأنوار في المصطلح، ونزراً من علم الرجال.
- وشيئاً من شرح الأشموني في النحو.
- مختصر خليل بن إسحاق ، وكان آخر ما قرأه عليه في درسٍ خاص، وتوفي(الشيخ المختار)في سنة 1405 -رحمه الله-وقد بقي عليه ثلاثة أبواب من الكتاب لم تُستكمل.

وقبل وفاة المختار أتى إلى المدينة عالمٌ من شنقيط اسمه : أحمدُّو بن محمدُّو حامد الحسني الشنقيطي ، فشرع في ملازمة درسه سنة 1407 ، وقد تفرَّغ للأخذ عنه لأكثر من اثنتي عشرة سنة، فقرأ :
-لامية الأفعال باحمرار وطرة ابن زين.
-الجامع بين التسهيل والخلاصة لابن بونه.
-مختصر خليل بن إسحاق.
إلى غير ذلك من الدروس التي لم يبلغنا خبرها.

مؤلفاته: لا يُعرف للشيخ مؤلفات مطبوعة ،ولقد كان مصروف الهمِّ عن التصنيف-لا عن عجزٍ أو كسل -، مهتماً بالاستزادة في التحصيل والطلب، وأغلب كتاباته على شكل حواشٍ على كتب مكتبته الخاصة، وقد نشط فضيلته إلى جمع ما تفرَّق من أمالي شيوخه في العلوم وجمعها في أسفار مفردة ولم يتم العمل فيها بعدُ.

ولا يحضرني شيءٌ من أسمائها الآن .

ولا يزال الشيخ ابن عوف-حفظه الله- باذلاً وقته وجهده لإخوانه من طلبة العلم، يدرِّس العلوم في أغلب أوقات يومه لا فرق بين نهارٍ وليل، وذلك على مدار السنة في بيته بالمدينة النبوية، وهو مقيمٌ بحسب نظام الدولة بغيةَ طلب العلم وتعليمه.

جزاه الله خيراً، ونفع به.]انتهى النقلُ.

ـ وللتعرُّفِ على سلفيَّةِ الشيخ, ومعرفتِهِ الفضلَ لأهلِهِ, أنقلُ (تقريظهُ), لديوان الشعر, الذي نشرهُ (حسَّانُ الدعوة السلفيَّة):(أبو رواحة الْمُورِي اليَمَانِي السَّلَفِي)(حفظه الله تعالى), الموسوم بـ: (النهر العريض في الذَّبِّ عن أهل السُّنَّةِ بالقريض)[ط.دار الآثار-صنعاء/الطبعة الأولى:1421هـ-2000م], وهو ضمن تقاريظ لجمع من أهل العلم والفضل, وها هو بِنَصِّهِ:

[تقريظُ العلاَّمَة اللُّغوي عبد الرحمن بن عوف كوني:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين:
أمَّا بَعْدَ: حمدِك اللهم حمدَ من أطال التأمُّل في لسان أَسَلْتَ على أَسَلَتِهِ شعاع العقل, وآثَرتَ بيانه بأسنى مراتب الفضل, وأنزلتَ به كتابكَ ذا القول الفصل, في كل شيءٍ دقَّ أو جلَّ, فطوبى لمن به اهتدى وتمسكْ, وبمعرفة لغته العظيمة الشأن توسل وتنسكْ, فيقول الفقير إلى لطف الله وعونه عبد الرحمن بن عوف كوني: إن الأخ في الله أبا رواحة قد وافاني من اليمن بديوان شعر يحتوي على إضمامةٍ( ) من قصائدَ هو ناسج أبرادِهَا.

وقد جاراني-وفقني الله وإياه لما يحبه ويرضاه-أمرَ قراءته عليَّ طمعًا منه ورَوْمًا أن يحظى ويظفر مني بما يقوِّم منه ما اعوجَّ, أو يرسي قواعد ما ارتجَّ, حسنَ ظنٍّ منه بي, فقَدَرْتُ ذلك منه بثمن القبول لمرامه, وإن لم أكن من فرسان إحكامه, فوجدته:
أ ـ من جهة معناه ومرماه شعرًا ينافح بالصفيح الأملج, والدليل الأبلج, عن طريقة الرسل وأتباعهم القويمة في الدعوة إلى الله والتعبد على شرعه من لدن العبد الصالح نوحٍ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام, إلى عهد خاتم الرسل والأنبياء محمدٍ صلى الله عليه وسلم ماضيًا في ذلك إلى عصرنا الحاضر.
تلك الطريقة التي درَجَ عليها أسلافنا رضوان الله عليهم يرومها صافيةً من كَدَر الدخيل, المتجافي عن صحيح الدليل, ذلك الدخيل الذي أسَفَّ بالمسلمين في العصور المتأخرة إلى الحضيض, وهو الأمر الذي كان يحذّرنا منه رسولنا(صلى الله عليه وسلم) بالعض على السنة بالنواجذ.

ب ـ ولم أُلْفِ من جهةِ نسج لفظه ما يخدِشُ وجهَ اللغة والأدب إلا ضروراتٍ يُغتَفَرُ للشاعر ارتكابُها, وإلا تبايُنًا لبعض القصائد عن بعض في القوة من جرَّاء طول الدُّربَة والمِرَان في قرض الشعر.
فهو شعر حاوٍ مقوِّمات الشعر إذ الشعر كما قال القائل:
والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفةً ••• أو حكمةً فهو تقطيع وأوزانُ
فمحتواه من أعلى أنواع الحكم, إذ هو بيان للطريقة المومى إليها, وإشادة برجالها السالكين فيما مضى من الزمن وما حضر, وتلك هي الحكمة كما قال بعض العلماء:
العلم بالأحكام حيث شملا•••معرفةَ الإله جل وعلا
معَ نفوذٍ لبصيرةٍ ومعْ ••• تَهذيب نفسٍ ولتحقيقٍ تَبعْ
حدٌ لحكمةٍ على ما يُرتضى•••وقال في التعريف بعض من مضى
فكل كِلْمةٍ لعبدٍ زجرت•••أو وَعَظَتْ أو عن قبيحٍ قد نَهت
أو إن دعته لاكتساب مكرُمة•••حدٌّ لها لقول هادي الأمة ( )

فالباحث عن المنهاج الصحيح في السلوك إلى الله يجد خطوطَه العريضةَ مرسومةً في هذا الديوان.

ولولا خصالٌ سنَّها الشعر ما درى•••بغاةُ العُلا من أين تؤتى المكارم

وليس هذا الصنيع غريبًا من شاعرنا وهو من اليمن, فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان يمان والحكمة يمانية). فهاهو الشيخ الوادعي في هذا العصر يقوم بالدعوة إلى الله على ذلك المنهاج في ذلك القطر, وها هو تلميذه أبو رواحة الشاعر يقفو أثره بِهذه القصائد, فحق أن نتمثل بِهذين البيتين شوقًا إلى محاسن أهل اليمن:
يا حبذا جبلُ الريَّان من جبلٍ•••وحبذا ساكنُ الريان من كانا
وحبذا نفحات من يمانية•••تأتيك من قِبَل الريان أحيانا ( )

كتبه عبد الرحمن بن عوف كوني 12/8/1421هـ
8/نوفمبر/2000م الأربعاء في جزع الصدقة ـ المدينة المنورة.]اهـ.