المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إجابة السائل العابد عن حكم تخطي المساجد



أبو بكر يوسف لعويسي
09-Mar-2015, 08:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ب العالمين القائل في محكم التنزيل :{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }(18) التوبة .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل :<< سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ :....وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ...>> البخاري(660) ومسلم (1031).وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
السؤال : ما حكم تخطي مسجد الحي إلى مسجد آخر حيث تطمئن نفسي هناك لأن فيه قارئ أحسن من إمام حينا ، وإمام سني أعلم اتعظ وانتفع بخطبه ودروسه ؟؟
الجواب :
اعلم - رحمك الله - أن العلماء اختلفوا في حكم تخطي المسجد القريب إلى غيره ، واختلافهم هذا مبني على صحة حديث في الباب أو ضعفه ، فمن صححه منع من ذلك واستثنى بعض الصور ، ومن ضعفه أجاز ذلك واستنثى بعض الحالات .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليصلي الرجلُ في المسجدِ الذي يليه ولا يَتَّبَّع المساجد".
فهذا الحديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه ، والذي يترجح أنه ضعيف لأنه لم يروه أحد من أصحاب كتب الحديث المعروفة وهي البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك في الموطأ وأحمد في المسند والدارمي مسنده وابن خزيمة في صحيحه ، والدارقطني في سننه ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وعبد الرزاق في مصنفه ، وابن أبي شيبة في مصنفه وغيرهم لأنه لم يصح عندهم ولم يكن من قبيل المقبول ، فلو كان محفوظا لما تركه على الأقل بعضهم .
وقد أخرج بعض من ذكرت أحاديث ضعيفة ، وهؤلاء هم أئمة الحديث الكبار ، وإنما رواه ابن عدي في كتابه الضعفاء وأشار إلى ضعفه ، كما رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقد حكم العلماء على هذه الطريق بأن فيها عباد بن زياد صدوق فيه كلام ، وله أحاديث مناكير في الفضائل كما قال ابن عدي ، وهو من رؤساء الشيعة ،وقد تفرد بهذا الحديث عن زهير بن معاوية ..
أضف إلى ذلك أن الحديث فيه شيخ الطبراني ابن نصر الترمذي ( ثقة اختلط اختلاطا عظيما) لذلك لم يقبل العلماء تصحيح الشيخ الألباني رحمه الله - لهذا الحديث لهذه العلل.
1 - أنه ما أخرجه أحد من أئمة الحديث الثقات .
2- فيه عباد بن زياد له أحاديث مناكير ، واتهمه بعضهم بالكذب ، ووصفوه بأنه من رؤساء الشيعة ..
3- تفرده به عن زهير بن معاوية ، وقد روى عن زهير خلق كثير ولم يشارك أحد منهم عباد بن زياد روايته هذا الحديث .
4- شيخ الطبراني اختلط اختلاطا عظيما ..
هذا من الناحية الحديثية ، فالحديث على القول الراجح أنه لا يصح ، وعلى فرض صحته يحمل على تعطيل الجماعة والجمعة بهجر المسجد أو إحداث فتنة بتفريق المسلمين وإهانة أئمة العلم والسنة .
ولم أر أحدا من أهل العلم – في حدود علمي - منع التخطي مطلقا دون استثناءات حتى من صحح الحديث ، فهذه فتوى للشيخ محمد علي فركوس - حفظه الله - لكل خير فصل فيها فقال .تتبع المساجد وتخطي المساجد المجاورة ورد فيها حديث قد اختلف في تصحيحه وتضعيفه " والأصل أنّ تخطّي المساجد منهيّ عليه بنصّ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرفوعا ً :<< ليصلّ أحدكم في مسجده ولا يتتبّع المساجد >> وفي رواية <<ولا يتبع المساجد >> السلسلة (2200).
ولأنّ التخطّي إلى مسجد آخر يُحدث إيحاشا في صدر الإمام كما علّله أهل الفقه لكن استُثني من هذا النص ما إذا كان الإمام يلحن في قراءته ويُخطئ فيها أو يعلن بفجوره أو رُمي ببدعة وغيرها من العيوب القادحة ؛ فقد أجاز أهل العلم الانتقال إلى غيره كما صرّح بذلك ابن قيّم الجوزية في "اعلام الموقعين(3/148).
ويجوز الانتقال أيضا لمصلحة وجدت في المسجد الذي تُخطي إليه كترقب حلقة علمية أو لقاء أو زيارة اقترنت بموعد الصلاة في ذلك المسجد وتدخل هذه وما في معناها ضمن هذه المستثنيات "فرائد القواعد لحل معقد المساجد (ص50). انتهى كلامه .
وهذا كلام ابن القيم بلفظه من المكان المشار إليه : الوجه الرابع والخمسون : أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :<< ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره >> وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام وإن كان الإمام لا يُتم الصلاة أو يُرمي ببدعة أو يعلن بفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره .انتهى كلامه .
فأنت ترى أن ابن القيم علل النهي بأنه من أجل هجر المجسد يعني أن تعطل الجماعة والجمعة فيه ، أما إذا كانت الصلاة تقام فيه ، والجمعة كذلك فلا حرج في التخطي ، وخاصة إذا كان في ذلك المسجد المُتخطى إمام لا يحسن القراءة أو رمي ببدعة أو يعلن بالفجور فلا حرج حينئذ بل قد يستحب إذا كان في حضورك تكثير لسواد أهل البدع ، كأن يكون المسجد يسيطر عليه الطرقيون والقبوريون ، أو التكفيريون أو الأشاعرة ، أو الإخوان المفلسين .
وهذه فتاوى العلماء زيادة على فتوى الشيخ محمد علي فركوس .فتوى الإمام ابن باز عليه الرحمة والرضوان .
يقول السائل:أحسن الله إليكم؛ بعض المسلمين يتتبعون القراءات الحسنة والصوت الجميل، ويتركون المساجد القريبة من سكنهم بحجة أنهم لا يرتاحون أو لا يكمل خشوعهم في الصلاة وراء هؤلاء الأئمة، ما ترون في ذلك؟ وما هو الأفضل بالنسبة للسنة؟
فأجاب سماحة الشيخ -رحمه الله-: الأظهر والله أعلم أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه،لأن ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده الذهاب إلى صوت فلان أو فلان قصده الرغبة في الخير وكمال الخشوع في صلاته فلا حرج في ذلك، بل قد .. على هذا ويؤجر، على حسب نيته.
والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام، ((كلمة غير مفهومة ...لأن الصوت غير واضح))الفرق بين القراءتين والصلاتين، فإذا قصد في ذهابه إلى مسجد بعيد أن يستمع إلى قراءته وأن يخشع لحسن صوته، وأن يستفيد من ذلك ويخشع في الصلاة، لا لمجرد الهوى والتجول، لا؛ بل لقصد الفائدة وقصد العلم وقصد الخشوع في الصلاة، ثم في الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِيالصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ..)) فإذا كان قصده أيضاً الخطوات فهذا أيضاً مقصد صالح.
يستفسر السائل قائلاً:بعض الشباب ـ جزاهم الله خيراً ـ لا يستَقِرون في مسجد واحد، فكل يوم يذهب إلى مسجد؛ لأنه يرى أن هذا الإمام صوته جيد وقراءته مؤثرة، ففي كل ليلة أو في كل يوم وراء آخر يصلي في مسجد جديد، هل هذا أيضاً مناسب ؟
يوضح الشيخ قائلاً : لا أعلم في هذا بأساً، وإن كنت أميل إلى أنه يلزم المسجدالذي يطمئن قلبه فيه ويخشع فيه، لأنه قد يذهب إلى المسجد الآخر لا يحصل له فيه ماحصل له في المسجد الأول من الخشوع والطمأنينة، فأنا أرجح أنه حسب القواعد الشرعية أنه إذا وجد إماماً يطمئن إليه ويخشع في صلاته وقراءته أنه يلزم ذلك، أو يكثر من ذلك معه، والأمر لا حرج فيه بحمد الله، الأمر واسع لو انتقل إلى إمام آخر، ما نعلم فيه بأساً إذا كان قصده خير، وليس قصده شيئاً آخر من رياء أو غيره ، لكن الأقرب من حيث القواعد الشرعية أنه يلزم المسجد الذي فيه خشوع وطمأنينة وحسن قراءة، أو فيه تكثير المصلين بأسبابه، إذا صلى فيه كثر المصلون بأسبابه، يتأسون به، أو لأنه يفيدهم ويذكرهم بعض الأحيان، أو يلقي عليهم درساً، يعني يحصل لهم الفائدة، فإذا كان هكذا فكونه في هذا المسجد الذي فيه الفائدة منه ومن غيره، أوكونه أقرب إلى خشوع قلبه وطمأنينته كل هذا مطلوب.
تم تفريغه من شريط : "الجواب الصريح لأسئلة التراويح للشيخ ابن باز رحمه الله..تسجيلات التقوى بالرياض .
وهذه فتوى الشيخ ابن عثيمين في المجموع (14-164) هذا الحديث فيما أعرفه مختلف في صحته وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بل كان معاذ - رضي الله عنه - يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم مع تأخر الزمن وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها.
والخلاف فيها سهل أيضاً ، ما لم يتخذ تخطي المساجد تفرقة بين المسلمين ، وإعلان التحزب والشتات ، والتخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المساجد المجاورة التي تنتشر فيها الجهل والبدع ، فيحرم التحول عنها لهذه الأمور!انتهى كلامه .
تنبيه : إذا كان المسجد المتخطى إليه بعيدا بمقدار مسافة السفر المعتبرة شرعا فإنه لا يجوز التخطي في هذه الحالة لأنه يعتبر شد للرحال ، وشد الرحال لا يجوز إلا لثلاثة مساجد ، اللهم إلا أن يكون المسجد البعيد فيه مدرسة أو مهدا وتقام فيه حلقات العلم فهو يشد رحاله للعلم لا للمسجد فهذا جائز ولا حرج على فاعله البتة فالرحلة في الطلبة من سنة السلف .
متى يمنع التخطي من مسجد الحي إلى آخر .
1 – إذا كان الإمام سني ، لم يرم ببدعة - ولا يجاهر بفسوق أو فجور ..
2- إذا كان الإمام - أقرأ القوم - ولا يكثر اللحن في قراءته وكان صوته واضحا حسنا وقراءته صحيحة .
3- إذا كان القصد من التخطي تعطيل الجماعة والجمعة وهجر المسجد ..
4- إذا كان القصد إهانة الإمام السني السلفي المقرئ وتفريق جماعة الحي عنه ..
5- إذا كان المسجد عتيقا أقدم من غيره ، وهذا مع الشروط السابقة ..
6- إذا كان المسجد كثرة المصلين وغيره قليل المصلين ، وهذا مع الشروط السابقة .
7- إذا كان المسجد يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ...
8- إذا كان المسجد يعلم فيه التوحيد وتقام فيه السنة ويدعى إليها ويحذر فيه من البدع والخرافات والأفكار المنحرفة ..
9- إذا كان الإمام ينشر فيه العلم على جادة السلف الصالح ، وكانت مواعظه مؤثرة نافعة .
فإذا توفرت هذه الأوصاف والضوابط في المسجد والإمام فلا ينبغي تخطي المسجد إلى غيره اللهم إلا لمنفعة أعظم ومصلحة أرجح .
أما إذا لم تتوفر هذه الضوابط والصفات في مسجد الحي وتوفرت في غيره فيجوز تخطي المسجد إليه ، وخاصة إذا كان الإمام مبتدعا أو يقرر البدع ، أو رُمي ببدعة ، أو يجاهر بالفسق أو فجور، أو تقام في مسجده البدع ، وهو مرتع لنشاط الخرافيين والحركيين من أهل الأهواء ، أو كانت أخلاقه سيئة وطباعه غليظة لا يحسن معاملة المصلين ، أو لا يحسن القراءة ويلحن فيها لحنا فاحشا ، وصوته رديء ، ولا يحسن العلم ، ويحارب السنة وأهلها، وكان المسجد المتخطى إليه أعتق منه وأكثر حضورا ، وفيه العلم أكثر والنفع أكثر والمواعظ أبلغ وإمام أحسن قراءة ، يخشع المصلي وراءه ، وتطمئن نفسه أكثر ففي هذه الحالة جاز التخطي بدون تحفظ هذا إذا كان في الحي أكثر من مسجد أو كانت المسجد متقاربة دون مسافة السفر أما إذا كانت المساجد الأخرى بعيدة قدر مسافة السفر فإنه لا يجوز كما هو مفصل أعلاه .
والعلم عند الله تعالى .


وكتب :
أبو بكر يوسف لعويسي

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
17-Apr-2022, 08:48 PM
جزاك الله خير شيخنا الفاضل