أبو بكر يوسف لعويسي
01-May-2015, 10:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله وكماله حتى يحب ربنا ويرضى،والحمد لله بعد الرضا والحمد لله طيبا مباركا فيه، والصلاة والسلام على من اصطفاه ربه وأدبه فأحسن تأديبه وزكاه وطهر نفسه،وعلى آله وصبحه وعلى من اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد :
إنه لمن المؤسف جدا أن تسمع ممن ينتسب لهذه الدعوة المباركة ، ويحسب على العلم والإمامة يتغنى بالوطنية فوق المنبر ، ويقع في شراك من يَستنكرُ عليهم من بعض الساسة وولاة الأمور بمناسبة عيد النصر، أو بمناسبة بعض الخصومات بين أبناء الوطن الواحد ممن يحملون عقائد متناقضة وأفكار متضادة ، فيدعوا للصلح بينهم بناء على أنهم أبناء وطن واحد أبوهم حب الوطن ، وأمهم السيادة الوطنية حتى لو كانوا يحملون عقائد كفرية وينتهجون مناهج ملحدة أو شركية أو يعتنقون أفكارا هدامة يهودية أو نصرانية أو ماسونية ..
وجهل هؤلاء أو تجاهلوا أن الذين يقدسون الوطنية ويتغنون بها ، ويطعنون في كل من لم يوافقهم فيما وقعوا فيه من مكر وكيد وخبث أقطابها هم الأعداء الذين صدّروا لنا هذه المصطلحات التي فرقت المسلمين شذر مدر ، وأصبحت هذه المصطلحات عقائد يوالى ويعادى عليها .. وللأسف الشديد .
إن التغني بحب الوطن ، والقومية العربية، والافتخار بالأمجاد والتأريخ والآثار والبطولات التي لم تكن على الشرع أي بالحق وفي الحق لهي الجاهلية بعينها التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم :<< «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» البخاري (4905)ومسلم (2485).
والعجيب في أن يقع في شراكها بعض إخواننا ممن يحسبون على السلفية إما غفلة منهم أو غيرة على بلادهم أو خوفا عليها من الصقيع (( الربيع) العربي ولم يعلموا أن ذلك من صنوف الغزو الفكري المنظَّم الذي أخذ دعاته على عواتقهم صرف المسلمين عن دينهم وعن التحاكم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وتفريقهم وتشتيتهم إلى دويلات يسهل السطو عليها واستعمارها ، وأنَّ من تَمَسَّك بهذا أي بالتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فهو جاهل متخلف معادٍ للحضارة والتقدم.
يا أخانا والله ما نريد لك إلا الخير ، لقد كانت خطبتك في الجمعة الماضية عن الوطنية وحب الوطن وقد جئت فيها بأمور عظيمة ، وأخطاء جسيمة ومن ذلك التغني بالوطنية ، وحب الوطن والسيادة الوطنية ، ولا نشك أن ذلك صدر منك عن غيرة واندفاع ، ولكن الغيرة وحدها لا تكفي للرد والاستنكار حتى يهذبها العلم ويغذيها الدليل، ولعلك لم تطلع جيدا على هذه المصطلحات اللعينة القبيحة من مثل الوطنية ، والسيادة الوطنية ، والقومية ونشأتها وحقيقتها والمغزى من ورائها ، وهي بلا شك ربيبات الديمقراطية أو نابعة منها ، وكيف حكم عليها علماء المسلمين ؟؟
وإن كان الإسلام لا يمنع المسلمَ حبه لوطنه ؛ لكنه يوجب عليه ملاحظة أمور لا بُدَّ أن تكون في حسبانه ، وأن يلاحظها بدقة فلا يوالي ويعادي من أجل الوطن، والسيادة الوطنية بل يجعل الولاء أولًا لله تعالى؛ عليه يوالي وعليه يعادي ويحب فيه ويبغض فيه .
ثانيا : لا يقدِّم محبة الوطن أو أهل الوطن من كل جنس على محبة الله تعالى ومحبة من يحبه عز وجل..ثالثا : يجب عليه أن لا يكون حب الوطن ينشأ عن عصبية جاهلية أو على طريقة الجاهلين في قوله : (وَمَا أَنا إِلَّا من غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد)
بمعنى الوقوف إلى جانب السيادة الوطنية والوطن سواء كان على حق أو على باطل ظالما أو مظلوما على غير المعنى الشرعي ، ولكن على معنى قول الشاعر الآنف الذكر بحجَّة أن كل مواطن أخاه في الوطن ؛ فيجب نصره بكل حال، بل عليه أن يراعي الأخوة الإسلامية والحب والبغض قبل أخوة الوطن؛فإن أخوة العقيدة أحق وأثبت وأنفع من أخوة الوطن على طريقة خاطئة (حب الوطن من الإيمان ).
وليعلم أن الوطن يجمع أصناف شتى من النّاس فيهم الشيوعي والاشتراكي والنصراني والمسيحي والواقع في الشرك والكفر ، والرافضي الخبيث والخارجي التكفيري والجهمي والقدري والمرجئ والطرقي الغارق في الضلالة وغير ذلك .
رابعا : وليعلم يقينا وأنه لا مجال للشك فيه أن المسلمين ما ضعفوا وما استكانوا إلا يوم أن قدموا الوطنية وافتخر كل أهل وطن بوطنهم، وتناحروا فيما بينهم ، ولم يهتم بعضهم بالبعض الآخر؛ فكان الجميع لُقْمَةً سائغة لأعدائهم؛ فانفردت بعض الدول الكافرة بإذلال أهل كل وطن كما سجله التاريخ وكما هو بعض الوضع الآن، وانتشرت مع الأسف دعوات جاهلية صار يرددها الكبير والصغير والمرأة الرجل، وهو شعار التضحية في سبيل الوطن، أو بذل الدم من أجل تراب الوطن، ونحو ذلك من الكلمات التي أثمرت التخاذل حتَّى عن الدفاع الجادّ عن أوطان المسلمين وأعراضهم نصرة المظلومين وإرجاع الحق لأهله، بعد أن ماتت هممهم وغيرتهم وتوزعتهم وتنازعتهم الأهواء وأثخنت فيهم الدعايات الجاهلية.وأصبحنا نسمع من الشعارات المسلَّمة التي يوالى ويعادى عليها (الشعب مصدر كل سلطة) وأن (السيادة الوطنية ملك للشعب وحده) ! ! والكفاح في سبيل السيادة الوطنية، والاستقلال الذاتي .) وأبعدت نهائيا الشعارات الشرعية وإن كانت لها بقية فهي على استحياء ..
خامسا : أن يعلم أن أعداء الإسلام من الفرنسيين والإيطاليين والأنجليز هم الذين خططوا ودبروا ومكروا وجاءوا يركضون بهذه الشعارات والمبادئ التي ظاهرها الاستقلال والسلم والوحدة والاجتماع وباطنها الكفر والتفرقة وغير ذلك .بل إن دعاة الوطنية لم يقفوا بها عند هذا الحد فقد قدّسوها إلى حد العبادة من دون الله تعالى، وأحلوها محل الدين، وصاروا لا يدعون إلّا إلى تقديسها، ونسيان كل أهل وطن مِمَّن عداهم من أوطان المسلمين الأخرى، ونشأ عن تلك الدعوات الفخر والخيلاء والاستكبار بغير الحق والتعالي والغطرسة الكاذبة. وقد بلغ من تقديس الأوطان عند دعاة الوطنية الجاهلية أن يطلبوا إلى كل شخص أن يقدِّس وطنه على كل الملل والأديان وفي مقدمتها الإسلام ، وأن يضحي بكل ما لديه لوطنه مهما كان وإلا فهو ليس بوطني.
فقال قائلهم : بلادك قدسها على كل ملة ... ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
وقال الآخر : سلام على كفر يوحِّد بيننا ... وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم .
وإذا وصل الإنسان في حب وطنه إلى هذا الحد فماذا سيبقى لحب الله، وللمحبة في الله ما دام حب الوطن هو كل شيء في حياة الإنسان؛ عليه يحيا وعليه يموت وعليه يوالي وعليه يعادي وبه يفاخر، وإياه يقدس إلى حدّ أن الأوطان أصبحت وكأنها أوثان تعبد من دون الله تعالى. وكل صاحب وطن يدَّعي أن وطنه هو أفضل الأوطان، وتربته أفضل تربة، فقد سقيت بدماء شهداء الوطنية ، وأنه وطن معطاء فيه كل خير ، يكفي من تمسك بحبه كل مكروه ، ويفتخر برجاله وبعطائهم اللا محدود -هكذا- في المقابل لا بُدَّ أن يحتقر البلدان الأخرى وجهود الرجال الآخرين وفي مقدمتهم العلماء والوجهاء من بلدان المسلمين ورجالاته في ردِّ فعل سواء شعر بذلك أم لم يشعر به.فلا حرج في دين الوطنية أن يفتخر الشخص برجال وطنه ويقدم حبهم على من سواهم، حتى وإن كان أولئك غير مسلمين، فالوطنية دين الجميع.
ومعلوم أن هذه المبالغة لا يقرها الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى أن ينصهروا كلهم في بوتقة الإسلام وأخوة الإيمان ويدعو أتباعه لأنْ يكونوا في هذه الأرض كأنَّهم جسدا واحدا وفي وطن واحد..
سادسا : يجب أن يعلم أن حب الوطن لا ميزة فيه لأحد على أحد وأنه ليس من لازمه الإيمان فيجب على كل مسلم أن يدافع عن كل شبر من أوطان المسلمين الأقرب ؛ فالأقرب ؛ فكلها وطنا له وليس وطنه فحسب ، وأن يغار عليها حتَّى لو أدَّى ذلك إلى قتله، فإنه يكون شهيدًا مقاتلًا في سبيل الله تعالى، فإنه (( مَنْ لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)) ينسب إلى النبي وهو ضعيف جدا الضعيفة (310-312).
فوطن العاقل هو المكان الذي يتهيأ له فيه عبادة الله تعالى وحده ، ويقوم بشعائر دينه على مراد الله ومراد رسوله في أي مكان من أرض الله الواسعة ويصون نفسه وعقيدته من الانحراف ، آمنًا مطمئنًا على نفسه ودينه وعرضه.كما قال تعالى :{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } (56) العنكبوت .حتى إذا ضاق عليه وطنه فلم يستطع أن يعبد ربه هجر في أرض الله يعبد ربه ويطمئن على دينه ونفسه وماله وعرضه .
قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }(97)سبأ.
وقال ابن الوردي :حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل .
سابعا : وليعلم المسلم العاقل فضلا عن طالب العلم فضلا عن العالم أن الوطنية هي التعصب لتلك الأرض، ويدخل فيها التعصب للساكنين عليها أيضًا من كل جنس وهذا يضيع الولاء والبراء ، والحب والبغض في الله.
ومن هنا نجد أن القومية والوطنية هما رضيعا لبان يمدّ بعضهما بعضًا لتكونا معًا رفادًا من روافد الجاهلية، والنفرة والتنفير عن الدين ، والالتقاء على حب الوطن، بغضِّ النظر عن اختلاف ديانة الموجودين عليها، فالوطنية أمّ الجميع؛ لأن الوطنية توجب أن يتعايش المسلم والنصراني واليهودي والمجوسي والرافضي والإباضي التكفيري وغيرهم على حدٍّ سواء، والقارئ الكريم الذي يقرأ ما يكتبه الوطنيون يجد عباراتهم تتضح تقديسًا وتكريمًا للوطن كما قال شاعرهم:
بلادي هواها في لساني وفي دمي ... يمجِّدها قلبي ويدعو لها فم
ثامنا : إن جمع الناس على الوطنية - بعيدًا عن الدين الإلهي والإيمان الحق - هو ضرب من الخيال الساذج والسراب الكاذب؛ لأن الله - عز وجل- لا يصلح عمل المفسدين، وقد أخبر سبحانه وتعالى أن الألفة بين القلوب أمر بعيد المنال إذا لم يوجد العامل الصحيح في إيجاد ذلك، وقد أمتنَّ الله -عز وجل- على عباده باجتماع كلمتهم على الدين، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 103 آل عمران .
وقال تعالى ممتنًا على نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- بما وصل إليه المؤمنون من تآلف قلوبهم: {إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 62-63 سورة الأنعام .
وأين هذا التآلف العجيب الذي كان أحدهم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، والذي جعل الشخص المسلم يقدِّم نفسه دون أخيه في كل شيء، والذي جعلهم كالجسد الواحد، يتألم كله لأخف ألم عضو منه ، وكالبنيان المرصوص، إذا تصدع شيء منه هرع الجميل لرأب الصدع وصد العدوان عنه .
أين هذا التآلف من دعوى التآلف على الوطنية والسيادة الوطنية القائمة على الجهل والغرور والكبرياء والبغي والظلم والتمييز العنصري والجهوية والمحسوبية وطبقات الشعب بغير الحق وتبادل المنافع؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟. أنظر غير مأمور : المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها .لصاحبه :غالب بن علي عواجي . لتعلم خطر هذه المبادئ التي صدرها أعداء الإسلام إلينا .
2- مع قولك يا أخانا : السيادة الوطنية .. وهذا من العجب أن يقع السلفي في مصطلحات كفرية - والعياذ بالله - فانظر إلى ما يتغنى به الوطنيون وهم مسلمون يصلون ويصومون : (الشعب مصدر كل سلطة) وأن ( السيادة الوطنية ملك للشعب وحده) ! ! والكفاح في سبيل السيادة الوطنية، والاستقلال الذاتي) .
أليس هذا هو الكفر - وإن كنّا لا نكفرهم لجهلهم بحقيقة الإسلام – وجهلهم بالكيد والمكر الذي يدسوه أعداء الإسلام فيما يصدروه لنا من مصطلحات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والفرقة ، فإن مصدر السلطة والتشريع هو كتاب الله وسنة رسوله ، قال تعالى :{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (40)يوسف.أي يحكم به ذووا عدل منا .
أنظر- يا راعاك الله - الكفاح في سبيل السيادة الوطنية والاستقلال الذاتي ، وهل يفهم كثير من المسلمين ما بين تلك الحروف من المكر والكيد وكمائن الحتوف ، لو قرأت قليلا ما كتبه الوطنيون لأدركت ذلك ولما وقعت في مثل هذه المصطلحات الخبيثة النتنة .
كما وقع في شراكها الأخوان المسلمون أهل التمييع والأهواء فهذا حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين يقول في مذكراته : ((وترسيخ النهج الشوري الديمقراطي، والمشاركة في التمثيل النيابي ضمانا لمبدأ التداول السلمي للسلطة، واحترام إرادة الأمة النيابية، وصون السيادة الوطنية، ووحدة الأمة، والحفاظ على كيان المجتمع الحضاري لتحقيق مشروع النهضة )).انتهى كلامه .
كان المفروض إذا أردت أن تستنكر على دعاة الوطنية والسيادة الوطنية أن تبين حقيقتها ومنشأها ، وأن الذين باعوا أوطانهم للمستعمرين أو ساعدوا الاستعمار على احتلال بلدانهم من الحركيين والمعجبين بفرنسا والذين تبعوها أو ندموا على خروجها هم الذين لا يحبون أوطناهم فخانوها واسترخصوا نفوسهم وأموالهم في سبيل أن تحيى بلدانهم مسلمة يحكمها كتاب الله وسنة رسوله .. لا أن تشيد بها وتتغنى بها كما يفعل أقطابها.
ما هي نظرية السيادة وحقيقتها؟لقد تعدَّدت المسالك للوصول إلى إبعاد الدين ورجاله عن السلطة، ومنها مسلك الديمقراطية ونظرية السيادة وحركات أخرى كثيرة تختلف في الأسماء وتتحد في الهدف.وهذه بعض حقيقة السيادة الوطنية في نبذة مختصرة جدا .من كتاب السيادة الوطنية. (ص15).
1- السيادة الوطنية هي إحدى النظريات التي نشأت في أوربا للتفلُّت من حكم الدين -النصراني- وقبضة القائمين عليه ممن يسمُّونهم رجال الدين.
2- قام أصحاب هذه النظرية يطالبون بالسيادة في الحكم حينما أحسّوا ببدء تفكك سلطة الكنيسة ، والإقطاعيين وبوجود الفراغ؛ بل والفوضى في قضية السلطة والمرجع النهائي فيها؛ إذ أصبحت الأوضاع في أوربا في تلك الحقبة التي انتقضت فيها لترويج كابوس الكنيسة أصبحت كالوضع الذي كان يعيشه الجاهليون قبل الإسلام، والذي يعبَّر عنه بقانون الغاب.
3- قام دعاة السيادة يطالبون بإسناد الحكم والتشريع إليهم بعيدًا عن تدخل الدين أو رجاله ، وكانت المطالبة في ظاهر الأمر باسم الشعب وحده، وتعاظمت هذه الدعوى إلى الحد الذي جُعل من سلطة الشعب إلهًا جديدًا يجب الرضوخ له، وصار الجريئون منهم يقولون: لا حكم إلّا للشعب ، والسيادة للشعب ، ولا إرادة إلّا إرادته، ولا شرع إلّا ما شرعه.
وهكذا يتلخَّص مفهوم السيادة في أنها هي السطلة العليا المطلقة التي تنفرد بالأمر والنهي والتكليف والإلغاء وما إلى ذلك .. أيًّا كانت تلك السلطة دون أن يكون لها منازع في إرادتها أمرًا ونهيًا أو تكليفًا؛ ممثَّلة في القانون العام للدولة؛ أو في سلطة الشعب من خلال ممثليه.
3 – مع قولك يا أخانا: أن الذي يسرق ، أو يختلس أموال الدولة أو الأمة ليس في قلبه أبدا حب الوطن ، وأن الذي يفعل كذا .. وكذا.. وذكرت أشياء ليس في قلبه أبدا حب الوطن ؟
فأقول أولا : هذا كلام خطير وهو رجم بالغيب فهل شققت عن قلوبهم فعرفت أن ليس فيها حب الوطن مع أنه غريزي فطري في الإنسان ؟؟ وهل يمكن لأحد أن يتنصل نهائيا وأبدا من الغريزة والطفرة التي فطره الله الناس عليها ؟؟
ثانيا : فإن كنت تقصد ينفي الحب الفطري فهذا غير صحيح ، ويقول لك ذلك الذي نفيت عنه حب الوطن كيف عرفت واطلعت على قلوبهم أنه ليس فيها أبدا حب الوطن بسبب تلك الأفعال المشينة ؟ وما علاقة السرقة والاختلاس والسفر إلى بلاد الخارج بحب الوطن ؟؟إن الذي سرق أو اختلس الأموال أو خان وغدر ليس عن بغضه لذات الوطن؛ لأن ذلك مفطور عليه وهو جبلة في قلبه ، ولا يمكن لأحد أن يتنصل نهائيا وأبدا عن غريزته وفطرته ، وإنما كان منهم ذلك لضعف دينهم أو عدمه (( من الكفار )) وعدم خوفهم من الله ، وجهلهم وعدم تقدير عاقبة ذلك ، ولتلبية لشهوات النفس ورغباتها ، والجشع والطمع والهوى والولوغ في الدنيا الدنية ، أما حب الوطن فيبقى مع تلك المخالفات كبقاء حب المال والمسكن والولد والزوجة والوالدين مع العصيان والعقوق والظلم لهم ..
أليس في المسلمين من يسرق ، ويقتل أخاه المواطن المسلم ، ويشرب الخمر ، ويزني ويرتشي ويتعامل بالربا ويختلس الأموال وربما من رواد المساجد و.. و.. فهل نجرده من الوطنية بسبب تلك المعاصي ، وأنه ليس في قلبه حب الوطن أبدا ؟؟
ثالثا : وإن كنت تقصد بحب الوطن الحب الشرعي فهذا لازمه التكفير - والعياذ بالله – بمعنى أن الذي يسرق أو يختلس الأموال أو يفعل كذا .. وكذا .. من بعض المعاصي ليس في قلبه أبدا حب شرعي الذي أمر الشرع به للوطن فيكون كافرا بذلك والعياذ بالله فتفطن لما تقول ولا تكن من الجاهلين ؛ فربما ضرتك هذه الأمور وأنت لا تدري .
وأيضا : إذا كنت تقصد بحب الوطن والسيادة الوطنية الحب الشرعي للوطن – كما تقول - فقد ميعت الولاء والبراء والحب والبغض في الله ؛ لأن الوطن فيه الشيوعي والاشتراكي والملحد والقبوري ، والرافضي ، والجهمي ، والقدري ، والمرجئ ، والخارجي التكفيري فهل كل هؤلاء يشملهم حب الوطن الشرعي عندك ؟؟ يجب حبهم ونصرتهم والدفاع عنهم ؛ لأن الوطن أب الجميع والوطنية أمهم ، عجيب والله ؟؟
نعم يشملهم الحب الغريزي الفطري أما الشرعي فلا ولاء بنينا وبين من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءنا وأبناءنا كما قال تعالى :{ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}22 المجادلة .
وانظر في كتاب الله هل تجد آية خاطب الله فيها قومًا أو وطنًا أو جنسًا على جنس بطريقة التعصب والوطنية أو الإشادة، أو تجد في سنة المصطفى -r- شيئًا من ذلك؟ كلَّا.بل لا تجد إلا قوله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} آل عمران.
وهذا هو الحب الشرعي الذي يجب أن نكون عليه .ولا تجد إلا قوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 13الحجرات . وقوله سبحانه وتعلى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 92 الأنبياء.
4- مع قولك يا أخانا في خطبتك : العاقل لا يحكم على الألفاظ وإنما يحكم على المقاصد والنيات ..
أقول : سبحان الله كيف تحكم على النيات والمقاصد ، أشققت عن قلوب الناس حتى تحكم على نياتهم ومقاصدهم ، ولا تحكم على الأقوال والأفعال الظاهرة ،ألا تعلم أن هذا قول الخوارج الذين لا يرضون من المسلم بما أظهر من خير ..
ثم هل كل من فعل فعلا أو قال قولا لابد أن نذهب إليه ونستفسر منه ما هي نيتك وقصدك فيما قلت وفعلت ؟
هل من سب الله والدين والرسول واستهزأ بشيء من الدين ووطئ المصحف وذبح للقبر يتقرب إليه ويصرخ بذلك ، وهل من رأيته يأتي القبائح جهارا نهارا أن لا تحكم على ظاهره من أفعاله وأقواله حتى تعرف مقصده من ذلك ونيته؟
أنني على يقين لو أن أحدا سب والديك أو سبك أنت بنفسك ما كنت ترضى بذلك ، وربما كانت ردة فعلك سريعة فوقفت تخاصمه خصاما شديدا ، فلماذا لم تنتظر به وتسأله ماذا تقصد وما هي نيتك في سبك ؟؟
والعكس أيضا صحيح فهل من أظهر الخير بشتى أنواعه نتهمه ولا نحكم عليه بذلك حتى نعرف مقصده ونيته ؟ وما أراد بهذا ومقصده في ذلك ؟؟ما هذا يا أخي أين أنت من هذه النصوص الآتية .
فقد بوب النووي في رياض الصالحين - 49باب إجراء أحكام الناس عَلَى الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى .قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم} [التوبة: 5].390 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله، وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا
فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّ الإسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
391 - وعن أَبي عبدِ الله طارِق بن أشَيْم - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ قالَ لاَ إلهَ إلاَّ الله، وَكَفَرَ بمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله تَعَالَى». رواه مسلم(37).
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (3/277) قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب حمل الناس على ظواهرهم، وأن يكل الإنسان سرائرهم إلى الله عز وجل.
أولاً: اعلم أن العبرة في الدنيا بما في الظواهر؛ اللسان والجوارح، وأن العبرة في الآخرة بما في السرائر بالقلب.أما في الدنيا بالنسبة لنا مع غيرنا، فالواجب إجراء الناس على ظواهرهم؛ لأننا لا نعلم الغيب، ولا نعلم ما في القلوب، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..فلعلك تخلط بين الحكم في الدنيا ، والحكم في الآخرة .
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما أقضي بنحو ما أسمع)) ولسنا مكلفين بأن نبحث عما في قلوب الناس.
392 - وعن أَبي معبد المقداد بن الأسْود - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ، فَاقْتتَلْنَا، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَها، ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُول الله بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ: «لاَ تَقْتُلهُ» فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله، قَطَعَ إحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا؟! فَقَالَ: «لَا تَقتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
393 - وعن أُسَامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بعثنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا القَوْمَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَلَحقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشَيْنَاهُ، قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ الله، فَكفَّ عَنْهُ الأَنْصَاري، وطَعَنْتُهُ برُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، بَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَة، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا كَانَ متعوِّذًا، فَقَالَ: «أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ؟!» فما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ اليَوْمِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أَقَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وقَتَلْتَهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِن السِّلاحِ، قَالَ: «أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أمْ لاَ؟!» فمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي أسْلَمْتُ يَوْمَئذٍ.
395 - وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قَالَ: سَمِعْتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقولُ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ في عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأخُذُكُمُ الآن بما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعمَالِكُمْ، فَمَنْ أظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. رواه البخاري(2641).
قال يحيى بن (هُبَيْرَة ) في هذا الحديث من الفقه أن العمل على الظواهر، والله تعالى يتولى السرائر، فمن أظهر خيرًا فأمنه المسلم فلا جناح على الآمن، كما أن من أظهر شرًا فحذره المسلم فلا جناح على الحاذر. وكذلك يكون الآمن لو أظهر كل منهما ضد ذلك، فكانت الحال محمولة على ما أظهر دون ما أسر.
قال الشيخ ابن عثيمين : يقول - رضي الله عنه- : من أظهر لنا خيراً؛ أخذناه بما أطهر لنا، وإن أسر سريرة، يعني سيئة، ومن أظهر لنا شراً، فإننا نأخذ بشره ولو أضمر ضميرةً طيبة؛ لأننا نحن لا نكلف إلا بالظاهر، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا ألا نحكم إلا بالظاهر؛ لأن الحكم على الباطن من الأمور الشاقة، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها.وقال الصنعاني في سبل السلام (2/582) في شرحه للحديث . وَلِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ .
5- مع قولك : قال الله تعالى : حكاية عن قوم شعيب .. وقد سبق أن صدرت منك مثل هذه اللفظة أكثر من مرة تقول كما حكى القرآن ..وهذا غلط ، وإن صدرت من بعض الأئمة ، فالله تعالي لا يحكي ، وكلامه تعالى ليس حكايات وإنما هو وحي يوحى ، وكلام وقول وخبر صادق ؛ إذ الحكاية ما يصح أن يقال لصاحبها كذبت وهي على غير ذلك ، هذا أولا .
وثانيا : اعلم أن الطائفة الكلابية هم الذين يصفون كلام الله تعالى بأنه حكاية والأشاعرة يقولون أنه عبارة عن الكلام القديم القائم بذات الله أو حديث عما في النفس للفرار من الوقوع في القول بأن القرآن كلام الله بالصوت والحرف ، كما يقوله أهل السنة ، ولذلك قال المحققون من أهل العلم لا ينبغي وصف كلامه بأنه حكاية وعبارة حتى لا نقع فيما وقعوا فيه .
قال شيخ الإسلام –رحمه الله - في العقيدة الواسطية : ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه.قال الشيخ العثيمين شارحها : قال :" لا يجوز إطلاق القول": ولم يقول : لا يجوز القول! يعني: لا يجوز أن نقول: هذا القرآن عبارة عن كلام الله؛ إطلاقاً، ولا يجوز أن نقول أنه حكاية : هم الكلابية ، والذين قالوا: إنه عبارة: هم الأشعرية.والكل اتفقوا على أن هذا القرآن الذي في المصحف ليس كلام الله ، بل هو إما حكاية أو عبارة، والفرق بينهما:أن الحكاية المماثلة؛ تعني : كأن هذا المعنى الذي هو الكلام عندهم حُكي بمرآة؛ كما يحكي الصدى كلام المتكلم.
أما العبارة؛ فيعني بها أن المتكلم عبر عن كلامه النفسي بحروف وأصوات خلقت.فلا يجوز أن نطلق أنه حكاية أو عبارة، لكن عند التفصيل ؛ قد يجوز أن نقول: إن القارئ الآن يعبر عن كلام الله أو يحكي كلام الله؛ لأن لفظه بالقرآن ليس هو كلام الله.
وهذا القول على هذا التقييد لا بأس به، لكن إطلاق أن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله لا يجوز.
5- الاستدلال بما لا يصح معناه والصحيح منه في غير بابه ..1 - ((حب الوطن من الإيمان)) هذا ليس بحديث بل هو موضوع ومكذوب انظر: أسنى المطالب (ص)126)، وانظر تعليق رقم (551)لترى المراجع التي حكمت عليه أيضاً بالوضع.والْأَظْهَرُ إن كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا،: أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطَنِ الْجَنَّةُ فَإِنَّهَا الْمَسْكَنُ الْأَوَّلُ لِأَبِينَا آدَمَ . قاله علي القارئ.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح وفي إغاثة اللهفان وطريق الهجرتين ومدارج السالكين وفي مفتاح دار السعادة ..
فَحَي عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ ... فَإِنهَا مَنَازِلُكَ الأولَى وَفِيهَا المُخَيّمُ
وَلكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِّ، فَهَلْ ... تَرَى نَعُودُ إلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ؟
قال النووي – رحمه الله - :في رياض الصالحين .
إِنَّ للهِ عِبَاداً فُطَنَا ... طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا ... أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا ... صَالِحَ الأعمال فيها سفنا
فقوله : (أنها ليست لحي وطناً) أي: داراً يتوطن فيها على الأبد، لأن الإنسان في هذه الدار كالمسافر المرتحل، والوطن الحقيقي هو الدار الآخرة التي لا نهاية لآخرها بإرادة الله تعالى وقدرته كما جاء في الحديث «يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت» .
ولذلك قال العلماء : أن هذا هو المراد من حديث «حبّ الوطن من الإيمان» أي: فينبغي لكامل الإيمان أن يعمر وطنه بالعمل الصالح والإحسان .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (36)(1/110) 36 - " حب الوطن من الإيمان ".موضوع. كما قال الصغاني (ص 7) وغيره.ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟ ! انتهى كلامه .
وقال الشيخ - رحمه الله - في سلسلة الهدى والنور : ( الشريط 527/ 06: 12: 00)الشيخ: الجملة اللي هي شائعة بين الناس إن الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان». هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان.إذن الرسول ما صح عنه أنه قال: حب الوطن من الإيمان.نرجع بقى نقول: سؤال فقهي، سؤال فقهي بعد ما طهرنا الأذهان من كون الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان».هل صحيح أن حب الوطن من الإيمان أم يجوز حب الوطن؟ في فرق:شيء يجوز وشيء له علاقة بالإيمان، أي شيء له علاقة بالإيمان فهو مستحب وأنت صاعد حتى يصير فرضاً، صح ولا لا؟ لكن الأمر الجائز سواء عليك فعلته أو تركته.حب الوطن أمر غريزي، حب الوطن أمر غريزي، مثل حب الحياة، ومثل كراهية الموت، فالإنسان الذي يحب الحياة لا يمدح ولا يذم لكن يمدح ويذم باعتبار ما يتعلق بحياته كما قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله» صحيح الجامع" (رقم3297).فإذن حب الوطن أمر غريزي في الناس؛ ولذلك قال تعالى في حق اليهود: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ} (النساء:66) لماذا؟ لأن الإنسان يتعلق بوطنه، فالتعلق بالوطن أمر غريزي، أمر طبيعي.بدي أرجع أنا لحديثك، صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما عزم على الهجرة من مكة إلى المدينة توجه إلى مكة وقال: أما إنك ..انتبه بقية الحديث .. يختلف الأمر عن المعنى الذي دار في ذهنك خطأ، الحديث ليس له علاقة بحب الوطن أي وطن، إنما له علاقة بحب خير بلاد الله، قال عليه السلام: «إنك أحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» صحيح الجامع" (رقم7089). ليه؟ لأنه وطنه؟ لا؛ لأنه خير بلاد الله، ولأن هذه مكة أحب البلاد الله إلى الله، بالتالي أحب بلاد الله إلى رسول الله.فإذن هذا الكلام لا يطبق على كل بلاد الدنيا."انتهى بتصرف يسير.
فالوطنيون الضالون أخذوا من أوروبا وغيرها مفهوم الوطنية الوثني، والولاء للوطن، وأن الوطنية هذه حاجز بينك وبين إخوانك في العقيدة وكل بلدة تعتز بصنم وطنها؛ حتى يمزقوا المسلمين، فيستدلون بهذا الحديث ويقولون: إن الرسول عليه الصلاة السلام دلل على حب الوطن بقوله : (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله)، فهل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد فيها وهي بلده أم لأنها أحب الأرض إلى الله؟ لأنها أحب البقاع إلى الله، وحتى لو كان يحبها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنها بلده ووطنه فيجب على كل مسلم أن يكون البلد الذي يحبه رسول الله أحب إليه من كل بقعة على ظهر الأرض، فالمسألة ليست متروكة للاختيار، فكل مؤمن لابد أن يستحضر في القلب أن أحب الأوطان إليه هي مكة والمدينة وبيت المقدس، فهذه أحب الأوطان إليك، حتى تكون أحب إليك من أي مكان حتى البلد الذي نشأت فيه، ولا شك في ذلك، كما يقول الشاعر: ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني .فإن هذا الحديث يساء فهمه لتأييد الوطنية بمفهوم الوثنية، والحديث إنما يثبت فضل مكة على سائر البقاع؛ لأن مكة حرم، فهي حرم إبراهيم عليه السلام حرمها إبراهيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (والله إنك لخير أرض الله،وأحب أرض الله إلى الله)، وهذه حكمة جعلها الله في مكة، كما جعل الرسول المدينة حرم محبب إليه وإلى أصحابه فينبغي لكل مسلم أن تكون طيبة الطيبة حرما محببا إليه أحب من وطنه وترابه لأن الرسول يحبها ودعا الله أن يحببها للمسلمين وليس فقط لسكانها لأنها وطنهم. فالرسول -r- دعا ربَّه أن يحبِّبَ إليهم المدينة كحبِّهم مكة أو أشد حبًّا.
هذا ليس لحب ذات الوطن وإنما لما لقوا فيها من شدة ومرض . فقد البخاري بَابُ مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالحُمَّى(ح 5677) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ
وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» وأخرجه مسلم (1376) باب فضل سكنى المدينة .
فأين معنى حب الوطن فيه . دعا ربه لتكون المدينة مثل مكة في قلوب المسلمين أو أشد .
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (1/66):الذي يقتل من أجل الدفاع عن الوطن - فقط- ليس بشهيد. ولك الواجب علينا ونحن مسلمون وفي بلد إسلامي- ولله الحمد- ونسأل الله أن يثبتنا علي ذلك، الواجب أن نقاتل من أجل لإسلام في بلادنا، وانتبه للفرق؛ نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، ونحمي الإسلام، لو كنا في أقصي الشرق أو الغرب.
لو كانت بلادنا في أقصي الشرق أو الغرب قاتلنا من أجل الإسلام في وطنا أو من أجل وطننا لأنه إسلامي؛ ندافع عن الإسلام الذي فيه.
أما مجرد الوطنية فإنها نية باطلة لا تفيد الإنسان شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم والإنسان الذي يقول إنه كافر؛ إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن.والذي يقتل من أجل الدفاع عن الوطن - فقط - ليس بشهيد.
ولكن الواجب علينا ونحن مسلمون وفي بلد إسلامي - ولله الحمد- ونسأل الله أن يثبتنا علي ذلك، الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، وانتبه للفرق، نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في أقصي الشرق أو الغرب قاتلنا للإسلام وليس لوطننا فقط، فيجب أن تصحح هذه اللهجة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا أو من أجل وطننا لأنه إسلامي؛ ندافع عن الإسلام الذي فيه.6- الاستدلال بحديث ((فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ ..)) فليس فيه دليل على المقصود ، ولم يرد في طرق الحديث لفظ الوطن أو الأرض أو بلدته ، وإنما الوارد هو لفظ الأهل ، والأهل هم الزوجة أو الزوجات والأولاد والوالدين ، ولا يدخل فيهم الوطن لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، والمقصود هو ما قاله العلماء لا ما استنبطه أنه إذا فرغ المسافر من شغله وحاجته فلا حاجة له في البقاء بعيدا عن أهله لما في ذلك من الخوف عليهم وضياعهم ولا يمنع الشوق إليه إذا طالت مدته ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -r- قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ. يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهَتِهِ، فَلْيَعْجَلْ إِلَى أَهْلِهِ» أخرجه مالك في الموطأ (3591)وأحمد(7224 ) والبخاري، (1804) وفي (3001) وفي( 5429) ومسلم (179).
قال ابن بطال (5/ 156) قال المؤلف ( البخاري): أما تعجيله -r- إلى المدينة؛ فليخرج نفسه من عذاب السفر، وليفرح بنفسه أهله وجماعة المؤمنين بالمدينة.
قال ابن عبد البر في التمهيد (22/36) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طُولَ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَكِيدَةٍ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَجُوزُ وَأَنَّ مَنِ انْقَضَتْ حَاجَتُهُ لَزِمَهُ الِاسْتِعْجَالُ إِلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ يُمَوِّنُهُمْ وَيَقُوتُهُمْ مَخَافَةَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ بَعْدَهُ فِيهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ .
وقال النووي في شرح مسلم (13/70) وَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الرُّجُوعِ إِلَى الْأَهْلِ بَعْدَ قَضَاءِ شُغْلِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِمُهِمٍّ .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/623) قَوْلُهُ :فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَتِيقٍ وَسَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فَلْيُعَجِّلِ الْكَرَّةَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِه .
ِوَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَاسْتِحْبَابُ اسْتِعْجَالِ الرُّجُوعِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةُ بِالْغَيْبَةِ وَلِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي الْأَهْلِ مِنَ الرَّاحَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَلِمَا فِي الْإِقَامَةِ من تَحْصِيل الْجَمَاعَات وَالْقُوَّة على العادة وَالْعِبَادَة .
وختاما :أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يفقهنا في ديننا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجعلني وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ربي سميع قريب .
وكتب :أبو بكر يوسف لعويسي
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله وكماله حتى يحب ربنا ويرضى،والحمد لله بعد الرضا والحمد لله طيبا مباركا فيه، والصلاة والسلام على من اصطفاه ربه وأدبه فأحسن تأديبه وزكاه وطهر نفسه،وعلى آله وصبحه وعلى من اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد :
إنه لمن المؤسف جدا أن تسمع ممن ينتسب لهذه الدعوة المباركة ، ويحسب على العلم والإمامة يتغنى بالوطنية فوق المنبر ، ويقع في شراك من يَستنكرُ عليهم من بعض الساسة وولاة الأمور بمناسبة عيد النصر، أو بمناسبة بعض الخصومات بين أبناء الوطن الواحد ممن يحملون عقائد متناقضة وأفكار متضادة ، فيدعوا للصلح بينهم بناء على أنهم أبناء وطن واحد أبوهم حب الوطن ، وأمهم السيادة الوطنية حتى لو كانوا يحملون عقائد كفرية وينتهجون مناهج ملحدة أو شركية أو يعتنقون أفكارا هدامة يهودية أو نصرانية أو ماسونية ..
وجهل هؤلاء أو تجاهلوا أن الذين يقدسون الوطنية ويتغنون بها ، ويطعنون في كل من لم يوافقهم فيما وقعوا فيه من مكر وكيد وخبث أقطابها هم الأعداء الذين صدّروا لنا هذه المصطلحات التي فرقت المسلمين شذر مدر ، وأصبحت هذه المصطلحات عقائد يوالى ويعادى عليها .. وللأسف الشديد .
إن التغني بحب الوطن ، والقومية العربية، والافتخار بالأمجاد والتأريخ والآثار والبطولات التي لم تكن على الشرع أي بالحق وفي الحق لهي الجاهلية بعينها التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم :<< «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» البخاري (4905)ومسلم (2485).
والعجيب في أن يقع في شراكها بعض إخواننا ممن يحسبون على السلفية إما غفلة منهم أو غيرة على بلادهم أو خوفا عليها من الصقيع (( الربيع) العربي ولم يعلموا أن ذلك من صنوف الغزو الفكري المنظَّم الذي أخذ دعاته على عواتقهم صرف المسلمين عن دينهم وعن التحاكم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وتفريقهم وتشتيتهم إلى دويلات يسهل السطو عليها واستعمارها ، وأنَّ من تَمَسَّك بهذا أي بالتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فهو جاهل متخلف معادٍ للحضارة والتقدم.
يا أخانا والله ما نريد لك إلا الخير ، لقد كانت خطبتك في الجمعة الماضية عن الوطنية وحب الوطن وقد جئت فيها بأمور عظيمة ، وأخطاء جسيمة ومن ذلك التغني بالوطنية ، وحب الوطن والسيادة الوطنية ، ولا نشك أن ذلك صدر منك عن غيرة واندفاع ، ولكن الغيرة وحدها لا تكفي للرد والاستنكار حتى يهذبها العلم ويغذيها الدليل، ولعلك لم تطلع جيدا على هذه المصطلحات اللعينة القبيحة من مثل الوطنية ، والسيادة الوطنية ، والقومية ونشأتها وحقيقتها والمغزى من ورائها ، وهي بلا شك ربيبات الديمقراطية أو نابعة منها ، وكيف حكم عليها علماء المسلمين ؟؟
وإن كان الإسلام لا يمنع المسلمَ حبه لوطنه ؛ لكنه يوجب عليه ملاحظة أمور لا بُدَّ أن تكون في حسبانه ، وأن يلاحظها بدقة فلا يوالي ويعادي من أجل الوطن، والسيادة الوطنية بل يجعل الولاء أولًا لله تعالى؛ عليه يوالي وعليه يعادي ويحب فيه ويبغض فيه .
ثانيا : لا يقدِّم محبة الوطن أو أهل الوطن من كل جنس على محبة الله تعالى ومحبة من يحبه عز وجل..ثالثا : يجب عليه أن لا يكون حب الوطن ينشأ عن عصبية جاهلية أو على طريقة الجاهلين في قوله : (وَمَا أَنا إِلَّا من غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد)
بمعنى الوقوف إلى جانب السيادة الوطنية والوطن سواء كان على حق أو على باطل ظالما أو مظلوما على غير المعنى الشرعي ، ولكن على معنى قول الشاعر الآنف الذكر بحجَّة أن كل مواطن أخاه في الوطن ؛ فيجب نصره بكل حال، بل عليه أن يراعي الأخوة الإسلامية والحب والبغض قبل أخوة الوطن؛فإن أخوة العقيدة أحق وأثبت وأنفع من أخوة الوطن على طريقة خاطئة (حب الوطن من الإيمان ).
وليعلم أن الوطن يجمع أصناف شتى من النّاس فيهم الشيوعي والاشتراكي والنصراني والمسيحي والواقع في الشرك والكفر ، والرافضي الخبيث والخارجي التكفيري والجهمي والقدري والمرجئ والطرقي الغارق في الضلالة وغير ذلك .
رابعا : وليعلم يقينا وأنه لا مجال للشك فيه أن المسلمين ما ضعفوا وما استكانوا إلا يوم أن قدموا الوطنية وافتخر كل أهل وطن بوطنهم، وتناحروا فيما بينهم ، ولم يهتم بعضهم بالبعض الآخر؛ فكان الجميع لُقْمَةً سائغة لأعدائهم؛ فانفردت بعض الدول الكافرة بإذلال أهل كل وطن كما سجله التاريخ وكما هو بعض الوضع الآن، وانتشرت مع الأسف دعوات جاهلية صار يرددها الكبير والصغير والمرأة الرجل، وهو شعار التضحية في سبيل الوطن، أو بذل الدم من أجل تراب الوطن، ونحو ذلك من الكلمات التي أثمرت التخاذل حتَّى عن الدفاع الجادّ عن أوطان المسلمين وأعراضهم نصرة المظلومين وإرجاع الحق لأهله، بعد أن ماتت هممهم وغيرتهم وتوزعتهم وتنازعتهم الأهواء وأثخنت فيهم الدعايات الجاهلية.وأصبحنا نسمع من الشعارات المسلَّمة التي يوالى ويعادى عليها (الشعب مصدر كل سلطة) وأن (السيادة الوطنية ملك للشعب وحده) ! ! والكفاح في سبيل السيادة الوطنية، والاستقلال الذاتي .) وأبعدت نهائيا الشعارات الشرعية وإن كانت لها بقية فهي على استحياء ..
خامسا : أن يعلم أن أعداء الإسلام من الفرنسيين والإيطاليين والأنجليز هم الذين خططوا ودبروا ومكروا وجاءوا يركضون بهذه الشعارات والمبادئ التي ظاهرها الاستقلال والسلم والوحدة والاجتماع وباطنها الكفر والتفرقة وغير ذلك .بل إن دعاة الوطنية لم يقفوا بها عند هذا الحد فقد قدّسوها إلى حد العبادة من دون الله تعالى، وأحلوها محل الدين، وصاروا لا يدعون إلّا إلى تقديسها، ونسيان كل أهل وطن مِمَّن عداهم من أوطان المسلمين الأخرى، ونشأ عن تلك الدعوات الفخر والخيلاء والاستكبار بغير الحق والتعالي والغطرسة الكاذبة. وقد بلغ من تقديس الأوطان عند دعاة الوطنية الجاهلية أن يطلبوا إلى كل شخص أن يقدِّس وطنه على كل الملل والأديان وفي مقدمتها الإسلام ، وأن يضحي بكل ما لديه لوطنه مهما كان وإلا فهو ليس بوطني.
فقال قائلهم : بلادك قدسها على كل ملة ... ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
وقال الآخر : سلام على كفر يوحِّد بيننا ... وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم .
وإذا وصل الإنسان في حب وطنه إلى هذا الحد فماذا سيبقى لحب الله، وللمحبة في الله ما دام حب الوطن هو كل شيء في حياة الإنسان؛ عليه يحيا وعليه يموت وعليه يوالي وعليه يعادي وبه يفاخر، وإياه يقدس إلى حدّ أن الأوطان أصبحت وكأنها أوثان تعبد من دون الله تعالى. وكل صاحب وطن يدَّعي أن وطنه هو أفضل الأوطان، وتربته أفضل تربة، فقد سقيت بدماء شهداء الوطنية ، وأنه وطن معطاء فيه كل خير ، يكفي من تمسك بحبه كل مكروه ، ويفتخر برجاله وبعطائهم اللا محدود -هكذا- في المقابل لا بُدَّ أن يحتقر البلدان الأخرى وجهود الرجال الآخرين وفي مقدمتهم العلماء والوجهاء من بلدان المسلمين ورجالاته في ردِّ فعل سواء شعر بذلك أم لم يشعر به.فلا حرج في دين الوطنية أن يفتخر الشخص برجال وطنه ويقدم حبهم على من سواهم، حتى وإن كان أولئك غير مسلمين، فالوطنية دين الجميع.
ومعلوم أن هذه المبالغة لا يقرها الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى أن ينصهروا كلهم في بوتقة الإسلام وأخوة الإيمان ويدعو أتباعه لأنْ يكونوا في هذه الأرض كأنَّهم جسدا واحدا وفي وطن واحد..
سادسا : يجب أن يعلم أن حب الوطن لا ميزة فيه لأحد على أحد وأنه ليس من لازمه الإيمان فيجب على كل مسلم أن يدافع عن كل شبر من أوطان المسلمين الأقرب ؛ فالأقرب ؛ فكلها وطنا له وليس وطنه فحسب ، وأن يغار عليها حتَّى لو أدَّى ذلك إلى قتله، فإنه يكون شهيدًا مقاتلًا في سبيل الله تعالى، فإنه (( مَنْ لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)) ينسب إلى النبي وهو ضعيف جدا الضعيفة (310-312).
فوطن العاقل هو المكان الذي يتهيأ له فيه عبادة الله تعالى وحده ، ويقوم بشعائر دينه على مراد الله ومراد رسوله في أي مكان من أرض الله الواسعة ويصون نفسه وعقيدته من الانحراف ، آمنًا مطمئنًا على نفسه ودينه وعرضه.كما قال تعالى :{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } (56) العنكبوت .حتى إذا ضاق عليه وطنه فلم يستطع أن يعبد ربه هجر في أرض الله يعبد ربه ويطمئن على دينه ونفسه وماله وعرضه .
قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }(97)سبأ.
وقال ابن الوردي :حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل .
سابعا : وليعلم المسلم العاقل فضلا عن طالب العلم فضلا عن العالم أن الوطنية هي التعصب لتلك الأرض، ويدخل فيها التعصب للساكنين عليها أيضًا من كل جنس وهذا يضيع الولاء والبراء ، والحب والبغض في الله.
ومن هنا نجد أن القومية والوطنية هما رضيعا لبان يمدّ بعضهما بعضًا لتكونا معًا رفادًا من روافد الجاهلية، والنفرة والتنفير عن الدين ، والالتقاء على حب الوطن، بغضِّ النظر عن اختلاف ديانة الموجودين عليها، فالوطنية أمّ الجميع؛ لأن الوطنية توجب أن يتعايش المسلم والنصراني واليهودي والمجوسي والرافضي والإباضي التكفيري وغيرهم على حدٍّ سواء، والقارئ الكريم الذي يقرأ ما يكتبه الوطنيون يجد عباراتهم تتضح تقديسًا وتكريمًا للوطن كما قال شاعرهم:
بلادي هواها في لساني وفي دمي ... يمجِّدها قلبي ويدعو لها فم
ثامنا : إن جمع الناس على الوطنية - بعيدًا عن الدين الإلهي والإيمان الحق - هو ضرب من الخيال الساذج والسراب الكاذب؛ لأن الله - عز وجل- لا يصلح عمل المفسدين، وقد أخبر سبحانه وتعالى أن الألفة بين القلوب أمر بعيد المنال إذا لم يوجد العامل الصحيح في إيجاد ذلك، وقد أمتنَّ الله -عز وجل- على عباده باجتماع كلمتهم على الدين، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 103 آل عمران .
وقال تعالى ممتنًا على نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- بما وصل إليه المؤمنون من تآلف قلوبهم: {إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 62-63 سورة الأنعام .
وأين هذا التآلف العجيب الذي كان أحدهم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، والذي جعل الشخص المسلم يقدِّم نفسه دون أخيه في كل شيء، والذي جعلهم كالجسد الواحد، يتألم كله لأخف ألم عضو منه ، وكالبنيان المرصوص، إذا تصدع شيء منه هرع الجميل لرأب الصدع وصد العدوان عنه .
أين هذا التآلف من دعوى التآلف على الوطنية والسيادة الوطنية القائمة على الجهل والغرور والكبرياء والبغي والظلم والتمييز العنصري والجهوية والمحسوبية وطبقات الشعب بغير الحق وتبادل المنافع؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟. أنظر غير مأمور : المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها .لصاحبه :غالب بن علي عواجي . لتعلم خطر هذه المبادئ التي صدرها أعداء الإسلام إلينا .
2- مع قولك يا أخانا : السيادة الوطنية .. وهذا من العجب أن يقع السلفي في مصطلحات كفرية - والعياذ بالله - فانظر إلى ما يتغنى به الوطنيون وهم مسلمون يصلون ويصومون : (الشعب مصدر كل سلطة) وأن ( السيادة الوطنية ملك للشعب وحده) ! ! والكفاح في سبيل السيادة الوطنية، والاستقلال الذاتي) .
أليس هذا هو الكفر - وإن كنّا لا نكفرهم لجهلهم بحقيقة الإسلام – وجهلهم بالكيد والمكر الذي يدسوه أعداء الإسلام فيما يصدروه لنا من مصطلحات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والفرقة ، فإن مصدر السلطة والتشريع هو كتاب الله وسنة رسوله ، قال تعالى :{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (40)يوسف.أي يحكم به ذووا عدل منا .
أنظر- يا راعاك الله - الكفاح في سبيل السيادة الوطنية والاستقلال الذاتي ، وهل يفهم كثير من المسلمين ما بين تلك الحروف من المكر والكيد وكمائن الحتوف ، لو قرأت قليلا ما كتبه الوطنيون لأدركت ذلك ولما وقعت في مثل هذه المصطلحات الخبيثة النتنة .
كما وقع في شراكها الأخوان المسلمون أهل التمييع والأهواء فهذا حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين يقول في مذكراته : ((وترسيخ النهج الشوري الديمقراطي، والمشاركة في التمثيل النيابي ضمانا لمبدأ التداول السلمي للسلطة، واحترام إرادة الأمة النيابية، وصون السيادة الوطنية، ووحدة الأمة، والحفاظ على كيان المجتمع الحضاري لتحقيق مشروع النهضة )).انتهى كلامه .
كان المفروض إذا أردت أن تستنكر على دعاة الوطنية والسيادة الوطنية أن تبين حقيقتها ومنشأها ، وأن الذين باعوا أوطانهم للمستعمرين أو ساعدوا الاستعمار على احتلال بلدانهم من الحركيين والمعجبين بفرنسا والذين تبعوها أو ندموا على خروجها هم الذين لا يحبون أوطناهم فخانوها واسترخصوا نفوسهم وأموالهم في سبيل أن تحيى بلدانهم مسلمة يحكمها كتاب الله وسنة رسوله .. لا أن تشيد بها وتتغنى بها كما يفعل أقطابها.
ما هي نظرية السيادة وحقيقتها؟لقد تعدَّدت المسالك للوصول إلى إبعاد الدين ورجاله عن السلطة، ومنها مسلك الديمقراطية ونظرية السيادة وحركات أخرى كثيرة تختلف في الأسماء وتتحد في الهدف.وهذه بعض حقيقة السيادة الوطنية في نبذة مختصرة جدا .من كتاب السيادة الوطنية. (ص15).
1- السيادة الوطنية هي إحدى النظريات التي نشأت في أوربا للتفلُّت من حكم الدين -النصراني- وقبضة القائمين عليه ممن يسمُّونهم رجال الدين.
2- قام أصحاب هذه النظرية يطالبون بالسيادة في الحكم حينما أحسّوا ببدء تفكك سلطة الكنيسة ، والإقطاعيين وبوجود الفراغ؛ بل والفوضى في قضية السلطة والمرجع النهائي فيها؛ إذ أصبحت الأوضاع في أوربا في تلك الحقبة التي انتقضت فيها لترويج كابوس الكنيسة أصبحت كالوضع الذي كان يعيشه الجاهليون قبل الإسلام، والذي يعبَّر عنه بقانون الغاب.
3- قام دعاة السيادة يطالبون بإسناد الحكم والتشريع إليهم بعيدًا عن تدخل الدين أو رجاله ، وكانت المطالبة في ظاهر الأمر باسم الشعب وحده، وتعاظمت هذه الدعوى إلى الحد الذي جُعل من سلطة الشعب إلهًا جديدًا يجب الرضوخ له، وصار الجريئون منهم يقولون: لا حكم إلّا للشعب ، والسيادة للشعب ، ولا إرادة إلّا إرادته، ولا شرع إلّا ما شرعه.
وهكذا يتلخَّص مفهوم السيادة في أنها هي السطلة العليا المطلقة التي تنفرد بالأمر والنهي والتكليف والإلغاء وما إلى ذلك .. أيًّا كانت تلك السلطة دون أن يكون لها منازع في إرادتها أمرًا ونهيًا أو تكليفًا؛ ممثَّلة في القانون العام للدولة؛ أو في سلطة الشعب من خلال ممثليه.
3 – مع قولك يا أخانا: أن الذي يسرق ، أو يختلس أموال الدولة أو الأمة ليس في قلبه أبدا حب الوطن ، وأن الذي يفعل كذا .. وكذا.. وذكرت أشياء ليس في قلبه أبدا حب الوطن ؟
فأقول أولا : هذا كلام خطير وهو رجم بالغيب فهل شققت عن قلوبهم فعرفت أن ليس فيها حب الوطن مع أنه غريزي فطري في الإنسان ؟؟ وهل يمكن لأحد أن يتنصل نهائيا وأبدا من الغريزة والطفرة التي فطره الله الناس عليها ؟؟
ثانيا : فإن كنت تقصد ينفي الحب الفطري فهذا غير صحيح ، ويقول لك ذلك الذي نفيت عنه حب الوطن كيف عرفت واطلعت على قلوبهم أنه ليس فيها أبدا حب الوطن بسبب تلك الأفعال المشينة ؟ وما علاقة السرقة والاختلاس والسفر إلى بلاد الخارج بحب الوطن ؟؟إن الذي سرق أو اختلس الأموال أو خان وغدر ليس عن بغضه لذات الوطن؛ لأن ذلك مفطور عليه وهو جبلة في قلبه ، ولا يمكن لأحد أن يتنصل نهائيا وأبدا عن غريزته وفطرته ، وإنما كان منهم ذلك لضعف دينهم أو عدمه (( من الكفار )) وعدم خوفهم من الله ، وجهلهم وعدم تقدير عاقبة ذلك ، ولتلبية لشهوات النفس ورغباتها ، والجشع والطمع والهوى والولوغ في الدنيا الدنية ، أما حب الوطن فيبقى مع تلك المخالفات كبقاء حب المال والمسكن والولد والزوجة والوالدين مع العصيان والعقوق والظلم لهم ..
أليس في المسلمين من يسرق ، ويقتل أخاه المواطن المسلم ، ويشرب الخمر ، ويزني ويرتشي ويتعامل بالربا ويختلس الأموال وربما من رواد المساجد و.. و.. فهل نجرده من الوطنية بسبب تلك المعاصي ، وأنه ليس في قلبه حب الوطن أبدا ؟؟
ثالثا : وإن كنت تقصد بحب الوطن الحب الشرعي فهذا لازمه التكفير - والعياذ بالله – بمعنى أن الذي يسرق أو يختلس الأموال أو يفعل كذا .. وكذا .. من بعض المعاصي ليس في قلبه أبدا حب شرعي الذي أمر الشرع به للوطن فيكون كافرا بذلك والعياذ بالله فتفطن لما تقول ولا تكن من الجاهلين ؛ فربما ضرتك هذه الأمور وأنت لا تدري .
وأيضا : إذا كنت تقصد بحب الوطن والسيادة الوطنية الحب الشرعي للوطن – كما تقول - فقد ميعت الولاء والبراء والحب والبغض في الله ؛ لأن الوطن فيه الشيوعي والاشتراكي والملحد والقبوري ، والرافضي ، والجهمي ، والقدري ، والمرجئ ، والخارجي التكفيري فهل كل هؤلاء يشملهم حب الوطن الشرعي عندك ؟؟ يجب حبهم ونصرتهم والدفاع عنهم ؛ لأن الوطن أب الجميع والوطنية أمهم ، عجيب والله ؟؟
نعم يشملهم الحب الغريزي الفطري أما الشرعي فلا ولاء بنينا وبين من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءنا وأبناءنا كما قال تعالى :{ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}22 المجادلة .
وانظر في كتاب الله هل تجد آية خاطب الله فيها قومًا أو وطنًا أو جنسًا على جنس بطريقة التعصب والوطنية أو الإشادة، أو تجد في سنة المصطفى -r- شيئًا من ذلك؟ كلَّا.بل لا تجد إلا قوله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} آل عمران.
وهذا هو الحب الشرعي الذي يجب أن نكون عليه .ولا تجد إلا قوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 13الحجرات . وقوله سبحانه وتعلى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 92 الأنبياء.
4- مع قولك يا أخانا في خطبتك : العاقل لا يحكم على الألفاظ وإنما يحكم على المقاصد والنيات ..
أقول : سبحان الله كيف تحكم على النيات والمقاصد ، أشققت عن قلوب الناس حتى تحكم على نياتهم ومقاصدهم ، ولا تحكم على الأقوال والأفعال الظاهرة ،ألا تعلم أن هذا قول الخوارج الذين لا يرضون من المسلم بما أظهر من خير ..
ثم هل كل من فعل فعلا أو قال قولا لابد أن نذهب إليه ونستفسر منه ما هي نيتك وقصدك فيما قلت وفعلت ؟
هل من سب الله والدين والرسول واستهزأ بشيء من الدين ووطئ المصحف وذبح للقبر يتقرب إليه ويصرخ بذلك ، وهل من رأيته يأتي القبائح جهارا نهارا أن لا تحكم على ظاهره من أفعاله وأقواله حتى تعرف مقصده من ذلك ونيته؟
أنني على يقين لو أن أحدا سب والديك أو سبك أنت بنفسك ما كنت ترضى بذلك ، وربما كانت ردة فعلك سريعة فوقفت تخاصمه خصاما شديدا ، فلماذا لم تنتظر به وتسأله ماذا تقصد وما هي نيتك في سبك ؟؟
والعكس أيضا صحيح فهل من أظهر الخير بشتى أنواعه نتهمه ولا نحكم عليه بذلك حتى نعرف مقصده ونيته ؟ وما أراد بهذا ومقصده في ذلك ؟؟ما هذا يا أخي أين أنت من هذه النصوص الآتية .
فقد بوب النووي في رياض الصالحين - 49باب إجراء أحكام الناس عَلَى الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى .قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم} [التوبة: 5].390 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله، وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا
فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّ الإسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
391 - وعن أَبي عبدِ الله طارِق بن أشَيْم - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ قالَ لاَ إلهَ إلاَّ الله، وَكَفَرَ بمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله تَعَالَى». رواه مسلم(37).
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (3/277) قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب حمل الناس على ظواهرهم، وأن يكل الإنسان سرائرهم إلى الله عز وجل.
أولاً: اعلم أن العبرة في الدنيا بما في الظواهر؛ اللسان والجوارح، وأن العبرة في الآخرة بما في السرائر بالقلب.أما في الدنيا بالنسبة لنا مع غيرنا، فالواجب إجراء الناس على ظواهرهم؛ لأننا لا نعلم الغيب، ولا نعلم ما في القلوب، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..فلعلك تخلط بين الحكم في الدنيا ، والحكم في الآخرة .
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما أقضي بنحو ما أسمع)) ولسنا مكلفين بأن نبحث عما في قلوب الناس.
392 - وعن أَبي معبد المقداد بن الأسْود - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ، فَاقْتتَلْنَا، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَها، ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُول الله بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ: «لاَ تَقْتُلهُ» فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله، قَطَعَ إحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا؟! فَقَالَ: «لَا تَقتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
393 - وعن أُسَامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بعثنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا القَوْمَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَلَحقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشَيْنَاهُ، قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ الله، فَكفَّ عَنْهُ الأَنْصَاري، وطَعَنْتُهُ برُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، بَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَة، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا كَانَ متعوِّذًا، فَقَالَ: «أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ؟!» فما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ اليَوْمِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «أَقَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وقَتَلْتَهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِن السِّلاحِ، قَالَ: «أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أمْ لاَ؟!» فمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي أسْلَمْتُ يَوْمَئذٍ.
395 - وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قَالَ: سَمِعْتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقولُ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ في عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأخُذُكُمُ الآن بما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعمَالِكُمْ، فَمَنْ أظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. رواه البخاري(2641).
قال يحيى بن (هُبَيْرَة ) في هذا الحديث من الفقه أن العمل على الظواهر، والله تعالى يتولى السرائر، فمن أظهر خيرًا فأمنه المسلم فلا جناح على الآمن، كما أن من أظهر شرًا فحذره المسلم فلا جناح على الحاذر. وكذلك يكون الآمن لو أظهر كل منهما ضد ذلك، فكانت الحال محمولة على ما أظهر دون ما أسر.
قال الشيخ ابن عثيمين : يقول - رضي الله عنه- : من أظهر لنا خيراً؛ أخذناه بما أطهر لنا، وإن أسر سريرة، يعني سيئة، ومن أظهر لنا شراً، فإننا نأخذ بشره ولو أضمر ضميرةً طيبة؛ لأننا نحن لا نكلف إلا بالظاهر، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا ألا نحكم إلا بالظاهر؛ لأن الحكم على الباطن من الأمور الشاقة، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها.وقال الصنعاني في سبل السلام (2/582) في شرحه للحديث . وَلِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ .
5- مع قولك : قال الله تعالى : حكاية عن قوم شعيب .. وقد سبق أن صدرت منك مثل هذه اللفظة أكثر من مرة تقول كما حكى القرآن ..وهذا غلط ، وإن صدرت من بعض الأئمة ، فالله تعالي لا يحكي ، وكلامه تعالى ليس حكايات وإنما هو وحي يوحى ، وكلام وقول وخبر صادق ؛ إذ الحكاية ما يصح أن يقال لصاحبها كذبت وهي على غير ذلك ، هذا أولا .
وثانيا : اعلم أن الطائفة الكلابية هم الذين يصفون كلام الله تعالى بأنه حكاية والأشاعرة يقولون أنه عبارة عن الكلام القديم القائم بذات الله أو حديث عما في النفس للفرار من الوقوع في القول بأن القرآن كلام الله بالصوت والحرف ، كما يقوله أهل السنة ، ولذلك قال المحققون من أهل العلم لا ينبغي وصف كلامه بأنه حكاية وعبارة حتى لا نقع فيما وقعوا فيه .
قال شيخ الإسلام –رحمه الله - في العقيدة الواسطية : ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه.قال الشيخ العثيمين شارحها : قال :" لا يجوز إطلاق القول": ولم يقول : لا يجوز القول! يعني: لا يجوز أن نقول: هذا القرآن عبارة عن كلام الله؛ إطلاقاً، ولا يجوز أن نقول أنه حكاية : هم الكلابية ، والذين قالوا: إنه عبارة: هم الأشعرية.والكل اتفقوا على أن هذا القرآن الذي في المصحف ليس كلام الله ، بل هو إما حكاية أو عبارة، والفرق بينهما:أن الحكاية المماثلة؛ تعني : كأن هذا المعنى الذي هو الكلام عندهم حُكي بمرآة؛ كما يحكي الصدى كلام المتكلم.
أما العبارة؛ فيعني بها أن المتكلم عبر عن كلامه النفسي بحروف وأصوات خلقت.فلا يجوز أن نطلق أنه حكاية أو عبارة، لكن عند التفصيل ؛ قد يجوز أن نقول: إن القارئ الآن يعبر عن كلام الله أو يحكي كلام الله؛ لأن لفظه بالقرآن ليس هو كلام الله.
وهذا القول على هذا التقييد لا بأس به، لكن إطلاق أن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله لا يجوز.
5- الاستدلال بما لا يصح معناه والصحيح منه في غير بابه ..1 - ((حب الوطن من الإيمان)) هذا ليس بحديث بل هو موضوع ومكذوب انظر: أسنى المطالب (ص)126)، وانظر تعليق رقم (551)لترى المراجع التي حكمت عليه أيضاً بالوضع.والْأَظْهَرُ إن كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا،: أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطَنِ الْجَنَّةُ فَإِنَّهَا الْمَسْكَنُ الْأَوَّلُ لِأَبِينَا آدَمَ . قاله علي القارئ.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح وفي إغاثة اللهفان وطريق الهجرتين ومدارج السالكين وفي مفتاح دار السعادة ..
فَحَي عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ ... فَإِنهَا مَنَازِلُكَ الأولَى وَفِيهَا المُخَيّمُ
وَلكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِّ، فَهَلْ ... تَرَى نَعُودُ إلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ؟
قال النووي – رحمه الله - :في رياض الصالحين .
إِنَّ للهِ عِبَاداً فُطَنَا ... طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا ... أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا ... صَالِحَ الأعمال فيها سفنا
فقوله : (أنها ليست لحي وطناً) أي: داراً يتوطن فيها على الأبد، لأن الإنسان في هذه الدار كالمسافر المرتحل، والوطن الحقيقي هو الدار الآخرة التي لا نهاية لآخرها بإرادة الله تعالى وقدرته كما جاء في الحديث «يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت» .
ولذلك قال العلماء : أن هذا هو المراد من حديث «حبّ الوطن من الإيمان» أي: فينبغي لكامل الإيمان أن يعمر وطنه بالعمل الصالح والإحسان .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (36)(1/110) 36 - " حب الوطن من الإيمان ".موضوع. كما قال الصغاني (ص 7) وغيره.ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟ ! انتهى كلامه .
وقال الشيخ - رحمه الله - في سلسلة الهدى والنور : ( الشريط 527/ 06: 12: 00)الشيخ: الجملة اللي هي شائعة بين الناس إن الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان». هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان.إذن الرسول ما صح عنه أنه قال: حب الوطن من الإيمان.نرجع بقى نقول: سؤال فقهي، سؤال فقهي بعد ما طهرنا الأذهان من كون الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان».هل صحيح أن حب الوطن من الإيمان أم يجوز حب الوطن؟ في فرق:شيء يجوز وشيء له علاقة بالإيمان، أي شيء له علاقة بالإيمان فهو مستحب وأنت صاعد حتى يصير فرضاً، صح ولا لا؟ لكن الأمر الجائز سواء عليك فعلته أو تركته.حب الوطن أمر غريزي، حب الوطن أمر غريزي، مثل حب الحياة، ومثل كراهية الموت، فالإنسان الذي يحب الحياة لا يمدح ولا يذم لكن يمدح ويذم باعتبار ما يتعلق بحياته كما قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله» صحيح الجامع" (رقم3297).فإذن حب الوطن أمر غريزي في الناس؛ ولذلك قال تعالى في حق اليهود: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ} (النساء:66) لماذا؟ لأن الإنسان يتعلق بوطنه، فالتعلق بالوطن أمر غريزي، أمر طبيعي.بدي أرجع أنا لحديثك، صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما عزم على الهجرة من مكة إلى المدينة توجه إلى مكة وقال: أما إنك ..انتبه بقية الحديث .. يختلف الأمر عن المعنى الذي دار في ذهنك خطأ، الحديث ليس له علاقة بحب الوطن أي وطن، إنما له علاقة بحب خير بلاد الله، قال عليه السلام: «إنك أحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» صحيح الجامع" (رقم7089). ليه؟ لأنه وطنه؟ لا؛ لأنه خير بلاد الله، ولأن هذه مكة أحب البلاد الله إلى الله، بالتالي أحب بلاد الله إلى رسول الله.فإذن هذا الكلام لا يطبق على كل بلاد الدنيا."انتهى بتصرف يسير.
فالوطنيون الضالون أخذوا من أوروبا وغيرها مفهوم الوطنية الوثني، والولاء للوطن، وأن الوطنية هذه حاجز بينك وبين إخوانك في العقيدة وكل بلدة تعتز بصنم وطنها؛ حتى يمزقوا المسلمين، فيستدلون بهذا الحديث ويقولون: إن الرسول عليه الصلاة السلام دلل على حب الوطن بقوله : (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله)، فهل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد فيها وهي بلده أم لأنها أحب الأرض إلى الله؟ لأنها أحب البقاع إلى الله، وحتى لو كان يحبها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنها بلده ووطنه فيجب على كل مسلم أن يكون البلد الذي يحبه رسول الله أحب إليه من كل بقعة على ظهر الأرض، فالمسألة ليست متروكة للاختيار، فكل مؤمن لابد أن يستحضر في القلب أن أحب الأوطان إليه هي مكة والمدينة وبيت المقدس، فهذه أحب الأوطان إليك، حتى تكون أحب إليك من أي مكان حتى البلد الذي نشأت فيه، ولا شك في ذلك، كما يقول الشاعر: ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني .فإن هذا الحديث يساء فهمه لتأييد الوطنية بمفهوم الوثنية، والحديث إنما يثبت فضل مكة على سائر البقاع؛ لأن مكة حرم، فهي حرم إبراهيم عليه السلام حرمها إبراهيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (والله إنك لخير أرض الله،وأحب أرض الله إلى الله)، وهذه حكمة جعلها الله في مكة، كما جعل الرسول المدينة حرم محبب إليه وإلى أصحابه فينبغي لكل مسلم أن تكون طيبة الطيبة حرما محببا إليه أحب من وطنه وترابه لأن الرسول يحبها ودعا الله أن يحببها للمسلمين وليس فقط لسكانها لأنها وطنهم. فالرسول -r- دعا ربَّه أن يحبِّبَ إليهم المدينة كحبِّهم مكة أو أشد حبًّا.
هذا ليس لحب ذات الوطن وإنما لما لقوا فيها من شدة ومرض . فقد البخاري بَابُ مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالحُمَّى(ح 5677) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ
وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» وأخرجه مسلم (1376) باب فضل سكنى المدينة .
فأين معنى حب الوطن فيه . دعا ربه لتكون المدينة مثل مكة في قلوب المسلمين أو أشد .
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (1/66):الذي يقتل من أجل الدفاع عن الوطن - فقط- ليس بشهيد. ولك الواجب علينا ونحن مسلمون وفي بلد إسلامي- ولله الحمد- ونسأل الله أن يثبتنا علي ذلك، الواجب أن نقاتل من أجل لإسلام في بلادنا، وانتبه للفرق؛ نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، ونحمي الإسلام، لو كنا في أقصي الشرق أو الغرب.
لو كانت بلادنا في أقصي الشرق أو الغرب قاتلنا من أجل الإسلام في وطنا أو من أجل وطننا لأنه إسلامي؛ ندافع عن الإسلام الذي فيه.
أما مجرد الوطنية فإنها نية باطلة لا تفيد الإنسان شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم والإنسان الذي يقول إنه كافر؛ إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن.والذي يقتل من أجل الدفاع عن الوطن - فقط - ليس بشهيد.
ولكن الواجب علينا ونحن مسلمون وفي بلد إسلامي - ولله الحمد- ونسأل الله أن يثبتنا علي ذلك، الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، وانتبه للفرق، نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في أقصي الشرق أو الغرب قاتلنا للإسلام وليس لوطننا فقط، فيجب أن تصحح هذه اللهجة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا أو من أجل وطننا لأنه إسلامي؛ ندافع عن الإسلام الذي فيه.6- الاستدلال بحديث ((فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ ..)) فليس فيه دليل على المقصود ، ولم يرد في طرق الحديث لفظ الوطن أو الأرض أو بلدته ، وإنما الوارد هو لفظ الأهل ، والأهل هم الزوجة أو الزوجات والأولاد والوالدين ، ولا يدخل فيهم الوطن لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، والمقصود هو ما قاله العلماء لا ما استنبطه أنه إذا فرغ المسافر من شغله وحاجته فلا حاجة له في البقاء بعيدا عن أهله لما في ذلك من الخوف عليهم وضياعهم ولا يمنع الشوق إليه إذا طالت مدته ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -r- قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ. يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهَتِهِ، فَلْيَعْجَلْ إِلَى أَهْلِهِ» أخرجه مالك في الموطأ (3591)وأحمد(7224 ) والبخاري، (1804) وفي (3001) وفي( 5429) ومسلم (179).
قال ابن بطال (5/ 156) قال المؤلف ( البخاري): أما تعجيله -r- إلى المدينة؛ فليخرج نفسه من عذاب السفر، وليفرح بنفسه أهله وجماعة المؤمنين بالمدينة.
قال ابن عبد البر في التمهيد (22/36) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طُولَ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَكِيدَةٍ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَجُوزُ وَأَنَّ مَنِ انْقَضَتْ حَاجَتُهُ لَزِمَهُ الِاسْتِعْجَالُ إِلَى أَهْلِهِ الَّذِينَ يُمَوِّنُهُمْ وَيَقُوتُهُمْ مَخَافَةَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ بَعْدَهُ فِيهِمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ .
وقال النووي في شرح مسلم (13/70) وَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الرُّجُوعِ إِلَى الْأَهْلِ بَعْدَ قَضَاءِ شُغْلِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِمُهِمٍّ .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/623) قَوْلُهُ :فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَتِيقٍ وَسَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فَلْيُعَجِّلِ الْكَرَّةَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِه .
ِوَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَاسْتِحْبَابُ اسْتِعْجَالِ الرُّجُوعِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةُ بِالْغَيْبَةِ وَلِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي الْأَهْلِ مِنَ الرَّاحَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَلِمَا فِي الْإِقَامَةِ من تَحْصِيل الْجَمَاعَات وَالْقُوَّة على العادة وَالْعِبَادَة .
وختاما :أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يفقهنا في ديننا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجعلني وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ربي سميع قريب .
وكتب :أبو بكر يوسف لعويسي