المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تتعامل مع من يبغضك ؟؟؟



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
16-May-2015, 10:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
ليس من شك أن إرضاء النّاس غاية لا تدرك ، فإن هناك من النّاس مهما أحسنت إليهم ، وتلطفت معهم يسيئون إليك ويبغضونك ؛ بل لو كنت في الاستقامة كالقدح من الزجاج فإنك تجد من يبغضك كما قال أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - وَلَوْ كَانَ الْمَرْءُ أَقْوَمَ مِنَ الْقَدَحِ لَوَجَدْتَ لَهُ غَامِزًا. ابن حبان البستي في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (1/133)وأدب الدين والدنيا للماوردي (1/271)وابن عبد البر في بهجة المجالس(1/88).
فسنة الله الجارية في خلقه أن جعل الإنسان بين محب ومبغض ، ذكر الذهبي في كتابه السير (8/66)وأبو نعيم في الحلية (6/321)عن إبراهيم الحزامي قال : حدثني مطرف بن عبد الله قال : قال لي مالك : ما يقول الناس في ؟ قلت: أمّا الصديق فيثني وأما العدو فيقع . فقال : مازال النّاس كذلك بين محب ومبغض ، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها .
قال أبو بكر : هذه سنة الله في خلقه ، والإنصاف عزيز بين عباده ، إلا عند العقلاء منهم وقليل ما هم ؛ فاعرف الحق تعرفهم ، وتمسك به تكن منهم ، فالخالق الذي خلقهم لم يسلم من محب ولي ومبغض عدو فافهم ولا تجزع وتهم .
ومن الإنصاف أن يقال : إن كان بغض هؤلاء لإخوانهم لله وفي الله مع وجود المقتضى وانتفاء المانع فنعم العروة الوثقى من الإيمان ..ففي مصنف ابن أبي شيبة (321 ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، تَدْرِي أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ» ، فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، حَتَّى قَالَ لِي ثَلَاثًا، قَالَ: «فَإِنَّأَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ، الْحَبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» . ثُمَّ قَالَ: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «تَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: «أَفْضَلَهُمْ عَمَلًا إِذَا فَقِهُوا فِي دِينِهِمْ» . ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟» ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَبْصَرُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ» صحيح الجامع(2539)والسلسلة الصحيحة (998).
نعم فإن الحب في الله والبغض فيه من أوثق عرى الإيمان إذا توفرت أسبابه ودواعيه ، ولكن قد يتوهم متوهم أنّ بغضه مبني على علم متيقن وظن راجح فيمن يجب أن يبغض في ذات الله ، والأمر على عكس ذلك تماما، فالكثير من إخواننا السلفيين تجده يتخذ موقفا معاديا يبغض فيه أخاه دون سبب معتبر أو مخالفة تخرج أخاه من منهج السلف إلى منهج أهل البدع والأهواء والسبب في هذا كله أن هؤلاء ما فقهوا منهج التعامل من المسلمين عامة وإخوانهم أهل السنة السلفيين بخاصة ..
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم (2/266-268) وَأَمَّا الْبُغْضُ فِي اللَّهِ، فَهُوَ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِرَجُلٍ مِنْ أَخِيهِ شَرٌّ، فَأَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مَعْذُورًا فِيهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أُثِيبَ الْمُبْغِضُ لَهُ، وَإِنْ عُذِرَ أَخُوهُ، كَمَا قَالَ عُمَرُ: " إِنَّا كُنَّا نَعْرِفُكُمْ إِذْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَإِذْ يَنْزِلُ الْوَحْيُ، وَإِذْ يُنْبِئُنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ أَلَا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْطُلِقَ بِهِ، وَانْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَإِنَّمَا نُعَرِّفُكُمْ بِمَا نُخْبِرُكُمْ، أَلَا مَنْ أَظْهَرَ مِنْكُمْ لَنَا خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا، وَأَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ مِنْكُمْ شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا وَأَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ، سَرَائِرُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ ".وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا يُظْهِرُ خَيْرًا، وَيُسِرُّ شَرًّا، أَحْبَبْتَهُ عَلَيْهِ، آجَرَكَ اللَّهُ عَلَى حُبِّكَ الْخَيْرَ، وَلَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا يُظْهِرُ شَرًّا، وَيُسِرُّ خَيْرًا بَغَضْتَهُ عَلَيْهِ، آجَرَكَ اللَّهُ عَلَى بُغْضِكَ الشَّرَّ.وَلَمَّا كَثُرَ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي مَسَائِلِ الدِّينِ، وَكَثُرَ تَفَرُّقُهُمْ، كَثُرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَبَاغُضُهُمْ وَتَلَاعُنُهُمْ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُبْغِضُ لِلَّهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعْذُورًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا، بَلْ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ، مُقَصِّرًا فِي الْبَحْثِ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا يُبْغِضُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْبُغْضِ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ لِمُخَالَفَةِ مَتْبُوعٍ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ..
وَهَذَا الظَّنُّ خَطَأٌ قَطْعًا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ، فَهَذَا الظَّنُّ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَامِلُ عَلَى الْمَيْلِ مُجَرَّدَ الْهَوَى، وَالْإِلْفَ، أَوِ الْعَادَةَ، وَكُلُّ هَذَا يَقْدَحُ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبُغْضُ لِلَّهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْصَحَ نَفْسَهُ، وَيَتَحَرَّزَ فِي هَذَا غَايَةَ التَّحَرُّزِ، وَمَا أُشْكِلَ مِنْهُ، فَلَا يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْبُغْضِ الْمُحَرَّمِ.وَهَاهُنَا أَمْرٌ خَفِيٌّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ قَدْ يَقُولُ قَوْلًا مَرْجُوحًا، وَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِيهِ، مَأْجُورًا عَلَى اجْتِهَادِهِ فِيهِ، مَوْضُوعًا عَنْهُ خَطَؤُهُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالَتِهِ تِلْكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَنْتَصِرُ لِهَذَا الْقَوْلِ إِلَّا لِكَوْنِ مَتْبُوعِهِ قَدْ قَالَهُ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، لَمَا قَبِلَهُ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ، وَلَا وَالَى مَنْ وَافَقَهُ، وَلَا عَادَى مَنْ خَالَفَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا انْتَصَرَ لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ مَتْبُوعِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَتْبُوعَهُ إِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الِانْتِصَارَ لِلْحَقِّ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا هَذَا التَّابِعُ فَقَدْ شَابَ انْتِصَارَهُ لِمَا يَظُنُّهُ الْحَقَّ إِرَادَةُ عُلُوِّ مَتْبُوعِهِ، وَظُهُورُ كَلِمَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَى الْخَطَأِ، وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِ الِانْتِصَارِ لِلْحَقِّ، فَافْهَمْ هَذَا، فَإِنَّهُ فَهْمٌ عَظِيمٌ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
رحم الله الحافظ ابن رجب كأنه حي يرزق بيننا شاهد على عصرنا ، فهذا هو الواقع الأليم كما يصوره في مقاله هذا ..وقد حصل الاختلاف وكثر التفرق وكبر التمزق وحصل الشقاق حتى تدابروا وتهاجروا وتقاطعوا وتباغضوا خلافا لما أمر الله به ورسوله ، واقتصروا على البغض في ذات الدنيا ، وفي ذات الجماعة وذات الحزب ، وذات الطريقة وذات الشيخ - إلا من رحم الله - وإذ الحال كذلك فكيف العلاج وهي الطريقة المثلى التي ينبغي أن تعامل من يبغضك سواء صرح بذلك أم لمح لم به وأشار بتصعير خده وعبوس وجهه وعدم إلقاء حتى السلام عليك ؟؟
اقرأ معي هذا النص من كلام الله عز وجل مما أوحى به إلى نبيه ليعلمنا كيف نتعامل مع من أساء إلينا وأبغضنا فقال جل وعز :{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }(36) فصلت.
قال ابن كثير- رحمه الله - وَقَوْلُهُ: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أَيْ: فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أَيْ: مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَادْفَعْهُ عَنْكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَا عَاقَبْتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ.وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وَهُوَ الصَّدِيقُ، أَيْ: إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ قَادَتْهُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ، حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لَكَ حَمِيمٌ أَيْ: قَرِيبٌ إِلَيْكَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} أَيْ: وَمَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَّا مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أَيْ: ذُو نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى.قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
قال العلامة السعدي في تفسيرها (4/398-399).يقول تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق.{وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ ".
فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له.{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.هل فقه السلفيون هذه الوصايا الربانية فعملوا بها فكانوا أسعد وأفضل النّاس وأبصرهم بالحق إذا اختلف النّاس شيعا وطوائف .
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود في الحديث الآنف الذكر .ثُمَّ قَالَ: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «تَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: «أَفْضَلَهُمْ عَمَلًا إِذَا فَقِهُوا فِي دِينِهِمْ» . ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟» ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَبْصَرُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ»
وخلاصة القول في معاملة من يبغضك من إخوانك ممن تظن أنهم على الجادة هي أن تصبر عليه وتدفع بالتي هي أحسن السيئة وتعلم أنه ليس هناك أفضل من أن تطيع الله فيمن أبغضك بقدر ما عصى الله فيك ، وتحسن إليه بقدر ما أساء القول والفعل فيك حتى لو كنت قادرا على العقوبة بمثل ما عقبت به كما قال عمر أمير المؤمنين – رضي الله عنه - فيما نقله ابن كثير رحمه الله آنفا .
ولقد رأيت أخي القارئ الكريم نموذجا – والنماذج كثيرة جدا - فيما نقلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مقال سابق تحت عنوان (( ما أحوج كثير من السلفيين إلى هذا )) فإن كنت لم تقرأه بعد فارجع إليه لترى فقه العلماء وأدبهم وصبرهم على المخالفين فضلا عن إخوانهم .
وفقني الله وإياك وجميع السلفيين لما يحبه ويرضاه غنه ولي ذلك القادر عليه .

أبو بكر يوسف لعويسي
18-May-2015, 02:56 AM
جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم أبا عبد المصور ، ولقد تم تعديله فخرج في مقال أجمل واشمل مما كان عليه .وفقني الله وإياك وجميع السلفيين لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك القادر عليه .

أبو الوليد خالد الصبحي
18-May-2015, 05:27 AM
جزاك الله خيرا شيخنا على هذه المقال وكتب الله لكم الأجر ونفع المسلمين

أبو بكر يوسف لعويسي
30-May-2015, 01:20 AM
آمـــــــــــــــــــــــــــين وبارك فيكم

في صحيح الأدب المفرد (643) - باب أحبب حبيبك هونا ما.1321 - (ث 382) عن علي رضي الله عنه قال: لِابْنِ الْكَوَّاءِ هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ الْأَوَّلُ؟ أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عسى أن يكون حبيبك يوما ما. قال الشيخ الألباني – رحمه الله - حسن لغيره موقوفاً وقد صح مرفوعاً ـ «غاية المرام» (272) .
وهو في صحيح الجامع (178 )وقال بعده (صحيح) ... [ت هب] عن أبي هريرة [طب] عن ابن عمرو [الدارقطني في الأفراد عد هب] عن علي [خد هب] عن علي موقوفا. غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (472).
وفي شرح السنة للبغوي بَاب الْقَصْد فِي الْحبّ والبغض .( 3481)عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " يَا أَسْلَمُ لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلا بُغْضُكَ تَلَفًا.
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا أَحْبَبْتَ فَلا تَكْلَفْ كَمَا يُكَلف الصَّبِيُّ بِالشَّيْءِ يُحِبُّهُ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَلا تُبْغِضْ بُغْضًا تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُكَ وَيَهْلِكَ ".
وَقَالَ الْحَسَن: أَحِبُّوا هَوْنًا، وَأَبْغِضُوا هَوْنًا، فَقَدْ أَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي حُبِّ أَقْوَامٍ، فَهَلَكُوا، وَأَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي بُغْضِ أَقْوَامٍ فَهَلَكُوا.
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:
وَكُنْ مَعْدِنًا لِلْخَيْرِ وَاصْفَحْ عَنْ الْأَذَى ... فَإِنَّك رَاءٍ مَا عَلِمْت وَسَامِعُ
وَأَحْبِبْ إذَا أَحْبَبْت حُبًّا مُقَارِبًا ... فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ نَازِعُ
وَأَبْغِضْ إذَا أَبْغَضْت غَيْرَ مُبَايِنٍ ... فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ رَاجِعُ