المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (الصوم جنة) -- عطية بن محمد سالم



أبو ياسر إسماعيل بن علي
18-Jun-2015, 01:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أمابعد
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (الصوم جنة)
قوله عليه الصلاة والسلام: (الصوم جنة ) الجُنَّة: يقول علماء فقه اللغة: إذا اجتمعت الجيم والنون المضعَّفة جُنَّ، جَنَّة، جنين، جِنٌّ، كل هذه الألفاظ ترتبط في صلة قرابة في الدلالة بصفة عامة على شيءٍ مختفٍ مستتر، أو تدل على الخفاء والاستتار، فتقول: الجنين، هو موجود في بطن أمه مستتر عنا، تقول: الجن، نحن لا نراهم، والجُنَّة: هي ما تجِن الإنسان، أي: تقيه وتستره عن الضربات، والمِجَن: هو ما يتقي به الفارس ضربات عدوه.
فكان مِجَنِّي دونَ مَنْ كنتُ أتَّقي ثلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ ومُعْصِرُ يعني: وقايتي من أعين الناس، وعلى هذا يتفق العلماء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبَّه الصوم بالجُنَّة، ولو جئنا بدل النون باء، وضعنا النقطة من تحت صارت جبَّة، فإذا لبست الجبة كانت ساترة لك عن أعين الناس، وإذا تلبَّست بالصوم كان جنة لك عن الشيطان، وجُنَّة لك عن المعاصي، ولهذا جاء الحديث: ( والصوم جنة ما لم يخرقها، قالوا: بم يخرقها يا رسول الله، قال: بكذب أو غيبة أو سباب ) أو نحو ذلك.
أو كما قال صلى الله عليه وسلم .

تصوير الصوم بأنه جنة كيف يتحقق؟
إذا جئنا إلى النصوص الواردة في الصوم وجدنا أن الإنسان يصوم عن شهوتي الفرج والبطن، حتى حال غيبته عن الناس عندما تثور عنده شهوة المأكل والطعام أمامه فإنه لا يتناوله، وإذا ثارت عنده شهوة الفرج وزوجته الحسناء على فراشه فلا يقربها، وهذا كله امتثالاً لأمر الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )، ومن هنا كان الصوم مربي الضمائر، وثمرته التقوى، كما قال سبحانه: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183]، أي: لعلكم أن تكونوا على جانب عظيم من التقوى، وتكون لكم الوقاية من عذاب الله.
ومن هنا أيضاً جاء الحديث: ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم )، فالصوم يجعلك في جُنَّة، فلا ترد على من سابك أو شاتمك، فهل يمكن أن تبدأ أنت بالاعتداء؟! لا؛ لأنك بصومك تستجن وتتقي، ولا ترد على من يعتدي عليك، بل من سابك أو شاتمك تقول له: (إني امرؤ صائم)، أي: لا أستطيع أن أجيبك لأني صائم، صائم عن ماذا؟ صائم عن الحلال الطعام والشراب، فكيف أفطر على هذا المحرم؟ ولهذا جاء عن جابر رضي الله تعالى عنه: لا يتم صوم العبد حتى تصوم جوارحه.
فالعين تصوم فلا تنظر إلى ما حرم الله، واليد تصوم فلا تمتد إلى ما حرم الله، لا بأخذ مال الناس، ولا بالبطش بالضعفاء، والأذن تصوم فلا تصغي إلى حديث محرم، والرجل تصوم فلا تسعى إلى مكان محرم، والنفس تصوم فلا تتمنى وتحلم أحلام اليقظة في شيءٍ محرم، لأن أحلام اليقظة يمكن أن تجر إلى العمل الفعلي، فيدخل الإنسان في المعصية والإثم ظاهراً وباطناً، وتتعود وتتمرن تلك الجوارح شهراً كاملاً على الصوم، حتى تعتاد هذه الجوارح الطاعة، ولا تنتكس في حمأة المعاصي بسهولة

شرح الأربعين النووية عطية بن محمد سالم (المتوفى : 1420هـ)رحمه الله
(64/ 4، بترقيم الشاملة آليا)