المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الْغُرُوْر وَالْعُجْب وَالْكِبُر



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
30-May-2010, 10:26 PM
الْغُرُوْر وَالْعُجْب وَالْكِبُر
من رسالة عوائق الطلب للشيخ عبد السلام بن برجس ال عبد الكريم




معصية الله تعالي عائقة عن مي العلم الشرعي ، لأنه نور الله يقذفه في أفئدة من يشاء من عباده ، ولا يجتمع في قلب نور وظلمة ، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأحسب الرجل ينسي العلم قد علمه بالذنب يعلمه (1)

ورحم الله الشافعي حيث قال :



شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي


وإن أقبح ما تلبس به طالب العلم من المعاصي – وكلها قبيح – التكبر والتعاظم والغرور ، فيزدري هذا ويترفع عن هذا ، ويتبختر في المشي ، ويتشدق في الكلام ، إلي غير ذلك من صفات العجب بالنفس ، التى نهي الله تعالى عنها في قوله تعالى :

( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ( لقمان : من الآية 18 )

المرح : التبختر .

وقال تعالي : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( القصص : 83 )

وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه ، مرجل رأسه ، يختال في مشيته ، إذا خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة )) .

قال ابن الجوزي – رحمه الله –

(( أفضل الأشياء التزيد من العلم ، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافياً استبد برأيه ، فصار تعظيمه لنفسه مانعاً من الاستفادة )) .

قال : غير أن اقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوعُ رؤية للنفس حبس عن إدراك الصواب ، نعوذ بالله من ذلك . ا هـ ([2]) .

وصدق علي بن ثابت حينما قال :


العلم آفته : الإعجاب والغضب والمال آفته : التبذير والنهب


قال أيوب السختياني : (( ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله )) .

وقالوا : (( المتواضع من طلاب العلم أكثر علماً ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء )) .

وقيل لحكيم : ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها ؟ : قال التواضع .
قيل له فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه ؟ قال العجب . ([3])

- فليحذر الطالب من هذه الصفات الذميمة التي يمقتها الله ، ويمقتها المؤمنون ، فإن من تواضع لله رفعه ، وضده : من لم يتواضع لله سَفُلَ .
وإذا حدثته نفسه بشيءٍ من ذلك فليذكر مآله ومصيره ، وليعلم أن هناك من هو أصغر منه سناً ، وأكبر منه علماً .
* ولقد بلينا في هذا الزمن بشرذمةٍ قليلةٍ – ولله الحمد – يقرؤون كتاباً أو كتابين ، ويحفظون مسألة أو مسألتين ، ثم بعد يوم أو يومين – من أعمارهم في الطلب – يصبحون مجتهدين ، وليتهم يقتصرون على هذا الخيال الكاسد ، بل يستصغرون غيرهم من العلماء ، بله طلبة العلم والدعاة ، ويرون لأنفسهم مكاناً عالياً لا يصل إليه أحد ، يظهر ذلك علي ملابسهم ، ومشيهم ، وكلامهم فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وما أعظم ضررهم ، وأقل نفعهم ، وأمتن جهلهم ، نسأل الله تعالي أن يهديهم سواء السبيل .

وإلى هؤلاء أسوق فضلاً نفيساً لابن الجوزي – رحمه الله – حيث يقول :

(( انتقدت على أكثرالعلماء والزهاد : أنهم يبطنون الكبر ، فهذا ينظر من موضعه وارتفاع غيره عليه ، وهذا لا يعود مريضاً فقيراً يرى نفسه خيراً منه ، وقل من رأيت إلا وهو يرى نفسه ، والعجب كل العجب ممن يرى نفسه ، أتراه يماذا رآها !
إن كان بالعلم فقد سبقه العلماء ، وإن كان بالتعبد فقد سبقه العباد ... إلى أن قال : ومن تلمح خصال نفسه وذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب ، والتقصير ، وهو من حال غيره على شك .
فالذي يحذر منه : الإعجاب بالنفس ، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة ، والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه .
وقد قيل لعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – إن مت ندفنك في غرفة رسول الله ص ؟ فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك ، أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك . ا هـ ([4]) .

قال في تهذيب الأحياء :
(( والكبر بالعلم ، وهو أعظم الأفات ، وأغلب الأدواء ، وأبعدها عن قبول العلاج ، إلا بشدةٍ شديدةٍ وجهدٍ جهيدٍ ، وذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله ، عظيم عند الناس ، وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما .
ولن يقدر العالم على دفع الكبر إلا بمعرفة أمرين :
أحدهما : أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد ، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عشره من العالم ، فإن من عصى الله تعالى عن معرفةٍ وعلم فجنايته أفحش ، إذا لم يقض نعمة الله عليه في العلم .
الأمر الثاني : أن العالم يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ، وأنه إذا تكبر صار ممقوتاً عند الله بغيضاً . ([5])
لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( قال الله تعالى : العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن ينازعني عذبته )) ([6]) .
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )).
فقال الرجل : أن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنةً ؟ قال : (( إن الله جميل يحب الجمال ، والكبر بطر الحق ، وغمط الناس )) ([7])

غمط الناس : احتقارهم .


***




-----------------------------------------------


[1] - الجامع ( 1/196 ) .
[2] - من (( صيد الخاطر )) ص 111 .
[3] - الجامع ( 1/142 ) .
[4] - صيد الخاطر ، ص 282 .
[5] - تهذيب الإحياء ( 2/136) .
[6] - رواه مسلم .
[7] - رواه مسلم .