المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة : الفأرة الذي وقعت ميتة في الزيت ، هل يستصبح به أو ينتفع بالأكل وفي غيره ؟



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
27-Sep-2015, 01:32 PM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، و أما بعد :
اردت بيان هذه المسألة عن الفأر و بعض الأحكام المتعلقة بها ، راجيا من الله أن يثيبني على هذا العمل .
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس لاجناح علي من قتلهن في الحرم والإحرام: الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والكلب العقور)). متفق عليه.
وعن عائشة، عن النبي صل الله عليه وسلم، قال: ((خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا)) متفق عليه.
معنى فويسقة
قال ابن بطال : وإنما أراد والله أعلم بالفسق الخروج من الحرمة، يقول: خمس لا حرمة لهن، ولا بغيًا عليهن، ولا فدية على المحرم فيهن إذا أصابهن، وإنما أباح قتلهن لعاديتهن. وفيه: وجه آخر، وهو أن يكون أراد بتفسيقها تحريم أكلها، كقوله تعالى وقد ذكر المحرمات: (ذَلِكُمْ فِسْقٌ) [المائدة: 3] يدل على صحة هذا ما رواه المسعودى، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، عن النبى عليه السلام قال: (الغراب فاسق. فقال رجل من القوم: أيؤكل لحم الغراب؟ قالت: لا، ومن يأكله بعد قوله: فاسق) . وروت عمرة مثله عن عائشة وقالت: والله ما هو من الطيبات، تريد قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) [الأعراف: 157] ومما يدل على أن الغراب يقذر لحمه قول الشاعر: فما لحم الغراب لنا بزاد ولا سرطان أنهار البريص. شرح صحيح البخاري ( 4 / 396 )
وقال أيضا: وإنما سمى الفأرة: فويسقة، لأذاها وفسادها كما يفسد الفاسق، قال عليه السلام: (خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم. . . .) الحديث . ( 9 / 66 )
قال الطيبي : ، فقال الشافعي: المعنى في جواز قتلهن كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لا فلا. شرح المشكاة ( 6 / 2034 )
و مما يدل على أذيتها كما جاء فى صحيح مسلم وغيره: أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمر بإطفاء النار عند النوم. وعلل ذلك بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم نارا.
وفى البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: فقدت أمة من بنى إسرائيل، ولا يدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر؛ ألا تراها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاة شربته»
قال النووى تعليقا على هذه العبارة: معنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بنى إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها، فدل بامتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بنى إسرائيل.
مسألة : اذا وقع السمن في الزيت جامدا او مائعا
بوب البخاري رحمه الله باب: إذا وقعت الفأره فى السمن الجامد أو الذائب
فقد استنبط التبويب من حديث ابْن عَبَّاس، وَمَيْمُونَةَ، أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِى سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) عَنْهَا، فَقَالَ: (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ) رواه البخاري .
قال ابن بطال : وفى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ألقوها وما حولها) دليل أن السمن كان جامدًا، لأنه لا يتمكن طرح ما حولها فى الذائب المائع؛ لأن فى الحركة يسرح بعضه بعضًا. والعلماء مجمعون أن هذا حكم السمن الجامد تقع فيه الميتة أنها تلقى وما حولها ويؤكل سائره؛ لأن رسول الله حكم للسمن الملاصق للفأرة بحكم الفأرة، لتحريم الله الميتة، فأمر بإلقاء ما مسها منه. وأما السمن المائع والزيت والخل والمرى والعسل وسائر المائعات تقع فيها الميتة، فلا خلاف أيضًا بين أئمة الفتوى أنه لا يؤكل منها شيء. شرح صحيح البخاري ( 5 / 451 )
قال ابن بطال : وكذلك كل مائع وقعت فيه نجاسة هو مثل السمن. صحيح البخاري ( 5 / 453 )
قال الطيبي : واتفقوا على أن الزيت إذا مات فيه فأرة أو وقعت فيه نجاسة أخرى، أنه ينجس ولا يجوز أكله. شرح المشكاة ( 9 / 2822 )
قال الحافظ ابن حجر: وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَائِعَ إِذَا حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَا يَنْجَسُ الا بالتغير وَهُوَ اخْتِيَار البُخَارِيّ وَقَول بن نَافِعٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ قَالَ تُؤْخَذُ الْفَأْرَةُ وَمَا حَوْلَهَا فَقُلْتُ إِنَّ أَثَرَهَا كَانَ فِي السَّمْنِ كُلِّهِ قَالَ إِنَّمَا كَانَ وَهِيَ حَيَّةٌ وَإِنَّمَا مَاتَتْ حَيْثُ وُجِدَتْ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ فِيهِ عَنْ جَرٍّ فِيهِ زَيْتٌ وَقَعَ فِيهِ جُرْذٌ وَفِيهِ أَلَيْسَ جَالَ فِي الْجَرِّ كُلِّهِ قَالَ إِنَّمَا جَالَ وَفِيهِ الرُّوحُ ثُمَّ اسْتَقَرَّ حَيْثُ مَاتَ وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ عَمَلًا بِالتَّفْصِيلِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَقَدْ تمسك بن الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ وَمَا حَوْلَهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَامِدًا قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَائِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَوْلٌ لِأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ مِنْ أَيٍّ جَانِبٍ مَهْمَا نُقِلَ لَخَلَفَهُ غَيْرُهُ فِي الْحَالِ فَيَصِيرُ مِمَّا حَوْلَهَا فَيُحْتَاجُ إِلَى إِلْقَائِهِ كُلِّهِ كَذَا قَالَ وَأَمَّا ذِكْرُ السَّمْنِ وَالْفَأْرَةِ فَلَا عمل بمفهومها وجد بن حزم عَلَى عَادَتِهِ فَخَصَّ التَّفْرِقَةَ بِالْفَأْرَةِ فَلَوْ وَقَعَ غَيْرُ جِنْسِ الْفَأْرِ مِنَ الدَّوَابِّ فِي مَائِعٍ لَمْ يَنْجُسْ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ
وَضَابِطُ الْمَائِعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَتَرَادَّ بِسُرْعَةٍ إِذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَمَاتَتْ عَلَى أَنَّ تَأْثِيرَهَا فِي الْمَائِعِ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَوْتِهَا فِيهِ فَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ وَخَرَجَتْ بِلَا مَوْتٍ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ التَّقْيِيدُ بِالْمَوْتِ فَيَلْزَمُ مَنْ لَا يَقُولُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ بِالتَّأْثِيرِ وَلَوْ خَرَجَتْ وَهِيَ فِي الْحَيَاة وَقد الْتَزمهُ بن حَزْمٍ فَخَالَفَ الْجُمْهُورَ أَيْضًا . فتح الباري ( 9 / 670 )
قال العثيمين :
قاعدة : كل مؤذٍ فإنه يقتل.
فائدة : وعند العلماء قاعدة تقول: ما آذى طبعاً قتل شرعاً، يعني ما كان طبيعته الأذى فإنه يقتل شرعاً، وما لم يؤذ طبعاً ولكن صار منه أذية فلك قتله، لكن هذا الأخير مقيد، فلو آذاك النمل في البيت، وصار يحفر البيت ويفسده فلك قتله وإن كان منهياً عنه في الأصل، لكن إذا آذاك فلك قتله، وكذلك غيره مما لا يؤذي طبعاً ولكن تعرض منه الأذية فاقتله إذا لم يندفع إلا بالقتل. فمثلاً إذا أردت أن تقتل فأرة وقتلها مستحب فأحسن القتلة، أقتلها بما يزهق روحها حالاً، ولا تؤذها، ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس حيث يضع لها شيئاً شيئاً لاصقاً تلتصق به، ثم يدعها تموت جوعاً وعطشاً، وهذا لا يجوز، فإذا وضعت هذا اللاصق؛ فلابد أن تكرر مراجعته ومراقبته، حتى إذا وجدت شيئاً لاصقاً قتلته.
أما أن تترك هذا اللاصق يومين أو ثلاثة وتقع فيه الفارة وتموت عطشاً أو جوعاً، فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت النارَ امرأةٌ في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض)) .
المهم أن ما يشرع قتله فاقتله بأقرب ما يكون من إهلاكه وإتلافه، ومن ذلك الوزغ الذي يسمى السام الأبرص، ويسمى البرصي أيضاً، اقتله واحرص على أن تقتله بأن يموت في أول مرة، فهو أفضل وأعظم أجراً وأيسر له، وكذلك بقية الأشياء التي تقتل. شرح رياض الصالحين ( 3 / 395 – 396 )
مسالة : إنَّ فَأرَةً وَقَعَت فِي سَمْنٍ" فهل هي طاهرة ام نجسة ؟
اختلف العلماءُ في الفأرة، هل هي طاهرةٌ أو نجسة؟
فعند مالك إنّها طاهرة .
وقال الشّافعيُّ وأبو حنيفة : إنّها نجِسَةٌ .
فعلى هذا إذا أخرجت من الدّهن حيّة لم ينجس، ولا يطرح منه شيءٌ. وإن ماتت فيه حينئذٍ يكون الحكمُ.
وتعلّق الذين يرون أنّها نجِسَة، بقول النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إذَاَ وَقَعَتِ الفَأرَةُ في السَّمنِ " وهذا يدلُّ على نجاستها، إذ لو كانت طاهرة لما أثّر وقوعها. المسالك في شرح موطأ مالك ( 5 / 539 )
علّق الحافظ ابن حجر على المؤلِّف بقوله: "وأغرب ابن العربي فحكى عن الشّافعيّ وأبي حنيفة أنّها نجسة". فتح الباري: 9/ 670.
قال ابن القيم : [الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْفَأْرَةَ كَالْهِرَّةِ فِي الطَّهَارَةِ]
وَأَمَّا جَمْعُهَا بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ فِي الطَّهَارَةِ فَهَذَا حَقٌّ، وَأَيُّ تَفَاوُتٍ فِي ذَلِكَ؟ وَكَأَنَّ السَّائِلَ رَأَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ الَّتِي بَيْنَهُمَا تُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَالْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّاةِ وَالذِّئْبِ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ؛ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِطَهَارَةٍ وَلَا نَجَاسَةٍ وَلَا حِلَّ وَلَا حُرْمَةَ، وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ
وَالْمَصْلَحَةِ
؛ فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِنَجَاسَتِهِمَا لَكَانَ فِيهِ أَعْظَمُ حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْأُمَّةِ لِكَثْرَةِ طُوفَانِهِمَا عَلَى النَّاسِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَعَلَى فُرُشِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي الْهِرَّةِ: «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ؛ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» .
( اعلام الموقعين، 2 / 117 )
قال العثيمين رحمه الله : الفأرة وما أشبهها فهي طاهرة لأنها من الطوافين
كل شيء لا يأكل فبوله وعذرته نجسه (بول الهرة والفأرة نجس( . الشرح المختصر على بلوغ المرام .
والصحيح والله اعلم أنها طاهرة ، فإن ماتت فيه حينئذ يكون الحكم ، وان قلنا بنجاستها ولم تغير طعمه ولا لونه ولا ريحه فالزيت طاهر ولا ينجس الا اذا غيرته . سياتي النقل لاحقا عن هذه المسالة .
مسألة : الفأرة الذي وقعت ميتة في الزيت ، هل يستصبح به أو ينتفع بالأكل وفي غيره ؟
قال ابن عبد البر :
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ أَوْ تَقَعُ فِيهِ مَيْتَةٌ هَلْ يُسْتَصْبَحُ بِهِ أَوْ يُنْتَفَعُ مِنْهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِ الْأَكْلِ أَمْ لَا
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ لَا يُسْتَصْبَحُ بِهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا لَا يُؤْكَلُ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ
كَذَا قَالَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ أَوْ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ - حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا يَعِيبُهُمْ بِذَلِكَ
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ أَتَانَا كِتَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ
قَالَ فَحُكْمُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ حُكْمُ الْمِيتَةِ
وَقَالَ آخَرُونَ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي الصَّابُونِ وَشِبْهِهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمر إِجَازَةُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ
قَالَ عَلِيٌّ - رِضَى اللَّهُ عَنْهُ اسْتَنْفِعْ بِهِ لِلسِّرَاجِ وَلَا تَأْكُلْهُ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ
ورواه بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي أَفَرَاقِ زَيْتٍ لِآلِ عَبْدِ الله بن عمر فأمرهم بن عمر أن يستصبحوا به وَيَدْهُنُوا بِهِ الْأَدَمَ
وَمِنْ حُجَّةِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا - إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ - قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا
وَقَالَ آخَرُونَ يُنْتَفَعُ بِالزَّيْتِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَالْمَيْتَةُ كُلُّهَا بِالْبَيْعِ وَبِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الْأَكْلَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ
قَالُوا وَجَائِزٌ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُبَيِّنَ وَكُلُّ مَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ وَالْبَيْعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ لَا تَأْكُلُوهُ وَبِيعُوهُ لِمَنْ تبيعونه وَلَا تَبِيعُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ لَا تَبِيعُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وذكر بن وهب عن بن لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا عَنِ الزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُؤْكَلَ قَالَا لَا قُلْتُ أَفَأَبِيعُهُ قَالَا نَعَمْ ثُمَّ كَلُّوا ثَمَنَهُ وَبَيِّنُوا لِمَنْ يَشْتَرِيهِ مَا وَقَعَ فِيهِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ قَالَ إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فستصبحوا بِهِ وَانْتَفِعُوا بِهِ
قَالُوا وَالْبَيْعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ
قَالَ وَيُحْتَمَلُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ أَيْ لِلْأَكْلِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا تَعَسُّفٌ فِي التَّأْوِيلِ وَبُعْدٌ مِنَ الصَّوَابِ بَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ وَانْتَفِعُوا يُرِيدُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ لَا غَيْرِهِ
وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ الِاسْتِصْبَاحِ لَذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَثْبَتَ فِي مَعْمَرٍ مِنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَعَلَى مِثْلِهِ فِيهِ وَمِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ فِي الزَّيْتِ الْمَنْجُوسِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا إِنَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِمْ شُحُومُ الْمَيْتَةِ وَشُحُومُ الْمَيْتَةِ نَجِسَةُ الذَّاتِ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا وَلَا أَكْلُهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا
وَالزَّيْتُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ إِنَّمَا نَجِسَ بِالْجِوَارِ كَالثَّوْبِ الَّذِي يُصِيبُهُ الدَّمُ وَلِذَلِكَ رَأَى غَسْلَهُ مَنْ رَآهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَذَكَرُوا حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ
فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ وَالْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ هِيَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ لِمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشَّحْمَ جَمَلُوهُ فَبَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ فِي التَّمْهِيدِ
قَالُوا فَعَلَى هَذَا خَرَجَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ فِي بَيْعِ الشُّحُومِ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا وَفِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الذَّاتِ مِثْلُ شُحُومِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ
وَلَيْسَ الزَّيْتُ تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَجِسَ بِالْمُجَاوَرَةِ وَلَيْسَ بِنَجِسِ الذَّاتِ فَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُهُ إِذَا بُيِّنَ بِعَيْبِهِ وَجَازَ أَكْلُ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ .
قال ابن حزم : مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ الْمَائِعِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَرْقِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَفِي " كِتَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.
فَإِنْ كَانَ جَامِدًا أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَيْتَةٌ غَيْرُ الْفَأْرِ أَوْ نَجَاسَةٌ فَلَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ، وَلَا طَعْمَهُ وَلَا رِيحَهُ، أَوْ وَقَعَ الْفَأْرُ الْمَيِّتُ أَوْ الْحَيُّ، أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ، أَوْ أَيُّ مَيْتَةٍ كَانَتْ فِي مَائِعٍ غَيْرِ السَّمْنِ، فَلَمْ تُغَيِّرْ طَعْمًا وَلَا لَوْنًا وَلَا رِيحًا: فَبَيْعُهُ حَلَالٌ، وَأَكْلُهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ: جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا، كَمَا يُبَاعُ الثَّوْبُ النَّجِسُ.
وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الطَّاهِرَ لَا يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ النَّجِسَ وَلَوْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَفْصِلَهُ مِنْ الْحَرَامِ لَحَلَّ أَكْلُهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ نَصٌّ فَهُوَ مُبَاحٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.( المحلى بالآثار، 7 / 515 )
قال الحافظ في الفتح : وَجَمَدَ ابْن حَزْم عَلَى عَادَته، فَخَصَّ التَّفْرِقَة بِالفَأرةِ، فَلَو وقَعَ غَيْر جِنْس الفَأر منْ الدَّوابّ، فِي مَائِع لمْ يَنْجَس، إِلَّا بِالتَّغيُّرِ. وَضَابِط المَائِع عِنْد الْجُمْهُور أَنْ يَتَرَادّ بِسُرْعةٍ، إِذَا أُخِذ مِنْهُ شَيْء.
قال ابن تيمية : قَالَ: سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمُهَا وَدَمُهَا. قُلْت: فَهَذِهِ فَتَاوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالزُّهْرِيِّ مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ رَاوِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ ثُمَّ إنَّ قَوْلَ مَعْمَرٍ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فَلَا تَقْرَبُوهُ مَتْرُوكٌ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ يُجَوِّزُونَ الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ أَوْ تَطْهِيرَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ: {فَلَا تَقْرَبُوهُ}. مجموع الفتاوى ( 21 / 498 )
و قال أيضا : وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الدُّهْنَ يَنْجُسُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ: فَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي طَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. أَحَدُهُمَا: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ شريح وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ. وَهَذَا النِّزَاعُ يَجْرِي فِي الدُّهْنِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِلَا رَيْبٍ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ هَذَا النِّزَاعُ. وَكَذَلِكَ فِي غَسْلِهِ هَذَا النِّزَاعُ. وَأَمَّا بَيْعُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ كَافِرٍ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْ أَحْمَد أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ كَافِرٍ إذَا أَعْلَمَ بِنَجَاسَتِهِ. ( المجموع ، 21 / 512 )
و قال أيضا : وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: {أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ} . فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا عَامًّا مُطْلَقًا بِأَنْ يُلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَأَنْ يَأْكُلُوا سَمْنَهُمْ وَلَمْ يستفصلهم هَلْ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا. وَتَرْكُ الاستفصال فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. ( نفس المصدر ، 515 )
قلت : فقد جاء من طريق آخر فيما رواه الامام النسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ، وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ جَامِدٍ، فَقَالَ: "خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، فَأَلْقُوهُ"). و الحديث صحيح قاله الأثيوبي في المجتبى .
و جاء بطريق آخر فيما رواه ابو داود في سننه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم: (أن فأرة وقعت في سمن فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ألقوا ما حولها وكلوا)].
قال العباد : قوله: [(ألقوا ما حولها وكلوا)].
أي: وكلوا الباقي سواءً كان سائلاً مائعاً أو جامداً، وأما أن يعطى حكم الماء إذا وقعت فيه النجاسة: فإن كان قليلاً فتنجسه، وإن كان أكثر من قلتين فلا تنجسه فأقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يلقى ما حولها ويؤكل الباقي، فهو وإن كان سائلاً إلا أن النجاسة إنما هي حولها، مما دام أنها في مكان مرتفع ولم تصل إلى أسفل فمعنى ذلك أن النجاسة إنما هي في المكان القريب، وليست عامة في الجميع؛ لأنه وإن كان السمن سائلاً إلا أنه ليس مثل الماء في الخفة، فهو كثيف بخلاف الماء. ( شرح سنن أبي داود )
قال الشيخ الألباني : ومن الأمثلة الواقعية الحساسة في الموضوع: تـَنْـك الزيت، تقع فيها فأرة أو سمن في [صيف] سائل يقع فيه فأر، هل يجوز أولاً بيعُ هذا الزيت أو ذاك السمن ثم هل يجوز أكله واستعماله ؟
الجواب: على التفصيل السابق:- إن كانت هذه النجاسة والتي هي هنا الفأرة، غيّرت من شخصية الزيت أو السمن الذي وقعت فيه وذلك بأن يتغير أحد أوصافه الثلاثة، الطعم أو اللون أو الريح، فتغير أحد هذه الأوصاف الثلاثة يعني أن هذا السائل الذي هو الزيت أو السمن قد خرج عن حقيقته الأصيلة وخالطته النجاسة بحيث ُتغلبت عليه فجعلته سائلاً آخر فهو حينذاك يكونُ نجساً لا يجوزُ بيعُه ولا أكله ولا استعماله بأي طريقة من الطرق لأنه نجس ويجب إراقته؛ لأن النبي ? كان يقول : ( لَعَنَ اللهُ اليهود، حُرّمَـت عليهم الشحوم فجمدوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرّم أكلْ شيءٍ حرّم ثَـمَـنَـهُ ) فهذا الزيت أو ذاك السمن إذا تنجس بنجاسة ما في مثالِنا نحنُ الفأر الميت، حينئذ أصبَح نجساَ فلا يجوزُ بيعُه، لأن الله حرّم أكله، وبالتالي أكل ثمنِه، كما سمعتم في الحديث السابق : ( لَعَنَ اللهُ اليهود، حُرّمَـت عليهم الشحوم فجمدوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله – عزّ وجلّ – إذا حرّم أكلْ شيءٍ حرّم ثَـمَـنَـهُ ) .
الشحم هو طيب وهو تابعٌ للحم في شريعتنا، القاهرة المهيمنة المسيطرة على كل الشرائع إلى يوم القيامة، أما في شريعة اليهود فقد كانَ اللهُ –عزّ وجلّ- حرّم عليهم شحومَ الدواب الحلال أكل لحومها، وقد صرّح بالقرآن بسبب هذا التحريم الذي قد يتساءل عنه بعض الجالسين فيقول: لماذا حرّم اللهُ على اليهود الشحوم ؟
الجواب: في نفس القرآن الكريم ? فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ? [160:النساء] ، فالشحوم من الطيبات التي حرمها الله عليهم، وإن حرمها الله عليهم فلازم ذلك تحريم البيع والشراء، لكن اليهود الغُلف القلوب بنص التوراة عندَهم لم يصبروا على هذا الحكم الشرعي ، بل احتالوا عليه ؛ وذلك بأنهم أخذوا الشحوم و وضعوها في القدور و أوقدوا النار من تحتها فسالت وأخذت شكلاً مستوي السطح كما يُقال، بظنهم أو كما سولت لهم أنفسُهم الأمَّـارة بالسوء أن هذا الشحم صار حقيقة أخرى ليس ذلك إلا باختلاف الشكل، أمّـا الدهن فهو لا يزالُ دُهناَ، ولذلك يستعمله الناس، فلعنهم الله –عزّ وجلّ- كما أخبر الرسول ? في الحديث السابق: ( لَعَنَ اللهُ اليهود حُرّمَـت عليهم الشحوم ) ، لا تنسوا الآية: ? فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ? [160:النساء] ، ( حُرّمَـت عليهم الشحوم فجمدوها ) ايش معنى جمدوها ؟ ذوبوها ، ( ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرّم أكلْ شيءٍ حرّم ثَـمَـنَـهُ ) على ذلك تنكـة الزيت أو السمنة إذا وقعت فيها نجاسة ثم تغيرت أحد أوصافها الثلاثة فلا يجوز بيع ذلك وبالطبع لا يجوز أكله ولا استعماله بأي طريق من الطرق، ويجب أن يُراق لأنه نجس.
أمّـا إذا كان الأمر كما ذكرنا آنفاً، أن المادة النجسة التي وقعت فيه لم تؤثر في تغيير أحد أوصافه الثلاثة فيجوز استعمال هذا السمن أو ذاك الزيت بعد إخراج العين التي يمكن أنها إذا بقيت في هذا السائل مع الزمن تتفسخ و يُنتن هذا المُتفسخ ذاك السائل فيتنجس ولا يجوز أكله ولا بيعه ولا شراؤه، هذا ما يتعلق بذاك السؤال.
السائل : جزاك الله خير
الشيخ الألباني رحمه الله : وإيّــاك.
منقول من هذا الرابط


http://www.alalbany.info/index.php?topic=312.0 (http://www.alalbany.info/index.php?topic=312.0)
والراجح هو ما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
قال شيخ الإسلام إذا وقعت في سمن ونحوه ولم يتغير بها ألقيت وما قرب منها ويؤكل ويباع في أظهر قولي العلماء. جامع المسائل { 4 / 327 }
وقال إذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير فكذلك الصواب في المائعات ومن تدبر الأصول المجمع عليها والمعاني الشرعية المعتبرة تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال والأقيسة.
المجموع ( 21 / 508 )

وقال ولم يبلغني إلى ساعتي هذه لمن ينجس المائعات الكثيرة بوقوع النجاسة فيها إذا لم تتغير حجة يعتمد عليها المفتي فيما بينه وبين الله.
الخلاصة :


الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن ابن عباس وميمونة {أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ} فيفيد الإطلاق ، وما جاء في حديث ابي هريرة فقد حكم البخاري بالوهم وكذلك الالباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة .
إذا وقعت الفأرة في السمن سواء كان جامداً أو مائعاً ؛ فيلقى وماحولها مالم يتغير ، فإذا تغير يحكم بنجاسته .
الفأرة طاهره مالم تموت في السمن فإذا ماتت فيه حكم بنجاستها.
واتفق جماهير العلماء على جواز قتل الفأر فى الحل والحرم.
جواز الإستصباح به ، ودليله ما جاء عن علي بن أبي طالب وابن عمر، قال الحافظ ابن حجر: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ وَقْفُهُ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي زَيْتٍ قَالَ اسْتَصْبِحُوا بِهِ وَادْهُنُوا بِهِ أُدُمَكُمْ وَهَذَا السَّنَدُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ . { الفتح / 9 / 670 }
قال ابن عبد البر: نَجِسَ بِالْمُجَاوَرَةِ وَلَيْسَ بِنَجِسِ الذَّاتِ فَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُهُ إِذَا بُيِّنَ بِعَيْبِهِ وَجَازَ أَكْلُ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ .



أعده : نورس الهاشمي