المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة محبطات الأعمال ومبطلاتها .(1)



أبو بكر يوسف لعويسي
08-Oct-2015, 02:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد :
إن السعادة كل السعادة ، أن يبلغ العبد المؤمن مرضاة الله وأن تقبل منه أعماله فيفوز بمقعد صدق عن مليك مقتدر في جنة عرضها السموات والأرض ، وإن الخسارة كل الخسارة أن يعمل العبد أعمالا يظنها صالحة وأنها تبلغ به مرضاة الله والفوز بالجنة ، فإذا هي هباء منثورا ، لا تسمن ولا تغني من جوع لم يستفد منها إلا التعب والنصب ، قد حبطت عنه أو أحبطها هو بنفسه بسبب أفعال أخرى مضادة لها أو لم يتحقق فيها شرط من شروط قبولها قال تعالى:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)} الكهف .
أي: قل يا محمد، للناس -على وجه التحذير والإنذار-: هل أخبركم بأخسر الناس أعمالا على الإطلاق؟
{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: بطل واضمحل كل ما عملوه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه وفي الحقيقة هم مبطلون ، والآية عامة في كل من ضل سعيه في حياته الدنيا وهو يظن أنه محسن فيما يعمل ويعتقد ..
عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ أخرجه ابن ماجة( 4245) ، وهو في صَحِيح الْجَامِع( 7174) والصَّحِيحَة: (505).
وقَالَ الْبُخَارِيُّ (ح 4728): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرو، عَنْ مُصْعَب قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي -يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ-: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا} أَهُمُ الحَرُورية؟ قَالَ: لَا هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا النَّصَارَى كَفَرُوا بِالْجَنَّةِ، وَقَالُوا: لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ. وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ. وَكَانَ سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عنه، يسميهم الفاسقين .
قال ابن كثير - رحمه الله -وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُمُ الْحَرُورِيَّةُ.وَمَعْنَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَشْمَلُ الْحَرُورِيَّةَ كَمَا تَشْمَلُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَغَيْرَهُمْ، لَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَا هَؤُلَاءِ بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ قَبْلَ خِطَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَقَبْلَ وُجُودِ الْخَوَارِجِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَةٍ مَرْضِيَّةٍ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيهَا، وَأَنَّ عَمَلَهُ مَقْبُولٌ، وَهُوَ مُخْطِئٌ، وَعَمَلُهُ مَرْدُودٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الْغَاشِيَةِ: 2-4] وَقَوْلُهُ (4) تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفُرْقَانِ: 23] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النُّورِ: 39] .
وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ} أَيْ: نُخْبِرُكُمْ {بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا} ؟ ثُمَّ فَسَّرَهُمْ فَقَالَ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: عَمِلُوا أَعْمَالًا بَاطِلَةً عَلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مَشْرُوعَةٍ مَرْضِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} أَيْ" يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَأَنَّهُمْ مَقْبُولُونَ مَحْبُوبُونَ.
وقد كان السلف رضي الله عنهم يحذرون كل الحذر ويخافون أن تحبط أعمالهم وأن ترد عليهم يوم القيامة ؛فكانوا يعدون محقرات الذنوب من المهلكات ، فكيف بالمهلكات والمحبطات ؟؟
وليعلم العبد أن هذه الدنيا سوق وكل النّاس يغدو فبائع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فمهلكها والعاقل اللبيب لا يرضى أن يخسر شيئا من تجارته في بيعها فكيف إذا كانت التجارة هي الأعمال الصالحة ، وأن الربح والخسارة هو مرضاة الله وبلوغ الجنة ..
لذلك وجب عليه أن يعرف وأن يفقه ما يحبط عمله ويجعله يخسر ليس الربح فقط بل حتى رأس المال ؛ وذلك هو الخسران المبين .
ومن هنا وجدتني أخي القارئ مضطرا لأن أبحث معك في هذا الموضوع (( محبطات الأعمال ومبطلاتها في سلسلة أرجو ان تكون موعظة نافعة ، لعلي أفقه واستدرك ما يجنبني وإياك ذلك لعله يسلم لنا قليلا من العمل الصالح الذي توفرت فيه شروط القبول من إيمان واحتساب وإخلاص ومتابعة ، يرفعنا الله به ويقبلنا في عباده الصالحين الذي فازوا برحمة الله تعالى ومرضاته بما كانوا يقدمونه لأنفسهم من جهد المقل ...ومحاسبة أنفسهم على كل تقصير وغفلة محاسبة التاجر الشحيح ..وقبل أن أشرع في ذكرها أذكر مقدمة في حال السلف الصالح من صحابة وتابعين كيف كانوا يخافون ويخشون العاقبة ...نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على طاعته وابتغاء مرضاته .
1 – خوف الصحابة – رضوان الله عليهم - ومن تبعهم بإحسان من السلف الصالح الماضين من أن يحبط عملهم وهم لا يشعرون .
فهم أعلم الخق بالله ؛ يعلمون أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، لذلك كان الواحد منهم يخاف أن يعرض له ما يعكر عليه إخلاصه وصدق متابعته لنبيه ، وخاصة إذا سمع بعض نصوص الوعيد والترهيب من الحساب والعقاب والخسارة يوم القيامة ، لذلك كانوا يخافون أن تحبط أعمالهم .
قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) } المؤمنون .
وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الْآيَة: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فَقُلْتُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ ، قَالَ: (( لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ , وَيُصَلُّونَ , وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ))(أخرجه الترمذي ) 3175 ، (وابن ماجة) 4198، وأحمد بصيغة الإفراد ، وقال الألباني في الصَّحِيحَة: (162)حسن ، وقال في تحقيق كتاب الإيمان لابن تيمية (1/162)في رواية أحمد : صحيح .
فمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجَدَهُمْ فِي غَايَةِ الْعَمَلِ مَعَ غَايَةِ الْخَوْفِ، وَنَحْنُ جَمِيعًا بَيْنَ التَّقْصِيرِ، بَلِ التَّفْرِيطِ وَالْأَمْنِ.
قَالَ الْحَسَنُ: عَمِلُوا وَاللَّهِ بِالطَّاعَاتِ، وَاجْتَهَدُوا فِيهَا، وَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَخَشْيَةً، وَالْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا.انتهى كلامه .
وقال غيره : فَالْمُؤْمِنُ: جَمَعَ إِحْسَانًا فِي مَخَافَةٍ وَسُوءَ ظَنٍّ بِنَفْسِهِ. وَالْمَغْرُورُ: حَسَنُ الظَّنِّ بِنَفْسِهِ مَعَ إِسَاءَتِهِ.
وقد كان الصحابة يواظبون على العبادات أشد المواظبة ، ويحرصون على أدائها على الوجه المشروع ، فإذا فرغوا منها أصابهم الذعر والغم والهم هل قبلت منهم أو درت عليهم؟؟
يخافون على أنفسهم من أن ترد عليهم ، وهم نهارهم جهاد لأنفسهم وعدوهم ، وليلهم عبادة واجتهاد في طاعة الله يُبَالِغُونَ فِي التَّقْوَى وأسبابها وَالْحَذَرِ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ والسبل إليها، تراهم يَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْخَلَوَاتِ .مع رجائهم وصفائهم قد عرفوا من الله ما أراد منهم ..
وَأَمَّا في هذه العصور فترى أهل معصية الله الغافلين فضلا عن المغرورين من أهل الطاعة آمنين مسرورين مطمئنين غَيْرَ خَائِفِينَ مَعَ تلطخهم بالْمَعَاصِي والمهلكات وَانْهِمَاكِهِمْ فِي الدُّنْيَا وإقبالهم عليها وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى زَاعِمِينَ أنهم واثقون بكرم الله تعالى وفضله راجون لعفوه ومغفرته ،كأنهم حازوا صكوك الغفران أو أَنَّهُمْ عَرَفُوا مِنْ فَضْلِ الله وَكَرَمِهِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ الرسل وَالصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُونَ الذين طال بكاؤهم ونحيبهم خوفا من القدوم على الله ، فَإِنْ كَانَ علم هؤلاء أن رضا الله يُدْرَكُ بِالْمُنَى وأن الفوز بالجنة يُنَالُ بالتقصير والغفلة فلماذا خاف الصحابة وطال إذن بكاؤهم ؟؟
لقد كانوا - رضوان الله عليهم أجمعين - يخافون أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون ، وذلك من تمام علمهم بالله ، وكمال إيمانهم بما عنده ،فقد قرءوا قوله تعالى :{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) } الأعراف .
فانظر يا رعاك الله إلى خوفهم في هذا الأثر العظيم فعن ابن أبي مليكة قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النّفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول :إنه على إيمان جبريل وميكائيل .
قال الحافظ في الفتح (1/109- 111)قَالَ بن أبي مليكَة الخ ...هَذَا التَّعْلِيق وَصله بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ لَكِنْ أَبْهَمَ الْعَدَدَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ وَعَيَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا كَمَا هُنَا .
وَالصَّحَابَة الَّذين أدركهم بن أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ أَجَلِّهِمْ عَائِشَةُ وَأُخْتُهَا أَسْمَاءُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَالْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُمْ وَقَدْ أَدْرَكَ بِالسِّنِّ جَمَاعَةً أَجَلَّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ النِّفَاقَ فِي الْأَعْمَالِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ مَا يَشُوبُهُ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِخْلَاصَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ بَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ مِنْهُمْ فِي الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قال ابن رجب في لطائف المعارف (1/209): كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء الذين: {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] .
روي عن علي رضي الله عنه قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: 27] .
قال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل .
وقال عطاء السلمي: الحذر الاتقاء على العمل أن لا يكون لله .
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا.
فالتشمير التشمير النجاة ، النجاة فهذه هي السبيل الوحيد لإدراك منازل القوم والنجاة بنجاتهم والفوز بما فازوا به ، فإذا شمرت عن ساعد الجد ، وأقبلت على ربك تعمل بإخلاص وتذرف الدمع بين يديه فاحسب لقبول عملك ذلك ألف حساب ،واجعل في حسبانك وبين عينك وأنت تعمل الحسنة خوفك الشديد من أربعة أمور مهمة جدا ذكرها بعض الفقهاء.
أَوَّلُهَا: خَوْفُ الْقَبُولِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] .
وَالثَّانِي: خَوْفُ الرِّيَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] الْآيَةَ.
وَالثَّالِثُ: خَوْفُ التَّسْلِيمِ وَالْحِفْظِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] ، فَاشْتَرَطَ الْمَجِيءَ بِهَا إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ.
وَالرَّابِعُ: خَوْفُ الْخِذْلَانِ فِي الطَّاعَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ هَلْ يُوَفَّقُ لَهَا أَمْ لَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
أسأل الله تعالى أن يمن علينا بتوبة نصوح ، وأن يصرف قلوبنا لطاعته وان يبصرنا بعيوبنا وأن يعيننا على محاسبة أنفسنا إن سميع قريب مجيب.
يتبع - إن شاء الله -

أبو بكر يوسف لعويسي
19-Oct-2015, 03:38 PM
2- محبطات الأعمال :
تعريف لفظة حَبِطَ : حَبْطاً :بَطَلَ . المعجم الوسيط ، (ج1/152).
حَبِطَ عملُهُ حَبْطاً بالتسكين، وحُبوطاً: بطَلَ ثوابه. وأَحْبَطَهُ اللهتعالى. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/1118).
قال ابن فارس في مجمل اللغة (1/261): حبط: أحبط الله عمل الكافر: أبطله.
وقد حبط العمل يحبط. والحبط: أن تأكل الدابة فتكثر حتى ينتفخ لذلك بطنها.(فتهلك ).
قال أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة (4/230)قلت: وَلَا أرى حَبْطَ العَمَلَ وبُطْلاَنَه مأخوذاً إِلَّا من حبَط البَطْن: لِأَن صَاحب الحَبط يَهْلِك وَكَذَلِكَ عَمَل المُنافق والمُشْرِك يَحْبط غير أنَّهم سكنوا الْبَاء من قَوْلهم: حَبِطَ عملُه يَحْبَطَ حَبْطاً وحركوها من حَبِط بَطْنَه يَحْبَط حَبَطاً، كَذَلِك أُثْبِتَ لنا عَن ابْن السِّكِّيت وغَيْرِه.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي الإحباط إحباطان:
أحدهما: إبطال الشيء للشيء وإذهابه جملة : كإحباط الإيمان للكفر، والكفر للإيمان وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي .(1)
ثانيهما: إحباط الموازنة : إذا جعلت الحسنات في كفة والسيئات في كفة فمن رجحت حسناته نجا ، ومن رجحت سيئاته وقف في المشيئة إما أن يغفر له ؛ وإما أن يعذب فالتوقيف إبطال ما لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار؛ ففي كل منهما إبطال نسبى أطلق علي اسم الإحباط مجازاً وليس هو إحباط حقيقة لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله.
4- وحَبْطُ العمل عام في المسلم والكافر : فأيما عبد عمل عملا لا يكون مبنيا على الإيمان والإخلاص والمتابعة فإنه مردود على صاحبه كان من كان ..
قال الله تعالى :{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}(23الفرقان .
وهذا يشمل جميع الأعمال الدينية والدنيوية من الخير والشر ، من المؤمن والكافر والمشرك والمنافق ، وذلك لأنها فقدت شرطا من شروط قبولها شرعا، وهي الإيمان والإخلاص فيها، والمتابعة لشرع الله وفق ما جاء به رسول الله . فكل عمل لا يكون مبنيا على الإيمان ولا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل قد حبط من أساسه .
قال ابن كثير – رحمه الله – ( 6/103):بعد أن ساق أقوال العلماء في الآية : وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية، وذلك أنهم عملوا أعمالا اعتقدوا أنها شيء، فلما عرضت على الملك الحكيم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحدا، إذا إنها لا شيء بالكلية.
وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق، الذي لا يقدر منه صاحبه على شيء بالكلية، كما قال الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } (18) إبراهيم.
وقال السعدي رحمه الله(1/581): {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم وتعبوا فيها، {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي باطلا مضمحلا قد خسروه وحرموا أجره وعوقبوا عليه ؛ وذلك لفقده الإيمان وصدوره عن مكذب لله ورسله، فالعمل الذي يقبله الله، ما صدر عن المؤمن المخلص المصدق للرسل المتبع لهم فيه.
وقوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب} فهذه أعمالهم لم تنفعهم شيئا كما لم ينتفع الظمآن من السراب ، ولكن هذا محمول على من مات على الكفر، والظاهر أنه لا دليل على خلافه، وفضل الله أوسع من هذا وأكثر فلا استبعاد فيه، وحديث " الإيمان يجب ما قبله " من الخطايا في السيئات لا في الحسنات ".سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/494) يتصرف .
2- الشرك : إن للأعمال مُحْبِطَات كثيرة وأخطرها وأكبرها الشرك بالله كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(88) الأنعام .فالشرك محبط للعمل سواء وقع من الكافر والمنافق أو من المسلم ، لذلك جاءت الرسل تترا تحذر منه وتدعوا إلى ما يبنى عليه العمل، ويكون مقبولا مرضيا عند الله تعالى وهو الإيمان بالله الواحد الأحد ، والإخلاص له والمتابعة لشرعه ، فإن فقد أحد هذه الشروط فإن العمل مردود على صاحبه كائنا من كان .. وقوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين َ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(65) الزمر .
وإذا كان الله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أوحى إليك كما أوحى إلى الذين من قبلك من الرسل والنبيين أن الشرك محبطٌ للعمل مبطله ، وأن من وقع منهم فيه فإنه يئول في الآخرة إلى الخسران الأكبر بدخول النار والعياذ بالله.
قال القرطبي- رحمه الله – (3/48) :" استظهر علماؤنا بقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك..} [الزمر:65]:
قالوا: وهو خطاب للنبي- صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته؛ لأنه - عليه السلام - يستحيل منه الردة الشرك شرعاً.وقال أصحاب الشافعي: بل هو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق التغليظ على الأمة، وبيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله؛ فكيف أنتم!؟ لكنه لا يشرك لفضل مرتبته.
وإذا كان الله يخاطب نبيه في هذه الآية فيقول له: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين } وهو صلى الله عليه وسلم لا يتصور وقوع الشرك منه ؛ فالتحذير لغيره من باب أولى ، وأولى لأنه يمنك أن يقع الشرك منهم .
وذلك أن الشرك واقع في هذه الأمة ،ومنه ما هو أخفى من دبيب النمل .عن معقل بن يسار قال انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخر؟ قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ قَالَ: (قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لما لا أعلم).قال في التعليق على الأدب المفرد (716- 554) صحيح ـ «الضعيفة» تحت رقم (3755) , (التعليق الرغيب» (1/39ـ 40) .وهوصَحِيح الْجَامِع: (3730 , 3731 ).
نعم إن الشرك في هذه الأمة واقع ، بل قد وقع فيه كثير من النّاس كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله :(( وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ...))(صحيح)صحيح الجامع (1773 – 785)ورمز له [حم م د ت هـ] عن ثوبان2. الصحيحة 2،( 1683).
قال في تيسير العزيز الحميد (1/320)وهذا هو شاهد الترجمة، ففيه الرد على من قال بخلافه من عباد القبور الذين ينكرون وقوع الشرك، وعبادة الأوثان في هذه الأمة. وفي معنى هذا ما في "الصحيحين" عن أبي هريرة مرفوعًا: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة"))البخاري: الفتن (7116) , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2906) , وأحمد (2/271) .
وفي صحيح مسلم 52 - (2907) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو مَعْنٍ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ - وَاللَّفْظُ لِأَبِي مَعْنٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]. أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا قَالَ «إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ».وقال تعالى :{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة:17].
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر. يقول: إن المساجد إنما تعمر لعبادة الله فيها، لا للكفر به، فمن كان بالله كافرًا، فليس من شأنه أن يعمُرَ مساجد الله.انتهى كلامه
ومن ذلك عمارة المساجد اليوم على القبور والأضرحة حتى يعبد غير الله فيها من الأولياء المزعومين ، فمن فعل ذلك أي عمارة المساجد فوق الأضرحة والقبور لتكون ذريعة إلى الشرك فقد شابه المشركين وهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من شر الخلق يوم القيامة .
وبناء المساجد على الأضرحة ، أو إقبار بعض الأولياء المزعومين في المساجد من ذرائع الشرك لذلك ينبغي سد هذا الباب والتحذير من الوقوع فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم : قال «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يحذر مما صنعوا .متفق عليه .
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» مسلم ( 427).
قال شيخ الإسلام - رحمه الله- في (القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة):(واتخاذ المكان مسجدا هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها كما تبنى المساجد لذلك والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلاة فيها كما تقصد المساجد وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصد المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذلك ذريعة ينهى عنه كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك .
4- الكفر و الصد عن سبيل الله و مشاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم -وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ" [محمد:32].
قال الشيخ السعدي – رحمه الله –(1/789)هذا وعيد شديد لمن جمع أنواع الشر كلها، من الكفر بالله، وصد الخلق عن سبيل الله الذي نصبه موصلا إليه.{وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} أي: عاندوه وخالفوه عن عمد وعناد، لا عن جهل وغي وضلال، فإنهم {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} فلا ينقص به ملكه.{وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} أي: مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل، بأن لا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران، وأعمالهم التي يرجون بها الثواب، لا تقبل لعدم وجود شرطها.
5- الكفر بآيات الله و قتل النبيين والذين يأمرون الناس بالقسط:
قال تعالى : {إن الذين يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبيين بغير حق ، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، فبشرهم بعذاب أليم ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران:22].
قال الشيخ السعدي – رحمه الله - هؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية، أشد الناس جرما وأي: جرم أعظم من الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد بعد حق الله، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك، ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى المأمور ونصح له، فقابلوهم شر مقابلة، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات أشد العقوبات، وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة إلى غاية لا يمكن وصفها، ولا يقدر قدرها المؤلم للأبدان والقلوب والأرواح.
وبطلت أعمالهم بما كسبت أيديهم، وما لهم أحد ينصرهم من عذاب الله ولا يدفع عنهم من نقمته مثقال ذرة، بل قد يئسوا من كل خير، وحصل لهم كل شر وضير، وهذه الحالة صفة اليهود ونحوهم، قبحهم الله ما أجرأهم على الله وعلى أنبيائه وعباده الصالحين.
6- الردة عن الإسلام :
قال تعالى : {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217].
والردة هي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر وذلك بترك الدين والرجوع إلى الشرك أو إلى دين آخر باطل كاليهودية والنصرانية أو غيرهما ، أو أن يقترف سببا من أساب الردة .فلو مات وهو كذلك حبط عنه عمله وكان من الخالدين في النّار والعياذ بالله .
فقد ذكر العلماء - رحمهم الله - في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام .يمكن حصر أسباب الردة في ثلاثة أمور:
الأول: الكفر بالله والتحلل من الإسلام بسب الله أو دينه ، أو سب نبي أو قتله ، أو سب كتب الله أو رمي شيء من القرآن في النجاسة والقاذورات ، أو الاستهزاء بشيء من ذلك، أو الكره والسخط لما أنزل الله .
الثاني: إنكار حكم مجمع عليه في الإسلام، أو استحل معلوما من الدين بالضرورة ، كإنكار وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، وإنكار تحريم الخمر والزنا والربا وغير ذلك من المحرمات .
الثالث: فعل بعض أفعال الكفر كاستحلال التشريع بغير ما أنزل الله ، وتفضيل حكم وشرع على حكم وشرع النبي وتفضيل هدي على هديه ، وكالسجود لصنم ونحو ذلك. والردة تكون بالاعتقاد كما تكون بالقول والفعل .
قال الشيخ زيد – رحمه الله – في الفروق .
الكفر بالفعل والقول ثبت - - في محكم التنزيل آيات أتت
وكذاك بالقلب ونصه ظهر – في صدر التشريع آي وأثر
وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ" [محمد:32].
قال ابن كثير - رحمه الله – (7/322):" يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئاً، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير, بل يحبطه ويمحقه بالكلية كما أن الحسنات يذهبن السيئات" .

نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن والردى وأن يثبتنا على الحق الذي أرسل به خير الخلق إلى يوم يحق الحق ، ويبطل أعمال المبطلين أهل الكفر والنفاق ، إن ربي قريب مجيب .يتبع- إن شاء الله -