المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تهييج النفوس والمهج للاتفاق والاجتماع على المنهج



أبو بكر يوسف لعويسي
29-Oct-2015, 01:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأصلي وأسلم على سيد الخلق ، أعظم من دعا إلى الحق ، وألطف من جاء بالرفق ، وعلى آله وصحبه أهل الفهم الصحيح بصدق ، وعلى من تبعهم بإحسان وحق إلى يوم يحق الحق .
أما بعد : اعلموا- رحمني الله وإياكم - أنه من المعلوم بالضرورة الاعتصام بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، اعتقادا ؛ قولا ؛ وعملا ..
فهذا الذي يجب على كل مسلم في كل أصقاع الدنيا ، ولكن الواقع غير ذلك فقد افترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كل فرقة فرخت وفرعت إلى ما لا يحصى من الجماعات والجمعيات والأحزاب والطائفيات ، كما أخبر الصادق المصدوق في قوله : (( وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النّار إلا واحدة ))حديث مشهور صحيح اخرجه أصحاب السنن بألفاظ متقاربة .
فكان لزاما على هذه الواحدة أن تجتمع وأن تتفق وتأتلف وتتراحم وتتوادد مع بعضها البعض حتى تكون لحمة واحدة أو جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
قال تعالى :{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(103)آل عمران.
قال أبو جعفربن جرير - رحمه الله - (7/70): يعني بذلك جل ثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعًا. يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله.
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – (1/141) وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه، ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام، ثم ذكرهم تعالى نعمته وأمرهم بذكرها...ثم ذكر الآيات التي بعدها ...
إلى أن قال :وإن من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها.
وقال تعالى :{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (146)النساء.
قال أبو جعفر(9/340): وهذا استثناء من الله جل ثناؤه، استثنى التائبين من نفاقهم إذا أصلحوا، وأخلصوا الدين لله وحده، وتبرءوا من الآلهة والأنداد، وصدَّقوا رسوله، أن يكونوا مع المصرِّين على نِفاقهم حتى تُوافيهم مناياهم - في الآخرة، وأن يدخلوا مدَاخلهم من جهنم. بل وعدهم جل ثناؤه أن يُحلَّهم مع المؤمنين محلَّ الكرامة، ويسكنهم معهم مساكنهم في الجنة. ووعدهم من الجزاء على توبتهم الجزيلَ من العطاء فقال:"وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرًا عظيمًا".
فتأويل الآية:"إلا الذين تابوا"، أي: راجعوا الحق، وآبوا إلا الإقرار بوحدانية الله وتصديق رسوله وما جاء به من عند ربه من نفاقهم (( وأصلحوا))، يعني: وأصلحوا أعمالهم، فعملوا بما أمرهم الله به، وأدَّوا فرائضه، وانتهوا عما نهاهم عنه، وانزجروا عن معاصيه ((واعتصموا بالله))، يقول: وتمسَّكوا بعهد الله.وقد دللنا فيما مضى قبل على أن"الاعتصام" التمسك والتعلق.
فالاعتصام بالله: التمسك بعهده وميثاقه الذي عهد في كتابه إلى خلقه، من طاعته وترك معصيته.
((وأخلصوا دينهم لله))، يقول: وأخلصوا طاعتَهم وأعمالهم التي يعملونها لله، فأرادوه بها، ولم يعملوها رئاءَ الناس، ولا على شك منهم في دينهم، وامتراءٍ منهم في أن الله محصٍ عليهم ما عملوا، فمجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ولكنهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على إحسانه، وجزاء المسيء على إساءته، أو يتفضَّل عليه ربه فيعفو متقرِّبين بها إلى الله، مريدين بها وجه الله. فذلك معنى: إخلاصهم لله دينهم.
وقال :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }(175) النساء.
قال الشيخ السعدي – رحمه الله - :(1/217):يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجة، ويوضح لهم المحجة، فقال: {يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَّبِّكُمْ} أي: حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه، وتبين ضده...
وقال:{وَأَنزلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.
ولكن انقسم الناس - بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به - قسمين:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ} أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب. {وَاعْتَصَمُوا بِهِ} أي: لجئوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرءوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم. {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ} أي: فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} أي: يوفقهم للعلم والعمل، ومعرفة الحق والعمل به.
ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلوا ضلالا مبينا، عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة.انتهى كلامه .
ففي الآية الكريمة الأولى الأمر بالتقوى حق التقوى وبيان ما يعين على ذلك من الاجتماع والاتفاق على الاعتصام بالوحي كتابا وسنة ، بأحسن فهم وعمل وجد في عصر الخيرية عصر نزول الوحي ، وعدم الخروج عنه ، والافتراق عليه ..
وفي الآية الثانية والتي قبلها التحذير من النفاق ومزالق الرياء فمن وقع شيئا منه ثم تاب واعتصم بالله ، وأصلح العمل ، وأخلصه لله ، فهذا مع المؤمنين مكرم في الدنيا والآخرة ..
وفي الآية الثالثة بيان أن الله قطع كل حجة أمام كل مدع ومبتدع ببراهين وحجج قاطعة ساطعة أرسلها مع الرسل وأنزل القرآن بيانا شافيا كافيا لمن يريد الاستقامة والرحمة والهداية والخلاص من عقاب الله .
وفي جميع الآيات الثلاث حث وتهييج للنفوس على الاعتصام بالله وبحبله والتعلق به واللجوء إليه وإلى دينه وشرعه الذي فيه الهداية والرحمة والنجاة .وتشويق وترغيب في الجزاء المترتب على ذلك .
فوجب على كل سني سلفي عاقل ينشد الحق بصدق ، والنجاة بلطف ورفق لحصول مرضاة الرب سبحانه أن يترك كل رأي أو قول أو جماعة ،أو مذهب ، أو سبيل ؛ أو طائفة ، أو حزب إلى الاعتصام بالله وحبله بفهم المنهج القويم والصراط المستقيم الذي كان عليه السلف الصالح أهل الوسطية والعدل ، والخيرية المرضية ، الذين كانوا كما أراد الله لهم أن يكونوا فمدحهم وأثنى عليهم ورفع قدرهم وأعز بهم الإسلام ورفع بهم مجد الأمة ومنّ عليهم بالريادة والقيادة وجعلهم قدوة لغيرهم ..
فليترك كل واحد منّا قوله لقولهم ، وفعله لفعلهم وفهمه لفهمهم ولا يتكلم إلا حيث تكلموا وبما تكلموا ، ويسكت حيث سكتوا ، فلم يسكتوا إلا بعلم وحلم وليس عن عي وجهل فسبيلهم أعلم وأحكم وأسلم ..
فبذلك فقط تعود الأمة إلى عزها ومجدها..
فلا يجوز للمسلم أن يقدم فهما على فهمهم ، ولا أن يختار طريقا غير طريقهم ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، ومنهجهم هو السبيل الوحيد للنجاة والفوز بالمرضاة عند رب الأرض والسموات .
هذا الذي ينبغي أن يكون عليه أهل الحق والاتِّباع لسبيل السلف الصالح بصدق ، ولكن للأسف الشديد الحقيقة غير ذلك ، فإنك ترى أهل التفرق والشقاق ، والاختلاف والخلاف ، والتمذهب والتحزب وأهل الأدواء والأهواء مجتمعون مؤتلفون على طريقهم ؛ وفيما بينهم ينتصرون لبعضهم بعضا وينشرون باطلهم ويتعصبون لطرقهم ومشايخهم ، فما بال أهل السنة السلفيين – إلا من رحم ربي - متفرقين شذر مذر ، وشذر بذر؟
أين الاجتماع الذي أمرهم به ربهم ، وأين تفعيل النصوص الكثيرة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على الاجتماع والائتلاف والأخوة بينهم ؟؟؟.
لماذا يتفق أهل الباطل ، وتختلفون ؟؟ ولماذا يأتلف أهل الزيغ وتختلفون ؟؟ ولماذا يحسن أهل البدع إلى بعضهم البعض ويحترمون بعضهم ويقدرون مشايخهم ، وتسيئون إلى بعضكم البعض ، ولا يحترم صغيركم كبيركم ولا يرحم كبيركم صغيركم ، ولا توقرون علماءكم ؟؟
ألستم أسعد النّاس بتلك النصوص من الوحي ؟
ألستم أسعد النّاس وأولاهم بفهم السلف الصالح في كل كبير وصغير دقيق وجليل ..
أين العمل بمضمون كثير من الآيات والأحاديث وخاصة ما يتعلق بالأخلاق الحسنة ..والمكارم المستحسنة ؟؟؟
إن في اجتماعكم واتفاقكم فيه الخير كل الخير والبركة ، والقدوة الحسنة ، والرحمة والهداية والقوة ، ونصر الأمة ، وانتصار المنهج القويم والسبيل المستقيم ..إن النّاس فضلا عن إخوانكم ينظرون إليكم فكونوا الأخلاق الجميلة والفضائل الكريمة في أعينهم ... إن النّاس فضلا عن إخوانكم ينتظرون منكم الكثير من الإحسان فكونوا قدوة وأعطوهم القليل ..
إن نشر هذا الدين وبيان المنهج المستقيم مسؤولية وأمانة في أعناقكم ، فيسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : (( أيها النّاس إن منكم منفرين ..)) صحيح الجامع (2963) وقال صحيح (حم ق هـ) عن ابن مسعود .
فلا يكن أهل الأهواء والبدع محسنين ومُحَببين ، ميسرين ومبشرين وتكونوا أنتم على عكسهم منفرين ؛ هذا لا يليق بكم وبما أنتم عليه من استقامة على منهج السلف الصالح ؛ فوالله لقد كانوا كما أراد الله أن يكونوا ؛ الحق أحب إليهم من أنفسهم ، وأموالهم وأولادهم ..لا يقدمون عليه شيئا ..يحبون أن يقبل النّاس على الدين أفواجا ويحزنون أن يفوتهم كافر لم يسلم فما بالك بمسلم ضل الطريق ؟؟
وإذا كّنا في الأصل لا نمثل عُشُرا مما كانوا عليه ؛ فكيف إذا تدثرنا بهذه المساوئ ، وتفرقنا أيدي سبأ كل يطعن في الآخر بغير موجب لذلك ولا سبب معتبر في صورة من التدابر والتهاجر لا تكاد تكون بينهم وبين أهل الزيغ والبدع والضلال ، تجد وترى البعض من إخواننا - سامحهم الله - يهش ويبش في وجه أهل الشبهات والشهوات من أهل الزيغ والأهواء ، ويتساهل معهم ويلين لهم الجانب ومنهم من يجلس إليهم ويناديهم بالأخوة ، وإذا التقى بأخيه قطب له وجهه ؛ واستدار له بظهره وصغر خده عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
إنه لمن الحرقة والحسرة الشديدة أن تقرأ تلك النصوص من مثل قوله عليه الصلاة والسلام : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) أخرجاه .
فترى العكس تماما عند الكثير منهم ، لا تواد ولا تراحم ، ولا تداعٍ لنصرة إخوانهم والتواصي معهم بالحق والصبر .بل التدابر والتنافر .
إنه لمن الحسرة والحرقة والألم أن تقرأ تلك النصوص من مثل قوله عليه الصلاة والسلام :(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُسلموا، وَلَا تُسْلِمُوا حَتَّى تَحَابُّوا، وَأَفْشُوا السَّلَامَ تَحَابُّوا، وَإِيَّاكُمْ والبغضةَ؛ فَإِنَّهَا هِيَ الحالقةُ، لَا أَقُولُ لَكُمْ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، ولكن تحلق الدين)) صحيح الجامع (2410) وقال: (صحيح) [حم م د ت هـ].
فتجد وترى الأخ الذي ظاهره الاستقامة على السنة ومنهج السلف يمر عليه أخوه الذي يكاد ينطبق ظاهرهما فيعرض عنه ولا يسلم عليه ، وإذا سلم المعرض عنه لم يرد المعرض ، وإذا رد أساء الرد لأنه لم يفهم معنى هذا الخلق وقيمته ووجوبه وآدابه .وهكذا في سلسلة من المساوئ التي تنفر وتمزق الصف السلفي .
إنه لمن الحسرة والحرقة والألم أن تقرأ تلك النصوص من مثل قوله عليه الصلاة والسلام ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَهُنَا)) . وَيُشِير إِلَى صَدره ثَلَاث مرار " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومالهُ وَعرضه )). رَوَاهُ مُسلم وأحمد.صحيح الجامع (2489).
فمن المؤسف جدا أن تجد السلفي يظلم السلفي ويخذله ، ووتجد السلفي يخُوِن السلفي ويحقره ، هل عند هذا الظالم شيء من الخوف والورع لأخيه ؟؟؟
أين النفوس الأبية ، التي تخاف الله وسوء العاقبة ، والتي إذا سمعت مثل هذه النصوص اقشعر جلدها وارتعدت فرائصها ، وتهيجت مقلاها بالدموع حزنا على ما فرطت ، واستدركت الوقوف عند الحق والرجوع عن الظلم والاحتقار إلى التراحم والتوادد والاتفاق والاعتصام بالله ؟؟
قال الأصفهاني في الحجة في بيان المحجة (2/238) فَإِن قَالَ قَائِل: إِن أهل الْفِقْه مجمعون عَلَى قَول الْفُقَهَاء، وَطَرِيق كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْفُرُوع، وَأهل النَّحْو مجمعون عَلَى طَرِيق الْبَصرِيين والكوفيين فِي النَّحْو، وَكَذَلِكَ أهل الْكَلَام مجمعون عَلَى طَرِيق وَاحِد مِنْهُم من متقدميهم وسلفهم..
فَأَما مَا يرجع إِلَى العقائد فَلم يجْتَمع أهل الْإِسْلَام عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه، بل كل فريق يَدعِي دينه، وينتسب إِلَى مِلَّته وَيَقُولُونَ: نَحن الَّذِي تمسكنا بِملَّة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وأتبعنا طَرِيقَته، وَمن كَانَ عَلَى غير مَا نَحن عَلَيْهِ كَانَ عَلَى غير طَرِيقَته، فَلم يجز اعْتِبَار هَذَا الَّذِي تنازعنا فِيهِ بِمَا قُلْتُمْ.
الْجَواب : أقول : ((هذا حال أهل البدع والزيغ والأهواء في الأصل وليس طريق من سلكوا سبيل الحق)) .
الجواب قال الشيخ : أَن كل فريق من المبتدعة إِنَّمَا يَدعِي أَن الَّذِي يَعْتَقِدهُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لأَنهم كلهم مدعون شَرِيعَة الْإِسْلَام ملتزمون فِي الظَّاهِر شعائرها، يرَوْنَ أَن مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد.
غير أَن الطّرق تَفَرَّقت بهم بعد ذَلِكَ، وأحدثوا فِي الدّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله وَرَسُوله، فَزعم كل فريق أَنه هُوَ المتمسك بشريعة الْإِسْلَام، وَأَن الْحق الَّذِي قَامَ بِهِ رَسُول الله هُوَ الَّذِي يَعْتَقِدهُ وينتحله.
غير أَن الله أَبى أَن يكون الْحق والعقيدة الصحيحية إِلَّا مَعَ أهل الحَدِيث والْآثَار؛ لأَنهم أخذُوا دينهم وعقائدهم خلفا عَن سلف ، وقرنا عَن قرن، إِلَى أَن انْتَهوا إِلَى التَّابِعين، وَأَخذه التابعون من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و أَخذه أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا طَرِيق إِلَى معرفَة مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النَّاس من الدّين الْمُسْتَقيم، والصراط القويم، إِلَّا هَذَا الطَّرِيق الَّذِي سلكه أَصْحَاب الحَدِيث، وَأما سَائِر الْفرق فطلبوا الدّين لَا بطريقه لأَنهم رجعُوا إِلَى معقولهم، وخواطرهم، وآرائهم، فطلبوا الدّين من قبله، فَإِذا سمعُوا شَيْئا من الْكتاب وَالسّنة، عرضوه عَلَى معيار عُقُولهمْ، فَإِن استقام قبلوه، وَإِن لم يستقم فِي ميزَان عُقُولهمْ ردُّوهُ، فَإِن اضطروا إِلَى قبُوله، حرفوه بالتأويلات الْبَعِيدَة، والمعاني المستكرهة، فحادوا عَن الْحق وزاغوا عَنهُ، ونبذوا الدّين وَرَاء ظُهُورهمْ، وَجعلُوا السّنة تَحت أَقْدَامهم تَعَالَى الله عَمَّا يصفونَ.
وَأما أهل الْحق فَجعلُوا الْكتاب وَالسّنة إمَامهمْ، وطلبوا الدّين من قبلهمَا، وَمَا وَقع لَهُم من معقولهم وخواطرهم، عرضوه عَلَى الْكتاب وَالسّنة فَإِن وجدوه مُوَافقا لَهما قبلوه، وشكروا الله حَيْثُ أَرَاهُم ذَلِكَ ووفقهم إِلَيْهِ، وَإِن وجدوه مُخَالفا لَهُم تركُوا مَا وَقع لَهُم، وَأَقْبلُوا عَلَى الْكتاب وَالسّنة، وَرَجَعُوا بالتهمة عَلَى أنفسهم، فَإِن الْكتاب وَالسّنة لَا يهديان إِلَّا إِلَى الْحق، ورأي الْإِنْسَان قد يرى الْحق، وَقد يرى الْبَاطِل..انتهى كلامه .
الرأي الذي يرى الحق هو الرأي المنضبط بالعلم الشرعي والفقه في الدين وقواعده على فهم السلف الصالح ، وإلا فالسلف قد ذموا الاعتماد على الرأي وما زل من زل في عصرنا وانحرف على منهج السلف الصالح إلا باستعمال عقولهم واتباع الآراء السخيفة والمنحرفة فأوقعهم في البدع ..
فَقَدْ صَحَّ أَنَّ سَهْلَ بْنِ حُنَيْفٍ - رضي الله عنه - قال : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، على دينكم ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْنَاهُ، وَايْمُ اللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا مِنْ (عَلَى) عَوَاتِقِنَا منذ أسلمنا لأمر يفظعنا إِلَّا أَسْهَلَنَّ بِنَا أَمْرٌ نَعْرِفُهُ)) الحديث أخرجه البخاري (و3181، و3182 و4189) ومسلم (1785).
وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِيَّاكُمْ وَالرَّأْيَ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَعُوهَا وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَقَالُوا فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِمْ» .
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَوَادَ: " أَهْلُ الرَّأْيِ هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ،
وهو القائل في حائيته :
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ ... فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ أَزْكَى ( أولى ) وَأَشْرَحُ . جامع بيان العلم وفضله (2005).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالرَّأْيَ فَإِنَّ اللَّهَ رَدَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الرَّأْيَ {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تعلمُونَ} وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أنزل الله} وَلَمْ يَقُلْ بِمَا رَأَيْتَ الإبانة (2/ 4/621/ 812) وذم الكلام (2/ 212/275).
قال الأصفهاني يصف السلف الصالح أنهم متفقين مجتمعين ليس بينهم خلاف في العقيدة والحق الذي كانوا عليه مما يدل على أنهم كانوا على سبيل واحد كما وصفهم ربنا تعالى : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ..}.
قوله : وَمِمَّا يدل عَلَى أَن أهل الحَدِيث هم عَلَى الْحق، أَنَّك لَو طالعت جَمِيع كتبهمْ المصنفة من أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم، قديمهم وحديثهم مَعَ اخْتِلَاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد مَا بَينهم فِي الديار، وَسُكُون كل وَاحِد مِنْهُم قطرا من الأقطار، وَجَدتهمْ فِي بَيَان الِاعْتِقَاد عَلَى وتيرة وَاحِدَة، ونمط وَاحِد يجرونَ فِيهِ عَلَى طَريقَة لَا يحيدون عَنْهَا، وَلَا يميلون فِيهَا، قَوْلهم فِي ذَلِكَ وَاحِد ونقلهم وَاحِد، لَا ترى بَينهم اخْتِلَافا، وَلَا تفَرقا فِي شَيْء مَا وَإِن قل، بل لَو جمعت جَمِيع مَا جرى عَلَى ألسنتهم، ونقلوه عَن سلفهم، وجدته كَأَنَّهُ جَاءَ من قلب وَاحِد، وَجرى عَلَى لِسَان وَاحِد، وَهل عَلَى الْحق دَلِيل أبين من هَذَا؟.فأين نحن من هذا الاتفاق ، والوفاق ، الذي لا ترى فيه تصدع وانشقاق؟ أين أهل السنة السلفيين منه ؟؟؟.
قال الصابوني (ص69) هذه الجملالتي أثبتها في هذا الجزءكانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضاً، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم].
وهذه نصيحة صحيحة ، أقدمها لنفسي وإخواني قدمها لنا الإمام الصابوني في كتابه الماتع عقيدة السلف :قال الراوي عنه: [قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم، مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزيغوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع، التي اشتهرت فيما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني -حفظهم الله- كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب يوم الحق؛ فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل)، والعلم: هو السنة، والجهل: هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وما أعظم ما كتبه عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - ينصح به عدي بن أرطاة فقال :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عدي بن أرطأة أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون مما قد جرت سنته، وكفوا مؤنته، فعليكم بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل، والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ قد كفوا، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى وبفضل لو كان فيه أجر أولى ( وأحرى) .
فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون، فقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم مخسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. الزهد لأحمد (1/240)ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم(2/39).
تم بحمد الله وعونه فإن أصبت من الله وحده لا شريك له ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان .
وكتب : أبو بكر يوسف لعوسي
الجزائر / 15/1/1437هـ الموافق 28/10/2015م

عبدالله بن العيد عدونة
10-Dec-2015, 11:58 AM
جزاك الله خيرا شيخنا ..

مقال ماتع .. وفقك الله .