أبو فريحان
28-Nov-2015, 08:17 PM
المعتصر من المختصر من أقوال الأئمة الأبرار في أنّ "الخوارج" كفّار.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ..). متفق عليه.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ ..).
قَالَ ابن حجر:
"قَالَ اِبْن بَطَّال: وَقَدْ سُئِلَ عَلِيّ عَنْ أَهْل النَّهْر هَلْ كَفَرُوا ؟ فَقَالَ : مِنْ الْكُفْر فَرُّوا.
قُلْتُ – القائل ابن حجر-: وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اِطَّلَعَ عَلَى مُعْتَقَدهمْ الَّذِي أَوْجَبَ تَكْفِيرهمْ عِنْد مَنْ كَفَّرَهُمْ".قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي "الْمُفْهِم" -(9 / 80)-:
"وَالْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيث، قَالَ: فَعَلَى الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ؛ يُقَاتلُونَ، وَيُقْتَلُونَ، وَتُسْبَى أَمْوَالُهُمْ؛ وَهُوَ قَوْل طَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث فِي أَمْوَال الْخَوَارِج". "الفتح" (12 / 301).
وَعند أَحْمد وابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ مَرْفُوعاً فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ (شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ. يَقُولُهَا ثَلَاثاً).
وعند ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِمْ ". "الفتح" (12 / 286).
قَالَ ابن حجر: وَقَوْله ( يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ): إِنْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ الْإِسْلَام؛ فَهُوَ حُجَّة لِمَنْ يُكَفِّر الْخَوَارِج.
وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِالدِّينِ: الْإِسْلَام؛ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَخَرَّجَ الْكَلَام مَخْرَج الزَّجْر، وَأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ؛ يَخْرُجُونَ مِنْ الْإِسْلَام الْكَامِل .. ففِي رِوَايَة سَعِيد بْن مَسْرُوق (يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام)، وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ أَوَّل الدِّين هُنَا بِالطَّاعَةِ.
قَالَ اِبْن بَطَّال : الْمُرُوق الْخُرُوج عِنْد أَهْل اللُّغَة.
قَالَ ابن حجر: وَقَالَ صَاحِبُ الشِّفَاءِ فِيهِ وَكَذَا نَقْطَعُ بِكُفْرِ كُلِّ مَنْ قَالَ قَوْلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ.
وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر ابْن الْعَرَبِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: "الصَّحِيح أَنَّهُمْ كُفَّار؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام)، وَلِقَوْلِهِ: (لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْل عَاد)، وَفِي لَفْظٍ: (ثَمُود)؛ وَكُلّ مِنْهُمَا إِنَّمَا هَلَكَ بِالْكُفْرِ وَبِقَوْلِهِ: (هُمْ شَرُّ الْخَلْق)، وَلَا يُوصَف بِذَلِكَ إِلَّا الْكُفَّار ، وَلِقَوْلِهِ: (إِنَّهُمْ أَبْغَضُ الْخَلْق إِلَى اللَّه تَعَالَى)، وَلِحُكْمِهِمْ عَلَى كُلّ مَنْ خَالَفَ مُعْتَقَدهمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّخْلِيد فِي النَّار؛ فَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِالِاسْمِ مِنْهُمْ.
-قال ابن حجر-: وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا؛ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَرَنَهُمْ بِالْمُلْحِدِينَ.
-قال ابن حجر-: وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ –يعني تكفير الخوارج- مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: فِي فَتَاوِيهِ احْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ وَغُلَاةَ الرَّوَافِضِ بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَتِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ".انظر "الفتح" فيما سبق (6 / 618، 8 / 69، 12 / 286، 299ـ301).
قَالَ النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام):
قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ: يَخْرُجُونَ مِنْهُ خُرُوج السَّهْم إِذَا نَفَذَ الصَّيْد مِنْ جِهَة أُخْرَى ، وَلَمْ يَتَعَلَّق بِهِ شَيْء مِنْهُ.
قَالَ النووي: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلِيل لِمَنْ يُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ". "شرح مسلم" (7 / 159ـ160).
قال السندي: " قَوْلُهُ (كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ) خَبَرٌ ثَانٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَوَارِجَ كَفَرَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ وَنَحْوَهُ"."حاشية ابن ماجه" (1 / 75).
قال الإمام ابن باز: "والصّواب في الخوارج: أنهم كُفّار؛ هم كفّار، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه)، والصّواب فيهم أنهم كفّار؛ بتكفيرهم المسلمين.
وقال في موضع آخر جواباً على سؤال: أما إذا كانت بدعتهم مكفرة كبدعة الخوارج والمعتزلة والجهمية فلا يصلى عليهم. "مجموع الفتاوى" (13 / 161).
قال العلامة الفوزان: " القول بتكفيرهم – الخوارج- أقرب لأن الأدلة دلّت على كفرهم". "شرح نواقض الإسلام" (ص 174) إشراف محمد الحصين.
فنخلُص إلى أن مَن كفّر "الخوارج" من أئمة السلف والخلف هم: البخاري (ت 256هـ)، والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543)، والقاضي عياض (ت 544هـ)، والقرطبي (ت 671هـ)، والنووي (ت 676هـ)، والسبكي (ت 771هـ)، والسندي (ت 1138هـ)، وابن باز (ت 1420هـ)، والفوزان (..).
ونختم بحكم الصحابي الجليل ثم بحكم الصادق المصدوق المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخوارج.
ففي الحديث: "دَخَلَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ دِمَشْقَ، فَرَأَى رُءُوسَ حَرُورَاءَ قَدْ نُصِبَتْ، فَقَالَ: (كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثاً، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوا)، ثُمَّ بَكَى! فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ! هَذَا الَّذِي تَقُولُ مِنْ رَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: إِنِّي إِذاً لَجَرِيءٌ؛ كَيْفَ أَقُولُ هَذَا عَنْ رَأْيٍ؟ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ.
قَالَ: فَمَا يُبْكِيكَ؟
قَالَ: أَبْكِي لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ شِيَعاً".
وفي لفظ: لَوْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَين، حَتَّى ذَكَرَ سَبْعاً لَخِلْتُ أَنْ لَا أَذْكُرَهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: لِأَيِّ شَيْءٍ بَكَيْتَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ أَوْ مِنْ رَحْمَتِهِمْ".
وفي رواية: "فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رَأَيْتُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ؟
فَقَالَ: رَحْمَةً رَحِمْتُهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ.
ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمُ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}".
أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في "السُّنّة"، والحاكم في "المستدرك" وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، ووافقه الذهبي.
وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
(شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ؛ فَصَارُوا كُفَّاراً).
قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ! هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أخرجه ابن ماجه (176)، وحسنه الألباني.
تنبيه حتى لا تذهبوا بعيداً:خوارج اليوم يتمثلون في المسميات والألقاب: [تنظيم القاعدة بجميع فروعه/ "داعش" بجميع فروعه/ النصرة/ أنصار بيت المقدس/ أنصار الشريعة/ فجر ليبيا/ "الإخوان المسلمون"] وغيرهم .
هذا والله اعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي.
فجر الأربعاء 11 / 9 / 1435هـ.
@abu_fraihan (https://twitter.com/abu_fraihan)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ..). متفق عليه.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ ..).
قَالَ ابن حجر:
"قَالَ اِبْن بَطَّال: وَقَدْ سُئِلَ عَلِيّ عَنْ أَهْل النَّهْر هَلْ كَفَرُوا ؟ فَقَالَ : مِنْ الْكُفْر فَرُّوا.
قُلْتُ – القائل ابن حجر-: وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اِطَّلَعَ عَلَى مُعْتَقَدهمْ الَّذِي أَوْجَبَ تَكْفِيرهمْ عِنْد مَنْ كَفَّرَهُمْ".قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي "الْمُفْهِم" -(9 / 80)-:
"وَالْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيث، قَالَ: فَعَلَى الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ؛ يُقَاتلُونَ، وَيُقْتَلُونَ، وَتُسْبَى أَمْوَالُهُمْ؛ وَهُوَ قَوْل طَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث فِي أَمْوَال الْخَوَارِج". "الفتح" (12 / 301).
وَعند أَحْمد وابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ مَرْفُوعاً فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ (شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ. يَقُولُهَا ثَلَاثاً).
وعند ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِمْ ". "الفتح" (12 / 286).
قَالَ ابن حجر: وَقَوْله ( يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ): إِنْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ الْإِسْلَام؛ فَهُوَ حُجَّة لِمَنْ يُكَفِّر الْخَوَارِج.
وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِالدِّينِ: الْإِسْلَام؛ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَخَرَّجَ الْكَلَام مَخْرَج الزَّجْر، وَأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ؛ يَخْرُجُونَ مِنْ الْإِسْلَام الْكَامِل .. ففِي رِوَايَة سَعِيد بْن مَسْرُوق (يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام)، وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ أَوَّل الدِّين هُنَا بِالطَّاعَةِ.
قَالَ اِبْن بَطَّال : الْمُرُوق الْخُرُوج عِنْد أَهْل اللُّغَة.
قَالَ ابن حجر: وَقَالَ صَاحِبُ الشِّفَاءِ فِيهِ وَكَذَا نَقْطَعُ بِكُفْرِ كُلِّ مَنْ قَالَ قَوْلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ.
وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر ابْن الْعَرَبِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: "الصَّحِيح أَنَّهُمْ كُفَّار؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام)، وَلِقَوْلِهِ: (لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْل عَاد)، وَفِي لَفْظٍ: (ثَمُود)؛ وَكُلّ مِنْهُمَا إِنَّمَا هَلَكَ بِالْكُفْرِ وَبِقَوْلِهِ: (هُمْ شَرُّ الْخَلْق)، وَلَا يُوصَف بِذَلِكَ إِلَّا الْكُفَّار ، وَلِقَوْلِهِ: (إِنَّهُمْ أَبْغَضُ الْخَلْق إِلَى اللَّه تَعَالَى)، وَلِحُكْمِهِمْ عَلَى كُلّ مَنْ خَالَفَ مُعْتَقَدهمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّخْلِيد فِي النَّار؛ فَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِالِاسْمِ مِنْهُمْ.
-قال ابن حجر-: وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا؛ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَرَنَهُمْ بِالْمُلْحِدِينَ.
-قال ابن حجر-: وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ –يعني تكفير الخوارج- مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: فِي فَتَاوِيهِ احْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ وَغُلَاةَ الرَّوَافِضِ بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَتِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ".انظر "الفتح" فيما سبق (6 / 618، 8 / 69، 12 / 286، 299ـ301).
قَالَ النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام):
قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ: يَخْرُجُونَ مِنْهُ خُرُوج السَّهْم إِذَا نَفَذَ الصَّيْد مِنْ جِهَة أُخْرَى ، وَلَمْ يَتَعَلَّق بِهِ شَيْء مِنْهُ.
قَالَ النووي: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلِيل لِمَنْ يُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ". "شرح مسلم" (7 / 159ـ160).
قال السندي: " قَوْلُهُ (كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ) خَبَرٌ ثَانٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَوَارِجَ كَفَرَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ وَنَحْوَهُ"."حاشية ابن ماجه" (1 / 75).
قال الإمام ابن باز: "والصّواب في الخوارج: أنهم كُفّار؛ هم كفّار، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه)، والصّواب فيهم أنهم كفّار؛ بتكفيرهم المسلمين.
وقال في موضع آخر جواباً على سؤال: أما إذا كانت بدعتهم مكفرة كبدعة الخوارج والمعتزلة والجهمية فلا يصلى عليهم. "مجموع الفتاوى" (13 / 161).
قال العلامة الفوزان: " القول بتكفيرهم – الخوارج- أقرب لأن الأدلة دلّت على كفرهم". "شرح نواقض الإسلام" (ص 174) إشراف محمد الحصين.
فنخلُص إلى أن مَن كفّر "الخوارج" من أئمة السلف والخلف هم: البخاري (ت 256هـ)، والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543)، والقاضي عياض (ت 544هـ)، والقرطبي (ت 671هـ)، والنووي (ت 676هـ)، والسبكي (ت 771هـ)، والسندي (ت 1138هـ)، وابن باز (ت 1420هـ)، والفوزان (..).
ونختم بحكم الصحابي الجليل ثم بحكم الصادق المصدوق المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخوارج.
ففي الحديث: "دَخَلَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ دِمَشْقَ، فَرَأَى رُءُوسَ حَرُورَاءَ قَدْ نُصِبَتْ، فَقَالَ: (كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثاً، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوا)، ثُمَّ بَكَى! فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ! هَذَا الَّذِي تَقُولُ مِنْ رَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: إِنِّي إِذاً لَجَرِيءٌ؛ كَيْفَ أَقُولُ هَذَا عَنْ رَأْيٍ؟ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ.
قَالَ: فَمَا يُبْكِيكَ؟
قَالَ: أَبْكِي لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ شِيَعاً".
وفي لفظ: لَوْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَين، حَتَّى ذَكَرَ سَبْعاً لَخِلْتُ أَنْ لَا أَذْكُرَهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: لِأَيِّ شَيْءٍ بَكَيْتَ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ أَوْ مِنْ رَحْمَتِهِمْ".
وفي رواية: "فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رَأَيْتُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ؟
فَقَالَ: رَحْمَةً رَحِمْتُهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ.
ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمُ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}".
أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في "السُّنّة"، والحاكم في "المستدرك" وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، ووافقه الذهبي.
وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
(شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ؛ فَصَارُوا كُفَّاراً).
قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ! هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أخرجه ابن ماجه (176)، وحسنه الألباني.
تنبيه حتى لا تذهبوا بعيداً:خوارج اليوم يتمثلون في المسميات والألقاب: [تنظيم القاعدة بجميع فروعه/ "داعش" بجميع فروعه/ النصرة/ أنصار بيت المقدس/ أنصار الشريعة/ فجر ليبيا/ "الإخوان المسلمون"] وغيرهم .
هذا والله اعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي.
فجر الأربعاء 11 / 9 / 1435هـ.
@abu_fraihan (https://twitter.com/abu_fraihan)