تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عقيدة الشيخ ربيع حفظه الله في الصحابة رضي الله عنهم



كمال بن طالب زيادي
31-Dec-2015, 12:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

عقيدة الشيخ ربيع حفظه الله في الصحابة رضي الله عنهم

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ [ شيخ الإسلام الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني 373 هـ ـ 449 هـ ] عن أهل السنة والجماعة أهل الحديث : ( ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم ، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم ) .
هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الله قد زكاهم ورسول الله قد زكاهم ونهى عن سبهم ، وبيّن منزلتهم ـ رضوان الله عليهم ـ وأنهم لا يُلحقون في الفضل ، ولو عبد الإنسان الله طول عمره لا تعادل عبادته موقفا واحدا من مواقف الصحابي المعيّن مع رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ
هذه منزلة الصحابة عند أهل السنة والجماعة ، زكاهم الله في آيات كثيرة وبين رضاه عنهم وقال لأهل بدر : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ، وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحديبية أنهم يدخلون الجنة ولا يدخل أحد منهم النار ـ رضوان الله عليهم ـ والله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ))
وإذا كان الله قد رضي عنهم وزكاهم هذه التزكية ورضي عمن تابعهم بإحسان ، فما الذي يدخلك في الكلام في الصحابة والبحث عن أخطائهم وعما شجر بينهم ، ما الداعي لهذا البحث ؟؟
فلا يبحث في هذه الأشياء إلا أهل الفتن من الخوارج والروافض ، أما أهل السنة فيرون السكوت عما جرى بين الصحابة ، لأنهم كلهم مجتهدون ، والذي يحملنا على أن نعتقد فيهم هذه العقيدة تزكية الله لهم وتزكية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم .
الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : " والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل ، ولا المقتول فيما قتل ، فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال : الهرج ، القاتل والمقتول في النار " هذا إذا كان لهوى ، أما إذا كان الواحد منهم يرى نفسه على حق ثم قاتل كان مجتهدا ، هذا فيما يتعلق بالصحابة ، فلماذا نبحث ونقول : هذا باغ ، وهذا مظلوم ، وهذا ظالم ، وهذا كذا ...؟؟ فلا نبحث عما شجر بينهم ، ولا نبحث عن أخطائهم إطلاقا .
فأخطاء الصحابة لا نبحث فيها ، لأن ما نسب إليهم :
ـ إما أن يكون كذبا محضا افتراه عليهم الروافض والخوارج وأهل السوء والإحن،والنواصب أيضا قد يفترون على عليّ رضي الله عنه.
ـ وإما أن يكون حصل خطأ في النقل ، إنسان سمع قصة فحكاها على غير وجهها : فلان قال كذا وكذا ، حكاها خطأ ونسبها إلى فلان أو إلى مجموعة منهم خطأ .
ـ وما يثبت عنهم قد يكون مرجعه الاجتهاد :" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ـ رضوان الله عليهم ـ .
وما ثبت عليهم منه فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ يغفره لهم إن شاء الله ، لأن حسناتهم نرجو أن تكون راجحة على أخطائهم ـ رضوان الله عليهم ـ
يدفعنا إلى هذا الاعتقاد هذه التزكيات لهم ، إذ شهد الله لهم ـ للسابقين واللاحقين منهم ـ بالجنة والرضوان فقال : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير )) [ الحديد 10 ] ، (( وكلا )) يعني : السابقين واللاحقين منهم ، من هاجر قبل الفتح ومن هاجر بعده ، كلهم شملتهم رحمة الله ، فما الذي يدخلك بين الله وبين عباده ، الذين هم خلّص عباده وأفضل الناس بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؟؟
فالذي ثبت عليه ذنب يغفره الله له لصحبته ولجهاده وبأعماله الصالحة وأسباب كثيرة ، وأخيرا هم أولى الناس بشفاعة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أحق الناس بشفاعة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ منهم ـ رضوان الله عليهم ـ
لهذا نحن لا ندخل فيما جرى بينهم في الجمل وفي صفّين ، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة .
فنحن نعتقد في الجميع أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم من أبعد الناس عن الأهواء والأغراض ، وأن كلا منهم مجتهد ، لأن تلك فتنة جاءت وكل واحد منهم يرى نفسه على الحق ، وحتى بعض الصحابة توقفوا لشدة المحنة والفتنة ، وكثرة النقول والإشاعات والأخبار جعلت عددا من الصحابة يتوقفون ، لا مع هذا ولا مع هذا ، ثم بعد ذلك دُرست الأمور وفُهمت و .. و.. إلى آخره وتبين للناس أن الحق مع عليّ وأولئك مجتهدون .
والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : " إن ابني هذا سيد ، ولعلّ الله أن يصلح لبه بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فمدح الحسن على هذا التصرف الطيب ، لأنهم كلهم مسلمون ، والحسن لا يتنازل لفساق ومجرمين ، هم فساق ومجرمون كما يصورهم الروافض والخوارج ، فحاشاه أن يتنازل لمن هذا شأنه وحاشاهم من الفسق والفجور ـ رضوان الله عليهم ـ
قال الشيخ أبو عثمان : (وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم ) كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : " إن الله قد طهّر سيوفنا من دمائهم فلنكف ألسنتنا عن أعراضهم " أو كما قال ـ يعني : أن الله سبحانه وتعالى كف عنا الفتنة ، فلا ندخل بالألسنة ونلوثها بالكلام فيهم ، لأنك أنت تتكلم في أصحاب محمد أفضل الخلق بعد الأنبياء ، فلا تذكرهم إلا بالخير ولا تذكرهم إلا بالجميل ، وتذكر فضائلهم ومحاسنهم وجهادهم وبذلهم أنفسهم وأموالهم لإعلاء كلمة الله ونصرة هذا الدين ، وأن الله هدى على أيديهم أمما ، وقضى الله بهم على أهل الردة ، فمن يلحقهم في هذه الأعمال ؟ في الصحبة وفي الأعمال أيضا ـ رضوان الله عليهم ـ
عندما ترى كلام الروافض ـ قبحهم الله ـ في أصحاب محمد والله أظن أن اليهود ما بلغوا معشار ما بلغه الروافض ـ قاتلهم الله ـ في تحريف دين الله وفي الطعن في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ـ اليهود والنصارى ما بلغوا في تحريف الإنجيل والتوراة ما بلغه هؤلاء ، فكل آيات اللعن والعذاب والنفاق يصبونها على أصحاب محمد ولا سيما أبا بكر وعمر ، وكل آيات الوعيد وآيات النار وآيات النفاق وآيات الكذب وآيات الفجور .. قبحهم الله .
الآن يقولون : نحن ما نقول : القرآن محرف ، ولا نقول : الصحابة حرفوه ، ما نقول هذا الكلام ، لكن إذا قرأت تفاسيرهم لم تجد تحريفا وليّا للنصوص وابتعادا بها عما أراده الله عزوجل مثل تحريف هؤلاء وفجورهم ، لأن أصلهم مجوس ، عندهم حقد وغلّ على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
ولما ذكر الله المهاجرين والأنصار في سورة ـ الحشر ـ أثنى على من يثني عليهم ويدعو لهم فقال جلّ وعلا : (( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم )) [ الحشر 10 ] هذا هو الموقف الذي يجب أن يكون عليه المسلم ، وهو الاستغفار لهم والدعاء لهم والترضي عنهم والذبّ عن أعراضهم ـ رضوان الله عليهم ـ فوالله إنهم أولى أن نذبّ عن أعراضهم من الذبّ عن أنفسنا وآبائنا وأبنائنا ـ رضوان الله عليهم ـ .
قال ( ويرون الترحم على جميعهم ) عليهم جميعا دون فرق ، فتقول : أبو بكر رضي الله عنه وتقول : معاوية رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه ، وأبو ذر رضي الله عنه ، وعمار رضي الله عنه ، وأصغر الصحابة ـ وهو أبو الطفيل ـ تقول فيه : رضي الله عنه ، آخر من مات منهم هو السائب بن يزيد رضي الله عنهم ، كلهم من أولهم إلى آخرهم تقول فيهم : رضي الله عنهم .

المصدر :
عقيدة السلف وأصحاب الحديث للامام أبي عثمان إسماعيل الصابوني رحمه الله [ ص 372 ]
شرح الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله

كمال بن طالب زيادي
31-Dec-2015, 12:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


المبشّرون بالجنة






فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة ؛ فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك ، تصديقا منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ووعده لهم ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك ، والله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على ما شاء من غيبه ، وبيان ذلك في قوله عزوجل : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ــ إلا من ارتضى من رسول )) [ الجن : 26 ـ 27 ] ، وقد بشّر صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة ، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح ، وكذلك قال لثابت ابن قيس بن شماس : " أنت من أهل الجنة " . قال أنس بن مالك : فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول : إنه في الجنة ومن أهل الجنة .
الشرح لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله

قال المصنف رحمه الله : ( فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة ) ، ما سبق ( في الكلام على عواقب العباد ) ذاك على العموم ، لا نقطع لأحد إلا من نص عليه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ
أما هؤلاء المنصوص على أعيانهم فنقطع لهم بالجنة ، وباقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد وعدهم الله على وجه العموم بالجنة والرضوان عنهم ، السابقون منهم ومن بعدهم ومن أنفق من قبل الفتح وقاتل ، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل (( وكلا وعد الله الحسنى )) [ الحديد : 10 ] (( وعد الله لا يخلف الله الميعاد )) [ الزمر : 20 ] .
وأما غير الصحابة ؛ إن كانوا صالحين نرجو لهم الجنة ، وإذا كانوا طالحين نخاف عليهم من النار .
قال المصنف رحمه الله : ( فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك تصديقا منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ووعده لهم ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك ) يقول هذا خلافا للخوارج والروافض ـ قبحهم الله وأخزاهم ؛ إذ الروافض يكفرون معظم الصحابة ويقولون : إنهم في النار ، ويحملون آيات الوعيد وآيات العذاب وآيات اللعن على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ـ قاتلهم الله ـ ويردون تزكية الله لهم في القرآن ووعده لهم بالجنة والرضوان؛ هم ومن اتبعهم بإحسان ؛ كل هذه الآيات يحرفونها ويؤولونها ويتلاعبون به ، وهذه عداوة منهم للإسلام وللرسول الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قاتلهم الله ، لا شك أن الذين وضعوا هذه المناهج زنادقة ، ومن سار على نهجهم بهذه الطريقة فهو منهم ـ والعياذ بالله ـ
والخوارج كما تعرفون لا يستثنون إلا أبا بكر وعمر ، وعثمان وعلي ومن شايعهم عندهم كفار وفي النار ، وكل من شارك في الفتنة عندهم كذلك .
نعم ، الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما قال هذا إلا بعلم من الله عز وجل ويقين من الله عزوجل : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ـ إلا من ارتضى من رسول )) [ الجن : 26 ـ 27 ] ؛ فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما قال هذا إلا عن الله عز وجل .
( وقد بشّر صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة ، وهم أبو بكروعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح )
هؤلاء العشرة شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق واحد أنهم من أهل الجنة ، فنحن نؤمن أن هؤلاء العشرة من أهل الجنة ، وكذلك شهد لثابت بن قيس بن شماس بالجنة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " لما نزلت هذه الآية : (( يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي )) [ الحجرات : 2 ] إلى آخر الآية ، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار ، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل النبي سعد بن معاذ فقال : ( يا أبا عمروما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟ ) قال سعد : إنه لجاري وما علمت له بشكوى ، قال : فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا من أهل النار ، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل هو من أهل الجنة ) ، لأنه ما يقصد الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم هذا الأمر جاء منه قبل النهي ، فغفر الله له ، وأخبر الله رسوله أن هذا من أهل الجنة .
كذلك :" المرأة السوداء ـ التي كانت تقم المسجد وكانت تصرع ـ أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي . قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ؟ ) فقالت : أصبر، ثم قالت : إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا لها "، فهذه أيضا من المشهود لهم بالجنة .
فهؤلاء نشهد لهم ونقطع لهم بأنهم من أهل الجنة ،ومن عداهم نرجو للصالحين ونخاف على الطالحين ، والوعد العام لأصحاب رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالجنة : (( لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير )) [ الحديد : 10] يعني : من آمن من قبل الفتح وقاتل ومن آمن بعدهم وقاتل ؛الكل موعودون من الله بالحسنى وهي الجنة ، فنحن نؤمن إن شاء الله بأن لهم الجنة على العموم ، (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )) [ التوبة : 100 ] . فنشهد لهم ولمن يتبعهم بإحسان على العموم وليس على التعيين.



المصدر :
عقيدة السلف وأصحاب الحديث للإمام الصابوني رحمه الله
الشرح لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ( ص :334 ) .

كمال بن طالب زيادي
31-Dec-2015, 12:23 AM
أفضل الصحابة

ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وأنهم هم الخلفاء الراشدون الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " ثم قال :أمسك ، خلافة أبي بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان ثنتي عشرة وعلي ستا ، وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبرعنه الرسول صلى الله عليه وسلم .

الشرح للشيخ ربيع المدخلي حفظه الله

بعدما بين المؤلف رحمه الله فضل الصحابة على وجه العموم كما تقدم ، يتحدث هنا عن فضل الخلفاء الراشدين وإثبات خلافتهم ـ رضوان الله عليهم ـ
فأهل الحديث يثبتون خلافة هؤلاء الأئمة ، الخلفاء الراشدين الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وترتيبهم في الفضل مثل ترتيبهم في الخلافة ، على هذا استقر رأي أهل السنة بعد أن كان هناك بعض الأفراد من أهل السنة يقدمون عليا على عثمان رضي الله عنهما ، ثم استقر أمر أهل السنة ـ بعد الدراسة وبعد القناعة ممن كانوا يفضلون عليا على عثمان ـ استقر رأيهم على أن فضلهم على هذا الترتيب ، على ترتيبهم في الخلافة .
وكان بعضهم يغضب من تقديم علي على عثمان ويشتد في الكلام ، لكن ابن تيمية يخفف من وطأة الخلاف في مسألة التفضيل ـ وإن كان استقرأمرهم وإجماعهم على تفضيل عثمان على علي ـ ، فقال : أما الخلافة ، فمن طعن في خلافة أحد منهم فهو أضل من حمار أهله ، وهذا لا يقوله فيمن يعترف بفضل عثمان وعلي ، لكن يفضل عليا على عثمان ، ما يقال فيه : أضل من حمار أهله ، لأن بعض السلف ومنهم سفيان الثوري وأبو حنيفة ـ رحم الله الجميع ـ كانوا يرون أن عليا أفضل من عثمان ثم بعد ذلك مشوا مع الجماعة .
قال المصنف : ( ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ ) وهذا دلت عليه أدلة كثيرة ، يعني : على تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ ـ رضوان الله عليهم ـ .
فمن الأدلة على تفضيل أبي بكر وعمروعثمان رضي الله عنهم :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحُد وأبو بكر وعمروعثمان فرجف بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان " .
وعن أبي موسى الأشعري قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط من حوائط المدينة لحاجته وخرجت في إثره ، فلما دخل الحائط جلست على بابه وقلت : لأكونن اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وقضى حاجته وجلس على قف البئر فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر ، فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل فقلت : كما أنت حتى أستأذن لك فوقف ، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله أبو بكر يستأذن عليك ؟ قال :" ائذن له وبشره بالجنة " فدخل فجاء عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر ، فجاء عمر فقلت : كما أنت حتى أستأذن لك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ائذن له وبشره بالجنة " فجاء عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عن ساقيه فدلاهما في البئر ، فامتلأ القف فلم يكن فيه مجلس ، ثم جاء عثمان فقلت : كما أنت حتى أستأذن لك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه " فدخل فلم يجد معهم مجلسا فتحول حتى جاء مقابلهم على شفة البئر فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر ، فجعلت أتمنى أخا لي وأدعو الله أن يأتي ، قال ابن المسيب : فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان " يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دُفنوا في مكان واحد ، وأما عثمان فدفن مع الصحابة في البقيع .
فهذا الحديث يدل على فضائلهم وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة ، وفضائلهم كثيرة ، كثيرة وكثيرة ـ رضوان الله عليهم ـ .
ومنها كما قال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن ، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب " قالوا : فما أولته يا رسول الله قال : " العلم "
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعُرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره " قالوا : فماذا أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين " .
ويكفي أبا بكر رضي الله عنه أنه لما ارتد كثير من الأعراب ، ومنهم من منع الزكاة وناظره الصحابة وعمر في قتالهم ، صمم على قتالهم ، جادله عمر رضي الله عنه وقال له : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " فقال : (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) ، قال عمر رضي الله عنه : (فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق).
ومن فضائل أبي بكر وعمر قول النبي صلى الله عليه وسلم الدال على خلافتهما أو الإشارة إلى ذلك :" اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " .
ولعثمان فضائل ولعليّ فضائل كثيرة .
الشاهد : أن هذه إشارة إلى أن أهل السنة يحترمون الصحابة جميعا ويحبونهم ويجلونهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها ، ويؤمنون بقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ : لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أ حُد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم أو نصيفه " .
فهذا الحديث يكفي قاطعا لألسنة من يتكلمون في أصحاب رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يعني : لو تنفق ملأ هذه الدنيا ما بلغت ما بلغه أحدهم من المنزلة عند الله ـ تبارك وتعالى ـ بإنفاقه نصف مدّ من شعير .
والله ـ تبارك وتعالى ـ قد أثنى عليهم في كتابه عزّوجل فقال : (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار )) [ الفتح 29 ] أخذ مالك من هذه الآية : أن من يغيظه أصحاب محمد فهو كافر ، وليس له حق في الفيئ .
ويقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ـ والذين تبوّءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ـ والذين جآءومن بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم )) [ الحشر 8 ـ 11 ] .
فبين الله ـ تبارك وتعالى ـ في هذه الآيات فضائل المهاجرين وقدمهم على الأنصار ، وذكر فضائل الأنصار وكيف استقبلوا أصحاب محمد وكيف أكرموهم وآثروهم على أنفسهم ، ثم أثنى على من يأتي بعدهم فيترحم عليهم ويستغفر لهم ويوالهم ، وبين أنهم يستحقون من الله الثناء إذا استقاموا في عقائدهم ومناهجهم .
وقال في سورة التوبة : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه )) [ الآية 100 ] فالله سبحانه وتعالى قد رضي عن السابقين الأولين ومن تبعهم (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) فهذه تزكية من الله سبحانه وتعالى وشهادة منه لهم بأنه قد رضي عنهم ، ورضي عمن يتبعهم بإحسان .
فأحسنوا اتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، أحسنوا اتباعهم واسلكوا طرقهم السديدة ـ رضوان الله عليهم ـ واعرفوا لهم قدرهم ، تنالون رضا الله ـ تبارك وتعالى ـ باتباعهم ،وذلك بالتمسك بالكتاب والسنة في العقيدة ، وفي المنهج ، وفي الأخلاق وفي السلوك وفي كل ما ثبت من صفاتهم العظيمة ، وادرسوا سيرهم .
إذا درست لعمر كأنك والله تعيش مع نبي في أخلاقه وعدله وخوفه من الله ـ تبارك وتعالى ـ روى البخاري عن المسور بن مخرمة قال : ( لما طُعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزّعه ـ يعني : يخفف عنه الألم ، الجزع هو الخوف من المستقبل ـ : " يا أمير المؤمنين ، ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون .
قال :" أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه ، فإنما ذاك منّ من الله تعالى منّ به عليّ ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه ، فإنما ذاك منّ من الله جلّ ذكره منّ به عليّ ، وأما ما ترى من جزعي ، فهو من أجلك وأجل أصحابك . والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا ، لافتديت به من عذاب الله عزّوجل قبل أن أراه ) .
انظروا يا إخوة ، هذا الرجل الذي أعز الله به الإسلام ، قال فيه ابن مسعود فيما رواه البخاري عن قيس قال : قال عبد الله : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
كان كفار قريش متجرئين على رسول الله وعلى أصحابه ، فلما أسلم عمر اشتد ساعد المسلمين وعزّوا به رضي الله عنه ، وكان من أشد الناس قبل أن يسلم على الإسلام ثم لما أسلم أعزّ الله به الإسلام رضي الله عنه .
وقال يوما لأبي موسى : يا أبا موسى هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه بَرَدَ لنا وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس ؟ فقال أبو موسى : لا والله ، قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا وأسلم على أيدينا بشر كثير ، وإنّا لنرجو ذلك . فقال عمر : لكني أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك بَرَدَ لنا، وأن كل شيء عملناه بعدُ نجونا منه كفافا رأسا برأس .
ملأ الدنيا عدلا رضي الله عنه وفتح الفتوحات ، ثم مع ذلك هذا خوفه من الله عزّوجل ، يريد أن تسلم له أعماله في عهد الرسول ، أما أعماله في عهد أبي بكر وجهاده وفتوحاته وعدله و..و..إلى آخره ، كلها يريد السلامة منها .
والواحد منا يعمل عملا قليلا ثم يغتر فيقول : أنا فعلت وأنا فعلت وأنا فعلت ، وهو رضي الله عنه كل هذه الأعمال يريد السلامة منها ، وزيادة على ذلك عندما استشهد يقول : ( والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عزّوجلّ قبل أن أراه ) رضي الله عنه.
ومن فضائله وفضائل أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعَطن " يعني : أن أبا بكر رضي الله عنه ما اتسع له الوقت للفتوحات ، إذ كانت خلافته سنتين كما سيأتي ،مع إنشغاله بحروب المرتدين من مانعي الزكاة ، أما عمر فكانت خلافته عشر سنوات وفتح الله على يديه فتوحات ، فبدأ أبو بكر ـ بعد القضاء على الردّة ـ يجهز الجيوش إلى الشام وإلى العراق وتوفي في هذه الأثناء وخلفه عمر وتم له فتح العراق وما وراء العراق وفتح الشام وفتح مصر رضوان الله عليه ، وطال عمره وأوسع الناس عدلا حتى ضرب الناس بعطن فعلا ، يعني : الإبل تشرب وتروى ثم تبرك حول الحياض ، فالمسلمون رووا ونهلوا من الإيمان والعدل في حياة عمر رضي الله عنه ، قال : " فما رأيت عبقريا يفري فريه " يعني : ينزع مثل نزعه ، " استحالت الدلو غربا " وهو ينزع بقوة رضي الله عنهم جميعا .
ولا شك أن أبا بكر أفضل من عمر رضي الله عنهما ، والأدلة على ذلك كثيرة منها إشارات إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه .

المصدر :
عقيدة السلف وأصحاب الحديث للامام الصابوني رحمه الله
شرح الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله [ 338 ـ 346 ]

كمال بن طالب زيادي
31-Dec-2015, 12:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البربهاري رحمه الله : وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، هكذا روي لنا عن ابن عمر ، قال : كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ـ إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره " .
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : علي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد ابن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة عامربن الجراح ، وكلهم يصلح للخلافة ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الأول الذي بعث فيهم ، المهاجرون الأولون والأنصار ، وهم من صلى القبلتين ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، نترحم عليهم ، ونذكر فضلهم ، ونكف عن زللهم ، ولا نذكر أحدا منهم إلا بالخير ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ".

الشرح للشيخ ربيع بن هادي حفظه الله

1 ـ ذكر المؤلف أفضل الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ، بناء على ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما في هذا السياق ، وهو حديث صحيح رواه البخاري وسيأتي .
والمشهور ذكر علي رضي الله عنه مع هؤلاء ، فهو رابع الخلفاء الراشدين المهديين والدليل ما رواه سعيد بن جهمان عن سفينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الخلافة ثلاثون عاما ، ثم يكون بعد ذلك الملك "
2 ـ ثم ذكر المؤلف بقية العشرة المشهود لهم بالجنة ، وبين رحمه الله أن كل واحد من العشرة المشهود لهم بالجنة يصلح للخلافة ، والأمر كما ذكر .
3 ـ ثم قال المؤلف رحمه الله : ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الأول الذي بعث فيهم ، المهاجرون الأولون والأنصار ، وهم من صلى القبلتين ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، نترحم عليهم ، ونذكر فضلهم ، ونكف عن زللهم ، ولا نذكر أحدا منهم إلا بالخير ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ".
فجعل الصحابة من حيث الفضل أربع طبقات كما ترى ، وجعلهم ابن سعد في طبقاته خمس طبقات .
وقسمهم الحاكم في ـ معرفة علوم الحديث ـ إلى اثنتي عشرة طبقة :
فأولهم : قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه ،والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال البالغين بحديث عمرو بن عبسة أنه قال : يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر ؟ قال : حر وعبد ، وإذا معه أبو بكر وبلال رضي الله عنهما .
والطبقة الثانية من الصحابة : أصحاب دار الندوة ، وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم وأظهر إسلامه حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الندوة فبايعه جماعة من أهل مكة .
والطبقة الثالثة من الصحابة : المهاجرة إلى الحبشة.
والطبقة الرابعة من الصحابة : الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة ، يقال : فلان عقبي وفلان عقبي .
والطبقة الخامسة من الصحابة : أصحاب العقبة الثانية ، وأكثرهم من الأنصار .
والطبقة السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء قبل أن يدخلوا المدينة ويبني المسجد .
والطبقة السابعة : أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم :" لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
والطبقة الثامنة : المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية .
والطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله ـ تعالى ـ فيهم : (( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة )) [ سورة الفتح 18 ] وكانت بيعة الرضوان بالحديبية لما صدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة وصالح كفار قريش على أن يعتمر من العام المقبل ، والحديبية بئر ، وكانت الشجرة بالقرب من البئر ، ثم إن الشجرة فقدت بعد ذلك فلم توجد ، وقالوا إن السيول ذهبت بها .
قال سعيد بن المسيب : سمعت أبي ـ وكان من أصحاب الشجرة ـ يقول : قد طلبناها غير مرة فلم نجدها .
فأما ما يذكره عوام الحجيج أنها شجرة بين منى ومكة فإنه خطأ فاحش .
والطبقة العاشرة من الصحابة : المهاجرة بين الحديبية والفتح ، منهم : خالد ابن الوليد ،عمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم ، وفيهم كثرة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غنم خيبر قصدوه من كل ناحية مهاجرين فكان يعطيهم .
والطبقة الحادية عشرة : فهم الذين أسلموا يوم الفتح ، وهم جماعة من قريش ، منهم من أسلم طائعا ، ومنهم من اتقى السيف ثم تغير ، والله أعلم بما أضمروا واعتقدوا .
قال الشيخ ربيع :
[ هذا كلام غير سليم ، لقد حسن إسلامهم ، وكانوا من خيار المجاهدين في الفتوحات الإسلامية رضي الله عنهم ]
ثم الطبقة الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة .
ولخص هذه الطبقات العلامة أحمد محمد شاكر .

4 ـ وعرّف المؤلف الصحابي من هو بقوله : ( من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر )
وقال الحافظ في تعريف الصحابي :
" وأصح ما وقفت عليه من ذلك : أن الصحابي من لقي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مؤمنا به ومات على الإسلام .
5 ـ ثم ذكر المؤلف حقهم على المسلمين : وهو أن يترحمواعليهم ، ويذكروا فضلهم ، وأن يكفوا ألسنتهم عن زلة من زل منهم ، لأنهم مجتهدون ، بعيدون عن الأهواء ، وأن لا يذكرهم المسلمون إلا بالخير ، واستدل على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ذكر أصحابي فامسكوا " .

قال المؤلف الإمام البربهاري رحمه الله :
وقال سفيان بن عيينة " من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "

الشرح للشيخ ربيع بن هادي حفظه الله

والأمر كما قال سفيان رحمه الله ، بل قال أبو زراعة الرازي:" إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة .
ومن حق الصحابة علينا أن نذكر بعض فضائلهم :
فإن لهم ـ والله ـ لمكانة ومنزلة عظيمة عند الله تبارك وتعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم .
وعند المؤمنين الصادقين ، والقرآن ملئ بمخاطباتهم ، والإشادة بهم ، وذكر صفاتهم الجميلة ، فيصفهم بالمتقين ، ويصفهم بالمحسنين ، وبالصابرين ، والقانتين ، كل ذلك في القرآن ، والسنة مليئة ببيان هذه المنزلة للصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وقد دوّن أهل العلم الأحاديث النبوية التي تتعلق بفضائلهم ومزاياهم ، دوّنت في الكتب الصحاح والمسانيد والمجامع ، وفي كتب خاصة بفضائل الصحابة رضي الله عنهم ، ومن حقهم علينا أن ندرس ما يتعلق بهم من القرآن دراسة خاصة ، وما يتعلق بهم من السنة كذلك ، وأن نفديهم بأموالنا وأنفسنا ، وأن نذب عن أعراضهم هجمات الضالين من المستشرقين والروافض والباطنية وغيرهم من فرق الضلال ، يجب أن نذب عنهم أكثر من أن نذب عن آبائنا وأبنائنا وأنفسنا رضي الله عنهم .
من فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في كتاب الله عزّوجلّ .
يقول الله تعالى : (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )) [ سورة الفتح 29 ] .
رضوان الله عليهم .
ويقول الله تبارك وتعالى مخاطبا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وواصفا لهم : (( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ـ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )) [ الحج 77 ـ 78 ] .

وقال تعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ـ وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم )) [ التوبة 71 ـ 72 ] .

هذه ـ والله ـ صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ،وهذا الوعد لهم ولغيرهم من المؤمنين بالتبع .

وقال تعالى : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )) [ سورة التوبة 100 ]

وقال تعالى : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير )) [ الحديد 10 ]

وقال تعالى : (( والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) [ الحشر 9 ] .

من فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في سنته صلى الله عليه وسلم

قال صلى الله عليه وسلم :" النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون "
وعن أبي سعيد الخذري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم : فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس ، فيقال لهم : فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم : هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتح لهم ."
منقبة وبشرى للعشرة رضي الله عنهم :
ومما خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم به العشرة وهم أفضل الصحابة رضي الله عنهم :
عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد ابن عمر بن نفيل في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".

المصدر
عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السنة للامام البربهاري رحمه الله
للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله [ ص 209 ج 1 ]

كمال بن طالب زيادي
31-Dec-2015, 06:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


من الفضائل التي تخص الثلاثة:


أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .

قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة ، فجاء رجل فاستفتح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" افتح له وبشره بالجنة " ففتحت له ، فإذا أبو بكر ، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله ، ثم جاء رجل فاستفتح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" افتح له وبشره بالجنة " ، ففتحت له ، فإذا هو عمر ، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله ، ثم استفتح رجل ، فقال لي :" افتح له ، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه " ، فإذا عثمان ، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله ، ثم قال : الله المستعان .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال :" كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخير أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم .
وفي رواية له رضي الله عنه قال : " كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ـ أو كما قال ـ ثم عمر ثم عثمان ، ثم نسكت ، فلا نفاضل بين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

فضائل هؤلاء الثلاثة ينبغي أن نفهمها ، لأن أعداء الله أشد ما يُركزون على هؤلاء الثلاثة ، ولا سيما الروافض ، فعندهم من الطعون التي لا تحصى ومن التكفير لهم ، لماذا ؟ لأنهم أسقطوا عروش الأكاسرة والقياصرة ، حطموا دول الكفر ، فقلوب اليهود والنصارى والروافض تغلي بالحقد على هؤلاء لأنهم أسقطوا عروش الكفر، ورفعوا راية الإسلام في أعظم بقاع الأرض ، فلهم النصر والظفر في الدرجة الأولى فلهذا يركز عليهم هؤلاء .
من فضائل أبي بكرالصدّيق رضي الله عنه :
ومما يخص أبا بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : " إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ، ولوكنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا " هذه لا تليق إلا بالله تبارك وتعالى ، فالله اتخذ إبراهيم خليلا ، واتخذ محمدا خليلا ، ولهذا كانا أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والذي جعلهما يتسنّمان هذه القمة هي أنهما خليلا الله رب العالمين ، " ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر " .
وكذلك روى ابن عباس رضي الله عنهما مثل هذا الحديث ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي " .
ثلاثة من الصحابة يشهدون هذه الشهادة لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه : أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" ليس أحد أمنّ علي من أبي بكر رضي الله عنه في صحبته وماله ، وهذه منزلة لا يلحقه فيها أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح لأحد أن يؤذي أبا بكر بأقل أذى قال صلى الله عليه وسلم :" هل أنتم تاركو لي صاحبي ؟" لمنزلته عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ، كيف وقد أثنى الله عليه في القرآن وأثبت صحبته ، قال الله تعال : (( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )) [ التوبة 40 ] .
الشاهد في هذه الآية : أن الله ـ تعالى ـ قال : (( ثاني اثنين )) فمن هو هذا الثاني ؟ أبو بكر رضي الله عنه .
(( إذ هما في الغار )) : غامر بنفسه ، وغامر بحياته ، وبذل ماله ، والرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة عزمت قريش على قتله أو أسره أو نفيه أو سجنه ، فأذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة ، فخرج مهاجرا ، قال لأبي بكر رضي الله عنه الصحبة ، قال له أبو بكر : تهاجر ؟ قال : نعم ، قال : الصحبة يا رسول الله ، قال : الصحبة ، فخرج مهاجرا واتجه إلى الجنوب ، إلى غار ثور ، يعني تعمية على العدو ، ونزل في الغار ، وجاء الطلب حتى وقفوا على فم الغار ، فعن ثابت عن أنس رضي الله عنه : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثه ، قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه ، فقال صلى الله عليه وسلم :" يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " أي : ثالثهما بالمعونة والحفظ والنصرة والتسديد .
وأشاد الله به في هذه الآية ، فهذه مزية أثبتها الله عزوجل في القرآن لأبي بكر رضي الله عنه ، ألا تدرون ماذا يصنع الروافض ؟ يقلبونها مثلبة على أبي بكر رضي الله عنه ـ لعنة الله عليهم ـ لا أشد عداء للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ منهم .
من فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
من فضائل عمر رضي الله عنه ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام :" إيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك ".
الشيطان إذا لقيه يهرب منه .
والحديث قاله بمناسبة ، كما يروي محمد بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر ابن الخطاب قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنّك يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب " فقال عمر رضي الله عنه : فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ، ثم قال عمر رضي الله عنه : يا عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك " .
الفج : هو الطريق الواسع ، يمكن ألف شيطان يمرون فيه ، الشيطان إذا رآه يفر منه خوفا منه .
إيها : يعني زد من التوقير والإجلال ، لأنه مطلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : (( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه [ الفتح : 9 ] يعني رفع النساء أصواتهن عليه ينافي التوقير والتعزير ، فقال صلى الله عليه وسلم :" إيها " يعني أن هذا الكلام في محله ، فزدني .
الشاهد : هذه الفضيلة لعمر رضي الله عنه :" ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك ".
في قصة ثابتة أن جارية نذرت ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لإحدى الغزوات فنذرت إن عاد رسول الله لتضربن عليه بالدّف ولتغني ، فلما رجع رسول الله عليه الصلاة والسلام قالت : يا رسول الله إني نذرت ـ إن سلّمك الله ـ أن أضرب عليك بالدف وأتغنى ، قال إن كنت نذرت فافعلي ، فشرعت تضرب في الدف ، دخل أبو بكر وهي تضرب ، دخل عثمان وهي تضرب ، دخل علي وهي تضرب ، فدخل عمر فوضعت الدف تحت استها وجلست عليه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الشيطان ليخاف منك يا عمر " .
فضائله كثيرة رضي الله عنه ، ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الناس يُعرضون عليه وهو في النوم وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما هو دون ذلك ، وعُرض عليّ عمر وعليه قميص يجره أو اجترّه ، قالوا : ما أولته يا رسول الله ؟ قال :" الدين " ناس عندهم إلى الصدر ، إلى الثدي ، وما شاكل ذلك ، وعمر الإيمان سابغه كله رضي الله عنه .
وعن الزهري عن حمزة عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" بينا أنا نائم شربت ـ يعني اللبن ـ حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر " ، قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال :" العلم " فيشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالدّين المتين ، ويشهد له بالعلم رضي الله عنه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" جُعل الحق على لسان عمر وقلبه ".
وعن الشعبي عن وهب السوائي ، قال خطبنا علي رضي الله عنه ، فقال من خير هذه الأمة بعد نبيها ؟ فقلت : أنت يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه ، ثم عمر رضي الله عنه ، وما نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه .
وعن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول : وضع عمر على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويصلّون قبل أن يُرفع ـ وأنا فيهم ـ فلم يُرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر ، وقال : ما خلفت أحدا أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وابو بكر وعمر .
يتفرس علي ـ رضي الله عنه ـ أنه سيكون مع صاحبيه في المقبرة وفي الجنة ، وهذا اعتراف من علي ـ رضي الله عنه ـ بفضيلة عمر ، بل وبفضيلة أبي بكر ، وسأذكر تفضيله لهما .
تفضيل علي رضي الله عنه لأبي بكر وععمر رضي الله عنهما :
فقد روى عنه أبو جحيفة حديثا من طرق : قال علي رضي الله عنه : يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها ؟ قال : قلت : بلى ، قال : ولم أكن أرى أحدا أفضل منه ، قال : أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، وبعد أبي بكر عمر رضي الله عنهما ، وبعدهما آخر ثالث ، ولم يسمه .
وعن عون بن أبي جحيفة قال : كان أبي من شرط علي ـ رضي الله عنه ـ ، وكان تحت المنبر ، فحدثني أبي أنه صعد المنبر ـ يعني عليا ـ رضي الله عنه ـ فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال :" خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، والثاني عمرـ رضي الله عنهما ـ ، وقال :" يجعل الله تعالى الخير حيث أحبّ " .
انظر هذه الآثار في ـ مسند الإمام أحمد ـ ( 106/1).
وعن محمد بن الحنفية قال :" قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبو بكر ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول : عثمان ، قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين ."
ماهو ـ إله ـ ،كما يقول الروافض والباطنية " ما أنا إلا رجل من المسلمين " ، يعترف بفضيلة أخويه ومنزلتهما ، وأنهما أفضل منه ، والأمة على هذا الترتيب : أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ـ رضوان الله عليهم ـ وقد كان هناك خلاف في تقديم علي على عثمان وتقديم عثمان على علي ، ثم انتهى بإجماع أهل السنة على هذا الترتيب : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، علي هو الرابع ، وهم الخلفاء الراشدون ، وهم أفضل من بقية العشرة ، وأفضل من سائر الصحابة رضي الله عنهم ، وقد عرفتم فضل أدنى الصحابة رضي الله عنهم ، فكيف بفضل أعلاهم ، وهم هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم .
من فضائل عثمان رضي الله عنه :
ما رواه البخاري ، قال : قال عبدان : أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن : أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم ، وقال : أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من حفر رومة فله الجنة "، فحفرتها ، ألستم تعلمون أنه قال : "من جهز جيش العسرة فله الجنة " فجهزته ، قال : فصدقوه بما قال .
قال البخاري رحمه الله : وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من حفر بئر رومة فله الجنة " ، فحفرها عثمان ،وقال :" من جهز جيش العسرة فله الجنة " ، فجهزه عثمان .
وقال الإمام أحمد في مسنده : ثنا أبو قطن ، ثنا يونس ، يعني ابن أبي إسحاق ، عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : أشرف عثمان من القصر وهو محصور ، فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال : " اسكن حراء ، ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " وأنا معه ، فانتشد له رجال ، قال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل مكة ، قال :" هذه يدي وهذه يد عثمان " فبايع لي ، فانتشد له رجال ، قال : أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت في الجنة " ، فابتعته من مالي ، فوسعت به المسجد ، فانتشد له رجال ، قال : وأنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جيش العسرة قال :" من ينفق اليوم نفقة متقبلة " فجهزت له نصف الجيش من مالي ، قال : فانتشد له رجال ، وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي لابن السبيل ، قال : فانتشد له رجال .
كذا " في المسند " وفي " جامع الترمذي " : هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن ، فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل ؟ قالوا : اللهم نعم .
من فضائل علي رضي الله عنه :
قال البخاري رحمه الله : وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي :" أنت مني وأنا منك " وقال عمر رضي الله عنه :" توفي رسول الله وهو عنه راض "
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه " ، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال :" أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا : يشتكي عينيه يا رسول الله ، قال :" فأرسلوا إليه فأتوني به " فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال علي :يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم للإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ..."
وهناك فضائل للزبير رضي الله عنه وهناك فضائل لسعد رضي الله عنه ، وهناك فضائل لباقي العشرة رضوان الله عليهم ، وأما الفضائل العامة فقد ذكرتها لكم ، وأقف عند هذا الحد ، وأحيل القراء على كتب السنة الصحاح ، والمعاجم والمسانيد ، فاعتنوا بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد ألف فيهم ، وقد عزمت أن أكتب فيهم كتابا ـ إن شاء الله ـ أستمده من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن هناك آيات تصلح للاستشهاد بها على فضلهم ما رأيتهم يذكرونها ، فيقتصرون مع إيمانهم ـ إن شاء الله ـ بأن هذه تدل على ميزة الصحابة وفضلهم رضي الله عنهم .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أحبائهم ومن أتباعهم ومن السائرين على نهجهم ، ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يحشرنا معهم ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

المصدر
عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري [ ج 1 ص 213 ]
الشرح للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله