أبو بكر يوسف لعويسي
01-Jan-2014, 01:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فهذه مسألة مهمة واقعة في كثير من بلاد الإسلام كثر حولها السؤال ، فقد سئلت عنها مرارا وكنت كثيرا ما أقول فيها- الله أعلم – أو أقول فيها أنها ليست من الوسائل المشروعة هكذا باختصار ، ثم قمت ببحثها والكتابة فيها، واليوم رأيت بعض أهل العلم أفتى فيها فأحببت أن أشارك بما كنت قد كتبته فيها إتماما للفائدة فأسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه إنه سميع مجيب .والمسألة هي حكم الخروج لقطع الطرق والمطالبة بالحقوق ويحصل بذلك تخريب المنشآت وتدمير الممتلكات الخاصة والخاصة . وهذه المسألة تتكون من ثلاث فقرات ، وقبل أن أبينها فقرة ؛ فقرة أقول : إن هذه المظاهر من المظاهرات والاعتصامات وقطع الطرقات والإضرابات هي من أعداء الإسلام الذين ما فتئوا يصدرون لنا الفتن والمحن ليشغلوا الأمة وأبناء الأمة بعضهم ببعض ، وشارك فيها بعض من أبناء جلدتنا ممن يقلدون الأعداء وخصوم الإسلام ويتتبعونهم في سننهم شبرا بشبر وهكذا .. حتى لا تقم للأمة قائمة ، وتبقى الريادة والسيادة لهم بعدما كانت لنا ، وخاصة لما رأوا هذه اليقظة من الشباب والعودة إلى الدين اخترعوا لنا هذه النظم وافتعلوا هذه المشكل وزرعوها في الأمة حيث تهافت عليها الشباب الضائع وأهل الأهواء يظنونها شيئا يطلب أو حقا يجتلب وهي كلها ألغام في أنغام لتمزيق الأمة وشغلها في نفسها، وقد بينت شيئا من ذلك في عدة مقالات والحمد لله .
1 - المسألة الأولى : قطع الطريق :إن الإسلام دين عظيم وشريعة كاملة شاملة جاءت بتحريم الظلم والاعتداء على الملكيات العامة والخاصة بل حرم الإسلام على المسلم أن يضر بنفسه فكيف بحقوق غيره ، فكيف بالحقوق العامة التي تشترك فيها الأمة ؛ وقد جاءت مراعية المصالح والمفاسد فرغبت في جلب المصالح وتكثيرها ، ودفع المفاسد وتقليلها فديننا مبني على المصالح .
قال الشيخ العلامة السعدي في منظومة القواعد :
والدين مبني على المصالح - - في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح - - - يقدم الأعلى من المصالح
وعكسه تزاحم المفاسد - - - يرتكب الأدنى من المفاسد .
والإسلام قد أعطى كل ذي حق حقه حتى الطريق أعطاه حقه ومستحقه فمنع من الاعتداء فيه والإضرار به بأقل ما يمكن أن يكون ضررا فكيف بقطعه على أهله المارين فيه وتعطيل مصالحهم ، والاعتداء عليهم ؟؟ بل كيف بتخريب جوانبه وما فيه من المصالح من إنارة ، وأرصفة ، وإشارات مرور ، ومنار الأرض من لوحات ترشد المارة إلى الاتجاهات ، فالطريق سواء كان عاما أو خاص بين الجيران أو سريعا أو فرعيا .. لا يجوز قطعه .
وأبدأ بحكم إتلاف لوحات الاتجاهات أو تغييرها عن وجهتها فعن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :<<لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ>> مسلم (1978)والبخاري في الدب المفرد (17)وأحمد (955).
والشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم :<< لعن الله من غير منار الأرض >> فكيف بإتلافها أو حرقها ؟؟
وأدلة حق الطريق ما في ففي صحيح مسلم - بَابُ(32) النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ وَإِعْطَاءِ الطَّرِيقِ حَقَّهُ حديث (2121) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ» وأخرجه البخاري (ح6229 ).
وفيه (2161) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ، فَقُلْنَا إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ» قَالَ: «إِمَّا لَا فَأَدُّوا حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَحُسْنُ الْكَلَامِ»ففي الحديث الأول ذكر: خمسة حقوق وهي :
1- غض البصر ، وإطلاق البصر محرم بنص الكتاب والسنة ، وغضه عن جميع العورات للذكور والإناث واجب ..قال تعالى :{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ..} النور (30 -31).وقال صلى الله عليه وسلم :<< يا على لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة >>.أخرجه أحمد (5/357، رقم 23071) ، وأبو داود (2/246، رقم 2149) ، والترمذى (5/101، رقم 2777) وقال: صحيح على شرط مسلم. صحيح الجامع 7953 – 3047 وقال حسن .
- 2- كف الأذى ، لأن أذية المسلم لا تجوز وهي محرمة بنص القرآن والسنة ، قال تعالى :{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }. (58).
3- رد السلام .. واجب باتفاق أهل العلم وتركه معصية لقوله تعالى :{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (86)النساء.وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ "البخاري(1240) ومسلم باب من حق المسلم للمسلم رد السلام رقم (2162).
4– 5 - الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، واجب أيضا ، لقوله تعالى :{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران (104).وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»أخرجه مسلم (49).
وليس قطع الطريق على الناس من هذه الحقوق بل هو من العقوق ، وداخل في ضد هذه الحقوق ، فهو بلا شك أذى للمسلمين ، ومنكر عظيم ، وخاصة إذا حصل فيه تخريب للمنشآت العامة ، وسرقة للأموال من حيث كانت عامة أو خاصة ، وتخويف للمارة ، وضرب وجرح ؛ وربما قتل أو جرح لبعض رجال الأمن أو بعض من يعارضهم من الناس ، فإذا كان قطع الطريق كذلك فقد ألحقه بعض العلماء بالحرابة التي قال الله تعالى فيها : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33].
جاء في موسوعة الفقه الإسلامي(5/166) لمحمد بن إبراهيم التويجري فصل حكم قطع الطريق :الحرابة: هي التعرض للناس وتهديدهم بالسلاح في الصحراء أو البنيان، في البيوت أو وسائل النقل، من أجل سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، أو غصب أموالهم ونحو ذلك.
ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل، والسيارات والقطارات، والسفن والطائرات، سواء كان تهديداً بالسلاح، أو زرعاً للمتفجرات، أو نسفاً للمباني، أو حرقاً بالنار، أو أخذاً لرهائن.وكل ذلك محرم، ومن أعظم الجرائم؛ لما فيه من ترويع الناس، والاعتداء على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق.ولهذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.
ويستوي في ذلك قطع الطريق داخل البلد أو خارجه : جاء في أحكام القرآن للكيا هراس (3/70) .ولما كان قوله: (يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) ، على ما في الصحراء أو البلد، استوى حكم قطع الطريق في البلد والمصر جميعا، ومن فرق فإنما يفرق لا بحكم اللفظ، بل بمعنى يتوهمه فارقا وهو غالط فيه.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: النِّسَاءُ، وَالرِّجَالُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْله تَعَالَى يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَعَلَى الرِّجَالِ.
فقطع الطريق على الناس ليس من حقوقه بل هو من الأذية والنبي قال فيه : << وكف الأذى >> وذلك بالقول والفعل ..
وقطع الطريق ليس من المعروف في شيء بل هو من منكر الذي يجب اجتنابه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والنهي عن المنكر .
هذا مجرد القطع فيه أذية لأنه أعظم من مجرد الجلوس فكيف إذا انضم إلى الأذية والمنكر منكرات أخرى من الحرق والتخريب ، والإخافة والسرقة والضرب بأي نوع كان ، ومنع الحوامل والمرضى أن يصلوا إلى المستشفيات ، والأرحام إلى أرحامهم ، وقد حصل ذلك وتوفت بعض الحوامل من جراء هذا الفعل الشنيع فهل بعد هذا يقال أن من الوسائل للمطالبة بالحقوق .وفي الحديث الثاني : قال :<< اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ>> وهي ((الطرقات )) والنهي فيه واضح ، ومعناه لا تجلسوا في طرقات الناس فإن أبيتم إلا أن تفعلوا فأعطوا الطريق حقه وزاد حقا سادسا وهو حسن الكلام ، ولا شك أن الذين يقطعون الطريق لا يصدر منهم حسن الكلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذكر لله تعالى؛ بل يحصل منهم أقبحه من الصياح والصراخ والسب والشتم واللعن وربما السب لله واللعن للدين وغيرها ..
وإذا كان الجلوس في الطرقات محرما إلا بأداء هذه الحقوق فكيف بقطعه وتخريب ما على جوانبه من مستلزمات الطرق كإشارات المرور ولوحات الاتجاهات والإنارة ومنع المواطنين من المرور لمصالحهم وغيرها ..مما ذكرته ومما لم أذكره من المفاسد ؛ فلا شك أن هذا أشد حرمة وأعظم جرما . فكيف يسوغ لمن كانت حاله ونتائجه كذلك أن يكون وسيلة للمطالبة بالمغالبة للحقوق .
1- المسألة الثانية :تخريب المنشآت :أما تخريب المنشآت العامة وكذلك الخاصة التي تكون قريبة منهم فهذا إفساد في الأرض والله تعالى يقول : { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } (85- 86) سورة الأعراف.ففي هاتين الآيتين النهي والتحذير من الإِفساد في الأرض كما فيها النهي والتحذير من قطع الطريق قطعا حسيا أو معنويا كما أفاده ابن كثير في تفسيرها .فحرق المنشآت وتدميرها وتخريبها والاعتداء على من وقف في طريقهم يعتبر من أعظم الفساد في الأرض ، وهل رأيتم إنسانا عاقلا فضلا عن مسلم عاقل رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا يخرب بلده وبيته بيده ، هذا لم يكن إلا في أهل الكتاب الذين قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فبلغ بهم ذلك أن انهاروا وأصبحوا يخربون بيوتهم .فالتخريب والتدمير والحرق والنهب والسرقة ليست من صفات المسلم فإن الإسلام منع المسلمين حتى في الحرب مع العدو أن يحرقوا أو يدمروا إلا ما كان ضرورة أو يقطعوا الشجر أو يخربوا صومعة أو ديرا أو يقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان من غير المقاتلين فكيف يخرب بلده وهي بيته ومأواه ؟؟
فلا تكن أخي من أولئك الذين قال الله فيهم { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }(64) المائدة .ولا من الذين قال الله فيهم :{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَوَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } البقرة (205).وانظر إلى عاقبة المفسدين في قوله تعالى :{ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (*) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًاوَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ .} الأعراف : (85 -86) .
ففي هاتين الآيتين النهي والتحذير من الإِفساد في الأرض كما فيها النهي والتحذير من قطع الطريق قطعا حسيا أو معنويا كما أفاده ابن كثير في تفسيرها .
أما المسألة الثالثة وهي قطع الطريق وتخريب الممتلكات من أجل المطالبة بالحقوق :أولا : أن الإسلام ضمن لكل فرد من أفراده حق الحياة ، فلا يحوز إزهاق روحه بدون حق وكذلك حق الدين فلا يجوز منعه من عبادة ربه ، وحق التملك فلا يجوز أن يعتدى على ماله ، وحق الشرف والعرض فلا يجوز أن يعتدى على شرفه وعرضه ، وأن رزقه فقد تكفل الله له به ، وقسّم له رزقه وكتبه له قبل أن يخرج إلى الدنيا ؛ فهو محفوظ ومصون وأنه لا يمكن لأحد أن ينقص منه شيئا أو يزيد فيه ، فما عليه إلى أن يسعى ويتخذ الأسباب المشروعة ..
وليس من الأسباب المشروعة لتحصيل الرزق أو تحسين المعيشة والارتقاء بها إلى المستوى المرغوب فيه قطع الطرق ؛ وتخريب الممتلكات العامة والخاصة .
إن الذين خرجوا يقطعون الطرق ويتظاهرون ويخربون إنما خرجوا من أجل ذلك لا غير ، أي تحسين المعيشة ، والمطالبة بالوظيفة وعلاوة الرواتب والمناصب من أمور الدنيا ليس إلا ..
وهذه الأمور إن دلت على شيء فإنما تدل على خلل في توحيد الربوبية ، وخلل في عقيدة أولئك ومنهجهم المخالف لسبيل المؤمنين ، وأن الذين خرجوا ما أفردوا الله تعالى في فعله وأنه لا اعتقدوا انه المتصرف المدبر لشؤونهم والرازق والمالك لهم ، ولما أعطاهم وقسم لهم.
فإذا أحبوا أن يوسع الله عليهم ويفتح عليهم أبواب الخير وأن يخرجوا من الحياة الضيقة الضنكا إلى الحياة الرغيدة والعيش الكريم فما عليهم إلا أن يرجعوا إلى ربهم ويعبدوا الله حق العبادة ويفردوه فيها فلا يصرفوا منها شيئا لغيره سبحانه وأن يثقوا به ويتوكلوا عليه ويردوا أمرهم إليه بصدق وإخلاص ، ويقدموا الأسباب ومن أعظمها طاعته وامتثال أوامره وكثرة ذكره ودعائه وتطبيق شرعه في النفس والأهل والأسرة ، فقد وعد ووعده الصدق .
قال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } فانظروا يا رعاكم الله طلب منهم عبادته وحده وضمن لهم الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(96)الأعراف .
وانظروا يرحكم الله نتيجة الإيمان والتقوى يفتح الله على المؤمنين المتقين بركات من السماء والأرض .فإذا أضافوا إلى الإيمان والتقوى وحكموا شريعة الله تعالى ابتداء في أنفسهم وفي أهليهم لكانت النتيجة هي التوسعة الرائعة الواسعة في قوله الآتي ..
قال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (66)المائدة.
وفي هذه الآيات الثلاث لمن فقهها حل لجميع مشاكل الأمة الاقتصادية والاجتماعية ، وليس حل المشاكل يكمن في قطع الطرقات وإتلاف الممتلكات ، والتعدي على الحرمات هذا لا يزيد الأمور إلا تعقيدا ولا يورث الأمة إلا فتنا ومشاكل .
فنصيحتي للشباب للأمة وخاصة الشباب الذين يغرر بهم بأنه بهذه السبل والطرق يمكن أن نغير من الأوضاع ونحصل على الحقوق الضائعة المزعومة ، فعل الشباب أن يرجعوا إلى ربهم وأن يتقوه يجعل لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبوا ، وعليهم بالأسباب المشروعة الدينية والدنيوية ، وأن يصبروا فإن النصر مع الصبر وأن الفرج بعد الكرب .
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فهذه مسألة مهمة واقعة في كثير من بلاد الإسلام كثر حولها السؤال ، فقد سئلت عنها مرارا وكنت كثيرا ما أقول فيها- الله أعلم – أو أقول فيها أنها ليست من الوسائل المشروعة هكذا باختصار ، ثم قمت ببحثها والكتابة فيها، واليوم رأيت بعض أهل العلم أفتى فيها فأحببت أن أشارك بما كنت قد كتبته فيها إتماما للفائدة فأسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه إنه سميع مجيب .والمسألة هي حكم الخروج لقطع الطرق والمطالبة بالحقوق ويحصل بذلك تخريب المنشآت وتدمير الممتلكات الخاصة والخاصة . وهذه المسألة تتكون من ثلاث فقرات ، وقبل أن أبينها فقرة ؛ فقرة أقول : إن هذه المظاهر من المظاهرات والاعتصامات وقطع الطرقات والإضرابات هي من أعداء الإسلام الذين ما فتئوا يصدرون لنا الفتن والمحن ليشغلوا الأمة وأبناء الأمة بعضهم ببعض ، وشارك فيها بعض من أبناء جلدتنا ممن يقلدون الأعداء وخصوم الإسلام ويتتبعونهم في سننهم شبرا بشبر وهكذا .. حتى لا تقم للأمة قائمة ، وتبقى الريادة والسيادة لهم بعدما كانت لنا ، وخاصة لما رأوا هذه اليقظة من الشباب والعودة إلى الدين اخترعوا لنا هذه النظم وافتعلوا هذه المشكل وزرعوها في الأمة حيث تهافت عليها الشباب الضائع وأهل الأهواء يظنونها شيئا يطلب أو حقا يجتلب وهي كلها ألغام في أنغام لتمزيق الأمة وشغلها في نفسها، وقد بينت شيئا من ذلك في عدة مقالات والحمد لله .
1 - المسألة الأولى : قطع الطريق :إن الإسلام دين عظيم وشريعة كاملة شاملة جاءت بتحريم الظلم والاعتداء على الملكيات العامة والخاصة بل حرم الإسلام على المسلم أن يضر بنفسه فكيف بحقوق غيره ، فكيف بالحقوق العامة التي تشترك فيها الأمة ؛ وقد جاءت مراعية المصالح والمفاسد فرغبت في جلب المصالح وتكثيرها ، ودفع المفاسد وتقليلها فديننا مبني على المصالح .
قال الشيخ العلامة السعدي في منظومة القواعد :
والدين مبني على المصالح - - في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح - - - يقدم الأعلى من المصالح
وعكسه تزاحم المفاسد - - - يرتكب الأدنى من المفاسد .
والإسلام قد أعطى كل ذي حق حقه حتى الطريق أعطاه حقه ومستحقه فمنع من الاعتداء فيه والإضرار به بأقل ما يمكن أن يكون ضررا فكيف بقطعه على أهله المارين فيه وتعطيل مصالحهم ، والاعتداء عليهم ؟؟ بل كيف بتخريب جوانبه وما فيه من المصالح من إنارة ، وأرصفة ، وإشارات مرور ، ومنار الأرض من لوحات ترشد المارة إلى الاتجاهات ، فالطريق سواء كان عاما أو خاص بين الجيران أو سريعا أو فرعيا .. لا يجوز قطعه .
وأبدأ بحكم إتلاف لوحات الاتجاهات أو تغييرها عن وجهتها فعن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :<<لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ>> مسلم (1978)والبخاري في الدب المفرد (17)وأحمد (955).
والشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم :<< لعن الله من غير منار الأرض >> فكيف بإتلافها أو حرقها ؟؟
وأدلة حق الطريق ما في ففي صحيح مسلم - بَابُ(32) النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ وَإِعْطَاءِ الطَّرِيقِ حَقَّهُ حديث (2121) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ» وأخرجه البخاري (ح6229 ).
وفيه (2161) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ، فَقُلْنَا إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ» قَالَ: «إِمَّا لَا فَأَدُّوا حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَحُسْنُ الْكَلَامِ»ففي الحديث الأول ذكر: خمسة حقوق وهي :
1- غض البصر ، وإطلاق البصر محرم بنص الكتاب والسنة ، وغضه عن جميع العورات للذكور والإناث واجب ..قال تعالى :{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ..} النور (30 -31).وقال صلى الله عليه وسلم :<< يا على لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة >>.أخرجه أحمد (5/357، رقم 23071) ، وأبو داود (2/246، رقم 2149) ، والترمذى (5/101، رقم 2777) وقال: صحيح على شرط مسلم. صحيح الجامع 7953 – 3047 وقال حسن .
- 2- كف الأذى ، لأن أذية المسلم لا تجوز وهي محرمة بنص القرآن والسنة ، قال تعالى :{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }. (58).
3- رد السلام .. واجب باتفاق أهل العلم وتركه معصية لقوله تعالى :{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (86)النساء.وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ "البخاري(1240) ومسلم باب من حق المسلم للمسلم رد السلام رقم (2162).
4– 5 - الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، واجب أيضا ، لقوله تعالى :{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران (104).وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»أخرجه مسلم (49).
وليس قطع الطريق على الناس من هذه الحقوق بل هو من العقوق ، وداخل في ضد هذه الحقوق ، فهو بلا شك أذى للمسلمين ، ومنكر عظيم ، وخاصة إذا حصل فيه تخريب للمنشآت العامة ، وسرقة للأموال من حيث كانت عامة أو خاصة ، وتخويف للمارة ، وضرب وجرح ؛ وربما قتل أو جرح لبعض رجال الأمن أو بعض من يعارضهم من الناس ، فإذا كان قطع الطريق كذلك فقد ألحقه بعض العلماء بالحرابة التي قال الله تعالى فيها : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33].
جاء في موسوعة الفقه الإسلامي(5/166) لمحمد بن إبراهيم التويجري فصل حكم قطع الطريق :الحرابة: هي التعرض للناس وتهديدهم بالسلاح في الصحراء أو البنيان، في البيوت أو وسائل النقل، من أجل سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، أو غصب أموالهم ونحو ذلك.
ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل، والسيارات والقطارات، والسفن والطائرات، سواء كان تهديداً بالسلاح، أو زرعاً للمتفجرات، أو نسفاً للمباني، أو حرقاً بالنار، أو أخذاً لرهائن.وكل ذلك محرم، ومن أعظم الجرائم؛ لما فيه من ترويع الناس، والاعتداء على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق.ولهذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.
ويستوي في ذلك قطع الطريق داخل البلد أو خارجه : جاء في أحكام القرآن للكيا هراس (3/70) .ولما كان قوله: (يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) ، على ما في الصحراء أو البلد، استوى حكم قطع الطريق في البلد والمصر جميعا، ومن فرق فإنما يفرق لا بحكم اللفظ، بل بمعنى يتوهمه فارقا وهو غالط فيه.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: النِّسَاءُ، وَالرِّجَالُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْله تَعَالَى يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَعَلَى الرِّجَالِ.
فقطع الطريق على الناس ليس من حقوقه بل هو من الأذية والنبي قال فيه : << وكف الأذى >> وذلك بالقول والفعل ..
وقطع الطريق ليس من المعروف في شيء بل هو من منكر الذي يجب اجتنابه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والنهي عن المنكر .
هذا مجرد القطع فيه أذية لأنه أعظم من مجرد الجلوس فكيف إذا انضم إلى الأذية والمنكر منكرات أخرى من الحرق والتخريب ، والإخافة والسرقة والضرب بأي نوع كان ، ومنع الحوامل والمرضى أن يصلوا إلى المستشفيات ، والأرحام إلى أرحامهم ، وقد حصل ذلك وتوفت بعض الحوامل من جراء هذا الفعل الشنيع فهل بعد هذا يقال أن من الوسائل للمطالبة بالحقوق .وفي الحديث الثاني : قال :<< اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ>> وهي ((الطرقات )) والنهي فيه واضح ، ومعناه لا تجلسوا في طرقات الناس فإن أبيتم إلا أن تفعلوا فأعطوا الطريق حقه وزاد حقا سادسا وهو حسن الكلام ، ولا شك أن الذين يقطعون الطريق لا يصدر منهم حسن الكلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذكر لله تعالى؛ بل يحصل منهم أقبحه من الصياح والصراخ والسب والشتم واللعن وربما السب لله واللعن للدين وغيرها ..
وإذا كان الجلوس في الطرقات محرما إلا بأداء هذه الحقوق فكيف بقطعه وتخريب ما على جوانبه من مستلزمات الطرق كإشارات المرور ولوحات الاتجاهات والإنارة ومنع المواطنين من المرور لمصالحهم وغيرها ..مما ذكرته ومما لم أذكره من المفاسد ؛ فلا شك أن هذا أشد حرمة وأعظم جرما . فكيف يسوغ لمن كانت حاله ونتائجه كذلك أن يكون وسيلة للمطالبة بالمغالبة للحقوق .
1- المسألة الثانية :تخريب المنشآت :أما تخريب المنشآت العامة وكذلك الخاصة التي تكون قريبة منهم فهذا إفساد في الأرض والله تعالى يقول : { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } (85- 86) سورة الأعراف.ففي هاتين الآيتين النهي والتحذير من الإِفساد في الأرض كما فيها النهي والتحذير من قطع الطريق قطعا حسيا أو معنويا كما أفاده ابن كثير في تفسيرها .فحرق المنشآت وتدميرها وتخريبها والاعتداء على من وقف في طريقهم يعتبر من أعظم الفساد في الأرض ، وهل رأيتم إنسانا عاقلا فضلا عن مسلم عاقل رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا يخرب بلده وبيته بيده ، هذا لم يكن إلا في أهل الكتاب الذين قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فبلغ بهم ذلك أن انهاروا وأصبحوا يخربون بيوتهم .فالتخريب والتدمير والحرق والنهب والسرقة ليست من صفات المسلم فإن الإسلام منع المسلمين حتى في الحرب مع العدو أن يحرقوا أو يدمروا إلا ما كان ضرورة أو يقطعوا الشجر أو يخربوا صومعة أو ديرا أو يقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان من غير المقاتلين فكيف يخرب بلده وهي بيته ومأواه ؟؟
فلا تكن أخي من أولئك الذين قال الله فيهم { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }(64) المائدة .ولا من الذين قال الله فيهم :{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَوَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } البقرة (205).وانظر إلى عاقبة المفسدين في قوله تعالى :{ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (*) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًاوَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ .} الأعراف : (85 -86) .
ففي هاتين الآيتين النهي والتحذير من الإِفساد في الأرض كما فيها النهي والتحذير من قطع الطريق قطعا حسيا أو معنويا كما أفاده ابن كثير في تفسيرها .
أما المسألة الثالثة وهي قطع الطريق وتخريب الممتلكات من أجل المطالبة بالحقوق :أولا : أن الإسلام ضمن لكل فرد من أفراده حق الحياة ، فلا يحوز إزهاق روحه بدون حق وكذلك حق الدين فلا يجوز منعه من عبادة ربه ، وحق التملك فلا يجوز أن يعتدى على ماله ، وحق الشرف والعرض فلا يجوز أن يعتدى على شرفه وعرضه ، وأن رزقه فقد تكفل الله له به ، وقسّم له رزقه وكتبه له قبل أن يخرج إلى الدنيا ؛ فهو محفوظ ومصون وأنه لا يمكن لأحد أن ينقص منه شيئا أو يزيد فيه ، فما عليه إلى أن يسعى ويتخذ الأسباب المشروعة ..
وليس من الأسباب المشروعة لتحصيل الرزق أو تحسين المعيشة والارتقاء بها إلى المستوى المرغوب فيه قطع الطرق ؛ وتخريب الممتلكات العامة والخاصة .
إن الذين خرجوا يقطعون الطرق ويتظاهرون ويخربون إنما خرجوا من أجل ذلك لا غير ، أي تحسين المعيشة ، والمطالبة بالوظيفة وعلاوة الرواتب والمناصب من أمور الدنيا ليس إلا ..
وهذه الأمور إن دلت على شيء فإنما تدل على خلل في توحيد الربوبية ، وخلل في عقيدة أولئك ومنهجهم المخالف لسبيل المؤمنين ، وأن الذين خرجوا ما أفردوا الله تعالى في فعله وأنه لا اعتقدوا انه المتصرف المدبر لشؤونهم والرازق والمالك لهم ، ولما أعطاهم وقسم لهم.
فإذا أحبوا أن يوسع الله عليهم ويفتح عليهم أبواب الخير وأن يخرجوا من الحياة الضيقة الضنكا إلى الحياة الرغيدة والعيش الكريم فما عليهم إلا أن يرجعوا إلى ربهم ويعبدوا الله حق العبادة ويفردوه فيها فلا يصرفوا منها شيئا لغيره سبحانه وأن يثقوا به ويتوكلوا عليه ويردوا أمرهم إليه بصدق وإخلاص ، ويقدموا الأسباب ومن أعظمها طاعته وامتثال أوامره وكثرة ذكره ودعائه وتطبيق شرعه في النفس والأهل والأسرة ، فقد وعد ووعده الصدق .
قال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } فانظروا يا رعاكم الله طلب منهم عبادته وحده وضمن لهم الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(96)الأعراف .
وانظروا يرحكم الله نتيجة الإيمان والتقوى يفتح الله على المؤمنين المتقين بركات من السماء والأرض .فإذا أضافوا إلى الإيمان والتقوى وحكموا شريعة الله تعالى ابتداء في أنفسهم وفي أهليهم لكانت النتيجة هي التوسعة الرائعة الواسعة في قوله الآتي ..
قال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (66)المائدة.
وفي هذه الآيات الثلاث لمن فقهها حل لجميع مشاكل الأمة الاقتصادية والاجتماعية ، وليس حل المشاكل يكمن في قطع الطرقات وإتلاف الممتلكات ، والتعدي على الحرمات هذا لا يزيد الأمور إلا تعقيدا ولا يورث الأمة إلا فتنا ومشاكل .
فنصيحتي للشباب للأمة وخاصة الشباب الذين يغرر بهم بأنه بهذه السبل والطرق يمكن أن نغير من الأوضاع ونحصل على الحقوق الضائعة المزعومة ، فعل الشباب أن يرجعوا إلى ربهم وأن يتقوه يجعل لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبوا ، وعليهم بالأسباب المشروعة الدينية والدنيوية ، وأن يصبروا فإن النصر مع الصبر وأن الفرج بعد الكرب .
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي