أبو بكر يوسف لعويسي
27-Jan-2016, 10:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعلى التابعين لنهجه بفهم صحبه إلى يوم الدين .
أما بعد .
فقد اطلعت على كلمة للشيخ العيد شريفي – هدانا الله وإياه – طلب من سائله أن ينقلها عنه بالبند العريض - هكذا قال - يطعن فيها في نيات السلفيين عموما ويعرض ويغمز العلماء السلفيين أهل النقد والجرح والتعديل ..
والعجيب في ذلك أنه يُدخل نفسه في ذلك الاتهام ويشهد على نفسه - إن كان حقا يعد نفسه سلفيا – ومعنى ذلك أنه لم يكن مراقبا لله ، تقيا ورعا يوم كان يتكلم في أعراض العلماء وإخوانه المشايخ السلفيين وطلبة العلم بالبطل ، ولم يكن يخاف عواقب يوم الوقوف بين يدي الله حين يسأله الله تعالى أن يخرج مما قال في مشايخه وإخوانه بالدليل والبرهان ، ثم علل ذلك الاتهام للسلفيين عموما ولعلماء الحديث والجرح والتعديل خصوصا بعدم مراقبة الله وعدم خشيته وقلة التقوى والورع وسبب ذلك هو الفراغ العقدي الذي يعيشه السلفيون وسبب ذلك الفراغ هو عدم العمل بالعقيدة وخاصة الأسماء والصفات التي تضمنها توحيد الربوبية في أن الله سميع بصير عليم خبير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. وقوله بعدمية مراقبة الله وغياب التقوى وعدمية الخوف من الله والورع هذا يعني التفسيق للسلفيين بالجملة ..
وهذا كلامه بحرفه ننقله هنا حتى لا يقل أننا نكذب عليه كعادته :
قال الناقل عنه – والعهدة عليه -
فقال انقل عنّي (( الشيخ العيد شريفي )) هذه الكلمات بالبند العريض: (الأمر الذي بسببه حصل التفرق و كلام بعضنا في بعض ( هو عدم مراقبة الله جلّ وعلا ، و غياب التقوى والخشية من الله تعالى وعدم الخوف أن يأتي يوم القيامة فيسأله الله تعالى عن كلامه في الدعاة والعلماء و دليله وبرهانه...)
ثم ذكر لي شيخنا قصة كعب بن مالك رضي الله عنه ،و كيف أنه خشي أن ينزّل فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ،وقال : هذا الفراغ العقدي الناتج من عدم العمل بالعقيدة (و بالخصوص الأسماء والصفات و توحيد الربوبية = (توحيد المعرفة والإثبات) في أن الله سميع بصير عليم خبير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .. ثم قال هذا هو سبب الفساد الحاصل والناشئ اليوم في أوساط السلفيين ..
فجزاه الله خير وبارك فيه ونفع بعلمه ..
فهذا طعن واضح شديد في السلفيين عامة وغمز وتعريض بالعلماء وفي مقدمتهم الشيخ ربيع ، والشيخ النجمي ، والشيخ زيد ، والشيخ عبيد ، والشيخ محمد بن هادي المدخلي ، والشيخ البخاري ، والشيخ الفوزان ، والشيخ صالح اللحيدان وغيرهم ممن تكلموا فيه ..
ولقائل أن يقول وإنما قصد السلفيين ما دون العلماء ، فيقال : الأمر ليس كذلك ، إذ لو كان يقصد طلبة العلم الصغار وعوام السلفيين لاستثناء منهم العلماء ولما أدخل نفسه فيهم ..بل القول بأنه يقصد العلماء والمشايخ السلفيين أقرب إلى الصواب من أنه يقصد عامة السلفيين ، وهذه أخطر .
وليس هذا بالعجيب منه فهو بعض الأحيان يتكلم ولا يدري ما يخرج من رأسه ، وإذا قيل له في ذلك ، أنكر أو قال ما قصدت ذلك ، ولكن العجب كل العجب ممن يدّعون الاعتدال وأن سلفيتهم هي الوسطية في - منتدى كل السلفيين - كيف يصفقون حتى لمن يطعن في إخلاصهم وتقواهم وخشيتهم ومراقبتهم لله تعالى ، وما ذلك إلا أن التعصب أعمى أبصارهم عن إدراك فحوى ومضمون من يطعن فيهم منهم ، فليس لهم هم إلا البحث في عثرات السلفيين والسب والشتم ووصفهم بأقبح الأوصاف ، وبوجه الخصوص الشيخ ربيع حفظه الله.
وقبل محاورته محاورة هادئة هادفة ونقض ما جاء في كلمته بالتي هي أحسن للتي هي أقوم أقدم بمقدمة مختصرة مناسبة للمقام .
لقد كانت هذه الأمة مرحومة في أول عهدها، جمعها الله على الهدى، وألف بين قلوب أفرادها، وحماها من الهوى ، حيث استقامت على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أولئك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعرفون غير اتباعه وتوقيره، واتباع النور الذي أنزل إليه، مستسلمين منقادين لما جاء به من الحق، لم يكن لهم قول مع قوله، ولا اعتراض على حكمه.
وهكذا سار على طريقهم وسلك سبيلهم أصحاب القرون المفضلة من التابعين، وأتباعهم من الأئمة المهديين رضي الله عنهم أجمعين .
ثم خلف من بعدهم خُلوف لم يقنعوا بوحي الله وشريعته، ورأوا أن هناك حاجة إلى التصحيح العقلي والتحريف ، والزيادة والحذف، فأعملوا العقول في الوحي المعصوم، واستدركوا على أحكام الحي القيوم، ففرقوا دينهم وكانوا شيعاً، بَأسهم بينهم شديد، فتشعّبت السبل بالناس، ووقع ما كان يخشاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من بأس ؛ على أمته من أئمة الضلالة فَوقعَ الاختلافُ والشّقاقُ وعَظُمَ في الأمة الافتراقُ حتى تجاوزوا اليهودَ والنصارى، فأعرضَ أكثرُ الفرَق عن الكتاب والسنة، وضَرَبَ آخرُونَ آيات الله بَعضها ببعض، وجادلوا بالباطل ليُدحضوا به الحقَّ، وزَينَ ذلك إبليسُ في أعينهم فرأوهُ حسنا، وحسبوه عَينَ العقل والاستقامة، ولم ينجُ من ذلك إلاَّ فرقةٌ واحدة، سلكت الصراط المستقيمَ، والمنهج القويمَ سبيلَ السلف الصالح، الذين رأوا أن النجاة في ركوب سفينة السنة مع الطائفة المنصورة والناجية المرضية ؛ وهم كما وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله ((مَن كان على ما أنا عليه وأصحابي)). جزء من حديث صحيح سيأتي .
فالمفروض أن يكون السلفي الذي يريد النجاة على منهج هذه الطائفة ، عالما بصيرا بأوصافها ومعالم طريقها وعلامات نهجها حتى ينجو بنجاتها، وهذه بعض أوصافها من آية القرآن وحديث من السنة النبوية لمن حقيق بنفسه أن يحملها على منهج السلف الصالح وأن ينقذها من النّار .
قال تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ..} (29) سورة الفتح .
فقوله {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع بعضهم البعض.
وقد وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذلك بقوله : << مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر>> متفق عليه ، وقال: << المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه >> (2) البخاري برقم (481) رواه ومسلم في برقم (2585) من حديث أبي موسى .
وهذه أوصافهم رضي الله عنهم مع تزكية الله لهم وثنائه عليهم ، وهم أحق بكل فضيلة ومزية ثبت لهذه الأمة ، والسلفيون أحق النّاس بهذه المزايا والأوصاف لأنهم على نهجهم يسيرون وبفهم يقتدون بهداهم متمسكون وإلى الطائفة الناجية والفرقة المرضية ينتسبون .
وقوله تعالى : ((رحماء بينهم )) فهذه شهادة من الله ، وكفى بها شهادة على صفاء القلوب لبعضها البعض ، وتواددها وتراحمها ، فمن كان مع محمد رسول الله في رسالته ، {محمد رسول الله والذين معه } فيجب عليه أن يتصف بهذين الوصفين - 1- الشدة على الكفار ومعادتهم ومعادة من والاهم وناصرهم ، والرحمة بينه وبين المؤمنين الذين اختاروا أن يكونوا مع محمد قلبا وقالبا :(( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) فمن لم يكن شديدا على أعداء الدين فقد ميع الولاء والبراء ، ومن لم يكن رحيما مع الذين هم مع محمد رسول الله ولا متراحما معهم فهو ليس منهم، ولا معهم حتى لو ادعى ذلك وتدثر بشعارهم .
فالسلفيون هم أحق النّاس بهذه النصوص وأسعدهم بها ، لذلك يتوجب عليهم أن يكونوا مع الذين هم مع محمد رسول الله في التودد والتراحم والموالاة بينهم والشدة على المخالفين الأعداء من الداخل والخارج كل بحسب مخالفته ، وذلك بتطهير قلوبهم ومصافاتهم لبعضهم وترك شح نفوسهم .
وهذا لا يعني إطلاقا أن السلفيين لا يحصل منهم اختلاف وتنازع لا يفسد لهم ودا ولا رحمة بل يحصل ذلك منهم ، والمشكلة ليست في وجود ذلك ، ولكن المشكلة في كيفية معالجته وكيفية التعامل مع المنازع والمخالف من المسلمين فضلا عن السلفيين .
وللشيخ صالح المقبلي في هذا الباب كلام جميل يرد به على من زعم أن جملة :<<..كلها في النار إلا ملة واحدة ..>> لا تصح في كتابه : " العلم الشماخ في إيثار الحق على الأباء والمشايخ [ص 414] جاء فيه :
ومن المعلوم أن ليس المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف ؛ فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة ، إنما الكلام في مخالفة تصيّر صاحبها فرقة مستقلة ابتدعها – تعرف به ، أو تنسب إليه – وإذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل ؛ وفيما يترتب عليه عظائم المفاسد ، لا تكاد تنحصر ، ولكنها لم تخص معينا من هذه الفرق التي قد تحزبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرون بحسب مسائل عديدة .انتهى كلامه.
وقد أعرضت عن ذكر النصوص التي تذم التفرق والاختلاف لسببين .
الأول : خشية الطول ، فالآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدا تحتاج إلى مجلدات ..
والثاني : أن صاحبي على علم بتلك الأدلة فلا يحتاج إلى التذكير بها ، ولكن أذكره بأسباب التفرق ، ولا يعني أنه يجهلها ولكنه قد غفل أو تغافل عنها أثناء جوابه على سؤال السائل ، وإن كان يجهل بعضا منها فليس ذلك بعيب ، ولكن العيب أن يحصر أسباب التفرق في اتهام النيات وإن كان البعض من السلفيين واقع في شيء منها فرمي السلفيين جميعا بها من الظلم والعدوان .
وإليك يا فضيلة الشيخ أسباب التفرق :
اعلم -أرشدني الله وإياك لطاعته ، والوقوف عند حدوده - : يا شيخ أن أسباب التفرق بين السلفيين لست ما ذكرت من اتهامات باطلة للسلفيين وتعريض بالعلماء ،وإذا كان بعض السلفيين عندهم بعض القصور في الخوف من الله ، والورع والتقوى وعدم مراقبة الله ، فلا يعني انعدام ذلك كله عند كلهم ، وإذا كان الأمر حقا كما تقول فأنت لست في منآى عن هذه التهم ويمكن أن يردها عليك السلفيون ؛ لأن لك فيها النصيب الأوفر مما جري ويجري اليوم بين السلفيين ، فلعلك ترد الشريط إلى الوراء قليلا لترى التمزق والاختلاف الذي حصل بسببك وفيك ومن أجلك وما زال بعضه إلى اليوم ..
وإذا كنت نسيت أو غفلت عنه ، وأحببتَ أن أذكرك فالأشرطة التي كانت تسجل كلامك موجودة كما أن الكلام الذي كان يقص ويبتر من دروسك ومحاضراتك موجود ومسجل وعندي منه بعض الأشرطة .. والسؤال الذي أحببت أن أطرحه على فضيلتك هنا هو :
هل كنت يومها مراقبا لله تعالى ورعا تقيا ، وهل اليوم وأنت تتكلم بهذا الكلام كنت كذلك وأنت تدخل قلوب السلفيين وفي مقدمتهم العلماء والمشايخ ، وتحكم عليها بأنها غير تقية ولا ورعة ولا تراقب الله ولا تخاف عواقب ما تقوم به من الكلام في بعض المنحرفين ولا أقول المخالفين .. ؟؟؟
يا شيخ العيد - اتق الله – وعد إلى رشدك فقد حدثني الشيخ الفاضل عز الدين رمضاني أنه جاءك ومعه بعض المشايخ – يومها- وطلبوا منك الصلح فأبيت إلا بشرط أن تكون الزعامة لك ، فهل هذا الشرط يتوافق والتقوى والورع و.. و...وخوف العاقبة ؟؟؟
وإليك الآن أسباب الاختلاف وهي كثيرة يزداد الخلاف ويحتدم النزاع بسببها بحسب كثرتها وقلتها من مكان إلا آخر ومن منطقة إلى أخرى ، ومن شخص أو طرف إلى آخر ..
السبب الأول : هو التفرق والاختلاف الذي وقعت فيه الأمة كما وقع في الذين من قبلها بعد ما جاءتهم البينات الموجبة لاجتماعهم وتوادهم وعدم تفرقهم كما أخبر بذلك ربنا سبحانه وتعالى في قوله: { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } الآية (213) البقرة .
ولكنهم اختلفوا { بغيا بينهم } أي حسدا وظلما ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم >> : وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة << وسبب افتراقها هو ذلك البغي من التحاسد والتباغض الذي كان عليه أهل الكتابين قبلنا ، ثم دب إلينا وقد أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: >> دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، هِيَ الْحَالِقَةُ ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَاكُمْ لَكُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ.<< أخرجه أحمد (1/167)(1430) و (1431) والتِّرْمِذِيّ (2510).
ورواه البزار، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد(7/339) وإسناده جيد. كما قال الحافظ ابن حجر وحسنه الشيخ الألباني كما صحيح الجامع (3361).
والسلفيون ليسوا في معزل عن هذا التفرق والاختلاف ، والحسد والبغي ، وكان المفروض لهم أن يكونوا في معزل عنه ، وأن يكونوا يدا واحدة أو كاليدين تغسل أحداهما الأخرى رحماء بينهم أشداء ؛ بل ينبغي أن يكونوا كالجسد الواحد والبينان المرصوص ، حتى لا يتسلل بينهم مدسوس ..فهم أسعد الناس بنصوص الوحي التي تأمر بالائتلاف والمحبة والاجتماع ، وعدم التفرق والتنازع كما يحصل من أهل الأهواء .
السبب الثاني :
قلة العلماء في كثير من البلاد الإسلامية مما ساهم في ظهور بعض الجهال المتعالمين الذين ما عرفوا قدر العلم ولا قدر البقية الباقية من أهله ، فكثير منهم أغرار أغمار حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام ممن يفسرون نصوص الوحيين حسب مشاربهم ، ويؤولونها حسب أرائهم ، وأهوائهم ولا يلزمون غرز العلماء الذين شابت لحاهم في العلم وعركتهم التجارب ، ولا يرجعون إليهم ولا إلى العتيق مما تركه العلماء الأوائل من السلف الصالح ، ومن سار على نهجهم من المعاصرين الأموات والأحياء من أئمة الهدى، وإذا رجعوا ضربوا فتاوى العلماء بعضها البعض ، وقرءوها على وجوه مختلفة ، وتأويلات فاسدة بعيدة ، وتعصبوا لذلك ، وخاصة في مسائل النقد و الجرح والتعديل ، ومسائل العذر بالجهل ، ووسائل الدعوة وغير ذلك ، وسبب ذلك – والله أعلم – راجع إما لعدم فقه قواعد هذا العلم العظيم ، والجهل بضوابط التعامل في الخلاف ، أو لحاجة في نفس يعقوب من المدسوسين أو للتحاسد والتباغض الذي نهينا عنه ، والظلم والبغي ، بعدما جاءنا بصيصا من العلم ، فأصابنا ما أصاب أهل الكتاب من التفرق والاختلاف .وقد نهينا عنه في نصوص كثيرة ، ولكن أين من يستجيب من الأتباع ويقف عن شق الصف السلفي؟؟
السبب الثالث : موت كثير من العلماء الكبار .
فموت العلماء لا شك أنه من أهم أسباب النقص وتقهقر الدعوة السلفية وتفرقها واختلاف أهلها ، فلم يكن يتجلى ويتفشى هذا الاختلاف بهذا الشكل الواقع ويتجرأ المتسببون فيه يوم كان بيننا العلماء الكبار الذين ماتوا – رحمهم الله –
وكيف لا يكون كذلك وموتهم مصيبة كبيرة ، وثلمة في الإسلام ؛ وقد ظهرت ثمرة ذلك واضحة جلية ، فقد جاء في الأثر عن الحسن البصري قال : كانوا يقولون : " موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ".إسناده صحيح. سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (1/37 /109 ) للشيخ أبي عبد الله الداني بن منير آل زهوي. اختصره أحمد بن علي البلوشي.
وذكره في أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (1/294 /1537 )لمحمد بن درويش بن محمد الحوت وزاد فيه : " خبر موت العالم ..." رواه أبو بكر بن لال من حديث جابر رضي الله عنهما مرفوعا، ومن حديث عائشة – رضي الله عنها - عند البزار ..
وقال : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَرْوِي أَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا ، وَهَذَا مِنْهَا . كشف الأستار عن زوائد البزار (1/100).
وفي البدر المنير قال : إنه من كلام علي -رضي الله عنه- ولكنه معضل ..ويعضده ما جاء في تفسير قوله تعالى : { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} كما عند ابن جرير الطبري (16/497) عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها.
وذكره البغوي في شرح السنة (1/315) وابن كثير في تفسيره (4/472) عن ابن عباس فقال بعد جاء بأقوال أهل العلم في الآية .وفي رواية : (( خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها)).
وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء. وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ (سكن أصبهان ) حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق، أنشدنا أبو بكر الآجرى بمكة قال: أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه:
الأرض تحيَا إذا ما عَاش عالمها ... مَتَى يمُتْ عَالم منها يمُت طَرفُ ...
كالأرض تحْيَا إذا ما الغيث حَل بها ... وإن أبى عَاد في أكنافهَا التَّلَفُ ...
ونسبه الطبراني في التفسير المنسوب إليه للحسن حيث قال :وقال الحسنُ : (أرَادَ بنَقْصِ أطْرَافِ الأَرْضِ ذهَابِ فُقَهَائِهَا وَخِيَارَ أهْلِهَا).
قال : وَمَثَلُ الْعُلَمَاءِ مَثَلُ النُّجُومِ إذا بَدَتْ اقْتَدَوْا بهَا ، وإذا أظْلَمَتْ سَكَنوا ، وَمَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإسْلاَمِ لاَ يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
وهذا الأثر : لا يصح رفعه فقد رواه الحاكم في المستدرك(2 : 350 ) من طريق الثوري عن طلحة بن عمرو ، وقال :" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال :" طلحة بن عمرو" ، قال أحمد :" متروك" .
قال الشيخ الألباني : ( موضوع ) انظر حديث رقم : (5894 ) في ضعيف الجامع . ولكن قد صح السند به إلى الحسن - رحمه الله – فهو من الآثار السلفية .
وفي سنن الدارمي برقم (241 ) حدثنا أبو النعمان حدثنا ثابت بن يزيد حدثنا هلال هو بن خباب قال : سألت سعيد بن جبير قلت يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؟ قال : إذا هلك علماؤهم. وهذا إسناده صحيح .
ويؤيد هذا ما في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :<< إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا >>. وهذا عين الهلاك .أخرجه البخاري (ح100)باب كيف يقبض العلم . ومسلم (ح 2673 )وأحمد(6511 ).
و في سنن الترمذي(ح 2653): عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ : كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ
لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ ، إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ ؟ قال الشيخ الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : (6990 )في صحيح الجامع .
فهذا الحديث مع الحديث السابق يبين لنا كيفية رفع العلم وذهابه ونقصه باختلاسه ، وما بقي منه بين أيدي الناس من الجهال الذين اتخذوهم رؤساء فتصدروا لهم لا ينتفعون به كما لم ينتفع أهل الإنجيل والتوراة منهما، ولا شك أن بعض الجهال ممن تلبسوا بلبوس المنهج السلفي هم من هذا الصنف الذي لم ينتفع بالفهم الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وأنا لا أتكلم عن بقية العلماء الربانيين وشيوخ العلم والسنة الأحياء الذين يمثلون الوسطية التي عليها الطائفة المنصورة ، - وأنت تعلم أن الطائفة تطلق على الواحد فما فوق - فحاشاهم فهم قلة قليلة قائمة بواجبها على أحسن وجه إلا أن ذلك لا يرقى إلى المطلوب الذي يتطلع إليه الإسلام ، بالنسبة لعدد المسلمين.
فأمراض المسلمين كثيرة وعلاجها بالفهم الصحيح حتى تسلك سبيل المؤمنين يحتاج إلى آلاف العلماء الربانيين فموت أولئك العلماء الكبار وغيرهم ممن لحق بهم من العلماء السلفيين في هذا العصر كان حقا من أعظم الأسباب لتقهقر الدعوة السلفية واختلاف أهلالها اختلافا شديدا لأسباب كثيرة .
السبب الثالث : هو الاختلاف في فهم وضبط قواعد وأصول المنهج السلفي بين غال فيه وجاف عنه ، ممن شوهوا جمال هذا المنهج وسلامته ، كاختلافهم في بعض المسائل ومنها وأهمها العذر بالجهل ، وجنس العمل ، وهل هو من مسمى الإيمان أو من شروطه ؟ ووسائل الدعوة وسبلها ، وفي قبول الجرح والتعديل وبعض قواعده ورده من المجرح والمعدل إذا اختلفا أو في الترجيح بينهما، والإجماع ، والاجتهاد فيه ، وفي قبول خبر الثقة ، ومن الضابط في الثقة الذي يقبل والرذي يرد؟ وهل هو ثقة عند أهل العلم جميعا أو البعض ؟ في سلسلة لا تكاد تنتهي ، والمجهول ومتى ترتفع عنه الجهالة ومن يرفعها ؟ وحدود المنهج الصحيح المعتدل ، بحيث إذا تجازوه من تجاوزه دخل في منهج الغلو ، وما هو الضابط في إخراج الرجل من السلفية ، وهل كل من انتقد أو تكلم فيه يخرج من السلفية إلى البدعة والأهواء ، وهل تقبل بعض المصطلحات في الجرح من المتأخرين أو لا تقبل ، وتقعيد بعض القواعد التي لم تكن في عصر أولئك العلماء الكبار وغير ذلك مما كان سببا في صد بعض الناس وإعراضهم عن قبول الحق ، وبعض الشباب إلى النفرة من السلفيين بعد استقامتهم قائلين إذا كان هذه هو المنهج فأنا أبقى كما كنت أفضل لي ، كما أدى هذا إلى تقهقر البعض الآخر عنه ،بسبب الحيرة التي انتابتهم في بعض ما يجري ، وهم يرون هذا الاختلاف الذي أدى إلى الصد عن العلماء أهل العدل والإخلاص والورع والتقى ، والانتفاع بعلمهم من أئمة الهدى أهل الوسطية ، الذين ماتوا - رحمهم الله - والأحياء منهم كالشيخ المفتي العام ، وهيئة كبار العلماء ، والشيخ عبد المحسن العباد والشيخ ربيع ، والشيخ صالح الفوزان ، والشيخ صالح اللحيدان ، والشيخ عبيد الجابري ، والشيخ محمد بن هادي ، والشيخ صالح السحيمي ، والشيخ محمد علي فركوس - حفظهم الله جميعا- وغيرهم مما لا أعرفهم ولا يحضرني أسماؤهم من العلماء والشيوخ السنيين السلفيين ، وطلبة العلم في الحجاز والكويت والإمارات ومصر واليمن والجزائر والأردن وغيرها من البلدان ، فيأتي من يصف بعضا منهم بالغلاة ، وبعضهم بعدم فقه الواقع والجهل ، وبعضهم بالطعن عليهم في عقيدتهم ومنهجهم ، والبعض الآخر بالسكوت عن الحق فيما يجري من نوازل ، والتهرب من الصدع بالحق في أجوبتهم ، والبعض يقرأ كلامهم على وجهته أو بتره ويأخذ منه ما يوافق ما هو عليه ، والبعض الآخر يرد ويدافع وينافح بحق وبغير حق ، فحصل ما يجري الآن وكان سببه أولئك المتعالمون الذين كانوا سببا في اختلاف كثير من السلفيين في هذه المسائل لأنهم يفتون بغير علم ولا ورع ولا تقوى ويجادلون بالباطل وديدنهم نصر ما هم عليه ...
والسبب الخامس : العزة بالنفس وحظوظها ، عند بعض المشايخ - حاشا العلماء - وحب التسلط وطلب الرياسة والزعامة ، والعجب والغرور ، وحب الظهور والاحتقار للغير ، وعدم تقدير العلماء وتوقيرهم وعدم التواضع وهضم النفس مع طلاب العلم وعدم احترامهم، والتعصب المقيت من هذا النوع لهذا النوع ، والتكبر وعدم قبول الحق .. والمجادلة بالباطل واللجوء إلى القوة في بعض الأحيان .
السبب السادس : المظهرية الجوفاء التي لاتسمن ولا تغني من جوع ، في كثير من مجالات الحياة إذ يهتم كثير منهم بالمظاهر ونسوا أو تناسوا إصلاح السرائر وتطهيرها وتزكيتها حتى تسموا نفوسهم عن الغثائية التي يعيشونها مما جعل أعدائنا يتكالبون علينا من كل حدب وصب .، وهذه الحالة صدتهم عن تحصيل العلم ، وعدم الانتفاع بما يسمعون من هنا وهناك .
جاء في حديث النبي فيما أخبر به أنه سيقع بسبب المظهرية الجوفاء التي لا تخيف أعداءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت >>. أخرجه أحمد أبو داود عن ثوبان، قال الشيخ الألباني صحيح، المشكاة (5369)،الصحيحة (958). انظر حديث رقم :( 8183 )في صحيح الجامع .
وقال صلى الله عليه وسلم :<< إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم>> أخرجه أبو داود عن ابن عمر، قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم : (423) في صحيح الجامع.
والسلفيون – حاشا العلماء - ليسوا في منآى عن هذين الحديثين وإن كان المفروض أن يكونوا في منآى عنهما لأنهم هم من يمثل الفرقة الناجية التي تحمل الفهم الصحيح لهذا الدين ، وإذا سلم البعض منهم منه فإنه يقع فيه البعض الآخر ؛ وهذا واقع ومشاهد ؛ ناهيك عن تركهم لمنهج نبيهم في التعامل مع بعضهم البعض ، وخاصة في مسائل الهجر من أجل الدنيا ، أو من أجل مسائل دينية اختلفوا فيها هل هي موجبة للهجر أو لا ، وذلك بسوء فهمهم لما كان عليه أسلافهم وعدم تسليمهم هذه الأمور للعلماء ، وأيضا سوء أخلاق بعضهم ، واستنكار بعضهم لبعض الأمور التي يسع فيها الخلاف ، وتهوين البعض الآخر لمسائل مهمة الأخذ بها من سنن الهدى ، ناهيك عن التظاهر والتكلف الفارغ من بعضهم لبعض شيوخهم أو لبعضهم البعض والتماس الأعذار، وعدم قبولها من الطرف الآخر فيما بينهم ، وتناقل الشائعات التي من ورائها أهل الأهواء عن بعضهم البعض ، ومع ذلك فكل منهم يغني على ليلاه ، وبسلوك هذا الطريق يبتغي مولاه .
السبب السابع : القول في الدين بالرأي ، والفتيا بغير علم مما حذر منه الله تعالى ورسوله ، والأدلة من الكتاب والسنة لا تخفى عليك ..
وجاء في الدرر السنية (9/141) ومن أعظم: أسباب التفرق والاختلاف، والعدول عن طريق الحق والإنصاف: ما وقع من كثير من الناس، من الإفتاء في دين الله بغير علم، والخوض في مسائل العلم بغير دراية ولا فهم، فإن الله تعالى قد حرم القول عليه بغير علم، في أسمائه وصفاته، وشرعه وأحكام.
وجعل ذلك قرينا للشرك، الذي هو أعظم المحرمات، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف آية: 33] وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حلال وهذا حرام}.
فاعلم - هداني الله وإياك - أن كثيرا من الأتباع رعاع يركن إلى فتيا شيخه ويتعصب لها ، وقد يعلم أو لا يعلم أن شيخه ضعيف الاستنباط للأحكام الدينية وِفق الفهم السلفي الصحيح المبني على فهم السنة والتفقه في فهم الكتاب، على مراد الله ومراد رسوله ، وما كان عليه الصحابة .
فإذا عرضت له حادثه ولم يفطن إلى مأخذها من الكتاب أو السنة وفتاوى الصحابة والتابعين أفتى فيها بالرأي، وما يوافق حظ نفسه ،ولا يرجع إلى العلماء ، وربما عرف ذلك إلا أنه أراد حاجة في نفسه ، فإن مذهب المفتي يؤثر في فتواه .ومع ذلك يعتقد أنه مخلص مراقب لله تقي ورع يخشى العواقب .
السبب الثامن : الظلم والبغي الناتج عن الحسد والبغضاء إما بسبب دنيا من مال أو جاه أو منصب ، أو غيرة ممقوتة ، أو غير ذلك ، قال تعالى :{ وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } فإن طغيان العلم كبير وشديد ، وخاصة ظلم الأقران لبعضهم البعض ، وهذا لا يخفى عليك كما لايخفى على أحد تعصب الأتباع لكل طرف، واختلفهم ما هو الضابط في كونهم أقران ؟؟.
السبب التاسع : التعصب المقيت للمشايخ والغلو الذميم فيهم ، رد الحق ممن جاء به من المخالف من السلفيين ، واحتقارهم ، أو تأويله وحمله على غير مراد المتكلم ، والاتهام للغير بالباطل وبعض الأحيان بالافتراء والزيادة والنقصان وتقويلهم ما لم يقولوا ، والتدافع والتقاتل من أجل ذلك وغير ذلك .. نصرة ومغالبة وانتقاما ، في ظاهرة عدائية لم تسبق في تاريخ أهل السنة وإنما كانت بين أهل البدع والهواء ..والأحزاب والفرق المتناحرة .
السبب العاشر : دسائس ومكر أعداء هذا الدين وكيدهم له فقد أدركوا عز الإسلام ومده يكمن في اتفق أهل السنة ، وأن الخطر الحاذق بهم إنما يأتيهم من وحدة الصف السلفي المعتدل ؛ فهو عمود الدين وركنه المتين المبني على العقيدة الصحيحة والمنهج السليم ، فإذا مزقوا السلفيين فقد مزقوا الأمة ، أدركوا هذا الحقيقة فجيشوا الجيوش وأطلقوهم في صفوف أهل السنة وخاصة في الأتباع وقليل العلم والذكاء كل طائفة منهم في صف يعتمدون التفريق ويلقون الطعم للصيد وهكذا تفرق كثير من السلفيين .
السبب الحادي عشر : الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تفشت في الأمة ، وعدم الفقه فيها والتساهل من البعض في إيراده في معرض النزاع والخلاف .
السبب الثاني عشر : وهو من أخطرها اتباع المتشابه من الوحي ، والتأويل الفاسد للأدلة ولي أعناقها لما يوافق ما في النفس من حظوظ ، وزيغ عند البعض ، وانتقام ونصرة لأهل البدع من البعض الآخر عن حسن نية أو سوء طوية .
السبب الثالث عشر : البدع والإحداث في الدين وهذا من أخطرها ، ومناصرة أهلها والدفاع عنهم بالباطل والتبرير لهم بعمومات وقواعد ، تخالف ما كان عليه علماء السلف الصالح ، من تحذيرهم الشديد من أهل البدع والأهواء .
قال الشيخ صالح بن سعد السحيمي في رسالته البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي (49/59) عند قوله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} .
وقد نص المفسرون رحمهم الله على أن الآية تعني أهل البدع والأهواء نقلاً عن كثير من السلف، ولا ريب أن من أعظم أسباب التفرق تلك البدع والمحدثات التي هي شرع لم يأذن به الله. وقد أخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة بسبب انحرافها عن سنته القويمة وما عليه صحبه الكرام من بعده كما روى أبو داود وابن ماجة والترمذي وغيرهم بأسانيد صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعون فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة "،
وفي رواية أن أمته "تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة"؛ والجماعة هي من كانت على الحق الذي كان عليه صلى الله عليه وأصحابه، رضوان الله عليهم.
الافتراق يكون دائماً عن هوى أو بدعة أو تعصب وغلو إن أهل الافتراق غالباً يعتمدون على المتشابه من الأدلة كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]انتهى كلامه .
السبب الرابع عشر : سوء أخلاق كثير من السلفيين ، فإن البعض منهم كان في جاهلية جهلاء فلما استقام لم يخلع عنه ذلك اللباس الذي كان عليه ، لذلك ترى عنده الكذب والبهتان وشهادة الزور ، والخيانة ، ونقض العهد وإخلاف الوعد ، وعدم توقير العلماء واحترامهم ، وعدم توقير الكبير ، ورحمة الصغير ، والسب والشتم والألفاظ القبيحة عند بعضهم بل إن منهم من إذا غضب يسب الله والدين ، ويستهزأ بالمخالفين من السلفيين بل بعض الجهلة منهم يسبون العلماء ويسخرون منهم ومن فتواهم ، أما والمعاملات المالية فيما بينهم فحدث ولا حرج ...
السبب الخامس عشر : نقص التقوى والخوف ، وقلة الورع .
فلا يشك عاقل أن هناك من السلفيين من عندهم قلة الورع ونقص التقوى أي عند بعضهم ولا أقول عدم الورع والتقوى كليا ، عند الكل ، فهذا ظلم بل العدل والإنصاف أن يقال قلة الورع ، ونقص التقوى ،وهكذا في البقية ، وهذا يتفاوت في نسبته الكل، ولا ينعدم بالكلية فآخر السلفيين عنده نسبة معينة من التقوى والخوف والورع ولو في بعض الجوانب من حياته .
بل ما دفعه إلى اعتناق المنهج السلفي إلا أنه يراه أنه الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي ينتهجه أهل التقوى والإخلاص والمراقبة والروع ، ولكنه لضعف العلم بذلك ، والجهل ، وبعض الهوى في النفس من الميل إلى الشهوات ، والشبهات جره ذلك إلى ما جره من الذنوب والمعاصي والاختلاف على أهل الحق .
وإذا المرء قل عنده الوازع الديني عن العصيان فإن سبب ذلك هو طبعه الذي نشأ وعاش عليه حينا من دهره ، فقد انحرفت فطرته وساء خلقه فقل ورعه وتقواه ، وربما كانت هناك عوامل أخرى مثل رفقاء السوء وأصحاب المكر والخداع مما غره بهم ، وهناك أسباب أخرى لذلك نفسية وخارجية ...
يا شيخ هذه بعض الأسباب التي كانت سببا فيما يجري بين السلفيين اليوم فاتق الله ، واترك التعريض والاتهام الذي لا تسلم منه حتى أنت بإقرارك على نفسك وتعقل ، ولا تكن كما قال القائل :
لدغت العقرب خصومي فحدمتها - - فلما لدغتني لعنتها .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعلى التابعين لنهجه بفهم صحبه إلى يوم الدين .
أما بعد .
فقد اطلعت على كلمة للشيخ العيد شريفي – هدانا الله وإياه – طلب من سائله أن ينقلها عنه بالبند العريض - هكذا قال - يطعن فيها في نيات السلفيين عموما ويعرض ويغمز العلماء السلفيين أهل النقد والجرح والتعديل ..
والعجيب في ذلك أنه يُدخل نفسه في ذلك الاتهام ويشهد على نفسه - إن كان حقا يعد نفسه سلفيا – ومعنى ذلك أنه لم يكن مراقبا لله ، تقيا ورعا يوم كان يتكلم في أعراض العلماء وإخوانه المشايخ السلفيين وطلبة العلم بالبطل ، ولم يكن يخاف عواقب يوم الوقوف بين يدي الله حين يسأله الله تعالى أن يخرج مما قال في مشايخه وإخوانه بالدليل والبرهان ، ثم علل ذلك الاتهام للسلفيين عموما ولعلماء الحديث والجرح والتعديل خصوصا بعدم مراقبة الله وعدم خشيته وقلة التقوى والورع وسبب ذلك هو الفراغ العقدي الذي يعيشه السلفيون وسبب ذلك الفراغ هو عدم العمل بالعقيدة وخاصة الأسماء والصفات التي تضمنها توحيد الربوبية في أن الله سميع بصير عليم خبير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. وقوله بعدمية مراقبة الله وغياب التقوى وعدمية الخوف من الله والورع هذا يعني التفسيق للسلفيين بالجملة ..
وهذا كلامه بحرفه ننقله هنا حتى لا يقل أننا نكذب عليه كعادته :
قال الناقل عنه – والعهدة عليه -
فقال انقل عنّي (( الشيخ العيد شريفي )) هذه الكلمات بالبند العريض: (الأمر الذي بسببه حصل التفرق و كلام بعضنا في بعض ( هو عدم مراقبة الله جلّ وعلا ، و غياب التقوى والخشية من الله تعالى وعدم الخوف أن يأتي يوم القيامة فيسأله الله تعالى عن كلامه في الدعاة والعلماء و دليله وبرهانه...)
ثم ذكر لي شيخنا قصة كعب بن مالك رضي الله عنه ،و كيف أنه خشي أن ينزّل فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ،وقال : هذا الفراغ العقدي الناتج من عدم العمل بالعقيدة (و بالخصوص الأسماء والصفات و توحيد الربوبية = (توحيد المعرفة والإثبات) في أن الله سميع بصير عليم خبير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .. ثم قال هذا هو سبب الفساد الحاصل والناشئ اليوم في أوساط السلفيين ..
فجزاه الله خير وبارك فيه ونفع بعلمه ..
فهذا طعن واضح شديد في السلفيين عامة وغمز وتعريض بالعلماء وفي مقدمتهم الشيخ ربيع ، والشيخ النجمي ، والشيخ زيد ، والشيخ عبيد ، والشيخ محمد بن هادي المدخلي ، والشيخ البخاري ، والشيخ الفوزان ، والشيخ صالح اللحيدان وغيرهم ممن تكلموا فيه ..
ولقائل أن يقول وإنما قصد السلفيين ما دون العلماء ، فيقال : الأمر ليس كذلك ، إذ لو كان يقصد طلبة العلم الصغار وعوام السلفيين لاستثناء منهم العلماء ولما أدخل نفسه فيهم ..بل القول بأنه يقصد العلماء والمشايخ السلفيين أقرب إلى الصواب من أنه يقصد عامة السلفيين ، وهذه أخطر .
وليس هذا بالعجيب منه فهو بعض الأحيان يتكلم ولا يدري ما يخرج من رأسه ، وإذا قيل له في ذلك ، أنكر أو قال ما قصدت ذلك ، ولكن العجب كل العجب ممن يدّعون الاعتدال وأن سلفيتهم هي الوسطية في - منتدى كل السلفيين - كيف يصفقون حتى لمن يطعن في إخلاصهم وتقواهم وخشيتهم ومراقبتهم لله تعالى ، وما ذلك إلا أن التعصب أعمى أبصارهم عن إدراك فحوى ومضمون من يطعن فيهم منهم ، فليس لهم هم إلا البحث في عثرات السلفيين والسب والشتم ووصفهم بأقبح الأوصاف ، وبوجه الخصوص الشيخ ربيع حفظه الله.
وقبل محاورته محاورة هادئة هادفة ونقض ما جاء في كلمته بالتي هي أحسن للتي هي أقوم أقدم بمقدمة مختصرة مناسبة للمقام .
لقد كانت هذه الأمة مرحومة في أول عهدها، جمعها الله على الهدى، وألف بين قلوب أفرادها، وحماها من الهوى ، حيث استقامت على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أولئك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعرفون غير اتباعه وتوقيره، واتباع النور الذي أنزل إليه، مستسلمين منقادين لما جاء به من الحق، لم يكن لهم قول مع قوله، ولا اعتراض على حكمه.
وهكذا سار على طريقهم وسلك سبيلهم أصحاب القرون المفضلة من التابعين، وأتباعهم من الأئمة المهديين رضي الله عنهم أجمعين .
ثم خلف من بعدهم خُلوف لم يقنعوا بوحي الله وشريعته، ورأوا أن هناك حاجة إلى التصحيح العقلي والتحريف ، والزيادة والحذف، فأعملوا العقول في الوحي المعصوم، واستدركوا على أحكام الحي القيوم، ففرقوا دينهم وكانوا شيعاً، بَأسهم بينهم شديد، فتشعّبت السبل بالناس، ووقع ما كان يخشاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من بأس ؛ على أمته من أئمة الضلالة فَوقعَ الاختلافُ والشّقاقُ وعَظُمَ في الأمة الافتراقُ حتى تجاوزوا اليهودَ والنصارى، فأعرضَ أكثرُ الفرَق عن الكتاب والسنة، وضَرَبَ آخرُونَ آيات الله بَعضها ببعض، وجادلوا بالباطل ليُدحضوا به الحقَّ، وزَينَ ذلك إبليسُ في أعينهم فرأوهُ حسنا، وحسبوه عَينَ العقل والاستقامة، ولم ينجُ من ذلك إلاَّ فرقةٌ واحدة، سلكت الصراط المستقيمَ، والمنهج القويمَ سبيلَ السلف الصالح، الذين رأوا أن النجاة في ركوب سفينة السنة مع الطائفة المنصورة والناجية المرضية ؛ وهم كما وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله ((مَن كان على ما أنا عليه وأصحابي)). جزء من حديث صحيح سيأتي .
فالمفروض أن يكون السلفي الذي يريد النجاة على منهج هذه الطائفة ، عالما بصيرا بأوصافها ومعالم طريقها وعلامات نهجها حتى ينجو بنجاتها، وهذه بعض أوصافها من آية القرآن وحديث من السنة النبوية لمن حقيق بنفسه أن يحملها على منهج السلف الصالح وأن ينقذها من النّار .
قال تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ..} (29) سورة الفتح .
فقوله {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع بعضهم البعض.
وقد وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذلك بقوله : << مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر>> متفق عليه ، وقال: << المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه >> (2) البخاري برقم (481) رواه ومسلم في برقم (2585) من حديث أبي موسى .
وهذه أوصافهم رضي الله عنهم مع تزكية الله لهم وثنائه عليهم ، وهم أحق بكل فضيلة ومزية ثبت لهذه الأمة ، والسلفيون أحق النّاس بهذه المزايا والأوصاف لأنهم على نهجهم يسيرون وبفهم يقتدون بهداهم متمسكون وإلى الطائفة الناجية والفرقة المرضية ينتسبون .
وقوله تعالى : ((رحماء بينهم )) فهذه شهادة من الله ، وكفى بها شهادة على صفاء القلوب لبعضها البعض ، وتواددها وتراحمها ، فمن كان مع محمد رسول الله في رسالته ، {محمد رسول الله والذين معه } فيجب عليه أن يتصف بهذين الوصفين - 1- الشدة على الكفار ومعادتهم ومعادة من والاهم وناصرهم ، والرحمة بينه وبين المؤمنين الذين اختاروا أن يكونوا مع محمد قلبا وقالبا :(( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) فمن لم يكن شديدا على أعداء الدين فقد ميع الولاء والبراء ، ومن لم يكن رحيما مع الذين هم مع محمد رسول الله ولا متراحما معهم فهو ليس منهم، ولا معهم حتى لو ادعى ذلك وتدثر بشعارهم .
فالسلفيون هم أحق النّاس بهذه النصوص وأسعدهم بها ، لذلك يتوجب عليهم أن يكونوا مع الذين هم مع محمد رسول الله في التودد والتراحم والموالاة بينهم والشدة على المخالفين الأعداء من الداخل والخارج كل بحسب مخالفته ، وذلك بتطهير قلوبهم ومصافاتهم لبعضهم وترك شح نفوسهم .
وهذا لا يعني إطلاقا أن السلفيين لا يحصل منهم اختلاف وتنازع لا يفسد لهم ودا ولا رحمة بل يحصل ذلك منهم ، والمشكلة ليست في وجود ذلك ، ولكن المشكلة في كيفية معالجته وكيفية التعامل مع المنازع والمخالف من المسلمين فضلا عن السلفيين .
وللشيخ صالح المقبلي في هذا الباب كلام جميل يرد به على من زعم أن جملة :<<..كلها في النار إلا ملة واحدة ..>> لا تصح في كتابه : " العلم الشماخ في إيثار الحق على الأباء والمشايخ [ص 414] جاء فيه :
ومن المعلوم أن ليس المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف ؛ فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة ، إنما الكلام في مخالفة تصيّر صاحبها فرقة مستقلة ابتدعها – تعرف به ، أو تنسب إليه – وإذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل ؛ وفيما يترتب عليه عظائم المفاسد ، لا تكاد تنحصر ، ولكنها لم تخص معينا من هذه الفرق التي قد تحزبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرون بحسب مسائل عديدة .انتهى كلامه.
وقد أعرضت عن ذكر النصوص التي تذم التفرق والاختلاف لسببين .
الأول : خشية الطول ، فالآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدا تحتاج إلى مجلدات ..
والثاني : أن صاحبي على علم بتلك الأدلة فلا يحتاج إلى التذكير بها ، ولكن أذكره بأسباب التفرق ، ولا يعني أنه يجهلها ولكنه قد غفل أو تغافل عنها أثناء جوابه على سؤال السائل ، وإن كان يجهل بعضا منها فليس ذلك بعيب ، ولكن العيب أن يحصر أسباب التفرق في اتهام النيات وإن كان البعض من السلفيين واقع في شيء منها فرمي السلفيين جميعا بها من الظلم والعدوان .
وإليك يا فضيلة الشيخ أسباب التفرق :
اعلم -أرشدني الله وإياك لطاعته ، والوقوف عند حدوده - : يا شيخ أن أسباب التفرق بين السلفيين لست ما ذكرت من اتهامات باطلة للسلفيين وتعريض بالعلماء ،وإذا كان بعض السلفيين عندهم بعض القصور في الخوف من الله ، والورع والتقوى وعدم مراقبة الله ، فلا يعني انعدام ذلك كله عند كلهم ، وإذا كان الأمر حقا كما تقول فأنت لست في منآى عن هذه التهم ويمكن أن يردها عليك السلفيون ؛ لأن لك فيها النصيب الأوفر مما جري ويجري اليوم بين السلفيين ، فلعلك ترد الشريط إلى الوراء قليلا لترى التمزق والاختلاف الذي حصل بسببك وفيك ومن أجلك وما زال بعضه إلى اليوم ..
وإذا كنت نسيت أو غفلت عنه ، وأحببتَ أن أذكرك فالأشرطة التي كانت تسجل كلامك موجودة كما أن الكلام الذي كان يقص ويبتر من دروسك ومحاضراتك موجود ومسجل وعندي منه بعض الأشرطة .. والسؤال الذي أحببت أن أطرحه على فضيلتك هنا هو :
هل كنت يومها مراقبا لله تعالى ورعا تقيا ، وهل اليوم وأنت تتكلم بهذا الكلام كنت كذلك وأنت تدخل قلوب السلفيين وفي مقدمتهم العلماء والمشايخ ، وتحكم عليها بأنها غير تقية ولا ورعة ولا تراقب الله ولا تخاف عواقب ما تقوم به من الكلام في بعض المنحرفين ولا أقول المخالفين .. ؟؟؟
يا شيخ العيد - اتق الله – وعد إلى رشدك فقد حدثني الشيخ الفاضل عز الدين رمضاني أنه جاءك ومعه بعض المشايخ – يومها- وطلبوا منك الصلح فأبيت إلا بشرط أن تكون الزعامة لك ، فهل هذا الشرط يتوافق والتقوى والورع و.. و...وخوف العاقبة ؟؟؟
وإليك الآن أسباب الاختلاف وهي كثيرة يزداد الخلاف ويحتدم النزاع بسببها بحسب كثرتها وقلتها من مكان إلا آخر ومن منطقة إلى أخرى ، ومن شخص أو طرف إلى آخر ..
السبب الأول : هو التفرق والاختلاف الذي وقعت فيه الأمة كما وقع في الذين من قبلها بعد ما جاءتهم البينات الموجبة لاجتماعهم وتوادهم وعدم تفرقهم كما أخبر بذلك ربنا سبحانه وتعالى في قوله: { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } الآية (213) البقرة .
ولكنهم اختلفوا { بغيا بينهم } أي حسدا وظلما ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم >> : وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة << وسبب افتراقها هو ذلك البغي من التحاسد والتباغض الذي كان عليه أهل الكتابين قبلنا ، ثم دب إلينا وقد أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: >> دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، هِيَ الْحَالِقَةُ ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَاكُمْ لَكُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ.<< أخرجه أحمد (1/167)(1430) و (1431) والتِّرْمِذِيّ (2510).
ورواه البزار، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد(7/339) وإسناده جيد. كما قال الحافظ ابن حجر وحسنه الشيخ الألباني كما صحيح الجامع (3361).
والسلفيون ليسوا في معزل عن هذا التفرق والاختلاف ، والحسد والبغي ، وكان المفروض لهم أن يكونوا في معزل عنه ، وأن يكونوا يدا واحدة أو كاليدين تغسل أحداهما الأخرى رحماء بينهم أشداء ؛ بل ينبغي أن يكونوا كالجسد الواحد والبينان المرصوص ، حتى لا يتسلل بينهم مدسوس ..فهم أسعد الناس بنصوص الوحي التي تأمر بالائتلاف والمحبة والاجتماع ، وعدم التفرق والتنازع كما يحصل من أهل الأهواء .
السبب الثاني :
قلة العلماء في كثير من البلاد الإسلامية مما ساهم في ظهور بعض الجهال المتعالمين الذين ما عرفوا قدر العلم ولا قدر البقية الباقية من أهله ، فكثير منهم أغرار أغمار حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام ممن يفسرون نصوص الوحيين حسب مشاربهم ، ويؤولونها حسب أرائهم ، وأهوائهم ولا يلزمون غرز العلماء الذين شابت لحاهم في العلم وعركتهم التجارب ، ولا يرجعون إليهم ولا إلى العتيق مما تركه العلماء الأوائل من السلف الصالح ، ومن سار على نهجهم من المعاصرين الأموات والأحياء من أئمة الهدى، وإذا رجعوا ضربوا فتاوى العلماء بعضها البعض ، وقرءوها على وجوه مختلفة ، وتأويلات فاسدة بعيدة ، وتعصبوا لذلك ، وخاصة في مسائل النقد و الجرح والتعديل ، ومسائل العذر بالجهل ، ووسائل الدعوة وغير ذلك ، وسبب ذلك – والله أعلم – راجع إما لعدم فقه قواعد هذا العلم العظيم ، والجهل بضوابط التعامل في الخلاف ، أو لحاجة في نفس يعقوب من المدسوسين أو للتحاسد والتباغض الذي نهينا عنه ، والظلم والبغي ، بعدما جاءنا بصيصا من العلم ، فأصابنا ما أصاب أهل الكتاب من التفرق والاختلاف .وقد نهينا عنه في نصوص كثيرة ، ولكن أين من يستجيب من الأتباع ويقف عن شق الصف السلفي؟؟
السبب الثالث : موت كثير من العلماء الكبار .
فموت العلماء لا شك أنه من أهم أسباب النقص وتقهقر الدعوة السلفية وتفرقها واختلاف أهلها ، فلم يكن يتجلى ويتفشى هذا الاختلاف بهذا الشكل الواقع ويتجرأ المتسببون فيه يوم كان بيننا العلماء الكبار الذين ماتوا – رحمهم الله –
وكيف لا يكون كذلك وموتهم مصيبة كبيرة ، وثلمة في الإسلام ؛ وقد ظهرت ثمرة ذلك واضحة جلية ، فقد جاء في الأثر عن الحسن البصري قال : كانوا يقولون : " موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ".إسناده صحيح. سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (1/37 /109 ) للشيخ أبي عبد الله الداني بن منير آل زهوي. اختصره أحمد بن علي البلوشي.
وذكره في أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (1/294 /1537 )لمحمد بن درويش بن محمد الحوت وزاد فيه : " خبر موت العالم ..." رواه أبو بكر بن لال من حديث جابر رضي الله عنهما مرفوعا، ومن حديث عائشة – رضي الله عنها - عند البزار ..
وقال : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَرْوِي أَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا ، وَهَذَا مِنْهَا . كشف الأستار عن زوائد البزار (1/100).
وفي البدر المنير قال : إنه من كلام علي -رضي الله عنه- ولكنه معضل ..ويعضده ما جاء في تفسير قوله تعالى : { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} كما عند ابن جرير الطبري (16/497) عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها.
وذكره البغوي في شرح السنة (1/315) وابن كثير في تفسيره (4/472) عن ابن عباس فقال بعد جاء بأقوال أهل العلم في الآية .وفي رواية : (( خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها)).
وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء. وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ (سكن أصبهان ) حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق، أنشدنا أبو بكر الآجرى بمكة قال: أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه:
الأرض تحيَا إذا ما عَاش عالمها ... مَتَى يمُتْ عَالم منها يمُت طَرفُ ...
كالأرض تحْيَا إذا ما الغيث حَل بها ... وإن أبى عَاد في أكنافهَا التَّلَفُ ...
ونسبه الطبراني في التفسير المنسوب إليه للحسن حيث قال :وقال الحسنُ : (أرَادَ بنَقْصِ أطْرَافِ الأَرْضِ ذهَابِ فُقَهَائِهَا وَخِيَارَ أهْلِهَا).
قال : وَمَثَلُ الْعُلَمَاءِ مَثَلُ النُّجُومِ إذا بَدَتْ اقْتَدَوْا بهَا ، وإذا أظْلَمَتْ سَكَنوا ، وَمَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإسْلاَمِ لاَ يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
وهذا الأثر : لا يصح رفعه فقد رواه الحاكم في المستدرك(2 : 350 ) من طريق الثوري عن طلحة بن عمرو ، وقال :" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال :" طلحة بن عمرو" ، قال أحمد :" متروك" .
قال الشيخ الألباني : ( موضوع ) انظر حديث رقم : (5894 ) في ضعيف الجامع . ولكن قد صح السند به إلى الحسن - رحمه الله – فهو من الآثار السلفية .
وفي سنن الدارمي برقم (241 ) حدثنا أبو النعمان حدثنا ثابت بن يزيد حدثنا هلال هو بن خباب قال : سألت سعيد بن جبير قلت يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؟ قال : إذا هلك علماؤهم. وهذا إسناده صحيح .
ويؤيد هذا ما في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :<< إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا >>. وهذا عين الهلاك .أخرجه البخاري (ح100)باب كيف يقبض العلم . ومسلم (ح 2673 )وأحمد(6511 ).
و في سنن الترمذي(ح 2653): عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ : كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ
لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ ، إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ ؟ قال الشيخ الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : (6990 )في صحيح الجامع .
فهذا الحديث مع الحديث السابق يبين لنا كيفية رفع العلم وذهابه ونقصه باختلاسه ، وما بقي منه بين أيدي الناس من الجهال الذين اتخذوهم رؤساء فتصدروا لهم لا ينتفعون به كما لم ينتفع أهل الإنجيل والتوراة منهما، ولا شك أن بعض الجهال ممن تلبسوا بلبوس المنهج السلفي هم من هذا الصنف الذي لم ينتفع بالفهم الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وأنا لا أتكلم عن بقية العلماء الربانيين وشيوخ العلم والسنة الأحياء الذين يمثلون الوسطية التي عليها الطائفة المنصورة ، - وأنت تعلم أن الطائفة تطلق على الواحد فما فوق - فحاشاهم فهم قلة قليلة قائمة بواجبها على أحسن وجه إلا أن ذلك لا يرقى إلى المطلوب الذي يتطلع إليه الإسلام ، بالنسبة لعدد المسلمين.
فأمراض المسلمين كثيرة وعلاجها بالفهم الصحيح حتى تسلك سبيل المؤمنين يحتاج إلى آلاف العلماء الربانيين فموت أولئك العلماء الكبار وغيرهم ممن لحق بهم من العلماء السلفيين في هذا العصر كان حقا من أعظم الأسباب لتقهقر الدعوة السلفية واختلاف أهلالها اختلافا شديدا لأسباب كثيرة .
السبب الثالث : هو الاختلاف في فهم وضبط قواعد وأصول المنهج السلفي بين غال فيه وجاف عنه ، ممن شوهوا جمال هذا المنهج وسلامته ، كاختلافهم في بعض المسائل ومنها وأهمها العذر بالجهل ، وجنس العمل ، وهل هو من مسمى الإيمان أو من شروطه ؟ ووسائل الدعوة وسبلها ، وفي قبول الجرح والتعديل وبعض قواعده ورده من المجرح والمعدل إذا اختلفا أو في الترجيح بينهما، والإجماع ، والاجتهاد فيه ، وفي قبول خبر الثقة ، ومن الضابط في الثقة الذي يقبل والرذي يرد؟ وهل هو ثقة عند أهل العلم جميعا أو البعض ؟ في سلسلة لا تكاد تنتهي ، والمجهول ومتى ترتفع عنه الجهالة ومن يرفعها ؟ وحدود المنهج الصحيح المعتدل ، بحيث إذا تجازوه من تجاوزه دخل في منهج الغلو ، وما هو الضابط في إخراج الرجل من السلفية ، وهل كل من انتقد أو تكلم فيه يخرج من السلفية إلى البدعة والأهواء ، وهل تقبل بعض المصطلحات في الجرح من المتأخرين أو لا تقبل ، وتقعيد بعض القواعد التي لم تكن في عصر أولئك العلماء الكبار وغير ذلك مما كان سببا في صد بعض الناس وإعراضهم عن قبول الحق ، وبعض الشباب إلى النفرة من السلفيين بعد استقامتهم قائلين إذا كان هذه هو المنهج فأنا أبقى كما كنت أفضل لي ، كما أدى هذا إلى تقهقر البعض الآخر عنه ،بسبب الحيرة التي انتابتهم في بعض ما يجري ، وهم يرون هذا الاختلاف الذي أدى إلى الصد عن العلماء أهل العدل والإخلاص والورع والتقى ، والانتفاع بعلمهم من أئمة الهدى أهل الوسطية ، الذين ماتوا - رحمهم الله - والأحياء منهم كالشيخ المفتي العام ، وهيئة كبار العلماء ، والشيخ عبد المحسن العباد والشيخ ربيع ، والشيخ صالح الفوزان ، والشيخ صالح اللحيدان ، والشيخ عبيد الجابري ، والشيخ محمد بن هادي ، والشيخ صالح السحيمي ، والشيخ محمد علي فركوس - حفظهم الله جميعا- وغيرهم مما لا أعرفهم ولا يحضرني أسماؤهم من العلماء والشيوخ السنيين السلفيين ، وطلبة العلم في الحجاز والكويت والإمارات ومصر واليمن والجزائر والأردن وغيرها من البلدان ، فيأتي من يصف بعضا منهم بالغلاة ، وبعضهم بعدم فقه الواقع والجهل ، وبعضهم بالطعن عليهم في عقيدتهم ومنهجهم ، والبعض الآخر بالسكوت عن الحق فيما يجري من نوازل ، والتهرب من الصدع بالحق في أجوبتهم ، والبعض يقرأ كلامهم على وجهته أو بتره ويأخذ منه ما يوافق ما هو عليه ، والبعض الآخر يرد ويدافع وينافح بحق وبغير حق ، فحصل ما يجري الآن وكان سببه أولئك المتعالمون الذين كانوا سببا في اختلاف كثير من السلفيين في هذه المسائل لأنهم يفتون بغير علم ولا ورع ولا تقوى ويجادلون بالباطل وديدنهم نصر ما هم عليه ...
والسبب الخامس : العزة بالنفس وحظوظها ، عند بعض المشايخ - حاشا العلماء - وحب التسلط وطلب الرياسة والزعامة ، والعجب والغرور ، وحب الظهور والاحتقار للغير ، وعدم تقدير العلماء وتوقيرهم وعدم التواضع وهضم النفس مع طلاب العلم وعدم احترامهم، والتعصب المقيت من هذا النوع لهذا النوع ، والتكبر وعدم قبول الحق .. والمجادلة بالباطل واللجوء إلى القوة في بعض الأحيان .
السبب السادس : المظهرية الجوفاء التي لاتسمن ولا تغني من جوع ، في كثير من مجالات الحياة إذ يهتم كثير منهم بالمظاهر ونسوا أو تناسوا إصلاح السرائر وتطهيرها وتزكيتها حتى تسموا نفوسهم عن الغثائية التي يعيشونها مما جعل أعدائنا يتكالبون علينا من كل حدب وصب .، وهذه الحالة صدتهم عن تحصيل العلم ، وعدم الانتفاع بما يسمعون من هنا وهناك .
جاء في حديث النبي فيما أخبر به أنه سيقع بسبب المظهرية الجوفاء التي لا تخيف أعداءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت >>. أخرجه أحمد أبو داود عن ثوبان، قال الشيخ الألباني صحيح، المشكاة (5369)،الصحيحة (958). انظر حديث رقم :( 8183 )في صحيح الجامع .
وقال صلى الله عليه وسلم :<< إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم>> أخرجه أبو داود عن ابن عمر، قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم : (423) في صحيح الجامع.
والسلفيون – حاشا العلماء - ليسوا في منآى عن هذين الحديثين وإن كان المفروض أن يكونوا في منآى عنهما لأنهم هم من يمثل الفرقة الناجية التي تحمل الفهم الصحيح لهذا الدين ، وإذا سلم البعض منهم منه فإنه يقع فيه البعض الآخر ؛ وهذا واقع ومشاهد ؛ ناهيك عن تركهم لمنهج نبيهم في التعامل مع بعضهم البعض ، وخاصة في مسائل الهجر من أجل الدنيا ، أو من أجل مسائل دينية اختلفوا فيها هل هي موجبة للهجر أو لا ، وذلك بسوء فهمهم لما كان عليه أسلافهم وعدم تسليمهم هذه الأمور للعلماء ، وأيضا سوء أخلاق بعضهم ، واستنكار بعضهم لبعض الأمور التي يسع فيها الخلاف ، وتهوين البعض الآخر لمسائل مهمة الأخذ بها من سنن الهدى ، ناهيك عن التظاهر والتكلف الفارغ من بعضهم لبعض شيوخهم أو لبعضهم البعض والتماس الأعذار، وعدم قبولها من الطرف الآخر فيما بينهم ، وتناقل الشائعات التي من ورائها أهل الأهواء عن بعضهم البعض ، ومع ذلك فكل منهم يغني على ليلاه ، وبسلوك هذا الطريق يبتغي مولاه .
السبب السابع : القول في الدين بالرأي ، والفتيا بغير علم مما حذر منه الله تعالى ورسوله ، والأدلة من الكتاب والسنة لا تخفى عليك ..
وجاء في الدرر السنية (9/141) ومن أعظم: أسباب التفرق والاختلاف، والعدول عن طريق الحق والإنصاف: ما وقع من كثير من الناس، من الإفتاء في دين الله بغير علم، والخوض في مسائل العلم بغير دراية ولا فهم، فإن الله تعالى قد حرم القول عليه بغير علم، في أسمائه وصفاته، وشرعه وأحكام.
وجعل ذلك قرينا للشرك، الذي هو أعظم المحرمات، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف آية: 33] وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حلال وهذا حرام}.
فاعلم - هداني الله وإياك - أن كثيرا من الأتباع رعاع يركن إلى فتيا شيخه ويتعصب لها ، وقد يعلم أو لا يعلم أن شيخه ضعيف الاستنباط للأحكام الدينية وِفق الفهم السلفي الصحيح المبني على فهم السنة والتفقه في فهم الكتاب، على مراد الله ومراد رسوله ، وما كان عليه الصحابة .
فإذا عرضت له حادثه ولم يفطن إلى مأخذها من الكتاب أو السنة وفتاوى الصحابة والتابعين أفتى فيها بالرأي، وما يوافق حظ نفسه ،ولا يرجع إلى العلماء ، وربما عرف ذلك إلا أنه أراد حاجة في نفسه ، فإن مذهب المفتي يؤثر في فتواه .ومع ذلك يعتقد أنه مخلص مراقب لله تقي ورع يخشى العواقب .
السبب الثامن : الظلم والبغي الناتج عن الحسد والبغضاء إما بسبب دنيا من مال أو جاه أو منصب ، أو غيرة ممقوتة ، أو غير ذلك ، قال تعالى :{ وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } فإن طغيان العلم كبير وشديد ، وخاصة ظلم الأقران لبعضهم البعض ، وهذا لا يخفى عليك كما لايخفى على أحد تعصب الأتباع لكل طرف، واختلفهم ما هو الضابط في كونهم أقران ؟؟.
السبب التاسع : التعصب المقيت للمشايخ والغلو الذميم فيهم ، رد الحق ممن جاء به من المخالف من السلفيين ، واحتقارهم ، أو تأويله وحمله على غير مراد المتكلم ، والاتهام للغير بالباطل وبعض الأحيان بالافتراء والزيادة والنقصان وتقويلهم ما لم يقولوا ، والتدافع والتقاتل من أجل ذلك وغير ذلك .. نصرة ومغالبة وانتقاما ، في ظاهرة عدائية لم تسبق في تاريخ أهل السنة وإنما كانت بين أهل البدع والهواء ..والأحزاب والفرق المتناحرة .
السبب العاشر : دسائس ومكر أعداء هذا الدين وكيدهم له فقد أدركوا عز الإسلام ومده يكمن في اتفق أهل السنة ، وأن الخطر الحاذق بهم إنما يأتيهم من وحدة الصف السلفي المعتدل ؛ فهو عمود الدين وركنه المتين المبني على العقيدة الصحيحة والمنهج السليم ، فإذا مزقوا السلفيين فقد مزقوا الأمة ، أدركوا هذا الحقيقة فجيشوا الجيوش وأطلقوهم في صفوف أهل السنة وخاصة في الأتباع وقليل العلم والذكاء كل طائفة منهم في صف يعتمدون التفريق ويلقون الطعم للصيد وهكذا تفرق كثير من السلفيين .
السبب الحادي عشر : الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تفشت في الأمة ، وعدم الفقه فيها والتساهل من البعض في إيراده في معرض النزاع والخلاف .
السبب الثاني عشر : وهو من أخطرها اتباع المتشابه من الوحي ، والتأويل الفاسد للأدلة ولي أعناقها لما يوافق ما في النفس من حظوظ ، وزيغ عند البعض ، وانتقام ونصرة لأهل البدع من البعض الآخر عن حسن نية أو سوء طوية .
السبب الثالث عشر : البدع والإحداث في الدين وهذا من أخطرها ، ومناصرة أهلها والدفاع عنهم بالباطل والتبرير لهم بعمومات وقواعد ، تخالف ما كان عليه علماء السلف الصالح ، من تحذيرهم الشديد من أهل البدع والأهواء .
قال الشيخ صالح بن سعد السحيمي في رسالته البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي (49/59) عند قوله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} .
وقد نص المفسرون رحمهم الله على أن الآية تعني أهل البدع والأهواء نقلاً عن كثير من السلف، ولا ريب أن من أعظم أسباب التفرق تلك البدع والمحدثات التي هي شرع لم يأذن به الله. وقد أخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة بسبب انحرافها عن سنته القويمة وما عليه صحبه الكرام من بعده كما روى أبو داود وابن ماجة والترمذي وغيرهم بأسانيد صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعون فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة "،
وفي رواية أن أمته "تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة"؛ والجماعة هي من كانت على الحق الذي كان عليه صلى الله عليه وأصحابه، رضوان الله عليهم.
الافتراق يكون دائماً عن هوى أو بدعة أو تعصب وغلو إن أهل الافتراق غالباً يعتمدون على المتشابه من الأدلة كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]انتهى كلامه .
السبب الرابع عشر : سوء أخلاق كثير من السلفيين ، فإن البعض منهم كان في جاهلية جهلاء فلما استقام لم يخلع عنه ذلك اللباس الذي كان عليه ، لذلك ترى عنده الكذب والبهتان وشهادة الزور ، والخيانة ، ونقض العهد وإخلاف الوعد ، وعدم توقير العلماء واحترامهم ، وعدم توقير الكبير ، ورحمة الصغير ، والسب والشتم والألفاظ القبيحة عند بعضهم بل إن منهم من إذا غضب يسب الله والدين ، ويستهزأ بالمخالفين من السلفيين بل بعض الجهلة منهم يسبون العلماء ويسخرون منهم ومن فتواهم ، أما والمعاملات المالية فيما بينهم فحدث ولا حرج ...
السبب الخامس عشر : نقص التقوى والخوف ، وقلة الورع .
فلا يشك عاقل أن هناك من السلفيين من عندهم قلة الورع ونقص التقوى أي عند بعضهم ولا أقول عدم الورع والتقوى كليا ، عند الكل ، فهذا ظلم بل العدل والإنصاف أن يقال قلة الورع ، ونقص التقوى ،وهكذا في البقية ، وهذا يتفاوت في نسبته الكل، ولا ينعدم بالكلية فآخر السلفيين عنده نسبة معينة من التقوى والخوف والورع ولو في بعض الجوانب من حياته .
بل ما دفعه إلى اعتناق المنهج السلفي إلا أنه يراه أنه الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي ينتهجه أهل التقوى والإخلاص والمراقبة والروع ، ولكنه لضعف العلم بذلك ، والجهل ، وبعض الهوى في النفس من الميل إلى الشهوات ، والشبهات جره ذلك إلى ما جره من الذنوب والمعاصي والاختلاف على أهل الحق .
وإذا المرء قل عنده الوازع الديني عن العصيان فإن سبب ذلك هو طبعه الذي نشأ وعاش عليه حينا من دهره ، فقد انحرفت فطرته وساء خلقه فقل ورعه وتقواه ، وربما كانت هناك عوامل أخرى مثل رفقاء السوء وأصحاب المكر والخداع مما غره بهم ، وهناك أسباب أخرى لذلك نفسية وخارجية ...
يا شيخ هذه بعض الأسباب التي كانت سببا فيما يجري بين السلفيين اليوم فاتق الله ، واترك التعريض والاتهام الذي لا تسلم منه حتى أنت بإقرارك على نفسك وتعقل ، ولا تكن كما قال القائل :
لدغت العقرب خصومي فحدمتها - - فلما لدغتني لعنتها .