المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واشوقاه إلى أوقات البداية (كلام نفيس للإمام ابن القيّم لكل من فترت همته)



خولة السلفية
27-Apr-2016, 02:14 AM
بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله أمّا بعد:



قال الإمام ابن القيّم - رحمه الله -




ـ قوله :(وتفيد مطالعة البدايات)
يحتمل كلامه أمرين :


أحدهما: أنّ ملاحظة عين الجمع تفيد صابحها مطالعة السّوابق التي ابتدأه الله بها ،فتفيده ملاحظة عين الجمع نظرة إلى أوّلية الربّ تعالى في كلّ شيء.


ويحتمل أن يريد بالبدايات: بدايات سلوكه وحدة طلبه فإنّه في حال سلوكه لا يلتفت إلى ما وراءه لشدة شغله بما بين يديه ،وغلبة أحكام الهمة عليه فلا يتفرغ لمطالعة بداياته .
فإذا لاحظ عين الجمع قطع السلوك الأول وبقى له سلوك ثان، فتفرغ حينئذ إلى مطالعة بداياته، ووجد اشتياقا منه إليها كما قال الجنيد:
(واشوقاه إلى أوقات البداية)
يعني لذة أوقات البداية، وجمع الهمة على الطلب، والسير إلى الله ،فإنه كان مجموع الهمة على السير والطلب، فلما لاحظ عين الجمع فنيت رسومه ،وهو لا يمكنه الفناء عن بشريته وأحكام طبيعته فتقاضت طباعه ما فيها ،فلزمته الكلف فارتاح إلى أوقات البدايات لما كان فيها من لذة الإعراض عن الخلق واجتماع الهمة .
ومر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- على رجل وهو يبكي من خشية الله فقال:
(هكذا كنا حتى قست قلوبنا)


وقد أخبر النبي- صلّى الله عليه وسلّم-:


((إِنَّ لِكُلِّ عَامِل شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً))


فالطالب الجاد لا بدأن تعرض له فترة ،فيشتاق في تلك الفترة إلى حاله وقت الطلب والاجتهاد

،ولما فتر الوحي عن النبي صلى اله عليه وسلم "كان يغدو إلى شواهق الجبال ،ليلقى نفسه فيبدو له جبريل عليه السلام فيقول له إنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسكن لذلك جأشه وتطمئن نفسه "


فتخلل الفترات للسالكين أمر لازم لا بد منه فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرّم رجى له أن يعود خيرا ممّا كان




قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه :




إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل وإن أدبرت فألزموها الفرائض




وفي هذه الفترات والغيوم والحجب التي تعرض للسالكين من الحِكَم ما لا يعلم تفصيله إلا الله ،وبها يتبين الصّادق من الكاذب




فالكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه


والصّادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله، ويلقى نفسه بالباب طريحا ذليلا مسكينا مستكينا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتة ،ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له ،لا بسبب من العبد ـ وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب ـ لكن ليس هو منك بل هو الذي منّ عليك به وجرّدك منك وأخلاك عنك، وهو الذي ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾.


فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام فاعلم أنه يريد أن يرحمك، ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع فاعلم أنه قلب مضيع، فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يردّه عليك ويجمع شملك به ،ولقد أحسن القائل:


إذا ما وضعت القلب في غير موضع****بغـير إناء فهو قلب مضيع




مدارج السالكين – الجزء الثاني[ 318]


من هنـا (http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=7806)








-------------------------------------------------------





وفتور المسلم عن التمسك بدينه والثبات على طاعة ربه أمر نبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وبين خطره.

روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو، والبزار عن ابن عباس ، والترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لكل عمل شِرَّة ، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل)).

فأنظر إلى هذا الخطر الذي يهدد كل مسلم يعمل بدينه، راغب في التمسك به، لا يريد به بديلا، ثم سرعان ما يتحول هذا المسلم بعد القوة إلى ضعف، وبعد الإقبال إلى الله إلى إدبار ، وبعد الرغبة في الحق إلى نفرة عنه، وبعد النشاط إلى كسل. فإذا كان كذلك فما أسرع الهلاك.

وداء الفتور يصيب العلماء ودعاة وطلبة العلم، كما يصيب غيرهم ، إلا من رحم الله.





وينتج عن هذه الحالة:

1)إستثقال الطاعات والتباطؤ عنها.

2)التخبط في المنهج، فتارة يميل إلى الحق ، وتارة يميل إلى الباطل، وتارة ييأس، وتارة ينهار.

3)التغير والتبديل، فترى هذا الصنف يحاول أن يتغير، بل قد يصر ويجزم بضرورة التغير، فيغير السنة إلى بدعة، والأخوة إلى حزبية، وما إلى ذلك.

4)التسويف والتأجيل للأعمال النافعة وكثرة الأماني ، فتراه قليل العمل، يمني نفسه بالخير وهو بعيد عنه، ويعد أن يقوم ولا يفعل ، وأن يحضر فلا يحضر ، وأن يلتزم فلا يلتزم.


5)الهزيمة النفسية، فتراه آيسا من تحقيق الخير فيه، أو في أسرته، أو في مجتمعه، مثبط من يعزم على فعل ذلك.
وحال المسلمين – إلا من رحم الله – قد عمها الفتور، وطال الرقاد وعظمت الغفلة، وتمكن حب الشر من القلوب ، فالنجاء النجاء! والمبادرة إلى استئصال هذا الداء.





وعلاج الفتور يكون بالآتي:



1) تعاهد الإيمان وتجديده. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))
رواه الحاكم والطبراني.

وتعاهد الإيمان وتجديده يكون بحضور المحاضرة النافعة، والدروس القيمة، وسماع الأشرطة الطيبة، والقراءة في كتب السنة الميسرة لدى الشخص، فغفلة المسلم عن الأمراض التي تدب فيه خطر عظيم عليه.

2) الاهتمام باللقاء بمن يعينه على إصلاح نفسه بعد التأكد من ذلك ، فلا يبعد عن إخوانه ، ولا يتغيب عنهم كثيرا إلا لعذر. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)). رواه أحمد والترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه.

3) فقه المسلم لواقعه وماذا يدور في ساحته من خير وشر، والجهل بهذا يؤدي بالشخص إلى الاصطدام بأمور ما كان يتوقعها ، فلهذا ترى بعضهم عند أن يبدأ بالالتزام بدينه يسعى لإصلاح الناس كلهم في نظره، فيجد أمورا ما كان يتوقعها ، فيقتصر على جيرانه فلا يجد استجابة كاملة ، فيقتصر على أسرته فيجد من بعضهم أو كلهم معارضة شديدة ، فربما حصل له الانهيار والتحطيم وأيس من صلاح قريب وبعيد.

4) تنويع العبادات والعمل الصالح على وفق ما شرع الله، والنشاط الذي يقدر عليه ، فتارة يتعلم ، وتارة يدعو ، وتارة يزور إخوانه ، وتارة يعمل في أمور دنياه بما لا يشغله عن طاعة ربه.

وهذا الموضوع من أهم المواضيع التي تحتاج إلى عناية وإدراك واهتمام، والله المستعان.




كتاب "تحذير البشر من أصول الشر" الشيخ محمد بن عبدالله الإمام ** الأصل السادس والعشرون: الفتـور

منقول للفائدة