المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مباحث في علوم القرآن لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله



أبو الوليد خالد الصبحي
10-Jun-2010, 08:46 PM
مباحث في علوم القرآن لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

قال شيخ الإسلام، علم الهداة الأعلام، الشيح: محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، وأسكنه الجنة بغير حساب.


بسم الله الرحمن الر حيم



باب فضائل تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه



وقول الله عز وجل:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [سورة المجادلة آية : 11]، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [سورة آل عمران آية : 79] .
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع{التتعتع: التردد في الكلام عيا وصعوبة}فيه وهو عليه شاق له أجران "أخرجاه ; وللبخاري عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" { البخاري : فضائل القرآن (5027)، والترمذي : فضائل القرآن (2907، 2908)، وأبو داود : الصلاة (1452)، وابن ماجه : المقدمة (211)، وأحمد (1/58)، والدارمي : فضائل القرآن (3338)}

ولمسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان {الغياية ما أظللك من فوقك}، أو كأنهما فرقان من طير صواف، يحاجان لصاحبهما ; اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" .
وله عن النواس بن سمعان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة، وأهله الذين كانوا يعملون به، يقدمه سورة البقرة وآل عمران" { مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (805)، والترمذي : فضائل القرآن (2883)، وأحمد (4/183)}، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: "كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق { أي: ضياء ونور}، أو كأنهما فرقان من طير صواف، يحاجان عن صاحبهما" .
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" { الترمذي : فضائل القرآن (2910)}رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح ; وله وصححه عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منـزلتك عند آخر آية" { الترمذي : فضائل القرآن (2914)، وأبو داود : الصلاة (1464)} .
ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد: "ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء منه" { ابن ماجه : الأدب (3780)، وأحمد (3/40)}، ولأحمد أيضا عن بريدة مرفوعا: "تعلموا سورة البقرة"{ أحمد (5/348)، والدارمي : فضائل القرآن (3391)}فذكر مثل ما تقدم في الصحيح، في البقرة وآل عمران.
وفيه: "وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حين ينشق عنه قبره،كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني ؟ فيقول له: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن، الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان بم كسينا هذا ؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن ; ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هَذًّا كان أو ترتيلا" { ابن ماجه : الأدب (3781)، وأحمد (5/348)، و الدارمي : فضائل القرآن (3391)}.
وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" { ابن ماجه : المقدمة (215)، وأحمد (3/127)} رواه أحمد والنسائي.




باب ما جاء في تقديم أهل القرآن وإكرامهم



كان القراء أصحاب مجلس عمر، كهولا كانوا أو شبانا. وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا" { مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (673)، والترمذي : الصلاة (235)، وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (980)، وأحمد (4/117، 4/121، 5/272)}.
وفي رواية: "سلما، ولا يؤمّنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه"{ مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (673)} رواه مسلم.
وللبخاري عن جابر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: "أيهما أكثر أخذا للقرآن؟" { البخاري : الجنائز (1343)، والترمذي : الجنائز (1036)، والنسائي : الجنائز (1955)، وأبو داود : الجنائز (3138)}فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد.
وعن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان" { أبو داود : الأدب (4843)} حديث حسن رواه أبو داود.



باب وجوب تعلم القرآن وتفهمه واستماعه والتغليظ على من ترك ذلك



وقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } [ سورة الأنعام آية : 25] ، وقال تعالى: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ } [سورة الأنفال آية : 22] ، وقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } [سورة طه آية : 124].
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" { البخاري : العلم (79)، ومسلم : الفضائل (2282)، وأحمد (4/399)}أخرجاه.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون" { أحمد (2/165)} رواه أحمد.




باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين



وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ } [سورة محمد آية : 16] الآية، وقوله عز وجل:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا } [سورة الأعراف آية : 179] الآية.
عن أسماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تفتنون في قبوركم كفتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال، يؤتى أحدكم، فيقال: ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا ; فيقال: نم صالحا، فقد علمنا إنك لمؤمن ; وأما المنافق والمرتاب، فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته" { البخاري : العلم (86)، ومسلم : الكسوف (905)، وأحمد (6/345)، ومالك : النداء للصلاة (447)} أخرجاه.
وفي حديث البراء في الصحيح: "إن المؤمن يقول: هو رسول الله، ويقال له: فما علمك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت". { وانظر الحديث بطوله في تفسير ابن كثير آية 27 من سورة إبراهيم}.




باب قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [سورة البقرة آية : 78] الآية



وقوله:{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [سورة الجمعة آية : 5] الآية. عن أبي الدرداء قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشخص بصره إلى السماء فقال: هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدرون على شيء منه، فقال زياد بن لبيد: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن ؟ فوالله لنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم ؟" رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عليه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [سورة البقرة آية : 164] إلى قوله: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [سورة آل عمران آية : 191] قال: "ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها" رواه ابن حبان في صحيحه.




باب إثم من فجر بالقرآن



وقوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } [سورة البقرة آية : 26] ، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [سورة المائدة آية : 44] ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [سورة البقرة آية : 174] الآية .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج في هذه الأمة" { البخاري : استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6931)، ومسلم : الزكاة (1064)}ولم يقل منها "قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وحلوقهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر إلى نصله، إلى رصافه، فيتمارى في فوقه، هل علق به من الدم شيء ؟" { البخاري : استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6931)، ومسلم : الزكاة (1064)، وأحمد (3/60، 3/65)} أخرجاه وفي رواية: "يقرؤون القرآن رطبا" .
وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين ; وللترمذي وحسنه، عن أبي هريرة مـرفوعا: "من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" { الترمذي : العلم (2649)، وأبو داود : العلم (3658)، وأحمد (2/344)} .




باب إثم من راءى بالقرآن



عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، فقال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار" {مسلم : الإمارة (1905)، والترمذي : الزهد (2382)، والنسائي : الجهاد (3137)، وأحمد (2/321)} رواه مسلم.




باب إثم من تأكل بالقرآن


عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله عز وجل قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يستعجلونه ولا يتأجلونه" { أبو داود : الصلاة (830)، وأحمد (3/357)} رواه أبو داود، وله معناه من حديث سهل بن سعد. وعن عمران: أنه مر برجل يقرأ على قوم، فلما فرغ سأله ; فقال عمران: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله تبارك وتعالى، فإنه سيجيء قوم يقرؤون القرآن يسألون به الناس" { الترمذي : فضائل القرآن (2917)، وأحمد (4/432)} رواه أحمد والترمذي.




باب الجفاء عن القرآن



عن سمرة بن جندب في حديث الرؤيا الطويل، مرفوعا، قال: "أتاني الليلة اثنان فذهبا بي، قالا: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان. ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، فقلت لهما: سبحان الله ما هذا ؟ ! قالا: هذا رجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة"{ البخاري : التعبير (7047)، وأحمد (5/14)}وفي رواية: "الذي يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة" { البخاري : التعبير (7047)}رواه البخاري.
ولمسلم عن أبي موسى أنه قال لقراء البصرة: "اتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم"، وعن ابن مسعود قال: " إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم".



باب من ابتغى الهدى من غير القرآن



وقول الله عز وجل {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [سورة الزخرف آية : 36] الآيتين، وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } [سورة النحل آية : 89] الآية .
وعن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى "خما"، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد أيها الناس، إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول من ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" { مسلم : فضائل الصحابة (2408)، وأحمد (4/366)، والدارمي : فضائل القرآن (3316)} فحث على كتاب الله ورغب فيه، قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي" { مسلم : فضائل الصحابة (2408)، وأحمد (4/366)، والدارمي : فضائل القرآن (3316)} وفي لفظ "أحدهما هو كتاب الله، حبل من الله، من تبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة"{ مسلم : فضائل الصحابة (2408)}رواه مسلم.
وله عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب، يقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"{ مسلم : الجمعة (867)، والنسائي : صلاة العيدين (1578)، وابن ماجه : المقدمة (45)، وأحمد (3/371)}.
وعن سعد بن مالك قال: "نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا يا رسول الله: لو قصصت علينا ؟ فأنزل الله عز وجل{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } آية [سورة يونس : 1] الآية . فتلاه عليهم زمانا"، رواه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن.
وله عن المسعودي عن القاسم: "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة، فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فنَزلت: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً } [سورة الزمر آية : 23] ثم ملوا ملة، فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله عز وجل:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [سورة الحديد آية : 16]" ورواه عبيد عن بعض التابعين، وفيه: "فإن طلبوا الحديث دلهم على القرآن".
وكان معاذ بن جبل، يقول في مجلسه كل يوم - قل ما يخطئه أن يقول ذلك -: "الله حكم قسط، هلك المرتابون، إن وراءكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والمرأة والصبي، فيوشك أحدهم أن يقول: قد قرأت القرآن فما أظن أن يتبعوني حتى أبتدع لهم غيره ; فإياكم وما ابتدع! فكل بدعة ضلالة، وإياكم وزيغه الحكيم، وان المنافق قد يقول كلمة الحق، فتلقوا الحق ممن جاء به ; فإن على الحق نورا"، الحديث رواه أبو داود.
وروى البيهقي عن عروة بن الزبير: أن عمر أراد أن يكتب السنن، فاستشار الصحابة، فأشاروا عليه بذلك، ثم استخار الله شهرا، ثم قال: "إني ذكرت قوما كانوا قبلكم، كتبوا كتبا فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا".


باب الغلو في القرآن


فيه: حديث الخوارج المتقدم ; وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم :"ألم أخبر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة؟ قلت: بلى يا رسول الله، ولم أرد بذلك إلا الخير; قال: فصم صوم داود، فإنه كان أعبد الناس، واقرأ القرآن كل شهر. قلت: يا رسول الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال:فاقرأه في كل عشر. قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك; قال: فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك" { البخاري : الجمعة (1153) والصوم (1975، 1976، 1979) وأحاديث الأنبيـاء (3418، 3419) وفضائل القرآن (5052) والأدب (6134)، ومسلم : الصيام (1159)، والنسائي : الصيام (2389، 2392، 2393، 2397، 2400، 2401، 2403)، وأبو داود : الصوم (2427)، وأحمد (2/158، 2/163، 2/187، 2/188، 2/189، 2/198، 2/199، 2/200} .
ولمسلم عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون" { مسلم : العلم (2670)، وأبو داود : السنة (4608)، وأحمد (1/386)}، ولأحمد عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا: "اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به" { أحمد (3/428)} .
وعن أبي رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" { الترمذي : العلم (2663)، وأبو داود : السنة (4605)، وابن ماجه : المقدمة (13)} رواه أبو داود والترمذي.



باب ما جاء في اتباع المتشابه

في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [سورة آل عمران آية : 7] فـقال: "إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم"{ البخاري : تفسير القرآن (4547)، ومسلم : العلم (2665)، وأبو داود : السنة (4598)، وأحمد (6/256)}وقال عمر: "يهدم الإسلام زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وحكم الأئمة المضلين"; ولما سأل صبيغ عمر عن " الذاريات " وأشباهها ضربه عمر، والقصة مشهورة.


باب وعيد من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم


وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [سورة الأعراف آية : 33] إلى قوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } ، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال في القرآن برأيه"{ الترمذي : تفسير القرآن (2951)}، وفي رواية "من غير علم، فليتبوأ مقعده من النار"{ الترمذي : تفسير القرآن (2950)، وأحمد (1/233، 1/269)}رواه الترمذي وحسنه ; وعن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ"{ الترمذي : تفسير القرآن (2951)} رواه أبو داود والترمذي وقال: غريب.



باب ما جاء في الجدال في القرآن


قال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على من يجادل في القرآن، قوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } [سورة غافر آية : 4] ، وقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [سورة البقرة آية : 176] .
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جدال في القرآن كفر" { أبو داود : السنة (4603)، وأحمد (2/258)}رواه أحمد وأبو داود، وإسناده جيد ; وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القرآن، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب"{ مسلم : العلم (2666)}.



باب ما جاء في الاختلاف في القرآن في لفظه أو معناه


وقول الله عز وجل {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } [سورة هود آية : 118-119] الآية، وقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } [سورة البقرة آية : 213] الآية، وفي الصحيح عن ابن مسعود قال: سمعت رجلا يقرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعرف في وجهه الكراهة، فقال: "كلاكما محسن فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"{ البخاري : الخصومات (2410)، وأحمد (1/393)}.
وفيه أيضا عن ابن عمر، قال: هجّرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وسمعت أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب" { مسلم : العلم (2666)} .
وفي المسند عنه، من حديث عمرو بن شعيب، قال: كنا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: لم يقل الله كذا وكذا، وقال بعضهم: لم يقل الله كذا وكذا ; فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: "أبهذا أمرتم أو بهذا بعثتم ؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لم تؤمروا بهذا، فانظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، والذي نهيتم عنه فانتهوا عنه" { أحمد (2/195)} .
وفي رواية: "خرج وهم يتنازعون في القدر" { أحمد (2/195)} وكذا رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وفيه: "خرج ونحن نتنازع في القدرة"{ الترمذي : القدر (2133)}وقال: حسن.



باب إذا اختلفتم فقوموا


في الصحيح عن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفت فقوموا عنه" { البخاري : فضائل القرآن (5060)، ومسلم : العلم (2667)، وأحمد (4/313)، والدارمي : فضائل القرآن (3359، 3360، 3361)}.
ولهما عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده" { البخاري : العلم (114)، ومسلم : الوصية (1637)، وأحمد (1/324)} قال: فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وإن عندنا كتاب الله حسبنا ; وقال بعضهم: بل ائتوا بكتاب، فاختلفوا ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قوموا عني، ولا ينبغي عند نبي تنازع" { البخاري : الجهاد والسير (3053)، ومسلم : الوصية (1637)، وأحمد (1/222)} .
ولمسلم عن ابن مسعود: أنه قرأ سورة يوسف، فقال رجل ما هكذا أنزلت، فقال: "أتكذب بالكتاب؟!?".



باب قول الله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } [سورة الكهف آية : 57] الآية


قال النبي صلى الله عليه وسلم "الكبر بطر الحق وغمط الناس"{ مسلم : الإيمان (91)}، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من أكبر الذنوب عند الله، أن يقول العبد اتق الله، فيقول عليك بنفسك".
وفي الصحيح عن أبي واقد الليثي قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فاعرض الله عنه" { البخاري : العلم (66)، ومسلم : السلام (2176)، والترمذي : الاستئـذان والآداب (2724)، وأحمد (5/219)، ومالك : الجامع (1791)} .
وقال قتادة في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [سورة لقمان آية : 6] الآية :
لعله أن لا يكون أنفق مالا، وبحسب امرىء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.



باب ما جاء في التغني بالقرآن


عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أذن الله لشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن" { البخاري : فضائل القرآن (5024)، ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (792)، والنسائي : الافتتاح (1017، 1018)، وأبو داود : الصلاة (1473)، وأحمد (2/271، 2/284، 2/450)، والدارمي : فضائل القرآن (3490، 3491، 3497)}، وفي رواية: "لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به" أخرجاه، وعن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"{ أبو داود : الصلاة (1471)}رواه أبو داود بسند جيد، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

المصدر:
الدرر السنية (المجلد الثالث عشر).