المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [الشروط الواجب توافرها في الآمر والناهي] لشيخ الأسلام ابن تيمية رحمه الله تعالي



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
14-Jun-2016, 01:27 AM
[الشروط الواجب توافرها في الآمر والناهي]

ولما كان العمل لا بد فيه من شيئين: النية والحركة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدق الأسماء حارث وهمام» فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية؛ لكن النية المحمودة التي يتقبلها الله ويثيب عليها: أن يراد الله بذلك العمل. والعمل المحمود الصالح، وهو المأمور به ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
وإذا كان هذا حد كل عمل صالح؛ فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحا إن لم يكن بعلم وفقه، وكما قال عمر بن عبد العزيز: من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: «العلم إمام العمل والعمل تابعه» وهذا ظاهر. فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا واتباعا للهوى كما تقدم، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما. ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود.
ولا بد في ذلك من الرفق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه» وقال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وبعطي عليه ما لا يعطي على العنف»
ولا بد أيضا أن يكون حليما صبورا على الأذى: فإنه لا بد أن يحصل له أذى؛ فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح: كما قال لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] (سورة لقمان: من الآية 17) . ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالصبر، كقوله لخاتم الرسل؛ بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة؛ فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " بعد أن أنزلت عليه سورة: " اقرأ " التي بها نبئ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ - وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ - وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 1 - 7] (سورة المدثر: الآيات 1-7) . فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، وختمها بالأمر بالصبر، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر، وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] (سورة الطور: من الآية 48) . وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] (سورة المزمل: آية 10) . {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] (سورة الأحقاف: من الآية 35) . {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48] (سورة القلم: من الآية 48) {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] (سورة النحل: من الآية 127) . {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 115] (سورة هود: آية 115) .
فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر. العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مستصحبا
في هذه الأحوال؛ وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، رفيقا فيما ينهى عنه؛ حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه ".
وليعلم أن الأمر بهذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب صعوبة على كثير من النفوس، فيظن أنه بذلك يسقط عنه، فيدعه، وذلك مما يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو أقل؛ فإن ترك الأمر الواجب معصية، فالمنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار، والمنتقل من معصية إلى معصية كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل، وقد يكون الثاني شرا من الأول، وقد يكون دونه، وقد يكونان سواء، فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمعتدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم، وقد يكون ذنب هذا أعظم، وقد يكونان سواء.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الأسلام ابن تيمية رحمه الله تعالي .1 -18