المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإذاعة في الجواب عن استدلالين :



أبو حذيفة سلطان بن ماجد
20-Jun-2016, 02:55 PM
الإذاعةُ في الجوابِ عن استدلالين:
لمن يرجِّح أنَّ الوقتَ بين الفجرين أكثرُ من ربعِ ساعة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:
أخبرني بعضُإخواني أنَّ بعضَمن يرجِّح أنَّ الوقتَبين الفجر الأول (الكاذب) وبين الفجر الثاني (الصادق) قريباً من الساعة، وأنه يستدل على ذلك بحديثين؛ فأحببتُ الجوابَعن هذا الاستدلال وإذاعته من باب تعميم الفائدة.

الاستدلال الأول/
عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: "تسحَّرنا مع رسول الله صلىالله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة" قلتُ (أنس): كم كان قدر ما بينهما؟ قال : "خمسينآية"متفق عليه.
الجواب عنه:
1- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: "وهي قدر ثلث خمسساعة" أي: أربع دقائق (خمس الساعة = 12 دقيقة، وثلث الناتج هذا = 4 دقائق).
2- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله معلِّقاً على كلام ابن حجر السابق: "لكني قرأتُها فبلغتنحو ست دقائق" (تنبيه الأفهام شرح عمدة الأحكام/419).
3- وقال الشيخ عبد العزيزبن باز رحمه الله: "خمسين آية متأنية مرتلة: نحو خمس دقائق أو سبع دقائق إلى عشردقائق" (الإفهام في شرح عمدة الأحكام/391).
4- وقال الشيخ الألباني رحمه الله في تمام المنة: ((إنما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح - الذي يكون قبل دخول الوقت: بنحو ربع ساعة تقريباً - لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : "كان في الأذان الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين")).
ومما يؤكِّد أنَّ (خمسين آية) ليست مدة طويلة؛ ما جاء في صحيح البخاري بسنده: عن عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ تَعْنِي بِاللَّيْلِ فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُوَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ)).
فإذا كانت (الخمسون آية) هي ساعة أو أكثر كما يزعم البعض!؛ فهذا يعني أنَّ السجدة الواحدة = ساعة!، أي إنَّ السجود (فقط!) في الركعتين = 4 ساعة!!، ومعلوم أنَّ الركوع أكثر من السجود، والقيام أكثر من الركوع، فمتى تنتهي صلاة الليل (أحد عشر ركعة) إذن؟!!

الاستدلال الثاني/
حديث: ((لايمنعنَّأحدَكمأوأحداًمنكمأذانُبلالمنسحورهفإنهيؤ ذِّنأويناديبليل...)).
فاحتجَّ من قال بإنَّ وقتَ الفجرِ الأولِ يكون في نصف الليل أو ثلثه أو سدسه أو بمقدار ساعة عن الفجر الثاني بأنَّ بلالاً رضي الله عنه كان يؤذِّن بليل.
والجواب عنه:
قال المحدِّث الكشميري رحمه الله في فيض الباري شرح صحيح البخاري (2/379-380): ((قوله: "إنَّ بلالاً يؤذِّنُ بليلٍ"... إلخ، وفيه مباحث: الأول:....
والثالث: أنهم اختلفوا في وقته؛ فأجازه النوويُّ من نصف الليل!، وهو تطاولٌ محضٌ ليس له مُسْكَةٌ في الأحاديث؛ بل فيه ما يَدُلُّ بخلافه، كما في البخاري: «ولم يكن بين أذانيهما إلا أن يَرْقَى هذا وينزل هذا»، فدلَّ على تقارُب الأذانين جدًا. ومنه سَقَطَ تأويلُه (تأويل النووي للحديث): "أنَّ بلالاً كان يُؤَذِّن قبل الفجر ويتربَّص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يَرْقُبُ الفجرَ، فإذا قارب طلوعه (نَزَلَ)، فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهَّب ابن أم مكتوم بالطهارة، ثم (يَرْقَى) ويَشْرَعُ في الأَذان مع أول طلوع الفجر" اهـ!!.
وأنتَ تَعْلَمُ أنه لم يَحْتَجْ إلى هذا التصوير البعيد؛ إلا أنه لَمَّا التزم جوازه من نصف الليل، - كان الحديث يَدُلُّ على شدَّة التقارُب بينهما - حَمَلَه على أنه كان يُؤَذِّن بليلٍ، وكان يَجْلِسُ هناك ليصادف نزولُ هذا صعودَ هذا!، فيَصْدُق التقارب، وكأنه كان بصدد الجمع بين ما اختاره وبين تعبير عائشة رضي الله عنها في شدَّة التعجيل، فلم يكن يَنْزِلُ حتى يجيءَ وقتُ أذان ابن أم مكتوم، ثم كان يَنْزِلُ بحيث يَقَعُ أذانُ ابن أم مكتوم في أول الطلوع، لئلا يُخَالِفَ مسألة التغليس أيضًا، وهذا كلُّه إنما يمشي إذا أخذ التقارُب فيه بين النزول والصعود.
وقد عَلِمْتَ من متن البخاري ما بين الأذانين، فدَلَّ على قلة الفاصلة بين الأذانين جدًا، ولذا قال السُّبْكي: "إنَّ وقتَ الأذان الأول من سدس الليل: بعد طُلُوعِ الصبح الكاذب" وصحَّحه. وإنما عبَّره ابن عمر رضي الله عنه بالليل توسُّعًا لبقاء بعض الظلمة بَعْدُ، فَحَمَلَه على الليل حقيقةً، ولعلَّ النوويَّ ذَهَبَ إليه، لأنَّ رَأَى وقتَ العشاء إلى النصف بلا كراهة، فَجَعَلَ أذان الفجر في النصف الثاني، لأنَّ هذا الأذان عندهم للفجر، فلا يكون إلا بعد انقضاء وقت العشاء، وهو إلى النصف بدون كراهة. قلت: فهلا جَعَلَ للعشاء والفجر أذانًا واحدًا؟!! فإنه إذا قدَّمه إلى النصف فما بعده أيسر.
والذي تَدُلُّ عليه الأحاديث: هو تقارب الأذانين جدًا، حتى بالغت فيه عائشةُ رضي الله عنها، قالت: «لم يكن بين أذانيهما»... إلخ.
وهذا أيضًا مبالغة منها، ولم تُرِدِ الفاصلة بقدر هذا فقط، بل أرادت بيان شدَّة التقارُب بينهما.
فإن كان حنفيٌّ يريد أن يَجْمَدَ على ظاهر تعبيرها ويشدِّد على الشافعية؛ فليس بسديدٍ، فإنَّ الشيءَ من باب المحاورات، والأخذ فيه بمثله: أخذٌ بكل حشيشٍ)).
أقول:
مما يدلُّ على أنَّ الفاصل بين الفجر الأول (الكاذب) وبين الفجر الثاني (الصادق) متقاربٌ جداً كما قال الكشميري - بحيث يقع الأول في آخر الليل، ويقع الثاني في أول الصبح - أمور:
الأول:العلامات التي جاءت في النصوص للتفريق بين الفجرين:
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه أربع روايات عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- ((لا يغرنَّ أحدكم نداءُ بلال من السحور، ولا هذا البياض؛ حتى يستطير)).
- ((لا يغرنَّكم أذان بلال، ولا هذا البياض - لعمود الصبح - حتى يستطير هكذا)).
- ((لا يغرنَّكم من سحوركم أذانُ بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا؛ حتى يستطير هكذا)) وحكاه راوي الحديث بيديه قال: يعني معترضاً.
- ((لا يغرنكم نداءُ بلال، ولا هذا البياض؛ حتى يبدو الفجر - أو قال - حتى ينفجر الفجر)).
وعند الإمامين أحمد والترمذي رحمهما الله بلفظ: ((لا يمنعنَّكم من سحوركم أذانُ بلال، ولا الفجر المستطيل؛ ولكن الفجر المستطير في الأفق)).
وأخرج الحاكم والبيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فجر يقال له ذنب السرحان وهو الكاذب يذهب طولاً ولا يذهب عرضاً، والفجر الآخر يذهب عرضاً ولا يذهب طولاً)).
أخرج الإمام ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة، وأما الثاني فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)).
وفي حديث آخر: ((الفجر فجران؛ فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)).
وعن قيس بن طلق حدثني أبي طلق بن علي رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلوا واشربوا ولا يهيدنَّكم الساطع المصعَّد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)) رواه الترمذي وقال بعده: "والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض؛ وبه يقول عامة أهل العلم".
وعند أحمد بلفظ: ((ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر)).
وعند ابن خزيمة: ((كلوا واشربوا ولا يغرنَّكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)).
ومعنى: (ولا يهيدنكم) أي: لا يزعجنَّكم فتمتنعوا عن السحور، و(الساطع المصعَّد) أي: الصبح الذي أول ما ينشق يسطع مرتفعاً طولاً قبل أن يعترض ممتداً بالأفق.
هذه الأحاديث تبين بوضوح الفرق بين الفجر الكاذب والبياض المستطيل والفجر الصادق والأحمر المعترض:
فهل من يختار أنَّ وقت الفجر الأول يكون قبل الفجر الثاني بساعة أو أكثر يرى علامات الفجر الكاذب (البياضُ الساطع المصعَّد الذي يذهب طولاً كذنب السَّرحان) أم إنه يرى ظلمة شديدة لا بياض فيها أصلاً؟!
مع العلم؛ إنَّ المتأمَّل في سياق هذه الأحاديث يصل إلى نتيجة حتمية إلى: أنَّ الفجرين متقاربان لأنَّ علاماتهما متتابعة، أحدهما يتبع الآخر، وهذا يدل على عدم وجود فاصل طويل بينهما حتماً.
الثاني: إنَّ المقصود من الأذان بالفجر الأول هو إيقاظ النائم وإدراك القائم والتأهب للسحور؛ أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعنَّ أحدَكم أو أحداً منكم أذانُ بلال من سحوره فإنه يؤذِّن أو ينادي بليل: ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم، وليس أن يقول: الفجر أو الصبح))، وقال بأصابعه: ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل، ((حتى يقول هكذا))، وقال زهير راوي الحديث: بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله.
فهل مثل هذه المقاصد تحتاج إلى وقت ساعة أو أكثر؟!
إنَّ هذا الوقت (ساعة فأكثر) يكفي لإدراك القيام في أفضل وقته وهو ثلث الليل الأخير لا لمجرد إرجاع القائم، وقد يكفي لذبح شاة وطبخ قطعة لحم منها وأكلها لا لمجرد عدم فوات السحور، وقد يؤدي إلى إرجاع المستيقظ إلى نومه أو غفوته بسبب السهر والتعب وانتظار إقامة صلاة الفجر؛ مما يؤدي بالتالي إلى إضاعة صلاة الفجر، وهذا خلاف المقصود كما تقدَّم.
الثالث:إنَّ الأحاديث المتقدِّمة أشارت ونبَّهت إلى عدم الاغترار والانزعاج بأذان بلال رضي الله عنه، هذا الاغترار الذي قد يؤدي إلى الامتناع من الأكل والشرب عند بعض الناس. فإذا كان الفاصل بين الأذان الأول وبين الأذان الثاني للفجر كثيراً أو طويلاً كساعة فأكثر؛ فهذا يلزم منه عدم حصول الاغترار أصلاً، وبالتالي عدم الحاجة إلى التنبيه، بل قد يكون التنبيه بعدم الاغترار في مثل هذه الصورة من باب اللغو وما لا فائدة منه، والشرع منزهٌ من ذلك قطعاً.
الرابع:إنَّ من يحتج بلفظة "إنَّ بلال يؤذِّن بليل" على إنَّ وقت الأذان الأول بعيدٌ بفاصل طويل من الأذان الثاني لكونه يقع بليل، لا يمكنه أن يحدد وقته المختار بحجة أو برهان يمنع غيره ممن يزيد عليه أو ينقص من المعترضين أو المخالفين، لأنَّ الليل يبدأ من غروب قرص الشمس وينتهي بطلوع الفجر الصادق، فأين الدليل الشرعي - الملزم للمخالف والدافع للمعترض - في كون الأذان الأول في ثلث الليل الأول أو في نصفه أو في ثلث الليل الآخر أو في سدسه على ما يختاره القائل؟!
لا دليل إلا مجرد أقوال فقهاء المذهب!
ومعلوم أنَّ الحجة عند الاختلاف بالدليل لا بنقل مصدره (قال... وقيل)، وكلام العلماء يحتج له لا يحتج به، وكلامهم يقبل منه ما وافق الدليل ويرد ما خالفه.
كما إنَّ الحديث حجة بنفسه وفهم الصحابي مقدَّم على غيره؛ ولا يدفع بقول عالم متأخر عنه ولا بكثرة فقهاء أو جمهور.
قال العلامة ابن قيَّم الجوزية رحمه الله في كتابه [الروح 264]: ((فصل؛ والفرق بين تجريد متابعة المعصوم وإهدار أقوال العلماء وإلغائها: أنَّ تجريد المتابعة أنْ لا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائناً من كان، بل تنظر في صحة الحديث أولاً، فإذا صحَّ لك، نظرت في معناه ثانياً؛ فإذا تبين لك: لم تعدل عنه ولو خالفك مَنْ بين المشرق والمغرب.
ومعاذ الله أن تتفق الأمة على مخالفة ما جاء به نبيها صلى الله عليه وسلم؛ بل لا بدَّ أن يكون في الأمة مَنْ قال به ولو لم تعلمه، فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله؛ بل اذهبْ إلى النص ولا تضعف، وأعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك.
هذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه؛ فهم دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة، ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها بشبهة أنه أعلم بها منك!؛ فإن كان كذلك: فمن ذهب إلى النص أعلم به منك، فهلا وافقته إن كنت صادقاً؟!.
فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها بها وخالف منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم ولم يهضم جانبهم؛ بل اقتدى بهم، فإنهم كلهم أمروا بذلك، فمتبعهم حقاً مَنْ امتثل ما أوْصَوا به، لا مَنْ خالفهم، فخلافهم في القول الذي جاء النص بخلافه أسهل من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا ودعوا إليها من: تقديم النص على أقوالهم.
ومن هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كلَّ ما قال وبين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه:
فالأول: يأخذ قوله من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة؛ بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلِّده به، ولذلك سمى تقليداً.
- بخلاف ما استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول، فإذا وصل إليه استغنى بدلالته عن الاستدلال بغيره، فمن استدل بالنجم على القبلة؛ فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى.
قال الشافعي: "أجمع الناس على أنَّ من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد")).

أقول: ولعلَّ البعض يصعب عليه أحياناً أن يرجع عن قوله الذي تبيَّن له خطؤه فيه بسبب انتشاره بين الناس أو لكون المنتقد له ممن لا يحبه ولا يستمع له ولا يأخذ بقوله، فمثل هذا عليه أن يتأمَّل في هذه الكلمة الصادقة التي خرجت من قلب هذا العلامة قبل أن يخطها بنانه:
قال العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله في "القائد إلى تصحيح العقائد":
((وبالجملة: فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جربتُ نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذاك الخادش، وتنازعني نفسي إلى تكلُّف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررتُ ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرتُ أهوى صحته، هذا مع أنه لا يعلم بذلك أحدٌ من الناس.
- فكيف إذا كنتُ قد أذعتـُه في الناس ثم لاح لي الخدش؟!
- فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر أعترض عليَّ به؟!!
- فكيف إذا كان المعترض ممن أكرهه؟!!!.
هذا ولم يكلَّف العالمُ بأن لا يكون له هوى، فإنَّ هذا خارج عن الوسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتِّش نفسه عن هواها حتى يعرفه ثم يحترز منه، ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق فإن بان له أنه مخالف لهواه: آثر الحق على هواه)).

والله الموفِّق
كتبه
أبو معاذ رائد آل طاهر