أبو بكر يوسف لعويسي
21-Jun-2016, 09:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج ، الحمد لله الذي يريد بنا اليسر ولا يريد العسر حمدا يلقي بجلاله وكماله وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين الذي كان يرجو أن يخفف على أمته وييسر عليها في كل عبادة فقد كان دائما يجتنب المشقة على لا يفرض على أمته ذلك الأمر ، وكان يقول : لولا المشقة لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، وأن يحب ا نياتي العبد الرخصة كما يأتي العزيمة ولا يتكلف العناء ويعذب نفسه ، صل الله عليه على آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
اعلم – رحمني الله وإياك- أن شأن البدعة إذا انتشرت خطير ويصعب على من تعود عليها وتلبس بها وانغمس قلبه فيها وذاق زينتها التي أعجبته فظنها الحق الذي لا يجوز مخالفته ، وهذا شأن كثير من البدع ، ومن ذلك بدعة الاحتياط في الإمساك قبل طلوع الفجر الصادق حتى أصبح عامة النّاس يعتقدون أنه يجب الإمساك قبل آذان الفجر الصادق بربع ساعة فأكثر وأن من أكل قريب من الآذان واستمر مع الآذان فهو مفطر يومه وصومه باطل وعليه الكفار ، بل حتى أفتى بذلك بعض أهل العلم وهذه بدعة قديمة ممن ينتسبون للمذاهب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (4/199)من البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام ، زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العادة ، فلا يعلم بذلك إلا آحاد النّاس ، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت – زعموا – فأخروا الفطر وعجلوا السحور ، وخالفوا السنة ، فلذلك قلّ عنهم الخير وكثر فيهم الشر ، والله المستعان .انتهى كلامه .
فأنت ترى أن هذه البدعة ليست جديدة بل هي قديمة ، ولم يتوقفوا عند ذلك الحد حتى استنكروا بقوة على من يتجاوز تلك البدعة إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى كادوا يكفروه .
فقد ثبت عنه أنه أباح للرجل أن يقضي حاجته إذا كان الإناء في يده والمؤذن يؤدن للفجر الصادق وكذلك الأكل استمرارا وليس أنه يبتدئ الأكل في ذلك الوقت ، هذا إذا كان يؤذن للوقت عملا بحديث: (( إن بلال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أمي مكتوم )) .
فكيف إذا ثبت لكل عاقل اليوم أن الآذان يقدم عن وقته الشرعي بأكثر مما قاله الحافظ ابن حجر مع اختلاف في قدر تأخيره حسب الفصول.
ففي سنن أبي داود(2/304) : بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ.
2350- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» وأخرجه الدارقطني(2182) وقال : قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَسْنَدَهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، كَمَا قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى.والحاكم(1/320) (729)وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن صحيح، ومحمد بن عمرو - وهو ابن علقمة الليثي -
صدوق حسن الحديث ، لكنه قد توبع. وحمّاد: هو ابن سلمة البصري، وأبو سلمة : هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه أحمد في مسنده (9474) و (10629)، والبيهقي في "الكبرى" 4/ 218 من طرق عن حمّاد بن سلمة. بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (10630)، والطبري (2/ 175) وابن حزم في المحلى( 6/ 232)، والبيهقي (4/ 218) من طريقين عن حماد بن سلمة، عن عمّار ابن أبي عمّار، عن أبي هريرة. وإسناده صحيح.
وعن أبي أمامة عند الطبري في تفسيره( 2/ 175)، وإسناده حسن في الشواهد أيضاً.
قال العلامة الألباني رحمه الله – في صحيح أبي داود (7/115)(2035) (قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي وعبد الحق الإشبيلي، واحتج به ابن حزم) .انتهى كلامه .
والمقصود بالنداء هو آذان الفجر الصادق الذي يحرم الأكل ابتداء وليس استمرارا ويبيح الصلاة بدليل الزيادة التي رواها أحمد (2/510) حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ: ((وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الْفَجْرُ )) عقب الحديث .
وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وعمار بن أبي عمار من رجال مسلم.
وأخرجه الطبري في تفسيره (2/102) ، وابن حزم في المحلى" 6/232، والبيهقي 4/218 من طريق روح بن عبادة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم 1/203 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، به.
وانظر ما قبله.
قوله: (( وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر)) هو من قول عمار بن أبي عمار كما في رواية ابن حزم.
ويشهد لهذا المعنى ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه قال : قال: أقيمت الصلاة والإناءُ في يد عمر، قال: أشرَبُها يا رسول الله؟ قال: نعم!، فشربها)) الحديث: رواه الطبري ترقيم أحمد شاكر (3017) بإسنادين وبعد أن ذكرهما وما فيهما قال (3/527) وهذا الحديث صحيح الإسناد. ولم أجده في غير هذا الموضع من تفسير الطبري.
وقال الشيخ الألباني - رحمه الله -أخرجه ابن جرير (3 / 527 / 3017) بإسنادين عنه وهذا إسناد حسن.
فالحديث صحيح بمجموع الطرق لا غبار عليه ، أما من ناحية الفقه :
فقال الشيخ الألباني- رحمه الله - في تمام المنة (1/417) ومن مباحات الصيام :
قوله تحت هذا العنوان: " ... فإذا طلع الفجر وفي فمه طعام وجب عليه أن يلفظه ... ".
قلت ( أي الألباني ): هذا تقليد لبعض الكتب الفقهية وهو مما لا دليل عليه في السنة المحمدية بل هو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:
((إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)).
أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه هو والذهبي وأخرجه ابن حزم وزاد:
"قال عمار يعني: ابن أبي عمار راويه عن أبي هريرة: وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر".
قال حماد يعني: ابن سلمة عن هشام بن عروة: كان أبي يفتي بهذا.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.وله شواهد ذكرتها في "التعليقات الجياد" ثم في "الصحيحة" ( 1394).
وفيه دليل على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه فهذه الصورة مستثناة من الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث ولا إجماع يعارضه بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق راجع "الفتح (4 / 109 – 110).
لأن من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة؟ لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحرون ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة. فتأمل.
وقال في الضعيفة (13/1018): تحت حديث (6452 ) (كَانَ يَتَسَحَّرُ، فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!فَسَكَتَ فَلَمْ يرْجعْ شَيْئاً، (وفي رواية: فَثَبَتَ كما هو يأكلُ، ثم أتاه .فقال: الصلاةَ! [وهو] على حالِه) . فَرَجَعَ بِلَالٌ [الثالثة] فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَدْ [والله!] أَصْبَحْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( رَحِمَ اللَّهُ بِلَالاً، لَوْلَا بِلَالٌ، لَرَجَوْتُ أَنْ يُرَخَّصَ لَنَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) . ضعيف.
وبعد تخريجه قال : وأنا أرى أن الجواز إذا كان المقصود به ابتداء الأكل بعد طلوع الفجر الصادق،
فليس عليه دليل صحيح صريح، وأنه على افتراض ثبوته، فآية: {من الفجر}
وحديث: "حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، يكفي في إثبات النسخ.
أما أن كان المقصود جواز الاستمرار في الأكل وقد ابتدأه قبل طلوع الفجر، فهو جائز لصريح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه )).
وهو حديث صحيح، مخرج في بعض كتبي منها "الصحيحة" (1394) ،وكان يفتي به عروة بن الزبير. فراجع له من أجل الناحية الفقهية كتابي "تمام المنة"(ص 417 - 418) .
فالحديث هذا ليس منسوخاً، لأنه خاص في الصورة المذكورة، فهو مبين للآية والحديث المقرون معها. فتنبه!
والحمد لله رب العالمين .
الحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج ، الحمد لله الذي يريد بنا اليسر ولا يريد العسر حمدا يلقي بجلاله وكماله وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين الذي كان يرجو أن يخفف على أمته وييسر عليها في كل عبادة فقد كان دائما يجتنب المشقة على لا يفرض على أمته ذلك الأمر ، وكان يقول : لولا المشقة لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، وأن يحب ا نياتي العبد الرخصة كما يأتي العزيمة ولا يتكلف العناء ويعذب نفسه ، صل الله عليه على آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
اعلم – رحمني الله وإياك- أن شأن البدعة إذا انتشرت خطير ويصعب على من تعود عليها وتلبس بها وانغمس قلبه فيها وذاق زينتها التي أعجبته فظنها الحق الذي لا يجوز مخالفته ، وهذا شأن كثير من البدع ، ومن ذلك بدعة الاحتياط في الإمساك قبل طلوع الفجر الصادق حتى أصبح عامة النّاس يعتقدون أنه يجب الإمساك قبل آذان الفجر الصادق بربع ساعة فأكثر وأن من أكل قريب من الآذان واستمر مع الآذان فهو مفطر يومه وصومه باطل وعليه الكفار ، بل حتى أفتى بذلك بعض أهل العلم وهذه بدعة قديمة ممن ينتسبون للمذاهب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (4/199)من البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام ، زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العادة ، فلا يعلم بذلك إلا آحاد النّاس ، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت – زعموا – فأخروا الفطر وعجلوا السحور ، وخالفوا السنة ، فلذلك قلّ عنهم الخير وكثر فيهم الشر ، والله المستعان .انتهى كلامه .
فأنت ترى أن هذه البدعة ليست جديدة بل هي قديمة ، ولم يتوقفوا عند ذلك الحد حتى استنكروا بقوة على من يتجاوز تلك البدعة إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى كادوا يكفروه .
فقد ثبت عنه أنه أباح للرجل أن يقضي حاجته إذا كان الإناء في يده والمؤذن يؤدن للفجر الصادق وكذلك الأكل استمرارا وليس أنه يبتدئ الأكل في ذلك الوقت ، هذا إذا كان يؤذن للوقت عملا بحديث: (( إن بلال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أمي مكتوم )) .
فكيف إذا ثبت لكل عاقل اليوم أن الآذان يقدم عن وقته الشرعي بأكثر مما قاله الحافظ ابن حجر مع اختلاف في قدر تأخيره حسب الفصول.
ففي سنن أبي داود(2/304) : بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ.
2350- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» وأخرجه الدارقطني(2182) وقال : قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَسْنَدَهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، كَمَا قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى.والحاكم(1/320) (729)وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن صحيح، ومحمد بن عمرو - وهو ابن علقمة الليثي -
صدوق حسن الحديث ، لكنه قد توبع. وحمّاد: هو ابن سلمة البصري، وأبو سلمة : هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه أحمد في مسنده (9474) و (10629)، والبيهقي في "الكبرى" 4/ 218 من طرق عن حمّاد بن سلمة. بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (10630)، والطبري (2/ 175) وابن حزم في المحلى( 6/ 232)، والبيهقي (4/ 218) من طريقين عن حماد بن سلمة، عن عمّار ابن أبي عمّار، عن أبي هريرة. وإسناده صحيح.
وعن أبي أمامة عند الطبري في تفسيره( 2/ 175)، وإسناده حسن في الشواهد أيضاً.
قال العلامة الألباني رحمه الله – في صحيح أبي داود (7/115)(2035) (قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي وعبد الحق الإشبيلي، واحتج به ابن حزم) .انتهى كلامه .
والمقصود بالنداء هو آذان الفجر الصادق الذي يحرم الأكل ابتداء وليس استمرارا ويبيح الصلاة بدليل الزيادة التي رواها أحمد (2/510) حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ: ((وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الْفَجْرُ )) عقب الحديث .
وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وعمار بن أبي عمار من رجال مسلم.
وأخرجه الطبري في تفسيره (2/102) ، وابن حزم في المحلى" 6/232، والبيهقي 4/218 من طريق روح بن عبادة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم 1/203 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، به.
وانظر ما قبله.
قوله: (( وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر)) هو من قول عمار بن أبي عمار كما في رواية ابن حزم.
ويشهد لهذا المعنى ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه قال : قال: أقيمت الصلاة والإناءُ في يد عمر، قال: أشرَبُها يا رسول الله؟ قال: نعم!، فشربها)) الحديث: رواه الطبري ترقيم أحمد شاكر (3017) بإسنادين وبعد أن ذكرهما وما فيهما قال (3/527) وهذا الحديث صحيح الإسناد. ولم أجده في غير هذا الموضع من تفسير الطبري.
وقال الشيخ الألباني - رحمه الله -أخرجه ابن جرير (3 / 527 / 3017) بإسنادين عنه وهذا إسناد حسن.
فالحديث صحيح بمجموع الطرق لا غبار عليه ، أما من ناحية الفقه :
فقال الشيخ الألباني- رحمه الله - في تمام المنة (1/417) ومن مباحات الصيام :
قوله تحت هذا العنوان: " ... فإذا طلع الفجر وفي فمه طعام وجب عليه أن يلفظه ... ".
قلت ( أي الألباني ): هذا تقليد لبعض الكتب الفقهية وهو مما لا دليل عليه في السنة المحمدية بل هو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:
((إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)).
أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه هو والذهبي وأخرجه ابن حزم وزاد:
"قال عمار يعني: ابن أبي عمار راويه عن أبي هريرة: وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر".
قال حماد يعني: ابن سلمة عن هشام بن عروة: كان أبي يفتي بهذا.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.وله شواهد ذكرتها في "التعليقات الجياد" ثم في "الصحيحة" ( 1394).
وفيه دليل على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه فهذه الصورة مستثناة من الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث ولا إجماع يعارضه بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق راجع "الفتح (4 / 109 – 110).
لأن من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة؟ لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحرون ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة. فتأمل.
وقال في الضعيفة (13/1018): تحت حديث (6452 ) (كَانَ يَتَسَحَّرُ، فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!فَسَكَتَ فَلَمْ يرْجعْ شَيْئاً، (وفي رواية: فَثَبَتَ كما هو يأكلُ، ثم أتاه .فقال: الصلاةَ! [وهو] على حالِه) . فَرَجَعَ بِلَالٌ [الثالثة] فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَدْ [والله!] أَصْبَحْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( رَحِمَ اللَّهُ بِلَالاً، لَوْلَا بِلَالٌ، لَرَجَوْتُ أَنْ يُرَخَّصَ لَنَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) . ضعيف.
وبعد تخريجه قال : وأنا أرى أن الجواز إذا كان المقصود به ابتداء الأكل بعد طلوع الفجر الصادق،
فليس عليه دليل صحيح صريح، وأنه على افتراض ثبوته، فآية: {من الفجر}
وحديث: "حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، يكفي في إثبات النسخ.
أما أن كان المقصود جواز الاستمرار في الأكل وقد ابتدأه قبل طلوع الفجر، فهو جائز لصريح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه )).
وهو حديث صحيح، مخرج في بعض كتبي منها "الصحيحة" (1394) ،وكان يفتي به عروة بن الزبير. فراجع له من أجل الناحية الفقهية كتابي "تمام المنة"(ص 417 - 418) .
فالحديث هذا ليس منسوخاً، لأنه خاص في الصورة المذكورة، فهو مبين للآية والحديث المقرون معها. فتنبه!
والحمد لله رب العالمين .