المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قول الإمام الشافعي رحمه الله المشهور في سورة العصر (ووقفة مع الرازحي في تحقيقه للأصول الثلاثة)



عزالدين بن سالم أبوزخار
03-Aug-2016, 08:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فقد اشتهر عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله في سورة العصر: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم) وذلك لأن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكره في كتابه ((الأصول الثلاثة))، ولا يخفي أن هذا الكتاب بارك الله عز وجل فيه حيث وُضِعَ له القبول في الأرض، فلا تكاد تسمع أحدا من أهل العلم والفضل في الغالب إلا درس هذا الكتاب.
قول الإمام الشافعي رحمه الله بهذا اللفظ الذي اشتهر بعد البحث - على قصور وضعف مني - قد ذكره بلفظ مختصر وقريب جدًا من لفظ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه ((الأصول الثلاثة)) الإمام برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله في كتابه ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) قال: قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: (إنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم).
وباللفظ الذي ذكره البقاعي رحمه الله جاء ذِكره عند إسماعيل حقي الخلوتي البروسوي في كتابه التفسير الموسوم بـ ((روح البيان في تفسير القرآن)) قال: روي عن الشافعي رحمه الله: (أنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم).
هكذا كل منهما ذكره بلا سند ولم يعزه لأحد.
وجاء هذا الأثر عن الإمام الشافعي رحمه الله بألفاظ قريبة عن جمع من أهل العلم ذكروه في كتبهم، جمعت ما استطعت إليه سبيلا، أقدم لكم ما وجدت:
ومن أقدم ما وقفت عليه كتاب ((رياض الصالحين)) للنووي رحمه الله جاء لفظه: قال الإمام الشافعي - رحمه الله - كلاما معناه: (إن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة) وقال النووي رحمه الله في ((المجموع شرح المهذب)): وقال رحمه الله: (الناس في غفلة عن هذه السورة) وقال النووي رحمه الله في ((تهذيب الأسماء)): (وقال: الناس في غفلة عن هذه السورة: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}).
ثم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه ((الاستقامة)) قال: وروى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: (لو فكر الناس كلهم في سورة العصر لكفتهم) وهو كما قال، وفي كتابه ((مجموع الفتاوى)) قال: وروى عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: (لو فكر الناس كلهم في سورة والعصر لكفتهم).
وبلفظ قريب جدًا للفظ شيخ الإسلام رحمه الله جاء في كتاب ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم رحمه الله قال: قال الشافعي رضي الله عنه: (لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم) وله أيضًا في كتاب ((التبيان في أقسام القرآن)) بلفظ قال الشافعي رحمه الله: (لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم) وفي كتاب ((إغاثة اللهفان)) قال الشافعي رحمه الله: (لو فكر الناس في سورة والعصر لكفتهم) وفي كتاب ((عدة الصابرين)) قال الشافعي: (لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم).
وذُكِرَ أنه أيضا في كتاب ((السماع)) لابن القيم رحمه الله.
وبلفظ آخر جاء عند ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) قال الشافعي رحمه الله: (لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم).
ومن خلال هذا الجمع تبين وتلخص لي:
أولًا: لم أجد أثر الإمام الشافعي رحمه الله في كُتِبِه وهذا ما توصل إليه محقق كتاب ((الأصول الثلاثة))، ولا عن أحد ترجم له غير الإمام النووي رحمه الله في ((تهذيب الأسماء)).
ثانيًا: هذا الأثر لم أجد له سندًا وهذا ما توصل إليه محقق كتاب ((الأصول الثلاثة)).
ثالثًا: أقدم من وجدت من أهل العلم ذكره هو الإمام النووي رحمه الله في كتابه ((رياض الصالحين)) وفي ((المجموع شرح المهذب)) وكذلك في ((تهذيب الأسماء)).
رابعًا: الإمام النووي رحمه الله نقل كلام الإمام الشافعي رحمه الله بالمعنى كما قال في كتابه ((رياض الصالحين)): قال الإمام الشافعي - رحمه الله - كلاما معناه ... ثم ساق الأثر.
خامسًا: أقدم من وجدت من أهل العلم ذكره باللفظ المشهور الذي ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أقدمهم هو الإمام البقاعي رحمه الله في كتابه ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)).
سادسًا: إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكره بصيغة التمريض، وكذلك إسماعيل حقي رحمه الله في كتابه التفسير.
سابعًا: إن الإمام محمدا بن عبد الوهاب رحمه الله نقله في كتابه ((الأصول الثلاثة)) عن أحد أهل العلم؛ وأما قول محقق كتاب ((الأصول الثلاثة)) علي الرازحي (ص 6) ط دار الآثار: ((ذكرها الشيخ بالمعنى والعبارة كما في ((تفسير ابن كثير)) ... الخ))، كلام المحقق رجم بالغيب، وعار عن الدليل، ولو أوسع جهده في البحث لعله يصل بأن الصيغة التي ذكرها كل من الإمام برهان الدين البقاعي في كتابه ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) وإسماعيل حقي في كتابه ((روح البيان في تفسير القرآن)) هي عين الجملة التي نقلها الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه ((الأصول الثلاثة)) غير كلمة واحدة زيدت وهي (حجة).
فلعل أحدهم ممن يصطاد في الماء العكر يتوصل بقول الرازحي هذا إلى الطعن والغمز واللمز في الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومن هذا ينبغي أن يحرص كل طالب علم بالأخذ بوصية الإمام الشافعي رحمه الله كما جاءت في كتاب ((تهذيب الأسماء)): (من طلب علمًا فليدقق؛ لئلا يضيع دقيق العلم).
ثامنًا: (إن الناس في غفلة عن سورة العصر) مستبعد أن يكون من كلام الإمام الشافعي رحمه الله، حيث أن الإمام النووي رحمه الله صرح بأنه ذكره بالمعنى في كتابه ((رياض الصالحين)) ولم يشر إلى هذا في ((المجموع شرح المهذب)) وكذلك في ((تهذيب الأسماء))، ولفظة لو تدبر أو تفكر أولى من قول: ((لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم))، فهذا القول فيه عموم وأهل العلم يقيدونها بالمسائل الأربعة – العلم والعمل والدعوة والصبر-.
فهذا جهد المقل لبيان أثر الإمام الشافعي رحمه الله المتعلق بسورة العصر وما تلخص به من فوائد ودرر جمعتها في موضع واحد، والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الاثنين 2 ذي القعدة 1436هـ
الموافق لـ: 18 أغسطس سنة 2015 م