المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [مقال] إيناس البحَّاثة بأقوال العلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة ــ لعبد القادر بن محمد الجنيد



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
17-Sep-2016, 07:55 PM
إيناس البحَّاثة بأقوال العلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة ــ لعبد القادر بن محمد الجنيد
إيناس البحَّاثة بأقوال العلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة
الحمد لله رب كل شيء ومليكه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله النبي الأمي محمد بن عبد الله المنيب الأواه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن والاه.
أما بعد، أيها الأخ الأريب النبيه - زادك الله فقهاً في دينه وشرعه -:
فهذا مبحث لطيف عزيز حول: "دعاء الله - عز وجل - عقب الانتهاء من صلاة الفريضة"، وما لأهل العلم من فقهاء ومحدثين من كلام في استحبابه، وقد وسمته بهذه العنونة:
" إيناس البحَّاثة بأقوال العلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة ".
عسى الله تعالى أن ينفع به طالب علم وهدى، ويجمع له به شتات ما علق في ذهنه عن هذه المسألة في أثناء طلب العلم ومذاكرته وقراءة كتب أهله، إن ربي سميع الدعاء.
وسوف يكون الكلام عن هذا الموضوع في عشر وقفات تأتي بإذن الله على جميع ما يتعلق به، وتسهيلاً وتيسيراً لي ولأخي القارئ اللبيب ـ لا زال من الله في تسديد ـ.
فأقول مستعيناً بالله القدير الكريم ربي ـ عز وجل ـ:

الوقفة الأولى / عن الاتفاق المنقول على استحباب الدعاء عقب الانتهاء من صلاة الفريضة.

قال العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"(3/ 465):
اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم ـ رحمهم الله ـ على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره، ويستحب أن يدعو أيضاً بعد السلام بالاتفاق، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب "الأذكار"، منها: عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ ...اهـ
وقال الحافظ ابن رجب البغدادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 254):
واستحب أيضاً أصحابنا وأصحاب الشافعي الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقاً.اهـ
وقال العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإحكام شرح أصول الأحكام"(1/ 241):
فصل في الذكر بعدها
أي: في الدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة، وقد أجمع العلماء على استحبابه بعدها.اهـ
ومن باب الزيادة:
فقد قال العلامة السلفي الشهير سليمان بن سحمان ـ رحمه الله ـ كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(4/ 317):
وأما الدعاء بعد المكتوبة، فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار، من غير رفع اليدين، كما ورد في "الصحيحين" وغيرهما من الكتب، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمنعه، ولا أحد من أتباعه، ولا أحد من أهل الحديث.اهـ
وجاء في كتاب "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل"(2/126-127) لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي ـ رحمه الله ـ:
ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة، فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (( أَسْمَعُ الدُّعَاءِ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ )).اهـ

الوقفة الثانية / عن النقول الواردة عن الأئمة والعلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة أو فعلهم له أو إشارتهم إلى مشروعيته.

ودونكم من وقفت على كلامه منهم، ومواضعه ومخرجه.
1- الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رحمه الله ـ والملقب بالصادق.
إذ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 138 عند رقم:6329و6330):
وأخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال: (( الدُّعَاءُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ النَّافِلَةِ كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ )).اهـ
2- التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي ـ رحمه الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق الصنعاني ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(3645):
عن معمرٍ عن قتادة في قوله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قال: (( إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ )).
وإسناده صحيح.
وقال الحافظ ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في "تفسيره"(24/498):
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } قال: (( أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه )).
وإسناده حسن أو صحيح.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه "تصحيح الدعاء"(ص:430):
المطلب الأول: الأذكار المشروعة بعد الصلاة...
ثم بعد الذكر يشرع في الأدعية التي دَلَّ عليها مجمل قول الله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ }، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (( فإذا فرغت من صلاتك فانصب ـ أي: بالغ في الدعاء ـ وسله حاجتك )) كما في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما، ونحوه عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل.اهـ
3- الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "الأم"(1/ 243):
وأستحب للمصلى منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة.اهـ
4- الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ.
إذ قال الحافظ ابن رجب البغدادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 255رقم:844):
والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يسر بالباقي، ويعقد التسبيح والتكبير والتحميد سراً، ويدعو سراً.اهـ
وقال أيضاً (5/ 236 رقم:841-842):
وقال القاضي أبو يعلى في "الجامع الكبير":
ظاهر كلام أحمد: أنه يسن للإمام الجهر بالذكر والدعاء عقب الصلوات بحيث يسمع المأموم، ولا يزيد على ذلك.
وذكر عن أحمد نصوصاً تدل على أنه كان يجهر ببعص الذكر، ويسر الدعاء، وهذا هو الأظهر.اهـ
5- الإمام محمد بن إسماعيل البخاري ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في "صحيحه"(عند حديث رقم: 6329) هذا التبويب:
" باب الدعاء بعد الصلاة ".
وقال بدر الدين العيني الحنفي ـ رحمه الله ـ في كتابه "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"(22/293):
أَي: هذا باب في بيان الدعاء بعد الصلاة المكتوبة.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(11/ 137رقم:6329و6330):
أي: المكتوبة، وفي هذه الترجمة رَدٌّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يُشرع.اهـ
وقد كان الباب الذي قبله هو:
" باب الدعاء في الصلاة ".
وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في "شرح سنن النسائي"(15/382 رقم:1347):
وهذه الدعوات وإن كانت محتملة لأن تكون قبل السلام، لكن الظاهر كونها بعد السلام، كما هو رأي المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ، فإنه أوردها لذلك، وقد تبع في هذا الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث إنه عقد في "صحيحه" في كتاب "الدعوات" باباً للدعاء في الصلاة، وباباً للدعاء بعد الصلاة.اهـ
وقال أيضاً (15/ 385رقم:1347):
والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاري والنسائي.اهـ
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه "تصحيح الدعاء"(ص:430):
ولذا عقد البخاري في "صحيحه" هذه الترجمة: " باب الدعاء بعد الصلاة "، وقفاه أهل السنن عل ذلك، مثل النسائي وأبي داود وابن خزيمة وغيرهم.اهـ
6- الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِستاني ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في "سننه"( 1505- 1513) هذا التبويب:
" باب ما يقول الرجل إذا سلم ".
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها بعد السلام.
7- الإمام محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في "سننه"( 3567) هذا التبويب:
" باب في دعاء النبي ﷺ وتعوذه في دبر الصلاة ".
وذكر تحته حديث مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون، قالا: (( كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُكَتِّبُ الغِلْمَانَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ القَبْرِ )).
8- الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في "السنن الصغرى"(1346و1347و1348) هذه التبويبات الثلاثة:
1- " نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم ".
2- ثم ألحقه بهذا: " نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة ".
3- ثم ثلث بهذا: " باب التعوذ في دبر الصلاة ".
وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في "شرح سنن النسائي"(15/ 382رقم:1347):
اعلم أنه عقد المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ أبواباً كثيرة لبيان الأحاديث التي تدل على مشروعية الدعاء دبر الصلاة، وأورد فيها أحاديث كثيرة مشتملة على دعوات كثيرة تقرأ عقب الصلاة، وإن كان بعضها مكرراً، وهذه الدعوات وإن كانت محتملة لأن تكون قبل السلام، لكن الظاهر كونها بعد السلام، كما هو رأي المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ، فإنه أوردها لذلك، وقد تبع في هذا الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث إنه عقد في "صحيحه" في كتاب "الدعوات" باباً للدعاء في الصلاة، وباباً للدعاء بعد الصلاة.اهـ
9- الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في "صحيحه"(1/ 366-367و369رقم:743-747و751) هذه التبويبات الثلاثة:
1- " باب جامع الدعاء بعد السلام في دبر الصلاة ".
2- " باب التعوذ بعد السلام من الصلاة ".
3- " باب الأمر بمسألة الرب عز وجل في دبر الصلوات المعونة على ذكره وشكره وحسن عبادته والوصية بذلك ".
ثم ذكر تحتها جملة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها بعد السلام.
10- الحافظ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه "الأوسط"(3/ 400-402) هذا التبويب:
" ذكر جامع الدعاء بعد التسليم ".
ونقل تحته أدعية ثلاثة عن النبي ﷺ كان يقولها إذا فرغ من صلاته.
11- الحافظ أبو حاتم ابن حبان البُستي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في "صحيحه"(2021 و 2025) هذين التبويبين:
1- " ذكر الأمر بسؤال العبد ربه ـ جل وعلا ـ أن يعينه على ذكره وشكره وعبادته في عقب الصلاة ".
2- " ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله ـ جل وعلا ـ في عقيب الصلاة التفضل عليه بمغفرة ما تقدم من ذنبه ".
12- الإمام الحسين بن مسعود البغوي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه "شرح السنة"(3/ 223و230) هذا التبويب:
" باب الذكر بعد الصلاة ".
وضمنه جملة من الأذكار مع هذا الدعاء: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْرِ )).
13- الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه "الترغيب في الدعاء"(ص:131رقم:80-87) هذا التبويب:
" باب في الدعاء عقيب الصلوات ".
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها بعد السلام.
14- الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "المغني"(2/ 251):
فصل: ويستحب ذكر الله تعالى، والدعاء عقيب صلاته، ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر.اهـ
وقال في كتابه "الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل"(1/ 44):
فصل: ويستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة، ودعاؤه، واستغفاره.اهـ
15- العلامة مجد الدين أبو البركات عبد السلام ابن تيمية الحنبلي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه "المنتقى في الأحكام الشرعية"(1/ 353-355رقم:807-813) هذا التبويب:
" باب: في الدعاء والذكر بعد الصلاة ".
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها عقب الصلاة.
16- القاضي محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه "غاية الإِحكام في أحاديث الأحكام"(2/ 221-223رقم:2615-2623) هذا التبويب:
" ذكر أذكاره وأدعيته ﷺ عقيب السلام ".
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها عقب الصلاة.
17- العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "المجموع"(3/ 465):
قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد، وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف، وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الامام بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له، وإن كان قد أشار إليه صاحب "الحاوي" فقال: إن كانت صلاة لا يتنفل بعدها كالصبح والعصر استدبر القبلة واستقبل الناس ودعا، وان كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب والعشاء فيختار أن يتنفل في منزله، وهذا الذى أشار إليه من التخصيص لا أصل له، بل الصواب استحبابه في كل الصلوات.اهـ
18- شيخ المالكية أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المالكي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"(1/ 215رقم:478-484):
وقد اتفق مساق هذه الأحاديث والتي قبلها: على أن أدبار الصلوات أوقات فاضلة للدعاء والأذكار، يرتجى فيها القبول، ويُبْلَغُ ببركة التفرغ لذلك إلى كل مأمول.اهـ
19- العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في "الفتاوى"(ص:127-128):
إن دعاء الإمام للجماعة في أدبار الصلوات ليس في السنة ما يعضده، بل فيها ما ينافيه، فإن الذي يجب الاقتداء به سيد المرسلين محمد ﷺ، والذي ثبت عنه من العمل بعد الصلوات إما ذكر مجرد لا دعاء فيه، كقوله: (( اللهم لا مانع لما لا أعطيت )) وأشباه ذلك، وإما دعاء يخص به نفسه، كقوله: (( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت )) وأشباهه.
ولم يثبت أنه دعا للجماعة، وما زال كذلك مدة عمره، ثم الخلفاء الراشدون بعده، ثم السلف الصالح.اهـ
وقال في كتابه "الاعتصام"(2/ 452-454):
لأن حاله - عليه السلام - في أدبار الصلوات مكتوبات أو نوافل كانت بين أمرين:
إما أن يذكر الله تعالى ذكراً هو في العرف غير دعاء، فليس للجماعة منه حظ إلا أن يقولوا مثل قوله أو نحواً من قوله، كما في غير أدبار الصلوات، كما جاء أنه كان يقول في دبر كل صلاة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ...". ونحو ذلك، فإنما كان يقوله في خاصة نفسه، كسائر الأذكار، فمن قال مثل قوله فحسن، ولا يمكن في هذا كله هيئة اجتماع.
وان كان دعاء، فعامة ما جاء من دعائه - عليه السلام - بعد الصلاة مما سمع منه إنما كان يخص به نفسه دون الحاضرين، كما في الترمذي ...اهـ
ثم ذكر خمسة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها بعد سلامه من الصلاة، وقال:
فتأملوا سياق هذا الأدعية كلها مساق تخصيص نفسه بها دون الناس.اهـ
20- العلامة ابن سيّد الناس اليعمري الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه " النفح الشذي شرح جامع الترمذي"(4/ 563):
الثانية عشرة: قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد، وهو مستحب عقيب الصلوات كلها بلا خلاف، وأما من خص ذلك بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له.اهـ
21- الشيخ محمد بن محمد بن علي بن همام المعروف بابن الإمام ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه " سلاح المؤمن في الدعاء والذكر"(ص:340و343رقم: 629- 638) هذا التبويب:
" ما يدعو به بعد الصلاة ".
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها بعد سلامه من الصلاة.
22- الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "فتح الباري"(11/ 137-138رقم:6329و6330) معلقاً على قول الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ: " باب الدعاء بعد الصلاة ":
أي: المكتوبة، وفي هذه الترجمة رَدٌّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يُشرع.اهـ
ثم شرع في الرد على من قال بعدم المشروعية، وذكر عدة أحاديث في دعاء النبي ﷺ بعد صلاته.
23- الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في "الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية"(3/ 893 رقم:239و3/ 1012 رقم:286):
السنة أن يستفتح دعاء عقب الصلاة وغيرها بحمد الله تعالى، والثناء عليه، والصلاة على رسول الله ﷺ.اهـ
24- وجاء في كتاب "مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح"(ص:119-120) من كتب الحنفية:
فصل: في الأذكار الواردة بعد الفرض.
القيام الى السنة متصلاً بالفرض مسنون، وعن شمس الأئمة الحلواني: لا بأس بقراءة الأوراد بين الفريضة والسنة، ويستحب للإمام بعد سلامه أن يتحول إلى يساره للتطوع بعد الفرض، وأن يستقبل بعده الناس، ويستغفرون الله ثلاثاً، ويقرؤون آية الكرسي والمعوذات، ويسبحون الله ثلاثاً وثلاثين ويحمدونه كذلك ويكبرونه كذلك، ثم يقولون: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين.اهـ
ثم قال الشارح:
"ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين" بالأدعية المأثورة الجامعة لقول أبي أمامة: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: (( جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات )) ولقوله ﷺ: (( والله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )).اهـ
25- الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "المدخل"(2/263):
والسنة الماضية أن لا يترك الذكر والدعاء عقب الصلاة.اهـ
26- جاء في كتاب "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل"(2/126-127) لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي ـ رحمه الله ـ:
ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة، فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (( أَسْمَعُ الدُّعَاءِ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ )).اهـ
27- الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "آداب المشي إلى الصلاة"(ص:11-12):
ويسن ذكر الله، والدعاء والاستغفار عقب الصلاة، فيقول: "أستغفر الله" ثلاثاً، ثم يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"، "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
ثم يسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحداً من الناس: "اللهم أجرني من النار" سبع مرات.
والإسرار بالدعاء أفضل، وكذا بالدعاء المأثور، ويكون بتأدب وخشوع وحضور قلب ورغبة ورهبة لحديث: (( لا يستجاب الدعاء من قلب غافل )) ويتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ويتحرى أوقات الإجابة، وهي: ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلاة المكتوبة، وآخر ساعة يوم الجمعة، وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي، ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمَّن عليه، ويكره رفع الصوت.اهـ
28- العلامة محمد بن الأمير الصنعاني ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "سبل السلام شرح بلوغ المرام"(ص980:-981عند رقم:1465):
يتأكد الدعاء بعد الصلاة المكتوبة لحديث الترمذي عن أبي أمامة...، وقد وردت أحاديث في الدعاء بعد الصلاة معروفة.اهـ
29- الشيخ محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"(2/ 169رقم:297-299):
لا ريب في ثبوت الدعاء بعد الانصراف من الصلاة المكتوبة عن رسول الله ﷺ قولاً وفعلاً.اهـ
30- العلامة صديق حسن القَنوجي البخاري الهندي ـ رحمه الله ـ.
فإن له رسالة قد طبعت في كتابه "دليل الطالب على أرجح المطالب"(ص:521-527) بعنوان:
" الفاكهة العريضة في جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة ".
وكان مما قاله بعد حديث أبي أمامة، وحديث معاذ بن جبل ـ رضي الله عنهما ـ،(ص:525):
وهذان الحديثان يدلان على الدعاء بعد الفريضة.اهـ
وقال أيضاً:
وإلا الدعاء بعد الفريضة ثابت كما تقدم.اهـ
وقال أيضاً (ص:526):
فثبت الدعاء بعد الفريضة.اهـ
31- العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البابطين النجدي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(4/315 ):
الدعاء بعد الفرائض، إن فعله إنسان بينه وبين الله فحسن، وأما رفع الأيدي في هذه الحال فلم يرد عن النبي ﷺ، وخير الهدي هديه ﷺ، ومثل هذا ما أرى الإنكار على فاعله، ولو رفع يديه.اهـ
32- العلامة سليمان بن سحمان ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(4/ 317):
وأما الدعاء بعد المكتوبة، فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار، من غير رفع اليدين، كما ورد في "الصحيحين" وغيرهما من الكتب، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمنعه، ولا أحد من أتباعه، ولا أحد من أهل الحديث.اهـ
33- العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "الإحكام شرح أصول الأحكام"(1/ 241):
فصل في الذكر بعدها
أي: في الدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة، وقد أجمع العلماء على استحبابه بعدها.اهـ
وقال أيضاً (1/ 245-246):
ويستحب للعبد إذا فرغ من صلاته واستغفر الله وذكره وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة مما تقدم وغيره، أن يصلي على النبي ﷺ، ويدعو بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة مستجاب.اهـ
34- الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 166-167):
الدعاء بعد الصلاة لا يكره، بل مستحب، كونه يدعو بينه وبين ربه في آخر الصلاة بعد الذكر، كل هذا جاء في الأحاديث عن النبي ﷺ، فإذا دعا في آخر الصلاة قبل أن يسلم هذا أفضل، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس، بينه وبين ربه، أما أن يكون الدعاء جماعياً من الجماعة أو مع الإمام فهذا غير مشروع، بل بدعة، أو يكون مع رفع الأيدي هذا بدعة بعد الفرائض، لم يحفظ عنه ﷺ أنه كان يرفع يديه بعد الفرائض الخمس، ولم يحفظ عن أصحابه فيما بلغنا، فليس للناس أن يحدثوا شيئاً لم يفعله المصطفى ﷺ، ولا أصحابه، لكن الدعاء لا بأس به بينه وبين ربه، قبل السلام وبعد السلام لا بأس.اهـ
35- الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "تصحيح الدعاء"(ص:430):
المطلب الأول: الأذكار المشروعة بعد الصلاة...
ثم بعد الذكر يشرع في الأدعية التي دل عليها مجمل قول الله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (( فإذا فرغت من صلاتك فانصب ـ أي: بالغ في الدعاء ـ وسله حاجتك )) كما في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما، ونحوه عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل.
ولذا عقد البخاري في "صحيحه" هذه الترجمة: " باب الدعاء بعد الصلاة "، وقفاه أهل السنن عل ذلك، مثل النسائي وأبي داود وابن خزيمة وغيرهم.اهـ
وقال أيضاً (ص:438):
وفي مسألتنا السنة كما ترى بعد السلام من الصلاة المكتوبة هو: الذكر مع الرفع رفعاً يسيراً في بعضه لا كله، والدعاء، وقراءة ما ذكر من القرآن الكريم...
هذه سنن أربع دَلَّ عليها هدي النبي ﷺ وتعليمه لأمته في هذه العبادة المقيدة بحال الفراغ من الصلاة المكتوبة، وما سوى ذلك فهو قدر زائد على المشروع لا دليل عليه.اهـ
36- العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ سلمه الله ـ.
إذ قال كما في "المنتقى من فتاوى الفوزان"(2/ 680):
الدعاء بعد الصلاة لا بأس به، لكن كل مسلم يدعو بمفرده، يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين، ويدعو بمصالح دينه ودنياه، يدعو منفرداً، لا يكون الدعاء جماعياً، أما الدعاء الجماعي بعد الصلاة فهو بدعة، لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن صحابته ولا عن القرون المفضلة أنهم كانوا يدعون دعاءً جماعياً، بأن يرفع الإمام يديه، ثم يرفعون أيديهم ويدعو، وهم يدعون معه، هذا من البدع، أما أن يدعو كل شخص بدون رفع صوت، ولا تشويش فهذا لا بأس به، سواء كان بعد الفريضة، أو بعد النافلة.اهـ
وقال في كتابه "الملخص الفقهي"(1/ 159):
ثم بعد الفراغ من هذه الأذكار يدعو سراً بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة وهذه الأذكار العظيمة أحرى بالإجابة, ولا يرفع يديه بالدعاء بعد الفريضة كما يفعل بعض الناس، فإن ذلك بدعة, وإنما يفعل هذا بعد النافلة أحياناً, ولا يجهر بالدعاء, بل يخفيه، لأن ذلك أقرب إلى الإخلاص والخشوع, وأبعد عن الرياء.اهـ
وقال أيضاً كما في شريط مسجل، وموجود بموقعه الإلكتروني:
الدعاء بعد الصلاة الفريضة بأن يدعو الإنسان لنفسه منفرداً، وبدون رفع صوت هذا مشروع ومطلوب.اهـ
37- العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "شرح سنن النسائي"(15/385رقم:1347):
قد تلخص مما ذكر من الأدلة أن الدعاء عقب الصلاة ثابت عن النبي ﷺ قولاً وفعلاً، فلا يسع أحداً إنكاره ...
والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاري والنسائي، وقد تقدم في كلام الحافظ ابن رجب أنه مذهب الإمام أحمد، بل نقل أن أصحاب أحمد وأصحاب الشافعي استحبوا الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقاً.انتهى.
فإذا ثبتت الأحاديث بذلك، وعمل بها أهل العلم أو بعضهم فلا وجه للإنكار.اهـ
38- صنف الشيخ محمد هاشم التَّتَوي السندي ـ رحمه الله ـ رسالة بعنوان: "التحفة المرغوبة في أفضلية الدعاء بعد المكتوبة".
وقد اختصرت ضمن مجموع طبع بعنوان: "ثلاث رسائل في استحباب الدعاء ورفع اليدين فيه بعد صلاة المكتوبة"(ص:15-47).
هذا وقد صنف غير واحد من متأخري الحنفية والشافعية والمالكية رسائل مفردة في مشروعية الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة.
39- الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة"(6/ 60 رقم:2544):
وجملة القول:
إنه لم يثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه بعد الصلاة إذا دعا.
وأما دعاء الإمام وتأمين المصلين عليه بعد الصلاة، كما هو المعتاد اليوم في كثير من البلاد الإسلامية، فبدعة لا أصل لها، كما شرح ذلك الإمام الشاطبي في "الاعتصام" شرحاً مفيداً جداً لا أعرف له نظيراً، فليراجع من شاء البسط والتفصيل.اهـ
وظاهر هذا الكلام أنه ـ رحمه الله ـ يرى مشروعية الدعاء بعد الصلاة إذا فعله الإنسان فيما بينه وبين نفسه، وأن النبي ﷺ كان يدعو، لكن من دون رفع لليدين.
وقد كلمت أحد الأفاضل المهتمين بأقواله وفتاويه وكتبه وأشرطته أن يبحث هل له قول آخر، أو أوضح من هذا، لكنه تأخر عليَّ فلم يسعفني بشيء، وعسى أن ييسر الله تعالى له قريباً.

الوقفة الثالثة / عن أدلة استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة.

إن سبب ذهاب العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ إلى استحباب الدعاء عقب الانتهاء من صلاة الفريضة هو: ثبوت الدعاء في هذا الموضع عن سيّد ولد آدم ﷺ وأصحابه البررة الأخيار ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد أشار إلى هذا جمع من أهل العلم، ومنهم:
أولاً: العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "المجموع"(3/ 465):
ويستحب أن يدعو أيضاً بعد السلام بالاتفاق، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب "الأذكار".اهـ
ثانياً: العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في "الفتاوى"(ص:127-128):
فإن الذي يجب الاقتداء به سيد المرسلين محمد ﷺ، والذي ثبت عنه من العمل بعد الصلوات إما ذكر مجرد لا دعاء فيه، كقوله: (( اللهم لا مانع لما لا أعطيت )) وأشباه ذلك، وإما دعاء يخص به نفسه، كقوله: (( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت )) وأشباهه.اهـ
ثالثاً: العلامة محمد بن الأمير الصنعاني ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "سبل السلام شرح بلوغ المرام"(ص:980-981عند رقم:1465):
وقد وردت أحاديث في الدعاء بعد الصلاة معروفة.اهـ
رابعاً: الشيخ محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"(2/ 169 رقم:297-299):
لا ريب في ثبوت الدعاء بعد الانصراف من الصلاة المكتوبة عن رسول الله ﷺ قولاً وفعلاً.اهـ
خامساً: العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ.
إذ قال في كتابه "شرح سنن النسائي"(15/ 382 رقم:1347):
اعلم أنه عقد المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ أبواباً كثيرة لبيان الأحاديث التي تدل على مشروعية الدعاء دبر الصلاة، وأورد فيها أحاديث كثيرة مشتملة على دعوات كثيرة تقرأ عقب الصلاة.اهـ
وقال أيضاً (15/ 385 رقم:1347):
قد تلخص مما ذكر من الأدلة أن الدعاء عقب الصلاة ثابت عن النبي ﷺ قولاً وفعلاً، فلا يسع أحداً إنكاره.اهـ
وقال أيضاً:
فإذا ثبتت الأحاديث بذلك، وعمل بها أهل العلم أو بعضهم فلا وجه للإنكار.اهـ
سادساً: الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 180):
والإنسان إذا أحب أن يدعو، يدعو بينه وبين نفسه، من دون رفع اليدين، ومن دون الاجتماع مع الإمام، بل كما جاءت به الأحاديث أن الرسول ﷺ دعا بعد السلام بالذكر المعروف عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ.اهـ
وقال أيضاً (9/166):
الدعاء بعد الصلاة لا يكره بل مستحب، كونه يدعو بينه وبين ربه في آخر الصلاة، وبعد الصلاة بعد الذكر، كل هذا جاء في الأحاديث عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ.اهـ
والأدلة الواردة في هذا الدعاء على نوعين:
النوع الأول: الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ.
ودونكم ما وقفت على ثبوته منها:
أولاً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(591) من طريق الوليد عن الأوزاعي عن أبي عمار عن أبي أسماء عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًاً )).
قال الوليد: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفرُ الله، أستغفرُ الله، أستغفرُ الله.اهـ
قال الإمام محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع فتاوى ورسائل فضيلته"(13/ 266-267):
وأما الدعاء أدبار الصلوات المكتوبة ففيه الاستغفار، فقد كان النبي ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً.
والاستغفار: طلب المغفرة، وهو دعاء، لكن ظاهر السنة فيه عدم الرفع.اهـ
ثانياً: ما أخرجه الإمام أحمد (22119و22126) والبخاري في "الأدب المفرد"(690) واللفظ له، وأبو داود (1522) والنسائي (1303) وابن خزيمة (751) والحاكم (1010 و 5194 ) وابن حبان (2021) عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( أَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ، قُلْتُ: وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )).
وقد صححه:
ابن خزيمة والحاكم وابن حبان والنووي والذهبي وابن حجر العسقلاني وابن الخطيب الشربيني وابن باز والألباني والوادعي ومحمد علي آدم الإتيوبي.
وقال الهيثمي - رحمه الله -: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن طارق وهو ثقة.اهـ
وقال عبد الرحمن بن قاسم – رحمه الله -: سنده جيد.اهـ
ثالثاً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(709) عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ )).
رابعاً: ما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه"(2822) عن عمرو بن ميمون الأَوْدِيِّ أنه قال: (( كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ )).
خامساً: ما أخرجه الإمام أحمد (20409و20447) والنسائي (5465و 1347) واللفظ له، وابن خزيمة (747) والحاكم (927 ) عن مسلم بن أبي بكرة أنه قال: (( كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ، فَقَالَ أَبِي: أَيْ بُنَيَّ، عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا؟ قُلْتُ عَنْكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ )).
وقد صححه:
ابن خزيمة والحاكم وابن حبان والذهبي والألباني ومحمد علي آدم.
وحسنه:
ابن حجر العسقلاني.
سادساً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(771-201) من طريق يوسف المَاجِشُون حدثني أَبِي عن عبد الرحمن الأعرجِ عن عبيد الله بن أبي رافعٍ عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ﷺ: (( أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ...، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ )).
وأخرجه مسلم (771-202) أيضاً من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمه المَاجِشُون بن أبي سلمة عن الأعرجِ عن عبيد الله بن أبي رافعٍ عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: (( وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ )) إلى آخر الحديث، ولم يقل بين التشهد والتسليم. انتهى كلام الإمام مسلم.
وأخرجه أبو داود (1509) وغيره بلفظ: (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ )).
وصححه: ابن خزيمة وابن حبان والنووي وشُهْدة الإبري الكاتبة، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم.اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد"(2/ 287-288):
وذكر أبو داود عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (( أن رسول الله ﷺ كان إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت )).
هذه قطعة من حديث علي الطويل الذي رواه مسلم في استفتاحه - عليه الصلاة والسلام - وما كان يقوله في ركوعه وسجوده.
ولمسلم فيه لفظان:
أحدهما: إن النبي ﷺ كان يقوله بين التشهد والتسليم.
وهذا هو الصواب.
والثاني: كان يقوله بعد السلام.
ولعله كان يقوله في الموضعين، والله أعلم.اهـ
وقال العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"(3/ 465):
ولا منافاة بين الروايتين فهما صحيحتان، وكان يقول الدعاء في الموضعين، والله أعلم.اهـ
وقال الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه"صفة صلاة النبي ﷺ" (3/ 1021-1022ـ الأصل):
قال الحافظ: " ويُجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام، لأن مخرج الطريقين واحد، وأورده ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: (( كان إذا فرغ من الصلاة وسلم ... )) وهذا ظاهر في أنه بعد السلام. ويحتمل أنه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده ".
قلت: وهذا الاحتمال لا بد من المصير اليه، وإلا فإحدى الروايتين خطأ من بعض الرواة، أو رواية بالمعنى، والرواية التي عند ابن حبان قد أخرجها قبله أحمد في "المسند"(1/102) بإسناد صحيح، والله أعلم.اهـ
النوع الثاني: الآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
ودونكم ما وقفت عليه منها:
أولاً: ما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(3033) فقال:
حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة قال: (( كَانَ أَبُو مُوسَى إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي )).
وإسناده حسن.
وقال أيضاً (29255):
حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبي موسى أنه كان يقول إذا فرغ من صلاته: (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي )).
وإسناده حسن.
ثانياً: ما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(29268) فقال:
حدثنا عبيدة بن حميد عن الرُّكين بن الربيع عن أبيه قال: (( كَانَ عُمَرُ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ فَتُبْ عَلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي فَاجْعَلْ رَغْبَتِي إِلَيْكَ، وَاجْعَلْ غِنَائِي فِي صَدْرِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقَتْنِي، وَتَقَبَّلْ مِنِّي، إِنَّكَ أَنْتَ رَبِّي )).
وإسناده حسن إلى الربيع بن عُميلة الفزاري.
ولكن لم أجد من ذكر روايته عن عمر، وقد روى عن علي بن أبي طالب وحذيفة بن أسيد الغفاري وسمرة بن جندب وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر.
وقال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه "التاريخ الكبير"(3/270رقم:922):
ربيع بن عميلة الفزاري الكوفي، سمع ابن مسعود وكان فِي أهل الردة زمان خالد بن الوليد.اهـ
وابنه الرُّكين قد روى عن بعض الصحابة كأبي الطفيل عامر بن واثلة وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب.
ثالثاً: ما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(29257) فقال:
حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقول:
(( اللَّهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَعَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَبَسَطْتَ يَدَكَ فَأَعْطَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، رَبَّنَا وَجْهُكَ أَكْرَمُ الْوُجُوهِ، وَجَاهُكَ خَيْرُ الْجَاهِ، وَعَطِيَّتُكَ أَفْضَلُ الْعَطِيَّةِ وَأَهْنَؤُهَا، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُرُ، وَتُعْصَى رَبَّنَا فَتَغْفِرُ، تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُنْجِي مِنَ الْكَرْبِ، وَتَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَتَغْفِرُ الذَّنْبَ لِمَنْ شِئْتَ، لَا يُجْزِئُ آلَاءَكَ أَحَدٌ، وَلَا يُحْصِي نَعْمَاءَكَ قَوْلُ قَائِلٍ )) يَعْنِي: يَقُولُ بَعْدَ الصَّلَاةِ.اهـ
وإسناده حسن أو صحيح.
وأخرجه الطبراني ـ رحمه الله ـ في كتاب "الدعاء"(2/ 1068 رقم:734) فقال:
حدثنا عثمان بن عمر الضَّبِّي ثنا عبد الله بن رجاء أنبأ إسرائيل ح وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير بن معاوية ح وحدثنا أبو خليفة ثنا الوليد الطيالسي ثنا شعبة كلهم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقول دبر الصلاة: (( تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَعَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَبَسَطْتَ يَدَكَ فَأَعْطَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، رَبَّنَا وَجْهُكَ أَكْرَمُ الْوُجُوهِ، وِجَاهُكَ خَيْرَ الْجَاهِ وَعَطِيَّتُكَ أَنْفَعُ الْعَطَايَا، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتُشْكَرُ وَتُعْصَى رَبَّنَا فَتَغْفِرُ، تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُنْجِي مِنَ الْكَرْبِ، لَا يُجْزِي بِآلَائِكَ أَحَدٌ، وَلَا يُحْصِي نِعَمَكَ قَوْلُ قَائِلٍ )).

الوقفة الرابعة / عن الإجابة عن قول من ذهب إلى أن الأدعية الواردة عن النبي ﷺ محلها قبل السلام لا بعده.

مال الإمام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي ـ رحمه الله ـ إلى عدم مشروعية الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة، وحمل الأدعية الواردة عن النبي ﷺ في ذلك على ما بعد التشهد وقبل السلام، لأنها جاءت بلفظ: (( دُبر الصلاة )).
ودُبر الشيء منه، كالحيوان فدبره منه.
ويقوي ذلك عنده أمر النبي ﷺ بالدعاء قبل السلام، فقد أخرج الإمام البخاري في "صحيحه"(835 ) عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ، قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو )).
وأخرج الإمام مسلم في "صحيحه"(588) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ﷺ أنه قال: (( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )).
وكذلك كون الدعاء في الصلاة ألصق بباب المناجاة من الدعاء بعد السلام.
فقال ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى"(22/ 499):
وأما لفظ دبر الصلاة فقد يراد به آخر جزء منه، وقد يراد به ما يلي آخر جزء منه، كما في دبر الإنسان فإنه آخر جزء منه، ومثله لفظ العقب، قد يراد به الجزء المؤخر من الشيء كعقب الإنسان، وقد يراد به ما يلي ذلك فالدعاء المذكور في دبر الصلاة:
إما أن يراد به آخر جزء منها ليوافق بقية الأحاديث، أو يراد به ما يلي آخرها، ويكون ذلك ما بعد التشهد كما سمي ذلك قضاء للصلاة وفراغاً منها حيث لم يبق إلا السلام المنافي للصلاة، بحيث لو فعله عمداً في الصلاة بطلت صلاته، ولا تبطل سائر الأذكار المشروعة في الصلاة.
أو يكون مطلقاً أو مجملاً.
وبكل حال فلا يجوز أن يخص به ما بعد السلام لأن عامة الأدعية المأثورة كانت قبل ذلك، ولا يجوز أن يشرع سنة بلفظ مجمل يخالف السنة المتواترة بالألفاظ الصريحة.اهـ
وقال أيضاً (22/ 519):
بل إنما كان دعاؤه في صلب الصلاة، فإن المصلي يناجي ربه، فإذا دعا حال مناجاته له كان مناسباً، وأما الدعاء بعد انصرافه من مناجاته وخطابه فغير مناسب، وإنما المسنون عقب الصلاة هو الذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم من التهليل والتحميد والتكبير.اهـ
وقال أيضاً (22/ 513):
ولو دعا الإمام والمأموم أحياناً عقيب الصلاة لأمر عارض لم يعد هذا مخالفاً للسنة كالذي يداوم على ذلك، والأحاديث الصحيحة تدل على أن النبي ﷺ كان يدعو دبر الصلاة قبل السلام، ويأمر بذلك، كما قد بسطنا الكلام على ذلك، وذكرنا ما في ذلك من الأحاديث، وما يظن أن فيه حجة للمنازع في غير هذا الموضع.اهـ
وقال أيضاً (22/517-518):
ومنهم: من استحبه إدبار الصلوات كلها، وقال: لا يجهر به إلا إذا قصد التعليم، كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب الشافعي وغيرهم، وليس معهم في ذلك سنة إلا مجرد كون الدعاء مشروعاً، وهو عقب الصلوات يكون أقرب إلى الإجابة، وهذا الذي ذكروه قد اعتبره الشارع في صلب الصلاة، فالدعاء في آخرها قبل الخروج مشروع مسنون بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين، بل قد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن الدعاء في آخرها واجب، وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي ﷺ آخر الصلاة بقوله: (( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال )) رواه مسلم وغيره.
وكان طاووس يأمر من لم يدع به أن يعيد الصلاة، وهو قول بعض أصحاب أحمد، وكذلك في حديث ابن مسعود: (( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه )) وفي حديث عائشة وغيرها أنه كان يدعو في هذا الموطن، والأحاديث بذلك كثيرة.
والمناسبة الاعتبارية فيه ظاهرة فإن المصلي يناجي ربه فما دام في الصلاة لم ينصرف فإنه يناجي ربه، فالدعاء حينئذ مناسب لحاله، أما إذا انصرف إلى الناس من مناجاة الله لم يكن موطن مناجاة له ودعاء، وإنما هو موطن ذكر له وثناء عليه، فالمناجاة والدعاء حين الإقبال والتوجه إليه في الصلاة، أما حال الانصراف من ذلك فالثناء والذكر أولى.اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه "زاد المعاد"(1/295):
ودُبُر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا ـ يعني به: ابن تيمية ـ يرجِّح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه، كدبر الحيوان.اهـ
وقال أيضاً (1/249-250):
وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه، والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه ثم يسأله إذا انصرف عنه؟.
ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة استحب له أن يصلي على النبي ﷺ بعد ذلك ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلى على رسول الله ﷺ استحب له الدعاء عقيب ذلك، كما في حديث فضالة بن عبيد: (( إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ﷺ ثم ليدع بما شاء )) قال الترمذي: حديث صحيح.اهـ
وقد أجيب عن هذا الكلام أو الاستدلال بعدة أمور:
الأول: ما أخرجه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه"(709) عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ )).
وهو صريح في أن النبي ﷺ دعا بعد السلام من صلاته، وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله ـ عز وجل ـ كقبله.
الثاني: ما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(3033) فقال:
حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة قال: (( كَانَ أَبُو مُوسَى إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي )).
وإسناده حسن.
وقال أيضاً (29255):
حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبي موسى أنه كان يقول إذا فرغ من صلاته: (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي )).
وإسناده حسن.
وهما صريحان في أن أبا موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ كان يدعو بعد الفراغ من صلاته، وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله ـ عز وجل ـ كقبله.
الثالث: ما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(29268) فقال:
حدثنا عبيدة بن حميد عن الرُّكين بن الربيع عن أبيه قال: (( كَانَ عُمَرُ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ فَتُبْ عَلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي فَاجْعَلْ رَغْبَتِي إِلَيْكَ، وَاجْعَلْ غِنَائِي فِي صَدْرِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقَتْنِي، وَتَقَبَّلْ مِنِّي، إِنَّكَ أَنْتَ رَبِّي )).
وإسناده حسن إلى الربيع بن عُميلة الفزاري.
وهو صريح في أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يدعو بعد الانصراف من صلاته، وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله ـ عز وجل ـ كقبله.
الرابع: ما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(29257) فقال:
حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه كان يقول:
(( اللَّهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَعَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، وَبَسَطْتَ يَدَكَ فَأَعْطَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ، رَبَّنَا وَجْهُكَ أَكْرَمُ الْوُجُوهِ، وَجَاهُكَ خَيْرُ الْجَاهِ، وَعَطِيَّتُكَ أَفْضَلُ الْعَطِيَّةِ وَأَهْنَؤُهَا، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُرُ، وَتُعْصَى رَبَّنَا فَتَغْفِرُ، تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُنْجِي مِنَ الْكَرْبِ، وَتَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَتَغْفِرُ الذَّنْبَ لِمَنْ شِئْتَ، لَا يُجْزِئُ آلَاءَكَ أَحَدٌ، وَلَا يُحْصِي نَعْمَاءَكَ قَوْلُ قَائِلٍ )) يعني: يقول بعد الصلاة.اهـ
وإسناده حسن أو صحيح.
وقد تقدم ذكر بعض من تابع سفيان على روايته عن أبي إسحاق، وأن منهم: شعبة بن الحجاج.
وهو صريح في أن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله ـ عز وجل ـ كقبله.
الخامس: أن جملة من الأذكار التي تقال بعد السلام قد جاءت في الأحاديث الثابتة بلفظ: (( دُبر كل صلاة )).
ومن أمثلتها:
1- التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين.
2- قراءة المعوذات.
3- قراءة آية الكرسي.
4- قول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ".
وقد حملها العلماء جميعاً على ما بعد السلام، فتعامل الأدعية التي جاء فيها: (( دبر كل صلاة )) نفس معاملتها، حتى يخرجها دليل صحيح صريح.
كيف والدعاء بعد الانصراف من الصلاة قد ثبت عن النبي ﷺ وأصحابه، كما في حديث البراء بن عازب، وأثر أبي موسى الأشعري، وأثر عمر بن الخطاب، وأثر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ.
وفي تقرير هذا يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(11/ 137-138رقم:6329و6330):
فإن قِيل: المراد بدُبُر كل صلاة قُرب آخرها، وهو التشهد.
قُلنا: قد ورد الأمر بالذكر دُبُر كل صلاة، والمراد به بعد السلام إجماعاً، فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه.اهـ
وقال العلامة صديق حسن القَنوجي البخاري الهندي ـ رحمه الله ـ في رسالة له طبعت في كتابه "دليل الطالب على أرجح المطالب"(ص:525-526) بعنوان:
" الفاكهة العريضة في جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة ":
لكن فيه نظر، لأن لفظ "الدبر" كما يطلق على ما يكون من جنس المضاف، كما في قوله تعالى: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ }، هكذا يطلق على ما لا يكون من جنس المضاف، نحو قوله تعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } أي: آخر الليل عقب غروبها، ومثل عتق التدبير.
فهذا اللفظ مشترك بين كلا الإطلاقين، وعندما لا يصح حمل اللفظ المشترك على معنى أو معنيين بدون دليل، فسبيل التحكيم هنا الرجوع إلى الاستعمال الشرعي.
وبيانه أنه جاء في البخاري: (( تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين )).
والمراد بالخلف هنا دبر الصلاة، وهو عقب الخروج منها، وهذا دليل على أن المراد بالدبر خلف الصلاة يعني: عقبها.
ويزيده بياناً حديث أبي داود بلفظ: (( يعني إثر كل صلاة )) أي: بعده.
ويزيده بياناً حديث: (( من سبح دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر )).
والمراد بالدبر هنا عقب الصلاة بعد الخروج بالتسليم.
ويزيده بياناً حديث أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال: (( من قال دبر الصلاة وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلى الله وحده لا شريك له )) إلخ، أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وهذا نص في محل النزاع، لأنه لو كان المراد بدبر الصلاة هنا قبل السلام لم يبق لقيد: (( وهو ثان رجليه ))، وقيد: (( قبل أن يتكلم )) أيُّ فائدة، فثبت الدعاء بعد الفريضة، وانتهى تخصيص الحافظ ابن القيم بـ"قبل الصلاة.اهـ
وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في "شرح سنن النسائي"(15/385 رقم:1347):
وأما تأويل قوله: (( دبر الصلاة )) بأنه قبل السلام، لأن دبر الحيوان منه، فغير مُسَلَّم، لأنه ﷺ علمهم الأذكار والدعوات، وأمرهم أن يجعلوها دبر كل صلاة، فلا يصح حمل بعضها على ما قبل السلام كالدعوات، وبعضها على بعده كالتسبيح وقراء آية الكرسي، إذ لا دليل على التفريق، ولا سيما وبعضها فيه التصريح بأنه بعد السلام.اهـ
السادس: أن ُعامة أهل العلم من فقهاء ومحدثين قد حملوا لفظ: (( دبر كل الصلاة )) في هذه الأدعية على ما بعد التسليم لا ما قبله، ولا ريب أن فهمهم وفقههم أولى بالقبول والتقديم والعمل.
ويؤكد ذلك أمران:
أحدهما: استحبابهم للدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة، واستدلال كثير منهم بهذه الأحاديث أو بعضها عند تقرير هذا الحكم.
وقد قال فقيه الشافعية أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"(3/ 465):
ويستحب أن يدعو أيضاً بعد السلام بالاتفاق، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب "الأذكار"، منها: عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ ...اهـ
وقال الحافظ ابن رجب البغدادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 254):
واستحب أيضاً أصحابنا وأصحاب الشافعي الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقاً.اهـ
وقال العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإحكام شرح أصول الأحكام"(1/ 241):
فصل في الذكر بعدها
أي: في الدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة، وقد أجمع العلماء على استحبابه بعدها.اهـ
وقال العلامة السلفي الشهير سليمان بن سحمان ـ رحمه الله ـ كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(4/ 317):
وأما الدعاء بعد المكتوبة، فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار، من غير رفع اليدين، كما ورد في "الصحيحين" وغيرهما من الكتب، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمنعه، ولا أحد من أتباعه، ولا أحد من أهل الحديث.اهـ
والثاني: تبويبات أئمة الحديث على هذه الأحاديث أو بعضها أو نحوها بالدعاء بعد السلام.
كما فعل الإمام البخاري وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان ـ رحمهم الله ـ وغيرهم.

الوقفة الخامسة / عن الجهر بالدعاء بعد صلاة الفريضة.

الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة يكون بين الإنسان وبين نفسه، ولا يجهر به.
ويدل على هذا ما يأتي:
أولاً: قول الله تعالى في سورة الإسراء: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا }.
وقد أخرج البخاري (6327) ومسلم (447) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قوله عز وجل: (( { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } قَالَتْ: أُنْزِلَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ )).
وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الأم"(1/242):
يعنى: والله تعالى أعلم الدعاء، ولا تجهر: ترفع، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 238-239):
وأما الدعاء، فالسنة إخفاؤه.
وفي "الصحيحين" عن عائشة في قوله تعالى: (( { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} أنها نزلت في الدعاء )).
وكذا روي عن ابن عباس وأبي هريرة، وعن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة وعروة ومجاهد وإبراهيم وغيرهم.
وقال الإمام أحمد: ينبغي أن يسر دعاءه، لهذه الآية. قال: وكان يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء.
وقال الحسن: (( رفع الصوت بالدعاء بدعة )).
وقال سعيد بن المسيب: (( أحدث الناس الصوت عند الدعاء )).
وكرهه مجاهد وغيره.
وروى وكيع عن الربيع عن الحسن، والربيع عن يزيد بن أبان عن أنس: (( أنهما كرها أن يُسمع الرجل جليسه شيئاً من دعائه )).
وورد فيه رخصةٌ من وجهٍ لا يصح.اهـ
ثانياً: ما أخرجه البخاري (2992) واللفظ له، ومسلم (2704) عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ )).
قال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال المالكي ـ رحمه الله ـ " شرح صحيح البخاري"(5/152):
قال الطبري:
في هذا الحديث من الفقه: كراهية رفع الصوت بالدعاء، وهو قول عامة السلف من الصحابة والتابعين.اهـ
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج ـ رحمه الله ـ في كتابه "المدخل"(2/280):
وأما الدعاء في السر فهو جائز أو مندوب بحسب الحال، وعلى هذا درج السلف والخلف ـ رضي الله عنهم ـ.اهـ
وقال أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم"(17/ 29-30 عند حديث رقم:2704):
فيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه.اهـ
وقال في كتابه "المجموع"(3/469):
وهكذا قال أصحابنا: أن الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكون إماماً يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا، فإذا تعلموا وكانوا عالمين أسرَّه، واحتج البيهقي وغيره في الإسرار بحديث أبي موسى الأشعري ...اهـ
وقال علي بن سليمان المرداوي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في " تصحيح الفروع"(1/ 455 ـ مع الفروع):
وقال المجد في "شرحه":
ويستحب للإمام أن يخفي الدعاء عَقِيب الصلاة لظاهر هذا الخبر، وذَكَرَه، ولقوله تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } وقوله تعالى: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } وإن جهر به أو ببعضه أحياناً ليعلمه من يسمعه، أو لقصد صحيح سوى ذلك فحسن.اهـ
وقال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(29671و8461):
حدثنا وكيع عن مبارك عن الحسن، قال: (( كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )).
وإسناده حسن.
وقال أيضاً (29669و8458):
حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد: (( أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الدُّعَاءِ فَرَمَاهُ بِالْحَصَى )).
وإسناده صحيح.
ثالثاً: أن الجهر بالدعاء بعد الصلاة لا يصح به حديث عن النبي ﷺ ولا أثر عن السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 254-255):
وقد ذكرنا فيما تقدم حديث دعاء النبي ﷺ عقب الصلاة جهراً، وأنه لا يصح، ولم يصح في ذلك شيءٌ عن السلف.
والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يسر بالباقي، ويعقد التسبيح والتكبير والتحميد سراً، ويدعو سراً.اهـ
وقال أيضاً (5/ 239-240):
وورد فيه رخصةٌ من وجهٍ لا يصح.
خرَّجه الطبراني من رواية أبي موسى: (( كان النبي ﷺ إذا صلى الصبح يرفع صوته حتى يسمع أصحابه، يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري - ثلاث مرات - اللهم أصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي - ثلاث مرات ـ اللهم أصلح لي آخرتي التي جعلت إليها مرجعي ـ ثلاث مراتٍ - )) وذكر دعاء آخر.
وفي إسناده: يزيد بن عياضٍ، متروك الحديث. وإسحاق بن طلحة، ضعيفٌ.
فأما الحديث الذي خرَّجه مسلم وغيره عن البراء بن عازب قال: (( كنا إذا صلينا خلف رسول الله - ﷺ أحببنا أن نكون عن يمينه ليقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك )).
فهذا ليس فيه أنه كان يجهر بذلك حتى يسمعه الناس، إنما فيه أنه كان يقوله بينه وبين نفسه، وكان يسمعه منه أحياناً جليسه، كما كان يسمع منه من خلفه الآية أحياناً في صلاة النهار.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية الحرَّاني ـ رحمه الله ـ كما في " مختصر الفتاوى المصرية"(ص40):
وكذلك التثويب بين الأذان والإقامة لم يكن على عهد رسول الله ﷺ بل كرهه أكثر الأئمَّة والسَّلف وعدوة بدعة، وكذلك الجهر بالدُّعاء عقيب الصلوات.اهـ

الوقفة السادسة / عن دعاء الإمام للمأمومين بعد الانتهاء من صلاة الفريضة وتأمينهم على دعائه.

قال شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المصري المالكي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفروق"(4/444 عند الفرق رقم:274):
كما كره مالك وجماعة من العلماء ـ رحمهم الله ـ لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبات جهراً للحاضرين.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب البغدادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(5/ 255):
ومن الفقهاء من يستحب للإمام الدعاء للمأمومين عقب كل صلاة، وليس في ذلك سنة، ولا أثر يتبع، والله أعلم.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية الحرَّاني ـ رحمه الله ـ كما في "جامع المسائل"(4/ 316 طبعة: دار عالم الفوائد، تمويل مؤسسة الراجحي):
ومنهم: من يدعو هو والمأمومون رافعين أيديهم وأصواتهم، وهذا أيضًا خلافُ السنة.اهـ
وقال العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي ـ رحمه الله ـ في "الفتاوى"(ص:127-128):
إن دعاء الإمام للجماعة في أدبار الصلوات ليس في السنة ما يعضده، بل فيها ما ينافيه، فإن الذي يجب الاقتداء به سيد المرسلين محمد ﷺ، والذي ثبت عنه من العمل بعد الصلوات:
إما ذكر مجرد لا دعاء فيه، كقوله: (( اللهم لا مانع لما لا أعطيت )) وأشباه ذلك.
وإما دعاء يخص به نفسه، كقوله: (( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت )) وأشباهه.
ولم يثبت أنه دعا للجماعة، وما زال كذلك مدة عمره، ثم الخلفاء الراشدون بعده، ثم السلف الصالح.اهـ
وقال في كتابه "الاعتصام"(2/ 452-454):
لأن حاله - عليه السلام - في أدبار الصلوات مكتوبات أو نوافل كانت بين أمرين:
إما أن يذكر الله تعالى ذكراً هو في العرف غير دعاء، فليس للجماعة منه حظ إلا أن يقولوا مثل قوله أو نحواً من قوله، كما في غير أدبار الصلوات، كما جاء أنه كان يقول في دبر كل صلاة: " لا أله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ...". ونحو ذلك، فإنما كان يقوله في خاصة نفسه، كسائر الأذكار، فمن قال مثل قوله فحسن، ولا يمكن في هذا كله هيئة اجتماع.
وإن كان دعاء، فعامة ما جاء من دعائه - عليه السلام - بعد الصلاة مما سُمع منه إنما كان يخص به نفسه دون الحاضرين، كما في الترمذي ...اهـ
ثم ذكر خمسة من الأدعية التي كان النبي ﷺ يقولها بعد سلامه من الصلاة، وقال:
فتأملوا سياق هذا الأدعية كلها مساق تخصيص نفسه بها دون الناس.اهـ
وقال الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة"(6/ 60 رقم:2544):
وجملة القول:
إنه لم يثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه بعد الصلاة إذا دعا.
وأما دعاء الإمام وتأمين المصلين عليه بعد الصلاة، كما هو المعتاد اليوم في كثير من البلاد الإسلامية، فبدعة لا أصل لها، كما شرح ذلك الإمام الشاطبي في "الاعتصام" شرحاً مفيداً جداً لا أعرف له نظيراً، فليراجع من شاء البسط والتفصيل.اهـ
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 179-180) إجابة على سؤال نصه:
" الإمام يدعو والجماعة يقولون: آمين، فما حكم ذلك في الشرع؟".
الجواب: لا نعلم له أصلاً في الشرع، فلم يكن النبي ﷺ يفعل ذلك إذا صلى الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، ما كان يفعل هذا الذي سألت عنه، وهو: "رفع اليدين، والدعاء من الإمام والمأمومين".
هذا شيء لا أساس له، ولا يشرع، بل هو بدعة، إذ لو كان مشروعاً لنقله الصحابة، وبينوه لنا عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ،.
ثم لو كان مشروعاً قد فعله النبي ﷺ لفعله الصحابة أيضاً، كالخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة، ولم يثبت عنهم فيما نعلم أنهم فعلوا ذلك، ولا أنهم نقلوه عن النبي ﷺ، فوجب تركه.
والإنسان إذا أحب أن يدعو، يدعو بينه وبين نفسه، من دون رفع اليدين، ومن دون الاجتماع مع الإمام، بل كما جاءت به الأحاديث أن الرسول ﷺ دعا بعد السلام بالذكر المعروف عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ، لكنه لم يثبت عنه ﷺ أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة، ولا أنه دعا وأمَّن معه المأمومون، والخير في اتباعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وهذه أمور ظاهرة يعلمها الناس، ويراها الناس، فلو فعل شيئاً من هذا لنقله الصحابة وعرفوه ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ فالواجب ترك ذلك، لأنه لم ينقل عن الرسول ـ ﷺ، ولا عن أصحابه، والخير في اتباعهم وسلوك سبيلهم ـ رضي الله عنهم ـ.اهـ
وقال الإمام محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع فتاوى ورسائل فضيلته"(13/ 258):
وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه فإن كان على وجه جماعي، بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون، فهذا بدعة بلا شك.
وإن كان على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة، مثل الاستغفار ثلاثاً، فإن الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء، ومثل قول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول: "رب أجرني من النار سبع مرات" بعد المغرب والفجر، إلى غير ذلك مما وردت به السنة.اهـ
وقال أيضاً (13/273-274):
دعاء الإمام بعد الصلاة بصوت جهوري، وتأمين المأمومين عليه من البدع المنكرة؛ لأن النبي ﷺ، وخلفاءه الراشدين، وسائر الأئمة، والمحققين من أتباعهم لم يفعلوها ولم يروها مشروعة.اهـ
وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في "شرح سنن النسائي"(15/385 رقم:1347):
وأما ما اعتاده الناس في كثير من البلدان:
من الدعاء الجماعي بعد الصلاة، بأن يدعو الإمام أو غيره ويؤمن القوم، فلم يصح له دليل، ولا هو منقول عن السلف، كما تقدم عن الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله تعالى ـ فالحذر كل الحذر من إحداث ما لم يكن في عهد السلف، فإن ذلك بلا ريب سبب التلف.اهـ

الوقفة السابعة / عن تخصيص الدعاء بعد الفريضة بصلاتين لا تنفل بعدهما وهما العصر والفجر.

قال العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"(3/ 465):
وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الامام بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له، وإن كان قد أشار إليه صاحب "الحاوي" فقال: إن كانت صلاة لا يتنفل بعدها كالصبح والعصر استدبر القبلة واستقبل الناس ودعا، وان كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب والعشاء فيختار أن يتنفل في منزله، وهذا الذى أشار إليه من التخصيص لا أصل له، بل الصواب استحبابه في كل الصلوات.اهـ
وقال الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد"(1/ 249):
وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر فلم يفعل ذلك هو، ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان، رآه من رآه عوضاً من السنة بعدهما، والله أعلم.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية الحرَّاني ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى"(22/ 517):
ومنهم من يستحب ذلك عقيب الفجر والعصر، كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم، ولم يكن معهم في ذلك سنة يحتجون بها، وإنما احتجوا بكون هاتين الصلاتين لا صلاة بعدهما.اهـ
وقال ابن سيّد الناس اليعمري الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه " النفح الشذي شرح جامع الترمذي"(4/ 563):
قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم المنفرد، وهو مستحب عقيب الصلوات كلها بلا خلاف، وأما من خص ذلك بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له.اهـ
وقال العلامة شمس الدين ابن مفلح المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفروع"(1/ 454):
ويدعو الإمام بعد الفجر والعصر لحضور الملائكة فيها، فيؤمنون على الدعاء، والأصح وغيرهما، جزم به صاحب "المحرر" وغيره.اهـ
ويؤكد بطلان هذا التخصيص:
ما أخرجه الإمام أحمد (22119و22126) والبخاري في "الأدب المفرد"(690) واللفظ له، وأبو داود (1522) والنسائي (1303) وابن خزيمة (751) والحاكم (1010 و 5194 ) وابن حبان (2021) عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( أَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ، قُلْتُ: وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )).
وقد صححه:
ابن خزيمة والحاكم وابن حبان والنووي والذهبي وابن حجر العسقلاني وابن الخطيب الشربيني وابن باز والألباني والوادعي ومحمد علي آدم الإتيوبي.
وقال الهيثمي - رحمه الله -: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن طارق وهو ثقة.اهـ
وقال عبد الرحمن بن قاسم – رحمه الله -: سنده جيد.اهـ
ووجه الاستدلال منه:
أن قوله ﷺ: (( تَقُولُهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاتِكَ )) عام، فتدخل فيه جميع الصلوات الخمس المكتوبة، التي يُتنفل بعدها والتي لا يتنفل، لأن "كل" من صيغ العموم.

الوقفة الثامنة / عن رفع اليدين عند الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة.

وجدت لأهل العلم في رفع اليدين عند الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة ثلاثة مسالك:
المسلك الأول: أن الأيدي ترفع.
وإلى هذا المسلك ذهب: القسطلاني في "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري"(ص:73- من كتاب "نُزل الأبرار بالعلم بالمأثور من الأدعية والأذكار") والحلواني الحنفي كما في "مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح"(ص:119-120) وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي السعدي الشافعي في "المقدمة الحضرمية"(ص73) ومحمد صديق حسن خان القنوجي البخاري في رسالته: "الفاكهة العريضة في جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة"(ص:521-527 ـ من كتابه "دليل الطالب على أرجح المطالب") وفي كتابه: "نزل الأبرار بالعلم بالمأثور من الأدعية والأذكار"(ص73) وأبي العلا المباركفوري في كتابه "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"(2/170-174 عند حديث رقم:299) ومحمد هاشم التَّتوي السندي في رسالته: "التحفة المرغوبة في أفضلية الدعاء بعد المكتوبة" ومحمد بن عبد الرحمن الأهدل الزبيدي في رسالته: "سنية رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة".
واحتج أهل هذا المسلك بعموم أحاديث الرفع ومطلقاتها التي تشمل ما بعد الفريضة حتى يقوم دليل على إخراجها.
ومن هذه الأحاديث:
أولاً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(1015) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ﷺ قال: (( أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ )).
ثانياً: ما أخرجه الإمام أحمد (23715) وأبو داود (1488) واللفظ له، والترمذي (3556) وابن ماجه (3865) وابن حبان (876) والحاكم (1830و 1832) وغيرهم عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ﷺ قال: (( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا )).
وقال الترمذي والبغوي ـ رحمهما الله ـ عقبه: حديث حسن غريب.اهـ
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه" بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية"(4/502):
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، قال: ورواه بعضهم ولم يرفعه، وهذا لا يضر.اهـ
وقال ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في "فتح الباري"(11/143): وسنده جيد.اهـ
وقال في "الأمالي الحلبية"(3) عقب حديث جابر:
هذا حديث غرِيب من هذا الوجه والمتن حسن.اهـ
وقال المناوي ـ رحمه الله ـ في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/251): إسناده جيد.اهـ
وصححه: الحاكم وابن حبان والذهبي والألباني وابن باز.
وقال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "جامع العلوم والحكم"(1/270 عند الحديث العاشر):
وروي نحوه من حديث أنس وجابر وغيرهما.اهـ
ومن كلام أهل هذا المسلك:
ما قاله العلامة صديق حسن القَنوجي البخاري الهندي ـ رحمه الله ـ في رسالة له طبعت في كتابه "دليل الطالب على أرجح المطالب"(ص:525-526) بعنوان:
" الفاكهة العريضة في جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة ":
رفع اليدين في الدعاء ثابت بكل من قول النبي ﷺ وفعله مطلقاً، لا مقيداً بالفريضة لا نفياً ولا إثباتاً، فعموم الأدلة ومطلقاتها تشمل الفريضة حتى يقوم دليل على تخصيصها.اهـ
وقال في كتابه: "نزل الأبرار بالعلم بالمأثور من الأدعية والأذكار"(ص73):
والحاصل أن رفع اليدين في الدعاء، أيّ دعاء كان، وفي أي وقت كان، بعد الصلوات الخمس أو غيرها، أدب من أحسن الآداب، دلَّت عليه الأحاديث عموماً وخصوصاً، ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع في الدعاء بعد الصلاة، لأنه كان معلوماً لجميعهم، فلم يعتنوا بذكره في هذا الحين.اهـ
ومن باب الزيادة:
فقد جاء في كتاب "البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة"(17/ 132) لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي ـ رحمه الله:
في رفع اليدين في الدعاء قال مالك:
(( رأَيت عامر بن عبد الله بن الزبير يرفع يديه وهو جالس بعد الصلاة يدعو )).
فقيل له: أَترى بذلك بأساً؟ قال: لا أرى بذلك بأساً.
قال الإمام القاضي:
إجازة مالك في هذه الرواية لرفع اليدين في الدعاء عند خاتمة الصلاة نحو قوله في "المدونة"، لأنه أَجاز فيها رفع اليدين في الدعاء، في مواضع الدعاء، كالاستسقاء، وعرفة، والمشعر الحرام، لأن خاتمة الصلاة موضع للدعاء.
واختلف قوله في "المدونة" في المقامين عند الجمرتين، فرآه في كتاب "الصلاة" من مواضع الدعاء ترفع الأيدي فيهما، ولم يره في كتاب "الحج الأول" من مواضع الدعاء التي ترفع الأيدي فيها.
وسئل: في رسم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من كتاب "الصلاة" عن رفع اليدين في الدعاء؟. فقال: ما يعجبني.
فظاهره خلاف لما في هذه الرواية، ولما في "المدونة"، وقد يحتمل أن يتأول ذلك على أنه إنَّما أراد الدعاء في غير مواضع الدعاء، ولذلك قال: إِنَّه لا يعجبه رفع اليدين في ذلك.اهـ
المسلك الثاني: أنها لا ترفع.
واختاره: الإمام ابن تيمية الحرَّاني ـ كما في "جامع المسائل"(4/ 316 طبعة: دار عالم الفوائد، تمويل مؤسسة الراجحي) وتلميذه العلامة ابن قيم الجوزية كما في كتاب: "نزل الأبرار بالعلم بالمأثور من الأدعية والأذكار"(ص:73) وعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب وابنه عبد اللطيف وسليمان بن سحمان وصالح بن محمد الشثري كما في "الدرر السَّنية في الأجوبة النجدية"(4/ 315-317) وعبد العزيز بن عبد الله بن باز كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 179-178 و196 و207) ومحمد ناصر الدين الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيء على الأمة"(6/ 60 رقم:2544) ومحمد بن صالح بن عثيمين كما في "مجموع فتاوى ورسائل فضيلته"(13/ 281) وصالح بن فوزان الفوزان في كتابه "الملخص الفقهي"(1/ 159) وبكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "تصحيح الدعاء"(ص:437و438) وعبد المحسن بن حمد العباد كما في شرحه على "سنن أبي داود".
ووجهة أهل هذا المسلك:
إن النبي ﷺ لم يُنقل عنه أنه رفع يديه في هذا الموضع، ولو رفع لنقل، واشتهر العمل به في القرون المفضلة، وتناقله الناس عن أهلها، لأن هذا الأمر مما تتداعى الهمم لنقله، لأنه يفعل أمام المصلين كل يوم عدة مرات، والمصلون خلف النبي ﷺ وخلف أصحابه كثر جداً.
ومن كلام أهل هذا المسلك:
أولاً: قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 141):
لأن النبي ما كان يفعل ذلك ـ عليه الصلاة والسلام ـ، لم يحفظ عنه أنه بعد الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر رفع يديه بالدعاء، فلا ينبغي رفعهما، لأن علينا أن نتأسى به ﷺ في الفعل والترك.اهـ
وقال أيضاً (9/ 180):
لكنه لم يثبت عنه ﷺ أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة، ولا أنه دعا وأمَّن معه المأمومون، والخير في اتباعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وهذه أمور ظاهرة يعلمها الناس، ويراها الناس، فلو فعل شيئاً من هذا لنقله الصحابة وعرفوه ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ فالواجب ترك ذلك، لأنه لم ينقل عن الرسول ـ ﷺ، ولا عن أصحابه، والخير في اتباعهم وسلوك سبيلهم ـ رضي الله عنهم ـ.اهـ
وقال أيضاً (9/207):
ولو كان هذا واقعاً لنقله الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فإنهم نقلوا كل شيء، فهم أمناء.اهـ
وقال أيضاً كما في "مجموع فتاويه"(9/239):
هكذا الدعاء بعد الفرائض الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ما كان ﷺ يرفع يديه بعد شيء منها, فالسنة في مثل هذا ألا ترفع الأيدي، بل الرفع في هذا بدعة، لأنه لم يثبت عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ولا عن أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ, ومعلوم أنه ﷺ لا خير إلا دَلَّ الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه.اهـ
ثانياً: قال الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة"(6/ 60 رقم:2544):
وجملة القول:
إنه لم يثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه بعد الصلاة إذا دعا.اهـ
المسلك الثالث: عدم الإنكار على من رفع يديه.
قال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البابطين النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(4/315 ):
الدعاء بعد الفرائض، إن فعله إنسان بينه وبين الله فحسن، وأما رفع الأيدي في هذه الحال فلم يرد عن النبي ﷺ، وخير الهدي هديه ﷺ، ومثل هذا ما أرى الإنكار على فاعله، ولو رفع يديه.اهـ

الوقفة التاسعة / عن الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة وهل هو خاص بالمأثور عن النبي ﷺ في هذا الموضع أو يدعو المصلي بما شاء.

الذي وجدته في كلام أكثر من وقفت عليهم من أهل العلم أن إقامة هذه السنة تحصل بمجرد الدعاء، سواء كان بالوارد عن النبي ﷺ في هذا الموضع، أو بعموم أدعيته، أو بأي دعاء جائز، إلا أن الدعاء بالوارد عندهم متأكد.
ويقوي هذا الأمر اختلاف الأدعية المنقولة في هذا الموضع عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فنقل عنهم غير ما نقل عن النبي ﷺ، ونقل عن عمر بن الخطاب نوع، وعن أبي موسى الأشعري نوع.
وقد تقد ذكر مخرجها ودرجتها.
ومن كلام العلماء في تأكيد هذا أو تقريره:
أولاً: قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الأم"(1/ 243):
وأستحب للمصلى منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة.اهـ
والشاهد من كلامه ـ رحمه الله ـ قوله:
ويكثر الدعاء رجاء الإجابة.اهـ
والوارد عن النبي ﷺ في هذا الموضع قليل.
ثانياً: قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المغني"(2/ 251):
فصل: ويستحب ذكر الله تعالى، والدعاء عقيب صلاته، ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر.اهـ
وفي كلامه ـ رحمه الله ـ هذا:
استحباب الدعاء عقيب الصلاة، إلا أن المستحب من هذه الأدعية هو الوارد.
ثالثاً: قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج ـ رحمه الله ـ في كتابه "المدخل"(2/263):
وكذلك يستحب لكل واحد من المصلين أن يدعو لنفسه ومن حضره من إخوانه المسلمين من إمام ومأموم، وليحذروا جميعاً من الجهر بالذكر والدعاء وبسط الأيدي عنده، أعني عند الفراغ من الصلاة إن كان في جماعة فإن ذلك من البدع، لما تقدم ذكره، إلا أن يريد الإمام بذلك تعليم المأمومين بأن الدعاء مشروع بعد الصلاة فيجهر بذلك.اهـ
فنصَّ على دعاء المصلي لغيره، مع أن سائر الثابت عن النبي ﷺ في هذا الباب دعاء لنفسه دون غيره.
رابعاً: جاء في كتاب "مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح"(ص:119-120) من كتب الحنفية:
[ فصل: في الأذكار الواردة بعد الفرض...
ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين.اهـ
خامساً: جاء في كتاب "إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين"(1/215) من كتب الشافعية:
ثم يدعو بعد ذلك بالجوامع الكوامل، وهي:
اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال.
اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم ارزقني طيباً، واستعملني صالحاً.
اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي.
اللهم إني أسألك ك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي.
اللهم اجعل سريرتي خيراً من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة.
اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأسألك رزقاً طيباً، وأسألك عملاً متقبلاً.
اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك.
اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اهـ
سادساً: قال الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي ـ رحمه الله ـ في كتابه "آداب المشي إلى الصلاة"(ص:11-12):
ويسن ذكر الله، والدعاء والاستغفار عقب الصلاة، فيقول: "أستغفر الله" ثلاثاً، ثم يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"، "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
ثم يسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحداً من الناس: "اللهم أجرني من النار" سبع مرات.
والإسرار بالدعاء أفضل، وكذا بالدعاء المأثور، ويكون بتأدب وخشوع وحضور قلب ورغبة ورهبة لحديث: (( لا يستجاب الدعاء من قلب غافل )) ويتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ويتحرى أوقات الإجابة، وهي: ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلاة المكتوبة، وآخر ساعة يوم الجمعة، وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي، ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمَّن عليه، ويكره رفع الصوت.اهـ
سابعاً: قال العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإحكام شرح أصول الأحكام"(1/ 245-246):
ويستحب للعبد إذا فرغ من صلاته واستغفر الله وذكره وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة مما تقدم وغيره، أن يصلي على النبي ﷺ، ويدعو بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة مستجاب.اهـ
ثامناً: قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 160):
ويأتي بالأذكار الشرعية، ويدعو لِما أحب، بينه وبين نفسه، من دون رفع يدين، هذا هو السنة.اهـ
وقال أيضاً (9/ 196):
ولكن يدعو الإنسان في نفسه بعد الذكر بما يسر الله.اهـ
تاسعاً: قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ سلمه الله ـ كما في "المنتقى من فتاوى الفوزان"(2/ 680):
الدعاء بعد الصلاة لا بأس به، لكن كل مسلم يدعو بمفرده، يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين، ويدعو بمصالح دينه ودنياه، يدعو منفرداً، لا يكون الدعاء جماعياً.اهـ
وقال في كتابه "الملخص الفقهي"(1/ 159):
ثم بعد الفراغ من هذه الأذكار يدعو سراً بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة وهذه الأذكار العظيمة أحرى بالإجابة.اهـ

الوقفة العاشرة / عن ترتيب هذا الدعاء وهل هو قبل الذكر أو بعده أو في أثنائه.

من نظر في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وجد أنهم يقدمون لفظ الذكر على لفظ الدعاء، فيقولون مثلاً:
ويستحب الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة.
ومن صريح كلام بعضهم في تقديم الذكر على الدعاء ما يأتي:
أولاً: جاء في كتاب "مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح"(ص:119-120) من كتب الحنفية:
ويستحب للإمام بعد سلامه أن يتحول إلى يساره للتطوع بعد الفرض، وأن يستقبل بعده الناس، ويستغفرون الله ثلاثاً، ويقرؤون آية الكرسي والمعوذات، ويسبحون الله ثلاثاً وثلاثين ويحمدونه كذلك ويكبرونه كذلك، ثم يقولون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين.اهـ
ثانياً: جاء في كتاب " تحفة المحتاج في شرح المنهاج"(2/ 104) و "حاشية الجمل"(1/ 402) من كتب الشافعية:
قال البكري في "الكنز":
ويَندب عقب السلام من الصلاة أن يبدأ بالاستغفار ثلاثاً، ثم قوله: "اللهم أنت السلام"، ثم يقول: "اللهم لا مانع" إلخ، ويختم بعد ذلك بما ورد من التسبيح والتحميد والتكبير المشار إليه، ثم يدعو، فُهم ذلك كله من الأحاديث الواردة في ذلك.اهـ
ثالثاً: قال العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإحكام شرح أصول الأحكام"(1/ 245-246):
ويستحب للعبد إذا فرغ من صلاته واستغفر الله وذكره وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة مما تقدم وغيره، أن يصلي على النبي ﷺ، ويدعو بما شاء.اهـ
رابعاً: قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ كما في "فتاوى نور على الدرب"(9/ 166-167):
الدعاء بعد الصلاة لا يكره، بل مستحب، كونه يدعو بينه وبين ربه في آخر الصلاة بعد الذكر.اهـ
وقال أيضاً (9/ 185):
إذ أتيت بالأذكار تدعو بعد السلام أيضاً، بينك وبين نفسك، بينك وبين ربك بعد الذكر.اهـ
خامساً: قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ سلمه الله ـ في كتابه "الملخص الفقهي"(1/ 159):
ثم بعد الفراغ من هذه الأذكار يدعو سراً بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة وهذه الأذكار العظيمة أحرى بالإجابة.اهـ
سادساً: قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه "تصحيح الدعاء"(ص:430):
ثم بعد الذكر يشرع في الأدعية.اهـ
ولعلَّ الأمر في هذا واسع وسهل، لأن من نظر إلى الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ في الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة وجدها على ضربين:
الأول: نصوص فيها تقديم بعض الأدعية.
ومن هذه النصوص:
أولاً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًاً، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ )).
وقال الإمام محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع فتاوى ورسائل فضيلته"(13/ 266-267):
وأما الدعاء أدبار الصلوات المكتوبة ففيه الاستغفار، فقد كان النبي ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً.
والاستغفار: طلب المغفرة، وهو دعاء، لكن ظاهر السنة فيه عدم الرفع.اهـ
ثانياً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ )).
وهذا يشعر بأنه سمعه من النبي ﷺ حين أقبل عليهم بوجهه، فيكون وقع قبل التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والقراءة.
وقد أخرج مسلم في "صحيحه" (592) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: (( كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلاَّ مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ )).
الثاني: نصوص ليس فيها تحديد.
ومن هذه النصوص:
أولاً: ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( أَخَذَ بِيَدِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ، قُلْتُ: وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )).
ثانياً: ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن مسلم بن أبي بكرة أنه قال: (( كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ، فَقَالَ أَبِي: أَيْ بُنَيَّ، عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا؟ قُلْتُ عَنْكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ )).
ثالثاً: ما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" عن عمرو بن ميمون الأَوْدِيِّ أنه قال: (( كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ )).
رابعاً: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(771-202) وأبو داود (760) واللفظ به، وغيرهما من حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وفيه: (( وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،)).

وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.