أبو بكر يوسف لعويسي
18-Sep-2016, 12:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، ثم الصلاة والسلام على خير رسله ، وصفوته من خلقه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
وبعد : إن الحكم الشرعي إما وضعي أو تكليفي ومنه العزيمة و الرخصة ، فالعزيمة (1)حيث القدرة والاستطاعة ، والرخصة حيث المشقة والضرر والعذر والاضطرار .
وليس من شك أن هذا الدين يسر ، وأن الله ما كلف عباده إلا بمقدورهم ، وما كان فيه مشقة وحرج خففه عنهم ورفع عنهم إصرهم حتى يمكنهم أن يعبدوه كما أراد لهم أن يكونوا عليه لا كما أرادوا أن يكونوا ؛ فإن هذا الأخير وهو عبادة الله بهوى النفس وغرضها فيه إسقاط للتكاليف الشرعية وربما وصل الأمر بالفاعل إلى تحليل ما حرم الله ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم أو ربما خرج بذلك من الدين – والعياذ بالله - لذلك وجب على العبد أن يتحفظ من تتبع كل الرخص للعلماء واتباع حظوظ نفسه ، وأن يأخذ بالأمر والنهي على مراد الله ورسوله فما كان فيه رخصة شرعية أخذ بها كما يأخذ بالعزيمة وما لم يكن كذلك أخذ به على وجهه المشروع ،ولا يتبع كل زلة كل عالم وترخصهم ، فإن زلة العالِم هدم للعالمَ .
وقد جاء الشرع بالأحكام الشرعية وألزم بها المؤمنين وفيها العزيمة والرخصة والذي يهمنا في هذا المبحث هو الرخصة لقوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
قال العلامة السعدي - رحمه الله - (1/86)أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله، سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها، لأن تفاصيلها، جميع الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات.
ولقوله تعالى :{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ }( سورة الحج :78)
قال الشيخ العلامة السعدي – رحمه الله – في تفسيره (1/546) :ولما كان قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} ربما توهم متوهم أن هذا من باب تكليف ما لا يطاق، أو تكليف ما يشق، احترز منه بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح
المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية، شيء كثير معروف في كتب الأحكام.
ولقوله تعالى :{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولقوله تعالى : {فإن مع العسر يسرا ..} ولقوله صلى الله عليه وسلم: (( يسروا ولا تعسروا )) وقوله : (( عليكم برخصة الله الذي رخص لكم .. )) رواه مسلم .
وقوله: ((إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) . صحيح الجامع 1885 – وقال (صحيح) ... [حم هق] عن ابن عمر [طب] عن ابن عباس وعن ابن مسعود. الإرواء(564)، وصحيح الترغيب (1052).
وقد استنبط العلماء من هذه النصوص قواعد كثيرة جامعة .
منها : ( لا ضرر ، ولا ضرار ) .
ومنها : ( المشقة تجلب التيسير ).
ومنها : ( الضرر يزال والحرج مرفوع ).
ومنها : ( إذا ضاق الأمر اتسع )وغيرها .. وقد جمعها الشيخ العالم الفاضل السعدي في بيت في منظومته في القواعد بقوله :
ومن قواعد شرعنا التيسير - - في كل أمر نابه تعسير .
ولكن هذه الرخصة أو الترخص منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم . ولذلك قسم العلماء الرخص إلى قسمين ، رخصة شرعية مؤذون فيها وهي التي جاءت فيها تلك الأدلة ، وأخرى رخصة مذمومة غير مؤذون فيها ، وهي ما يسميه العلماء تتبع الرخص ، أو الترخص المذموم ، وما قالوا فيه : من تتبع رخص العلماء وشواذهم تزندق أو اجتمع فيه الشر كله .
وهناك أمر آخر مهم يتعلق بهذه المسألة ويلتبس على بعض طلبة العلم ، ويغفل عنه بعضهم ، وهو التلفيق في الفتوى والتفقه في الاتباع ، فهل ذلك يعد من تتبع الرخص فيكون محظورا ومنهيا عنه ، أو أنه خارج عن ذلك ، وكيف يمكن أن نفرق التلفيق وبين تتبع الرخص ، وهل كل تلفيق مذموم مطلقا أم أن هناك شروط لجوازه ؟
ولقد ظهر اليوم جليا تتبع الرخص عند الكثير ممن تتجارى بهم الأهواء وميعوا دين الله تعالى فكلما وجدوا حكما شرعيا في غير صالحهم ولا غرض نفوسهم أولوه أو حرفوا معناه ، ولووا عنقه وخرجوا يلهثون باحثين في كل مذهب وفتاوى الأئمة المجتهدين عما يوافق أهواهم وينصرون بها اعوجاجهم متتبعين للترخص المذموم من كل مذهب ، وقول شاذ أو نادر من نوادر العلماء ، بحجة أخذ الحق وقبوله من كل أحد ، وفي الحقيقة هو تتبع للرخص من كل أحد رخص لهم في شيء ..
كما خرج بعض أئمة الضلالة اليوم يلفقون بين أقوال بعض العلماء ليحدثوا أقوالا حديثة أو أحكاما جديدة تنافى الأحكام الشرعية ، لم يقل بها أحد من العلماء ولا أقرها أحد من المجتهدين تسهيلا وتيسيرا على الفرد والمجتمع – زعموا – وكل ذلك
فرارا من الأحكام الشرعية التي تخالف حظوظ نفوسهم، وتلاعبا بالدين ، وتتبعا للرخص المذمومة تمييعا للدين باسم الدين .
وقبل أن أتطرق إلى ما قصدت من هذا البحث أعرف كل من الرخصة الشرعية ، وأضرب لها بعض الأمثلة ، كما أعرف كل من تتبع الرخص والتلفيق وحكمهما باختصار ثم أذكر الفرق بينهما .
تعريف الرخصة :
الرُّخْصَةُ فِي اللُّغَةِ - بِتَسْكِينِ الْخَاءِ - فَعِبَارَةٌ عَنِ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: رَخَصَ السِّعْرُ: إِذَا تَيَسَّرَ وَسَهُلَ، وَبِفَتْحِ الْخَاءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ.
وفي مختار الصحاح (1/120) ر خ ص: (الرُّخْصُ) ضِدُّ الْغَلَاءِ وَقَدْ رَخُصَ السِّعْرُ بِالضَّمِّ (رُخْصًا) وَ (أَرْخَصَهُ) اللَّهُ فَهُوَ (رَخِيصٌ) وَ (ارْتَخَصَ) الشَّيْءَ اشْتَرَاهُ رَخِيصًا وَ (ارْتَخَصَهُ) أَيْضًا عَدَّهُ رَخِيصًا. وَ (الرُّخْصَةُ) فِي الْأَمْرِ خِلَافُ التَّشْدِيدِ فِيهِ وَقَدْ (رُخِّصَ).
وقال ابن سيده في المخصص(3/435) وَمِنْه رخّصْت لَهُ فِي الْأَمر - أذِنْت لَهُ فِيهِ بعد النَّهْي عَنهُ وَالِاسْم الرُخْصة والرخُصة.
وفي لسان العرب (7/40): والرُّخُصةُ والرُّخْصةُ: تَرْخِيصُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي أَشياءَ خَفَّفَها عَنْهُ. والرُّخْصةُ فِي الأَمر: وَهُوَ خِلَافُ التَّشْدِيدِ، وَقَدْ رُخِّصَ لَهُ فِي كَذَا ترْخِيصاً فترَخَّصَ هُوَ فِيهِ أَي لَمْ يَسْتَقْصِ. وَتَقُولُ: رَخَّصْت فُلَانًا فِي كَذَا وَكَذَا أَي أَذِنْت لَهُ بَعْدَ نَهْيِي إِيّاه عَنْهُ.
وفي الشرع :
قال شيخ شيوخنا الأمين الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه ( ص60) الرخصة هي : الحكم الشرعي الذي غيّر من صعوبة إلى سهولة ويسر لعذر اقتضى ذلك مع قيام سبب
الحكم الأصلي . نقل هذا التعريف من رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب للسبكي .
وعرفها ابن حزم في الإحكام (1/132) بعد أن ذكر تعاريف العلماء وناقشها فقال : الرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ مِنَ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ .
ولعل هذا أقرب لأن الرخصة تشريع أيضا وليس اجتهاد العلماء ، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يحب إن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه )).
ومن أمثلتها : الذي لا يستطيع استعمال الماء لعدم القدرة عليه ، أو لعدم وجوده فقد رخص له أن يستعمل التيمم لقوله تعالى :{ فلم يجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } النساء :43) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّمَا كَانَ يكفيك أن تقول هكذا ..)) البخاري (347) ، ومسلم (368).
قَالَ عمار بن يَاسر- رضي الله عنه - : كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي سفر ففقد عقد لعَائِشَة – رضي الله عنها - فطلبوه حَتَّى أَصْبحُوا وَلَيْسَ مع الْقَوْم مَاء فَنزلت الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم.
ومنها أكل الميتة للمضطر في مخمصة كما قال تعالى : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } ( المائدة :3).
ومنها قوله تعالى :{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة/ 185).
وغير ذلك وهو كثير في القرآن والسنة ،وهذا تشريع من الله تعالى فيه تسهيل وتخفيف ورفع للاضطرار والمشقة والحرج عن هذه الأمة المرحومة .
تعريف تتبع الرخص :وردت عدة تعريفات لتتبع الرخص وسأذكر بعضا منها هو أقرب مطابقة إلى المعني الذي نبحثه .
قال الشاطبي - رحمه الله- في الموافقات (5/99): تَتَبُّعُ الرُّخَصِ( هو) مَيْلٌ مَعَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَالشَّرْعُ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى .
وعرفه بدر الدين الزركشي في البحر المحيط (6/325) : بأنه : (اختيار المرء من كل مذهب ما هو الأهون عليه ).
وقال ابن عبد البر - رحمه الله - هو : ( الأخذ بما يوافق الهوى والغرض من أقوال العلماء )جامع بيان العلم وفضله" (2/92) .
وقيل هو أن يأخذ الشخص من كل مذهب ما هو أهون عليه، وأيسر مما يطرأ من المسائل بقصد التشهي والتخير بما يوافق هوى النفس .
وقال بعضهم هي: الفتوى بِمَا يُسَهِّلُ عَلَى السَّائِلِ وَيُوَافِقُ هَوَاهُ، وَإِنْ كَانَ شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ الْمُلْتَزَمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ.
وهذا قريب مما قاله ابن القيم - رحمه الله- في إعلام الموقعين (4/211) :
قال : (( وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان)) .
وعرفه المجمع الفقهي الدولي بأنه : ( ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحا لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره ) .مجلة المجمع الفقهي ..
وبينها الشيخ سليمان بن سمحان غاية البيان مع ضرب الأمثلة لها بقوله – رحمه الله - لما سئل عنها :
المسألة الحادية عشر: قول السائل: ما الرخص المذمومة المذموم الترخص بها التي قيل فيها من تتبع الرخص تزندق أو كاد. فإن أكثر من لدينا إذا سمع ما لم يدره ولا هو على باله عد ذلك رخصة.
فالجواب أن نقول : الرخص المذمومة التي من ترخص بها تزندق هي ما جاء عن العلماء في بعض المسائل في المعاملات : كالربا وكالأنكحة وغيرها، مما اختلف العلماء فيه : كمن ترخص بقول مالك - رضي الله عنه- بجواز أكل الكلاب والحشرات وغيرها مما حرم الشرع أكله، مستدلا بقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (الأنعام: من الآية145) الآية. فمن ترخص بقول مالك في أكل ما عدا هذه المحرمات المذكورات في بعض الآية فقد أخطأ.
وقال بعض العلماء: إنه يجوز للرجل أن يتزوج من النساء تسعا لقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (النساء: من الآية3) .
وقول بعضهم: إذا وجبت الزكاة أن للرجل أن يهب ماشيته أو نقوده قبل أن يحل وقت الزكاة بشهر أو شهرين لزوجه أو بعض أقاربه لئلا تجب فيها الزكاة، فإذا ذهب وقت إخراجها استرجع ماشيته أو نقوده، وهكذا أبدا يفعل عند وجوب الزكاة.
وكما ترخص بعض الحنفية بقول أبي حنيفة بعدم وجوب الطمأنينة في الصلاة مستدلا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج: من الآية77) .
ونظيره دعواهم أن الإيمان واحد والناس فيه سواء، وهو مجرد التصديق، وليست الأعمال داخلة في ماهيته، وإن مات ولم يصل قط في عمره مع قدرته وصحة جسمه وفراغه فهو مؤمن، إلى غير ذلك مما لا يحصى ولا يستقصى مما رخص فيه بعض العلماء بقول متبوعهم.
فإذا أردت مسألة في أمر أو نهي أو معاملة وقد اختلف العلماء فيها بين مانع من ذلك ، ومرخص في هذه المسألة ومستنده في ذلك حديث ضعيف أو قياس فاسد أو استحسان أو احتياط يخالف ما أصّله العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، فمن ترخص بها وليس عليه دليل شرعي من أقوال من ذكرنا من العلماء في أي مسألة كانت من الفروع.
ومع من خالفه في النهي عنها الحق والصواب؛ فقد أخطأ لمخالفته ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو التابعين لهم بإحسان أو من بعدهم من الأئمة المهتدين.
فمن أخذ بشيء من هذه المسائل التي رخّص فيها بعض العلماء من غير دليل شرعي، وقصده في ذلك اتباع ما يهواه ، لا ما يحبه الله ويرضاه فقد تزندق .. منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع (1/ 123-125).
ذلك أنه لا أحد من العلماء يقول بإباحة جميع الرخص، فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى في المذهب الآخر.
قال الشاطبي - رحمه الله - ثُمَّ نَقُولُ: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ مَيْلٌ مَعَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَالشَّرْعُ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى؛ فَهَذَا مُضَادٌّ لِذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمُضَادٌّ أَيْضًا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاءِ: 59] ، وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَوْضِعُ تَنَازُعٍ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَى الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ تُبَيِّنُ الرَّاجِحَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ لَا الْمُوَافِقِ لِلْغَرَضِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رحمه الله - : لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ، كَانَ فَاسِقًا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ - رحمه الله - : لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ - يَعْنِي الْغِنَاءَ - وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، وَبَقَوْلِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ، وَبَقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الْمُسْكِرِ؛ كَانَ أَشَرَّ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَخَصَّ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ التَّفْسِيقَ بِالْمُجْتَهِدِ، إِذَا لَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُ إِلَى الرُّخْصَةِ، وَاتَّبَعَهَا الْعَامِّيُّ الْعَامِلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ؛ لِإِخَلَالِهِ بِفَرْضِهِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ، فَأَمَّا
الْعَامِّيُّ إِذَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُفَسَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَ مَنْ سُوِّغَ اجْتِهَادُهُ.إرشاد الفحول (2/253).
قال الشاطبي - رحمه الله - الموافقات / 5/102) فَصْلٌ:
وَقَدْ أَذْكُرُ هَذَا الْمَعْنَى جُمْلَةً مِمَّا فِي اتِّبَاعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، سِوَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي تَضَاعِيفِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَالِانْسِلَاخِ مِنَ الدِّينِ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ إِلَى اتِّبَاعِ الْخِلَافِ، وَكَالِاسْتِهَانَةِ بِالدِّينِ إِذْ يَصِيرُ بِهَذَا الِاعْتِبَارُ سَيَّالًا ( أي مميعا ) لَا يَنْضَبِطُ، وَكَتَرْكِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ إلى ما ليس بمعلوم؛ لأن المذاهب الْخَارِجَةَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ مَجْهُولَةٌ، وَكَانْخِرَامِ قَانُونِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، بِتَرْكِ الِانْضِبَاطِ إِلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَكَإِفْضَائِهِ إِلَى الْقَوْلِ بِتَلْفِيقِ الْمَذَاهِبِ عَلَى وَجْهٍ يَخْرِقُ إِجْمَاعَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَكْثُرُ تَعْدَادُهَا، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْغَرَضِ لَبَسَطْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ كافٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
حكم تتبع الرخص :
منع جمهور العلماء تتبع الرخص ، وشددوا في ذلك وفسقوا الفاعل لذلك بقصد التشهي وإصابة الغرض ، واتباع الهوى بل حكم بذلك بعض العلم بزندقة الفاعل واجتماع كل الشر فيه .
ونقل ابنُ عبد البر في جامع بيان العلم وفضله" (2/92) وابن حزم الأندلسي في الإحكام الإجماع والاتفاق على المنع من تتبع الرخص .
ولكن بعض العلماء له تحفظ على هذا الإجماع لأنه ورد عن الإمام أحمد روايتان في تفسيق المتتبع للرخص ، وأجاز بعض العلماء من الأحناف والشافعية وبعض المالكية تتبع الرخص وقالوا لا يوجد مانع من ذلك ،فالأخذ بالأخف والأيسر سنة من سنن المصطفى ، لكن القرافي من المالكية قيده بألا يترتب عليه باطل عند جميع من قلدهم، وقيد غيره ذلك بألا يكون الشخص قد باشر التصرف وفق القول الأول .
والخلاصة أن تتبع الرخص عند الأئمة المجتهدين المحققين بقصد التشهي والتهرب من التكليف ، واتباع هوى النفس ، والشواذ من أقوال العلماء بقصد التخفيف لا طلبا للحق بقوة الدليل وسطوع البراهين فغير جائز.
قال ابن حزم - رحمه الله -: وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدِّين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له، غير طالبين ما أوجبه النص عن اللَّه تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم الإحكام، له: 5 ص 645
أما إذا لم يكن ديدنه تتبع الرخص في كل شي من كل مذهب ، وأقوال المجتهدين ولم يكن قصده التهرب من الأحكام والتكاليف الشرعية ، ولم يكن قصده اتباع الهوى وحظوظ النفس ، ولم يكن أيضا قصده إسقاط الحكم الشرعي والتلفيق بإحداث قول لم يقل به أحد من أهل العلم ، وكان يقصد طلب الحق ولو كان ذلك باتباع الأخف والأيسر فهذا جائز ولا حرج عليه .
تعريف التلفيق : التلفيق له علاقة وثيقة بتتبع الرخص ولذلك سماه بعض أهل العلم بأنه :(تتبع الرُّخص عَن هوى ) بمعنى أن يكون أحدهما سلما وطريقا للأخر ..
ممن يكون التلفيق وتتبع الرخص؟
من خلال بحثي في الموضوع تبين أن التلفيق يكون ممن له علم بالفقه وأقوال المجتهدين والخلاف في مسائل المعاملات ، بحيث يمكنه أن يركب مسألة من حكمين مختلفين ..
وأما تتبع الرخص فيكون من العوام وطلاب العلم ، وحتى من بعض العلماء تيسيرا وتخفيفا على الفرد والمجتمع في النوازل والنوائب وقد تكون نيته حسنة ، وقد يكون عن قصد سيء وهو شر أنواعه .
والمقصود بالتلفيق عند العلماء هو الإتيان بكيفية أو حكم مسألة لا يقول بها أحد من المجتهدين ، وذلك بأن يأتي مسألة واحدة أو قضية ما يلفق حكمها من قولين
أو أكثر لمجتهدين يتولد من ذلك حقيقة مركبة لا يقول بها أحد من الأئمة العلماء . من عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق (ص91) بتصرف .
حكم التلفيق :
لقد اختلف العلماء في حكم التلفيق كما اختلفوا في حكم تتبع الرخص وغيرهما من المسائل ، فمنهم من أجازه مطلقا ، ومنهم من منعه كلية ، والصحيح الراجح التفصيل فيجوز بشروط وهذا ما اختاره شهاب الدين القرافي من المالكية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، والشيخ العلامة المعلمي وهو الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي . ينظر أقوالهم في بحث التلفيق في الاجتهاد والتقليد .
ونستطيع أن نجمل الشروط التي ذكروها في خمسة هي :
1 – يمنع التلفيق إذا أدى ذلك إلى الأخذ بالترخص الممنوع أو تتبع الرخص المذمومة ، قال العلامة المعلمي - رحمه الله –في التنكيل (2/384): ( وقضية التلفيق إنما شددوا فيها إذا كانت لمجرد التشهي وتتبع الرّخص ).
وأشهر مثال في ذلك : تلفيق بعض الشعراء في الأبيات المشهورة لأبين نواس حيث زعم الملفق أن أبا حنيفة أباح النبيذ والشافعي قال : النبيذ والخمر شيء واحد فلفق من القولين قولا ثالثا نتيجته أن الخمر حلال .
قال الشاعر الملفق :
أَبَاحَ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ - - وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ
وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ ... فَحَلَّ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ
سآخذ من قوليهما طرفيهما ... وأشربُها لا فَارقَ الوازرَ الوزرُ
ونسب هذه الأبيات الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرا الأدباء (1/ 769) إلى ابن الرومي ولعل هذا أقرب إلى الصواب لأنها مثبتة في ديوانه .
2 - إذا أدى ذلك التلفيق إلى نقض حكم الحاكم ،لأن حكمه يرفع الخلاف درءا للمفسدة والفوضى .
3- إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه .
4 – إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها ولا يقول بها أحد من المجتهدين ،كمن يتزوج امرأة بلا ولي حسب رأي الحنفية، وبلا شهود حسب رأي المالكية فيقلد الحنفية في ذلك ويقلد المالكية في ذلك فينتح زواج بدون ولي ولا شهود ويجوز للمرأة أن تزوج نفسها على هذا القول وتكتفي بالإعلان بعد الإيجاب والقبول بينها وبين الرجل وهذا الزواج باطل لأن أحدا من الحنفية والمالكية وغيرهم لا يقول به .
وهذا الحكم المولد مخالف للأدلة الثابتة الصحيحة ، ومعلوم أن الأصل في الفروج الحرمة إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع فتحل . قال الشيخ السعدي في منظومة القواعد :
والأصل في الأبضاع واللحوم - - والنفس الأموال للمعصوم
تحريمها حتى يجئ الحل - - فافهم هداك الله ما يحل .
ومثاله: أن يطلق شخص زوجته ثلاثًا، ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل حسب رأي الشافعية، ثم يصيبها الصبي، ثم يطلقها مع عدم العدة حسب الرأي الإمام أحمد وذلك لتحل لزوجها الأول.
فهذا التلفيق ممنوع؛ لأنه أشبه باللعب، ويناقض اتفاق العلماء بمنع إحداث قول ثالث إذا افترق العلماء على قولين، وهذا فرع أيضًا عن نظرية التقليد.
يقول السفاريني في التحقيق لأبطال التلفيق (ص171): وهذا الباب لو فتح لأفسد الشريعة الغراء ، ولأباح جل المحرمات ثم استشهد ببعض الأمثلة التي سبقت وقال : وهذا لا يمكن أن يقول به عاقل .
5 - إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدا في واقعة معينة هروبا من الحكم الشرعي فيها.
أما التلفيق بأخذ رأي مذهب مثلًا في الوضوء، ثم الأخذ برأي مذهب آخر في وضوء آخر، فلا مانع، أو الأخذ برأي مذهب آخر في جزئية في الوضوء لكنها لا
تتنافى مع المذهب الأول، كمن توضأ وضوء كاملًا مع السنن حسب المذهب الشافعي ، ومسح جميع رأسه ، ودلك الأعضاء، ثم لمس امرأة أجنبية دون قصد شهوة ، فيجوز له أن يصلي بذلك الوضوء باعتبار أنه لم ينقض حسب المذهب الحنفي والمالكي، وهذا فرع عن مسألة أخرى وهي جواز مخالفة الشخص لمذهبه.
الفرق بين تتبع الرخص والتلفيق :
وبعد هذه الجولة المختصرة والمفيدة في رياض كتب أهل العلم يمكننا أن نخلص إلى الفروق بين تتبع الرخص المذموم وبيت التلفيق فبينهما فروق من عدة نواحي منها :
1 - أن تتبع الرخص يكون بأخذ القول الأخف والأسهل في المسائل الخلافية.
1 – التلفيق حقيقته الجمع بين قولين في مسألة واحدة مترابطة .
2 – أن التلفيق فيه إحداث قول مركب من أقوال العلماء لا يقول به أحد من الأئمة العلماء ولا يقررونه .
2- تتبع الرخص ليس فيه إحداث قول ثالث مركب من قولين أو أكثر وإنما هو أخذ بقول أحد العلماء المجتهدين .
3 – أن التلفيق قد يؤدي إلى مخالفة الشرع ، وإجماع العلماء ، هروبا من الحكم الشرعي .
3- بخلاف تتبع الرخص فهو أخذ بقول عالم قصد التسهيل والتيسير فجاء المتتبع للرخص فوجده موافقا لهوى نفسه فأخذ به .
4- التلفيق في الغالب ممن له علم بالفقه والخلاف فيه .
4- أما تتبع الرخص فيكون من العوام وطلبة العلم والمميعة بين المذاهب الفقهية المتشعبة .
5- التلفيق إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع فهو جائز وإلا فهو تلاعب بالدين وهروب من الأحكام الشرعية المخالفة لتوجه الشخص وحظوظ نفسه .
5- كذلك تتبع الرخص إذا كان قصد التشهي واتباع الهوى والأخف الموافق لغرض الهوى فهو زندقة وشر .
6- المتتبع للرخص يمكنه أن يستدل بالعمومات الواردة في الرخص الشرعية وقصده الترخص المذموم .
6- الملفق يستدل بما تصول إليه من التركيب بالتلفيق من أقوال المجتهدين سواء كانت أقوالهم مبنية على الاستنباط من الدليل أو الاجتهاد بالرأي .
7 - تتبع الرخص يكون في الغالب تمييع وتفريط وعدم التقصي في طلب الحق.
7- أما التلفيق فقد يكون الحكم الناتج عنه إلى الأشد والأصعب ، وسببه التنطع والغلو والإفراط عند الملفق .
وأخيرا قد يكون أحدهما سلما وطريق إلى الآخر ، فيمكن أن يلفق من أجل تتبع الرخص ، ويمكن لا يجد رخصة إلا بالتلفيق بين قولين أو مذهبين .(2).
فنسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأنيرينا الحق حقا ورزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه .
وكتب محب العلم والإنصاف - - على طريقة صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي
في ليلة السادس عشر من ذي الحجة 1437هـ
--------------------
الهوامش:
1 - قال أبو محمد بن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (1/131) [الصِّنْفُ السَّادِسُ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ] أَمَّا الْعَزِيمَةُ، فَفِي اللُّغَةِ الرُّقْيَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ الْمُؤَكَّدِ عَلَى أَمْرٍ مَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أَيْ قَصْدًا مُؤَكَّدًا.
وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ الرُّسُلِ " أُولُو الْعَزْمِ " لِتَأَكُّدِ قَصْدِهِمْ فِي إِظْهَارِ الْحَقِّ.
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ، فَعِبَارَةٌ عَمَّا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا.
ذَكَرَ الشَّاطِبِيُّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ، وَعَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى كُلِّ إِطْلَاقٍ مَعَ التَّوْضِيحِ بِالْأَمْثِلَةِ، وَذَكَرَ فُرُوعًا كَثِيرَةً تُبْنَى عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ وَشَرْحَ مَا أَجْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى مَسَائِلِ النَّوْعِ الْخَامِسِ فِي الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ (جـ 1 مِنَ الْمُوَافِقَاتِ).
2- استفدت في هذا البحث من رسالة تتبع الرخص بين الشرع والواقع وقرارات المجمع الفقهي الدولي وعمدة التحقيق في التقليد والتلفيق وغيرها .
الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، ثم الصلاة والسلام على خير رسله ، وصفوته من خلقه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
وبعد : إن الحكم الشرعي إما وضعي أو تكليفي ومنه العزيمة و الرخصة ، فالعزيمة (1)حيث القدرة والاستطاعة ، والرخصة حيث المشقة والضرر والعذر والاضطرار .
وليس من شك أن هذا الدين يسر ، وأن الله ما كلف عباده إلا بمقدورهم ، وما كان فيه مشقة وحرج خففه عنهم ورفع عنهم إصرهم حتى يمكنهم أن يعبدوه كما أراد لهم أن يكونوا عليه لا كما أرادوا أن يكونوا ؛ فإن هذا الأخير وهو عبادة الله بهوى النفس وغرضها فيه إسقاط للتكاليف الشرعية وربما وصل الأمر بالفاعل إلى تحليل ما حرم الله ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم أو ربما خرج بذلك من الدين – والعياذ بالله - لذلك وجب على العبد أن يتحفظ من تتبع كل الرخص للعلماء واتباع حظوظ نفسه ، وأن يأخذ بالأمر والنهي على مراد الله ورسوله فما كان فيه رخصة شرعية أخذ بها كما يأخذ بالعزيمة وما لم يكن كذلك أخذ به على وجهه المشروع ،ولا يتبع كل زلة كل عالم وترخصهم ، فإن زلة العالِم هدم للعالمَ .
وقد جاء الشرع بالأحكام الشرعية وألزم بها المؤمنين وفيها العزيمة والرخصة والذي يهمنا في هذا المبحث هو الرخصة لقوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
قال العلامة السعدي - رحمه الله - (1/86)أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله، سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها، لأن تفاصيلها، جميع الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات.
ولقوله تعالى :{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ }( سورة الحج :78)
قال الشيخ العلامة السعدي – رحمه الله – في تفسيره (1/546) :ولما كان قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} ربما توهم متوهم أن هذا من باب تكليف ما لا يطاق، أو تكليف ما يشق، احترز منه بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح
المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية، شيء كثير معروف في كتب الأحكام.
ولقوله تعالى :{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولقوله تعالى : {فإن مع العسر يسرا ..} ولقوله صلى الله عليه وسلم: (( يسروا ولا تعسروا )) وقوله : (( عليكم برخصة الله الذي رخص لكم .. )) رواه مسلم .
وقوله: ((إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) . صحيح الجامع 1885 – وقال (صحيح) ... [حم هق] عن ابن عمر [طب] عن ابن عباس وعن ابن مسعود. الإرواء(564)، وصحيح الترغيب (1052).
وقد استنبط العلماء من هذه النصوص قواعد كثيرة جامعة .
منها : ( لا ضرر ، ولا ضرار ) .
ومنها : ( المشقة تجلب التيسير ).
ومنها : ( الضرر يزال والحرج مرفوع ).
ومنها : ( إذا ضاق الأمر اتسع )وغيرها .. وقد جمعها الشيخ العالم الفاضل السعدي في بيت في منظومته في القواعد بقوله :
ومن قواعد شرعنا التيسير - - في كل أمر نابه تعسير .
ولكن هذه الرخصة أو الترخص منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم . ولذلك قسم العلماء الرخص إلى قسمين ، رخصة شرعية مؤذون فيها وهي التي جاءت فيها تلك الأدلة ، وأخرى رخصة مذمومة غير مؤذون فيها ، وهي ما يسميه العلماء تتبع الرخص ، أو الترخص المذموم ، وما قالوا فيه : من تتبع رخص العلماء وشواذهم تزندق أو اجتمع فيه الشر كله .
وهناك أمر آخر مهم يتعلق بهذه المسألة ويلتبس على بعض طلبة العلم ، ويغفل عنه بعضهم ، وهو التلفيق في الفتوى والتفقه في الاتباع ، فهل ذلك يعد من تتبع الرخص فيكون محظورا ومنهيا عنه ، أو أنه خارج عن ذلك ، وكيف يمكن أن نفرق التلفيق وبين تتبع الرخص ، وهل كل تلفيق مذموم مطلقا أم أن هناك شروط لجوازه ؟
ولقد ظهر اليوم جليا تتبع الرخص عند الكثير ممن تتجارى بهم الأهواء وميعوا دين الله تعالى فكلما وجدوا حكما شرعيا في غير صالحهم ولا غرض نفوسهم أولوه أو حرفوا معناه ، ولووا عنقه وخرجوا يلهثون باحثين في كل مذهب وفتاوى الأئمة المجتهدين عما يوافق أهواهم وينصرون بها اعوجاجهم متتبعين للترخص المذموم من كل مذهب ، وقول شاذ أو نادر من نوادر العلماء ، بحجة أخذ الحق وقبوله من كل أحد ، وفي الحقيقة هو تتبع للرخص من كل أحد رخص لهم في شيء ..
كما خرج بعض أئمة الضلالة اليوم يلفقون بين أقوال بعض العلماء ليحدثوا أقوالا حديثة أو أحكاما جديدة تنافى الأحكام الشرعية ، لم يقل بها أحد من العلماء ولا أقرها أحد من المجتهدين تسهيلا وتيسيرا على الفرد والمجتمع – زعموا – وكل ذلك
فرارا من الأحكام الشرعية التي تخالف حظوظ نفوسهم، وتلاعبا بالدين ، وتتبعا للرخص المذمومة تمييعا للدين باسم الدين .
وقبل أن أتطرق إلى ما قصدت من هذا البحث أعرف كل من الرخصة الشرعية ، وأضرب لها بعض الأمثلة ، كما أعرف كل من تتبع الرخص والتلفيق وحكمهما باختصار ثم أذكر الفرق بينهما .
تعريف الرخصة :
الرُّخْصَةُ فِي اللُّغَةِ - بِتَسْكِينِ الْخَاءِ - فَعِبَارَةٌ عَنِ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: رَخَصَ السِّعْرُ: إِذَا تَيَسَّرَ وَسَهُلَ، وَبِفَتْحِ الْخَاءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ.
وفي مختار الصحاح (1/120) ر خ ص: (الرُّخْصُ) ضِدُّ الْغَلَاءِ وَقَدْ رَخُصَ السِّعْرُ بِالضَّمِّ (رُخْصًا) وَ (أَرْخَصَهُ) اللَّهُ فَهُوَ (رَخِيصٌ) وَ (ارْتَخَصَ) الشَّيْءَ اشْتَرَاهُ رَخِيصًا وَ (ارْتَخَصَهُ) أَيْضًا عَدَّهُ رَخِيصًا. وَ (الرُّخْصَةُ) فِي الْأَمْرِ خِلَافُ التَّشْدِيدِ فِيهِ وَقَدْ (رُخِّصَ).
وقال ابن سيده في المخصص(3/435) وَمِنْه رخّصْت لَهُ فِي الْأَمر - أذِنْت لَهُ فِيهِ بعد النَّهْي عَنهُ وَالِاسْم الرُخْصة والرخُصة.
وفي لسان العرب (7/40): والرُّخُصةُ والرُّخْصةُ: تَرْخِيصُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي أَشياءَ خَفَّفَها عَنْهُ. والرُّخْصةُ فِي الأَمر: وَهُوَ خِلَافُ التَّشْدِيدِ، وَقَدْ رُخِّصَ لَهُ فِي كَذَا ترْخِيصاً فترَخَّصَ هُوَ فِيهِ أَي لَمْ يَسْتَقْصِ. وَتَقُولُ: رَخَّصْت فُلَانًا فِي كَذَا وَكَذَا أَي أَذِنْت لَهُ بَعْدَ نَهْيِي إِيّاه عَنْهُ.
وفي الشرع :
قال شيخ شيوخنا الأمين الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه ( ص60) الرخصة هي : الحكم الشرعي الذي غيّر من صعوبة إلى سهولة ويسر لعذر اقتضى ذلك مع قيام سبب
الحكم الأصلي . نقل هذا التعريف من رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب للسبكي .
وعرفها ابن حزم في الإحكام (1/132) بعد أن ذكر تعاريف العلماء وناقشها فقال : الرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ مِنَ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ .
ولعل هذا أقرب لأن الرخصة تشريع أيضا وليس اجتهاد العلماء ، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يحب إن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه )).
ومن أمثلتها : الذي لا يستطيع استعمال الماء لعدم القدرة عليه ، أو لعدم وجوده فقد رخص له أن يستعمل التيمم لقوله تعالى :{ فلم يجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } النساء :43) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّمَا كَانَ يكفيك أن تقول هكذا ..)) البخاري (347) ، ومسلم (368).
قَالَ عمار بن يَاسر- رضي الله عنه - : كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي سفر ففقد عقد لعَائِشَة – رضي الله عنها - فطلبوه حَتَّى أَصْبحُوا وَلَيْسَ مع الْقَوْم مَاء فَنزلت الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم.
ومنها أكل الميتة للمضطر في مخمصة كما قال تعالى : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } ( المائدة :3).
ومنها قوله تعالى :{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة/ 185).
وغير ذلك وهو كثير في القرآن والسنة ،وهذا تشريع من الله تعالى فيه تسهيل وتخفيف ورفع للاضطرار والمشقة والحرج عن هذه الأمة المرحومة .
تعريف تتبع الرخص :وردت عدة تعريفات لتتبع الرخص وسأذكر بعضا منها هو أقرب مطابقة إلى المعني الذي نبحثه .
قال الشاطبي - رحمه الله- في الموافقات (5/99): تَتَبُّعُ الرُّخَصِ( هو) مَيْلٌ مَعَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَالشَّرْعُ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى .
وعرفه بدر الدين الزركشي في البحر المحيط (6/325) : بأنه : (اختيار المرء من كل مذهب ما هو الأهون عليه ).
وقال ابن عبد البر - رحمه الله - هو : ( الأخذ بما يوافق الهوى والغرض من أقوال العلماء )جامع بيان العلم وفضله" (2/92) .
وقيل هو أن يأخذ الشخص من كل مذهب ما هو أهون عليه، وأيسر مما يطرأ من المسائل بقصد التشهي والتخير بما يوافق هوى النفس .
وقال بعضهم هي: الفتوى بِمَا يُسَهِّلُ عَلَى السَّائِلِ وَيُوَافِقُ هَوَاهُ، وَإِنْ كَانَ شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ الْمُلْتَزَمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ.
وهذا قريب مما قاله ابن القيم - رحمه الله- في إعلام الموقعين (4/211) :
قال : (( وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان)) .
وعرفه المجمع الفقهي الدولي بأنه : ( ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحا لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره ) .مجلة المجمع الفقهي ..
وبينها الشيخ سليمان بن سمحان غاية البيان مع ضرب الأمثلة لها بقوله – رحمه الله - لما سئل عنها :
المسألة الحادية عشر: قول السائل: ما الرخص المذمومة المذموم الترخص بها التي قيل فيها من تتبع الرخص تزندق أو كاد. فإن أكثر من لدينا إذا سمع ما لم يدره ولا هو على باله عد ذلك رخصة.
فالجواب أن نقول : الرخص المذمومة التي من ترخص بها تزندق هي ما جاء عن العلماء في بعض المسائل في المعاملات : كالربا وكالأنكحة وغيرها، مما اختلف العلماء فيه : كمن ترخص بقول مالك - رضي الله عنه- بجواز أكل الكلاب والحشرات وغيرها مما حرم الشرع أكله، مستدلا بقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (الأنعام: من الآية145) الآية. فمن ترخص بقول مالك في أكل ما عدا هذه المحرمات المذكورات في بعض الآية فقد أخطأ.
وقال بعض العلماء: إنه يجوز للرجل أن يتزوج من النساء تسعا لقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (النساء: من الآية3) .
وقول بعضهم: إذا وجبت الزكاة أن للرجل أن يهب ماشيته أو نقوده قبل أن يحل وقت الزكاة بشهر أو شهرين لزوجه أو بعض أقاربه لئلا تجب فيها الزكاة، فإذا ذهب وقت إخراجها استرجع ماشيته أو نقوده، وهكذا أبدا يفعل عند وجوب الزكاة.
وكما ترخص بعض الحنفية بقول أبي حنيفة بعدم وجوب الطمأنينة في الصلاة مستدلا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج: من الآية77) .
ونظيره دعواهم أن الإيمان واحد والناس فيه سواء، وهو مجرد التصديق، وليست الأعمال داخلة في ماهيته، وإن مات ولم يصل قط في عمره مع قدرته وصحة جسمه وفراغه فهو مؤمن، إلى غير ذلك مما لا يحصى ولا يستقصى مما رخص فيه بعض العلماء بقول متبوعهم.
فإذا أردت مسألة في أمر أو نهي أو معاملة وقد اختلف العلماء فيها بين مانع من ذلك ، ومرخص في هذه المسألة ومستنده في ذلك حديث ضعيف أو قياس فاسد أو استحسان أو احتياط يخالف ما أصّله العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، فمن ترخص بها وليس عليه دليل شرعي من أقوال من ذكرنا من العلماء في أي مسألة كانت من الفروع.
ومع من خالفه في النهي عنها الحق والصواب؛ فقد أخطأ لمخالفته ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو التابعين لهم بإحسان أو من بعدهم من الأئمة المهتدين.
فمن أخذ بشيء من هذه المسائل التي رخّص فيها بعض العلماء من غير دليل شرعي، وقصده في ذلك اتباع ما يهواه ، لا ما يحبه الله ويرضاه فقد تزندق .. منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع (1/ 123-125).
ذلك أنه لا أحد من العلماء يقول بإباحة جميع الرخص، فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى في المذهب الآخر.
قال الشاطبي - رحمه الله - ثُمَّ نَقُولُ: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ مَيْلٌ مَعَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَالشَّرْعُ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى؛ فَهَذَا مُضَادٌّ لِذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمُضَادٌّ أَيْضًا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاءِ: 59] ، وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَوْضِعُ تَنَازُعٍ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَى الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ تُبَيِّنُ الرَّاجِحَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ لَا الْمُوَافِقِ لِلْغَرَضِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رحمه الله - : لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ، كَانَ فَاسِقًا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ - رحمه الله - : لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ - يَعْنِي الْغِنَاءَ - وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، وَبَقَوْلِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ، وَبَقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الْمُسْكِرِ؛ كَانَ أَشَرَّ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَخَصَّ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ التَّفْسِيقَ بِالْمُجْتَهِدِ، إِذَا لَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُ إِلَى الرُّخْصَةِ، وَاتَّبَعَهَا الْعَامِّيُّ الْعَامِلُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ؛ لِإِخَلَالِهِ بِفَرْضِهِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ، فَأَمَّا
الْعَامِّيُّ إِذَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُفَسَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَ مَنْ سُوِّغَ اجْتِهَادُهُ.إرشاد الفحول (2/253).
قال الشاطبي - رحمه الله - الموافقات / 5/102) فَصْلٌ:
وَقَدْ أَذْكُرُ هَذَا الْمَعْنَى جُمْلَةً مِمَّا فِي اتِّبَاعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، سِوَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي تَضَاعِيفِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَالِانْسِلَاخِ مِنَ الدِّينِ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ إِلَى اتِّبَاعِ الْخِلَافِ، وَكَالِاسْتِهَانَةِ بِالدِّينِ إِذْ يَصِيرُ بِهَذَا الِاعْتِبَارُ سَيَّالًا ( أي مميعا ) لَا يَنْضَبِطُ، وَكَتَرْكِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ إلى ما ليس بمعلوم؛ لأن المذاهب الْخَارِجَةَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ مَجْهُولَةٌ، وَكَانْخِرَامِ قَانُونِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، بِتَرْكِ الِانْضِبَاطِ إِلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَكَإِفْضَائِهِ إِلَى الْقَوْلِ بِتَلْفِيقِ الْمَذَاهِبِ عَلَى وَجْهٍ يَخْرِقُ إِجْمَاعَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَكْثُرُ تَعْدَادُهَا، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْغَرَضِ لَبَسَطْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ كافٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
حكم تتبع الرخص :
منع جمهور العلماء تتبع الرخص ، وشددوا في ذلك وفسقوا الفاعل لذلك بقصد التشهي وإصابة الغرض ، واتباع الهوى بل حكم بذلك بعض العلم بزندقة الفاعل واجتماع كل الشر فيه .
ونقل ابنُ عبد البر في جامع بيان العلم وفضله" (2/92) وابن حزم الأندلسي في الإحكام الإجماع والاتفاق على المنع من تتبع الرخص .
ولكن بعض العلماء له تحفظ على هذا الإجماع لأنه ورد عن الإمام أحمد روايتان في تفسيق المتتبع للرخص ، وأجاز بعض العلماء من الأحناف والشافعية وبعض المالكية تتبع الرخص وقالوا لا يوجد مانع من ذلك ،فالأخذ بالأخف والأيسر سنة من سنن المصطفى ، لكن القرافي من المالكية قيده بألا يترتب عليه باطل عند جميع من قلدهم، وقيد غيره ذلك بألا يكون الشخص قد باشر التصرف وفق القول الأول .
والخلاصة أن تتبع الرخص عند الأئمة المجتهدين المحققين بقصد التشهي والتهرب من التكليف ، واتباع هوى النفس ، والشواذ من أقوال العلماء بقصد التخفيف لا طلبا للحق بقوة الدليل وسطوع البراهين فغير جائز.
قال ابن حزم - رحمه الله -: وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدِّين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له، غير طالبين ما أوجبه النص عن اللَّه تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم الإحكام، له: 5 ص 645
أما إذا لم يكن ديدنه تتبع الرخص في كل شي من كل مذهب ، وأقوال المجتهدين ولم يكن قصده التهرب من الأحكام والتكاليف الشرعية ، ولم يكن قصده اتباع الهوى وحظوظ النفس ، ولم يكن أيضا قصده إسقاط الحكم الشرعي والتلفيق بإحداث قول لم يقل به أحد من أهل العلم ، وكان يقصد طلب الحق ولو كان ذلك باتباع الأخف والأيسر فهذا جائز ولا حرج عليه .
تعريف التلفيق : التلفيق له علاقة وثيقة بتتبع الرخص ولذلك سماه بعض أهل العلم بأنه :(تتبع الرُّخص عَن هوى ) بمعنى أن يكون أحدهما سلما وطريقا للأخر ..
ممن يكون التلفيق وتتبع الرخص؟
من خلال بحثي في الموضوع تبين أن التلفيق يكون ممن له علم بالفقه وأقوال المجتهدين والخلاف في مسائل المعاملات ، بحيث يمكنه أن يركب مسألة من حكمين مختلفين ..
وأما تتبع الرخص فيكون من العوام وطلاب العلم ، وحتى من بعض العلماء تيسيرا وتخفيفا على الفرد والمجتمع في النوازل والنوائب وقد تكون نيته حسنة ، وقد يكون عن قصد سيء وهو شر أنواعه .
والمقصود بالتلفيق عند العلماء هو الإتيان بكيفية أو حكم مسألة لا يقول بها أحد من المجتهدين ، وذلك بأن يأتي مسألة واحدة أو قضية ما يلفق حكمها من قولين
أو أكثر لمجتهدين يتولد من ذلك حقيقة مركبة لا يقول بها أحد من الأئمة العلماء . من عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق (ص91) بتصرف .
حكم التلفيق :
لقد اختلف العلماء في حكم التلفيق كما اختلفوا في حكم تتبع الرخص وغيرهما من المسائل ، فمنهم من أجازه مطلقا ، ومنهم من منعه كلية ، والصحيح الراجح التفصيل فيجوز بشروط وهذا ما اختاره شهاب الدين القرافي من المالكية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، والشيخ العلامة المعلمي وهو الذي أقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي . ينظر أقوالهم في بحث التلفيق في الاجتهاد والتقليد .
ونستطيع أن نجمل الشروط التي ذكروها في خمسة هي :
1 – يمنع التلفيق إذا أدى ذلك إلى الأخذ بالترخص الممنوع أو تتبع الرخص المذمومة ، قال العلامة المعلمي - رحمه الله –في التنكيل (2/384): ( وقضية التلفيق إنما شددوا فيها إذا كانت لمجرد التشهي وتتبع الرّخص ).
وأشهر مثال في ذلك : تلفيق بعض الشعراء في الأبيات المشهورة لأبين نواس حيث زعم الملفق أن أبا حنيفة أباح النبيذ والشافعي قال : النبيذ والخمر شيء واحد فلفق من القولين قولا ثالثا نتيجته أن الخمر حلال .
قال الشاعر الملفق :
أَبَاحَ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ - - وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ
وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ ... فَحَلَّ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ
سآخذ من قوليهما طرفيهما ... وأشربُها لا فَارقَ الوازرَ الوزرُ
ونسب هذه الأبيات الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرا الأدباء (1/ 769) إلى ابن الرومي ولعل هذا أقرب إلى الصواب لأنها مثبتة في ديوانه .
2 - إذا أدى ذلك التلفيق إلى نقض حكم الحاكم ،لأن حكمه يرفع الخلاف درءا للمفسدة والفوضى .
3- إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه .
4 – إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها ولا يقول بها أحد من المجتهدين ،كمن يتزوج امرأة بلا ولي حسب رأي الحنفية، وبلا شهود حسب رأي المالكية فيقلد الحنفية في ذلك ويقلد المالكية في ذلك فينتح زواج بدون ولي ولا شهود ويجوز للمرأة أن تزوج نفسها على هذا القول وتكتفي بالإعلان بعد الإيجاب والقبول بينها وبين الرجل وهذا الزواج باطل لأن أحدا من الحنفية والمالكية وغيرهم لا يقول به .
وهذا الحكم المولد مخالف للأدلة الثابتة الصحيحة ، ومعلوم أن الأصل في الفروج الحرمة إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع فتحل . قال الشيخ السعدي في منظومة القواعد :
والأصل في الأبضاع واللحوم - - والنفس الأموال للمعصوم
تحريمها حتى يجئ الحل - - فافهم هداك الله ما يحل .
ومثاله: أن يطلق شخص زوجته ثلاثًا، ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل حسب رأي الشافعية، ثم يصيبها الصبي، ثم يطلقها مع عدم العدة حسب الرأي الإمام أحمد وذلك لتحل لزوجها الأول.
فهذا التلفيق ممنوع؛ لأنه أشبه باللعب، ويناقض اتفاق العلماء بمنع إحداث قول ثالث إذا افترق العلماء على قولين، وهذا فرع أيضًا عن نظرية التقليد.
يقول السفاريني في التحقيق لأبطال التلفيق (ص171): وهذا الباب لو فتح لأفسد الشريعة الغراء ، ولأباح جل المحرمات ثم استشهد ببعض الأمثلة التي سبقت وقال : وهذا لا يمكن أن يقول به عاقل .
5 - إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدا في واقعة معينة هروبا من الحكم الشرعي فيها.
أما التلفيق بأخذ رأي مذهب مثلًا في الوضوء، ثم الأخذ برأي مذهب آخر في وضوء آخر، فلا مانع، أو الأخذ برأي مذهب آخر في جزئية في الوضوء لكنها لا
تتنافى مع المذهب الأول، كمن توضأ وضوء كاملًا مع السنن حسب المذهب الشافعي ، ومسح جميع رأسه ، ودلك الأعضاء، ثم لمس امرأة أجنبية دون قصد شهوة ، فيجوز له أن يصلي بذلك الوضوء باعتبار أنه لم ينقض حسب المذهب الحنفي والمالكي، وهذا فرع عن مسألة أخرى وهي جواز مخالفة الشخص لمذهبه.
الفرق بين تتبع الرخص والتلفيق :
وبعد هذه الجولة المختصرة والمفيدة في رياض كتب أهل العلم يمكننا أن نخلص إلى الفروق بين تتبع الرخص المذموم وبيت التلفيق فبينهما فروق من عدة نواحي منها :
1 - أن تتبع الرخص يكون بأخذ القول الأخف والأسهل في المسائل الخلافية.
1 – التلفيق حقيقته الجمع بين قولين في مسألة واحدة مترابطة .
2 – أن التلفيق فيه إحداث قول مركب من أقوال العلماء لا يقول به أحد من الأئمة العلماء ولا يقررونه .
2- تتبع الرخص ليس فيه إحداث قول ثالث مركب من قولين أو أكثر وإنما هو أخذ بقول أحد العلماء المجتهدين .
3 – أن التلفيق قد يؤدي إلى مخالفة الشرع ، وإجماع العلماء ، هروبا من الحكم الشرعي .
3- بخلاف تتبع الرخص فهو أخذ بقول عالم قصد التسهيل والتيسير فجاء المتتبع للرخص فوجده موافقا لهوى نفسه فأخذ به .
4- التلفيق في الغالب ممن له علم بالفقه والخلاف فيه .
4- أما تتبع الرخص فيكون من العوام وطلبة العلم والمميعة بين المذاهب الفقهية المتشعبة .
5- التلفيق إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع فهو جائز وإلا فهو تلاعب بالدين وهروب من الأحكام الشرعية المخالفة لتوجه الشخص وحظوظ نفسه .
5- كذلك تتبع الرخص إذا كان قصد التشهي واتباع الهوى والأخف الموافق لغرض الهوى فهو زندقة وشر .
6- المتتبع للرخص يمكنه أن يستدل بالعمومات الواردة في الرخص الشرعية وقصده الترخص المذموم .
6- الملفق يستدل بما تصول إليه من التركيب بالتلفيق من أقوال المجتهدين سواء كانت أقوالهم مبنية على الاستنباط من الدليل أو الاجتهاد بالرأي .
7 - تتبع الرخص يكون في الغالب تمييع وتفريط وعدم التقصي في طلب الحق.
7- أما التلفيق فقد يكون الحكم الناتج عنه إلى الأشد والأصعب ، وسببه التنطع والغلو والإفراط عند الملفق .
وأخيرا قد يكون أحدهما سلما وطريق إلى الآخر ، فيمكن أن يلفق من أجل تتبع الرخص ، ويمكن لا يجد رخصة إلا بالتلفيق بين قولين أو مذهبين .(2).
فنسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأنيرينا الحق حقا ورزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه .
وكتب محب العلم والإنصاف - - على طريقة صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي
في ليلة السادس عشر من ذي الحجة 1437هـ
--------------------
الهوامش:
1 - قال أبو محمد بن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (1/131) [الصِّنْفُ السَّادِسُ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ] أَمَّا الْعَزِيمَةُ، فَفِي اللُّغَةِ الرُّقْيَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ الْمُؤَكَّدِ عَلَى أَمْرٍ مَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أَيْ قَصْدًا مُؤَكَّدًا.
وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ الرُّسُلِ " أُولُو الْعَزْمِ " لِتَأَكُّدِ قَصْدِهِمْ فِي إِظْهَارِ الْحَقِّ.
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ، فَعِبَارَةٌ عَمَّا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا.
ذَكَرَ الشَّاطِبِيُّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ، وَعَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى كُلِّ إِطْلَاقٍ مَعَ التَّوْضِيحِ بِالْأَمْثِلَةِ، وَذَكَرَ فُرُوعًا كَثِيرَةً تُبْنَى عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ وَشَرْحَ مَا أَجْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى مَسَائِلِ النَّوْعِ الْخَامِسِ فِي الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ (جـ 1 مِنَ الْمُوَافِقَاتِ).
2- استفدت في هذا البحث من رسالة تتبع الرخص بين الشرع والواقع وقرارات المجمع الفقهي الدولي وعمدة التحقيق في التقليد والتلفيق وغيرها .