كمال بن طالب زيادي
19-Sep-2016, 06:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربّهم ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة بأبصارهم ، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :" إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " . والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية ، لا للمرئي بالمرئي ، والأخبار الواردة في الرؤية مخرّجة في كتاب ( الانتصار ) بطرقها .القاعدة الأساسية عند أهل السنة أنهم يؤمنون بالله ـ تبارك وتعالى ـ وبأسمائه وبصفاته سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به ، ويؤمنون بكل ما ثبت في القرآن والسنة ، فكل ما ورد في القرآن وما ثبت من سنة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يؤمنون به على الوجه اللائق بالله عزّوجلّ من غير تحريف ولا تمثيل ومن غير تشبيه ولا تعطيل .والعقائد التي يؤمن بها أهل السنة ويخالفون فيها أهل الضلال معروفة ، وقد مر بنا الشيء الكثير في هذا الكتاب .ومن هذه العقائد التي يتميز بها أهل السنة عن أهل الضلال : أنهم يؤمنون بأن الله يُرى يوم القيامة ، ويراه عباده المؤمنون في الجنة ، ويُرى قبل ذلك في عرصات يوم القيامة ، والرؤية التي يتميز بها المؤمنون هي رؤية الله في الجنة ، وتشير الأحاديث أو تدل على أن في عرصات القيامة يشترك المؤمنون وغيرهم في ( رؤية الله ) ، فالمنافقون يدخلون في ذلك ، لكنها رؤية لا تفيدهم ، إذ يكشف الله عن ساقه سبحانه وتعالى فيخرّ المؤمنون سجدا لله ، والمنافقون لا يستطيعون ذلك ، فكلما أرادوا أن يسجدوا لا يستطيعون ذلك ، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ (( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون )) [ القلم 42 ] ، ثم يراه المؤمنون في الجنة .قال المصنف رحمه الله :( ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة بأبصارهم ) والأدلة على ذلك كثيرة متواترة ، يعني : بلغت حد التواتر ، رويت عن ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، هذا في السنة ، أما القرآن ففيه آيات وردت في ذلك .منها : قول الله ـ تبارك وتعالى ـ (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة : 22 ـ 23 ] ، (( وجوه يومئذ ناضرة )) يعني : من النضرة وهي الحسن والجمال من آثار النعيم الذي أنعم الله به عليهم في الجنة (( إلى ربها ناظرة )) من النظر بمعنى الرؤية بالأبصار ، يبصرون الله ويرونه سبحانه وتعالى سبحانه وتعالى في جنات النعيم .ومنها : قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (( إن الأبرار لفي نعيم ـ على الآرائك ينظرون )) [ المطففين : 22 ـ 23 ] ينظرون إلى ربهم وهم في الجنة على الآرائك ، والأرائك هي السرر تحت الحجال ، بخلاف الكفار فإنهم في هذه السورة وهي( سورة المطففين ) قال الله في حقهم (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) [ المطففين : 15 [ هذا في صفات الكفار ، وفي صفات المؤمنين في نفس السورة قال : (( إن الأبرار لفي نعيم ـ على الآرائك ينظرون )) بل أكد هذا النظر مرة أخرى في هذه السورة نفسها . فمن الأدلة على حصول هذه الرؤية للمؤمنين ما ذكرنا من هاتين الآيتين .ومنها ـ أيضا ـ قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) [ يونس : 26 ] الحسنى : هي الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم ، وقد روى الإمام مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ـ قال ـ : يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجّنا من النار ؟ ـ قال ـ : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عزّوجلّ ، ثم تلا : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) [ يونس : 26 ] .فهذا من تفسير النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهذه الزيادة ، فذكر في هذا الحديث أنهم بعد أن يدخلهم الله الجنة يقول لهم : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ هذا كله فوز عظيم ـ وتبييض الوجه إشارة إلى قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )) [ آل عمران : 106 ] تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين والمنافقين ، وهذا مثل قوله تعالى : (( وجوه يومئذ مسفرة ـ ضاحكة مستبشرة ـ ووجوه يومئذ عليها غبرة ـ ترهقها قترة ـ أولئك هم الكفرة الفجرة )) [ عبس : 38 ـ 42 ].فمن أعظم نعيم الله لعباده المؤمنين في الجنة وأجزلها أن يتفضل عليهم برؤيته سبحانه وتعالى ، فما يرون نعيما أفضل من أن يروا ربهم ـ تبارك وتعالى ـ فالجنة وما فيها من حور وقصور وأنهار ..إلى آخره ، كل النعيم الذي فيها يتقاصر أن يصل إلى نعمة رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ .ومن الأدلة كذلك أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ سألوا رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ( هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ) ، فهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، كما أشار المصنف إلى هذا ، فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يؤكد لهم أن الله يُرى حقيقة ، رؤية حقيقية ، فكما لا نشك ولا نتضار في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ورؤية القمرليلة البدرليس دونه سحاب ، كذلك نرى الله ـ تبارك وتعالى ـ .فهذا كما قلنا تشبيه للرؤية بالرؤية ، وهذا التمثيل من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ تأكيد لإثبات أن المؤمنين يرون ربهم ، فمثل لهم بأوضح الأشياء حتى لا يبقى هناك أي شك يساور المؤمنين في رؤية الله عزّوجلّ .وفي حديث جرير : أنه نظر إلى القمر ليلة البدر قال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) .وأحاديث كثيرة جدا بلغت حد التواتر ،منها الأحاديث التي ذكرناها فهي كثيرة جدا ولا ينكرها إلا كافر ، إذ أن السلف كفّروا من أنكر رؤية الله ، لأنهم أنكروا أمورا متواترة من كتاب الله ومن سنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ .وممن ينكر رؤية الله عزّوجلّ المعتزلة والجهمية ، فهم ينكرون رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ لأنه لا تُرى ـ عندهم ـ إلا الأجسام ومن لوازم الرؤية ثبوت الجهة ، وإذا قلنا إن الله في جهة شبهناه بخلقه ، إلى آخر الضلالات التي اخترعوها يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة .ومن أدلتهم : قول الله تعالى : (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير )) [ الأنعام : 103 ] ، والأية حجة عليهم لا لهم ، لأن نفي الإدراك لا ينفي الرؤية ، إذ الإدراك معناه : الإحاطة ، يعني : لا يحيطون به رؤية (( لا تدركه الأبصار )) لا يحيطون به رؤية ، ففي الدنيا لا يرونه ، وفي الآخرة يرونه لكن لا يحيطون به ، فكما لا يحيطون به علما كذلك لا يحيطون به رؤية ، فإذا كانت العقول تعلم الله لكن لا تحيط به ، كما قال تعالى : (( ولا يحيطون به علما )) [ طه : 110 ] فكذلك المؤمنون يرون ربهم في الجنة ولا يدركونه ، لأنه سبحانه وتعالى (( لا تدركه الأبصار )) يعني : (( ولا يحيطون به علما )) ولا يحيطون به رؤية ، فليس لهم في الآية حجة .كذلك احتجوا بقول الله تعالى لموسى لما سأل ربه أن ينظر إليه ، قال الله (( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني )) [ الأعراف : 143 ] قالوا : فالله لم يمكّن موسى من الرؤية وقال : (( لن تراني ))فهذه من شبههم والآية كما يقول أهل السنة : حجة عليهم لا لهم ، لأن موسى من أعلم الناس بالله أو أعلم الناس في زمانه بالله رب العالمين ، كيف يسأل ربه الرؤية وهي حرام وهي مستحيلة ؟ ما سأله إلا وهو مقتنع بأن رؤية الله ممكنة ، لو كان يعتقد أنها مستحيلة ما سأل ربه عزّوجلّ والله سبحانه وتعالى لم يقل ( ما أرى ولا تجوز رؤيتي ) وإنما قال : (( لن تراني )) أي في هذه الدنيا .قالوا : (( لن )) تفيد التأبيدقال لهم أهل السنة : كذبتم على اللغة ، قال الله في حق اليهود في الموت : (( ولن يتمنوه أبدا بما قدّمت أيديهم )) [ البقرة 95 ] ثم أخبر ـ تبارك وتعالى ـ أنهم في الآخرة يتمنون الموت (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون )) [ الزخرف : 77 ] فهم يطلبون ويتمنون ويطلبون لكن لا يتحقق لهم ، فالنفي بـ (( لن )) إذن ليس للتأبيد ، فالنفي بها في هذا السياق نفي للرؤية في الدنيا وأما الآخرة فلا ، فالآية لا تتناول نفي الرؤية في الآخرة .وهكذا لا يأتي أهل الباطل بشبهة إلا وفي القرآن والسنة ما يبطلها ويدحضها .وقوله : (يرون ربهم ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة بأبصارهم ) يعني : يرون الله بأبصارهم لا بالبصائر ، خلافا للأشاعرة لأنهم يقولون إنهم يؤمنون بالرؤية وفي نفس الوقت ينفون الجهة عن الله عزّوجلّ فاضطربوا وتحيّروا ماذا يقولون ؟ قالوا :يُرى منكل الجهات ، وهذا كلام غير معقول ، وهذه عقيدة الحلول ، يرى في كل مكان ، أو قالوا : يُرى بالبصائر يعني : رؤيته تتجلى للبصائر ، وهم دائما ـ يعني الأشاعرة ـ ماسكين بوسط العصا كما يقال ، مذهب سياسي .يتابعون المعتزلة والجهمية في كثير من الأشياء ويريدون أن يحافظوا على مكانتهم بأنهم أهل السنة مع الأسف الشديد .قال المصنف رحمه الله : ( وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " . والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي والأخبار الواردة في الرؤية مخرّجة في كتاب ـ الانتصار ـ بطُرقها ) المصنف لم يشر إلى تواتر الأحاديث في هذا الباب ، وكأنه ألّف هذا الكتاب وهو في رحلة من الرحلات فما كانت له مراجع . على كل حال أخرجها في كتابه الذي ذكره ، ولم يذكر هنا أنها متواترة ،وهي متواترة فعلا . المصدر :عقيدة السلف وأصحاب الحديث [ص 240 ـ 247 ]لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه اللهشرح الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورنه ويكلمهم ويكلمون قال الله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة 22 ـ 23 ] . وقال تعالى : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) [ المطففين 15 ]فلما حجب أولئك في حال السخط ، دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا ، وإلا لم يكن بينهما فرق .وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فيرؤيته " . حديث صحيح متفق عليه .وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير .
الشرح رؤية الله في الآخرة
رؤية الله في الدنيا مستحيلة ، لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله (( لن تراني )) [ الأعراف 143 ] .ورؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف .قال الله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة 22 ـ 23 ]وقال : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) [ المطففين 15 ]فلما حجب الفجار عن رؤيته دل على أن الأبرار يرونه ، وإلا لم يكن بينهما فرقوقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته "متفق عليه ، وهذا التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، لأن الله ليس كمثله شيء ولا شبيه له ولا نظير.وأجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى دون الكفار بدليل الآية يرون الله تعالى في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى ، وهي رؤية حقيقية تليق بالله .وفسّرها أهل التعطيل بأن المراد بها رؤية ثواب الله ، أو أن المراد بها رؤية العلم واليقين ،ونرد عليهم باعتبار التأويل الأول بما سبق في القاعدة الرابعة وباعتبار التأويل الثاني بذلك وبوجه رابع :أن العلم واليقين حاصل للأبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في الآخرة . المصدر :شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد [ ص : 47 ـ 48 ]للامام موفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه اللهشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربّهم ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة بأبصارهم ، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :" إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " . والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية ، لا للمرئي بالمرئي ، والأخبار الواردة في الرؤية مخرّجة في كتاب ( الانتصار ) بطرقها .القاعدة الأساسية عند أهل السنة أنهم يؤمنون بالله ـ تبارك وتعالى ـ وبأسمائه وبصفاته سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به ، ويؤمنون بكل ما ثبت في القرآن والسنة ، فكل ما ورد في القرآن وما ثبت من سنة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يؤمنون به على الوجه اللائق بالله عزّوجلّ من غير تحريف ولا تمثيل ومن غير تشبيه ولا تعطيل .والعقائد التي يؤمن بها أهل السنة ويخالفون فيها أهل الضلال معروفة ، وقد مر بنا الشيء الكثير في هذا الكتاب .ومن هذه العقائد التي يتميز بها أهل السنة عن أهل الضلال : أنهم يؤمنون بأن الله يُرى يوم القيامة ، ويراه عباده المؤمنون في الجنة ، ويُرى قبل ذلك في عرصات يوم القيامة ، والرؤية التي يتميز بها المؤمنون هي رؤية الله في الجنة ، وتشير الأحاديث أو تدل على أن في عرصات القيامة يشترك المؤمنون وغيرهم في ( رؤية الله ) ، فالمنافقون يدخلون في ذلك ، لكنها رؤية لا تفيدهم ، إذ يكشف الله عن ساقه سبحانه وتعالى فيخرّ المؤمنون سجدا لله ، والمنافقون لا يستطيعون ذلك ، فكلما أرادوا أن يسجدوا لا يستطيعون ذلك ، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ (( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون )) [ القلم 42 ] ، ثم يراه المؤمنون في الجنة .قال المصنف رحمه الله :( ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة بأبصارهم ) والأدلة على ذلك كثيرة متواترة ، يعني : بلغت حد التواتر ، رويت عن ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، هذا في السنة ، أما القرآن ففيه آيات وردت في ذلك .منها : قول الله ـ تبارك وتعالى ـ (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة : 22 ـ 23 ] ، (( وجوه يومئذ ناضرة )) يعني : من النضرة وهي الحسن والجمال من آثار النعيم الذي أنعم الله به عليهم في الجنة (( إلى ربها ناظرة )) من النظر بمعنى الرؤية بالأبصار ، يبصرون الله ويرونه سبحانه وتعالى سبحانه وتعالى في جنات النعيم .ومنها : قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (( إن الأبرار لفي نعيم ـ على الآرائك ينظرون )) [ المطففين : 22 ـ 23 ] ينظرون إلى ربهم وهم في الجنة على الآرائك ، والأرائك هي السرر تحت الحجال ، بخلاف الكفار فإنهم في هذه السورة وهي( سورة المطففين ) قال الله في حقهم (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) [ المطففين : 15 [ هذا في صفات الكفار ، وفي صفات المؤمنين في نفس السورة قال : (( إن الأبرار لفي نعيم ـ على الآرائك ينظرون )) بل أكد هذا النظر مرة أخرى في هذه السورة نفسها . فمن الأدلة على حصول هذه الرؤية للمؤمنين ما ذكرنا من هاتين الآيتين .ومنها ـ أيضا ـ قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) [ يونس : 26 ] الحسنى : هي الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم ، وقد روى الإمام مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ـ قال ـ : يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجّنا من النار ؟ ـ قال ـ : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عزّوجلّ ، ثم تلا : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) [ يونس : 26 ] .فهذا من تفسير النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهذه الزيادة ، فذكر في هذا الحديث أنهم بعد أن يدخلهم الله الجنة يقول لهم : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ هذا كله فوز عظيم ـ وتبييض الوجه إشارة إلى قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )) [ آل عمران : 106 ] تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين والمنافقين ، وهذا مثل قوله تعالى : (( وجوه يومئذ مسفرة ـ ضاحكة مستبشرة ـ ووجوه يومئذ عليها غبرة ـ ترهقها قترة ـ أولئك هم الكفرة الفجرة )) [ عبس : 38 ـ 42 ].فمن أعظم نعيم الله لعباده المؤمنين في الجنة وأجزلها أن يتفضل عليهم برؤيته سبحانه وتعالى ، فما يرون نعيما أفضل من أن يروا ربهم ـ تبارك وتعالى ـ فالجنة وما فيها من حور وقصور وأنهار ..إلى آخره ، كل النعيم الذي فيها يتقاصر أن يصل إلى نعمة رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ .ومن الأدلة كذلك أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ سألوا رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ( هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ) ، فهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، كما أشار المصنف إلى هذا ، فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يؤكد لهم أن الله يُرى حقيقة ، رؤية حقيقية ، فكما لا نشك ولا نتضار في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ورؤية القمرليلة البدرليس دونه سحاب ، كذلك نرى الله ـ تبارك وتعالى ـ .فهذا كما قلنا تشبيه للرؤية بالرؤية ، وهذا التمثيل من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ تأكيد لإثبات أن المؤمنين يرون ربهم ، فمثل لهم بأوضح الأشياء حتى لا يبقى هناك أي شك يساور المؤمنين في رؤية الله عزّوجلّ .وفي حديث جرير : أنه نظر إلى القمر ليلة البدر قال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) .وأحاديث كثيرة جدا بلغت حد التواتر ،منها الأحاديث التي ذكرناها فهي كثيرة جدا ولا ينكرها إلا كافر ، إذ أن السلف كفّروا من أنكر رؤية الله ، لأنهم أنكروا أمورا متواترة من كتاب الله ومن سنة رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ .وممن ينكر رؤية الله عزّوجلّ المعتزلة والجهمية ، فهم ينكرون رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ لأنه لا تُرى ـ عندهم ـ إلا الأجسام ومن لوازم الرؤية ثبوت الجهة ، وإذا قلنا إن الله في جهة شبهناه بخلقه ، إلى آخر الضلالات التي اخترعوها يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة .ومن أدلتهم : قول الله تعالى : (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير )) [ الأنعام : 103 ] ، والأية حجة عليهم لا لهم ، لأن نفي الإدراك لا ينفي الرؤية ، إذ الإدراك معناه : الإحاطة ، يعني : لا يحيطون به رؤية (( لا تدركه الأبصار )) لا يحيطون به رؤية ، ففي الدنيا لا يرونه ، وفي الآخرة يرونه لكن لا يحيطون به ، فكما لا يحيطون به علما كذلك لا يحيطون به رؤية ، فإذا كانت العقول تعلم الله لكن لا تحيط به ، كما قال تعالى : (( ولا يحيطون به علما )) [ طه : 110 ] فكذلك المؤمنون يرون ربهم في الجنة ولا يدركونه ، لأنه سبحانه وتعالى (( لا تدركه الأبصار )) يعني : (( ولا يحيطون به علما )) ولا يحيطون به رؤية ، فليس لهم في الآية حجة .كذلك احتجوا بقول الله تعالى لموسى لما سأل ربه أن ينظر إليه ، قال الله (( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني )) [ الأعراف : 143 ] قالوا : فالله لم يمكّن موسى من الرؤية وقال : (( لن تراني ))فهذه من شبههم والآية كما يقول أهل السنة : حجة عليهم لا لهم ، لأن موسى من أعلم الناس بالله أو أعلم الناس في زمانه بالله رب العالمين ، كيف يسأل ربه الرؤية وهي حرام وهي مستحيلة ؟ ما سأله إلا وهو مقتنع بأن رؤية الله ممكنة ، لو كان يعتقد أنها مستحيلة ما سأل ربه عزّوجلّ والله سبحانه وتعالى لم يقل ( ما أرى ولا تجوز رؤيتي ) وإنما قال : (( لن تراني )) أي في هذه الدنيا .قالوا : (( لن )) تفيد التأبيدقال لهم أهل السنة : كذبتم على اللغة ، قال الله في حق اليهود في الموت : (( ولن يتمنوه أبدا بما قدّمت أيديهم )) [ البقرة 95 ] ثم أخبر ـ تبارك وتعالى ـ أنهم في الآخرة يتمنون الموت (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون )) [ الزخرف : 77 ] فهم يطلبون ويتمنون ويطلبون لكن لا يتحقق لهم ، فالنفي بـ (( لن )) إذن ليس للتأبيد ، فالنفي بها في هذا السياق نفي للرؤية في الدنيا وأما الآخرة فلا ، فالآية لا تتناول نفي الرؤية في الآخرة .وهكذا لا يأتي أهل الباطل بشبهة إلا وفي القرآن والسنة ما يبطلها ويدحضها .وقوله : (يرون ربهم ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة بأبصارهم ) يعني : يرون الله بأبصارهم لا بالبصائر ، خلافا للأشاعرة لأنهم يقولون إنهم يؤمنون بالرؤية وفي نفس الوقت ينفون الجهة عن الله عزّوجلّ فاضطربوا وتحيّروا ماذا يقولون ؟ قالوا :يُرى منكل الجهات ، وهذا كلام غير معقول ، وهذه عقيدة الحلول ، يرى في كل مكان ، أو قالوا : يُرى بالبصائر يعني : رؤيته تتجلى للبصائر ، وهم دائما ـ يعني الأشاعرة ـ ماسكين بوسط العصا كما يقال ، مذهب سياسي .يتابعون المعتزلة والجهمية في كثير من الأشياء ويريدون أن يحافظوا على مكانتهم بأنهم أهل السنة مع الأسف الشديد .قال المصنف رحمه الله : ( وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " . والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي والأخبار الواردة في الرؤية مخرّجة في كتاب ـ الانتصار ـ بطُرقها ) المصنف لم يشر إلى تواتر الأحاديث في هذا الباب ، وكأنه ألّف هذا الكتاب وهو في رحلة من الرحلات فما كانت له مراجع . على كل حال أخرجها في كتابه الذي ذكره ، ولم يذكر هنا أنها متواترة ،وهي متواترة فعلا . المصدر :عقيدة السلف وأصحاب الحديث [ص 240 ـ 247 ]لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه اللهشرح الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورنه ويكلمهم ويكلمون قال الله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة 22 ـ 23 ] . وقال تعالى : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) [ المطففين 15 ]فلما حجب أولئك في حال السخط ، دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا ، وإلا لم يكن بينهما فرق .وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فيرؤيته " . حديث صحيح متفق عليه .وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير .
الشرح رؤية الله في الآخرة
رؤية الله في الدنيا مستحيلة ، لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله (( لن تراني )) [ الأعراف 143 ] .ورؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف .قال الله تعالى : (( وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة )) [ القيامة 22 ـ 23 ]وقال : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) [ المطففين 15 ]فلما حجب الفجار عن رؤيته دل على أن الأبرار يرونه ، وإلا لم يكن بينهما فرقوقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته "متفق عليه ، وهذا التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ، لأن الله ليس كمثله شيء ولا شبيه له ولا نظير.وأجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى دون الكفار بدليل الآية يرون الله تعالى في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى ، وهي رؤية حقيقية تليق بالله .وفسّرها أهل التعطيل بأن المراد بها رؤية ثواب الله ، أو أن المراد بها رؤية العلم واليقين ،ونرد عليهم باعتبار التأويل الأول بما سبق في القاعدة الرابعة وباعتبار التأويل الثاني بذلك وبوجه رابع :أن العلم واليقين حاصل للأبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في الآخرة . المصدر :شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد [ ص : 47 ـ 48 ]للامام موفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه اللهشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله