المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة (هل تعلم أن هذه من أبواب الشيطان ومداخله حتى تغلقها عليه ؟) متجدد



أبو بكر يوسف لعويسي
22-Oct-2016, 01:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أعاذ أهل الإيمان من عدهم الشيطان ، ولم يجعل له عليهم سلطان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القوي المنان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله للثقلين الإنس والجان ، صلى الله عليهم وعلى آله وأصحابه أهل البر والإحسان وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم من عباد الرحمن .
أبواب الشيطان ومداخله التي يأتي منها الإنسان :
اعلم - رحمك الله – أن للشيطان مداخل وأبواب كثيرة يترصد عندها الإنسان ، فلا يترك سبيلا ضيقا ولا متسعا ولا متنفسا ولا عادة ولا عبادة ولا يقظة ولا نوما إلا أتاه يوسوس له ويزين له الباطل وينفخ وينفث فيه بسمومه ، وجنونه وسحره وشعره ، ومعسول كلامه ، ونصحه ، وتخويفه وإرجافه ، وتضليله وسرقته واختلاسه ، والشبهات والشهوات ، والغفلة في اللحظات وغير ذلك من جرائمه المتوقفة على أبوابه ومداخله من الشرور والذنوب وسأحاول أن أتي على جميعها أو معظمها في سلسلة متواصلة تكون سلاحا للمرابطين على الصراط
المستقيم ، وتعليما للجاهلين ، وتذكيرا للغافلين الذي يكادون يستمعون لدعواته فيفتحون الأبواب المغلقة على جنبتي الصراط عوضا عن غلق المفتوحة عليهم ، وختاما أسأل الله التوفيق لي ولكم جميعا أن يعيننا على غلق هذه الأبواب والمداخل علنا أن نكون من عباده سبحانه الذين لا سلطان لعدهم عليهم . ومن هذه الأبواب .
1 – قعوده للمؤمن على الصراط المستقيم من جميع الجهات يريد أن يخرجه إلى الشرك والكفر والبدعة والضلال والغواية والظلم والفسق والذنوب والمعاصي والفواحش ما ظهر منها وما بطن كما أخبر تعالى :{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ $ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }(16-17)الأعراف .
قال ابن جرير (12/334)( 14364) : وأما قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم"صراطك المستقيم"، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه. وإنما معنى الكلام : لأصدَّن بني آدم عن
عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني.وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه :-
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الشيطان قعد لابن آدم بأطْرِقَةٍ، فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطِّوَل؟ فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جَهْدُ النفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد. (1).
وأورده ابن كثير بطوله وتمامه وعزاه لأحمد في المسند (3/483). فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فمن فعل ذلك منهم فمات، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو قتل كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة)) (2) .
قال الشيخ السعدي (1/284) قوله :{ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أي: من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم.
ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن وصدَّق ظنه فقال: {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم، وهو يريد صدهم عنه، وعدم قيامهم به، قال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} .
وإنما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله، لنأخذ منه حذرنا ونستعد لعدونا، ونحترز منه بعلمنا، بالطريق التي يأتي منها، ومداخله التي ينفذ منها، فله تعالى علينا بذلك، أكمل نعمة.
قال ابن القيم في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (1/100)(يقول الشيطان لبنيه وجنده ): وَاعْلَمُوا يَا بَنِيَّ أَنَّ ثَغْرَ اللِّسَانِ هُوَ الَّذِي أُهْلِكُ مِنْهُ بَنِي آدَمَ، وَأَكُبُّهُمْ مِنْهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ، فَكَمْ لِي مِنْ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَجَرِيحٍ أَخَذْتُهُ مِنْ هَذَا الثَّغْرِ؟
وَأُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظُوهَا: لِيَنْطِقْ أَحَدُكُمْ عَلَى لِسَانِ أَخِيهِ مِنَ الْإِنْسِ بِالْكَلِمَةِ، وَيَكُونُ الْآخَرُ عَلَى لِسَانِ السَّامِعِ فَيَنْطِقُ بِاسْتِحْسَانِهَا وَتَعْظِيمِهَا وَالتَّعَجُّبِ مِنْهَا وَيَطْلُبُ مِنْ
أَخِيهِ إِعَادَتَهَا، وَكُونُوا أَعْوَانًا عَلَى الْإِنْسِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَسَمِي الَّذِي أَقْسَمْتُ بِهِ لِرَبِّهِمْ حَيْثُ قُلْتُ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ 16 - 17] .
أَوَمَا تَرَوْنِي قَدْ قَعَدْتُ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا، فَلَا يَفُوتُنِي مِنْ طَرِيقٍ إِلَّا قَعَدْتُ لَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِهِ، حَتَّى أُصِيبَ مِنْهُ حَاجَتِي أَوْ بَعْضَهَا؟ وَقَدْ حَذَّرَهُمْ ذَلِكَ رَسُولُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُمْ: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا، وَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ فَخَالَفَهُ وَأَسْلَمَ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ فَخَالَفَهُ وَهَاجَرَ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَتُجَاهِدُ فَتُقْتَلَ فَيُقَسَّمَ الْمَالُ وَتُنْكَحَ الزَّوْجَةُ؟»
فَكَهَذَا فَاقْعُدُوا لَهُمْ بِكُلِّ طُرُقِ الْخَيْرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَاقْعُدُوا لَهُ عَلَى طَرِيقِ الصَّدَقَةِ، وَقُولُوا لَهُ فِي نَفْسِهِ: أَتُخْرِجُ الْمَالَ فَتَبْقَى مِثْلَ هَذَا السَّائِلِ وَتَصِيرَ بِمَنْزِلَتِهِ أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ؟ أَوَمَا سَمِعْتُمْ مَا أَلْقَيْتُ عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ سَأَلَهُ آخَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، قَالَ: هِيَ أَمْوَالُنَا إِذَا أَعْطَيْنَاكُمُوهَا صِرْنَا مِثْلَكُمْ.
وَاقْعُدُوا لَهُ بِطَرِيقِ الْحَجِّ، فَقُولُوا: طَرِيقُهُ مَخُوفَةٌ مُشِقَّةٌ، يَتَعَرَّضُ سَالِكُهَا لِتَلَفِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهَكَذَا فَاقْعُدُوا لَهُ عَلَى سَائِرِ طُرُقٍ الْخَيْرِ بِالتَّنْفِيرِ عَنْهَا وَذِكْرِ صُعُوبَتِهَا وَآفَاتِهَا، ثُمَّ اقْعُدُوا لَهُمْ عَلَى طُرُقِ الْمَعَاصِي فَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ، وَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلُوا أَكْثَرَ أَعْوَانِكِمْ عَلَى ذَلِكَ النِّسَاءَ، فَمِنْ أَبْوَابِهِنَّ فَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ، فَنِعْمَ الْعَوْنُ هُنَّ لَكُمْ.ثُمَّ ألْزَمُوا ثَغْرَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَامْنَعُوهَا أَنْ تَبْطِشَ بِمَا يَضُرُّكُمْ وَتَمْشِي فِيهِ.
قلت : فإذا أحببت أن تغلق عليه هذا الباب فلا ينفذ إلى مقصوده منك فعليك بالاستعاذة فإنك تصرعه بها ويضعف عندها إذا أراد أن يقعد لك في الصراط ، ولكن اعلم أنه لا يكل ولا يمل حتى لو لم يبق فيه إلا عرق ينبض أو تصاغر حتى أصبح أضعف من النملة فإنه يتحين غفلتك وسيعود وهكذا، وأضعف الإيمان أن تكون الحرب بينك وبينه سجال هذا إذا غفلت ونسيت الاستعاذة ، أما وأنت تذكر ربك وتستعيذ وتحتمي وتستجير به من عدوك وأنت تسلك الصراط المستقيم سائرا إلى ربك بنفس رضية مطمئنة بموعود الله ونصره ، فإنه لا يستطيع أن ينال منك ، ولكن يرضى بأقل شيء ولو بالتحريش بينك وبين غيرك أو بالتحرش بك .
وفي سورة الحجر( 39- 40- 41- 42). قال تعالى مخبرا عن قيله تحذيرا لعباده المؤمنين :{ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ $ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ
الْمُخْلَصِينَ $ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ $ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }.
وقد بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قعوده وجنوده على الصراط المستقيم فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا فَقَالَ: (هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ) ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ تَلَا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ... } إلى آخر الآية [الأنعام: 153]. قال الشيخ الألباني في التعليقات الحسان (1/148)حسن صحيح - ((الظلال)) (16و17)ومشكاة المصابيح (166).
فعباد الله الصالحين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويستعيذون به و يحتمون بجنابه ويستجيرون بالله من هذا العدو الباطن الذي لا يقبل مصانعة ولا دفعا بالتي هي أحسن لا يستطيع أن ينال منهم لأنهم تحصنوا بالذكر منه والاستعاذة بمن يملك رقبته ، واعلم أن الاستعاذة من أعظم الحصون التي يتلاشى عندها عدو الله ويضعف ويهزم ويصغر حتى يكاد يختنق أو يموت .
02 – النفس الأمارة .
إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم الله تعالى ، فهي مركب من مراكب إبليس وباب من أعظم أبواب مداخل الشيطان قال تعالى :{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ }(53)يوسف .
قال ابن جرير الطبري (16/142) يقول : إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله، (إلا ما رحم ربي) يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء .
وقال الشيخ السعدي (1/400):ثم لما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها، وأنه لم يجر منها ذنب في شأن يوسف ، استدركت فقالت : {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} أي: من المراودة والهمِّ، والحرص الشديد، والكيد في ذلك {إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان {إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي} فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده.
قال ابن القيم في الجواب الكافي (1/101):
النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ والنفس المطمئنة :
قَدْ رَكَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْإِنْسَانِ نَفْسَيْنِ: نَفْسًا أَمَّارَةً بالسوء وَنَفْسًا مُطْمَئِنَّةً أمارة بالخير، وَهُمَا مُتَعَادِيَتَانِ، فَكُلُّ مَا خَفَّ عَلَى هَذِهِ ثَقُلَ عَلَى هَذِهِ، وَكُلُّ مَا الْتَذَّتْ بِهِ هَذِهِ تَأَلَّمَتْ بِهِ الْأُخْرَى، فَلَيْسَ عَلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَإِيثَارِ رِضَاهُ عَلَى هَوَاهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْفَعُ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ دَاعِي الْهَوَى.
وقال في الجواب الكافي (1/101)يحكي قول الشيطان لجنوده :
النفس الأمارة :
وَاعْلَمُوا أَنَّ أَكْبَرَ أَعْوَانِكُمْ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ الثُّغُورِ مُصَالَحَةُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، فَأَعْيُوهَا وَاسْتَعِينُوا بِهَا، وَأَمِدُّوهَا وَاسْتَمِدُّوا مِنْهَا، وَكُونُوا مَعَهَا عَلَى حَرْبِ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، فَاجْتَهِدُوا فِي كَسْرِهَا وَإِبْطَالِ قُوَاهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِقَطْعِ مَوَادِّهَا عَنْهَا، فَإِذَا انْقَطَعَتْ مَوَادُّهَا وَقَوِيَتْ مَوَادُّ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَانْطَاعَتْ لَكُمْ أَعْوَانُهَا، فَاسْتَنْزِلُوا الْقَلْبَ مِنْ حِصْنِهِ، وَاعْزِلُوهُ عَنْ مَمْلَكَتِهِ، وَوَلُّوا مَكَانَهُ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ، فَإِنَّهَا لَا تَأْمُرُ إِلَّا بِمَا تَهْوَوْنَهُ وَتُحِبُّونَهُ، وَلَا تَجِيئُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَهُ أَلْبَتَّةَ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُخَالِفُكُمْ فِي شَيْءٍ تُشِيرُونَ بِهِ عَلَيْهَا، بَلْ إِذَا أَشَرْتُمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بَادَرَتْ إِلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ أَحْسَسْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ مُنَازَعَةً إِلَى مَمْلَكَتِهِ، وَأَرَدْتُمُ الْأَمْنَ مِنْ ذَلِكَ،
فَاعْقِدُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْسِ عَقْدَ النِّكَاحِ، فَزَيِّنُوهَا وَجَمِّلُوهَا، وَأَرُوهَا إِيَّاهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةِ عَرُوسٍ تُوجَدُ، وَقُولُوا لَهُ ذُقْ طَعْمَ هَذَا الْوِصَالِ وَالتَّمَتُّعِ بِهَذِهِ الْعَرُوسِ كَمَا ذُقْتَ طَعْمَ الْحَرْبِ، وَبَاشَرْتَ مَرَارَةَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، ثُمَّ وَازِنْ بَيْنَ لَذَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَرَارَةِ تِلْكَ الْمُحَارَبَةِ، فَدَعِ الْحَرْبَ تَضَعُ أَوْزَارَهَا، فَلَيْسَتْ بِيَوْمٍ وَتَنْقَضِي، وَإِنَّمَا هُوَ حَرْبٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ، وَقُوَاكَ تَضْعُفُ عَنْ حَرْبٍ دَائِمٍ.
وَاسْتَعِينُوا يَا بَنِيَّ بِجُنْدَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَنْ تُغْلَبُوا مَعَهُمَا:
حَدُهُمَا: جُنْدُ الْغَفْلَةِ، فَأَغْفِلُوا قُلُوبَ بَنِي آدَمَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَلَيْسَ لَكُمْ شَيْءٌ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِكِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا غَفَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى تَمَكَّنْتُمْ مِنْهُ وَمِنْ إِغْوَائِهِ.
الثَّانِي: جُنْدُ الشَّهَوَاتِ، فَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَصُولُوا عَلَيْهِمْ بِهَذَيْنِ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَيْسَ لَكُمْ فِي بَنِي آدَمَ أَبْلَغُ مِنْهُمَا، وَاسْتَعِينُوا عَلَى الْغَفْلَةِ بِالشَّهَوَاتِ، وَعَلَى الشَّهَوَاتِ بِالْغَفْلَةِ، وَاقْرِنُوا بَيْنَ الْغَافِلِينَ، ثُمَّ اسْتَعِينُوا بِهِمَا عَلَى الذَّاكِرِ، وَلَا يَغْلِبُ وَاحِدٌ خَمْسَةً، فَإِنَّ مَعَ الْغَافِلَيْنِ شَيْطَانَيْنِ صَارُوا أَرْبَعَةً، وَشَيْطَانُ الذَّاكِرِ مَعَهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ جَمَاعَةً مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا يَضُرُّكُمْ - مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمُذَاكَرَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَدِينِهِ، وَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى تَفْرِيقِهِمْ - فَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِمْ بِبَنِي جِنْسِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ الْبَطَّالِينَ، فَقَرِّبُوهُمْ مِنْهُمْ، وَشَوِّشُوا عَلَيْهِمْ بِهِمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَعِدُّوا لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا، وَادْخُلُوا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ بَابِ إِرَادَتِهِ وَشَهْوَتِهِ، فَسَاعِدُوهُ عَلَيْهَا، وَكُونُوا لَهُ أَعْوَانًا عَلَى تَحْصِيلِهَا، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا لَكُمْ وَيُصَابِرُوكُمْ وَيُرَابِطُوا عَلَيْكُمُ الثُّغُورَ، فَاصْبِرُوا أَنْتُمْ وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا عَلَيْهِمْ بِالثُّغُورِ، وَانْتَهِزُوا فُرَصَكُمْ فِيهِمْ عِنْدَ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ، فَلَا تَصْطَادُوا بَنِي آدَمَ فِي أَعْظَمَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ.
وَقَدْ رَكَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْإِنْسَانِ نَفْسَيْنِ: نَفْسًا أَمَّارَةً وَنَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، وَهُمَا مُتَعَادِيَتَانِ، فَكُلُّ مَا خَفَّ عَلَى هَذِهِ ثَقُلَ عَلَى هَذِهِ، وَكُلُّ مَا الْتَذَّتْ بِهِ هَذِهِ تَأَلَّمَتْ بِهِ الْأُخْرَى، فَلَيْسَ عَلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَإِيثَارِ رِضَاهُ عَلَى هَوَاهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْفَعُ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ دَاعِي الْهَوَى.
وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْهُ، وَالْمَلَكُ مَعَ هَذِهِ عَنْ يَمْنَةِ الْقَلْبِ، وَالشَّيْطَانُ مَعَ تِلْكَ عَنْ يَسْرَةِ الْقَلْبِ، وَالْحُرُوبُ مُسْتَمِرَّةٌ لَا تَضَعُ أَوْزَارَهَا إِلَّا أَنْ يُسْتَوْفَى أَجَلُهَا مِنَ الدُّنْيَا، وَالْبَاطِلُ كُلُّهُ يَتَحَيَّزُ مَعَ الشَّيْطَانِ وَالْأَمَّارَةِ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ يَتَحَيَّزُ مَعَ الْمَلَكِ وَالْمُطْمَئِنَّةِ، وَالْحَرْبُ دُوَلٌ وَسِجَالٌ، وَالنَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ، وَمَنْ صَبَرَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ وَاتَّقَى اللَّهَ فَلَهُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمًا لَا يُبَدَّلُ أَبَدًا: أَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى، وَالْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
وفي علاج هذا الباب وإغلاقه في وجهه عدوه قال ابن القيم في الجواب الكافي (1/156):
الرَّابِعُ: الْفِكْرَةُ فِي عُيُوبِ النَّفْسِ وَآفَاتِهَا، وَفِي عُيُوبِ الْعَمَلِ، وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ عَظِيمَةُ النَّفْعِ، وَهَذَا بَابٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَتَأْثِيرُهَا فِي كَسْرِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَمَتَى كُسِرَتْ عَاشَتِ النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ وَانْبَعَثَتْ وَصَارَ الْحُكْمُ لَهَا، فَحَيِيَ الْقَلْبُ، وَدَارَتْ كَلِمَتُهُ فِي مَمْلَكَتِهِ، وَبَثَّ أُمَرَاءَهُ وَجُنُودَهُ فِي مَصَالِحِهِ.
وقال رحمه الله في مدارج السالكين (1/235-236) النَّظَرُ الثَّالِثُ: النَّظَرُ إِلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمَصْدَرِهَا، وَهُوَ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، وَيُفِيدُهُ نَظَرُهُ إِلَيْهَا أُمُورًا.
مِنْهَا: أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهَا جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ، وَأَنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ يَصْدُرُ عَنْهُمَا كُلُّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ قَبِيحٍ، وَمِنْ وَصْفِهِ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِقَامَتِهِ وَاعْتِدَالِهِ الْبَتَّةَ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ بَذْلَ الْجُهْدِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ الَّذِي يُخْرِجُهَا بِهِ عَنْ وَصْفِ الْجَهْلِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُخْرِجُهَا بِهِ عَنْ وَصْفِ الظُّلْمِ، وَمَعَ هَذَا فَجَهْلُهَا أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِهَا، وَظُلْمُهَا أَعْظَمُ مِنْ عَدْلِهَا.
فَحَقِيقٌ بِمَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَنْ يَرْغَبَ إِلَى خَالِقِهَا وَفَاطِرِهَا أَنْ يَقِيَهَا شَرَّهَا، وَأَنْ يُؤْتِيَهَا تَقْوَاهَا وَيُزَكِّيَهَا، فَهُوَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، فَإِنَّهُ رَبُّهَا وَمَوْلَاهَا، وَأَنْ لَا يَكِلَهُ إِلَيْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَإِنَّهُ إِنْ
وَكَلَهُ إِلَيْهَا هَلَكَ، فَمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ إِلَّا حَيْثُ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ «قُلِ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَقِنِي شَرَّ نَفْسِي» (3).
وَفِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» (4).
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وَقَالَ {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] .
فَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ وَمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ، وَمَأْوَى كُلِّ سُوءٍ، وَأَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فِيهَا فَفَضْلٌ مِنَ اللَّهِ مَنَّ بِهِ عَلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى : فَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ وَمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ، وَمَأْوَى كُلِّ سُوءٍ، وَأَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فِيهَا فَفَضْلٌ مِنَ اللَّهِ مَنَّ بِهِ عَلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى .انتهى كلامه.
فإذا أردت أن تغلق عليه هذا الباب فعليك بالاستعاذة كما أرشدك نبيك وحبيبك-- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها فإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا أَقُولُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ قُلِ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرُّهُ إِلَى مسلم)).(5).
وقوله في الحديث (وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ) الشيطان الذي انتصب لإغواء كل إنسان إلا عباد الله الذين ليس له عليهم سلطان.
وشره ، أَيْ: وَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ وَإِضْلَالِهِ (وَشِرْكِهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَيْ: مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَيُرْوَى بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: مَصَائِدِهِ وَحَبَائِلِهِ الَّتِي يَفْتَتِنُ بِهَا النَّاسُ ، وهي الشهوات والشبهات التي يدعو النفس إليها وبها ولذلك قدم الاستعاذة بالله من شر النفس حتى يغلق عليه بابها فلا يخلص إلى نصب حبائله ومصائده بالوسوسة لها .





الهامش :
1 - رواه أحمد في مسنده مطولا 3: 483، والنسائي 6: 21، 22، والبخاري في التاريخ 2 /2 / 188، 189، وابن الأثير في أسد الغابة 2: 260، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة ((سبرة بن أبي الفاكه)) له حديث عند النسائي، بإسناد حسن، إلا أن في إسناده اختلافًا)) ، ثم قال: ((وصححه ابن حبان)) والحديث في صحيح الجامع (1465) وقال صحيح والسلسلة الصحيحة (2979).
2 – صحيح ابن حبان (3/9)(ح 4593)وقال الشيخ الألباني : صحيح ، التعليق الرغيب (2/173)وصحيح الترغيب والترهيب (1299).
3- أخرجه أحمد في المسند 4/ 444، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 519 - 520 كتاب الدعوات (49)، باب (70) وهو مما قبل باب ما جاء في عقد التسبيح باليد (72)، الحديث (3483) واللفظ له، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، ص 547 - 548 باب ما يؤمر به المشرك أن يقول، الحديث (993)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 510 كتاب الدعاء، باب دعاء وقاية شر النفس، وقال: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي، وعزاه المتقي الهندي في كنز العمال 2/ 687، الحديث (5084) إلى: الروياني وأبي نعيم.
وأحمد (4 / 444) من طريق أخرى: (( اللهم قني شر نفسي واعزم على رشدي أمري )). وسنده صحيح على شرط الشيخين
وروى أحمد (4 / 217) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( اللهم اغفر لي ذنبي خطئي وعمدي اللهم إني أستهديك لأرشد أمري وأعوذ بك من شر نفسي )). وسنده جيد.
4 - تخريج الكلم الطيب (206 )وقال: (صحيح) وتخريج المشكاة (5860) وقد أفردها الشيخ برسالة صغيرة سماها خطبة الحاجة .
5 - البخاري في الأدب المفرد 1204وقال الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد صحيح ، وخلق أفعال العباد (1/49)ـ وأبو داود (5067)والترمذي (3392) وقال هذا حديث حسن صحيح وأحمد (52-63)أنظر «الصحيحة» (2763) و (الكلم الطيب» تعليق رقم (9) .

أبو بكر يوسف لعويسي
17-Feb-2018, 12:09 AM
- تزيين الباطل ، من شرك وكفر وبدعة ، وأعمال اعتقادية ، وقولية وفعلية مخالفة لما أمر الله وبه ونهى عنه : وهذا من أعظم الأبواب التي يلج منها عدو الله ليصل إلى إقناع ابن آدم بباطله وضلاله ، ويوقعهم في شراك غوايته ، وحبال شبكته فيزين الباطل ويلبسه شيئا من الحق ، ويزين للنفس الشهوات ، وللقلب الشبهات ، بالتأويل الفاسد أحيانا ، والبعيد أخرى ، وثالثة بالأغلوطات ، ورابعة باللحن في الحجة عند الخصومات .. ويستعين على ذلك بالإنسان على أخيه الإنسان ، بالحزبي على غير المتحزب ، وبالخلفي على السني ، وبالسني على السلفي ، وبالسلفي على السلفي حتى يلقي العداوة بينهم ؛ فيستعين بضعاف الإيمان على غيرهم ، وبالأقران على أقرانهم ، ويحرك حظوظ النفس ، والعزة بها ليوقع صحابها في التعصب والغلو وحب الاستعلاء والانتقام ظنا منه أن ذلك نصرة للحق .. قال عز وجل :{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(48). قال الماوردي (2/325): فزين للمشركين أعمالهم. يحتمل وجهين : أحدهما: زين لهم شركهم. والثاني : زين لهم قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه وجه ثالث : أنه زين لهم قوتهم في كثرتهم حتى اعتمدوها.. قلت : ولكن لمّا حصص الحق ، وانكشف الحال الصدق ، نكص على عقبه وفَرَق ، وحينها فقط انتصر الحق ، وتراجع الباطل وزهق . وقال تعالى :{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) النحل . قال أبو جعفر ابن جرير(17/235): القول في تأويل قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ (63) } يقول تعالى ذكره مقسِما بنفسه عزّ وجلّ لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم-: والله يا محمد لقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك إلى أمتك من الدعاء إلى التوحيد لله، وإخلاص العبادة له، والإذعان له بالطاعة، وخلع الأنداد والآلهة (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) يقول: فحسَّن لهم الشيطان ما كانوا عليه من الكفر بالله وعبادة الأوثان مقيمين، حتى كذّبوا رسلهم ، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند ربهم (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) يقول: فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا، وبئس الناصر (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة عند ورودهم على ربهم، فلا ينفعهم حينئذ ولاية الشيطان، ولا هي نفعتهم في الدنيا، بل ضرّتهم فيها وهي لهم في الآخرة أضرّ. ويقسم عدو الله مؤكدا لرب العزة أنه لا يترك سبيلا في الأرض يصل به إلى إغواء بني آدم بجميع أطيافهم ، وينال مراده أو بعض مراده منهم ، وخاصة من أهل الحق من ضعاف الإيمان وأنصاف المتعلمين إلا زينه بما يعجب النفوس ويصطادها ، وبما يُغيِّر القلوب ويزيغها . أخبرنا الله تعالى بذلك في قوله :{ قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }(40) الحجر: قال أبو جعفر ابن جرير- رحمه الله - (17/103): وكأن قوله (بِمَا أَغْوَيْتَنِي) خرّج مخرج القسم، كما يقال: بالله، أو بعزّة الله لأغوينهم. وعنى بقوله (لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) لأحسننّ لهم معاصيك، ولأحببنها إليهم في الأرض (وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يقول : ولأضلَّنهم عن سبيل الرشاد (إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) يقول : إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به. قال ابن رجب - رحمه الله - في تفسيره (1/79): وإمَّا المعصيةُ للَّهِ والمخالفةُ لأوامر، وذلكَ يستلزمُ طاعةَ الشيطانِ ؛ لأن الشيطانَ يأمرُ بسلوكِ الطُرقِ التي عن يمينِ الصراطِ وشمالِهِ، ويصدُّ عن سلوكِ الصراطِ المستقيم، كَمَا قالَ تعالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } (61) يس . وقالَ تعالَى مخبرا عنِ الشيطانِ: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ }(18) الأعراف . وقالَ تعالَى: { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الحجر . وصحَّ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه قالَ: إنَّ هذا الصراطَ مُحتضر، تحضرُهُ الشياطينُ. يا عبدَ اللَّهِ ، هذا الطريقُ، هلُمَّ إلى الطريقِ، فاعتصِمُوا بحبلِ اللَّه، فإنَّ حبلَ اللَّهِ هو القرآنُ ، وهذا كَمَا أنَّ الكتبَ المنزَّلة، والرسلَ المُرسلةَ وأتباعَهُم يدعونَ إلى اتِّباع الصراطِ المستقيم ، فالشيطانُ وأعوانُهُ وأتباعُهُ من الجنِّ والإنسِ يدعونَ إلى بقيةِ الطرقِ الخارجةِ عن الصراطِ المستقيم . كما قالَ تعالى :{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(71) الأنعام. انتهى كلامه . فما أكثر السبل المضروبة على جنبتي الصراط المستقيم ، وما أكثر الشياطين المتربصين بالمؤمنين يعينهم في ذلك شياطين الإنس بما يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . فقد استجاب لهم خلق كثير فانحرفوا عن الصراط المستقيم والمنهج القويم بعد أن كانوا يسيرون عليه ، وما زالوا يعتقدون أنهم كذلك ، وهم قد جرهم عدوهم بما زين لهم من زخرف القول ، وحسن الصنيع فانحرفوا عن الصراط إلى تلك السبل كل بحسبه ... قال تعالى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ} (8) فاطر. قال ابن جرير - رحمه الله –(20/441): يقول تعالى ذكره: أفمن حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به، وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان، فرآه حسنًا فحسب سيء ذلك حسنًا، وظن أن قبحه جميل، لتزيين الشيطان ذلك له. وقوله (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) يقول: فإن الله يخذل من يشاء عن الإيمان به واتباعك وتصديقك، فيضله عن الرشاد إلى الحق في ذلك، ويهدي من يشاء، يقول: ويوفق من يشاء للإيمان به واتباعك والقبول منك، فتهديه إلى سبيل الرشاد (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) يقول: فلا تهلك نفسك حزنًا على ضلالتهم وكفرهم بالله وتكذيبهم لك. وقال الرازي في تفسيره : يَعْنِي لَيْسَ مَنْ عَمِلَ سَيِّئًا كَالَّذِي عَمِلَ صَالِحًا، كَمَا قَالَ بَعْدَ هَذَا بِآيَاتٍ وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْمُسِيءِ الْكَافِرِ وَالْمُحْسِنِ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَعْلَمُ جَهْلَهُ وَالْمُسِيءَ الَّذِي يَعْلَمُ سُوءَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ وَيَتُوبُ ، وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ يُصِرُّ عَلَى الذُّنُوبِ وَالْمُسِيءُ الْعَالِمُ لَهُ صِفَةُ ذَمٍّ بِالْإِسَاءَةِ وَصِفَةُ مَدْحٍ بِالْعِلْمِ. وَالْمُسِيءُ الَّذِي يَرَى الْإِسَاءَةَ إِحْسَانًا لَهُ صِفَتَا ذَمٍّ الْإِسَاءَةُ وَالْجَهْلُ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْكُلَّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ أَشْخَاصُهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَالْإِسَاءَةُ وَالْإِحْسَانُ، وَالسَّيِّئَةُ وَالْحَسَنَةُ يَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَإِذَا عَرَفَهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاسْتِقْلَالٍ مِنْهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِنَادِ إِلَى إِرَادَةِ اللَّهِ. قال الله تعالى :{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ }(14) سورة محمد. قال ابن جرير – رحمه الله – (22/165): القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ }. يقول تعالى ذكره : (أَفَمَنْ كَانَ) على برهان وحجة وبيان (مِنْ) أمر (رَبِّهِ) والعلم بوحدانيته، فهو يعبده على بصيرة منه، بأن له رَبًّا يجازيه على طاعته إياه الجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه النار، (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) يقول: كمن حسَّن له الشيطان قبيح عمله وسيئه، فأراه جميلا فهو على العمل به مقيم (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يقول: واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية الله، وعبادة الأوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهان وحجة. قال الرازي - رحمه الله - (28/45): وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ }فَرْقٌ فَارِقٌ، وَقَوْلُهُ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ تَكْمِلَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَرَاجَتِ الشُّبْهَةُ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَتَبَيَّنُ لَهُ الْبُرْهَانُ وَقَبِلَهُ، لَكِنَّ مَنْ رَاجَتِ الشُّبْهَةُ عَلَيْهِ قَدْ يَتَفَكَّرُ فِي الْأَمْرِ وَيَرْجِعُ إِلَى الْحَقِّ، فَيَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى مَنْ هُوَ عَلَى الْبُرْهَانِ، وَقَدْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَلَا يَتَدَبَّرُ فِي الْبُرْهَانِ وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي الْبَيَانِ فَيَكُونُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. وقال السعدي - رحمه الله - (1/786): قوله تعالى :{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ }. أي : لا يستوي من هو على بصيرة من أمر دينه ، علما وعملا قد علم الحق واتبعه ، ورجا ما وعده الله لأهل الحق ، كمن هو أعمى القلب ، قد رفض الحق وأضله ، واتبع هواه بغير هدى من الله ، ومع ذلك ، يرى أن ما هو عليه من الحق، فما أبعد الفرق بين الفريقين! وما أعظم التفاوت بين الطائفتين ، أهل الحق وأهل الغي!. أ.هـ ومن طرق تزينه الحق بالباطل ، الوسوسة بما تهوى النفس، وكلمة الصدق يلقيها على من أراد تغريره نصيحة وهو كذوب يريد غيرها ... وقال سبحانه تعالى : {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} الأعراف . قال السعدي : ( 1/285)أمر الله تعالى آدم وزوجته حواء، التي أنعم الله بها عليه ليسكن إليها، أن يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا، إلا أنه عين لهما شجرة، ونهاهما عن أكلها، والله أعلم ما هي، وليس في تعيينها فائدة لنا. وحرم عليهما أكلها، بدليل قوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} . فلم يزالا ممتثلَيْن لأمر الله، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره، فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها، وموه عليهما وقال : {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} أي: من جنس الملائكة {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} كما قال في الآية الأخرى : {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} . ومع قوله هذا أقسم لهما بالله {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} أي: من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت، فاغترا بذلك، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل. انتهى كلامه قال أبو هريرة – رضي الله عنه - : فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث المرات ، أنك تزعم لا تعود، ثم تعود. قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255]، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة»، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: «ما هي»، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255]، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة»، قال: لا، قال: «ذاك شيطان» البخاري(2311-3275). قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (10/247) فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) : (صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ) . قال المؤلف : إذا كان من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه، ومن قرأ آية الكرسي كان عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فما ظنك بمن قرأها كلها من كفاية الله له وحرزه وحمايته من الشيطان وغيره، وعظيم ما يدخر له من ثوابها. انتهى كلامه. ومن أسباب تزين الأعمال تزيين البدعة وإخراجها على وجه الحق وصورته لذلك كان باب التوبة دونه مغلق فقد (( أبى الله أن يجعل لصاحب بدعة توبة))؟ أي: فالمبتدع المقيم على بدعته هو ممن يقال لهم : {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} (التوبة:37). وقد اجتمع إسناد التزين للشيطان والنفس ، ولذلك لا يتوب من بدعته لأنه يراها حسنة ؛ فمثله كمثل أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم في القرآن: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف:103، 104). فإنسان كان مشركاً أو كان مبتدعاً ضالا يحسب أنه يحسن صنعاً هذا يتصور أن يتوب؟ لا يتصور أن يتوب لأنه يرى أنه هو على الحق ، وصاحب الحق وغيره على الباطل وهو مبطل . ومن هنا قال العلماء: ضرر البدعة على صاحبها أخطر من ضرر المعصية ؛ لأن المعصية حينما يرتكبها العاصي يعرف أنه عاصي فيرجع ، أو أنه يوماً ما يتوب إلى الله من معصيته التي هو عارف بأنها معصية، لكن المبتدع الذي لسان حاله يقول: رب زدني؛ لأنه يتقرب ببدعته إلى الله عز وجل، فهذا لا يتصور أن يتوب إلى الله إلا أن يشاء الله رب العالمين . وهنا تنبيه مهم : وهو أن الشيطان - عليه اللعنة - حريص كل الحرص على تزيين الباطل وتزويقه وجعله في صورة الحق بزخرف القول غرورا ؛ ليصل به إلى مبتغاه الذي ينشده منذ أن طرده الله من رحمته .. فلا يترك كبيرة ولا صغيرة ، لا شاردة ولا واردة فيها أدنى أدنى طُعْم ليصطاد به فرائسه إلا سارع وبادر واستعمله لعله ينال من عدوه الذي أقسم بذات الله أنه له بالمرصاد من كل الجهات .. ومن أعظم أهدافه وأسمى غايته أن يجيش الجيوش ، جيش الكذب ، وجيش الخيانة ، والغدر ، وجيش النميمة ، والغيبة ، والحسد ، والغلو ، والتعصب ، والتفريط والإفراط والتدابر ، والتقاطع ، والمعاصي والشهوات والشبهات ، والقيل والقال ، وتتبع العورات ، والسقطات ، والتحسس والتجسس ، والتعالي ، والتعالم ، والقول على الله بغير علم ، والنيل من أعراض العلماء وأفاضل شيوخ العلم ، والطعن في الأنساب والفخر بالأحساب وغير ذلك .. من الجيوش الكثيرة من كل حدب وصوب على عباد الله الصالحين أتباع الرسل أهل الحق والصدق ، أهل السنة والجماعة ، حتى يفت في عضدهم ، ويفرق جماعتهم ، ويغرس العداوة والبغضاء بينهم حتى يصل بهم الحال إلى التنافر ، والتدابر ، و الاقتتال ، ولن يهنأ له بال ، ويهدأ له حال حتى يفعل بعض فعلته ولو بأضعف الإيمان إذا يئس من زعزعتهم وإضعافهم ؛ فيرضى بالتحريش بينهم هذا في الصحابة الذين هم القدوة ، وهم في أعلى مراتب الإيمان وأكمل منازل التوحيد والصلاح بالتقوى والطاعة والاتباع والورع والصدق .. ولكن في غيرهم لا يرضى بذلك حتى يضرب في مقاتلهم لعله يصب منهم مقتلا . لقد كاد ومكر عدو الله لكثير من النّاس في زمننا حتى غلب عليهم الهوى ، والزيغ والضلال ، فزين لهم حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، وغير ذلك من زينة الدنيا التي يشغلهم بها عن الغاية التي من أجلها خلقوا .. وقد ركب كثير منهم أمواج الباطل المزخرف ، وسبل الضلال المزين ، وحملوا رايات التعصب والغلو ، وألوية التحزب والطائفية ، والانتصار للباطل باسم الحق ، وللكذب باسم الصدق، وللخيانة باسم الأمانة ، وللبدعة باسم السنة ، وللجماعات والطائفيات باسم الجماعة والطاعة ، وهكذا في صور زينها الشيطان لكثير من بني جنسنا ممن يحسبون عل السنة ومنهج السلف الصالح ، وهم في الحقيقة يهدون بغير هدي السنة ومنهج السلف الصالح ، ويقولون من خير قول البرية ، تمويها وطاعة لوليهم وعدو أنفسهم إبليس لعنه الله ... أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه ، اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه ، وأعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه . اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما اختلفوا فيه أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك أن تهدي من تشاء إلى صراط المستقيم . آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــن .

أبو الوليد خالد الصبحي
27-Feb-2018, 10:37 AM
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل