أبو بكر يوسف لعويسي
04-Feb-2017, 03:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، حمدا طيبا مباركا فيه ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
إن كثيرا مما أخبر به- صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة قد تحقق ، ومن ذلك ظهور القلم ، فقد ظهرت الكتابة بشكل واضح ملفت تحمل الغث والسمين ، وتنشر الشر في الأمة ، من العلم الضار الملبس بشيء من الحق ، مما فيه خطورة على الأمة من تشويه الإسلام عقيدة وعبادة وسلوكا ..
ومن أخطر تلك الكتب التي ظهرت اليوم كتب المبتدعة وأهل الزيغ والضلال والزندقة ، وخاصة منها كتب الفلسفة ، والإلحاد ، والرفض ، وكتب الخوارج ، والإخوان من قطبية وسرورية وتحرير وغيرها..ممن ينتسبون إلى الإسلام بل إلى السنة ، هل من بني جلدتنا ويهدون بغير هدينا ..
فقد ملئوا الساحة بالكتب والكتيبات ، والرسائل والأشرطة والأقراص التي فيها الزيغ والضلال ، والدعوة إلى البدع والأهواء ظاهرا وباطنا ، والآن يملئون مواقع التواصل الاجتماعي بذلك ، ولكن - بحمد الله تعالى- قد تصدى لهذه الظواهر المخالفة لهدي الإسلام والمنهج السلفي علماء أجلاء ، وطلبة العلم فضلاء فبينوا ما فيها وما عليها ، وحذروا الأمة من خطرها وضررها وأفتوا بحرقها واتلافها اقتداء واهتداء بسلفهم الصالح .
فهذه الفتوى لم تكن بدعا من القول صدرت في العصر الحديث عن هؤلاء الأعلام وإنما هي فتوى سلفنا الصالح في التعامل مع كتب المبتدعة والكتب التي تحمل سيء القول وقبيحه في الإسلام وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، وأتباعهم بإحسان من علماء الأمة الربانيين ، ولما فيها من ضرر على عامة المسلمين وخاصتهم من طلبة الحق ضعاف العلم ، ضعاف النفوس .
فقد جاء في السنة للخلال :
818 - أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ حَمْدُونَ، قَالَ: ثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ أَخَذَ كِتَابَ أَبِي عَوَانَةَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْرَقَ أَحَادِيثَ الْأَعْمَشِ تِلْكَ .
وفيه 819 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا مُهَنَّى، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ، قُلْتُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: قَالَ سَلَّامٌ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ خِدَاشٍ، قَالَ: جَاءَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ إِلَى أَبِي عَوَانَةَ، فَقَالَ: هَاتِ هَذِهِ الْبِدَعَ الَّتِي قَدْ جِئْتَنَا بِهَا مِنَ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ كُتَبَهُ، فَأَلْقَاهَا فِي التَّنَّورِ، فَسَأَلْتُ خَالِدًا مَا كَانَ فِيهَا؟ قَالَ: حَدِيثُ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ)) ، وَأَشْبَاهِهِ، قُلْتُ لِخَالِدٍ: وَأَيْشِ؟ قَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ: ((أَنَا قَسِيمُ النَّارِ)) ، قُلْتُ لِخَالِدٍ: حَدَّثَكُمْ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وفيه 820- وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ مِنَ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، حَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ أَبِي: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ وَضَعَ كِتَابًا فِيهِ مَعَايِبُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ بَلَايَا، فَجَاءَ إِلَيْهِ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَوَانَةَ، أَعْطِنِي ذَلِكَ الْكِتَابَ، فَأَعْطَاهُ، فَأَخَذَهُ سَلَّامٌ فَأَحْرَقَهُ .
وقال نعيم بن حماد : (( أنفقت على كتبه - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - خمسة دنانير ثم أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته فعرفت، فقلت: هذا رأيُك؟! قال: نعم. فحرقتُ بعض كتبه فطرحتها )) الميزان (1/61).
هذا وأَبُو عَوَانَةَ (1) والأعمش (2) ثقتان ، وهما من هما من السنة ، فغيرهما من أهل الزيغ والضلال والبدع وممن انحرف عن جادة هؤلاء العلماء أولى وأولى بحرقها وإتلافها .
بل يجوز إحراقها وإتلافها ولو أخذها المحتسب على سبيل الإعارة حتى يتمكن من أخذها من أصحابها على وجه الحيلة ولا يضره ذلك ، بل يؤجر على ذلك كما أفتى بذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمام أهل السنة رضي الله عنه .
ففي السنة للخلال 821- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: اسْتَعرْتُ مِنْ صَاحِبِ حَدِيثٍ كِتَابًا، يَعْنِي فِيهِ الْأَحَادِيثَ الرَّدِيئَةَ، تَرَى أَنْ أُحَرِّقَهُ، أَوْ أُخَرِّقُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَقَدِ اسْتَعَارَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ كِتَابًا، فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ، فَأَحْرَقَ سَلَّامٌ الْكِتَابَ، قُلْتُ: " فَأَحْرِقُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ .
وفيه 822- أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ مُجْتَمِعَةٌ، مَا يُنْكَرُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوَهُ، فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا يَجْمَعُ هَذِهِ إِلَّا رَجُلُ سُوءٍ» .
وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: بَلَغَنِي عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى أَبِي عَوَانَةَ، فَاسْتَعَارَ مِنْهُ كِتَابًا كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ بَلَايَا، مِمَّا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَوَانَةَ، فَذَهَبَ سَلَّامٌ
بِهِ فَأَحْرَقَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَضُرَّهُ ذَلِكَ شَيْئًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَضُرُّهُ؟ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
بل أكثر من ذلك ، حتى لو سرقها من صاحبها ثم حرقها لما فيها من زندقة وضلال وانحراف عقدي ثم أُخذ بذلك فلا شيء عليه، ولا قطع عليه في ذلك حتى لو بلغ ثمنها نصاب السرقة .
وفيه 823 - أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكَرْمَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ إِسْحَاقَ يَعْنِي ابْنَ رَاهَوَيْهِ، قُلْتُ: رَجُلٌ سَرَقَ كِتَابًا مِنْ رَجُلٍ فِيهِ رَأْيُ جَهْمٍ أَوْ رَأْيُ الْقَدَرِ؟ قَالَ: " يَرْمِي بِهِ، قُلْتُ: إِنَّهُ أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّقَهُ أَوْ يَرْمِيَ بِهِ، هَلْ عَلَيْهِ قَطْعٌ؟ قَالَ : لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، قُلْتُ لِإِسْحَاقَ : رَجُلٌ عِنْدَهُ كِتَابٌ فِيهِ رَأْيُ الْإِرْجَاءِ أَوِ الْقَدَرِ أَوْ بِدْعَةٌ، فَاسْتَعَرْتُهُ مِنْهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي يَدِي أَحْرَقْتُهُ أَوْ مَزَّقْتُهُ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ . السنة (3/511)لأبي بكر الخَلَّال ،تحقيق : عطية الزهراني.
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله – كما في الطرق الحكميّة ( 2/710) تحقيق نايف بن أحمد الحمد: وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها.انتهى .
سبحان الله ، فأين الذين يروجون لكتب المبتدعة وأهل زيغ بحجة أن فيها فوائد على قاعدة لا يخل كتاب من فائدة ، وبعض الخير الذي أخذوه عن أهل السنة أو هو موجود عند أهل السنة المحضة ؟؟
ألم يكفيهم ما عند أهل السنة السلفيين حتى ذهبوا يروجون لكتب المرجئة ، والخوارج ، ومن يحمل أفكارهم ويناصرهم من الإخوان المفلسين وأعداء السلفيين الذين ألعنوا الحرب على السلفيين وطعنوا في علماء السنة المحضة !!! (3).
لقد عرف عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بالشدة في هذا الأمر، فأثر عنه حرق كتب المجوس: عباد النار، التي عثر المسلمون عليها في بلاد فارس ..
يقول ابن خلدون، رحمه الله، في تاريخه (1/631):
"ولما فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها ونقلها للمسلمين، فكتب إليه عمر: أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا". اهـ.
ولعل شدته تلك راجعة إلى ما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم من تغير وجهه وتمعره يوم أن أتى بصيحفة اكتتبها من أهل الكتاب فلما قرآها على النبي تمعر وجهه صلى الله عليه وسلم وغضب حتى عرف ذلك في وجهه .
قال ابن القيم في الطرق الحكمية (2/710): وقد "رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد عمر - رضي الله عنه - كتابًا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه))(4).
فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه و سلم ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بعضها ما في القرآن والسنة؟ والله المستعان …انتهى كلامه .
وفي البيان والتحصيل. والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة (9/170)قال : وقد كان قاض في زمن أبان بن عثمان بن عفان رفع إليه كتب قد تقادم أمرها والتبس الشأن فيها، فأخذها فأحرقها بالنار، فقيل لمالك: أيحسن ذلك؟ قال: نعم، إني لأراه حسنا، هذه أمور لا أدري ما هي.
وقد جعل محمد أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ) في كتابه المدخل لدراسة القرآن الكريم (1/277): مبحثا عنون له بقوله :
هل يجوز حرق كتب العلم ونحوها.ثم قال : وقد أخذ العلماء من أمر عثمان رضي الله عنه بتحريق الصحف والمصاحف الأخرى حين جمع القرآن في المصاحف المعتمدة جواز تحريق المصاحف البالية والكتب التي يذكر فيها اسم الله تعالى ، وأن في ذلك إكراما لها وصيانة عن
الوطء بالأقدام وكان طاوس يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده وفيها ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة. انتهى كلامه .
قال ابن القيم – رحمه الله- في نفس المصدر السابق : وقد حرَّق الصحابة - رضي الله عنهم - جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان ، لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا أكثر هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟ .انتهى.
فإذا كان حرق الصحف القديمة والمصاحف الأخرى ، وكتب الفقه التي فيها( بسم الله الرحمن الرحيم ) صيانة للأمة من التفرق والتمزق على نفسها وإكراما للمصاحف والصحف وصيانة لها عن إهانتها بالوطء والرمي ؛ فيمن باب أولى وأولى حرق كتب الضلال والزيغ والبدع من أجل إهانتها وإتلاف شرها أن يصل أو يطال أحدا من الأمة .وصيانة للأمة من ضررها وخطرها .
وقال ابن القيم – رحمه الله - : وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها بل مأذون في محقها وإتلافها وما على الأمة أضر منها.نفس المصدر .
وذكر الألوسي : أن القاضي عياضاً المالكي كان شديد التعصب للسنة والتمسك بها حتى أمر بإحراق كتب الغزالي . جلاء العينين في محاكمة الأحمدين (1/141)وذكرها ابن العماد في شذرات الذهب في أخبار من ذهب في ترجمة القاضي عياض (6/277)أيضا .
وحادثة إحراق كتب الغزالي مشهورة ، وعلى رأسها الإحياء -، ففي عام 503 هـ صدرت أوامر علي بن يوسف بحرق كتب الغزالي وبخاصة كتاب إحياء علوم الدين، فتم إحراقها في المغرب والأندلس ، وقد استند الفقهاء في تبرير ذلك إلى احتواء كتاب الإحياء على علم الكلام والفلسفة وخرافات الصوفية .فانظر: البيان المغرب لابن عذاري (4/59-60) ، والحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس: عصر المرابطين والموحدين: (ص : 450-451) .
هكذا كان علماؤنا من سلفنا الصالح يتعاملون مع الكتب الزائفة الزائغة والتي تحمل في طياتها الكفر والإلحاد والزندقة والضلال والبدع والأهواء والكذب والعداء لأهل السنة ، فينبغي على طلبة العلم خاصة والسلفيين عامة أن يبادروا إلى إحراق كتب أهل البدع والأهواء بعد عرضها على العلماء وأخذ الإذن والفتوى في إتلافها وأن لا ينظروا فيها بل يبينوا للنّاس بإحراقها وإتلافها ما فيها من قول قبيح ومعتقد خبيث أو منهج معوج منحرف عن الصراط المستقيم وهدي سلفنا الصالح القويم .
إتلافها أولى من إتلاف الخمر :
وجودها هذه الكتب وبقاؤها خطير وعظيم على الأمة و إتلافها أولى من إتلاف جرار الخمر لأن ضررها أعظم وأخطر من ضرر الخمر مما يفيد أن خطر وضرر البدع أعظم من ضرر المعاصي ، وقد كنت كتبت في ذلك مقالا بعنوان : (( إعلام الداني والقاصي بأن خطر البدع أعظم من خطر المعاصي)) وهو منشور .
قال ابن القيم – رحمه الله -: (( والمقصود: أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة، يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتـلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمـان فيها، كمـا لاضمان في كسـر أواني الخمر وشق زقاقها)).(الطرق الحكميّة (2/711).
المبادرة إلى إتلافها أو حرقها :
قال ابن القيم وقد رأى النبي -صلى الله عليه و سلم- بيدي عمر كتاباً اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعّر وجه النبي - صلى الله عليه و سلم- حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه . أنظر تخريجه في الهامش رقم (4).
أقول : ليس في رواية القصة عند من خرجها أنه ذهب به عمر إلى التنور ، ولكن لا يشك عاقل أن عمر – رضي الله عنه- أتلافها أو أحرقها إذ لا يعقل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا محمرا وجهه ويتركها بعد ذلك .
وقـال ابن القيم – رحمه الله - :وَقَوْلُهُ: فَتَيَمَّمْتُ بِالصَّحِيفَةِ التَّنُّورَ، فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِتْلَافِ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْمَضَرَّةُ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ الْحَازِمَ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ، وَهَذَا كَالْعَصِيرِ إِذَا تَخَمَّرَ، وَكَالْكِتَابِ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ الضَّرَرُ وَالشَّرُّ، فَالْحَزْمُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِتْلَافِهِ وَإِعْدَامِهِ. (زاد المعاد ( 3 / 509 )مؤسسة الرسالة .
======================
الهوامش :
(1) هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز مشهور بكنيته، ثقة ثبت، توفي سنة خمس أو ست وسبعين ومائة. (انظر: تقريب التهذيب 369) .والجرح والتعديل (9/40-41)
(2) الأعمش هو سليمان بن مهران ثقة ثبت حتى كان يلقب بالمصحف لصدقه (تهذيب التهذيب (4/223)
(3) هذا لا يدخل فيه الكتب التي عند العلماء وطلبة العلم المتمكنين التي يحتفظون بها في مكتباتهم التي ردوا عليه، وفندوا ما فيها؛ أو حتى يردوا عليها ويبينون ما فيها من ضلال وزيغ ، وإلا كيف يعرف النّاس ما فيها ، فهذا مستثنى من ذلك ، ولكن يمكن أن يقال ينبغي أن تتلف وتحرق بعد بيان ما فيها والرد على الزيغ والضلال الذي جاءت به هذه الكتب ، أما من لم يكن منهم فهذا لا ينبغي له أن يشتريها ولا أن ينظر فيها وإذا كانت عند بأي طريق وصلت إلى مكتبته فعليه أن يبادر إلى إتلافها وحرقها ..
(4) رواه بنحوه دون قوله: (حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه) أحمد (3/387) وابن أبي شيبة (5/313)،وابن أبي عاصم في السنة(1/27)،والبيهقي في الشعب(1/77)
والبغوي في شرح السنَّة (1/ 270) من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني - رحمه الله تعالى - في الإرواء رقم (1589)لكثرة شواهده ومنها :
خامسا: عن أبي الدرداء قال: ((جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... )) الحديث نحو رواية جابر باختصار وفيه: (( والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا ، أنتم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين )) .
أقول : فمن يترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ بسنة أهل الكتاب فقد ضل ضلالا مبينا ، وكذلك من يترك ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى اتباع كل ناعق ممن ينادون بمساواة الأديان ، أو التقريب بينها وخاصة بعد معرفتهم شدة غضب النبي على من يفعل ذلك ويقصد إليه عمدا وينصح ولا يترك ذلك ولا يتلفه ..
الحمد لله ، حمدا طيبا مباركا فيه ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
إن كثيرا مما أخبر به- صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة قد تحقق ، ومن ذلك ظهور القلم ، فقد ظهرت الكتابة بشكل واضح ملفت تحمل الغث والسمين ، وتنشر الشر في الأمة ، من العلم الضار الملبس بشيء من الحق ، مما فيه خطورة على الأمة من تشويه الإسلام عقيدة وعبادة وسلوكا ..
ومن أخطر تلك الكتب التي ظهرت اليوم كتب المبتدعة وأهل الزيغ والضلال والزندقة ، وخاصة منها كتب الفلسفة ، والإلحاد ، والرفض ، وكتب الخوارج ، والإخوان من قطبية وسرورية وتحرير وغيرها..ممن ينتسبون إلى الإسلام بل إلى السنة ، هل من بني جلدتنا ويهدون بغير هدينا ..
فقد ملئوا الساحة بالكتب والكتيبات ، والرسائل والأشرطة والأقراص التي فيها الزيغ والضلال ، والدعوة إلى البدع والأهواء ظاهرا وباطنا ، والآن يملئون مواقع التواصل الاجتماعي بذلك ، ولكن - بحمد الله تعالى- قد تصدى لهذه الظواهر المخالفة لهدي الإسلام والمنهج السلفي علماء أجلاء ، وطلبة العلم فضلاء فبينوا ما فيها وما عليها ، وحذروا الأمة من خطرها وضررها وأفتوا بحرقها واتلافها اقتداء واهتداء بسلفهم الصالح .
فهذه الفتوى لم تكن بدعا من القول صدرت في العصر الحديث عن هؤلاء الأعلام وإنما هي فتوى سلفنا الصالح في التعامل مع كتب المبتدعة والكتب التي تحمل سيء القول وقبيحه في الإسلام وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، وأتباعهم بإحسان من علماء الأمة الربانيين ، ولما فيها من ضرر على عامة المسلمين وخاصتهم من طلبة الحق ضعاف العلم ، ضعاف النفوس .
فقد جاء في السنة للخلال :
818 - أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ حَمْدُونَ، قَالَ: ثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ أَخَذَ كِتَابَ أَبِي عَوَانَةَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْرَقَ أَحَادِيثَ الْأَعْمَشِ تِلْكَ .
وفيه 819 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا مُهَنَّى، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ، قُلْتُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: قَالَ سَلَّامٌ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ خِدَاشٍ، قَالَ: جَاءَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ إِلَى أَبِي عَوَانَةَ، فَقَالَ: هَاتِ هَذِهِ الْبِدَعَ الَّتِي قَدْ جِئْتَنَا بِهَا مِنَ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ كُتَبَهُ، فَأَلْقَاهَا فِي التَّنَّورِ، فَسَأَلْتُ خَالِدًا مَا كَانَ فِيهَا؟ قَالَ: حَدِيثُ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ)) ، وَأَشْبَاهِهِ، قُلْتُ لِخَالِدٍ: وَأَيْشِ؟ قَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ: ((أَنَا قَسِيمُ النَّارِ)) ، قُلْتُ لِخَالِدٍ: حَدَّثَكُمْ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وفيه 820- وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ مِنَ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، حَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ أَبِي: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ وَضَعَ كِتَابًا فِيهِ مَعَايِبُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ بَلَايَا، فَجَاءَ إِلَيْهِ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَوَانَةَ، أَعْطِنِي ذَلِكَ الْكِتَابَ، فَأَعْطَاهُ، فَأَخَذَهُ سَلَّامٌ فَأَحْرَقَهُ .
وقال نعيم بن حماد : (( أنفقت على كتبه - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - خمسة دنانير ثم أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته فعرفت، فقلت: هذا رأيُك؟! قال: نعم. فحرقتُ بعض كتبه فطرحتها )) الميزان (1/61).
هذا وأَبُو عَوَانَةَ (1) والأعمش (2) ثقتان ، وهما من هما من السنة ، فغيرهما من أهل الزيغ والضلال والبدع وممن انحرف عن جادة هؤلاء العلماء أولى وأولى بحرقها وإتلافها .
بل يجوز إحراقها وإتلافها ولو أخذها المحتسب على سبيل الإعارة حتى يتمكن من أخذها من أصحابها على وجه الحيلة ولا يضره ذلك ، بل يؤجر على ذلك كما أفتى بذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمام أهل السنة رضي الله عنه .
ففي السنة للخلال 821- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: اسْتَعرْتُ مِنْ صَاحِبِ حَدِيثٍ كِتَابًا، يَعْنِي فِيهِ الْأَحَادِيثَ الرَّدِيئَةَ، تَرَى أَنْ أُحَرِّقَهُ، أَوْ أُخَرِّقُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَقَدِ اسْتَعَارَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ كِتَابًا، فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ، فَأَحْرَقَ سَلَّامٌ الْكِتَابَ، قُلْتُ: " فَأَحْرِقُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ .
وفيه 822- أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ مُجْتَمِعَةٌ، مَا يُنْكَرُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوَهُ، فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا يَجْمَعُ هَذِهِ إِلَّا رَجُلُ سُوءٍ» .
وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: بَلَغَنِي عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى أَبِي عَوَانَةَ، فَاسْتَعَارَ مِنْهُ كِتَابًا كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ بَلَايَا، مِمَّا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَوَانَةَ، فَذَهَبَ سَلَّامٌ
بِهِ فَأَحْرَقَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَضُرَّهُ ذَلِكَ شَيْئًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَضُرُّهُ؟ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
بل أكثر من ذلك ، حتى لو سرقها من صاحبها ثم حرقها لما فيها من زندقة وضلال وانحراف عقدي ثم أُخذ بذلك فلا شيء عليه، ولا قطع عليه في ذلك حتى لو بلغ ثمنها نصاب السرقة .
وفيه 823 - أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكَرْمَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ إِسْحَاقَ يَعْنِي ابْنَ رَاهَوَيْهِ، قُلْتُ: رَجُلٌ سَرَقَ كِتَابًا مِنْ رَجُلٍ فِيهِ رَأْيُ جَهْمٍ أَوْ رَأْيُ الْقَدَرِ؟ قَالَ: " يَرْمِي بِهِ، قُلْتُ: إِنَّهُ أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّقَهُ أَوْ يَرْمِيَ بِهِ، هَلْ عَلَيْهِ قَطْعٌ؟ قَالَ : لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، قُلْتُ لِإِسْحَاقَ : رَجُلٌ عِنْدَهُ كِتَابٌ فِيهِ رَأْيُ الْإِرْجَاءِ أَوِ الْقَدَرِ أَوْ بِدْعَةٌ، فَاسْتَعَرْتُهُ مِنْهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي يَدِي أَحْرَقْتُهُ أَوْ مَزَّقْتُهُ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ . السنة (3/511)لأبي بكر الخَلَّال ،تحقيق : عطية الزهراني.
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله – كما في الطرق الحكميّة ( 2/710) تحقيق نايف بن أحمد الحمد: وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها.انتهى .
سبحان الله ، فأين الذين يروجون لكتب المبتدعة وأهل زيغ بحجة أن فيها فوائد على قاعدة لا يخل كتاب من فائدة ، وبعض الخير الذي أخذوه عن أهل السنة أو هو موجود عند أهل السنة المحضة ؟؟
ألم يكفيهم ما عند أهل السنة السلفيين حتى ذهبوا يروجون لكتب المرجئة ، والخوارج ، ومن يحمل أفكارهم ويناصرهم من الإخوان المفلسين وأعداء السلفيين الذين ألعنوا الحرب على السلفيين وطعنوا في علماء السنة المحضة !!! (3).
لقد عرف عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بالشدة في هذا الأمر، فأثر عنه حرق كتب المجوس: عباد النار، التي عثر المسلمون عليها في بلاد فارس ..
يقول ابن خلدون، رحمه الله، في تاريخه (1/631):
"ولما فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها ونقلها للمسلمين، فكتب إليه عمر: أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا". اهـ.
ولعل شدته تلك راجعة إلى ما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم من تغير وجهه وتمعره يوم أن أتى بصيحفة اكتتبها من أهل الكتاب فلما قرآها على النبي تمعر وجهه صلى الله عليه وسلم وغضب حتى عرف ذلك في وجهه .
قال ابن القيم في الطرق الحكمية (2/710): وقد "رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد عمر - رضي الله عنه - كتابًا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه))(4).
فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه و سلم ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بعضها ما في القرآن والسنة؟ والله المستعان …انتهى كلامه .
وفي البيان والتحصيل. والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة (9/170)قال : وقد كان قاض في زمن أبان بن عثمان بن عفان رفع إليه كتب قد تقادم أمرها والتبس الشأن فيها، فأخذها فأحرقها بالنار، فقيل لمالك: أيحسن ذلك؟ قال: نعم، إني لأراه حسنا، هذه أمور لا أدري ما هي.
وقد جعل محمد أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ) في كتابه المدخل لدراسة القرآن الكريم (1/277): مبحثا عنون له بقوله :
هل يجوز حرق كتب العلم ونحوها.ثم قال : وقد أخذ العلماء من أمر عثمان رضي الله عنه بتحريق الصحف والمصاحف الأخرى حين جمع القرآن في المصاحف المعتمدة جواز تحريق المصاحف البالية والكتب التي يذكر فيها اسم الله تعالى ، وأن في ذلك إكراما لها وصيانة عن
الوطء بالأقدام وكان طاوس يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده وفيها ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة. انتهى كلامه .
قال ابن القيم – رحمه الله- في نفس المصدر السابق : وقد حرَّق الصحابة - رضي الله عنهم - جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان ، لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا أكثر هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟ .انتهى.
فإذا كان حرق الصحف القديمة والمصاحف الأخرى ، وكتب الفقه التي فيها( بسم الله الرحمن الرحيم ) صيانة للأمة من التفرق والتمزق على نفسها وإكراما للمصاحف والصحف وصيانة لها عن إهانتها بالوطء والرمي ؛ فيمن باب أولى وأولى حرق كتب الضلال والزيغ والبدع من أجل إهانتها وإتلاف شرها أن يصل أو يطال أحدا من الأمة .وصيانة للأمة من ضررها وخطرها .
وقال ابن القيم – رحمه الله - : وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها بل مأذون في محقها وإتلافها وما على الأمة أضر منها.نفس المصدر .
وذكر الألوسي : أن القاضي عياضاً المالكي كان شديد التعصب للسنة والتمسك بها حتى أمر بإحراق كتب الغزالي . جلاء العينين في محاكمة الأحمدين (1/141)وذكرها ابن العماد في شذرات الذهب في أخبار من ذهب في ترجمة القاضي عياض (6/277)أيضا .
وحادثة إحراق كتب الغزالي مشهورة ، وعلى رأسها الإحياء -، ففي عام 503 هـ صدرت أوامر علي بن يوسف بحرق كتب الغزالي وبخاصة كتاب إحياء علوم الدين، فتم إحراقها في المغرب والأندلس ، وقد استند الفقهاء في تبرير ذلك إلى احتواء كتاب الإحياء على علم الكلام والفلسفة وخرافات الصوفية .فانظر: البيان المغرب لابن عذاري (4/59-60) ، والحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس: عصر المرابطين والموحدين: (ص : 450-451) .
هكذا كان علماؤنا من سلفنا الصالح يتعاملون مع الكتب الزائفة الزائغة والتي تحمل في طياتها الكفر والإلحاد والزندقة والضلال والبدع والأهواء والكذب والعداء لأهل السنة ، فينبغي على طلبة العلم خاصة والسلفيين عامة أن يبادروا إلى إحراق كتب أهل البدع والأهواء بعد عرضها على العلماء وأخذ الإذن والفتوى في إتلافها وأن لا ينظروا فيها بل يبينوا للنّاس بإحراقها وإتلافها ما فيها من قول قبيح ومعتقد خبيث أو منهج معوج منحرف عن الصراط المستقيم وهدي سلفنا الصالح القويم .
إتلافها أولى من إتلاف الخمر :
وجودها هذه الكتب وبقاؤها خطير وعظيم على الأمة و إتلافها أولى من إتلاف جرار الخمر لأن ضررها أعظم وأخطر من ضرر الخمر مما يفيد أن خطر وضرر البدع أعظم من ضرر المعاصي ، وقد كنت كتبت في ذلك مقالا بعنوان : (( إعلام الداني والقاصي بأن خطر البدع أعظم من خطر المعاصي)) وهو منشور .
قال ابن القيم – رحمه الله -: (( والمقصود: أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة، يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتـلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمـان فيها، كمـا لاضمان في كسـر أواني الخمر وشق زقاقها)).(الطرق الحكميّة (2/711).
المبادرة إلى إتلافها أو حرقها :
قال ابن القيم وقد رأى النبي -صلى الله عليه و سلم- بيدي عمر كتاباً اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعّر وجه النبي - صلى الله عليه و سلم- حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه . أنظر تخريجه في الهامش رقم (4).
أقول : ليس في رواية القصة عند من خرجها أنه ذهب به عمر إلى التنور ، ولكن لا يشك عاقل أن عمر – رضي الله عنه- أتلافها أو أحرقها إذ لا يعقل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا محمرا وجهه ويتركها بعد ذلك .
وقـال ابن القيم – رحمه الله - :وَقَوْلُهُ: فَتَيَمَّمْتُ بِالصَّحِيفَةِ التَّنُّورَ، فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِتْلَافِ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْمَضَرَّةُ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ الْحَازِمَ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ، وَهَذَا كَالْعَصِيرِ إِذَا تَخَمَّرَ، وَكَالْكِتَابِ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ الضَّرَرُ وَالشَّرُّ، فَالْحَزْمُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِتْلَافِهِ وَإِعْدَامِهِ. (زاد المعاد ( 3 / 509 )مؤسسة الرسالة .
======================
الهوامش :
(1) هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز مشهور بكنيته، ثقة ثبت، توفي سنة خمس أو ست وسبعين ومائة. (انظر: تقريب التهذيب 369) .والجرح والتعديل (9/40-41)
(2) الأعمش هو سليمان بن مهران ثقة ثبت حتى كان يلقب بالمصحف لصدقه (تهذيب التهذيب (4/223)
(3) هذا لا يدخل فيه الكتب التي عند العلماء وطلبة العلم المتمكنين التي يحتفظون بها في مكتباتهم التي ردوا عليه، وفندوا ما فيها؛ أو حتى يردوا عليها ويبينون ما فيها من ضلال وزيغ ، وإلا كيف يعرف النّاس ما فيها ، فهذا مستثنى من ذلك ، ولكن يمكن أن يقال ينبغي أن تتلف وتحرق بعد بيان ما فيها والرد على الزيغ والضلال الذي جاءت به هذه الكتب ، أما من لم يكن منهم فهذا لا ينبغي له أن يشتريها ولا أن ينظر فيها وإذا كانت عند بأي طريق وصلت إلى مكتبته فعليه أن يبادر إلى إتلافها وحرقها ..
(4) رواه بنحوه دون قوله: (حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه) أحمد (3/387) وابن أبي شيبة (5/313)،وابن أبي عاصم في السنة(1/27)،والبيهقي في الشعب(1/77)
والبغوي في شرح السنَّة (1/ 270) من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسَّنه الألباني - رحمه الله تعالى - في الإرواء رقم (1589)لكثرة شواهده ومنها :
خامسا: عن أبي الدرداء قال: ((جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... )) الحديث نحو رواية جابر باختصار وفيه: (( والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا ، أنتم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين )) .
أقول : فمن يترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ بسنة أهل الكتاب فقد ضل ضلالا مبينا ، وكذلك من يترك ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى اتباع كل ناعق ممن ينادون بمساواة الأديان ، أو التقريب بينها وخاصة بعد معرفتهم شدة غضب النبي على من يفعل ذلك ويقصد إليه عمدا وينصح ولا يترك ذلك ولا يتلفه ..